رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الرابع و التسعون 94 بقلم سهام صادق

  


رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الرابع و التسعون بقلم سهام صادق



أين هو ذلك الشعور الذي غلف فؤاده بلذة الزَّهْو وبرقت معه عينيه بنظرة لا يطلقها نحو ضحيته إلا وهو منتصرًا وخصمه يقف أمامه مذلولًا يتوسل إليه بأن يرحمه؟ أين أختفى ما كان يشعر به منذ البداية، منذ أن قرر أن يتلاعب بها ويجعلها طَوْعَ بنَانِهِ؟ أين هي تلك المشاعر التي دفعته ليستمر حتى ينال ما أراد؟

_ ردي عليا، قوليلي إنه كداب، بنتي عمرها ما تعمل كده. 

هزتها "لبنى" بكل قوتها وصاحت بحرقة و رجاء. 

_ قولي إنه كداب وأنا هخلي بابا يدفعه هو وعيلته تمن كلامه.

لم تتحمل "أشرقت" رؤية والدتها أمامها بهذا الأنهيار وخرج صوت بكائها المكتوم. 
تقهقرت "لبنى" إلى الوراء حتى يتسنَّى لها رؤية ملامح أبنتها بوضوح وتتأكد من حقيقة صارت واضحة ثم أطرقت رأسها تسأل نفسها بصوت مسموع. 

_ عملتي فينا وفيكي كده ليه؟ بنتي أنا كانت حامل.. بنتي العروسة والنهاردة فرحها كانت حامل، لأ أكيد بيضحك عليا.
 
وأقتربت "لبنى" هذه المرة بهدوء من "مراد" الذي وقف مُعطيًا لها ظهره وأجتذبته من ذراعه برفق عكس ما حدث قبل قليل وتساءلت بلطف. 

_ "مراد" حبيبي، قولي إنك بتهزر معانا يا حبيبي.
 
أغلق جفنيه وأطبق شفتيه، فالكلام أنعقد على طرف لسانه. 

_ بصيلي يا "مراد" يا حبيبي. 

أستندت "أشرقت" بجسدها إلى أقرب جدار ثم وضعت يدها على شفتيها حتى تكتم صوت بكائها وبالكاد خرج صوتها. 

_ كفاية يا ماما، كفاية أرجوكي.

تجمدت ملامح "لبنى" بعد سماع رجائها وألتفت إليها قائلة بحدة :

_ مش عايزه أسمع صوتك، سبيني اتكلم مع "مراد" حبيبي.

وبأبتسامة مهزوزة أردفت وهي تهز جسده برفق حتى ينظر إليها. 

_ كده برضو يا "مراد" تعكنن علينا في يوم زي ده، لأ أنا زعلانه منك. 

أرتعشت أجفانه وتهدجت أنفاسه مُقاومًا صوت الضجيج الذي أقتحم رأسه فجأة وتلاشى كل شئ من حوله. 

_ رد عليا يا "مراد" يا حبيبي، ده أنا قولت إن بقى عندي تلت ولاد مش ولدين. 

تحركت "أشرقت" بصعوبة نحوها وقد أعتصر الخزى والألم روحها المُهشمة. 

_ ماما خلاص، عشان خاطري بصيلي. 

باغَتَتها "لبنى" بدفعتها القوية ثم صاحت بها. 

_ أسكتي خالص مش عايزه أسمع صوتك.
 
توقفت "أشرقت" عن البكاء وحدقت بثوب زفافها الذي أفترش الأرض مع سقوطها. 

_ أنا عارفه إني ديما كنت سخيفة معاك ، أوعدك من النهاردة يا حبيبي مش هزعلك تاني. 

تداخلت الأصوات مع بعضها وألتمعت نظرة الخواء بعينيه مع صوت توسل "لبنى" إليه وتكرّرها لكلمة بُني. 

« أنا بعلمك قساوة القلب لأنها هتنفعك في شغلنا وبكره هتشكرني، أبن "عدنان الهتيمي" لازم يكون قلبه ميت.» 

_ إيه ده التليفون بيرن، ده بابا يا "أشرقت"...سيادة المستشار ،هخرج أكلمه بره وراجعه ليكم.. عايزه ارجع ألاقيكم نهيتوا المهزله ديه.
 
أسرعت "لبنى" بالتحرك وأنسابت دموعها وهي تغلق باب الغرفة ورائها وها هي أخيرًا تستوعب الصدمة التي يرفضها عقلها.

_ لا لا بنتي متعملش كده، بنتي سيادة المستشارة أستحالة تعمل كده هو بس بيهزر هزار سخيف معايا عشان ينتقم مني، ما أنا كل مرة يزورنا فيها أقوله إحنا عيلة مش بتناسب أي حد والتشتت العائلي اللي انتوا فيه ده مينسبش عيلتنا لكن نعمل إيه بنتي عايزاك.

تحدثت بها "لبنى" وهي تستند إلى باب الغرفة بوهن دون أن تتوقف دموعها ثم أبتسمت. 

_ أنتِ بتعيطي ليه يا "لبنى"، آه أكيد بتعيطي من فرحتك.. لأ أبتسمي كده.. النهاردة فرح بنتك سيادة المستشارة.

ثم تمايلت بخطوات متعثرة تحت نظرات الواقف من رجال "مراد".

ساد الصمت أرجاء الغرفة بعدما غادرت "لبنى" وتركتهم دون أن تستوعب الصدمة. 

أرتفع صوت "أشرقت" بالبكاء قهرًا وأخذت تتمتم. 

_ كنت عارف، كنت قاصد تكسرني، كنت مخطط لكل حاجة لكن أنا كنت غبية و حبيتك.

أستدار "مراد" جهتها في تلك اللحظة، فكتمت صوت شهقاتها بكلتا يديها عندما وجدته يصرخ بعلو صوته. 

_ كدابين، كلكم كدابين محدش فيكم حبيني، أنتوا محبتوش غير نفسكم... 

أرتجف جسد "أشرقت" خوفًا من رؤيتها له وهو يقترب منها بنظرة يندلع منها الظلام الكامِن داخله. زحفت وهي جالسة أرضًا ثم أسرعت بأحتضان جسدها. 

_ أبعد عني، أنا هنتقم منك،هخلي بابي يدفعك التمن الغالي.
 
أبتسم "مراد" أبتسامة واسعة وأنفجر ضاحكًا وقد أطربه تهديدها. 

_ وهيدفعني التمن غالي إزاي بعد ما فضيحة بنته هتكون على كل لسان، و يا حرام مش بعيد يروح فيها هو و "لبنى" هانم بعد ما الخبر يكون حديث الموسم. 

لقد أيقظت شيطانه الذي أخمدته "لبنى" بكسرتها أمامه كأم ولا يعلم لِما لحظتها تذكر والدته وتوسلاتها أمام والده. 

حجظت عيناي "أشرقت" بنظرة مذعورة وتشبثت بثوب زفافها وأشاحت بوجهها عنه. 

_ أنت مش معقول تكون إنسان طبيعي.
 
أوْمأ برأسه مُبتسمًا بأنتشاء ووضع يده على خدها حتى تنظر إليه. 

_ حظك يا "شوشو" وقعك مع الأشرار والغلطة عندنا بفوره، يلا بقى قوليلي عايزه عقابك يكون إزاي، نكمل الفرح وبعدين أسيبك ولا منكملهوش ونسيب القيل والقال للناس وأنتِ وحظك.
 هي بالتأكيد تعيش كابوس وليست حقيقة، كيف لم ترى صورته الحقيقية من قبل وتستشعر بنواياه الدنيئة. 

_ متفكريش كتير يا حببتي في شخصيتي لأنك عمرك ما هتفهميها بس أقولك أنا خلاص قررت، كفايه فضحتك قدام "لبنى" هانم وكسرت نفسها، أمك بصراحه كانت معايا لا تُطاق بتفكرني بواحدة كده بتحب تظهر قدام الناس إنها هانم وهي في الأصل... 

وفي لحظة أختفى كل شئ أمام عينيه وتحركت يده نحو خده الذي سقطت عليه صفعتها. 
أرتعدت أوصالها وهي ترى نظرة الشر التي أشتعلت بحدقتيه وبصوت حاولت إخراجه قويًا لكنها فشلت.
 
_ مش هتقدر تعملي حاجه....

_ "مراد" بيه أفتح الباب من فضلك، والِدة الهانم وقعت من طولها.

أنقطع الكلام وأنتفضت من ثوب العروس المكلومة وخرجت صرخة قوية من شفتيها ثم دفعته عنها وأتجهت نحو الباب ومن حسن حظهم أن الطابق كان فارغًا بأكمله، فكل شئ مخطط له بدقة. 

... 

وضعت "زينب" طبق الطعام أمام "يزيد" الذي خرج صراخه في ذعر عندما رأي القناع الأخضر على وجهها، صرخت معه رغمًا عنها إلى أن توقفوا عن الصراخ. 
اخْتبأ "يزيد" أسفل الطاولة محاولًا إلتقاط أنفاسه ثم تمتم بصوت متقطع. 

_ أنتِ مش "زوزو" أنتِ المقنع الأخضر.
 
عقدت "زينب" حاجبيها لتشبيه لها بالرجل المُقنع ثم أسرعت بوضع يديها على خديها.
مررت أصابعها على ما وضعته ولم يجف بعد على وجهها وتساءلت. 

_ هو أنا شكلي يخوف أوي كده؟

هز "يزيد" رأسه وهتف بخوف.

_ أنا خايف منك يا "زوزو"، بابي لو كان هنا هيخاف منك هو كمان. 

زمَّت شفتيها بعبوس، فالصغير أستطاع جرح كرامتها العزيزة وأنوثتها الغالية. 

_ طب أطلع يا حبيبي متخافش وأنا شوية كده همسح الماسك من على وشي.

أسرع "يزيد" بالرد بعدما أخرج رأسه من أسفل الطاولة. 

_ لأ أمسحي الأول يا "زوزو".
 
أقتربت "زينب" من تلك الجهة التي أخرج منها رأسه، فزحف على ركبتيه هربًا منها. 

_ متقربيش مني يا "زوزو".
 
أنفلتت تنهيدة من صدرها ثم جلست أرضًا. 

_ لأ أنا كده زعلت يا "زيدو" وأنا النهاردة حساسه أوي، هعيط خلاص.

تظاهرت بالبكاء، فتحرك "يزيد" نحوها وجلس جوارها. 

_ متزعليش يا "زوزو"، لو بطلتي عياط هخلي بابي يجيبلك شيكولاته... 

أكملت "زينب" تظاهرها بالبكاء وهتفت. 

_ بابي مش هيجيبلي شيكولاته عشان زعلان مني.. 

رمقها "يزيد" بنظرة جعلتها ترغب بالضحك وأقترب منها حتى تلاصقت ركبتيهم معًا ونظر إليها. 

_ ليه بابي زعلان منك، أنتِ مش بتعملي حاجة تزعله يا "زوزو" وهو كان مبسوط منك وأخدك معاه رحلة طويلة وسيبتوا "يزيد".
 
ثم رفع يديه وبدء يعد على أصابعه عدد الأيام التي قضوها في رحلتهم وتناسوا أمره. 
شعرت "زينب" بالضيق من رؤيته لتأثر الصغير لغيابهم. 

_ خلاص بقى يا "زيدو" متزعلش، أخر مره نسافر وأنت مش معانا.

صدح صوت "يزيد" فجأة بتهليل.

_ بجد يا "زوزو"، أنا بحبك أوي.

دمعت عيناها وأحتضنت وجهه وبتحشرج خرج صوتها. 

_ و "زوزو" بتحبك أوي أوي... 

أرتمى "يزيد" بين ذراعيها  ولم يشعروا بمجئ "صالح" لأرتفاع صوت التلفاز. 

_ "زوزو" أنا هتخنق كده، سيبيني بقى... ياريت بابي يجي عشان تحضني هو.

أبعدته عن حضنها حتى تستطيع دغدغته. 

_ لأ أسيبك إيه ده في طار قديم بينا من أمبارح، بقى أنا رقاصة يا "يزيد " والنهاردة بتقولي شبه المقنع الأخضر وكمان بقولك بابي زعلان مني وقالي مش هيحضن غير يزيد بعد كده.

قوس "صالح" شفتيه بأستنكار ، فهل هي تخْتلق حديث لم يتفوه به؟

قهقه "يزيد" بضحكات متقطعه وقد ألمته معدته من شدة الضحك والدغدغة. 

_ خلاص يا "زوزو" سامحيني... هقول لـ بابي إنك مش رقاصه، طنط "سما" هي الرقاصة بتاعت الفرح.
 
_ لأ ما خلاص بعد إيه، لازم أخد حقي.

أخفى "صالح" تلك المشاعر التى برقت بعينيه وتنحنح بصوت عالي حتى ينتبهوا على وجوده. 
توقفت "زينب" عن دغدغته ورفعت رأسها مُزدردة لعابها ببطء. 

_ بابي، ألحقني من أيدين الرجل المقنع.

وأنفلت من يديها ضاحكًا وقد لفت أنتباهه نحو ما تضعه على وجهها ومظهرها بأكمله.

_ أنتِ عامله في نفسك كده ليه؟

أشاحت وجهها عنه بحرج ونهضت من الأرض وهرولت مُبتعدة عنهم.

_ هروح أغسل وشي.

كَبَل "يزيد" ساقين والده ، فمسح "صالح" على رأسه مُتسائلًا.

_ أنت زعلتها في حاجه يا "يزيد".

رفع "يزيد" رأسه إليه قائلًا بعد أن فكر قليلًا.

_ قولتلها إنك بتخوفي وشبه الرجل المقنع، "زوزو" بتخوف يا بابي صح.

داعب رأس صغيره بلطف.

_ الأكل بتاعك هيبرد، روح كمله يا حبيبي عشان بعد كده نجهز.

أبتسم "يزيد" مُتذكرًا أمر حفل الزفاف ورؤيته لـ "عُدي" صديقه.

_ هخلص طبقي كله يا بابي وأنت شوف "زوزو" عشان قالتلي إنها عايزه تعيط لأن أنت زعلان منها..

وأستطرد بحديثه قبل أن يبدء بتناول طعامه.

_ متزعلش من "زوزو" يا بابي وأنا هخليها ترقصلك زي ما رقصت حلو في فرح طنط "ليلى" أصلها في فرح طنط "أشرقت" رقصها كان عادي وطنط "سما" كانت أحسن منها حتى أسأل نانا.

تحرك من أمام صغيره الذي حرك داخله شعور الغيرة مرة أخرى بل وأشعلها بعد أن حاول عقله تجاوز الأمر.

_ طب أعمل إيه دلوقتي أفضل على زعلي منها ولا أدخل أشوفها، لأ خلاص هدخلها وأمري لله وهخليها لوحدها تعترف بالغلط بس كله بالعقل...

_ "زينب"...

أرتفع صوت ندائه لها قبل أن يدلف إلى الغرفة ليجدها تخرج  من الحمام وهي تُجفف وجهها بالمنشفة.

_ المفروض نكون جاهزين على الساعه الكام؟

سألها وهو يقترب منها ثم أجتدب المنشفة عن وجهها.

_ حلو الماسك تصدقي تأثيره واضح.

توهجت ملامحها وكأنها طفلة صغيرة وأبتعدت عنه حتى ترى وجهها بالمرآة، فقاوم رغبته بالضحك.

_ مقولتليش هنكون جاهزين على الساعة كام؟

حركت وجهها يمينًا ويسارًا حتى ترى تأثير ما وضعته على بشرتها.

_ يعني على الساعه السابعة نكون جاهزين، أنا حضرتلك لبسك أنت و "يزيد" ، "يزيد" هياكل وبعدين ياخد شاور، أحضرلك الغدا ولا هتدخل ترتاح شوية.

أغلق عينيه للحظة مستمتعًا بحديثها المنصب عليه هو وصغيره ثم فتحهما وأقترب منها، فــ توترت من وقوفه ورائها.

تقابلت عيناهم بالمرآة حينما أخذ يُحرر خصلات شعرها من البكرات التي تلفهم بها.

_ حضرتي فستانك، كل حاجة خاصة بيكي.

خفق قلبها وهزت رأسها إليه وهي لا تُصدق إنه تناسى أمر ليلة أمس.

_ تمام...

كلمة واحدة قالها وأنسحب من الغرفة دون أن يُعقب على أي شئ أخر منتظرًا إنتهاء العُرس بسلام.
قطبت جبينها بحيرة وهي تنظر نحو بكرات الشعر التي وضعها في يديها.

_ هو زعلان مني ولا مش زعلان.

......

ترك "عزيز" ما بيده من أوراق زافرًا أنفاسه بثقل وحيرة. 
أغلق عينيه مستندًا برأسه إلى ظهر مقعده مغمغمًا بخفوت ومرارة.

_ كتافك تقلت يا "عزيز" وياريتك طلعت قدها.

وَشدَّدَ من غلق عينيه قابضًا بيديه على ذراع المقعد وقد عاد عقله يستعيد أمورًا من الماضي، يستعيد حقيقة أخبرته بها قبل أبتعادها عن حياتهم.

« مهما حاولت تبعدهم عني، هيجي يوم وأخدهم منك يا "عزيز" وخصوصا "سيف" مش هسيبه ليك، هكسرك في يوم فيه.. هخليك تتأكد إن عمرك ضاع هدر وزرعت في أرض مش ليك.»

أنتفض جسد "عزيز" وفتح عينيه بعدما أتى طيف "سمية" أمامه.

_ لا يا "سمية" مش هتضيعي زي ما ضيعتي أخويا ووصلتي إنه يشرب عشان يهرب من خنقته وحيرته.

أطلق "عزيز" تنهيدة طويلة من صدره ثم أستند بساعديه على طاولة مكتبه مُحتضنًا رأسه بين كفوف يديه.

« بشرب حشـ.ـيش عشان أنسى يا "عزيز" .»

« تنسى إيه يا "سالم" ، شاركيني همومك يا أخويا.»

ونظرة شقيقه إليه تلك الليلة لم ينساها بعدما أتضحت له جميع الأمور بعد وفاته.

« بلاش أشيلك الهموم بدري يا "عزيز"، عيش شبابك يا أخويا، بكره تشيلها لوحدك.»

« عشان خاطري يا "سالم" بطلها، أنت حتى مكنتش بتشرب ســجـ.ـاير.»

واليد التي كانت تربت على كتفيه رحل صاحبها وترك خلفه شقيقً يبحث عن شقيقه في كل  لحظة ومكان جمعهما.

« حاضر يا "عزيز" هحاول، تعرف يا "عزيز" ساعت بحس إن أنت أخويا الكبير مش الصغير، أنت ضهري يا "عزيز" أتمنى أشوف ولادنا مع بعض كده في يوم.»

أنفلتت دمعة من عينين "عزيز" مسحها سريعًا بعدما فتح العم "سعيد" باب الغرفة فجأة.

_ أنت هتفضل حياتك كده شغل في الشغل حتى يوم الأجازة اللي أنت واخده، قاعد في أوضة المكتب بتشتغل.

تمتم بها العم "سعيد" حانقًا وفي يديه صينية عليها كوب من الحليب الذي لا يفضل "عزيز" شربه كثيرًا.

وبأعين ثاقبة تفرس العم "سعيد" بالنظر إليه وهو يضع أمامه كوب الحليب مقررًا إجباره على تناوله.

_ أنت أفتكرت "سالم" بيه الله يرحمه، ما أصل أنا مش بشوفك بالشكل ده غير لما بتفتكره أو حاجه شغلاك وديما بيكون همك هما، "نيرة" و "سيف" و "نيرة" الحمدلله حياتها مستقرة، يبقى أكيد "سيف". 
والعم" سعيد" لا يتوقف عن ثرثرته إلا وأخرج كل ما يشغل باله ويستنكره.

_ حاله مبقاش عجبني، مش ده "سيف" يا بني.. مش ده ابن "سالم الزهار".

حرك "عزيز" رأسه مُتنهدًا ثم نهض من وراء طاولة مكتبه.

_ ولا بقى عجبني أنا كمان يا عم "سعيد".

_ سامحني يا بني في تغليطي ليك لكن أنت غلط لما سيبته يشتغل معاها ولما وافقت على جوازه من واحده جبهالنا في أيده وهو راجع.

أطرق عزيز "رأسه"، فهذا بالفعل خطأه من البداية لأنه لم يرغب في إجباره على شئ حتى يرى نتيجة أخطائه بعينيه بعد أن ينال ما أراد لكن الأمر وصل بهم لطريق أخر لم يحسب له حسابًا.

_ كنت فاكر إن تربيتي ليه على الحلال والحرام هتتغلب على كل حاجة.

أمتدت يد "سعيد" إليه رابتًا على كتفه.

_ هفضل ديما أقولها ليك يا بني متشيلش نفسك فوق طاقتك، أنت عملت كل حاجة عليك ورسالتك وأدتها معاهم وحفظت على فلوسهم.

استدار "عزيز" إليه وسأله وهو يتمنى أن يُعطيه ردًا يريح عقله.

_ يعني أسيبه يضيع يا عم "سعيد" ، قولي يا راجل يا طيب لو أنت مكاني تعمل إيه؟

حدق به العم "سعيد" بنظرة يفهمها "عزيز" ، فأحثه على الكلام.

_ قول يا راجل يا طيب عايز تقول إيه.

قطب العم "سعيد" جبينه ثم أبتعد عنه.

_ خلي يشيل شويه عنك وبلاش يا بيه كلامك عن إنه بقى مهندس ومش بيفضل شغل الخشب وأنت مش هتقدر تجبره على حاجه زي ديه ، ما الشغل ده هو اللي كبره وعلمه وخلاه يعيش عيشه محترمه... وده ماله ولازم يحافظ عليه. 

فرك "عزيز" جبينه حائرًا ووقف أمام نافذة غرفة مكتبه ليهتف العم "سعيد" .

_ أنا عندي فكرة يا بيه، أسمعها مني ونفذها...
...

أبتعدت عن طريقه وأشاحت وجهها عنه بنظرة مستنكرة، فأسرع "سيف" ورائها.

_ "بيسان" من فضلك أستني.

زفرت أنفاسها بضيق و ألتفت إليه.

_ قولتلك تبعد عني، أنا فصلت خلاص شغلي عن شغلك.

أخفض "سيف" رأسه بخزي من فعلته معها تلك الليلة.

_ مهما أعتذرت ليكي عندك حق لكن عايز اقولك أني...

أنحشر الكلام الذي رتبه بصعوبه في حلقه مع رنين هاتفه، فتحركت من أمامه نحو سيارتها.

تنهد بقوة ثم نظر إلى الهاتف عاقدًا حاجبيه وأسرع بالرد.

_ أيوة يا عم "سعيد"، بتقول إيه... عمي ماله رد عليا أرجوك. 

أحتلى الهلع ملامح "سيف" وأتجه إلى سيارته، فهتفت به "بيسان" بقلق بعدما أتجهت إليه.

_ حصل إيه، "عزيز" بيه حصله حاجه...

وجلست جواره بالسيارة التي يقودها بسرعة.

_ أطلب له الدكتور "رضوان" صديق بـ بابا.

رمقها "سيف" بنظرة خاطفة ثم زفر أنفاسه بقوة دون قدرة على الكلام، فالعم "سعيد" أخبره أنه وجده مُغشيًا عليه بغرفة مكتبه.

...

ألتمعت عيناي العم "سعيد" الذي وقف بعيدًا عن "عزيز" حتى يُنفذ خطتهم بنجاح دون توتر كما أخبره.

زفر "عزيز" أنفاسه غير مُصدقًا إنه نفذ ما وجدها العم "سعيد" صائبًا وقرر إدعاء المرض.

_ قولتله إيه يا عم "سعيد".

أتجه إليه العم "سعيد" ثم دفعه نحو غرفة المكتب.

_ أنت تروح تقعد في أوضة المكتب مهموم وحزين وتعمل زي ما أتفقنا وأنا هكلم "ليلى" تيجي على الفيلا لينا.

أسرع "عزيز" بمقاطعته.

_ لا بلاش تقلق "ليلى"، أنت عارف إنها بتتفزع بسرعه ولما بتقلق بتتعب.

_ قلبك حنين يا بيه، ما هو ده بقى هينفع معانا اليومين الجايين، لازم نمشيها صح و "ليلى" هتخدمنا أوي في الموضوع.

ألتقط "عزيز" ذراعه مُحذرًا.

_ عم "سعيد" متتصلش بيها تيجي الفيلا دلوقتي وأنا بعدين هفهمها كل حاجه الأول.

لطم العم "سعيد" كفوف ببعضهما وتحرك من أمامه مُستاءً.

_ خوفك عليهم بيزيدهم جفا عليك... حاضر مش هكلمها خليها قاعده جانب" عايدة"، أنت روح أعمل نفسك تعبان ومش قادر تاخد نفسك.

أخذ "عزيز" نفسًا طويلًا ثم زفره.

_ أياك يا عم "سعيد" تكون واخدني على قد عقلي.

أستدار العم "سعيد" نحوه ثم أستكمل خطواته نحو المطبخ  منتظرًا أن تمر الدقائق ثم يُهاتف "ليلى".

_ ده أنا هخدمك يا بيه وأخليهم واقفين حواليك عشان تشوف حبهم القوي ليك.

...

نظرت "ليلى" جهة الغرفة التي تجلس بها "شهد" مع صديقتها" لميس" التي فور أن أتت من رحلتها بالخارج جائت لزيارتهم وتعزيتهم.

_ أدخلي يا "ليلى" قوليلهم يجوا يقعدوا معانا... 
وسريعًا ما أنتبهت "عايدة" على توترها، فضاقت حدقتاها مُتسائلة.

_ في حاجة عايزه تقوليها ليا يا" ليلى" ؟

أخفضت "ليلى" رأسها، فهي تشعر بالحرج من تلك الأسئلة التي ترغب بسؤالها لها حتى تتأكد إذا كان ما يحدث معها أعراض حمل ورغم شكوكها الضعيفة إلا أن رغبة "عزيز" المتكررة بدأت تجعلها ترغب في حدوث هذا حتى تُفرح قلبه.

_ قولي يا "ليلى" من غير ما تترددي.

خطفت  ليلى" نظرة سريعة نحو" عايدة" ثم تمتمت بصوت خافت.

_ أنا يعني عايز أتأكد....

صدح رنين هاتفها الموجود أمامها، فأعتلت الدهشة ملامحها. 
_ عم" سعيد" بيتصل بيا..

...

وقفت" إلهام" وراء" زينة" بأعين تلألأت بها السعادة بعدما رأت مظهرها الأنيق في الثوب الذي أشترته لها خصيصًا من باريس وكان مُتحررًا للغاية حتى تلفت الأنظار لها ولجمالها.

_ زي القمر يا حببتي.

ألتفت "زينة" إليها وتسارعت دقات قلبها.

_ خالتو أنا مسافره الغردقة بعد الفرح مع "نيفين" وباقي الشيلة زي ما أتفقنا.

ابتسمت "إلهام" ومررت كفيها على خديها.

_ رغم إني شايفه إن مافيش سبب مُقنع إنك تسافري بعد فرح "مراد" علطول لكن هقول إيه مادام متفقة مع صحابك خلاص يا حببتي، أهم حاجة تنبسطي.

حاولت "زينة" إظاهر سعادتها وأرتمت بحضنها.

_ بحبك يا خالتو.

ضمتها "إلهام" بقوة.

_ وانا بحبك فوق ما تتصوري ونفسي يجي اليوم اللي أشوفك فيه عروسه.

جف حلق "زينة" وأبتعدت عنها، فأبتسمت" إلهام" وربتت على خدها حتى تُطمئنها.

_ بترتجفي ليه لما بتيجي السيرة ديه، متخافيش يا حببتي العملية هتعمليها قبل فرحك علطول ومحدش هيعرف إنك مكنتيش بنت...

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1