رواية هالة الفصل الاول بقلم جميلة القحطاني
المطر بينزل كأنه بيغسل ذنوب الدنيا… بس قلبها كان مليان أكتر من أي ذنب.
هالة كانت ماشية في الشارع بجزمة مش بتاعتها، فستان ضيق ووشها كله تراب وبكا. استندت على جزع شجرة قديم في أول الشارع اللي ما تعرفوش، وحطت وشها في إيديها وعيطت… عيطت كأنها بتطلع كل الوجع اللي جواها من سنين.
إزاي يعمل فيا كده؟
إزاي يباعني علشان واحدة تانية؟
وأنا اللي كنت دايمًا بسكُت وبلضم الجرح لوحدي...
فلاش باك سريع في دماغها…
أبوها واقف بصوته العالي اللي بيخرق الحيطان:الفَرَح يوم الجمعة يا سعاد، وخطيبك جاي من السفر، ما فيش هزار في المواضيع دي!
سعاد بصوت خافت:بس أنا مش عايزاه… أنا بحب حد تاني يا بابه.
وفجأة، السكوت… والنظرات كلها اتوجهت لهالة.
لو سعاد مش عايزاه، يبقى إنتي يا هالة اللي هتتجوزيه!
الجملة اللي خلت دنيتها تقع من تحت رجليها.
سعاد كانت قاعدة في أوضتها، بتبص في الحيطة كأنها مستنية رد من روح مش موجودة.
هالة اختفت، والأب بيهدد، والناس بتسأل، ورمزي ساكت… ساكت بس عينه بتلمع بشيء غريب، مزيج بين الغضب واللعب.
نهى، صحبتهم من أيام المدرسة، بعتت رسالة لسعاد:
اختك عندي… بس مش هتقدري توصليها بسهولة. في حاجات لازم تعرفيها الأول.
سعاد قلبها وقع.
نهى؟ البنت اللي كانت دايمًا طيبة وهادية؟
إزاي؟ وليه بتتكلم كده؟
هل دي محاولة مساعدة؟ ولا تهديد؟
هالة كانت نايمة على كنبة جلد متقطعة، وصوت المطر لسه شغال.
نهى دخلت الأوضة بصينية عليها شاي سخن وقطعة توست.
"كلي، لازم ترجعي قوتك، الدنيا لسه فيها بلاوي."
هالة بصتلها بنظرة فيها ريبة:
"إنتي مخبية عني حاجة يا نهى؟"
نهى ضحكت، ضحكة خفيفة…
كلنا مخبيين حاجات، بس في حاجات ماينفعش تتقال إلا في وقتها.
هالة قامت تتجول في الشقة…
ولقيت باب مقفول بمفتاح.
سألت:إيه الباب ده؟
نهى ردت من غير ما تبص:أوضة أخويا… مات من زمان.
لكن لما قربت من الباب، سمعت صوت…
ضحكة خفيفة، مكتومة، مش طبيعية..
رمزي كان قاعد في عربيته، قدام محل بقالة صغير، بيبص على صورة قديمة في موبايله.
الصورة كانت لهالة وهي عندها 10 سنين…
بس الغريب، إن اللي في الصورة جنبها مش سعاد… دي بنت تانية، شبهها.
المفاجأة؟
رمزي كان موجود في حياتهم من زمان أكتر ما حد يتخيل… وكان بيستنى اللحظة اللي يرجع فيها كل حاجة لحقيقتها.