رواية تؤام روح ( جميع فصول الرواية كاملة ) بقلم يارا سمير

 

رواية تؤام روح الفصل الاول بقلم يارا سمير


مع أول خيوط الفجر ، يتردد فى ارجاء السكن الجامعي التابع لجامعة الزقازيق فى مدينة الزقازيق فى محافظة الشرقية أصوات المنبهات المتكررة وضجيج الطلاب وهم يستعدون ليوم دراسي جديد .. في الداخل تبدأ الحركة في الطرقات الطويلة بين الغرف ، أبواب تفتح وأبواب تغلق ووجوة نصف نائمة وسط مزيج من اللهجات من مختلف محافظات مصر .. في الساحة البعض في أنتظار أصدقائه وأخرون يستعدون للمحاضرة الاولي وجوه تملأها السرحان أو الاستعجال .. 

في أحدى الغرف ..غرفة بسيطة تحمل رقمًا باهتًا على بابها ولكن بداخلها قصة صداقة عميقة بين محمود وكرم ، احدهما من الصعيد والأخر من الدلتا  جمعتهما الأقدار سويًا منذ أول يوم فى الجامعة وتقابلًا فى الغرفة كل منهما يحمل حقيبته الصغيرة وهمومه الكثيرة وأحلامه الكبيرة في صمت .. الأن وبعد مرور 4 سنوات  معًا في نفس الغرفة التي اعتادا السهر فيها وحولهم الكتب المبعثرة والاكواب المليئة بالشاي والقهوة  وأحاديثهم الامتناهية... 

 كرم يتحرك فى الغرفة ذهابًا وأيابًا أمام باب الحمام واضعًا يديه على معدته يتلوي قائلًا :
_ محمود .. انت بتحضر الدكتوراه جوه في غيرك عاوز يستخدم حقه الانساني يا جدع .
بعد لحظات فتح باب الحمام ونظر اليه محمود :
_ ايه الازعاج ع الصبح دا .
 دفعه كرم جانبًا وتوجهه مسرعًا الى داخل الحمام .. بعد وقت قصير خرج كرم وملامحه مليئة بالراحة :
_ ياه يا جدعان  أحساس الراحة حلو بشكل .
 ثم توجه كرم الى محمود وجلس بجواره ليتناول الافطار :
_ انت اللى هتعمل الشاي بقولك اهو انا حضرت الفطار 
 اجاب محمود : 
_ مكنش طبق فول وحته جبنة ورغيفين .
_ فضل ونعمه يا عم ..
_ الحمدالله ..ماشي هعمل الشاي يدوب نشربه وننزل 
_ انت لحقت تاكل ..افطر يا محمود كويس .
_ شبعت الحمدلله .
_ شبعت ولا السجاير سدت نفسك ..
_ سجائر ايه ؟
_ ماهو مفيش جريمة كاملة ، ايوه شديت السيفون ع السيجارة اللى قعدت فى الحمام المدة الطويلة عشانها وفتحت الشباك عشان الريحة تروح لكن ريحة الدخان مناصفة فى الحمام مع ريحة الخبث والخبائث .
 صمت محمود واستكمل كرم حديثه : 
_ مش انت قلت هتخفف السجائر ع اساس مضيعة للفلوس وللصحة و ..
 تحدث محمود قاطعًا لحديثه:
_  خلاص يا كرم دا ولا اكنك قفشتني بسيجارة ممنوعات .
 قال كلماته بنبرة غاضبة وتحرك من مكانه وتوجه امام البوتجاز ليعد الشاي .. بعد لحظات صب الشاي في كوبايتين وضع واحدة امام كرم على الطاولة بدون كلام وتوجهه بالكوب الاخر الى النافذة التي تطل على ساحة المدينة الجامعية ،، فتح الشباك وأخرج سيجارة من العلبة التي كان يخفيها معه .. بدء يدخن السيجارة ويطلق الزفير مصاحب لتنهيدة مليئة بوجع مخزون وغضب ساكن فى قلبه ، حمل كرم كوب الشاي وجلس بجواره وتحدث : 
_  من وقت ما رجعت امبارح من عند أبوك وانت متغير هو قالك حاجة ؟
 ابتسم محمود ابتسامة سخرية :
_  قالي بشارة 
_ قالك ايه ؟
 نظر اليه  بملامح ممزوجه من الغضب والحزن :
_ هيتجوز .
 تفاجئ كرم من اجابة محمود :
_ يتجوز .. أزاي ؟ دا أمك ممرش ع وفاتها غير 5 شهور ..
_ نفس اللى قولته  كان رده انه حس بالوحده وانا مش موجود وعاوز حد ياخد بحسه.
_  عشان كدا كان عاوزك تروحله ضروري .
_ ايوة .. لانه بعد يومين هيتجوز ومش عاوزني اتفاجئ ولا اسمع من الغرب.. كتر خيره بجد خاف عليا من المفاجأة . 
  قام محمود بأشعال سيجارة أخري  فقام كريم بأمسك يده وامسك السيجاره ووضعها فى كوب الشاي وتحدث بحده :
_ وانت بتحرق فى نفسك عشان كدا 
_ انت شايف الموضوع بسيط يا كرم 
 قالها بنبرة غضب وتحدث كرم  بهدوء محاولًا تهدئته : 
_ انا عارف انت حاسس ب ايه لكن كدا مش حل .. انت كدا بتحرق نفسك بتأذي نفسك .
تحدث محمود بنبرة حزن : 
_ انا كنت فاكر بعد ما طردني من بعد الثانوية لما صممت اكمل تعليمي ورفضت اشتغل معاه فى الورشة  انه بعد وفاة امي المريضة  قلبه حن عليا ويقولي اخلص جامعتي وارجع اعيش معاه .. لكن لا هو فكر فيا ولا كان بيفكر فيا ولا في امي .. هيتجوز واحده فى عمري يا كرم  هيتجوز واحدة اد عياله .. المفروض يفكر فى جوازي انا واستقراري بعد 4 سنين بعيد عنه ، لكن اللى فكر فيه نفسه .. نفسه وبس وقال ايه كنت هستغلها فرصة وافاتحه على موضوعي .
 صمت كرم حينما سمع كلمات صديقه المليئة بالحزن والالم والغضب ، توقع بعد تواصل احدى المعارف مع محمود قبل يومين  واخبره برغبة والده لرؤيته انه سيتم الصلح اخيراًا بينهم وسيعود محمود تحت كنف والده ورأى ذلك في أعين محمود التي امتلأت بالسعادة برغبة والده رؤيته كان يعلم كرم كم كان محمود ينتظر مكالمة من والده ليركض الى أحضانه .. وضع كرم يده على كتف محمود : 
_ متزعلش يا صاحبي ..
_ هزعل لو اللى حصل دا جديد لكن داالطبيعي  4 سنين مفكرش يتواصل معايا وكنت بزور أمي فى الخفى ولما كان بيشوفني كان بيعمل نفسه مش شايفني ويسم بدني بكلام  ، هكون منتظر ايه .. الحمد لله انه عمل كدا بعد ما ربنا اخد امانته الا كانت امي ماتت بالقهره كفاية كانت عايشة بقهرتها عليا ( تنهد تنهيدة عميقة)  الله يسهله حياته مع مراته الجديدة .
 كانت ملامح كرم مليئة بالحزن على ما اصاب صديقة محمود .. نظر اليه محمود وتحدث متصنع الابتسامة :
_ ايه يا ابو الكرم  مالك قلبتها دراما ليه .. ما الحال من بعضه  انا ابويا طردني وامي كانت بتبعتلي الفلوس فى الخفى وانت اخوك الكبير طردك وابوك عشان ميزعلوش بيبعتلك الفلوس فى السر من وراه .. 
_ احنا ليه اهلنا معانا كدا .. احنا عملنالهم ايه عشان نعيش كدا ايتام رغم وجودهم .
 تنهد محمود تنهيدة عميقة :
_ لا السؤال دا اجابته عندهم هما مش هنا .. الله يسهلهم حالهم واحنا خلينا فى حالنا .
 نظر كرم الى الساعة :
_ المحاضرة الاولي فى ذمة الله يا حودا 
_ نلحق التانية يا ابو الكرم  يلا ..

وصل كلا من محمود وكرم الجامعة وبالفعل كانا تأخرًا على المحاضرة الاولي  نظرا الى بعض وتبادلا الابتسامة والضحك وكأنهما اعتادا هذا التأخير ..  قضيا يومهما فى المحاضرات بين التركيز والتعب يدونان الملاحظات ويستمعان الى المحاضرات جديًا مع بعض الهمسات الجانبية بينهما .. انتهى اليوم الدراسي  وافترقا عند بوابة الجامعة ليذهب كلا منهم الى عمله .. ذهب كل منهما فى طريقه المنفصل يحمل على كتفيه حقيبته التي تحتوي ع كتبه وملابس العمل الخاص به .. يعمل كرم فى محطة وقود  وصل فى موعده وبدل ملابسه وتوجه ووقف خلف مضخات الوقود يرحب بالسائقين ويملأ الخزانات بإبتسامة ، وفى الجانب الاخر وصل محمود الى مقهي  وبدل ملابسه وتوجهه الى الخارج وبدأ ترتيب الطاولات ويستقبل الزبائن ويعد القهوة بكل تركيز والابتسامة تعلو وجهه .. رغم التعب وطول اليوم المنقسم بين الجامعة والعمل  كانت عيونهما تقول أن الحلم يستحق وإن الغد لا يمنح إلا لمن يعمل من أجله .. 

فى  المقهي حيث يعمل محمود ويداعب زملائه بروحه الفكاهية كانت سوسن  تراقبه عن كثب ،، سوسن ابنه مالك المقهي فتاة جميلة  يتهافت عليها الشاب ولكن قلبها يملكه محمود وهي الفتاة الوحيدة التي استقبلها قلبه عن أخريات  ف مشاعرهما متبادلة مليئة بالحب ..  منذ وصول محمود أدركت بحدوث خطب ما  يداريه بضحكاته ودعاباته .. اقتربت اليه سوسن وقالت مداعبه :
_ ايه الروقان دا كله ؟
 نظر اليها مبتسمًا :
_ حد يشوف القمر وميبقاش رايق .
 لقتربت اليه خطوه وحدقت فى عينيه وارتبك محمود :
_ ايه يا سوسن بتشبهي عليا ولا ايه ؟
_ في حاجة صح ؟
 استدار محمود محاولًا الهروب منها :
_ سوسن انا عندي شغل .
 تركها وتوجهه الى طاولة بجوارهما يعدل وضع المقاعد فلحقت به سوسن قائلة :
_ لا انت أكدتلي ان فى حاجة .. في ايه يا محمود صوتك امبارح مكنش طبيعي ؟
_ قولتلك من السفر وكنت مطبق .
_ انا واثقة فى حاجة حصلت .. فى ايه ؟
 وقف امامها  :
_ سوسن انا عندي شغل ومش ناقص ابوكي يجي ويزعق ويقولي انا ببوظ اى شيفت بمسكه وهو ميعرفش ان بنته السبب .. روحي لشغلك يلا ..
_ كدا يا محمود .. تمام هسيبك لشغلك لكن مش هتمشي انهاردا غير لما تحكيلي ، هحبسك فى الكافيه لو حكمت .
 ضحك محمود واقترب نحوها هامسًا :
_ انا موافق لو هتحبس معاكي ولوحدينا والشيطان تالتنا وكدا ابوكي هيوافق ع جوازنا بسرعة او هيوديني لامي اسرع  وابقى شهيد سوسن .
 ضحكت سوسن :
_ بعد الشر ..  لينا كلام بعد ما تخلص شغل .
  ابتسمت سوسن وتركته وتوجهت الى المكتب وهو ينظر اليها مبتسمًا  ثم عاد الى عمله ..

انهى محمود عمله  وأستغل انشغال سوسن مع والدها  وغادرالمقهي عائد الى السكن وكان كرم ينتظره ليتناولا طعام العشاء سويًا .. بدل ملابسه وجلسا يتناولا الطعام وتحدث كرم : 
_  سوسن لسه قافله معايا..
 صمت محمود واستكمل كرم :
_ كانت بتسألني فى حاجة حصلت لك  وقالتلي انها كانت مستنياك وانت سيبتها ومشيت .
_ انت قولتلها ايه ؟
_ مقولتش حاجة .. اعتقد انت اللى لازم تقول يا محمود مش اي حد تاني ؟
 ترك الطعام وتحدث:
_ اقول ايه ؟ اقولها اني اخطبك رسمي بقت فكرة مستحيلة ، ممعيش فلوس الدبل ، اقولها ابويا بدل ما يجوزني ويساعدني راح هو يتجوز  وابوها اللى وعدته  ومش هقدر اكون اد كلامي ..اقولها ايه يا كرم ؟
_  قولها الحقيقية يا محمود.. عرفها وخليها تقرر وتختار ، انت مكدبتش عليها من بداية تعارفكم ع بعض ، انت عرفتها هي وابوها  ظروفك وحياتك وهي وافقت وكملت معاك ..
صمت محمود واستكمل كرم حديثه :
_ لازم تعرفها وتفهمها الوضع يا محمود ، هروبك دا مش حل .. انت ملزم بتبرير ليها .
 نظر اليه محمود فى صمت وعاد الى تناول طعامه وسط تفكير وحيرة واتخاذ قرار  .. 

فى اليوم التالي ذهب محمود الى عمله بعد الجامعة كعادته  وكانت سوسن برفقه والدها فى المقهي .. القى التحيه وبدل ملابسه وتوجهه الى عمله وسط مراقبه من اعين سوسن ..ظل محمود يتهرب من سوسن مرارًا   .. ذات يوم تقام حفلة عيد ميلاد  فى المقهي وكان الجميع منشغل .. انتهز محمود لحظة وخرج للخارج ليدخن سيجارة فلحقت به سوسن :
_ هو لازم شغل السسبنس دا ولا ايه يا عم الغامض .
 تفاجئ من وجودها خلفه :
_ سوسن ؟
_ لا عفريتها .. انت بتعمل ايه هنا ؟
 رفع يده التي بها سيجارة مشتعله:
_ بدخن سيجارة .. انتى بتعملي ايه هنا ؟
_ جيت للى بيدخن السيجارة .. بتهرب مني هو انت فاكر بهروك دا انا خلاص مش هسألك وهنسي .. انسي انا مصممة اكتر اعرف مالك فى ايه ؟
_ سوسن الوقت والمكان غير مناسبين .
_ تمام بكرا هتلاقيني مستنياك فى الكافيه اللى جنب الجامعة ، لاني هرجع البيت مع بابا  انهاردة .. بكرة نتكلم براحتنا بقى وتقولي مالك مش هسيبك غير لما اعرف  .. تمام .
_ تمام ..

انهت سوسن حديثها وعادت للداخل وعاد محمود يدخن سيجارته وسط تنهيدة حارقة  نابعة من داخله من الحيرة ماذا يفعل وماهو القرار الصحيح ..هل يستمع الى قلبه ام عقله ..

 فى اليوم التالي خرج محمود من الجامعة  توجه الى مقهي بجوار الجامعة لمقابلة سوسن .. حينما وصل بالفعل كانت سوسن تنتظره .. استقبلته بإبتسامة :
_ اسف ع التأخير .
_ انا اللى جيت بدري.
_ مكنش عندك محاضرات انهاردة ولا ايه ؟
_ كان عندي محاضرتين وبس وبدل ما اروح البيت جيت هنا استناك .
_  لو كنت اعرف كنت لغيت اخر محاضرتين وجيتلك .
_ لا لا مش عاوزين كدا.. عاوزين تخلص جامعتك وتتخرج وتيجي تخطبني زي ما اتفقنا .
 كانت سوسن تتحدث ب ابتسامة وأمل ملئ نبره صوتها وكان محمود ينظر اليها مبتسمًا في حالة صمت وتردد وصراع يقام داخله وهو يراها امامه وهي تتحدث بأمل  وتحدثت سوسن :
_ مالك ساكت كدا ليه ؟
 _ تشربي ايه ؟
_ انا طلبت وطلبت لك كمان قولتلهم لما يجي يجبولك القهوة المظبوط 
_ كمان ..
_  هو انا عندي كام حودا هو واحد وبس  ان شاء الله لما نكون في بيتنا  هعملك انا بنفسي القهوة يوميًا مش هفوت يوم واى حاجة بتحبها هعملهالك ..
 نظر نحوها للحظات وقال :
_  انتي بتصعبيها عليا  يا سوسن .
 قال كلماته بهمس وقالت سوسن:
_ بتقول ايه ؟
_ ولا حاجة .. انتى عامله ايه ؟
_ انا كويسة.. انت بقى عامل ايه ؟
_ كويس زالفل اهو ..
 اقتربت وحدقت فى عينيه :
_ محمود .. فى ايه يا محمود ..
  لم يستطيع الهروب اكثر من ذلك وقالت سوسن :
_ مخبي عليا ايه يا محمود ؟
_ سوسن .. 
_ ايوه ..
صمت لثوان : 
_ مش عارف اقولك ايه ولا أزاي  ؟
_  لا قول .. انا سامعاك .
_ سوسن .. انا .. انا 
 قالها بنبرة مليئة بالتوتر والتردد  وكانت سوسن تستمع اليه بتركيز تترقب كلماته :
_ انت ايه ؟
_ انتى عارفه انا كنت متفق مع والدك اخلص امتحانات والنتيجة تطلع واجيب ابويا ونتقدملك واخطبك .
_ ايوه .. 
_ سوسن .. انا  مش هقدر اخطبك  .
 تفاجئت سوسن ولكنها ابتسمت :
_ ليه ؟
_  فى عروسة تانية ولا ايه في البلد .
- مفيش تانيه ولا تالته 
_  عرفت  .. باباك مش موافق .. ليه اتكلمت معاه دلواقتي يا محمود  احنا قولنا بعد الامتحانات تتكلم معاه تكون اتخرجت .
_ لا دلواقتي ولا اخر السنه .. مبقاش ينفع يا سوسن .
_ انا مش فاهمة .. فى ايه ؟
_ في ان كنت متخيل اني انسان طبيعي  لما يفكر يخطب ويتجوز ابوه هيقف فى ضهره ويكبره قصاد اهل البنت اللى بيحبها وعاوزها .. لكن للاسف أكتشفت ان مليش حد ، اللى كانت ليا ماتت وبقيت يتيم ام واب .
_ ايه ؟
_ انا بطولي يا سوسن .. مش معايا حد ولا هيكون معايا حد .. ابوكي مش هيوافق بواحد بطوله من غير اهله  كان اتفاقه ابويا يجي وامي وامي ماتت وابويا اخد دهبها اللى كانت شايلاه ليا  وراح اتجوز به واحده فى عمري  .
 تفاجئت سوسن  وظلت صامته واستكمل محمود حديثه:
_  رغم القرار دا صعب عليا ومش سهل اقوله لكن انا لو عندي بنت مش هوافق ليها على واحد مش معاه حاجة ولا حد مفيش أب بيوافق لبنته بكدا ..وابوكي ميستهلش مني كدا انا معرفش ايه اللى مستنيني فى الايام الجاية وانتى مش وش بهدلة وابوكي مش هيوافق ومعاه حق  .. ف
_ ف ايه  يا محمود ؟
صمت لثوان وبنبرة حزينة :
_ احنا مش هنقدر نكمل يا سوسن .
 بدموعها المنذرفه من عيناها تحدثت سوسن :
_ ببساطة كدا يا محمود هتسيبني .. هنت عليك تقولها ببساطة كدا .
_ مش بسيطة لكن اننا نكمل مع بعض مش بسيط .. انا مش شايف مستقبل ، مش شايف طريق امشي فيه .. من العدل مبهدلكيش معايا على أمل نور يظهر وممكن ميظهرش .. مش بسيطة انا قلبي بيتقطع وانا بتكلم لكن مش هينفع يا سوسن  .. دا  لولا المرتب اللى باخده وكرم اللى بيساعدني من فلوس ابوه اللى بيبعتهاله مكنتش كملت دراسة وسيبت الجامعة .. 
 _ انا مش عاوزة قصر يا محمود ولا شبكة هما دبلتين واحنا مع بعض هنكون نور اللى في الطريق / انا عاوزاك انت يا محمود مش مهم اى حاجة تانية .
_ انا مش مستعد اخدك من بيت ابوكي امرمطك معايا يا سوسن .. افهميني مش هينفع .
 صمتت سوسن ودموعها منهمرة واستكمل محمود كلماته :
_ يا اخدك من بيت ابوكي معززة مكرمة  يا تفضلي فى بيت ابوكي اكرملك .
 تحدثت سوسن :
_ لو ع الفلوس  محمود انا بابا كان حاطط مبلغ فى البنك ليا .. هسحبه وتجيب الدبلتين ونتخطب وبعدها يحلها ربنا .
 بنبرة غضب :
_ ايه اللى بتقوليه دا يا سوسن لا طبعًا مستحيل .. مستحيل يحصل كدا ،  انا اللى أجيبلك يا اجبلك الشبكة واحلى شبكة يا لا .. 
 وقف محمود  وقالت سوسن بدموعها المنهمرة :
_ محمود انا ..
 قاطع حديثها  واستدار :
_ دا اخر كلام وانا  هبلغ ابوكي ب كدا ..

 تركها محمود وغادر المقهي وجلست سوسن تبكي بحرقه ..  بعد لحظات كان يقف محمود خارج المقهي متواريًا عن الانظار ينظر الى مدخل المقهي ينتظر خروجها ، خرجت سوسن واستوقفت سيارة اجرة وغادرت المكان ووقف محمود ينظر اليها ورحيلها بملامح مليئة بالحزن والالم ... 

 عاد الى المقهى ينظر فى الارجاء يبحث عنها لم يجدها وعلم بأعتذارها عن القدوم  لشعورها ببعض التوعك فتملكه الضيق والخنقه ..شاهد والد سوسن فى المكتب بمفرده ، استغل الفرصة وذهب وتحدث اليه واخبره ما استجد فى ظروفه  وحدث ما توقعه صمت والد سوسن  وقال محمود:
_  انا زي ما جيت واتكلمت معاك يا حج  من كام شهر  جيت اتكلم معاك عشان من حقك تكون عارف كل حاجة ..
_ انا مش عارف اقولك ايه يا محمود .. سوسن بنتي وانا زي اى أب أكيد عاوز افرح بيها لكن ..
 قاطع محمود حديثه وع وجهه ابتسامة :
_  انا اتكلمت مع سوسن يا حج وعرفتها ان اى أب مش هيوافق لبنته البهدلة والشقا وقفلت معاها صفحتنا نهائي وقولتلها هبلغك .
_ محمود  النصيب دا بتاع ربنا ..لو ليكم نصيب مع بعض ربنا هيجمعكم مع بعض .
- ونعم بالله .. اللى ربنا رايده يكون .. عن أذنك .
  قبل خروج  محمود من المكتب استوقفه والد سوسن قائلًا :
_ محمود .. اعتقد مش هينفع تكمل هنا .. سوسن بتيجي و..
 التفت اليه محمود مبتسمًا :
_ صح يا حج .. اديني يومين بس وهمشي .. تصبح ع خير .
 خرج من مكتب والد سوسن  رغم قراره النهائي ولكن كان يأمل  رد فعل مختلف من والدها وهو التشبث فتيقن أن عاجلًا ام أجلًا  سيتم الانفصال .. استكمل يومه فى شرود وقبل ذهابه الى السكن ذهب الى منزل سوسن .. كان الليل هادئ والشارع شبه خال وقف وحمود فى ظل جدار قريب من منزلها يحاول الا يراه أحد .. عيناه مهعلقتان بنافذة غرفتها المضاءة.. لم يتحرك فقط ينظر بصمت وملامحه حزينة يشعر بثقل في صدره ، ندم يملأ قلبه من قراره .. قرار البعد كان أصعب مما كان يتصور في قدرته على التخطي .. بين اللحظة والاخرى كان يتمنى أن يراها ولو من بعيد .. ظل واقفًا يتأمل النور المنبعث من غرفتها حتى انطفأ النور تنهد بهدوء وادار وجهه وسار عائد الى السكن يحمل قلبًا مثقلًا بالشوق والندم ..

حينما عاد محمود كان ينتظره كرم بقلق :
_ ايه يا محمود كنت فين كل دا ، انا اتصلت بالكافيه قالولي مشي فى ميعاده .
 كانت ملامح محمود مجهدة خليط من الحزن والتعب ..ارتمي على المقعد فى حالة صمت واقترب اليه كرم :
_ فى ايه .. متقلقنيش عليك يا جدع فى ايه ؟
 نظر نحوه بحزن :
_ انا وسوسن .. موضوعنا انتهى .. نهائي .
 تفاجئ كرم من كلمات محمود وجلس واخبره ماحدث  وتحدث كرم :
_  ايه دا .. احنا اتكلمنا انك هتتكلم يا محمود مش هتنهي ..
_ مكنش هيحصل فرق يا كرم .. كان الكلام هيوصل اننا ننهي 
_ لا فى كلام يعني في حلول .
_ مش هينفع يا كرم مش هينفع .
- مش هينفع ايه ؟
_ مش هينفع سوسن تضحي ينفسها وبعمرها فى سبيل مجهول انا ذات نفسي معرفش ايه ملامحه، هى اتكلمت وقدمت حلول واحد غيري كان هيوافق لكن انا لا .. 
_ يعني ..
_ منعت سوسن من تصرفات هتندم عليها بعدين .
_ مش عارف اقولك ايه  بصراحة ؟
_ متقولش حاجة دا التصرف الصح  رغم صعوبته لكن صح ، ورد فعل ابوها اكدلي ان قراري كان صح ..انا وسوسن مكنش هينفع نكمل مع بعض على أمل مش موجود اصلًا .. 
_ ابوها رأيه كان ايه ؟
_ قال لو في نصيب ربنا هيجمعنا  ومشاني من الكافيه .
_  مشاك ..
_ ايوه .. عنده حق ازاى هكون موجود وبنته بتيجي .. الصح ان انا اختفى .
_  ربنا مبيعملش حاجة وحشة يا محمود ، وبعدين انت كنت واضح وصريح ودا نادرًا يحصل .. حد غيرك كان استغلها واستغل ابوها لكن انت رفضت كدا .
 تنهد محمود  وصمت وتحدث كرم:
_  كله خير ان شاء الله ربنا هيكرمك بالخير وهيكرمها ويا عالم الايام الجاية مخبية ايه لينا .
 تنهد محمود:
_ صح.. يا عالم .. هقوم اخد دش وانام  لان بكرة يوم طويل 
_ ليه ؟
_ هدور ع شغل تاني كدا مليش مكان هناك .
_ متقلقش ربك هيسهلها .. بقولك .. تعالي معايا محطة البنزين كان فى واحد مشي ومكانه فاضي لو مجابوش حد  تيجي معايا  ورزقنا على الله .
_ على الله .. 

 بعد مرور عدة ايام وكان محمود بعد انتهاء المحاضرات كان يبحث عن عمل أخر .. عاد الى السكن وكان ينتظره كرم :
_ انت لسه راجع ولا ايه يا كرم ؟
_ لا انا منتظرك عشان كدا مغيرتش هدومي .
_ ليه ؟
_ هتيجي معايا مشوار  لمحطة البنزينة ،  صاحب البنزينة كان مسافر ولما رجع واتكلمت معاه عليك قالي هاته .. ف يلا دلواقتي يشوفك وتستلم شغلك .. يلا يا جدع . 

 بالفعل توجها الى محطة الوقود وقابل محمود مالك المحطة واستلم عمله .. منذ انفصال محمود وسوسن ومحمود دائم الشرود وفى حاله غير معتاد .. لاحظ كرم ذلك وكان دائم يحاول الا يتركه بمفرده ومهما حاول ابهاجه كان رد فعل محمود مجامله حتى لا يحزن صديقة ولكن كرم كان يشعر ب محمود وبمدى ألمه لفراق سوسن لانه يعلم مدى حبه لها ..  

استمر الوضع  بين الجامعة والعمل فى محطة الوقود .. حتى نهاية العام وامتحانات اخر العام وبعد انتهاء الامتحانات  كان من الصعب عودة محمود الى والده وكذلك كرم  فقام بأستجار شقة كما كان يفعلا فى الاجازات  ولكن تلك المرة لمدة طويلة .. ظهرت النتيجة ونجحا وتخرجا ثنائهم من كلية تجارة وقاما بالبحث عن عمل بجانب عمل البنزية حتى يستطيعا التعامل مع وضعهم الجديد ..

كان محمود رغم الوعد الذي قطعه لوالد سوسن ولها بعدم ظهوره امامها ولكنه كان يذهب الى المقهي ومنزلها فى الخفاء ينظر اليها فى الخفاء لاشتياقه لها ويعود الى المنزل ويستسلم للنوم متمنيًا ان ما يعيشه يكون كابوس يستيقظ منه ويجد بجانبه سوسن .. 

 ظلا يبحثًا عن العمل وينتقلا من مكان لمكان وذلك لعدم امتلاكهم الاموال التي تساعدهم على التعيين فى الشركات الكبيرة فكان يعملا فى اماكن لوقت قصير وينتقلا لمكان اخر بجانب عملهم فى  محظة الوقود ..

كان كرم بين الحين والاخر يذهب لزيارة والده .. كان يتغاضى عن معاملة اخيه كمال الحادة وكلماته اللاذعة أكراما لوالده .. ذهب كرم لزيارة والده بعد ان هاتفه واخبره برغبته فى رؤيته  بالفعل سافر كرم الي البحيرة .. رن جرس الباب وقامت زوجة اخيه بفتح الباب مرحبة به :
_ كرم .. حمدالله على السلامة ..
- الله يسلمك يا الهام ..
 كان يحمل حقائب فى يده وقدمها لها :
_ حاجات بسيطة  للاولاد  هما يستحقوا الاكتر .
_ تسلم مجايبك يا كرم كتر خيرك .
 وقف كرم ينظر فى ارجاء المكان وتحدثت الهام :
_ كمال لسه فى الوكالة .. الحج فى أوضته منتظرك .
_ تمام انا داخله ..

 توجه كرم الى غرفة والده .. حينما دخل كان والده مستلقي على السرير حينما رأى كرم ابتهج وجهه مرحبًا به:
_ كرم  ابني .. ازيك يا كرم ؟
_ بخير يا بابا .
 تبادلا الاحضان وقبل كرم يد ورأس والده وجلس بجواره :
_ عامل ايه يا حج طمني يعليك ؟
_ بخير يا ابني بخير ..
_ قلقتني لما قولتلي عاوزني ضروري .
_ عاوزك فى كل خير .. طمني عليك الاول عامل ايه فى شغلك لقيت شغل بشهادتك .
 تنهد كرم:
_ بصراحة يا حج بحاول والله  ان شاء الله هتيجي احنا نسعي والله كريم .
_ ونعم بالله .. حقك عليا يا كرم اني مقدرتش اقف معاك قصاد اخوك كمال لما عارض تكمل تعليمك ومشاك من البيت  بطولك .
_  كمال شايل شغل الوكالة لوحده ومكنش فاهم انا عاوز اكمل تعليم وكان فاكر ان انا هتمرد عليه وهشوف نفسي بالشهادة لانه مكملش تعليمه .. لكن الحمدلله قدرت اكمل دراستي وخلصتها والبركة فيك يا حج فى المبلغ اللى بتبعتهولي كانوا بيساعدوا برضه .
_ انا عارف انك هتفهمني يا ابني ومش هتشيل مننا .
_ لا طبعا يا حج حد يشيل من اهله .. الله يكرم كل واحد ويسهل طريقه .. الحمدلله اطمنت عليك .
_ رايح فين ؟
_ يادوب ارجع بقي .
_ لا استني .. هتتغدا معنا وبعدين انا مقولتلكش كنت عاوزك فى ايه ؟
_ صحيح كنت عاوزني فى ايه ؟
_ من أسبوع عمك رضوان زيون من زبائن الدائمين فى الوكالة .. جه زراني وكنا بنتكلم وعرفت منه انه فاتح شركة استيراد وتصدير فى الاسكندرية .. اتكلمت معاه عليك انك خريج تجارة وشاطر وهو رحب انه يشغلك معاه .. ايه رأيك ؟
 ابتسم كرم:
_ بجد يا حج ..؟
_ ايوه .. فى خلال يومين لازم تكون هناك لانه مسافر ع اخر الاسبوع ، لازم تقابله يعينك قبل سفره لانه بيقعد شهور .. مكنتش عارف اقولك كدا فى التليفون عشان كمال ميزعلش فقولتله انا عاوز اشووفك عشان اديك الورقه دي ( اخرج قطعة ورقه مدون بها رقم وعنوان ) وروح يا ابني ربنا يكرمك .
 اقبل كرم يد والده :
_ ربنا يخليك لينا يا حج .
_ ويخليكوا ليا يا ابني ويقرب قلوبكم لبعض .

اراد كرم مغادرة المنزل ولكن والده اصر على انضمامه ليتناول الطعام برفقتهم .. ف من القليل ان يجتمعا حول مائدة طعام واحدة جميعهم .. جلس كرم يتناول الطعام فى صمت وكان كمال اخيه يرمقه بنظرات من الحين والاخر وتحدث كمال : 
_ يا تري عامل ايه يا كرم فى شغلك فى البنزينة 
_ الحمدلله ..
 نظر  كمال الى والده : اصله اتخانق معايا زمان وعلى صوته عليا عشان كان عاوز ياخد شهادة من الجامعة  .. مكنتش اعرف انه كان عاوزها عشان يشتغل بيها فى بنزينة اللى اى حد معاه اعدادية يشتغلها .. 
  لاحظ كرم طريقة كمال الاستفزازية فى الحديث  فنظر الى والده الذي كانت ملامحه تترجاه ان يصمت ف تنفس نفس عميق وقال :
_ شغلي فى البنزينة كويس  الحمدلله متقلقش عليا .
_ لا مش قلقان عليك .. لو عاوز تسبها انا ممكن اكلملك صاحب البنزينة اللى ع الطريق تيجي تشتغل فيها .. هقوله اخويا معاه شهادة الجامعة عاوز يشتغل عندك عامل يحط بنزين للعربيات .
 نظر الى والده كرم وتتدخلت الهام ووضعت امام كرم من صينيه البطاطس امامه :
_ مقولتليش ايه رأيك يا كرم فى صينية البطاطس دى عمايلي عملهالك مخصوص لانك بتحبها انت والحج . 
_ تسلم ايدك يا الهام الاكل كله تحفه .
 تحدث كامل  باستفزاز :
_ ربنا يخليك يا حج البيت مفتوح بحسك اى حد بيجي هنا بيجي على حسك ولولاك كرسي السفرة بتاع كرم كان هيبقى فاضي ، بس عاوزك تفرح يا حج ابنك كرم معاه بكالوريوس تجارة وشغال فى بنزينة .
 توقف كرم عن تناول الطعام وتحدث :
_ تسلم ايدك يا الهام الاكل تحفه ..
_ انت مأكلتش يا كرم 
_ لا شبعت الحمدلله .. يادوب الحق ارجع القاهرة .
_ عنده شغل الصبح فى البنزينة يا الهام سبيه .
شعر كرم بعد الراحة لاستمرار حديث كمال المستفز ، تحرك من مكانه وتوجه الى والده طبع قبلة على رأس ويد والده وودعهم وتوجهه للخارج .. فى الطريق كانت ملامح كرم مليئة بالحزن لهيمنه اخيه كمال على المنزل وضعف شخصية والده المريض .. تنهد تنهيدة عميقة وتذكر الورقة فى جيب بنطاله واخرجها ونظر اليها متأملًا ان تكون طوق النجاة التي كان ينتظرها منذ مدة .. 

عاد الى المنزل وجد محمود يجلس بجوار النافذة يدخن سيجارته وشارد وهو ممسك فى يده ميدالية اعطته له سوسن  .. لم يخبره ما حدث وتركه وبدل ملابسه واتجهه الى السرير ينظر الى السقف فى شرود.. كل منهما يشرد فى عالمه المجهول .

في صباح اليوم التالي قبل ذهابهم للعمل  اخبر كرم عما اخبره به والده ووضع ع الطاولة الورقة المدونة بالارقام والعنوان الخاص بالشركة وقال كرم :
_ انا هروح وأشوف ايه الدنيا ومتقلقش يا صاحبي إن شاء الله هتكون معايا .
 أجابه محمود مبتسمًا : 
_ انت او انا واحد يا ابو الكرم ، المهم انت دلواقتي متشغلش دماغك بيا . 
_ إن شاء الله هنفضل مع بعض . 
 انهيا حديثهم وتوجها للخارج وغادرا متوجهيين الى محطة الوقود .. سافر كرم الى الاسكندرية لمقابلة صديق والده المهندس معوض .. تمت المقابلة ولكن حاول كرم مساعدة صديقة محمود وضمه للعمل برفقته فى الشركة ولكن لم يكن هناك فرصة له والفرصة المتاحة فرصة وحيدة له .. رغم سعادته اخيرًا سيعمل بشهادته الجامعيه كمحاسب فى الشركة ولكنه  كان يشعر بالحزن لعدم وجود محمود برفقته .. عاد الى الزقازيق وذهب الى المنزل في إنتظار عودة محمود من العمل .. عاد محمود وتفاجئ بالطاولة معدة بطعام شهى وكرم يجلس في انتظاره .. اقبل محمود مبتسمًا وقال :
_ كدا نقول مبروك يا ابو الكرم ع الوظيفة الجديدة .
 ابتسم كرم نصف ابتسامة واومأ براسه كتأكيد ع كلمات محمود ، لاحظ محمود تغير ملامح كرم  وتحدث كرم :
_ يلا غير هدومك  لاني جعان .
_ ثواني وهكون عندك .
 بدل محمود ملابسه وجلس برفقه كرم ليتناولا الطعام ومازالت ملامح كرم حزينة فتحدث محمود :
_ في حد تجيله فرصة شغل كدا ويبقى دي وشه .
_ بجد انا حاولت يا محمود اشوف مكان لك لكن مكنش في دلواقتي خالص .
_ يا ابو الكرم روح أنت الاول وثبت رجلك وأكيد الفرص هتيجي .. انا مش زعلان بالعكس انا فرحان لك جدًا لاني عارف اهمية انك تشتغل بشهادتك دا معناه كبير وانجاز كبير في حياتك.. ربنا يكرمك يا صاحبي وانا اهو شغال في البنزينة وبدور والله كريم مبيضيعش تعب حد ولا ايه .
_ ونعم بالله .. بس انا مش هسكت هدورلك هناك .
_ عارف يمكن الحاجة المأثره فيا ان هرجع البيت وهكون لوحدي، اتعودت اننا مع بعض في الشغل وفي البيت .
_ متفتكرش ان عشان شغلي فى الاسكندرية وانت هنا في الزقازيق يعني خلاص ..لا انت هتيجيلي وانا هاجيلك مش هنخلص من بعض .
_ دا اكيد يا ابو الكرم .. ربنا يوفقك يا صاحبي .. يلا نكمل اكل .

بالفعل انهى كرم عمله في البنزينة وحمل حقائبه وقام بتوديعه محمود في محطة القطار  .. وصل كرم الاسكندرية وذهب الى السكن الخاص بالمغتربين في الشركة وبدء استلام عمله في قسم المحاسبات ... محمود بعد فترة من العمل في البنزينة  اخبره مالك البنزينة برغبته لاستلام العمل كمحاسب في البنزينة ورحب محمود بالفعل  وكانت خطوة  انتقالية لمحمود ماديًا واجتماعيًا لانه يعمل بشهادته الجامعية أيضا كمحاسب .. 

مقر شركة التي يعمل بها كرم في احدى البنايات التي تحوي على عدد من مكاتب لشركات مختلفة ، كان كرم في فترة الغذاء يذهب الى مطعم مجاور للمكتب، كان مكانه المفضل طاولة قريبة من الشاطئ والنسيم البارد يلف المكان ، لف معطفه حول جسده أكثر بينما كانت أنظاره تتابع الامواج وهي تتقدم وتتراجع في صمت .. بينما كان ينتظر طعامه لمح فتاه تقف عند حافة الشاطئ والمياة تلامس قدميها برفق ، كانت واقفة في ثبات عيناها معلقتان في الافق ويديها متشباكتان أمام صدرها .. لفتت أنتباهه بقوة فكانت لم تكن ترتجف رغم أن الجو كان باردًا والرياح لا تتوقف ، بدت كأنها منفصلة عن كل ما حولها لا تشعر بأي شئ لا بالبرد ولا بالماء ولا حتى بمرور الوقت .. ظل كرم يراقبها بصت حتى وصل الطعام بعد دقائق ووضع امامه وشكر النادل وعاد مرة اخرى ينظر الى الشاطى والفتاة وفؤجئ بأختفائها المكان خالي .. تسارعت نظراته في الانحاء يبحث عنها لعلها ابتعدت قليلًا او جلست في مكان قريب ، نهض من مكانه وخطى نحو حافة المطعم يبحث عنها ولم لا أثر لها كأنها لم تكن هناك سابقًا .. عاد كرم وجلس ببطء وعيناه معلقتان بالفراغ وتسأل بينه وبين نفسه :
_ هو انا شوفتها بجد.. ولا كان خيال ووهم.
نظر الى الشاطى للحظة ثم تنهد وعاد لتناول طعامه ليعود الى عمله ولكن هناك شئ حدث لقلبه ربما مشهد عابر أو لحظة خيالية ولكن الاكيد إنها تركت فيه أثرًا لا يفسر . 

في اليوم التالي ذهب وجلس امام طاولته المعتادة والقى بنظره ع الشاطى ولكن لم يجدها فتيقن انها مجرد خيال توهم بوجودها .. في يوم ما ذهب للمطعم ليتناول الطعام لمح  الفتاة تقف كالمرة السابقة امام البحر  اغمض عيناه وفتحها مره اخرى ومازالت فى مكانها .. تحدث مع النادل وعاد بالنظر وأختفت .. تكرر الامر كذا يوم وفجاءة لمده اسبوع لم تظهر فتيقن انها مجرد خيالات  او ربما جنيه البحر كما في الاساطير . 

بعد مرور 8 أشهر ..

  ذهب محمود في اجازته الاسبوعية الى الاسكندرية لقضائها برفقة محمود .. تقابلا في أحدى المطاعم لتناول الطعام ثم توجها للجلوس امام البحر ليحتسيا الشاي الساخن :
_  يا بختك ياعم كرم بالمنظر دا 
 ضحك كرم وقال :
_  بقالي 8 شهور هنا وكل مره تجيلي تقولي كدا مبتزهقش يا حودا 
_ وهو في حد يزهق من الجمال دا ، دا القاعدة كدا علاج نفسي من هموم الدنيا ، تشيل مهما تشيل وتيجي ترميه في البحر الموج ياخده بعيد .
_ انا مش ساكت وبدورلك ع شغل كويس هنا معايا عشان متفوتش المنظر دا .
_ متتعبش نفسك انا مرتاح في البنزينه، شغال محاسب ومرتبي كويس والدنيا تمام معايا متشغلش نفسك .. المهم طمني عليك انت كويس .
_ الحمدلله .
_ يارب دايما يا صاحبي .. قولي صحيح ايه اخبار جنية البحر مظهرتش تاني ؟
_ بتتريق .
ضحك محمود: 
_ انت نفسك قولتلي انها جنية البحر بتظهر ثواني وتختفي .
_ لا مظهرتش .. هو ممكن تكون جنيه البحر بجد يا محمود ؟
قال ضاحكًا : 
_  أنت اللى شوفتها يا صاحبي .. وبعدين قولتلك كذا مرة اول ما تشوفها  تروح تتكلم معاها كنت تتاكد هي بشر ولا جنية لكن انت التزمت الصمت والمشاهدة عن بعد .
_ مبلحقش يا محمود.. انا ايام اروح بدري مبتجيش اليوم دا أصلا ، وايام اروح ع ميعاد اتغدى اشوفها بالصدفة اتكلم مع الجرسون ابص عليها تختفي .
_ مش لازم تتكلم معاه قوله استني وكنت روحلها بدل ماهي شاغله دماغك كدا .
_ مش عارف .. المهم انت طمني عليك مش ناوي بقى تفرحني بك .. ملكش حجة قاعد في الشقة لوحدك هي صغيرة بس اسمها شقة ووظيفة محترمة ومرتب ثابت .
 تنهد محمود: 
_ عاوز ايه يا كرم  ؟
 امسك كرم الميدالية  من يد محمود :
_ مشوفتش سوسن تاني ؟
_ اخر مرة شوفتها فيها حاولت اتكلم معاها لكن هي قفلت في وشي اى محاولة .
_ هي اتخطبت ؟
_ لا مكنش في ايديها حاجة ومسمعتش انها اتخطبت .
_ طيب ما تجرب كدا .
_ لا لا مش هجرب دى كلمتني بطريقة صعبة اوي ..
_  العرق الصعيدي نطر وكرامتك نقحت عليك واستسلمت ، دا طبيعي اللي حصل دا عاوزها  اول ما تشوفك تترمي في حضنك ... خد خطوة جريئة كدا ولا انت عاجبك جو المراقبة عن بعد دا .. ا
_ يعني انت شايف كدا ؟
_ انت بتحبها ؟
_ انت مستني اجاوبك يعني انا محبتش في حياتي غيرها دا انا رسمت مستقبل وعيال معاها .
_ طيب ايه .. جرب تاني ولو صدتك جرب للمليون .. انا عندي فكرة ؟
_ ايه ؟
_ انت جربت تتكلم معاها وكانت بتصدك صح ؟
_ وبتكلمني بطريقة صعبة اوي ..
_ وضعك دلواقتي بقى احسن و التوقيت مناسب جدًا انت تروح  تتقدم وتخطبها وش كدا .
_ اخطبها ؟
_ ايوه هو انت لسه هتتعرف عليها .. اللى حصل كان وضعك وقتها غير مسامح لكن دلواقتي احسن .. وانا هاجي معاك نروحلها ونتكلم مع ابوها ونقوله ابننا اى بنت تتمناه لكن هو مبيتمناش غير بنتكم وبس .
 ابتسم محمود :
_ تسلملي يا صاحبي .
_ ويلا شد حيلك بقى عشان لو اتجوزت قبلك هسمي مريم وزين 
_ لا لا متفقناش ع كدا   سيبلي اسم احنا اختارناهم سوا .
_ انت ونصيبك .. عاوز تلحق اسبقني .
 ضحكوا وتحدث محمود :
_ ربنا يكتبلك الخير من جنية البحر .
_ انت الاول يا حودا .

بعد اسبوع في اجازة كرم الاسبوعيه اتفق مع محمود على مقابلته في الزقازيق والذهاب سويًا لمقابلة والد سوسن فى المقهي ، بالفعل ذهبا الى المقهي كان مغلق فتوجها الى المنزل .. لمح محمود وكرم اناره معلقة على المنزل وتجمع اشخاص امام المنزل وصوت الموسيقى المرتفع .. اقترب كرم لاحدى الفتيان امام المنزل :
_ بقولك يا صاحبي .. هو دا ايه ؟
_ دى خطوبة بنت الحج فرج .
_ بنته مين ؟
_  بنته الوحيدة .. سوسن .
 تلقى كرم الكلمات  وصعق من صدمتها ونظر الى محمود التي اعتالت وجهه ملامح صدمة ، حاول كرم ابعاده عن المكان ولكن محمود صمم الدخول للداخل لرؤية سوسن  ليتأكد من الخبر ، كان يسير بخطوات مترددة وقلبه ينبض بقوة لا تشبه أي شعور سابق .. وصل امام منزل سوسن ويسمع أصوات الزغاريط والموسيقى عن قرب .. دخل بخطواته  هادئة للداخل ووقعت عيناه عليها كانت تجلس بجانب شاب يضع فى يدها أسوره من ذهب ويبتسم لها وهي تبادله الابتسامة  .. 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1