رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثامن 8 بقلم دودو محمد


 رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثامن 

نظرت ترنيم له بصدمه، والدموع تتسابق على وجنتيها كما لو كانت تحمل كل آلامها وآمالها المكسورة. شعرت بكل شيء يتلاشى من حولها كما ينزلق الرمل من بين أصابع اليد، وتلاشت أصوات العالم الخارجي تاركة إياها في فقاعة من الحزن. مسحت دموعها بظهر يدها مثل الطفل الصغير الذي يحاول محاربة مشاعر الخسارة، وتحدثت من بين شهقاتها: 
"ليه يا سلطان، طيب أنت زعلان مني علشان اللي عملته من شويه؟ أنا آسفه ومش هعمل كده تاني والله، أنا كنت بستفزك مش أكتر، لو مضايق علشان بزن عليك زي الأطفال، خلاص والله العظيم مش هزن عليك. لكن بالله عليك متقولش كده تاني، أنا مقدرش أعيش من غيرك، يا سلطان."
تقطع قلبه عليها، وتمنى لو يستطيع إزالة عبراتها ولكن الواقع كان أقوى من أمانيه. كان يدرك أن دموعها ليست مجرد تعبير عن الحزن، بل تعكس عشقًا صادقًا وألمًا عميقًا. أراد أخذها بين ذراعيه، لكن المبادئ التي تشبث بها كانت تحتاج إلى الحماية. تكلم بصوت مختنق، قائلاً: 
"افهميني يا ترنيم، عمرنا ما هنقدر نغير نظرة المجتمع لينا. الكل شايف أني ربيتك وكبرتك، وبعد كده طمعت فيكي ليا. فرق السن اللي ما بينا هيفضل عائق ما بينا. انتي هتفضلي بنتي اللي ربيتك واللي سكنت قلبي، بس مش هقدر أظلمك وأتجوزك يا ترنيم."
حركت رأسها بالرفض، وبدت ملامح وجهها متورمة من البكاء، تكلمت من بين شهقاتها التي جاءت كصوت أمواج حارقة تصطدم بالشواطئ: 
"مليش دعوة بكلام الناس يا سلطان. أنا بحبك وانت بتحبني، وراضية انك تطمع فيا، وراضية بفرق السن وراضية بكل حاجة، بس متسبنيش يا سلطان، بترجاك."
كلماتها كانت مثل رصاصات تنطلق نحو قلبه، تهز أركانه وتعمق الجرح الذي لم يتوقف عن النزف.
نظر إلى الاتجاه الآخر، حيث كانت الأشجار تراقبهم بشغف، وتحدث بنبرة حاول أن تكون حازمة، ولكنها بدت ضعيفة أمام هذا الفراق: 
"خلصنا يا ترنيم، ده قراري ومش هرجع فيه، وياريت تثبتي ليا أنك فعلاً كبرتي ومش طفلة وتتقبلي القرار ده." 
كان صوته يرتعش قليلاً، مما جعلها تشعر بمدى الصراع الداخلي الذي كان يجري في داخله، لكنه استمر في التمسك بموقفه كأنه يحاول صد هجومٍ من مشاعر مختلطة.
وضعت يدها على وجهها، وكأنها تخفي عواطفها الجارفة، وتعالت شهقاتها بشكل أكثر حدة، وظلت تبكي بحرقة كما لو كانت تبكي أحلامها وآمالها التي بدأت تتلاشى. أغلق عينيه بحزن عميق، ثم انفجر بغضب محاولا فرض سلطته: 
"ترررنيم كفاية بقى. أنا هفضل جنبك وبحميكي، بس كأب ربيتك وكبرتْك، وخلاكي دكتورة قد الدنيا." 
كان صوته قوياً، لكن في قلبه كان هناك صراع عظيم. كيف يمكنه أن يكون الأب الحامي والرجل الذي سيقطع حبل الوصل بينهما؟
ثم استقام بجسده، وكأن ثقل العالم بأسره يحمله، وقال: 
"يلا علشان أوصلك المستشفى، علشان مسافر كام يوم." 
بدا عليه التعب، حيث كانت مشاعره متضاربة، ولكن كان عليه أن يتماسك.
نظرت له بحزن ووجع، كأن قلبها قد انقسم على نفسه، وقالت: 
"أول مرة تقولي إنك مسافر قبلها يا سلطان. بترجاك فكر في قرارك ده، مش هقدر أعيش من غيرك، ولا عمري هقبل براجل في حياتي غيرك." 
كلماتها كانت مليئة بالخشوع، وكأنها تبحث في أعماقه عن أي بارقة أمل، ولكنها علمت في قرارة نفسها أن الطريق مسدود. ومع ذلك، كانت تأمل أن تتغير الأمور، وأن يتمكن الحب من تجاوز الحواجز التي بناها المجتمع حولهما.
تكلم بغضب بعد أن أشعلت النار بقلبه لمجرد سماعه أنها ممكن تبقى مع رجل آخر:
"ترنيم، قومي أخلصي بقى، الناس بتتفرج علينا." 
كانت كلماته مليئة بالشعور بالخيبة، وكأن كل ما بناه من ذكريات جميلة جرى سحبه من تحت قدميه. علا صوت غضبه كالرعد في يوم عاصف، بينما صدمته الأخبار بفكرة فقدانها لقوة ارتباطهما. استقبلت ترنيم كلمات سلطان بصمت ثقيل، وكأن الصدمة قد خنقتها، وجعلتها غير قادرة على تحريك عضلة من وجهها. 
وقفت بصعوبة وهي الدموع تتسابق على وجهها وأومأت برأسها كالذي يكافح بين مشاعر الألم والتشتت. نظر لها سلطان نظرة مطولة، كانت تحمل في طياتها مزيجًا من الحب والخوف، وحرك يده لها حتى تتحرك أمامه. تحركت بصعوبة، كأن كل خطوة تخطوها كانت تجر وراءها عبء الخيبة والوجع. صعدت السيارة بصمت تام، وظلت تنظر من خلف زجاج النافذة، حيث سارت قطرات الدموع بسرعة على خديها، كادت تبتلعها. كان كل ما تراه من الخارج يبدو وكأنه مشهد يبدو غير متصل بها، يشعرها بأنها عالقة في ذاتها، حيث الأسئلة تعصف بذهنها، تشكك في كل ما حدث حتى الآن.
كان سلطان يستمع لشهقاتها وقلبه يتقطع عليها، وكأن مشاعره تتمزق ببطء. لكنه أدرك أنه عليه الثبات على المبدأ، وأن هذه اللحظة اختبار لقوة الرابط الذي بينهما. هو من وضع الأساس، وعليه أن يستمر فيما بدأه رغم كل الامواج العاتية التي يتعرض لها. وبعد وقت، توقف أمام باب المشفى، مرتجفًا من مشاعره المضطربة. أخرج الكلام من فمه بصوت مختنق وهو ينظر أمامه: "فيه عربية هتخدك من عند الباب، هتوصلك لحد المستشفى، ولما تخلصي هتلاقيها مستنياكي، وياريت تثبتي ليا أنك فعلاً كبيرة وناضجة، وأن المعلم سلطان الدسوقي عرف يربي بجد." 
نظرت له بعيون حزينة والدموع تتسابق على وجهها، نظرة بها لوم ووجع واشتياق، وكأنها تقول له: 
"لكنك أيضًا السبب في كل هذا." 
نظر إلى الاتجاه الآخر، كأنه يحاول تهدئة الاضطراب الذي يجري داخل رأسه، وتكلم بصوت مختنق: 
"تقدري تنزلي؟ يلا." 
كانت كلماته عبارة عن دعوة مرتبكة للخروج من دائرة الألم، ولكنها لم تترك له خيارًا. 
فتحت الباب وترجلت منه، نظرت له نظرة أخيرة تعبر عن كل ما يعتلج داخلها من مشاعر، ودفعت الباب بقوة، وتحركت سريعاً إلى الداخل، وكأنها تنفصل عنه، لكن الروح هناك دائماً. أخذ نفساً عميقاً وأخرجه بهدوء، عسى أن تهدأ النار قليلاً داخل قلبه. ظل يتابعها حتى اختفت من أمام عينه، وكأن كل لحظة تمر كانت كفيلة بإشعال نار الذكريات، ثم أدار السيارة وتحرك بها سريعاً تاركاً غبار أثر احتكاك العجل يملأ المكان، وكأنما يترك خلفه عالماً ينهار، بانتظار ظهور الحقيقة في الأيام القادمة.
            ***********************
وصلت سميه إلى الشركة، واندفعت إلى مكتبها، وجلست على مقعدها بضيق، كأن ثقل العالم كله قد استقر على كاهلها. في تلك اللحظة، دخلت السكرتيرة بابتسامة لكنها تبدو متوترة، وقالت بصوت عذب، محملة بعبء رقيق من القلق: 
"صباح الخير يا فندم، بشمهندس حسام سايب خبر لحضرتك لما تيجي تروحي ليه على مكتبه." 
نظرت سميه إلى السكرتيرة بعينيها المتعبتين وكأنها تعكس عواصف داخلية لا تهدأ، وتحدثت بصوت مختنق، يملؤه الإحباط وصدى الجروح القديمة:
"أنا مش رايحة لحد. لو هو عايز حاجة، يا يجي ويقولها ليا هنا في مكتبي، يا يقولها ليكي، وتعالي أنتي بلغيها ليا." 
نظرت السكرتيرة لها باستغراب، واعتلت ملامحها علامات التساؤل، وكأنها تحاول فهم الدافع وراء هذا التصرف:
"يعني أروح أبلغه بكلام حضرتك ده؟"
أومأت سميه برأسها موافقة وقالت بحزم وكأنها تصوغ ما بين كلماتها قوة لا يعرفها كثيرون:
"أه، روحي قوليله كلامي ده، وهاتيلي واحد قهوة والملفات اللي محتاجه شغل من عنده." 
أومأت السكرتيرة رأسها بالطاعة وخرجت من المكتب، تاركة سميه تنظر أمامها بتركيز، وقد غزت مشاعر الغضب قلبها، وكأنما تشتعل نارها من جديد. وبعد عدة ثوانٍ، دلف حسام إلى مكتبها، وكان يتميز بوجهه القاسي الذي يعكس نيران الغضب المتوهجة، تضيف لمسة قاسية إلى الأجواء الملبدة بالشكوك. تحدث بنبرة حازمة تحمل نبرة تحذير:
"إنتي مفكرة نفسك في البيت وبتعاندي مع بنت خالتك؟ هنا مكان شغل يا هانم، مافيش مجال للقمص، ولما أبعتلك تيجي يبقى تسمعي الكلام. علشان بعتلك لحاجة مهمة، مش علشان أحب فيكي. فياريت نفصل حياتنا الشخصية عن الشغل." 
نظرت سميه له بهدوء، وعندما شعرت أنه قد أطلق العنان لكلماته، أجابت بهدوء، وكأن كل كلمة منها ترسم حدودها دون تهاون:
"واضح كده إنك نسيت نفسك يا بشمهندس حسام، وناسي أنا أبقى مين. أنا صاحبة المكان، وأنت اللي شغال عندي، مش العكس. فياريت، بعد إذنك، تحترم نفسك بعد كده وانت بتتكلم معايا. أما بقى موضوع أن أجيلك وتجيلي ده، مش شاغل بالي. عندك حاجة مهمة؟ أتفضل قولها، معندكش؟ ياريت تتفضل على مكتبك."
وقف حسام مكانه، مصدومًا، وشعر بإهانة كبيرة لرجولته وكرامته وهو يشعر بأن كل لحظة لتلك الكلمات كانت قاسية كالوخز. ضغط على أسنانه بغضب متحدثًا بطريقته الحادة، كأنه يحاول التمسك بأفعاله السابقة:
"كلامي مش معاكي، كلامي مع المعلم سلطان. مليش في كلام الستات، ده عن إذنك."
ثم خرج مسرعًا، وكانه يتخلص من عبء ثقيل، ودفع الباب خلفه بقوة، تاركًا سميه وحدها. 
نظرت إلى أثره بحزن كبير، وانهمرت دموعها بغزارة، وكأنها تتجرع مرارة الغربة عن الذات. شعرت كما لو كانت تعيش كابوسًا لا تستطيع الإفلات منه، وكأنها عالقة في دوامة من الصراعات والذكريات. تمنت لو تستطيع الاستيقاظ من هذا السبات، والعودة إلى اللحظات الجميلة التي عاشت فيها علاقتها به، وهي تطل من نافذة غرفتها لترى الشخص الذي أحبته، وتخيلت أنها ستلتقي به في تفاصيل الحياة الوردية التي نسجتها في خيالها، وكأن عيشها كابوساً كانت تحلم بالنهاية السعيدة التي لا تأتي.
             ********************
وصل سلطان منزله عند فريدة، وعندما فتح الباب، انطلقت ابنته إليه كالسهم وارتمت في أحضانه. احتضنها بحب، ثم أغلق الباب وراءه واندفع إلى الداخل. وجد فريدة جالسة على الأريكة، تعبث بهاتفها دون أن تعير أي اهتمام لوصوله. 
مال نحوها برأسه قبل أن يطبع قبلة على جبهتها، ثم جلس بجوارها وقال: 
"أنا جيت اقضي معاكم الاسبوع ده كله."
ترددت في إجابتها، وكأن هناك وزنًا داخل قلبها. لم يكن الأمر مجرد كلمات، بل وعود وأمال وأحلام كانت قد بدأت تتلاشى. ابتسمت بحزن وأجبته: 
"قصدك تقضيه في اوضة مكتبك." 
لقد كانت تعرفه جيدًا، تشعر أنها تعيش في ظلال مكان لا يتجاوز حدود الجدران الأربعة لمكتب صغير، كان يأخذ تفكيره ويجعل الأيام تتلاشى بشكل أسرع من اللحظات التي يقضيها معها ومع ابنتهما. 
أحاطها بذراعه وتحدث بنبرة حزينة، كأنما أراد أن يوقظ داخلها شيئًا من الأمل: 
"لا يا فريدة هقضيه معاكي انتي ورنيم، خلاص الموضوع التاني انتهى."
تسمرت في مكانها، كأن الكلمات التي نطق بها سحبت منها الأكسجين. انتبهت له بكل حواسها، ونظرت إليه بسعادة مختلطة بالقلق، محملة بإحساس جديد: 
"بجد يا سلطان ولا بتقول كده علشان تراضيني؟" 
أومأ برأسه بتأكيد، لكن ملامح وجهه كانت تعكس عبء الذكريات الثقيلة: 
"بجد يا فريدة، مبقاش ينفع. بنتي محتاجه وجودي جنبها أكتر." 
وضعت رأسها على كتفه بشكل حميم، كأنها تبحث عن العزاء في قربه، وتحدثت بسعادة: 
"أنا فرحانة أوي يا سلطان، هقوم أعملك أجمل غدا." 
انتهت من كلامها واستقامت بسرعة، وكأن فكرة تحضير الطعام كانت ملاذها الوحيد لتخفيف التوتر. ركضت إلى المطبخ، والفرح يتألق في عينيها وكأنها تحاول استعادة الوقت المفقود. 
نظر سلطان إلى أثرها بوجع وقهر، وذكرياته مع ترنيم كانت تتصارع في قلبه. قبل أن يقبل رأس ابنته، استشعر عبء المسؤولية يتعاظم على كتفيه، وهو يتحدث بابتسامة حزينة: 
"عاملة إيه دلوقتي يا قلب بابا؟" 
ردت عليه بسعادة طفولية، وكأنها لا تعرف شيئًا عن القلق: 
"أنا دلوقتي كويسة، يا أجمل بابي في الدنيا. انت خلاص هتعيش معانا على طول يا بابي؟" 
حرك رأسه بالرفض، محاولًا الحفاظ على توازن نفسه المضطرب: 
"لا يا عمر بابا، بس هاجي ليكم أكتر من الأول." 
وقفت على الأرض وتحدثت بتذمر طفولي، محاولًة التعبير عن مخاوفها بطريقة بسيطة: 
"يوووه بقى يا بابي، أنا نفسي تعيش معانا على طول." 
تحدث بنبرة توضيحية، وكأنه يحاول أن يضع الأمور في نصابها الصحيح: 
"يا قلب بابا، مش هينفع. أنا مينفعش أسيب الحارة وأجي أعيش معاكم هنا، وفي نفس الوقت مش هينفع أخدكم تعيشوا هناك. بس وحياتك عندي، مش هغيب عليكم، هكون عندك كل يومين." 
عقدت ذراعيها على صدرها وأخذت تتذمر، تحمل إحساسًا بمزيج من الفرح والحزن، مظهرًا مدى حبها لوالدها: 
"أنا أصلاً أصلاً زعلانة منك ومخصماك." 
أغلق عينيه بحزن، كأن الكلمات كانت أشبه بضغط على قلبه، وتحدث بصوت مختنق تعبر عن ألمه: 
"طيب ممكن يا عمر بابا، متقوليش الجمله دي، علشان بتوجع قلبي." 
اقتربت منه واحتضنته، تلك اللحظة كانت مزيجًا من الحب والخوف، ثم قالت: 
"أنا آسفة يا بابي، مش هقولك كده تاني خالص، بس متزعلش." 
ربت على ظهرها بحنو، شعور أعمق من الشعور الأبوي كان يسيطر عليه، وتحدث بصوت مختنق: 
"للأسف يا رنيم، الدنيا كلها متفقة على زعل بابا. كان نفسه حياته تكون غير كده، بس النصيب. يلا يا عمر بابا، روحي العبي في اوضك." 
أومأت برأسها بالموافقة وركضت إلى غرفتها، تاركة وراءها صدى الضحكات المُشجنة في قلبه، بينما نهض سلطان من على مقعده واتجه إلى المطبخ، وظل ينظر إلى فريدة وهي تعد الطعام بسعادة، متمنياً أن تستطيع أطباق اليوم أن تعيد بناء ما تهدم بينهما. 
نظرت له بحب، مُشعلة المزيد من الأمل في قلبها، وقالت: 
"أنا فرحانة يا سلطان إنك أخيراً هتفوق ليا ولبنتك. أنت ظلمتنا كتير بسببها، بس خلاص، أنا مسامحاك."
تحدث بنبرة مختنقة، وكان صدى الحزن يُخيم على كلماته: 
"كان فرحنا الشهر الجاي." 
تركت ما بيدها ونظرت له بصدمه، وأمسكها مشاعر الجرح والغضب الذي اختبأ طويلاً داخلها. تحدثت بضيق: 
"ازاي يا سلطان؟ طيب حتى كنت عرفتني. مش ده الشرع واللي مفروض يحصل، ويكون ليا حق الاختيار أكمل معاك ولا ننفصل. حتى في دي كنت عايز تحرمني منها. حبك ليها كان عمي عيونك عن حاجات كتير."
أغلق عينيه بغضب، الشعور بالاحتجاز في فخ ذكرى الماضي أتعب روحه. تحدث بصوت مختنق، محاولًا نفي كل ما يتعلق بتلك الذكريات: 
"خلاص يا فريدة، بطلي تجيبي سيرتها. قولتلك كل حاجة انتهت."
اقتربت منه، وضعت رأسها على صدره، وكأنها تحاول أن تزرع فيه بذور الأمل من جديد، ثم قالت: 
"سلطان، أنا بحبك. علشان كده عدّيت حاجات كتير بتحصل. استحملت بعدك عني، أكتر الأوقات كنت بنام ودموعي على خدي بسبب نار الغيرة اللي قايدة في قلبي. وأنا عارفة إن جوزي مع حبيبته دلوقتي، عايشين يضحكوا ويهزروا، وهي عايشة بالقرب منك أكتر مننا. بس كنت بخاف أتكلم علشان متزهقش مني، ولا أحملك فوق طاقتك. بس خلاص، كل إنسان وليه طاقة، وعلشان كده اتكلمت معاك بطريقتي دي امبارح. قولت أفوقك قبل فوات الأوان، بس كنت بتقطع من جوه علشان زعلتك مني، وفي الآخر الحمدلله كلامي جاب نتيجه. ورجعت ليا أنا وبنتك، وإن شاء الله مش هتندم على قرارك ده، وهنعيش أجمل عيلة.
تنهد سلطان بحزن، محاولًا استيعاب كل ما حوله، قبّل رأسها ببطء وكأنما يحمل كل مشاعره في تلك القبلة، وقال: 
"إن شاء الله يا فريدة."
ابتعدت عن حضنه، ثم نظرت له بابتسامة تحمل أملًا جديدًا، وقالت: 
"روح بقى غير هدومك لحد ما أحضر الأكل." 
أومأ برأسه بالموافقة، وتحرك إلى الخارج. بينما دلف إلى غرفته وجلس على السرير، وضع يده على وجهه، وصورة ترنيم تأتي بعقله، تشعل في قلبه النار. زفر بضيق وألقى بجسده على السرير للخلف، متمنياً من الله أن يهونها عليه، ويستطيع نسيان عشقه الأول والأخير ترنيم، لكن تلك الذكريات ضلت عالقة كالعطر الذي لا يُنسى، تذكره بحب لم يكتمل بعد، وكان قلبه مثقلاً بغصص لم تُعبر.
            ************************
مر عدة أيام، ظلت ترنيم حبيسة غرفتها، تغمرها دموعها واشتياقها لسلطان. كأن الجدران قد تحولت إلى سجن تختبئ فيه، حيث كانت ترفض الطعام تماماً، مما تسبب لها في ضعف شديد وهزلان ملحوظ، فجلست على حافة السرير، عيونها متورمة وصوتها عابس. حاول الجميع من حولها فهم ما يحدث معها، لكن حتى أقرب المقربين لم يكونوا قادرين على اختراق سُور عزلتها. جربوا كل الطرق لإقناعها بالتحدث، لكن كلماتهم كانت كحبات الماء تسقط على صخور قاسية، مفضلة الصمت والاغتراب عن العالم الخارجي. أعطتها هذه الحالة مزيداً من الضيق، مما أربك الجميع من حالتها الغامضة.
أما سلطان، فإن حالته لم تكن تختلف كثيراً عن ترنيم. كان دائماً تائهاً في أحلام اليقظة، رغم محاولاته لإخفاء ذلك بالاهتمام بابنته الصغيرة، لكنه كان يشعر بأن كل لمسة من أصابع ابنته تجره إلى ذكرياته مع ترنيم. كل ضحكة منها، كل حركة تعبيرية، كانت تذكره بحبيبته، وكأنها نسخة مصغرة منها. اشتاق لصوت ترنيم وكلماتها الدافئة، ولحركاتها التي يعشقها، ولعنادها، ولحضنها الذي كان يشعره بالأمان. حتى رائحتها أصبحت تتفاعل في ذاكرتيه، لتجعل قلبه يشتعل بالحنين. لو كان لقلبه صوت، لكان قد صرخ وملأ العالم بآهاتٍ تُخرج ما يكنه من مشاعر مختنقة في أعماقه، مكبلة بالألم والحنين في كل لحظة تمر بدونها.
في صباح يوم جديد، استيقظ سلطان على رنين هاتفه. زفر بضيق، واعتدل على فراشه، ثم أمسك الهاتف ونظر إليه باستغراب ليجد رقم سميه. تملكه شعور بالخوف والقلق، أجاب بصوت مرتعش:
"خير يا سميه، متصلة في الوقت ده ليه؟"
ردت عليه ببكاء، وقالت بصوت مرتعش:
"ألحق ترنيم يا سلطان." 
اتسعت عينيه، وخفق قلبه بقوة من شدة الخوف. تحدث بكلمات متقطعة: 
"م مالها يا سميه؟"
أجابته من بين شهقاتها: 
"ترنيم بقالها خمس أيام لا أكلت ولا شربت ولا خرجت من أوضتها رافضة الكلام نهائي. بتعيط وبس، والنهاردة دخلت عليها لاقيتها قاطعه النفس ومش بترد عليا، وإحنا بيها في المستشفى دلوقتي. والدكتور معلق ليها محلول لأنها ضعيفة جداً من قلة الأكل، وضغطها واطي أوى، وطلب مننا نعرضها على دكتور نفسي علشان حالتها مش طبيعية."
كانت تتحدث بصوت مرتعش، بينما كان سلطان يستمع لها، يرتدي ملابسه بطريقة عشوائية تحت نظرات فريدة الغاضبة، لكنه لم يعير لها اهتماماً. خرج يركض من الغرفة، وتكلم بنبرة خائفة: 
"ساعة بالكتير وهكون عندكم."
أغلق الخط فجأة، متجاهلاً نبرة القلق التي كانت تتصاعد في صوته، وصعد إلى سيارته بكامل عجلته، وأدار محركها بسرعة جنونية، كأن الوقت كان يجري أمامه، وكأن لحظات الانكسار التي مرت عليه كان لا يمكنه تحملها أكثر. لم يعبأ بأنفلات القيادة منه عدة مرات، وكاد أن تنقلب به السيارة في بعض الأحيان، كما كاد أن يُصدم أحد المارة، لكن كل ما رآه في ذهنه كان محبوبته ترنيم، المتجهة نحو العتمة في مكان غير معروف. دقائق مرت كما لو كانت ساعات، وكلما زاد ضغط قلبه، كانت أفكاره تتسابق، لا تعرف الاستراحة.
وقف أمام المستشفى بعشوائية، مُهدرًا لحظات تضجر طويلة وهو يترجل من سيارته بسرعة إلى الداخل، قلبه ينبض في صدره وكأنه يريد الخروج، وبصوتٍ مختنقٍ بين انفاسه المتقطعة، بحث عن غرفتها سائلاً عابري السبيل عن مكانها، وكأن السؤال في حد ذاته كان يحرق لسانه. وعندما صعد إلى الطابق الذي تُقيم فيه، فتح الباب بقلق شديد، وعندما رأها ممدة على السرير، بدا له المشهد وكأنه مشهد من أحد أفلام الرعب، حيث لم يكن يستطيع تخيل الحياة من دونها، ركض سريعًا إليها، واحتضنها بقوة تعبيراً عن مشاعره المكبوتة، وتكلم بصوت مختنق يثقل بالألم والحنان: 
"حقك على قلبي يا بنت قلبي، قومي يا قلب وروح سلطان، ردي عليا يا دنيتي كلها."
فتحت عينيها بدموع، وتمسكت به بقوة كما لو كانت تجاهد للبقاء على قيد الحياة، وتحدثت من بين شهقاتها: 
"قولتلك مش هقدر أعيش من غيرك يا سلطان. قولتلك أنت دنيتي، ولو بعدت عني، هتسود في عيوني كل حاجة. أنت كل حاجة في حياتي، بترجاك متبعدش عني تاني." 
كانت كلماتها تلك مثل صرخات في قلبه، تتردد في أذنه وتفرض نفسها كواقع لا يمكنه الفرار منه. 
قبل عنقها برقة وحنان، وقال بصوت هامس يحاول أن يملأه بالأمل: 
"مقدرش أبعد عنك يا بنت قلبي، أنا آسف يا عمري، متزعليش مني." 
لقد كان متأكدًا أنه مهما كانت الظروف، فهي رفيقته التي لا يمكنه الاستغناء عنها.
ابتعدت عنه، ونظرت في عينيه بدموع واضحة، كأنها تبحث عن الطمأنينة هناك، وقالت بتساءل: 
"يعني أنت خلاص مش هتسيبني، وفرحنا في ميعاده؟" 
كانت الكلمات ترسم ملامح الأمل على وجهها، ولكن خوفها كان لا يزال يتسلل إليها.
أغلق عينيه بحزن شديد، وأومأ برأسه بالتأكيد، محاولاً أن يخفف عن قلبه عبء الشك وفرحة العودة: 
"أيوه يا قلب سلطان، من جوه فرحنا في ميعاده." 
لقد كانت فكرة الفرح هي آخر الخيوط التي تتعلق بها في تلك اللحظة.
احتضنته بقوة، وتكلمت بسعادة اختطفت أنفاسه: 
"أنا فرحانة أوي يا سلطان، يعني هترجع تحبني تاني زي الأول." 
كانت الكلمات تخرج من قلبها وقد غمرها شعور النصر والحب المتجدد.
كوّب وجهها بين يديه، ونظر بعينيها بحب عميق، واستشعر كل لحظة شعر فيها بالضعف، وقال: 
"أنتي حبك في قلبي زي الأول وأكتر يا ترنيم. عمره ما قل، بالعكس، كل يوم بيزيد عن اليوم اللي قبله. أنتي بنت قلبي، فكرك هيقدر يكرهك بسهولة كده؟" 
كلماته كانت تفيض بالتصميم، وكأن صوت الحب بينهما يعيد الحياة إلى القلوب المكسورة.
ابتسمت له بسعادة، وتكلمت بنبرة طفولية تفيض بالأمل: 
"أنا أصلاً أصلاً بحبك أوي، وكنت متأكدة أنك مستحيل تكرهني ولا تبعد عني، لأن سلطان وترنيم بيكملوا بعض؛ شخص واحد في جسمين." 
كان هذا التواصل الجميل بينهما يحمل في طياته وعدًا بأن حبهما لن يتزعزع أبدًا، مهما واجها من تحديات.
اقترب من وجنتها ببطء، ووضع قبلة رقيقة عليها، ثم ابتعد عنها، ونظر في عينيها العميقتين، تلك العيون التي تعكس عالمه بأسره، وقال: 
"ترنيم ساكنة قلب وعقل سلطان، وميقدرش يكرهها ولا ينساها." 
كانت كلماته تنبع من أعماق قلبه، مثل موسيقى تداعب أوتار الروح. كان إحساسه يعود إلى اللحظات السعيدة التي قضوها معًا، كل ضحكة، وكل لمسة، كانت تنسج قصة حبهما الفريدة من نوعها.
ابتعد عنها، وجلس بجوارها على السرير، مشعرًا بالارتياح بعد الغربة التي عاشها. أخذها في أحضانه، مقبلا رأسها، وكأنها ملاذه الآمن. نظروا في الغرفة، يفتشون عن تفاصيل اللحظة التي تزامنت مع مشاعر الشوق، لكنهم تفاجئوا بأنهم بمفردهم، وأن الجميع خرجوا ليتركوا المجال لهم للصلح. كان هذا الانفراد فرصة لتحطيم جدران الصمت، واستعادة التواصل الذي فقدوه مؤقتًا. أمسك يدها برفق، ونظر لها بحب عميق، وقال: 
"لو مش عايزاني أزعل منك، تاكلي الأكل اللي هجيبه ليكي كله يا ترنيم." 
أومأت برأسها بالطاعة، لكن لسان حالها كان يطلب المزيد من اللحظات المشتركة، وقالت: 
"أنا أصلاً أصلاً جعانة أوي يا سلطان، بس تاكل معايا علشان خاطري." 
كانت براءتها تجعل من تلك اللحظة تفيض بالأحاسيس الشفافة، كأنها تعبر عن احتياج أعمق من مجرد الجوع، احتياج للشعور بالحب والمشاركة.
ابتسم لها بحب، وتكلم بنبرة عاشقة، كأنه يغني لها في لحظة رومانسية فريدة:
"خاطرك غالي أوي عليا يا قلب سلطان."
تجاوزت تلك الكلمات الرقيقة لتحمل في طياتها معنى أكبر، يعبر عن التعلق والتحمل حتى في أصعب الأوقات.
أنهى كلامه، واستقام بجسده، في إشارة إلى استعداده للذهاب والعودة سريعًا، وقال:
"هروح أجيب الأكل بسرعة وأجي." 
كان عازمًا على إعادتها إلى حالة من السعادة والراحة، كأنها نجمة تحتاج إلى الضوء لتتألق.
أمسكت يده سريعاً، عازمة على عدم فقدانه مرة أخرى، وقالت بتوسل: 
"علشان خاطري، خليك جنبي يا سلطان، وابعت تامر يجيب الأكل." 
كانت كلماتها تفيض بالصدق، كأنها تعبر عن أن وجوده بجانبها هو كل ما تحتاجه لتشعر بالأمان.
وضع قبلة على يدها، كعلامة من علامات الحب التي تعزز العلاقات، وأومأ برأسه بالموافقة، وقال: 
"من عيوني، هروح أقوله وأديله الفلوس، وأجيلك بسرعة." 
ابتسمت له بسعادة، وأومأت برأسها بالموافقة، مع تألق عينيها بالحب. اتجه سلطان نحو الباب، أبلغ تامر بالطلبات بسرور، وأعطاه النقود، وأغلق الباب مرة أخرى، وعاد إلى ترنيم. جلس بجوارها على السرير، وأخذها في أحضانه، كأنه يمتص كل الأحزان والهموم السابقة، وظل يستنشق رائحتها التي اشتاق إليها كثيراً، لتنعش ذكرياتهما الجميلة. أغلقت ترنيم عينيها بسعادة، متشبثة به بقوة كأنها تخشى فقدانه مرة أخرى، وكأن العالم كله يختفي عندما يكونان معًا. وبعد وقت، جاء تامر بالطعام، وبدأوا يتناولون معاً بسعادة تحت نظراتهم العاشقة لبعض، وكأن كل قضمة تعبر عن استعادة للرابط الذي لا ينفصم.
            ************************
بالمساء...

عادوا جميعا بالسيارة. مال سلطان بجسده، وحمل ترنيم من السيارة، معتدلاً بشكلٍ مؤقت قبل أن يحملها مجددًا. اتجه بعدما حملها إلى شقة والدتها، لكن بحيوية، تكلمت بسرعة وقالت: 
"لا يا سلطان، خدني عندكم في الشقة."
همس بجوار أذنيها، صوته يحمل نغمة مراوغة، كما لو كان يتبادل معها أسرارًا كانت مخبأة لوقت طويل:
"امم... فكرة برضه أخدك في حضني طول الليل."
ضربته برفق على صدره، وكانت ملامحها خجولة عندما ردت، براءة وضحك في عينيها:
"اتلم يا سلطان، أنا أقصد نقعد كلنا مع بعض، وبعد كده هنام مع سميه في أوضتها."
ابتسم لكلماتها، لكنه حاول أن يظهر زعله المزيف، كأنه يخفي في داخله شعورًا آخر تمامًا:
"كده برضه تكسري قلبي، وأنا اللي قولت حبيبتي مشتاقه لحضني وعايزة تنام فيه طول الليل."
أخفت وجهها في صدره، وقالت بتوتر، لكن نبرة صوتها كانت تحمل مزيج من الشوق والقلق:
"والله العظيم، أنت غلس وبارد، وأنا بكرهك."
تعالت ضحكات سلطان، فقد اشتاق كثيرًا لهذه الطريقة المحببة إلى قلبه، حيث كانت هذه اللحظات تجعل كل شيء في الدنيا يبدو بعيدًا، وتضيع كل همومه وكثافة الحياة خارجًا. حركها إلى شقتهم، وضعها على الأريكة ثم جلس بجوارها، محتفظًا بها داخل أحضانه.
بفضول، تكلمت صباح، قائلة بصوت يحمل الدفء والقلق:
"كنت فين يا ابني اليومين اللي فاتوا؟ اتصلنا عليك كتير، بس يا تليفونك مغلق يا مش بترد علينا."
زاغ ببصره بعيدًا عنها حتى لا ينكشف أمره، وتلعثم في الإجابة التي كانت تتطلب الكثير من التبرير:
"كنت شغال يا أما، هكون فين يعني، ما أنتي عارفه أن بيجي ليا السفر مفاجئ."
نظرت إليه ترنيم بلوم، مشيرة بإصبعها وكأنها تحاول فك لغز غامض:
"مسافر شغل، ولا كنت هربان مني علشان القرار اللي أخدته؟"
وجهت وفاء تساؤلًا، وهي تجمع بين الحرص وفضول الأم:
"صحيح يا ابني، إيه اللي حصل ما بينكم وصل البت للحالة دي؟ ده أنا بقول عليها على طول باردة ومعندهاش دم من كتر ما هي مبتزعلش، واخده كل حاجة ببساطة."
نظر إليها بضيق، وأجاب بصوت متعكر قليلاً:
"مافيش يا فوفه، زعل بسيط وراح لحاله."
استقامت سميه بجسدها وقالت بتفاهم:
"هروح أنا بقى أنام، تصبحوا على خير."
تكلم سلطان بسرعة، وقد شعَر بأن ثقل الموقف يستدعي لهجة جادة:
"حسام كلمني وقالي على اللي أنتي عملتيه، وأنا وعده أن هتصرف معاكي، بس يفضل زي ما هو في الشركة. وافق بس طلب مني أتكلم معاكي بهدوء. ممكن أفهم إيه اللي قولتيه ليه ده؟ حسام مكاني في الشركة، وليه كل الصلاحيات مسموح ليه بالتحكم في كل حاجة، مدام فيها مصلحة للشركة."
نظرت له بحزن، وقالت بصوت مختنق، كأنها تروي القصة التي كانت تؤلمها:
"أنا مش عايزة اشتغل معاه تاني يا سلطان، والله العظيم ما أنا اللي عملت التصاميم دي، ولا حطيت الأرقام المهولة دي. حد لعب في الورق، ولما قولتله كده مصدقنيش، وأتكلم معايا بأسلوب مش حلو."
أجابها بغضب، كان الغضب مزيجًا من القلق والحب:
"تروحي تقوليله أنه شغال عندك، ويفوق لنفسه؟ كان ممكن تصبري لما أرجع وتقولي اللي حصل ده ليّا. أنا اللي طلبت من حسام يعلمك الشغل الصح، وينسى موضوع انك أختي، ويتعامل معاكي على إنك متدربة جديدة، وهي دي طريقته في الشغل مع الكل، وسبب نجاح الشركة ووصلتها للمستوى ده. انتي هتروحي الشغل، وهتشتغلي مع حسام، وهتتعلمي منه كل حاجة، وهتتعاملي معاه بذوق وأدب. وموضوع التلاعب اللي حصل في الورق ده أنا هشوفه، وأعرف مين وراه، مفهوم؟"
نظرت له بدموع، وأومأت برأسها بالطاعة، وتحركت إلى غرفتها، مملوءة بالهموم والشكوك.
استقام سلطان بجسده ونظر إلى ترنيم، قائلاً بعطف:
"يلا يا حبيبتي، ادخلي نامي، ريحي جسمك شوية."
نظرت له بضيق، وعبّرت عن تذمرها، كما لو كانت الأطفال تعبر عن عدم رضاها:
"يووه بقى يا سلطان، لسه بدري، خليك قاعد معايا شوية."
أرغمها على الوقوف، وداعب وجنتها، قائلًا بلطف:
"مش إحنا قولنا هنبطل شغل الأطفال ده، وهنسمع الكلام."
نظرت إلى الاتجاه الآخر بوجه عابس، وعقدت ذراعيها على صدرها، كأن هذه الحركة كانت تعبيرًا عن انزعاج ما.
ابتسم لها بحب، وقال بنبرة هادئة تحمل وعوده:
"ادخلي نامي دلوقتي، ريحي جسمك من تعب اليوم، وأنا أوعدك أن هقضي اليوم كله بكرة معاكي."
قفزت بسعادة طفولية، وقبلت وجنته قائلة بصوت مليء بالبراءة:
"وعد، متنساش أنك وعدني."
أومأ برأسه مبتسمًا، وهو يشعر كأن قلبه نشط يتراقص بأفراحه:
"لا، مش هنسى، يلا بقى، تصبحي على خير."
ركضت إلى غرفة سميه، ودلفت إلى الداخل، وأغلقت الباب خلفها، وهي تحلم بليلة هادئة.
نظر سلطان إلى أثرها بابتسامة حزينة، وجعه قلبه عليها بعد أن هزل جسدها بطريقة ملحوظة، كأنها كانت تفتقر إلى الراحة والشعور بالأمان. ثم تكلم مع والدته ووفاء، قائلاً بعناية:
"أما، فوفه، عايزكم تهتموا بيها اليومين الجايين بالأكل، وأنا هجيب ليها العلاج، وأديهولها بطريقتي. عايزها ترجع زي الأول، وأحسن."
ردت عليه وفاء، وقلقها يبدو واضحًا عليها:
"طيب، مش ناوي تقولنا إيه حصل ما بينكم وصلها للحالة دي؟"
حرك رأسه بالرفض، وتحدث بمزاح ليخفف من حدة الموقف:
"خلي مناخيرك مكانها في وشك، يا فوفه، بلاش تحشريها في كل حاجة كده. اللي بيني أنا وهي، محدش ليه دخل فيه. تصبحوا على خير."
أنهى كلامه، وتحرك إلى غرفته بحيرة داخلية تخيم عليه. دلف إلى الداخل، أغلق الباب خلفه، وتحرك نحو السرير، جلس عليه وضع وجهه بين يديه، يفكر في حياته القادمة، ماذا سيفعل مع ترنيم؟ وكيف سيخبر فريدة بقرار العودة؟ كيف سيوفق بين ابنته وحبيبته؟ كانت معادلة صعبة، ومحتاج أن يفكر في النتائج في وقت آخر. نهض مرة أخرى، واتجه إلى المرحاض، نزع ملابسه، وأخذ حمامًا دافئًا يهدئ من توتره قليلاً. ثم خرج، ارتدى شورتًا قصيرًا فقط، وتمدد على فراشه، ينظر إلى الأعلى، يفكر في حبيبته ترنيم، وفيما يخبئه لهم القدر. وبعد وقت طويل، تفاجأ بفتح باب غرفته ودخول ترنيم. أغلقت الباب خلفها بهدوء، واتجهت نحو السرير، وتمددت بجواره، وضعت رأسها على صدره العاري، مقبلة إياه برقة، وتكلمت بصوت هامس يحكي عن عواطفها:
"أنا لحد دلوقتي مش مصدقة نفسي إنك رجعتلي يا سلطان، خايفة أنام وأصحى، يطلع ده كله حلم، وإنك أنت مش موجود ولسه بعيد عني."
تعالت أنفاسه بشدة، وكانت تعبيرات وجهه تعكس تناقضات مشاعره، وتكلم بحروف متقطعة:
"ترنيم، روحي نامي عند سميه، أنا خايف عليكي مني."
رفعت رأسها إلى الأعلى، ونظرت له بعينيها، وقالت بنبرة همسة حميمة تؤكد لها ولعواطفها:
"وأنا مش خايفة منك يا سلطان، حتى لو ده حصل، هفضل واثقة فيك، ومتأكدة أنك مش هتتخلى عني."
كانت هذه الكلمات إعلانًا صريحًا أخرجته له، لتقربه منها كما يريد. شعر سلطان بالارتباك، كل ما في جسده يتوق للقرب منها، وقلبه ينبض بشدة، لكن عقله يرفض ذلك، خائفًا من النتائج المحتملة. أغلق عينيه، وتكلم بصوت مهزوز، مبحرًا في أمواج مشاعره:
"ترنيم، مش هينفع يحصل كده، أرجوكي، أنا في حالة ضعف، ومش عايز أندم على اللحظة دي بعد كده."
اقتربت من شفتيه، وكلمته بهمسًا مغويًا يحمل قسوة حلاوة الحب:
"وأنا عمري ما هندم على أي لحظة ما بينا يا سلطان، وإذا ده حصل دلوقتي ولا حصل بعدين، مش هيغير فكرت أني أنا بتاعتك أنت، مش بتاعة أي راجل تاني، وإن كل حتة فيا تخصك أنت." 
أنهت كلامها بوضع قبلة صغيرة على شفتيه، تلك القبلة التي كانت كأسرع حكاية حب، تنبض بالحياة والعواطف.
تعالت أنفاسه، واقترب منها مقبلًا إياها بقوة، فهي لعبت على رجولته، وأعطته تصريحًا بالانغماس فيها، وجعلته يغيب تمامًا ويلبي نداءاته الشهوانية كرجل، كما لو كان مفتاحًا لإغلاق كل ما يمكن أن يسرق منه سعادته. حرك يده على جسدها بجرأة، و...

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1