ما هذا الشعور الذي يسيطر عليه الآن، إنه لا يتحمل مواصلة عمله ولا الأستماع إلى تلك المناقشات التي تتم حوله من طاقم الموظفين الذين يعملون تحت إدارته وقد أنتبه البعض إلى تصويب أنظاره من وقت إلى أخر نحو الهاتف وأنسحابه لمرتين من غرفة الأجتماعات وقطع مناقشتهم للرد على مكالمته الهاتفيه وهو الذي كان دائمًا منضبطًا في تلك القوانين التي يفرضها على من يعملون في القسم الذي يتولى هو شئونه.
تحركت جميع الأعين نحوه عندما توقف عن حديثه الخاص بأحدى السياسات التي يجب أن تتغير من أجل زيادة الأمان المتعلق بآمن المطار وزيادة أقبال المسافرين على شركتهم.
تلك النظرة التي لمح بها إضاءة شاشة هاتفه مع أهتزازه الخفيف على الطاولة جذب الأنتباه ، فاليوم ينتبهون على وجه آخر لمديرهم الصارم الذي يحمل دومًا وجه متجهمًا.
_ بعتذر منكم، دقيقه وراجع.. أستاذة "شاهندا" كملي مناقشة أقتراحك.
"صالح الزيني" يتحدث مع أحدٍ منهم بلطف دون أن تكون نبرته حازمة بل ويرون أبتسامة خفيفة تداعب شفتيه.
غادر الغرفة وفتح المكالمة سريعًا حتى يرد على والدته وقبل أن يسألها عن ما أتمته وطلبه منها، وجدها تُخبره بأنها فعلت كل ما أراده والطعام أختارته من أفضل المطاعم التي يتعاملون معها.
_ الأكل في طريقه لـ بيت سيادة اللواء وفي ناس مسئولة عن تقديمه كمان ،كل حاجة زي ما طلبت يا حبيبي، وبعد كام ساعة هروح أنا و باباك وجدك و "يزيد" معانا وهاخد هدية قيمة كمان.
تحدثت والدته دون أن تترك له مجال للحديث إلى أنتهت وسألته.
_ خلص شغلك بسرعة و روح ألبس بدلة شيك، وجودك معاها في المناسبات مهما وبتفرق، باباك ديما جينتل مان في الحاجات ديه بصرف النظر عن أي حاجه تانية.
قالتها ثم ضحكت، فأبتسم وقد لاحت أمام عينيه صورة لبعض المشاكل التي كانت تحدث بين والديه لكن بالنهاية كان والده ينال مسامحتها ومضت السنوات بينهم وكل منهم تقبل عيوب الآخر وأخطائه.
_ دكتور "صفوان" محتاج يسمع بعض أرائك فيه يا دكتور ة.
صدحت ضحكاتها مرة أخرى ونظرت نحو حماها الذي وقف على مقربة منها وفي عينيه نظرة تساؤل عن سبب أرتفاع نبرة صوتها بالضحك.
_ من غير ما يسمع أرائي، بقولها له علطول وخد بالك أنا كنت مخصماه و سيباله الأوضة وبنام مع "يزيد" لكن عشان خاطرك كلمته وحايلته بكلمتين حلوين عشان يرجع بدري من المستشفى ويروح معانا المناسبة...
وبأعين توهجت بها السعادة أردفت.
_ تأكد إن أنا و باباك نعمل أي حاجه في سبيل سعادتك يا "صالح".
حقيقة لا يمكن أنكارها مهما أختلف مع والديه في شئ، مهما غضب من تصرفاتهم وخنوعهم أمام جده.
تلاقت عيناها بعينين الجد ،فأسرعت بمسح دموعها.
_ ماما من فضلك ليا طلب عندك تاني ،جدي وأنتِ عارفه أقصد إيه.
تنهدت حورية ونظرت نحو الجهة التي يقف فيها الجد.
_ حاضر يا حبيبي من غير ما توضح أنا هفهمه ،صدقني هو عايز سعادتك لكن أنت عارف تفكيره.
_ ماما...
أتسعت ابتسامة "حورية"، فحديثه معها تغير وبات يُناديها بأكثر الأسماء حبً لها.
_ أقفل معايا وكلم "زينب" وبلغها إن المطعم هيبعت الأكل.
اقترب منها "شاكر" عندما أنتهت من مكالمتها ونظر إليها بنظرة ثاقبة.
_ أنا ماشي ورا كلامك يا دكتورة، عايز بعد شهر تبشريني إنها حامل أنا مش هفضل مستني كتير.
قالها بحزم أعتادته منه لتحدق به للحظة ثم أخذت تهز رأسها بقلة حيلة ويأس.
_ "شاكر الزيني" بعقليته عمره ما هيتغير... عايز كل حاجه تمشي زي ما هو مخطط..
...
دارت أعين الجالسين جهتها فور أن تعالا رنين هاتفها ، توقفت عن الكلام مع "سما" و "أشرقت" التي قليلًا ما تندمج معها في الكلام وتأخذ رأيها ببعض الأشياء الخاصة بأطلالتها غد.
_ مرة الكابتن ومرة أم الكابتن، هنياله يا ست "زوزو".
صاحت بها "سما" بصوت عالي، فضحك الجميع إلا "يسرا" التي رمقت أبنتها بنظرة ممتقعة، فهي تكره صوتها العالي الذي يُنسيها أنها أنثى.
ضحك الجد حتى دمعت عيناه.
_ أنتِ متنفعيش تكوني ستر على حد، قومي يا "زينب" شوفي مكان كلمي في جوزك يا حببتي
توردت وجنتين "زينب" خجلًا ،فأسرعت "سما" برفع أحد حاجبيها مُتسائلة.
_ وأنت عرفت منين إنه الكابتن يا جدو ما يمكن تكون أم الكابتن.
_ "سما".
هتفت بها "يسرا" بضيق ،فألقي عليها نائل نظرة حانقة وتمتم بضيق.
_ صوتك يا "يسرا" وسيبي البنت تتكلم براحتها.
كادت أن تتحدث "يسرا" وتعترض إلا أن نظرة "مصطفى" زوجها أخرستها، فأبتعدت عنهم ساخطة.
_ قومي يا "زوزو" كلمي جوزك وأنتِ يا "سما" تعالي جانبي عشان نفكر سوا هنلبس إيه؟
أنسحبت "زينب" من بينهم مبتسمة وخرج صياح بقية الأحفاد ،فـ "سما" سوف تنال بالغد شرف تأبط ذراع الجد.
تلك العلاقة الجميلة لفتت نظر "فاتن" خطيبة "علي" الأبن الأكبر لـ "هشام" الذي يكبر شقيقه "قصي" بعامين ويعمل في مجال التعدين.
_ في العيلة عندنا الكل بيحب بعض وديما متجمعين
تمتمت بها "لبنى" بمقصد إلى خطيبة أبنها الهادئة بطبعها والتي لا تتقبلها "لبنى" حتى اليوم ولكن مكانة عائلتها تجعلها تبتلع شخصيتها التي لا تعجبها.
...
نظرت "زينب" نحو هاتفها بعدما أنهت مكالمتها القصيرة معه ، أنفلتت تنهيدة طويلة من شفتيها ثم أبتسمت وهي تتساءل هل ما يفعله لها نابع من قلبه،أم هذا يحدث لأنها تطلب منه فعل هذا وهو بفِطْنته يفهم أسبابها دون أن تُفسر له.
_ وقت فرحك أنا كان عندي مشاكل في شغلي عشان كده معرفتش أنزل أحضره.
تحدثت "رحاب" بنبرة صوتها الناعمة،فقطبت زينب حاجبيها ثم أستدارت إليها.
_ صور فرحك كانت جميلة ومن نظرتي لجوزك النهاردة الصبح رغم إنه كان لقاء سريع إلا أن أقدر اقولك إنكم لايقين على بعض وعنده حق بابا يحبه ويطمن له.
حدقت "زينب" بها بنظرة لم تفهمها ،فأرتبكت وأردفت بحرج.
_ أنا عارفة إنك مستغرباني ومستغربة كلامي.
تمايلت "زينب" برأسها، فهي لا تجد ردًا عليها ولا تفهم سبب لطف عائلتها المفاجئ في مناسبة اليوم،ربما لطفهم هذا لأنهم يحتفلون بعُرس المستشارة أبنة سيادة المستشار.
_ تعرفي إنك فيكي ملامح مني.
قالتها حتى تُخفف من حرجها ،فأفتر ثغر "زينب" بأبتسامة وتلاشى ذهولها.
_ "سما" كانت بتقولي ديمًا كده، إن أنا الوحيدة فيهم فيا شبه منك.
وألتمعت عيناي "زينب" بالدموع وهي تخبرها عن بعض الطباع المشتركة بينهن والتي كان يخبرها بها جدها.
_ جدو كان بيحكيلي كتير عنك وإني بشبهك ،أنا حاولت يكون في تواصل بينا لكن لقيت نفسي مش مرحب بيا معاكي أنتِ كمان.
أخفضت "رحاب" رأسها وقد تذكرت كم المرات التي حاولت "زينب" التَّودٌّد لها عبر منصات التواصل الأجتماعي أو عندما كانت تُجيب على هاتف جدها حينما ترى مكالمتها.
دلوف "لبنى" قطع حديثهن لتنظر إليهن بنظرة فاحصة.
_ هو ده وقت دردشة، المفروض إننا بنحتفل بالمستشارة ولا إيه يا رحاب.
توترت "رحاب" ونظرت إليها ،فمازالت تخشى من ردة فعل شقيقها "هشام" وقت أن ينفردون.
أتجهت "لبنى" نحو البَرَّاد حتى تلتقط زجاجة مياة ثم وجهت أنظارها نحو "زينب".
_ حماتك ذوق أوي يا "زينب"، نسب يشرف زي نسبنا مع عيلة "مراد".
لاحت أبتسامة هادئة على شفتي "زينب" ،فلا شك لديها في لطف السيدة "حورية" ولباقتها.
_ حقيقي هي ست رائعة وبحاول أتعلم منها وديمًا واقفة معايا ضد "صالح".
ضحكت عمتها وأبتسمت "لبنى" بأبتسامة صغيرة بعدما أعادت زجاجة المياة لمكانها وأغلقت البَرَّاد.
_ هي ليه لحد دلوقتي مفكرتش تاخدك لدكتورة او دكتور زميل ليها عشان تطمنوا إن مافيش حاجة تمنع الحمل ، مش معقول ميكونوش عايزين حفيد منك...
أختفت أبتسامة "زينب" وخرجت شهقة من فم عمتها وتساءلت بقلق.
_ حببتي لو عندك مشكلة تمنع الحمل، أنا أعرف زوج صديقة ليا أيام الجامعة جوزها دكتور مشهور في الحاجات ديه ومازلت أنا و هي على تواصل من وقت للتاني.
تقابلت عينين "زينب" بنظرة زوجة عمها التي ترقبت ردها.
نظرات زوجة عمها إليها، جعلتها تتأكد أن بعضهن في العائلة ينتظر أمر أنجابها وكأن بحدوث هذا الشئ سيلغي تركيزهن معها.
سيطرت "زينب"على مشاعرها وتلك الفوضى التي أحدثتها زوجة عمها داخلها وأبتسمت.
_ لأ يا عمتو، أنا الحمدلله تمام لكن أتفاقي مع صالح كان أننا نأجل الخلفة شوية لحد ما نتعود على بعض.
وألتفتت نحو زوجة عمها دون أن تبعد عينيها عنها.
_ ما أنتِ عارفه يا طنط "لبنى" جوازنا جيه بسرعة ولازم ندرس بعض شوية قبل قرار الخلفة، أفتكر إن "أشرقت" ده كان تفكيرها كده.
دخلت "أشرقت" المطبخ في اللحظة التي ذكرتها فيها "زينب"، لتنظر "أشرقت" إليهن.
_ أنتوا بتتكلموا عن إيه؟
صدوح رنين جرس الباب فجأة قطع رد والدتها ثم صاحت "يسرا" عليهِنَّ.
_ "لبنى"، الأكل والحلويات وصلوا.. ، نادي "زينب" عشان تمضي على الأستلام.
...
وقفت "كارولين" مُحدقة به بفاه مفتوح على أخره ونظرة مشدوهة وفي داخلها دار سؤالًا واحدًا من الحيرة ، هل لهذه الدرجة صار ما يفعله "سيف" لا يعنيه، هي رأت صدمته حتى أن نظرته إليها أرعبتها.
شعرت بالحيرة والتخبط و لم تتوقع ردة فعله التي لا يستوعبها عقلها.
أتبعته وحاولت أن تظهر ملامح الحزن على وجهها وتثور على خـ.ـيانة "سيف" لها بل وتخبره عن تلك الليلة التي رأت فيها "شهد" تخرج من جراج الفيلا وبعدها خرج هو مُترنحًا.
أختطفت النظر نحو باب الغرفة المفتوح ثم نظرت ورائها لتسمع نبرة صوته والتي كانت هادئة وهو يسأل "سيف" أين هو؟
ازدردت لعابها وتراجعت إلى الوراء ، هو لم يصدقها وإذا أحدثت مشكلة ربما ستكون هي الخاسرة بينهم ، هي أعتادت على الرخاء و الرفاهية وأعتادت على وجودها بجانب هذا الرجل الذي باتت مهووسة به وتراه في أحلامها كُلما أرتدت ذلك القميص الذي أخذته من خزانة "ليلى".
هزت"كارولين" رأسها رافضة ما يدفعها إليه عقلها حتى لا تتهور وأسرعت إلى غرفتها، السلاح الوحيد الذي أصبح أمامها والذي أجلت خطوته بسبب موت العم... هو "شهد" ، "شهد" وحدها من ستٌخلصها من "ليلى" و تفتح لها الطريق نحو "عزيز" إذا أكتشف خـ.ـيانتها مع أبن شقيقه.
تهاوت على الفراش وحدقت بسقف الغرفة متمتمة.
_ الصغيرة "شهد"، إنها بحاجة الآن للدعم.
...
نظر العم "سعيد" نحو "ليلى" بنظرة حانية بعدما غادرت غرفة "شهد" ؛ فبعد محاولات عدة معها تناولت القليل من الطعام أخيرًا.
_ من أول يوم شوفتك قولت إن في حاجات حلوة جاية معاكي وقلبي مكذبش عليا.
أسدلت "ليلى" أهدابها وأرتجفت شفتيها حزنًا ، فما هو هذا الخير الذي أتى معها وقد مات عمها وتركها بعد أن وجدته وسامحته.
شعر العم "سعيد" بها، فألتقط من يديها صينية الطعام وتحرك أمامها نحو المطبخ.
_ لا أعتراض على أمر الله يا "ليلى"، الموت علينا حق يا بنتي، و "عزيز" الله يرحمه كان أمله كله في الحياة إنه يلاقيكي.
طأطأت رأسها وأبتلعت غصتها بمرارة.
_ كان نفسي يفضل معايا شوية، أنا مبقاش ليا حد يا عم "سعيد".
أستدار العم "سعيد" جهتها بفزع وأحتلت عيناه جزء من العتاب على ما تفوهت به.
_ كده برضو يا "ليلى" وإحنا روحنا فين ، "عزيز" بيه وأنا و "عايدة" و "شهد"، أنا كده أزعل منك وأنتِ عارفه زعل عمك "سعيد".
ورغم الحزن والإنهاك الذي تراه على ملامح هذا العجوز إلا إنه يحاول دائما أن يكون أمامهم مبتسمًا ومازحًا.
سارت ورائه نحو المطبخ ،فوضع الصينية على الطاولة وقال.
_ هدخل لــ "عايدة" وهخرجها من أوضتها غصب عنها عشان تاكل معانا وأنتِ سخني الأكل تاني ومش عايز أسمع كلمة ماليش نفس لأن تعبت منكم خلاص.
سار من أمامها بعدما حذرها بنظرة من عينيه ألا تعترض على حديثه وعند خروجه من المطبخ أرتفع رنين جرس المنزل.
_ ده أكيد "عزيز" بيه، أه رجع بدري وأنتِ قاعده هنا تشغلي على أيدك شغل "عايدة" عشان تخلصي وتبعتي الشغل لأصحابه ،أه لو عرف بموضوع شغلك مع "عايدة".
جف حلقها عندما ذكرها بما تخفيه عنه حتى لو كان أمرًا كهذا.
_ أول ما المشروع بتاعنا يكبر هقوله علطول ،أنت عارف يا عم "سعيد"... عزيز بقى رافض فكرة الشغل والخروج من البيت.
هز العم "سعيد" رأسه بيأس وشعر بالندم لأنه طاوعها لمرة وأخفى أمر خروجها عنه.
_ أهو موضوع خروجك لو أتكرر من وراه هنلبس أنا وأنتِ في مشكله كبيرة ، البيه طيب وحنين يا "ليلى" لكن قلبته صعبه.
أبتلعت "ليلى" لعابها وأصاب جسدها رعشة قوية عندما ذكرها بذلك اليوم الذي خرجت فيه برفقة "شهد" وكان قبل وفاة عمها.
_ لأ خروجي مش هيتكرر تاني من وراه وأنت عارف إني اضطريت لكده عشان في حاجات كانت ناقصه الشغل و "شهد" جات معايا ،مخرجتش لوحدي يعني.
جحظت عينين العم "سعيد" وهتف وهو يهرول.
_ تعالي نشيل الحاجة بسرعة من على الترابيزة وأروح أفتح الباب ، بسببكم بقيت بخبي على البيه حاجات.
أسرعت ورائه حتى تجمع كل ما هو موجود على طاولة الطعام الصغيرة، تراجع "عزيز" بضعة خطوات من أمام باب المسكن وأخذ ينظر حوله بشك وفي لحظة أحتله الفزع وأخرج هاتفه من بنطاله.
...
أبتعد "هشام "عن أفراد العائلة وتعلَّل بأنه تذكر مكالمة هامة عليه إجرائها.
سار جهة الشرفة ثم أغلقها ورائه وتعمق بالنظر نحو الرسالة التي أرسلتها له، هي تسأله بأي مكان سيتقابلون بعدما ينتهي الزفاف وبأي ساعة؟
أغمض عينيه للحظة حتى يستطيع التأكد من قراره، فلا راجعه ولا مجال لترك عقله مرة أخرى حتى يتخذ قرار آخر.
وضعت "زينة" هاتفها على الفراش ثم زفرت أنفاسها بقوة قبل أن تتجه إلى خزانة ملابسها وتُخرج تلك الحقيبة التي أعدتها أمس بعد أن تأكدت من تلك الخطوة التي سعت إليها لكن يوجد شئ داخلها يحثها على الفرار.
تلاشى ذلك الشعور الذي يقتحمها، هي تُريد أن تكون بحياة هذا الرجل ووصلت لِما أرادت.
فتحت الحقيبة ببطء ثم أخرجت ما أبْتاعَته من أثواب نوم وحدقت بهم... غدًا ستكون معه في مكانٍ واحد.
أهتز هاتفها مع رنينه بنغمة قصيرة ، تركت ما بيدها وألتقطت الهاتف بلهفة... عليها أن تنتظره بجراج الفندق الذي سيقام به العُرس بعد مغادرة الجميع.
❤️❤️❤️
فركت "ليلى" يديها لعدة مرات أسفل صنبور المياة وهي شاردة ويدور بعقلها المخاوف من كذبة صغيرة أضطرها هو إليها بعدما وجدت منه عدم التقبل لأي شئ يجعلها تتنفس به خارج أسوار مملكته.
حنونًا هو ولين القلب ،يُراعيها لأبعد الحدود..، يرفع من قدرها أمام حتى نفسها وسخيًا في عطائه لكنه يفرض أمورًا لا تعرف سببها ثم بعدها يُدللها ويُغدقها بمشاعر خاصة باتت تنتظرها منه بشوق وتنسى بعدها ما أرادته وأعترض عليه ، فالعمل صارت لا تحتاج إليه ولا يؤمن بفكرة أن يكون للمرأة أصدقاء بعد الزواج وإذا رغبت بالخروج والتنزَّه لابد أن تكون برفقته.
أطبقت جفنيها بأختناق وأخذت نفسًا عميقًا ثم أطلقته حتى تنفض عن رأسها تلك الأفكار التي تأتيها من وقت لآخر وتسلب منها راحتها.
أغلقت الصنبور ثم التقطت منشفة المطبخ وجففت بها يديها مُتنهدة بثقل وخزي من نفسها.
بدأت رائحة الطعام الذي تُسخنه تفيح ،فأسرعت نحو موقد الطهي تغلقه وكادت أن تبدء بسكب الطعام بالأطباق لكن تذكرت أمرًا لا تستطيع عدم الأنتباه إليه.
_ طبق السلطة، "عزيز" بيحب السلطة مع الأكل.
أتجهت نحو البراد وألتقطت ما فيه من خضار، وضعت الخضار بالطبق حتى تغسله أولًا جيدًا. أنتفضت بوجل عندما هتف اسمها ووجدته يقف داخل المطبخ.
أسرع "عزيز" إليها يلتقط منها الطبق قائلًا بصوت رخيم يحمل لهفة صاحبه.
_ حببتي مالك أتفزعتي كده ليه، هاتي الطبق من أيدك.
تمالكت رعشة يديها ونظرت إليه ثم نظرت إلى الطبق الذي لم ينتظر أن تعطيه له وألتقطه منها.
_ أنا قولت أعمل ليك السلطة بسرعة ،أنت بتحبها جانب الأكل.
وأطرقت رأسها بعد أن حدق بها بتلك النظرة التي تُربكها.
_ تعرفي إني كنت زعلان منك لأنك مسمعتيش كلامي وفضلتي في الفيلا ورجعت بدري عشان خاطرك وقولت أجي أتغدا معاكي ، غير خوفي لما فضلت واقف قدام الباب ومش سامع صوت لحد فيكم..
أرادت أن تُقاطعه ، فأسرع بمواصلة كلامه وأبتسم وهو ينظر للطبق الذي يحمله.
_ لكن دلوقتي يا "ليلى" زعلي كله راح.
أخذ يُمرر يده على خدها دون أن يزيد بالكلام الذي توقف بقيته على طرف لسانه ثم أغمض عينيه متنعمًا بشعورٍ يحتاجه هذه اللحظة.
أسبل جفنيه وفي داخله سؤالًا بات يسأله كثيرا لنفسه منذ أن صارت له كتابًا مفتوحًا، هل كل النساء مثلها أم هي منفردة في خصالها أم هو رجلًا محظوظًا وهي أتت إلى حياته القَاحلة كالغيث.
تحديقه بها بتلك الطريقة شتتها، فأبتلعت ريقها وهتفت بصوت متعلثم وناعم.
_ خليني أعمل السلطة.
أفتر ثغر"عزيز" بأبتسامة صغيرة ثم أستدار بجسده.
_ لأ أنا هعملها بدالك لحد ما تحضري الأكل وناكل كلنا سوا.
لم تعترض وأبتسمت بوهن وهي تراه يتحرك بالمطبخ.
تراجعت "عايدة" إلى الوراء قبل أن تدلف المطبخ وتفتح فمها بكلمة ثم أسرعت بوضع يدها على شفتيّ "سعيد" الذي أتى ورائها وسحبته بعيدًا.
_ في إيه يا "عايدة".
ثم تساءل بعدما نظر أمامه.
_ هو البيه كمان راح فين.
أشارت عايدة برأسها جهة المطبخ، فألتوت شفتيه بسخط.
_ بتكلميني بالأشارات ليه ؟
وفي لحظة أخذت حدقتاه تضيق وهتف بصياح وهو ينظر إلى نحو المطبخ.
_ البيه جوه مع "ليلى".
_ روح ليهم يا "سعيد"، روح ما أنت مش هترتاح غير وأنت واقف وسطيهم وشايف بيعملوا إيه.
أسرع بالفعل إلى المطبخ لكنه تراجع بعدما التقطت أذنيه حديثهم.
_ خليني أكمل السلطه عنك.
_ لو سبتك تكملي باقي طبق السلطة هخرج أحضر الأكل على السفرة وأستلمي بقى أحلى كلام من عم "سعيد".
لم يستطيع العم "سعيد" تمالك فضوله رغم محاولته مع نفسه.
ألتف ورائه ليجد "عايدة" تزجره بنظراتها ، فغمغم بكلمات مُستاءة وحرك رأسه رافضًا تحذيراتها.
_ يا خبر يا بيه واقف بنفسك تعمل السلطة ، كده برضو يا "ليلى".
توقفت "ليلى" عن سكب الطعام بالأطباق وأشتعلت وجنتاها حرجًا ونظرت نحو "عزيز" الذي أستمر في تقطيع ما تبقى من خضار.
_ وفيها إيه يا راجل يا طيب ، ده أكل كلنا هناكل منه ومافيش مشكله لما أشارك فيه وديه سلطة مش طبخه يعني.
حدق بهم العم "سعيد" به مبتسمًا.
_ كله عشان خاطر "ليلى" أكيد.
رد "عزيز" بعدما أستدار برأسه جهتها.
_ طبعًا عشان خاطرها.
توردت وجنتاي "ليلى" خجلًا ، فتلك الأحاديث تُحرجها وتمتمت وهي تتحرك بما سكبته من طعام إلى خارج المطبخ.
_ أنا هجهز السفرة بسرعة وأشوف طنط "عايدة".
توهجت عيناى "عزيز" بلهفة وهو يراها تفر من أمامهم.
_ مش عارف أمتى هتبطل كسوف ، تعرف يا بيه النهاردة قولت يا زين ما أختارت، ويكرم مأوى الست "عائشة" والسيد "حامد "، ونعمه التربية.
قطب "عزيز" ما بين حاجبيه وقد أنتهى من تقطيع السلطة ، فزفر العم "سعيد" أنفاسه بحيرة وأقترب منه.
_ النهاردة أنا وهي أتصدمنا لما لقينا البشمهندس "سيف" مخبوط في رأسه...
أحتل الهلع ملامح "عزيز" لكنه أختفى في لحظتها عندما أستكمل العم" سعيد" كلامه.
_ بصراحه هي أتصادفت معاه الأول لما لقيته في المطبخ بيعمل عصير لنفسه.. أصل أنا في الوقت ده كنت بره في الجنينة والبنت اللي بتساعدني راحت السوق....
أزدادت تقطيبة "عزيز" وحثه على المواصلة.
_ كمل يا عم "سعيد".
أبتسم العم "سعيد" وهو يهز رأسه.
_ خرجت من المطبخ تدور عليا عشان ميصحش طبعًا تفضل معاه لوحدهم والفيلا مفيهاش حد وصممت تعمل له العصير وتحضر له فطار ، لأ وكمان عقمنا له الجرح.
ألقى ما لديه وحدث أمام عينيه وأستطرد.
_ مش عارف يا بيه إزاي يخبط العربية في الرصيف، ده البشمهندس شاطر في السواقة للدرجادي مكنش مركز، الحمدلله إنها جات على خبطة رأسه.
ثم تقوست شفتيَّ العم "سعيد" بعد رضا وتساءل.
_ شكلك مكنتش تعرف حاجة عن الموضوع ده يا بيه، أنت نزلت شغلك بدري.
وحتى يُطمئنه عليه قال :
_ أوعى تقلق يا بيه، زي الفل هو لكن عايز منك شدة ودن عشان ميتهورش تاني في السواقة.
اتجه "عزيز" نحو الحوض حتى يغسل يديه وتمتم بصوت جامد لم ينتبه العم "سعيد" على نبرته.
_ قالك إنه خبط العربية في الرصيف لأنه مكنش مركز.
أوْمأ العم "سعيد" برأسه وتناول أحد الأطباق.
_ طول ما هو شغال مع العقربة يا بيه هيركز في حاجة... ده غير الحرباية اللي أتجوزها.. مش عارف ليه بحس إن وراها شر.
غامت عيناي "عزيز" بنظرة خاوية.
_ أنا شوفته أمبارح وهو راجع متأخر في عربية "بيسان".
خرج صوت "شهد" بوهن ثم أخفضت رأسها هربًا من تساؤلاتهم.
_ خرجت أتمشى شوية في الجنينة لأن كنت مخنوقة وشايفه بابا قدامي بينادى عليا...
وأنسابت دموعها، فهرول العم "سعيد" نحوها يحتضنها.
_ كان شكله خارج مبسوط من العربية.
...
أشاحت "زينب" وجهها بعيدًا متأففة بعدما ضجرت من مزاح "سما" وأزداد حرجها لأن جميع أفراد العائلة أنتبهوا على أهتمام "صالح" المبالغ به أمامهم.
_ أنتِ متأكدة أنكم بقالكم شهور متجوزين ، أصل اللهفة ديه بيقولوا مش بتحصل غير في أول شهر جواز.
دهست "زينب" قدمها، فكتمت "سما" صرختها وضحكت.
_ هتلفتي الأنظار علينا يا "زوزو"، قوليلي صح رحلة أسوان محلياكم أنتوا الأتنين كدة إزاي.
أحتقنت ملامح "زينب" ونهضت من جوارها حانقة.
_ أنا مش عارفه ليه قاعدة جانبك لحد دلوقتي ،ماشي يا "سما".
_ أستني يا "زوزو" ، ده أنا حتى جيبالك هدية حلوة... قولت إزاي أجيب لــ "أشرقت" وأنتِ لأ..
أسرعت "سما" ورائها لكن "قصي" أعترض طريقهن.
_ أشمعنا المرادي أنتوا الأتنين مؤدبين ،ومش شايف حاجات بتلمع.
ألقى حديثه بدعابة غامزًا لهم بطرف عينه ، فأنطلقت ضحكة "سما" بخفوت.
_ ما أنت شايف يا "قصي" ، الليلة تنظيمها تحت أشراف سيادة المستشارة و "لبنى" هانم وأنت عارف أنا و "زوزو" مهاراتنا مش بتبان غير مع الشعبي.
_ "سما"، أنتِ بتقولي إيه!!
صاحت "زينب " بأستياء من أفعالها، فتلاعبت "سما" بحاجبيها ونظرت نحو "قصي".
_ متظبط لينا الدنيا يا سيادة الرائد وأهي فرصة الكابتن أختفى عن الأجواء شويه ولحد ما يجي تاني هو وعيلته نكون أنبسطنا وأحنا أسرة واحدة محدش يعيب فينا.
تجلجلت ضحكات "قصي" ونظر نحو "زينب" التي أحتقنت ملامحها.
_ البت ديه أنتِ متأكده إنها بنت عمنا، وصي عليها جوزك في المطار لتفضحنا.
مزاح "قصي" جعل تجهمها يزول وأبتسمت رغمًا عنها.
_ هي كان نفسها تكون رقاصة بس أنت عارف طنط "يسرا" بقى...
رمقتهم "سما" بنظرة ساخطة ودارت بعينيها بينهم ، فأنفلتت ضحكاتهم بقوة.
_ بقى أنا يا ست "زوزو"، طب خليني أسلط عليكي طنط "لبنى" أه حتى تفرفشي الجو شوية وهي هتحب ده أوي بدل الليلة الحزينة ديه حتى "أشرقت" هتفرفش معانا بدل ما بقت كئيية كده، أول مرة أشوف عروسة ضربه بوز ووشها مقلوب علينا.
وضع "قصي" يده على معدته من شدة الضحك ونظر إلى "زينب" التي وضعت يدها على شفتيها حتى تكتم صوت ضحكاتها.
_ لحظي إن اللي بتتكلمي عليها ديه أختى لكن برضو عندك حق مع إنها بتموت في سي "مراد" اللي لحد دلوقتي مش قادر أبلعه.
أرتجف جسد "زينب" عندما أتى بذكر أسمه وتذكرت مكالمته لها ذات ليلة ولا تعرف إلى اليوم سبب اتصاله بها وقد أخبرها إنه مجرد أطمئنان عليها لا غير.
_ بقولكم إيه أنا أتحمست ، هروح أشوف "حاتم"، دماغه مطرقعة زينا لكن "علي" أخويا نكدي زي "أشرقت".
قالها "قصي" بحماس وأبتعد عنهم ، فأحتدت نظرات زينب وسحبت "سما" ورائها إلا أقرب غرفة.
_ أنا مش هرقص قدام حد، فبلاش تحرجيني قدامهم...
أتسعت ابتسامة "سما"، فأستشاطت ملامح "زينب" غيظًا لتبتعد عنها "سما" وهي ترفع ذراعيها لأعلى.
_ خلاص يا "زوزو" أنا بس كنت عايزه نفرفش الدنيا لــ "أشرقت" ، أنتِ مش شيفاها قاعده مش مبسوطة إزاي وبتبتسم بالعافية.
ألتقطتها "زينب" بأطراف أصابعها من لياقة القميص الذي ترتديه.
_ عادي يا "سما"، أكيد قلقانه يا حببتي..
برقت عينين سما بمكر ‘ فهي تُحب التحدث بتلك التفاصيل.
_ تفتكري هتكون قلقانه ليه يا "زوزو"، على فكرة "أشرقت" سهونة وأكيد كان بيحصل بينها وبين "مراد" تجاوزات ولا أنتِ فكراها قطة مغمضة زيك أخرها تقرء روايات رومانسية وتعيط من مشهد رومانسي.
أسرعت زينب بتكميم فمها ،فنفضت "سما" يدها عنها بحنق.
_ برضو بتاخديني في الكلام ومش راضية تقوليلي إزاي رحلة أسوان مرجعاكي حلوه كده ، "زوزو" الفار بدء يلعب جوايا لتكوني...
خفق قلب "زينب" وأزدردت لعابها بتوتر ،فهل تأكدت سما من ذلك الشئ الذي أخبرتها به مرارًا من قبل.
_ لتكوني حامل يا "زوزو"...
أسترخت ملامح "زينب" ثم تحولت ملامحها للذعر عندما تذكرت أمر الوسيلة التي عليها أخذها للحَيْطة من حدوث حمل.
_ أصلهم بيقولوا في ستات بتحلو مع الحمل.
عاد عقل "زينب" يعمل في هذا الأمر الذي كادت أن تتنساه وعليها أن تذكره به الليلة.
_ "زوزو" سرحتي في إيه ، أكيد طبعًا في حلاوة الكابتن وعيونه.
أمتقعت ملامح "زينب" ومدَّت يديها حتى تلفهم حول عنقها ، فهرولت "سما" ضاحكة.
_ مش بقول شكلك حامل، أصل روحك بقت في مناخيرك.
...
أنتشل "عزيز" نفسه من بينهم بصعوبة بعدما وجد أن شروده صار ملحوظًا، أسرعت "ليلى" خلفه بعد نهوضه وسألته.
- "عزيز" هو أنا ممكن أفضل هنا لحد ما ترجع من مشوارك.
أبتسم رغم الفوضى والتساؤلات الكثيرة التي تُسيطر على عقله ثم أحتضن وجهها.
- خلي تليفونك بس جانبك أول ما أرجع هتصل بيكي، مافيش نوم بعيد عني تمام.
لم تتذمر بل هزت رأسها إليه.
- حاضر وهجهز كمان ليك زي ما أنت بتحب...
أندهش من كلامها الذي لم يستوعبه إلا عندما هربت بعينيها وتوترت.
تنهد وقد وصل له مبطنه، هو من وضع برأسها أن أحتياجه لها دائمًا يكون في أمر واحد وتعمد ترسيخ هذا الشئ داخل رأسها ، فصارت مكافأتها له هي إرضائه بالطريقة التي يرغبها.
شعر بثقل شديد على صدره وتمنى أن يتأسف لها عن حقارته.
- وجودك معايا و جانبي أهم حاجة بالنسبة ليا دلوقتي يا "ليلى".
...
ترك الصغير "يزيد" يد "رغد" التي أستطاعت بتلك الفترة القصيرة أن تجذبه إليها بعدما لفتت الخادمة "نعمات" نظرها بالطريقة التي تُعامل بها "زينب" الصغير.
رمقها "صالح" بنظرة غاضبة ثم أشاح وجهه ونظر إلى صغيره الذي هرول إليه.
_ بابي وحشتني أوي ، كنت هخاصمك لو مجتش أخدت "يزيد"، فين "زوزو" أنا زعلان منكم أنتوا الأتنين أوي وبحب طنط "رغد".
رفع "صالح" صغيره بين ذراعيه وألقى بنظرة خاطفة نحو "رغد" وضمه إلى حضنه بشوق.
_ أنت أول ما قولت تعالا يا بابي، جيت علطول... أوعدك رحلتنا الجاية هتكون معانا وأنت هتختار بنفسك نروح فين.
_ وعد يا بابي.
أبتسم "صالح" وغمره بقبلاتٍ كثيرة.
_ وعد يا روح وقلب بابي...
_ ما دام هو غالي عندك كده، حارمه ليه من وجود أخ له.
أبتسمت "رغد" عندما سمعت كلام العجوز، فهي اليوم لعبت برأسه عن أمر الحفيد الذي رُبما لا يحصل عليه من "زينب".
اغلق "صالح" جفنيه حتى يسيطر على غضبه ولا يتشاجر معه اليوم.
_ بابا، إحنا أتفقنا على إيه ؟
صاح "صفوان" وهو يهبط الدرج وأتبعته "حورية" التي تلاشت سعادتها.
_ خلاص مش هتكلم في حاجة النهاردة لكن الولد ده أنا ليا كلام معاه.. أنا مش هفضل مستني كتير.
رمقه" صالح" بنظرة مستهزءة ثم أستدار بجسده وتحرك إلى خارج الفيلا.
_ هتستنا كتير يا "شاكر" باشا لأن أنا اللي ممانع فكرة الحمل.
أرتفع صياح" شاكر" بغضب وتحرك ورائه.
_ أنت يا ولد أستنا عندك، أنت شكلك فاكرني مش هقدر أسيطر عليك زي زمان.
أخفت "رغد" أبتسامتها سريعًا ونظرت نحو "حورية" التي اعتذرت منذ ساعات ، فهي لا تستطيع دعوتها معهم.
_ متقلقيش يا طنط أنا مش زعلانه ومتفهمة السبب كويس.
واتجهت بعينيها نحو "صفوان".
_ قريب يا عمو بابا وماما نزلين مصر من تاني وهرجع شقتنا.
تقابلت عيناي "صفوان" و "حورية" وأقترب منها رابتًا على خدها.
_ أنتِ مرحب بيكي معانا ديما يا "رغد" ، وأنتِ عارفه مكانتك عندي إزاي.
...
توقف "عزيز" بسيارته في حي السيدة زينب ثم أرخى رأسه إلى الوراء مستندًا على مقعد السيارة.
بدء صوت أذان العشاء يملأ المكان ،فنفض رأسه مُستغفرًا ثم ترجل من سيارته.
دخل إلى المسجد الذي يأتي للصلاة فيه من وقت لآخر ثم أتجه إلى دورة المياة الخاصة به حتى يتوضأ.
ألتمعت عينين الحاج "عبدالرحمن" عندما أشار أحد العاملين لديه - في محل العطارة - نحو سيارة "عزيز".
_ "عزيز" بيه شكله هنا يا حاج.
...
لقد ورطتها "سما" وأنتهى الأمر وها هي زوجة عمها تلتقطها من ذراعها حتى تريهم مهاراتها مثلما تفعل بقية فتيات العائلة.
خجلت بالبداية أن ترقص أمام أولاد أعمامها لكن مع فرحة عائلتها أندمجت معهم.
_ إن غاب القط ألعب يا فار.
هذا ما تمتم به "شاكر" بأستنكار عند دلوفه إلى منزل "نائل".
...
جلس "عزيز" على أحد المقاعد وأمامه سحب الحاج "عبدالرحمن" المقعد الأخر.
_ كوبايتين شاي يظبطوا الدماغ مش كده يا حاج.
ضحك الحاج عبدالرحمن وتبسم "عزيز".
_ ما أنت عارف طلبنا يا "وفيق"
أسرع "وفيق" عائدًا إلى داخل المَقْهى حتى يُجهز لهم طلبهم كما يفعل دائمًا.
_ شكلك مهموم يا "عزيز" وجاي تاخد مشورتي.
تنهد" عزيز" بنفس ثقيل وأخفض رأسه.
_ مصدوم على زعلان ومهموم يا حاج "عبدالرحمن" وجاي ليك عشان تقولي أعمل إيه.
ربت الحاج "عبدالرحمن" على يده.
_ همك شكله كبير يا "عزيز" ، أحكيلي.
أستند "عزيز" بذراعيه على الطاولة وزفر أنفاسه.
أستمع إليه الحاج "عبدالرحمن" بأنصات ثم أخذ يُردد.
_ أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.
أنتهى "عزيز" من سرد ما صار يعرفه عن أبن شقيقه ومخاوفه ،فتساءل الحاج" عبدالرحمن".
_ هتسمع نصيحتي يا "عزيز"؟
أسرع "عزيز" بالرد وهو ينظر إليه.
_ أكيد يا حاج.
بدأت حدقتيّ "عزيز" تضيق في ترقب ليتحول ترقبه سريعًا إلى حيرة ثم برقت نظرة عيناه بالدهشة والذهول معًا، هو ألقى بكل ما يجيش بصدره وأنتظر مَشُورة الحاج "عبدالرحمن" لأنه يثق برأيه وحكمته لكن ما يخبره به من نصيحة لا يستوعبها ولا يفهم ما ورائها.
_ مالك يا "عزيز" مستغرب من نصيحتي ليه ، صدقني "سيف" مش هتعرف تقومه غير كده ، أنت أديته كل حاجه لكن نسيت تعرفه أصله من البداية كان منين وإزاي أنت و "سالم" والحاج "رياض" الله يرحمهم تعبتوا عشان توصلوا لكل ده ، هاتوا يا "عزيز" هنا تحت عيني وجانبي... هاتوا يشرف على المعرض ويقرب مننا.
زفر "عزيز" نفسًا طويلًا ثم نظر حوله حيث المَقْهى البسيط الذي يجلس فيه مع الحاج "عبدالرحمن".
_ ده مهندس ومعيد في الجامعة يا حاج "عبدالرحمن" ، أقوله إزاي يجي يمسك شغلي في حي السيدة زينب، أعقلها يا حاج.
أنشرحت ملامح الحاج "عبدالرحمن" ثم أبتسم وهو ينظر إليه بنظرة واثقة.
_فكر فيها يا "عزيز" وأنت هتستوعب كلامي وهتعرف إزاي تجيبه هنا يشتغل في الحارة وفي الأول والأخر ده مالكم وديه فترة مؤقتة يتحمل فيها شوية عنك..