رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثالث و التسعون 93 بقلم سهام صادق

 


رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثالث و التسعون بقلم سهام صادق



أتجهت أنظار والديه عليه فور وقوفه فجأة بعدما غادروا المصعد وفي عينيهم بريق صار يلمع كُلما أبصروا تلك الحياة التي تنبض في عينيه. 
تأبط "صفوان" ذراع "حورية" مجددًا رابتًا على كف يدها ومبتسمًا. 

رفع "صالح" عينيه عن حذاء صغيره بعدما أعاد ربط الرباط وتلميعه له بالمنديل ثم أنتصب واقفًا مُتسائلًا.

_ أناقة "يزيد" باشا كده تمام.

أخفض الصغير رأسه مُتأملًا حذائه ثم هز رأسه. 
أبتسم "صالح" حينما تقابلت عيناه بعينين صغيره ثم مدَّ يده إليه. 

_ هات أيدك يا حبيبي ، وزي ما أتفقنا نكون مؤدبين ولو زعلان من "زوزو" نقولها في بيتنا.
 
أسرع "يزيد" بالرد وهو ينظر إلى شقة الجد "نائل" المفتوح بابها ويخرج منها صوت الغناء. 

_ أتفقنا يا بابي. 

تحرك "صالح" وجواره سار الصغير الذي يرتدي نفس لون بذلته وتصميم الحذاء المُصمم للصغار. 
أستدار الجد برأسه بوجه ممتقع حتى يرى نظرة حفيده إلى زوجته التي تناست مكانتها كزوجة لكنه لم يجد ورائه غير "صفوان" و "حورية". 

_ شايفين مرات أبنكم العاقلة ، ما هو حضرته مبقاش عامل راجل غير عليا.
 
بهتت ملامح "حورية" وألتفت إلى الوراء سريعًا لتجد "صالح" واقفًا ورائها. 

أنفرج ثغر "شاكر" بأبتسامة ساخرة ثم بدء يهز رأسه مُستنكرًا ولم تخفى ملامح جده عنه.
 
_ بابا من فضلك ، سيادة اللواء عينه جات علينا.. أتحرك معايا وبعدين نبقى نتكلم. 

أمتقعت ملامح "شاكر" وتحرك معه مُغمغمًا بكلام لم يسمعها إلا "صفوان" ، أخفض رأسه للحظة متنهدًا ثم رفعها و أبتسم. 

توقفت "زينب" عن الرقص وأخذت تلتقط أنفاسها وعلى شفتيها أبتسامة عريضة وقد رأت في عينين "أشرقت" نظرة سعادة لتسرع "لبنى" إليها حتى تواصل. 

_ وقفتي ليه يا "زينب" ولا عشان عيلة جوزك وصلت.

لم تحتاج "لبنى" لتلفت نظرها لوجودهم ،فها هو جدها و عمها "هشام" و "مصطفى" يتجهون إليهم مُرحبين. 

_ بابي، سيب أيدي، أنت ماسكها جامد وأنا عايز أروح عند "زوزو" وجدو "نائل" و طنط "سما" وعمو "قصي".
 
حاول الصغير إفلات يده عنه إلى أن أستطاع تخليص نفسه وهرول من أمامه. 

أزدردت "زينب" لعابها وأحتضنت "يزيد" لكن نظرة "صالح" إليها جعلتها لا تنتبه على كلام "يزيد" لها وقد تشبث بحضنها. 
لم تغفل عيناي "نائل" ولا "حورية" على حركة أهدابها ونظرتها المُحدقة نحو "صالح". 
نظرته إليها قبل أن يتحرك ويقترب من مكان وقوف عائلته و عائلتها،جعلتها تتأكد إنه يحمل داخله الآن غضبًا يرغب بصبه عليها وفي نفسها تمنت ألا يظهر ذلك أمام عائلتها و يكسرها أمامهم وهي التي رفعت رأسها لأول مرة بينهم. 

_ زوجة حفيدي الغالية ، عايزين المرة الجاية نحتفل في القصر عندي بقدوم حفيد لينا جديد ولا أنت مش نفسك يا "نائل" تشيل أحفاد أحفادك.

قالها "شاكر" عن قصد عندما أقتربت "زينب" منه حتى تُصافحه ثم أتجه بأنظاره نحو "نائل". 

_ أكيد نفسي يا "شاكر" لكن برضو القرار قرارهم هما ،هي وجوزها أحرار... 

شعرت "زينب" بالأختناق وهي تستمع إلى ما يرمي إليه "شاكر" وقد رأت في عينيه نظرة فهمتها سريعًا ، هذا الرجل يُحرجها أمام عائلتها ، ليجعلهم يلحون عليها بالذهاب إلى الطبيب ومعرفة سبب تأخر الحمل وربما يحمل داخله نية أخرى ويدفعها إلى السعي وراء إنجاب طفل ويتحقق ما يتوق إليه حتى تتخلص من إلحاحه. 

توقَّدت عيناها بنظرة خاوية وتمنت لو صاحت بأعلى صوتها لتُخبر جدها بالوجه الأخر لصديقه لكن كل شئ تلاشى في اللحظة التي سحبها إلى حضنه. 

_ فعلا يا سيادة اللواء القرار قرارنا إحنا وأنا و "زينب" شايفين إننا لسا مش مستعدين إننا نتحمل مسئولية طفل تاني وأكيد الباقي أنت فاهمه بقى.

أنقلب وجه "شاكر" للعبوس وأنخرس لسانه عن الكلام بعد نظرة "صالح" إليه وبهمس خافت تمتم "صفوان". 

_ بابا بلاش كلامك ده، "صالح" هيعند معاك أكتر وأنت عارف ومتأكد من كده.
 
أستشاط وجه "شاكر" وألقى بنظرة ساخطة نحو "زينب" التي أسترخت في حضن حفيده وأبتسمت.
 إنه بدء يشعر بالضيق منها ، فهل أدخل بحياتهم حرباء صغيرة تسعى لتستولي على حفيده بالكامل وتجعله خاتم بأصبعه وهو من رأى فيها الفتاة المُطيعة المُضطهدة من قبل عائلتها.

أشاحت "أشرقت" عينيها عن المشهد ومثلها فعلت كل من والدتها و "يسرا" حانقين.
تمتمت " لبنى" بوجه ممتعض وبصوت لفت أنتباه "يسرا". 

_ "مراد" كان عايز يحتفل معانا لكن أنا قولتله لأ، تقاليدنا العريس ميشوفش العروسه ليلة الحناء.

ألتوت شفتيَّ "يسرا" تهكمًا ورمقت "لبنى" بنظرة مُستنكرة. 

_ ومن أمتى و أنتِ بتهتمي بتقاليد العيلة يا "لبنى".
 
وأبتعدت عنها "يسرا" ثم نظرت نحو "سما" التي وقفت ترقص مع "يزيد". 

_ صبرك عليا يا "سما"، وقال إيه يا ماما حرام عليكي "زينب" مش عايشة سعيدة مع جوزها.. فبلاش تفضلوا تتكلموا عنها. 

... 

وضع "عزيز" كوب الشاي الذي أرتشف منه القليل بعد أن أصر عليه الحاج "عبدالرحمن" أن يطلب له مشروب أخر غيره. 

_ أدعيلي يا حاج "عبدالرحمن". 

أبتسم الحاج "عبدالرحمن" بوجهه البشوش ورفع عيناه إليه بعدما نهض "عزيز". 

_ من غير ما تطلب يا "عزيز" بدعيلك وأسمع كلامي وأعمل بنصيحتي.

زفر "عزيز" أنفاسه ومازالت الحيرة تلمع بعينيه ثم أوْمأ برأسه ، فهو حتى هذه اللحظة ليس مقتنعًا بكلامه. 

_ خليني أتمشى معاك لحد العربية. 

قالها الحاج "عبدالرحمن" وهو ينهض مُستطردًا.
 
_ القاعده معاك ميتشبعش منها يا "عزيز".
 
ضحك "عزيز" بخفة مُتمتمًا وهو يسير جواره. 

_ قعدتي ديما بيكون فيها هموم يا حاج.
 
توقف الحاج "عبدالرحمن" عن سيره ونظر إليه مُتنهدًا. 

_ و لا هموم ولا حاجة، أنت بس مشيل نفسك فوق طاقتك لو كنت سمعت كلامي من زمان وكنت أتجوزت مش كان زمانك دلوقتي بقى معاك عيل وأتنين.

أطلق "عزيز" زفيرًا طويلًا وأسبل جفنيه ، فواصل الحاج "عبدالرحمن" كلامه وهو يربت على كتفه.
 
_ أستغفر الله العظيم ، كله أمر الله وكله بمواعيد، الكون كونه وإحنا عباده وكل بتدبيره.

هذه المرة أطلق "عزيز" زفرته براحة. 

_ أيوة كده يا حاج "عبدالرحمن" قويني بكلامك والحمدلله أنا راضي.

رمقه الحاج "عبدالرحمن" بنظرة تلمع فيها المحبة والودَّ. 

_ ربنا يراضيك يا "عزيز" ويرزقك بالذرية الصالحة.

برقت عينين "عزيز" بلهفة صار يُصرح بها. 

_ دعواتك يا حاج.
 
والزمن كفيل أن يُغيرنا ويُغير نظرتنا للأمور ويجعلنا مُتلهفين لأشياء لم تتحرك داخلنا إلا عندما يأتي وقتها...، ها هو تزوج عن حب وأنجذب نحو امرأة فتنته في البداية بجمالها وبات يتوق إلى اليوم الذي تخبره فيه بحملها لنُطْفة منه.

وَدَعْ "عزيز" الحاج "عبدالرحمن" وأنطلق بسيارته راضيًا لكن ليس مرتاح البال، فأمر أبن شقيقه مازال يدور برأسه.

_ أرشدني يا رب.
صاح بها بصوت عالي راجيًا الله أن يُرشده، فهو لا يُصدق ولا يستطيع تصديق ما عرفه وصدقه حَدَسَه.

_ ليه يا "سيف" ، ليه تكسرني قدام نفسي كده وليه تخليني أسأل نفسي مليون سؤال، أنا قصرت في إيه يا أبن أخويا، ده أنا سيبتك تشتغل معاها عشان تعرفها على حقيقتها، أمك حية بتتلون.
وبغضب ضرب عجلة القيادة بيديه.

_ لعبتيها صح يا "سمية" وأنتهزتي وقت أنشغالي بحياتي الخاصة ،عمري ما هخليكي تضيعيهم مني ... دول ولادي أنا... "نيرة" و "سيف" أمانة اخويا ليا وعمري اللي ضاع وأنا بربيهم وبنحت في الصخر عشان أخليهم يعيشوا زي ما "سالم" أتمنى يعيشهم.

...

أشاح "قصي" عينيه عنها ثم أبتعد عن أجواء الحفل العائلي البسيط الذي صار هادئًا دون صخب.

_ قولتلك يا أبن "هشام" أتحدى أمك وأبوك وأسمع كلامي وأتجوزها،فضلت تقولي يا جدي "زينب" زي "أشرقت" عندي، أصل ماما مش بتحبها و بابا وأنت عارف.

أستدار" قصي" نحو جده الذي أتبعه بعد أن فهم سبب إنسحابه من بينهم.

_ بس عارف أنت صح، "زينب" عمرها ما كانت تنفع معاك ولا تنفع مع "هشام" و" لبنى"، جدك دلوقتي لو مات هيموت مرتاح.

أسرع "قصي" بأحتضان جده.

_ ربنا يباركلنا في عمرك يا جدو وتشوف ولادنا وتجوزهم كمان.

قَهْقَهَ "نائل" بضعف.

_ ليه يا سيادة الرائد هخلل في الدنيا ، أتجوز بس وفرحني بيك.

وبخفوت همس.

_ ما تفكر في "سما" ، وأنتوا صغيرين كنتوا مرتبطين أوي ببعض.

أبتعد "قصي" عن جده مصدومًا.

_ أنت بتقول إيه يا جدي.

_ بقولك بص كويس و فكر ولا عجبك أقتراحات "لبنى" ، ديه عايزه تجوزك بـ بنت "عدنان الهتيمي" ،أنا لحد النهاردة مش قادر أبلع العيلة ديه ومش عارف ليه قلبي مش مطمن بس اقول إيه أختك مصممه على الجوازه بعد ما كنت خليت  "هشام" يقتنع برأي ويفكر  من تاني إن النسب ده مش لينا.

زفر "قصي" أنفاسه دفعة واحده بعدما عاد غيظه من شقيقته ووالدته وأيضًا والده يندلع مرة أخرى داخله.

_ للأسف "أشرقت" متمسكة بالجواز منه ولو كانت قالت لأ كانت الجوازة وقفت.

_ ربنا يخيب ظننا.

وأستطرد "نائل" قائلًا بعدما التقط يد "قصي" وأتجه به نحو الجهة التي تسمح له برؤية "سما".

_ عايزك تفكر كويس يا "قصي" في موضوع "سما" ، أنا جدك وعارف كويس دماغك ... وصدقني يا بني الراجل بعد الجواز بيدور على الست اللي تريحه وتهون عليه أعباء الدنيا وتخففها عنه بكلمة حلوة و متقوليش إن أنا و "سما" عمرنا من عمر بعض وأنا وهي شايفين بعض أخوات وكلام ملهوش لازمة من وجهة نظري.

أراد مقاطعة جده والأعتراض ، فأردف "نائل" دون أن يعطيها فرصة للكلام.

_ نظرتك لـ "زينب" مش نظرة راجل حب ست وندمان إنه مطلهاش ، نظرتك نظرة تمنيّ إنك تلاقي واحدة زيها وفي الأول والآخر القرار ليك، أنا بوجهك مش أكتر وشوف قلبك هيقولك إيه.

أبتعد "نائل" عنه ونظر نحو "أشرقت" مغمغمًا.

_ قلبي مش مرتاح مش عارف ليه؟

...
 
توقف "عزيز" مكانه قاطبًا جبينه وهو يدور بعينيه بين "ليلى" التي تجلس قُرب "كارولين" ويتحدثن وقد تبدَّى عليها التأثر بكلام "كارولين". 
تجهمت ملامح وجهه عندما وجد "كارولين" تحتضنها وصاح بضيق حتى يلفت أنتباه" ليلى" .

_ "ليلى".. 

أَجْفَلَ صراخه "ليلى" وأرجف جسدها ، فأبتعدت "كارولين" عنها بعدما تمالكت رعشة جسدها هي الأخرى.

_ أشكرك " ليلى" ، سأفعل بنصيحتك مع "سيف".

أبتسمت "ليلى" لها و ظهر على ملامحها التوتر عندما تقابلت عيناها بعينين "عزيز".

نهضت "كارولين" من جوارها وهمست بصوت خافت ثم أطرقت رأسها أمامه.

_ مساء الخير.

أشاح" عزيز" وجهه عنها بعدما ألقى عليها نظرة ماقته، نظرة تزيدها رغبة في الحصول عليه.

تنهد ثم أقترب من "ليلى" التي أنتصبت واقفة.

_ حرام عليك يا "عزيز" خضتني وخضتها مش كفايه" سيف" واللي بيعمله فيها ، ده لسا خارج من الفيلا بعد ما أتخانق معاها.

أمتعضت ملامح "عزيز" وتساءل بنبرة ساخرة.

_ كانت بتشتكي ليكي من إيه وكمان أنتِ مش قولتيلي هتقعدي مع "عايدة" و "شهد" ولما أوصل أرن عليكي عشان تطلعيلي.

عقدت "ليلى" حاجبيها ببعضهما ثم زفرت أنفاسها.

_ "كارولين" جاتلي هناك عشان تطمن على "شهد" وبعدين قالتلي محتاجه تتكلم معايا شوية، أنت مش عارف يا "عزيز" "سيف" بقى بيعمل فيها إيه، ده غير إنها بتشك يعني....

وألتفت حولها ،فأمتقعت ملامح "عزيز".

_ أنتِ بتبصي حواليكي كده ليه.

فركت "ليلى" يديها ببعضهما وتمتمت بخفوت.

_ الموضوع صعب أوي يا "عزيز".

زفرة "عزيز" القوية جعلتها تُلقي ما بجبعتها سريعًا بعد أن ألتفت حولها مرة أخرى.

_ بتقولي إنها بتشك إنه بيخونها مع "بيسان".

أوْمأ "عزيز" برأسه ، فأنفرجت شفتيَّ "ليلى" ذهولًا من ردة فعله.

_ هو أنت ليه عادي كده يا "عزيز" ، بقولك بيخونها.

_شافته بعينها.

تساؤل "عزيز" جائها حازمًا مما زادها دهشة.

_ بتبصيلي كده ليه ؟

ردت وهي لا تستوعب ردوده نحو أمر كهذا.

_ مستغربة ردة فعلك يا "عزيز".

التقط يدها وتحرك بها متمتمًا.

_ أنا راجع تعبان يا "ليلى"، خلينا نطلع أوضتنا.

تراجعت "كارولين" وأختبأت خلف أحد الأعمدة التي تحجب رؤية أحد لها بعدما وجدتهم يصعدون الدرج مُتشابكين الأيد.

...

ضرب "شاكر" الأرض بعصاه الأبنوسية بوجه ممتقع عند دلوفه إلى الفيلا، فتوقف كلا من "صفوان" و "حورية" مكانهم.
 
_ مرات أبنك تاخديها المستشفى بتاعتنا وتشوفي دكتور مُتخصص في النسا شاطر وتقوليلي بعدها عندها عيب يمنع الخلفه ولا دلع ستات ماسخ ملهوش لازمه.

أحتقن وجه "حورية" ونظرت إلى "صفوان" الذي أشار لها بعينيه أن تسبقه إلى أعلى ثم أستدار إلى والده.

_ الدكتورة مش عجبها الكلام ولا هي فرحانه بأبنها سيادة الطيار اللي بقى خيخة في أيد مراته.

لم تشعر "حورية" بنفسها وتخلت عن صمتها بعدما أزدادت ملامح وجهها أحتقانًا.

_ عمي مسمحش ليك.

_ والله عال العال يا دكتورة، شكلك هتتعلمي من مرات أبنك ، هي غلطتي من الأول لو كنت أختارت له بنت المستشار ولا بنت الدكتور الجامعي، رايح أختار لحفيدي واحده جدتها خطافة رجاله.

_ كفايه بقى، أنت فاكر أبني إيه...

صرخت حورية بعد أن فاض بها ، فأتت "رغد" ركضًا من الأعلى وقد أذهلها ما تراه و تسمعه.

_ أتصرف يا "صفوان" مع أبوك بدل ما أسيب ليك البيت وأروح أعيش مع أبني.

أسرعت "حورية" إلى أعلى عازمة على إتخاذ قرار يمحي ضعفها أمامه.

_ عجبك كده ،أنت بتعمل كده ليه فينا، قولي سبب واحد...حبك لـ "صالح" حب مرض... عايزه ليه يكون نسخه منك.

أطرق "شاكر" بعصاه لعدة مرات بوجه قاتم.

_ لو مرات أبنك مخلفتش تخرج من حياتنا،والدكتورة لو خرجت من باب الفيلا قولها تنسى تمويل الجمعية الخيرية بتاعتها.

تحرك "شاكر" من أمامه مشيرًا إليه ألا يتحدث ونظر نحو "رغد" التي وقفت عند منتصف الدرج تتابع ما يحدث.

_ إظاهر إني فشلت في أختياري ، قول لمراتك يا دكتور تسمع الكلام وتفضل تحت طوعي بدل ما أنتوا عارفين أقدر أعمل إيه كويس.

...

ضمت "ليلى" كفوف يديها ببعضهما وأتبعته بحيرة ، نظر إليها "عزيز" ثم ألتقط ملابس نظيفة له.

_ تقدري تلبسي اللي يريحك يا "ليلى".

تركت ثوب النوم القصير الذي ألتقطته ونظرت إليه ،فأقترب منها ووضع قبلة أعلى رأسها متمتمًا بصوت رخيم.

_ أنا هنام يا حببتي لأني مُرهق.

ضاقت حدقتاها وأنعقد لسانها عن الكلام وشعرت بأشتعال خديها خجلًا.

غادرت بعد دقائق غرفة الملابس بعدما أرتدت ثوب نوم مُحتشمًا ومُريحًا.

ألقت بنظرة خاطفة نحوه ،فوجدته مُستلقيًا على الفراش. 
وضعت العطر المفضل الذي يحب شم رائحته عليها ثم مشطت شعرها وهي تختلس النظر إليه.

_ "عزيز" ،أنت زعلان من حاجة...

فتح عينيه وأشار إليها أن تأتي إلى جواره، تركت المشط من يدها وأتجهت إلى الفراش تتساءل.

_ هو إحنا مش سر بعض يا "عزيز"، قولي مالك؟

أغلق "عزيز "عينيه لوهلة ثم تنهد وألتقط أحد أيديها.

_ "ليلى" عايزك تسمعي كلامي كويس، اِحْتَرَسي من" كارولين" ومتسأليش ليه وأياكي تخبي عني حاجة يا "ليلى" مهما حصل... أنا أكتر حد هيخاف عليكي حتى من نفسي.

خفق قلبها فزعًا وحدقت به.

_ أنت بتخوفني ليه يا "عزيز".

ذعرها الطفولي جعله رغمًا عنه يضحك.

_ ما ديه الطريقة اللي بتجيب معاكي نتيجة يا "ليلى" وممكن تعترفي بعدها بكل حاجة بتعمليها من ورايا.

هربت بعينيها بعيدًا ،فهى بالفعل كانت ستخبره بمشروعها هي و زوجة عمها ومساعدتها لها بالمال الذي كان بحوزتها لكن بعد مزاحه هذا... دفعته على صدره بضيق وأشاحت وجهها عنه.

_ حرام عليك بجد يا "عزيز" ،كلامك خوفني وحسيت إن في حاجة وحشة ممكن تحصل.

ضحك وأجتذبها إلى حضنه رابتًا على ظهرها.

_  طول ما حبنا قوي يا "ليلى" هنعدي حاجات كتير سوا، أهم حاجه متخبيش عني حاجة مفهوم.

طال انتظاره لسماع الكلمة منها ثم قطب ما بين حاجبيه وأبعدها عن حضنه ونظر إليها بنظرة ثاقبة.

أرتبكت و أسرعت بتحريك رأسها ، أفتر ثغره عن أبتسامة خفيفة.

_ لأ أنا مش عايز مراتي تكون جبانة ، أنتِ زوجة
"عزيز الزهار" ...

لقد توقف منذ فترة أن يجعلها تُردد له تلك العبارة التي تعيد إليها ثقتها ومكانتها بحياته.

_ أنا زوجة "عزيز الزهار" التاجر الشاطر وأحن راجل في الدنيا كلها 
حضنها بقوة قائلًا بلهفة.

_ عايز طفل يا "ليلى"، نفسي في طفل من صلبي ومنك..

....
 
لقد عادت إلى المنزل أخيرًا بعد ساعات طويلة قضتها في منزل جدها ، عادت إلى المكان الذي تعود فيه إلى "زينب" الحُرَّة التي لا تتجمل ولا تتصنع حتى تُبهر من حولها.

_ حاسة إن جسمي كله وجعني.

قالتها بتلقائية وقد ظنت إنه لم يعد يتذكر أمر تلك الرقصة.

_ ما لازم جسمك يوجعك بعد فقرة الرقص العظيمة.

سخريته كانت واضحة وكادت أن تتحدث إلا أن "يزيد" بادر بالكلام بعدما فتح عينيه ورفع رأسه عن كتف والده.

_ "زوزو" رقاصة حلوة يا بابي، خليها ترقص ليك أشمعنا هما وأنت لأ.

أحتدت عيناه ونظر إليها بعدما أنفلتت منها شهقة قوية.

_ مبسوطة برأي الولد ، شكرًا لتقديرك يا "زينب" هانم. 
هتف بها بوجه جامد وتحرك نحو غرفة صغيره.

_ بابي أنا عايز انام معاك، أنت وحشتني أوي.

وقفت" زينب" مصدومة تُحدق بظهره ولم تنتبه على طلب "يزيد" إلا عندما رد عليه.

_ تعالا يا حبيبي.

تحرك هذه المرة جهة غرفته صائحًا بصوت خشن.

_ أحترامك ليا كان فوق الوصف حقيقي ، راجعي نفسك كويس أوي.

تثاءب "يزيد" و أستدار برأسه نحوها.

_ "زوزو" كانت في فرح طنط "ليلى" بترقص أحلى.

جحظت عيناها على وسعهما عندما أرتفع صوته هذه المرة على "يزيد".

_ "يزيد" غمض عينك ونام.

نفذ الصغير أوامر والده سريعًا ،فتحركت "زينب" ورائهم.

_ "يزيد" ملهوش ذنب عشان تشخط فيه.

_ "زينب" 
صرخ بها بعدما سطح صغيره منتصف الفراش.

_ أيوه أنا غلطانه بس نتكلم براحه...

_ "زوزو"، بابي أنا عايز أنام...

عقدت ذراعيها أمامها حينما خرجت زفرة طويلة من بين شفتيه.

_ أنا كنت عايزه أفرح وسط عيلتي وأنت شوفت بنفسك كلنا كنا فرحانين إزاي.

وأقتربت منه ووقفت قبالته.

_ "زينب" خلينا ننام ، لو قولت أي كلمة دلوقتي هتزعلي مني لأن لا أنا ولا أنتُ مُستعدين نتناقش.

تدخل الصغير في حديثهم رغم ثُقل أجفانه لشدة نُعاسه.

_ أسمعي كلام بابي يا "زوزو" عشان تكوني شطورة زي "يزيد"  وتنامي في حضنه.

وهل بعد كلام "يزيد" تستطيع إلا التبسم وهمست بصوت خافت لم يسمعه "صالح" الذي أتجه إلى الحمام.

_ بابي مهما عمل وقال الليلادي ولمدة أسبوع هسامحه...

وأطبقت جفنيها متنهدًا وشاردة في تفاصيل اليوم بأكمله.

أنقضت هذه الليلة وقد نام كل منهم على طرف الفراش وتوسطهم الصغير الذي غفا و على شفتيه أبتسامة مُطمئنة وسعيدة لوجوده بينهم.

...

أعتلت الدهشة ملامح "سمية" عندما وجدت "كارولين" تدلف ورائها غرفة مكتبها ثم أغلقت الباب.

رمقتها "سمية" بنظرة اِستعلاء ثم سارت نحو طاولة مكتبها.
 
أستجمعت "كارولين" شجاعتها ثم أسدلت أهدابها.
كادت أن تُخبرها "سمية" أنها مشغولة ولا بال لها أن تسمع شَكْوَى منها.

خرج الكلام دفعة واحدة من شفتيَّ "كارولين" ، فأستدارت "سمية" جهتها.

_ "سيف" لن يُنفذ خطتك من أجل الأيقاع بـ "ليلى"، أنا سأخبرك بمن سيفعل هذا الأمر.

أقتربت منها "سمية" بحذر وتفحصتها بنظرة طويلة تحمل تساؤلها.

_ أبنة عمها!!

....
 
في الساعة الرابعة عصرًا، توقفت سيارة "مراد" أمام أحد الفنادق الكبرى. 
فتح له سائقه الباب وتحرك ورائه أحد رجاله.

بخطوات واثقة غادر المِصْعد وقبل دلوفه تم إخلاء الجناح المحجوز لعروسه ولم يبقى به سوى هي و والدتها.

أندهشت "لبنى" عندما وجدته أمامها وقد غادرت أيضًا تلك الفتاة التي تقوم بتَقْلِيم أظافرها.

_ ده مش ميعاد جلسة التصوير يا "مراد".

ثم نظرت حولها.

_ البنات راحوا فين فجأة؟

أبتسم وأشار إلى الرجل الذي أتبعه أن يُغادر الغرفة.

_ فين "أشرقت"؟

ألتوت شفتيَّ "لبنى" ورمقته بنظرة مُستاءة.

_ في الحمام والمفروض لما تطلع تكمل خبيرة التجميل تَزَيَّنَها.

أرادت "لبنى" مواصله كلامها الذي لا يزيده إلا بغضًا لعجرفتها.

_ تحبي نبدء كلام ولا نستنا "أشرقت" عشان تكون حاضرة في الصورة.

زفرت "لبنى" أنفاسها بحنق منه.

_ هنتكلم في إيه يا "مراد" ، أنت واخد بالك فاضل أد إيه على جلسة التصوير.

قَهْقَهَ عاليًا.

_ لا متقلقيش واخد بالي أوي يا "لبنى" هانم. 

أستنكرت "لبنى" كلامه ودفعته من أمامها.

_ لأ أنا هكلم سيادة المستشار يجي بنفسه يشوف مالك.

توقف عن الضحك وألتقط منها الهاتف.

_ ما بلاش سيادة المستشار يكون موجود، مش هيستحمل يشوف تربية بنته سيادة المستشارة وصلت لحد فين.

أشتعلت نظرات "لبنى" غضبًا ودفعت بيده التي يقبض بها على الهاتف.

_ هات التليفون.

وفي اللحظة التي ترك فيها الهاتف لها ، وضع أمامها ذلك التقرير الطبي الذي ظهر به اسم أبنتها واضحًا.

ألتقطت منه "لبنى" التقرير حتى ترىٰ ما به بعدما أحتل القلق قلبها وخشيت أن تكون أبنتها مريضة وتخفي عنها مرضها.

أنتبهت "أشرقت" على صوت "مراد" ورددت اسمه بصوت مُرتجف.

_ "مراد "
تسارعت دقات قلبها وأسترقت السمع.

_ أنت اللي عملت فيها كده، ضحكت على بنتي.

صرخت به "لبنى" بصوت مرتعش ، فأرتعشت  يد "أشرقت" التي ترفع بها طرف ثوب زفافها وتيبَّست في وقفتها وقد بدء الهلع يتسلل إلى قلبها.

_ لا، لا أنت جاي أكيد تهزر.. بنتي أنا كانت حامل وأجهـ.ـضت.

تجلجلت ضحكة "لبنى" بصوت عالي بعد أن ألقت ما بيدها على وجهه.
تقبل ردة فعلها بأبتسامة ، فدفعته بعيدًا عنها حتى تتجه إلى الغرفة التي يتم تَزَيَّنَ أبنتها بها كـ عروس.

شَحَب وجه "لبنى" وتحولت ملامحها السعيدة إلى أخرى واجمة وأقتربت منها بعد أن وجدتها واقفة وتُكمم فمها بيدها حتى لا يخرج صوت بكائها.

_ تعالي أسمعي البيه بيقول ليا إيه، أنا بنتي سيادة المستشاره يتقال عليها كانت حامل وأجهـ.ـضت.

عادت ضحكات "لبنى" تصدح بأرجاء الجناح الواسع الذي صارت لا تشعر بوسعه، إنها تحتاج الآن إلى الهواء حتى تستطيع التنفس.

_ ردي عليه وأرمي له دبلته في وشه.

أنسابت دموع "أشرقت" وخرج صوت بكائها بتقطع ليزداد وجه "لبنى" شحوبًا.

_ ساكته ليه، ردي... 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1