رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل العاشر
وبمجرد وصول سارة مرة أخرى إلى مكان مألوف، كان لديها مشاعر مختلطة.
استفسر محمود بأدب: ”هل تريدين أن تنزلي يا مدام؟“
”لا داعي لذلك، سأنتظره هنا.“
لم يكن اللقاء الأخير بينها وبين أحمد سوى الطلاق، ولم تكن تريد أن تتسبب في أي تعقيدات، ناهيك عن أن كل ورقة عشب وكل شجرة هنا تحمل ذكرياتهما، فلم تُرد أن تتأثر بالمشهد أكثر من ذلك.
إذا أرادت أن تُلقي باللوم على أحد، فيكن ذلك إذن الرجل الذي ، وأمسكها بيده خوفاً عليها من الطيران.
حتى وإن وجب عليها كراهيته، إنها لم تكن أبدًا قاسية.
لم تطفئ السيارة محركها لتوفر لها تياراً مستمراً من الهواء الدافئ، حيث كانت بمُفردها في السيارة، شعرت سارة بألمٍ في معدتها مرةً أخرى، تكورت على نفسها كشكل الجمبري صغير واحتضنت ركبتيها بإحكام، جلست القرفصاء على المقعد
في انتظار الفجر.
كانت أيام الشتاء تظلم مبكرًا وتضيء في وقتٍ متأخر، حيث حانت الساعة السابعة تمامًا ولم تُشرق الشمس بعد، فكانت السماء ضبابية.
كانت أوراق أشجار الجنكة في الفناء قد تساقطت منذ فترة طويلة، ولم يكن بوسعها إلا أن تعود بأفكارها إلى الأيام الخوالي.
موسم نضج الثمار الذهبية، حينها أرادت أن تأكل حساء دجاج بذور الجنكة مع اللوتس الذهبيّ، فتسلق أحمد شجرة الجنكة بالفناء والتى يصل إرتفاعها إلى أكثر من عشرة أمتار لكي يهز الثمار لأجلها.
كانت الأوراق الخضراء تتساقط مثل المطر الذهبي بالنسبة لها.
في ذلك الوقت، كان أحمد ودودًا و يطبخ لها جيدًا، ويدللها حتى الموت.
بالتفكير في الأمر، لا تعرف متى كانت تمشي إلى الشجرة وحدها، كانت شجرة الجنكة لا تزال هناك و لكن لم تعد الأمور كما كانت.
لقد تساقطت أوراق الشجرة
منذ فترةٍ طويلة، ولم يتبق سوى عدد قليل من الأوراق الذابلة في الأغصان تهتز، كعلاقتها الحالية غير المستقرة مع أحمد.
عندما خرج أحمد من الفيلّا، رأى هذا المشهد.
وقفت الفتاة الصغيرة التي كانت ترتدي سترة رقيقة تحت الشجرة ورأسها مرفوع والرياح الباردة تهب على شعرها.
كان اليوم تغييرًا للطقس السيئ في الأيام القليلة الماضية، حيث كان شُعاع الشمس الأول في الصباح الباكر يتناثر على وجهها، كانت بشرتها بيضاء وشفافة تقريبًا، مثل الملاك توشك على الاختفاء.
كانت كفاها لا تزالان ملفوفتين بالشاش، والغريب أنها مازالت تزال ترتدي ملابس الليلة الماضية، فكان وجهها شاحباً.
”يا أحمد“ لم تسدر رغم أنها كانت تعرف أنها قادمة.
”نعم.“
استدارت سارة ببطء، ووقعت نظراتها على ذاك الرجل الطويل، فمن الواضح أنهما كانا قريبين من بعضهما
البعض حيث أنهما كانا على مسافة ذراع.
”أريد أن أشرب حساء الجنكة وبذور اللوتس بالدجاج الذي تُعددته مرةً أخرى.“
حدق أحمد بعينه الداكنين مُندهشًا للحظة، وفي الثانية التالية قال ببرود: "لقد انقضي موسم الجنكة، يا سارة لا تضيعي الوقت."
كانت عينا سارة حمراء قليلاً، وتمتمت قائلة: ” اعتبرها آخر مرة تلبي فيها طلبي قبل الطلاق، أليس هذا مُمكنًا؟
بعد عدم رؤيتها لمدة ثلاثة أشهر، بدا أنها تغيرت كثيرًا.
أشاح بوجهه ونظر إلى الشجرة العارية، وكانت نبرة صوته أقل برودة: ”لم يُعد محصول العام الماضي طازجًا، إذا كنت تريدين أن تأكلي عليكِ بانتظار محصول العام القادم”.
العام القادم ......
لامست أصابع سارة لحاء الشجرة الخشن، وكانت خائفة من أنها لا تستطيع الانتظار.
”أحمد، هل تكرهني؟“
”نعم.“
أدارت رأسها لتنظر إليه وقالت
بهدوء:” إذن ...... هل ستكون سعيدًا إذا مت؟“
ماذا؟...