رواية خيوط النار الفصل العاشر 10 بقلم نورهان موسي


 رواية خيوط النار الفصل العاشر 


بعد مرور يومين 
في مكتب اللواء... 
كانت الساعة متأخرة، وسكون الليل يلفّ أرجاء المكان، إلا من ضوء خافت يتسلل من الأباجورة الموضوعة على المكتب، ناشرًا هالة من الظلال الناعمة فوق الجدران، وكأن الغرفة تغرق في جوٍّ مشحون بالغموض والتوتر. جلس اللواء خلف مكتبه، مائلًا قليلًا إلى الأمام، يُنقّر بالقلم على سطح المكتب بخفة منتظمة تُخفي اضطرابًا داخليًا، وعيناه مثبتتان على يونس الواقف أمامه، جسده مشدود، وملامحه جامدة، لكن في عينيه لمعان غريب... لمعان رجل عثر أخيرًا على القطعة المفقودة من اللغز. 
قال اللواء بصوت منخفض، لكنه مشحون بسلطة لا تحتمل التردد: ــ 
"خير يا يونس؟ شكلك جايبلي حاجة تقيلة." 
تنفّس يونس بعمق، وكأن صدره يحمل أكثر مما يتحمله رجل، ثم مد يده بملف ثقيل وضعه أمام اللواء بثقة لا تخطئها الأذن ولا العين: ــ 
"معلومات مؤكدة يا فندم... زاهر الحديدي ما بقاش لوحده في اللعبة. دخل معاه شريك جديد في مصنع الحديد والصلب... ماجد عبد الصمد." 
ارتفع حاجبا اللواء فجأة، وقد انعكست دهشته بوضوح على وجهه الصارم. مدّ يده إلى الملف وبدأ يقلب صفحاته بسرعة، وعيناه تلمعان بحدة، بينما نبرة صوته ازدادت خشونة: ــ 
"إنت متأكد من الكلام ده؟" 
جلس يونس بهدوء على الكرسي المقابل، جسده مائل للأمام، كأن كلماته ستندفع من أعماقه، ووضع كوعه على المكتب قائلاً بلهجة حاسمة: ــ 
"مليون في المية المصنع ده واجهة بس... الغطاء الحقيقي لعمليات مشبوهة: غسيل أموال، صفقات سلاح، تهريب... كل حاجة تحت الأرض. المشكلة إنهم دايمًا سابقينا بخطوة، وده مش حظ." 
ترك اللواء الملف وأغلقه بقوة، ثم شبّك أصابعه أمامه ونظر ليونس نظرة صارمة، تحاول اختراق صمته: ــ "يعني بتقول إن عندنا جاسوس؟" 
هزّ يونس رأسه بثبات، ثم مال إلى الوراء قليلًا وأطلق ابتسامة خافتة، ابتسامة شخص أدرك أخيرًا من كان يعبث بخيوط اللعبة من خلف الستار: ــ 
"بالضبط كده... وعرفت مين هو." 
ضاقت عينا اللواء، وقال بنبرة باردة لكنها مشحونة: ــ "مين؟" 
مدّ يونس يده مرة أخرى، وأخرج ملفًا آخر من حقيبته، ووضعه أمام اللواء دون أن يرمش، وصوته هذه المرة كان ممتزجًا بنبرة انتصار لا تخفى: ــ "سامح... الراجل اللي دايمًا بيتحرك في الضل، وبيبان إنه معانا، لكنه بيلعب على الحبلين. بيشتغل لحساب زاهر وبينقل له كل خطوة بنخطيها. مش بس كده، ده كمان بياخد نسبة من كل عملية مشبوهة." 
أمسك اللواء الملف بعنف ظاهر، وبدأ يقلب فيه، وجهه يشتد شيئًا فشيئًا، وعيناه تقدحان شررًا. ثم فجأة، ضرب المكتب بقبضته، صوته انفجر: ــ 
"ابن الـ...! كان قدام عنينا طول الوقت! وأنا اللي كنت باوثق فيه!" 
رفع يونس يده بهدوء، إشارة إلى التمهّل، كأنه يُحكم حبك خيوط الفخ، وقال بصوتٍ منخفض لكنّه ممتلئ بتخطيط: ــ 
"مش دلوقتي، يا فندم. لو قبضنا عليه دلوقتي، زاهر هيشمّ الريحة ويغيّر كل أوراقه. إحنا محتاجين نصبر شوية... نوقع الكل في ضربة واحدة." 
نظر إليه اللواء بتركيز حذر، فالرجل أمامه لا يتكلّم بانفعال، بل بتخطيط عسكري مدروس. قال اللواء بنبرة شديدة: ــ 
"قصدك إيه يا يونس؟" 
اقترب يونس أكثر، ملامحه صارت حادة، كأنها نُحتت بالسكاكين، وصوته امتلأ بالجدية: ــ 
"نخلي سامح يفتكر إنه لسه في أمان... نرّاقبه من بعيد، نخليه يدوّرنا بمزاجه، وفي نفس الوقت نرتب خطة نوقع بيها زاهر وسامح وكل رجالته. الفخ لازم يتنصب بدقة، وكل خطوة محسوبة. زاهر مطمئن حاليًا، فاكر نفسه انتصر... لكن المرة دي، هو اللي داخل برجليه على الهلاك." 
ظلّ اللواء ينظر إلى يونس لثوانٍ، ثم تنهد ببطء، وفي صوته قرار نهائي: ــ 
"تمام... أنا هسيبلك تنفيذ الخطة، لكن افتكر... دي مش لعبة. إوعى تغلط يا يونس. إحنا مش بنطارد مجرمين بس... إحنا بنطارد أشباح بتتحرك في الضل." 
ابتسم يونس ابتسامة خفيفة، لكنها كانت تحمل في طيّاتها نارًا من التصميم والثأر: ــ 
"اطمن يا فندم... المرة دي، إحنا اللي هنكون سابقين بخطوة." 
******* 
على ناحيةٍ أخرى... 
كان المول يعجّ بالحركة، الزحام حولهم يُحدِث ضوضاء خفيفة من الأصوات المتداخلة، لكنها لم تكن مزعجة، بل كانت تُضفي على الجو طاقة مبهجة، تُشبه حالة الحلم قبل أن يُفسده الاستيقاظ المفاجئ. المحلات ممتلئة بكل ما يخطر على بال أي عروس: فساتين تُشبه الأساطير، إكسسوارات تتلألأ تحت الأضواء، أحذية أنيقة، وابتسامات متبادلة بين البائعين والمشترين. 
كانت عائشة تمشي جنبًا إلى جنب مع مريم، عيناها تلمعان بحماس كطفلة ترى فستان أميراتها المفضلة معروضًا أمامها. بين الحين والآخر، كانت تشير إلى فستان أو قطعة إكسسوار، ثم تلتفت لمريم لتأخذ رأيها، ومريم كانت تستجيب بحماس واضح، تُعطيها اقتراحات، تضحك، وتمازحها... لكن شهد؟ شهد كانت شيئًا آخر تمامًا. 
عائشة قالت بسعادة وهي تمسك بفستان أبيض ناعم، منقوش بخيوط لامعة كأنها ضوء قمر: ــ 
"إيه رأيك في ده؟ تحفة، مش كده؟!" 
مريم ابتسمت، نظرت للفستان ثم نظرت لعائشة وقالت بودّ: ــ 
"جميل جدًا، لايق عليكي، بس يمكن لو دورنا شوية كمان نلاقي حاجة تخطف أكتر!" 
ضحكت عائشة بخفة وتركت الفستان، مكملة جولتها بين المحلات. 
أما شهد... فكانت تعيش داخلها عاصفة لا تهدأ، إعصار من المشاعر المتضاربة ينهش قلبها بلا رحمة. في كل مرة يُذكر فيها اسم "يونس"، وفي كل مرة ترى عائشة تبتسم وهي تتحدث عن كتب الكتاب، كانت تشعر وكأن شيئًا ثقيلاً يضغط على صدرها، يسرق منها أنفاسها ببطء، كأنها تغرق تحت سطح ماء مظلم بلا قاع، أو كأن يدًا خفية تُطبق على عنقها ببطء قاتل. 
كانت الحسرة تحترق في أعماقها، ممزوجة بغيرة خانقة، وقهرٍ لا تعرف كيف تتخلّص منه. كانت الخيانة تتسلّل إلى قلبها كسمّ بطيء، رغم أنها لم تملك حقّ الامتلاك، إلا أن الألم كان حقيقيًا... وكان ينهشها. 
في عقلها، وهي تُشدّ على حزام حقيبتها بقبضة مرتجفة، كانت تردد في صمت، بجنون مكتوم، نفس الجملة، كأنها تعويذة سوداء تتردد في أذنيها بلا توقف: 
ــ "إزاي؟ إزاي ده يحصل؟ إزاي يونس يطلب عائشة... وأنا؟!" 
كانت نظراتها جامدة، وجهها بلا تعبير، أشبه بقناع هشّ يخفي تحته بركانًا على وشك الانفجار. عيناها كانت تتحرك ببطء، ترصد كل حركة من عائشة، كل ضحكة عابرة، كل لمعة سعادة في عينيها، كل ذكر لفرح قادم كان كطعنة جديدة تُغرس في صدرها. 
أرادت أن تصرخ، أن تخرج الوحش الجريح بداخلها، أن تنتزع ذلك الفستان من يد عائشة وتمزقه، أن تصرخ في وجهها بكل ما تحمله من وجع مكبوت: 
ــ "أنتِ ما تستحقيش يونس! ده كان ليا... مش ليكي!" 
لكنها لم تفعل. 
بل اختارت الصمت. 
وصمتها... كان أخطر من ألف صرخة. 
لأن وراءه، كان الغليان يزداد. 
كانت مريم تراقب المشهد بعينٍ يقظة، نظراتها تنتقل ما بين عائشة وشهد كأنها تحاول فكّ شيفرة صامتة تتشكّل أمامها. شعرت بشيء ثقيل يسري في الأجواء، طاقة خفية تشبه السحاب المكهرب قبل العاصفة. لم تكن نظرات شهد بريئة، بل كانت تحمل شيئًا أعمق... شيئًا مقلقًا. كانت نظرات مُظلمة، تُخفي وراءها لهبًا لا يُرى... حقدًا متوارٍ خلف قناع الهدوء. 
شيء ما كان يتخمّر داخل شهد... شيء غير مأمون العواقب، شيء يجعل مريم تشعر بالقشعريرة كلّما التقت عيناها بعينيها. 
بعد ساعات من التسوق، وبين أكياس المشتريات المبعثرة والضحكات المتفرّقة، اقترحت إحداهن أن يسترحن في مطعم قريب. المكان هادئ، تملأه رائحة الطعام الشهي، والإضاءة الخافتة تمنح الجو دفئًا، لكن ما كان يدور حول الطاولة لم يكن دافئًا على الإطلاق... بل كان مشحونًا بشيء لا يُقال. 
عائشة جلست وهي تُقلب في هاتفها، تتفحّص قائمة المشتريات بعينين تشعّان حماسة، ثم قالت بضحكة مرحة: 
ــ "خلاص، فاضل شوية حاجات بسيطة، وبكده نكون خلّصنا كل حاجة لكتب الكتاب!" 
مريم نظرت إليها بدهشة ممزوجة بفرح حقيقي، وقالت بمرح: 
ــ "بجد؟! ده أنا كنت فاكراك لسه فاضلك كتير! بس برافو عليكي، ظبطتي كل حاجة بسرعة أوي." 
ضحكت عائشة، وأجابت بصوت يحمل شيئًا من الحُلم: 
ــ "ما هو يونس مستعجل... أنا كنت فاكراه مديني وقت، طلع كله عالسريع!" 
انطلقت ضحكاتهن، خفيفة وصافية... لكن واحدة فقط لم تضحك. 
شهد. 
مريم لم تغفل عن ذلك. التفتت نحوها ورأتها جالسة كتمثالٍ لا ينبض، عيناها جامدتان، وشفتاها مغلقتان على صمتٍ غريب. كانت تنظر إليهما وكأنها تشاهدهما من خلف جدار زجاجي عازل، وكأنها لا تنتمي لتلك اللحظة، ولا ترغب أن تنتمي. 
عائشة لاحظت أيضًا، تردّدت، ثم مالت برأسها قليلًا نحو شهد، وابتسامة صغيرة على وجهها، وقالت بلطف: 
ــ "إيه يا شهد؟ ساكتة ليه؟ مش معانا خالص!" 
رفعت شهد عينيها إليها ببطء، نظرة خالية من الدفء، وابتسامة باردة شقّت وجهها كأنها طُبعت عليه بالإكراه، وقالت بصوت منخفض: 
ــ "لا... معاكم، بس سرحانة شوية." 
ذلك الردّ، على بساطته، أشعل القلق في صدر مريم. شهد لم تكن "سرحانة"، كانت تغلي. كانت تحترق من الداخل، والغضب يتآكلها بصمت، كما تتآكل النار اليابس من الأخشاب. 
عائشة عادت تتحدث عن تفاصيل كتب الكتاب، تُحاول أن تُبقي الجو مرحًا، لكن قلبها كان مذبذبًا، وعقلها يهمس لها باستمرار: 
ــ "شهد... مالها؟ وليه حاسة إنها مش فرحانة ليا؟" 
أما شهد... فكانت في عالم آخر. 
عالم أسود... تملأه الغيرة، وتمزّقه الخيبة. كانت تسمع كلمات عائشة كأنها صفعات متتالية، وكل ضحكة جديدة كانت خنجرًا يُغرس في صدرها. عقلها كان يغلي بأفكار مظلمة، أفكار عن الانتقام، عن كسر الفرح، عن تشويه اللحظة... بأي طريقة، وبأي ثمن. 
كانت صامتة... لكن داخلها، كانت هناك عاصفة تستعدّ للانفجار. 
********* 
بعد انتهاء الجلسة في المطعم... 
خرجن من المطعم، والجوّ بدأ يهدأ، نسيم المساء يلفّ الشوارع، لكن داخل شهد، العاصفة كانت مشتعلة. 
كانت عائشة تضحك من قلبها، تلوّح بكيس صغير فيه دعوات كتب الكتاب، تحكي لمريم عن تفاصيل يوم الفرح كأنها تحكي عن أجمل حكاية في عمرها. 
أما شهد، فكانت تسير خلفهم، خطواتها صلبة، وعقلها مليء بأفكار داكنة. 
هي لا تُحب يونس. لم تُحبه يومًا. 
لكنها لا تحتمل أن ترى عائشة سعيدة. 
لا تحتمل أن ترى النور يملأ وجهها. 
لا تحتمل أن ترى يونس يختارها هي، دون سواها. 
لماذا عائشة؟ دائمًا هي... البنت التي يحبها الجميع، التي يُفضّلها الكل، التي تحيطها الأضواء من كل الجهات. 
كان قلب شهد يفيض بالغيرة. 
تلك الغيرة التي لا تعرف شفقة ولا منطق. 
كانت ترى في انتزاع يونس من عائشة نصرًا شخصيًّا، حتى وإن لم تكن تريده لنفسها. 
هي فقط... لا تريد لعائشة أن تربح. 
وفي عقلها، بدأت تتشكّل الخطة. 
خطة لا علاقة لها بالحب، ولا بالندم، 
خطة هدفها الوحيد: 
إفساد فرحة عائشة... بأي وسيلة. 
توقّفت للحظة، رفعت هاتفها، بدأت تُفتّش في صور قديمة، رسائل، منشورات قديمة على مواقع التواصل. 
ثم وجدت ما أرادته. 
صورة قديمة لعائشة، مع صديقها في الجامعة  الصورة بريئة تمامًا، لا شيء فيها يُدينها... 
لكن في عيون يونس، الصورة ستكون كافية لتشعل النار. 
ابتسمت ابتسامة باهتة، فيها شيء من الظلام، 
وهمست لنفسها: 
ــ " المهم عائشة ما تفرحش. مش وهي قدامي." 
نظرت إليهما وهما تسيران أمامها، تلتفت عائشة من حين لآخر، تضحك، تسألها عن رأيها... 
فترد شهد بابتسامة مصطنعة، بينما داخلها... 
تغلي خطط الانتقام. 
*********** 
كان المكتب يغلي بتوتّر صامت، وكأنّ الجدران نفسها تتحسّس ما يجري داخله. 
جلس يونس على كرسيّه خلف المكتب الكبير، ملامحه جامدة، لكن في عينيه لمعة باردة من الذكاء والتركيز، لمعة لا تخطئها عين... عينُ صيّاد يترقّب لحظة الانقضاض. 
أمامَه خريطة واسعة مفرودة على الطاولة، موشّاة برموز وخطوط حمراء، تُشير إلى مواقع محدّدة بعناية. 
حولَه جلس عدد من قيادات الجهاز، رؤوسهم تنحني قليلًا، أنفاسهم محسوبة، ينتظرون كلمته. 
كان سامح واقفًا في ركن الغرفة، ذراعاه مشبوكتان، يحاول أن يبدو متماسكًا، لكن عينيه كانتا تتحرّكان في قلق، تتنقلان بين الخريطة ويونس، وبين وجوه الحاضرين، بينما قلبه يخفق بعنف لا يظهر على ملامحه. 
أخذ يونس نفسًا عميقًا، ثم قال بصوته الواثق الرصين: 
ــ "جاتلنا معلومة مؤكدة... في شُحنة سلاح كبيرة داخلة البلد خلال ٤٨ ساعة. والمكان بنسبة ٩٠٪ هيكون المخزن اللي على أطراف المنطقة الصناعية." 
صمت للحظة، ليترك الكلمات تغوص في عقولهم. 
سامح شعر كأنّ جدارًا من الجليد انهار فوقه. ارتبك داخليًّا، لكنه تماسك وقال بصوت محايد: 
ــ "وإنت متأكد من المصدر؟" 
التفت إليه يونس، نظر إليه نظرة طويلة فيها شيء من التحدّي، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة، وقال: 
ــ "جداً." 
كانت تلك الابتسامة كالسهم... لم تكن عابرة. 
سامح أحسّ بقلقٍ يتسلل إلى صدره، كأنّه ارتطم بحقيقة لا يريد مواجهتها. 
أجبر نفسه على الرد مجددًا: 
ــ "طيب... والتحرك هيكون إمتى؟" 
حول يونس بصره إلى القيادات وقال: 
ــ "خلال ٢٤ ساعة. لازم نتحرّك قبل أي حد ما ياخد باله." 
انتهى الاجتماع، وبقي يونس في مكتبه، يراقب سامح بعينيه وهو يغادر. 
وحين أُغلق الباب، ارتسمت على وجهه ابتسامة نصر هادئة، ثم ضرب سطح المكتب بكفه وقال بصوت خافت: 
ــ "اصطادنا العصفور الأول... ناقص الكبير بقى." 
كان يعلم تمامًا أن سامح الآن في طريقه لتحذير زاهر... وكل ذلك كان جزءًا من الخطة. 
******* 
في الخارج، كان سامح يمشي بخطى سريعة، وجهه شاحب، وقطرات من العرق بدأت تتسلّل على جبينه. 
حين وصل إلى سيارته، أغلق الباب بسرعة، أخرج هاتفه بيدٍ مرتجفة، وكتب رسالة مشفّرة إلى زاهر: 
"الوضع خطر... العملية انكشفت. لازم تغيروا مكان التسليم فورًا. يونس والقيادات هيهجموا المخزن بعد ٢٤ ساعة." 
ضغط على زر الإرسال، وبعد لحظات، رن الهاتف. 
كان المتصل: زاهر الحديدي. 
ارتجف سامح، بلع ريقه بصعوبة، ثم أجاب: 
ــ "ألو؟" 
جاءه صوت زاهر من الطرف الآخر، هادئًا... لكنه مشحون بحدة تُجمّد الدم في العروق: 
ــ "إنت متأكد من الكلام ده؟" 
سامح قال على الفور: 
ــ "أيوه متأكد. يونس بنفسه قالها، وشُفت الخريطة بعيني... ناويين يتحركوا خلال ٢٤ ساعة." 
ساد صمت قصير في الطرف الآخر... ثم جاء صوت زاهر حاسمًا، باردًا كالسكين: 
ــ "تمام. هنغيّر المكان فورًا. بس اسمعني يا سامح... دي آخر مرة هعدّيها. المرة الجاية لو في غلطة واحدة... هتدفع التمن غالي." 
شعر سامح بقشعريرة باردة تجتاح جسده، وكأن أحدًا مرر نصلًا على عموده الفقري. 
حاول أن يتماسك وقال بصوت مرتعش: 
ــ "متقلقش... كل حاجة تحت السيطرة." 
لكن الحقيقة... أن لا شيء كان تحت السيطرة.
******************** 
في مكتب يونس، كانت الإضاءة خافتة، وهو جالسٌ أمام شاشة اللابتوب، السماعة في أذنه، يستمع إلى تسجيل المكالمة كاملة. 
كل حرف نطق به سامح، كل نبرة خوف في صوته، كل كلمة تحذير... كانت محفوظة. 
اقترب منه ضابط شاب، يحمل محضرًا وقال بابتسامة مملوءة بالثقة: 
ــ "إحنا بنراقبه من أسبوعين. كل مكالماته متسجلة... حتى نَفَسه مسجّل." 
أغلق يونس اللابتوب، ثم ابتسم ابتسامة عريضة وقال بهدوء: 
ــ "ممتاز... دلوقتي مش بس عرفنا إن سامح خيِّن، كمان عرفنا مكان التسليم الجديد." 
نهض من مكانه، رفع هاتفه، اتصل بالقيادة، وقال بثقة لا تعرف التردد: 
ــ "اتأكدنا من الموقع الجديد. العملية هتتم الليلة." 
ثم أغلق الهاتف، ونظر من النافذة، حيث الليل يُخيّم على المدينة... 
الكمين اتنصب... وزاهر وسامح ما يعرفوش إنهم خلاص دخلوا الفخ برجليهم.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1