رواية لعنة الضريح الفصل الاول بقلم منى حارس
وقفت بتوتر تتحدث بقلق شديد وبعيون زائغة مذعورة ، كانت المرأة تتحدث مع إبنتها الصغيرة التي تقف أمام إحدى النوافذ وتنظر بشرود إلى الفراغ في الخارج ، فقالت بصوت مهزوز :
" أينور مفيش وقت يا حبيبتي إحنا مسافرين دلوقتي جهّزي شنطتك بسرعة "
لم ترد الفتاة على الأم ولم تعيرها إنتباه أو حتى تلتفت إليها ، فاقتربت ببطءٍ من ابنتها التي مازالت تنظر بشرودٍ ، وهي في عالم آخر ، لا تسمع شيئًا مما يقال لها ، غارقة في أفكارها وذكرياتها تنظر بشرود إلى المقابر أمامها ، بشكلها الكئيب وشواهدها الرخامية الكثيرة المرصوصة في صفوف .
كررت الأم حديثها بصوت أكثر توتر مبحوح :
يلا يا أينور هنتأخر يا بنتي والعربية تحت البيت مستنيانا وكلنا جاهزين مفيش وقت للتأخير إخواتك نزلوا ومستنين لوحدهم .
وهنا التفتت الفتاة إلى الأم بحدِة ومرة واحدة ، وكانت عيونها كلها حمراء دموية بلون الدم ، وصرخت بصوت قاسٍ حاد مرددة :
قلتلكم أنا مش هسافر ومش هسيب أوضتي أبدًا ابعدوا عني ، وبعدها أخذت تصرخ بصوتٍ مرعبٍ لا يتناسب أبدًا مع سنوات عمرها التي لم تتجاوز الحادية عشر عام ..
وهنا غادرت الأم الغرفة مسرعة وهي تبكي بمرارة ، وتنتحب بقهر وتشعر بالرعب الشديد والتوتر والخوف في نفس الوقت من تغيُّر صوت ابنتها وتغير لون عينيها وصراخها الغريب .
لا تدري ماذا حدث لها، لماذا تغيرت طفلتها وأصبحت قاسية القلب جاحدة عليها ، وعلى المجتمع والجميع بتلك الطريقة القاسية , فماذا فعلت هي لها سوى تقديم الحب والحنان لها ولإخوتها .
هتفت الأم من بين دموعها المنهمره :
أينور مش عايزة تسافر يا فهمي ، بنتنا بتضيع يارب ساعدنا , وبعدها انفجرت بالبكاء والنحيب الحاد ، لا تدري ماذا تفعل وكيف تتصرف في تلك المصيبة ومرض إبنتها الغريب , وكان الأب يقف أمام باب الغرفة ورأى كل ما حدث منذ قليل بين إبنته وزوجته .
أخذ ينظر لابنته بشرودٍ كبير ولم يستمع إلى ما تقوله زوجته ولم يهتم بنحيبها المتواصل ، فلقد كان غارقًا في ذكرياته وفي حال إبنته وما أصابها من تغيير , كان يجوب بعقله بعيدا في مكان أخر
يفكر في حال الفتاة وما وصلت إليه الأمور في النهاية , ولكنه استفاق على صراخ زوجته الهيستري وهي تردد :
هنتصرف ازاي يا فهمي ، أينور بتضييع مننا هنعمل إيه في المصيبة دي هنسيبها كده ، دي بنتي يا فهمي بنتي الكبيرة وبعدها انفجرت في بكاء هستيري ونحيب .
وهنا تساقطت الدموع بصمت حارقة على وجنتيه , وعاد الأب بذاكرته لبداية القصة و تذكر ما حدث و عدلي السمسار إبن عم زوجته وذلك اليوم المشئوم الذي بدأ فيه كل شيء ..
وبدأ الصوت يتردد في عقله يذكِّره ببدأية القصة وصوت قريب زوجته يردد كالأفعى في ذهنه هامسا :
"دي لُقطة لُقطة يا فهمي صدقني وهتدعيلي".
_
_
_