رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الحادي عشر 11 بقلم سلمي خالد


 رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الحادي عشر 

"معاوني التحرش"

سلسلة كريهة لا نهاية لها، قتلتها ولكن لا تعلمون أنني قُتلت أيضًا!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تأوه بألمٍ بعدما استفاق من تلك الغمامة السوداء التي ابتلعته منذ ساعات، يحاول تحريك يده ولكنه فشل بسبب تلك الأحبال التي تضم ذراعيه وكفه بقسوةٍ، فتح عينيه بترويّ ينظر حوله ليجد حربي مربوط بمثل تلك الأحبال في عمودٍ خشبي صلب لا يمكن تحريه، ليهتف حربي بسخطٍ:

_ إيه يا حبيبي عجبتك النومة أقولهم يفكوا الحبال يشويه تقيّل على الجنب التاني ؟

نظر له أرنبة بتعجبٍ يسأل بوهنٍ:

_ هو إيه اللي أقيّل يا حربي.. في إيه؟

تجعدت ملامح لسخطٍ واضح، يجيله بتهكم:

_ مفيش بس نايم من تلات ساعات والمدرسة فضيت ومحدش سامعلنا صريخة بيومين.. دا إحنا لو غنينا ظلموا ما حد هيعبرنا.

اتسعت عين أرنبة بصدمةٍ مما تفوه به، بينما صرخت هبه بصوتٍ ملتاع:

_ أرنبة أخيرًا صحيت!

_ هو في إيه كل شوية حد يعلق على نومي؟ ما مضروب على دماغي.

أرتفع صوت غير مألوف لهم، يجيبه تلك المرة بتهكم وازدراء:

_ مضروب على دماغك مش خارج من العمليات عشان تنام أزيد من 3 ساعات.

أدار أرنبة رأسه ينظر لتلك المرأة التي تحمل هيبة مخيفة، عينان قاسيتان للغاية، ملامح لوجه إحدى أشرار قصص ديزني، وقفت أمامه بكامل هيبتها تعلق بسخطٍ:

_ عايز تقفلي المدرسة مش كده؟

ضيق عينيه قليلًا، بينما نطق حربي بهدوء:

_ ويا ترى هنقفل المدرسة ليه يا مدام ألفت؟

قلبت ألفت عينيها بمللٍ، تجيب بصوتٍ متهكم:

_ أنا مش طالبة هتخليني أقول الغلط والصح.. ودا طفل شاف زميلته هي بقى لبسه ضيق وأغرته.. هي حاولت معه ودخلت الحمام مليش دعوة بكل دا.. الولد ساب البنت والبنت ساكتة منطقتش يبقى الموضوع جاي على هواها.

اتسعت أرنبة من حديثها العقيم أي عقل يفكر بتلك الطريقة، هدر بها بعنفٍ:

_ أنتِ أتهبلتي يا ولية أنتِ.. طفلة إيه اللي هتغري شحط في إعدادي.. أنتِ عارفة يعني إيه يحصل اغتصاب في مدرسة!! ولا اتخرجتي من تحت بير السلم ومبتفهميش!

أشتعلت عينيها غضبًا من إهانته لها، لتردف بصوتٍ غاضب حاد:

_ أنت إزاي تتجرأ وتتكلم بالطريقة دي معايا.. أنا هوريك حساب كلامك دا كويس.

نظر لها أرنبة بسخطٍ يلقي سُبة قاسية عنيفة عليها، لتشهق ألفت بصدمة مما تفوه به مرددة بحدة:

_ أنت حيوان عشان تقولي لفظ زي دا في المدرسة ولمديرتها!

_ قولي كفتة يا ولية قولي كفتة.. ناقصه عتهك على المسا.

غامت عينيه بالحقد، تهمس بفحيح غاضب:

_ طب أبقى قابلني لو شوفت نور الشمس دا.

استدارت لتغادر المكان بأنفاسٍ مشتعلة من الغيظ، بينما نظر أرنبة لها بضيقٍ تمنى لو لم تكن تلك الأحبال تقيده لكان قد قضى عليها، نظر نحو حربي الذي يغمض عينيه يتمتم باستغفر كثير، فسأله:

_ مالك؟

_ سبني في حالي دلوقتي عشان دقيقة وهتحرش لفظيًا بالولية الصفرا دي.. استغفر الله العظيم سبني يا أرنبة.

فهم ما يمر به صديقه فهو يريد أن يسبها ولكن تمالك نفسه بصعوبة، وسرعان ما أتت هبه برأسه ليعلو بصوته:

_ أنتِ فين يا هبه؟

أرتفع صوتها الحانق:

_ لسه فاكر إن ليك زوجة يا أستاذ.. فكرني لما نخرج نطلق يا أرنبة.. أنت زوج مهمل.

عض على شفتيه بنفد صبر، يردف بنبرة حادة مغتاظة:

_ دا لو خرجنا هرنك علقة على الغم والهم اللي إحنا فيه.. هو إيه اللي زوج مهمل.. هملوكِ بدري يا بعيدة.. هو أنتِ والولية الصفرا بنت..

كاد أن يلقي سُبة ولكن لحقه حربي بأعينٍ حادة قائلًا بصوتٍ عالي محذر:

_استغفر الله العظيم وأتوب إليه.

ازدرد أرنبة لعابه بصعوبة فنظرات حربي مخيفة للغاية.. رغبته في كظم غيظه لم تفلح سوى بلسانه ولكن بقت عينيه تنطق بالكثير وهي صامتة، فقال بنبرة متوترة:

_ أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.

أبعد حربي نظره عنه يحاول تهدأت من روعه، بينما هتفت عاليا بهدوءٍ عجيب:

_ هنعمل إيه؟

**************

_جرب رن تاني يا محمد البت اتأخرت أوي ليكون حصلهم حاجة؟

رددت وداد بنبرة قلقة للغاية، ليهتف محمد بسخطٍ:

_ أمال لو مش سبب الزرقان اللي تحت عينك كنتِ عملتي إيه!! لففتينا الأقسام!

عبست ملامحها تنظر له بضيقٍ، تنبس بصوتٍ غلب عليه عاطفة الأمومة:

_ دي بنتي.. مهما عملت ولا روحنا وجينا هتفضل بنتي وهخاف عليها من الهوا الطاير يا محمد.. ثم إني أشوفها بخير وسليمة دا حاجة وإني مبكلمهاش وبهزقها دا حاجة تانية.. مهما حصل هيفضل قلبي راضي عنها لإنها حتة مني.

زحفت بسمة طفيفة لشفتيه، ينظر لها بحبٍ يتأمل كلماتها التي تزيل الكثير من الغشوة عن بصيرته، ليهتف ببسمة حنونة:

_ كل مرة بتثبتي إني نجحت في اختيار أم وزوجة صح وصالحة لبيتي.. عارفة يا وداد أنا سبب من أسباب اللي عشمي بربنا يدخلني الجنة عشانها.. هو إني اختارتك.

ابتسمت وداد بخجلٍ تخفي نظراتها عن عيني محمد المدققة له، ثم انتفضت من مكانها تصرخ بفزعٍ:

_ قوم بينا نستني البت قوم ندور عليها..

***********

نظرت عاليا بتعبٍ واضح نحو الباب، لا تجد حل لتلك المعضلة الصعبة، يديها مقيدتان جالسة على المقعد بصعوبة، أرتفع صوت هبه بألمٍ بيدها:

_ أنا تعبت يا عاليا وعايزة أخرج.. منك لله يا وجيزة مشوفناش الراحة من يوم ما شوفنا وشك.

_ أخرسي خالص قاعدة على كرسي وتعبانة.. أمال اللي مربوط في العمود ولا ربطة الجاموسة دي تعمل إيه!!

زمجر بها أرنبة بحنقٍ ممزوج بألمٍ من ظهره وقدمه، بينما علا صوت هبه بتذمر:

_ طب على الأقل وشك في وش الهوا الطلق إنما أنا وشي من وش الحمام والريحة حاجة أخر يع.

رفع أرنبة حاجبه باستنكار، يعلق بسخطٍ:

_أخر يع.. مسمعش صوتك يا هبه طول ما إحنا هنا فاهمة!

كادت أن ترد بغيظٍ ولكن قاطع صمتهم صوت خطوات صغيرة، ضيق حربي عينيه ينظر باتجاه الباب ليجد جسد صغير يدلف لهما، تأمل أرنبة هذا الفتي ليردف بتعجب:

_ أنت تايه يا حبيبي؟

شعر حربي بتجلط الدماء في عروق، ينظر نحو سؤال أرنبة الأبله، ليهتف بغضبٍ بعدما فقد زمام أموره:

_ بقولك إيه يالا أسكت خالص بلاش غبوة.. أنا حسرتك على أرنبك متخلنيش أحسرك على عياله..

صمت أرنبة على مضض، بينما نظر حربي لهذا الطفل مضيقًا عينيه ليراه وسط هذا الظلام مستعينًا بضوء القمر:

_ أنا شوفتك قبل كده صح!

_ أيوة أنا أحمد إبن مصطفى المهندس.

اتسعت عين حربي بسعادة بالغة، بينما هتفت عاليا بفرحة:

_ يا حبيبي يا أحمد تعالي يا حبيبي فكني لحسن الدم اتحبس خالص.

أومأ الطفل لها يسرع نحوها ليحاول فك هذه الأحبال حتى استطاع إزالة قيدها، لتبدأ عاليا بإزالة قيد صديقتها ثم انطلقت نحو حربي بينما وقفت هبه تنظر بشماتة واضحة نحو أرنبة قائلة وهي ترفع يدها نحوه:

_ بوس عشان أفكك!

_ أنتِ فاكرة إنك كده بتذليني!!! دا أنا هموت على بوسة من وقت ما كتبنا الكتاب.

سحبت هبه يدها سريعًا بحرجٍ ممزوج بخجل، بينما غمز لها أرنبة يردف بمكرٍ:

_ ما تجيبي إيدك وأقطعها بوس.

شهقت بخجلٍ من حديثه، تهتف بتوترٍ ممزوج بغضب:

_ احترم نفسك يا أرنبة إيه اللي بتقوله دا.

عوج فمه بحسرةٍ على حاله، يتمتم بسخطٍ:

_ اتيلي على وكستي ووكستك.. دا كل اللي بحلم بيه أبوس إيدك.

نظرت له بتوترٍ ثم فرت من أمامه جوار عاليا التي أنتهت للتو من فك حربي، بينما صدع صوت أرنبة قائلًا بغيظ:

_ تعالي يا معدومة الدم.. يا أنثى القنفد فكي الحبل بدل ما لو غيرك فكه ما هحلك بعدها.

ازدردت لعابها وعادت له مجددًا تفك الحبل حتى شعر أرنبة بتدفق الدماء لأوادته، يرمق هبه بنظراتٍ مغتاظة يعض على شفتيه هاتفًا:

_ لينا بيت يا هبه.. لينا بيت.

تقدم حربي نحو أحمد يسأله باهتمام:

_ عرفت منين يا أحمد إننا هنا؟

أجابه ببسمة صغيرة:

_ شوفت طنط هبه بتطلع زميلتنا الفصل وكانت معاكم في الحارة قبل كده، فاستنيت الحصة تخلص ونزلت عشان أشوفكم ولقيت كذا حد بيشدوكم للمخزن دا فكلمت بابا وعرفته وهو دخلني هنا بعد ما نطيت من السور وجيتلكم.

أومأ حربي بفهمٍ، لينظر نحو عاليا وأرنبة قائلًا:

_ يلا بينا قبل ما حد يحس بينا.

تحرك أربعتهم ومعهم أحمد نحو الأتجاه الذي يشير له، يقفون أمام السور بجهلٍ لما سيفعله، ليهتف أحمد بعبوس:

_ بابا هو اللي ساعدني أنط واستهبي لزمًا حد ينط وياخدني عشان أروحله، نظرت هبه بتعجب نحو أرنبة قائلة:

_ ما يلا يا أرنبة!

نظر لها بارتباك متمتمًا:

_ مبعرفش أطلع السور إزاي!

جحظت عينيها تردف بصدمة:

_ نعم!!! مش عارف إزاي عمرك ما كتتيت (هربت) من المدرسة!!

نفى برأسه بخجلٍ، لتعوج هبه بفمها بسخطٍ تنظر نحو عاليا بعدما قالت له:

_ وعملي صايع وأنتِ مؤدب!!

_ كمان مش عجبك أبقى مؤدب ومليش طفولة مشردة؟

أشاحت بوجهها بعبوسٍ، بينما نظرت عاليا لحربي قائلة ببسمة بلهاء:

_ طبعًا أنت ملكش في الليلة دي خالص؟

نفى حربي بهدوءٍ يجيلها:

_ الحمدلله ربنا أنعم عليا بنعمة الإلتزم وكنت ملتزم في طفولتي ومراهقتي بالحضور في المدرسة.

حركت عاليا رأسها وكأنها تخبره ( وأنت هتكون غير كده يعني) أرتفع صوت هبه تردف لعاليا بجدية أذهلت حربي وأرنبة:

_ شبكي يا بنتي إيدك خلينا نخلص وأنتم أعملوا زينا.

شبكت عاليا كفيها ببعضهما، تقف هبه بقدمها عليها ثم بلحظة واحدة دفعت هبه للأعلى مع قفز الأخرى ليصبح الموضوع سهلًا على عاليا وتيسيرًا لهبه،

ارتفع صوت عاليا قائلة:

_ غمضوا عنيكوا يلا عشان هرفعها.

استدار الإثنان بدون إصدار كلمة، بينما ساعدتها عاليا بإكمال التسلق عليه تحاول الحفاظ على الفستان كي لا يرتفع مع صعودها تحمد ربها باتساع الفستان لتستطيع التحرك بحرية، وصلت أخيرًا لقمته وقفزت منه، فنظرت عاليا نحو حربي قائلة:

_ شبكلي يا حربي بسرعة.

نظر لها بذهولٍ مما تقوله، ليهتف بصدمة:

_ هو أنتِ عرفتي منين الكلام دا؟

أجابته ببساطة:

_ كنت بزوغ من المدرسة؟

_ دا ونعمة الأخلاق فعلًا.

رددها بسخطٍ لإجابتها البسيطة، لترد عليه بتذمر:

_ لولا التزويغ دا مكناش عرفنا طريقة هنهرب بيها.. شبك يلا.

زفر حربي بصوتٍ مسموع، ثم شبك لها لتصعد عاليا كما حدث مع هبه، ولكن ما أن جاء دور حربي حتى قال أرنبة وهو يحاول التماسك:

_ أنت بغلت ياض يا حربي!

_ أتلم ياض وأرفع وأنت ساكت.

حاول أرنبة أن يرفع حربي ولكن سقط الإثنان سويًا بفشلٍ واضح، ليردف أحمد بتذمر:

_ شبكلي أنا وأنا هجبلكم حبل بدل خيبتكم.

_ خبيتنا!!

ذهول نطق به أرنبة، حرك بصره نحو حربي الذي يتأوّه بصعوبة، ليهتف:

_ دا أحنا مكناش عيال بقى!!

أشار له حربي يمسك ظهره بألم:

_ قوم شبكله خلينا نغور من هنا ضهر اتقسم.

نهض أرنبة يسير نحو السور يساعد أحمد في القفز حتى استطاع الوصول للجهة الثانية ومنها انطلق نحو مكان والده حتى وصل له وأخذ منه حبل، وبالفعل وصل لهما واستطاع الإثنان عبور السور بصعوبة بالغة وسط سخرية هبه على أرنبة.

**************

_ إيه اللي حصل يا حربي يخليكم محبوسين كده؟

ردد مصطفى بتعحبٍ جالي، ولكن قرر حربي الاحتفاظ بهذا الأمر حتى يستطيع الإمساك بالفاعل والوصول لأدالة قوية فهذا الموضوع حساس للغاية، ليهتف بتعبٍ:

_ هحكيلك يا عم مصطفى بس مش دلوقتي.

أومأ بتفهمٍ ثم ركب معه السيارة أجرة ليغادروا جميعًا هذه المنطقة ينتظرون ساعات الغد ليذهبوا لمنزل هذا الصبي ويبحثوا حول هذا الموضوع!

وصلوا جميعًا منزل عاليا وهبه ليصعدوا سويًا بجسدٍ متعب، طرقت عاليا الباب بتعبٍ وما أن فُتح الباب حتى أندفعت وداد نحو عاليا تضمها بقوة قائلة بقلق:

_ كنت فين كل دا.. ومردتيش ليه؟

صُدمت عاليا من قلق وداد ولكن ابتسمت برحبٍ لما تفعله تجيبها بسرد ما حدث، بينما وقف محمد ينظر لحربي بقلقٍ قائلًا:

_ تعالي يا بني أدخل جوا وهجبلك ترنج من عندي تلبسه أنت شكلك تعبان أوي.

دفء عجيب يتخلل لكلماتهم القلقة عليهما، لينطلق معه، بينما نظرت هبه نحو الباب تنتظر أن تفتح والدتها التي ما أن رأتها حتى انفجرت باكية بشدة تهتف بصعوبة من بين شهقاتها:

_ كنتِ فين أنا قلقت عليكِ.. يا سالم تعالى البت جت!

تقدمت منها هبه تربت على كتفها قائلة بحنوٍ:

_ تعالي يا حبيبتي متخفيش دا خطف على الماشي كده.

شهقت نعمة بصدمة يعلو صوتها بذهول:

_ خطف.. خطف إيه؟؟ إيه اللي حصل؟؟

زفر أرنبة يسرد ما حدث تزامنًا مع دلوفهما لداخل الشقة ليروا جميعًا ما حدث وسط ذهول سالم الذي أتى يهرول من غرفته نحو ابنته وأرنبة ولكن صُدم من الحديث!

*****************

صباحًا...

إختبأ كلًا من أرنبة وهبه وعاليا وحربي بالسيارة التي استأجروها من صديقهما ينتظروان هبوط الولد من منزله، هذا الفتى الذي هرب بالأمس بعد فعلته الدنيئة، يجلسوا يحاولون التغاضي وإكمال هذه المسيرة الصعبة، فاتفقوا على أن يذهب له أرنبة فقط حتى يستطيع التحدث معه وإن إزداد الأمر سوءًا سوف يتدخل حربي، انتفضت هبه تحرك يد أرنبة قائلة:

_ الولد أهوه الولد أهوه.

أومأ أرنبة لها يكاد يتحرك نحو هذا الولد ولكن تفاجأ من ظهور رجلًا جواره يمسكه بطريقة غريبة وسط سكون وخضوع غريب من هذا الفتى، ثم مد هذا الرجل يده بطريقة مريبة حتى اتسعت عين أرنبة مما حدث للتو، فهو فوصلت جرأته لمنطقة حساسة للغاية ليلامسها بشكلٍ مقزز مستغلين فراغ الشارع.

دقائق وكان الرجل يصعد تاركًا الولد بالشارع، ينظر بشرودٍ أمامه، حتى ظهرت دموع تسيل من عينيه، تمسك بجسده باختناقٍ وكأنه يصارع شيء بداخله، نعم أحب هذا ولكن أرفضه.. أدمنت ما يحدث لي وتلك اللامسات ولكن أشعر بتقزز مني!

حربٌ مشتعلة بل والحاء خاء وبعد الراء ألف داخله، يقف مدمرًا وسط ندوبٌ تزداد داخله كلما مرت الوقت وهو لا يزال يمارس تلك الأفعال.

تأمل أرنبة ما يفعله هذا الولد، وشعر بالشفقة عليه، ليتقدم منه يشعل سماعة الهاتف ليسمع الأخرون ما يحدث، وقف أرنبة أمام هذا الولد أمام العمارة، يردف أرنبة لهدوءٍ:

_ ليه سيبته يعمل كده؟

انتفض الولد بذعرٍ من أرنبة يريد الهرب ولكن أمسك أرنبة ذراعه قائلًا:

_ أنا مش جاي أعاقبك.. بس ليه بتعمل كده؟

ربما لو أتى أرنبة بوقتٍ لاحق لأخذ مقاومة شديدة، ولكن إنه بأسوأ حالاته، نعم شاهد ما حدث سابقًا وحدث ما حدث معه، نظر له هذا الولد بأعينٍ غائمة بالدموع ناطقًا:

_ مش عارف عقلي أتلغي وبقيت بدور على أي حد أعمل فيه زي ما بيتعمل فيا وبيتعمل في أخويا..

صُدمة أرنبة مما تفوه به هذا الولد، شقيقه يحدث به كل هذا، ما عمر شقيقة إذًا!!

ابتسم أرنبة بحنوٍ يربت على كتف الولد قائلًا:

_ طب أخوك عمره أد إيه وليه مبتقولش لبابا؟

تسربت دموع الفتى وكأن هناك ثُقل يقتله بكل يوم، يجيبه بقلبٍ ممزق وروح مقتول براءتها:

_ أخويا أكبر مني بس مش بيفهم حاجة هو من ذوي احتياجات الخاصة..

صدمة أخر جعلت أرنبة يرغب بالصراخ، ما هذا الفجور!! ماذا تفعلون أيها الأوغاد، حاول أرنبة الثابت أمامه، لا يريده أن يخشاه فهي خطوة جيدة أن يتحدث، ليهتف بصوتٍ أكثر هدوءًا:

_ طب وبابا محكتلهوش؟

_ هحكي لبابا عن عمي إزاي؟ بابا عمره ما هيصدقني لإنه بيحب عمو أوي.

إلى هنا وينتهي هذا، نظر له أرنبة بذهولٍ لم يستطع أن يكتمه يهتف بصدمة:

_ يعني إيه عمك اللي بيعمل كده؟ 

شهقة متألمة خرجت من فمه يرفقها دموع لا نهاية لها، يجيبه وهو يفترش الأرض يشعر بضياع حاله:

_ مليش دعوة.. أنا مكنتش أعرف غير من سنة لما عمي جه وبابا مش موجود ودخل لأخويا عشان يقعد بيه، وأنا وقتها رجعت من الدرس للبيت بدري ودخلت أوضة أخويا ولقيته بيعمل فيه الحاجات دي.. اتصدمت وكنت هحكي لبابا بس قالي بالنص..

" لو قولتله مش هيصدقك عارف ليه؟ عشان أنا أخوه"

وقتها كان عندي إصرار أحكيله بس عمي كدب على بابا قبل ما أحكي وقاله ابنك بيتفرج على فيديوهات *** ووقتها خدت علقة منه لدرجة جالي ألتواء في دراعي وخدت خمس غرز في دماغي..

صمت هذا الفتى يشهق ببكاءٍ كما لو كان طفلًا، يشعر بالذنب والضياع، في حين جلس أرنبة جواره على الرصيف ليكمل الثاني بصوتٍ يريد الصراخ ولكنه مات:

_ بعدها بقى عمي يستنى لما أجي عشان يعمل في أخويا كده قدامي لحد ما قالي عايز تجرب.. أنا آه كنت عايز أجرب بس وقتها رفضت والله رفضت مرضتش بس هو.. هو دمرني!

تألم قلبه يشعر بضياع هذا الفتى، إنه من مجرد استماع شعر بالضياع فما حال ضحيته، نظر الفتى نحو أرنبة بضياعٍ يردف بخوفٍ:

_ أنت مصدقني.. عارف إني مش عايز بس غصب عني حصلي كده!

أومأ أرنبة يربت على كتفه ليهدأ من روعه، يتمتم بصوتٍ مختنق من محاولة أرنبة الثبات:

_ أيوة.. متخفش مصدقك وعارف إنك كويس!

بصيص من أمل ظهر له، هل هناك من يصدقه؟ هل هناك من يعلم بطهارة نفسه التي دنسها عمه؟ مسح الفتى دموعه التي لا تزال تنهمر، يردف بصعوبةٍ:

_ أنا معرفتش اتصرف وخوفي أضرب تاني خلاني سكت.. بسبب بابا أنا اللي بقيت بحط إيدي على بوقي عشان محدش يسمع صرخة الوجع بعد كل مرة عمي يجي ويعمل فيا كده..

يكفي.. يكفي لم يعد يتحمل أكثر، هذا أكبر من أن يصدقه عقل بشري، نظر أرنبة نحوه بتدقيق، يبدو طفولي أكثر لم ينضج بعد! إذًا لِمَ تقتلون هؤلاء المساكين بأفعالكم الدنيئة!!

أخفض الفتى رأسه بخزى يكمل بصوتٍ ظهر بحته من البكاء:

_ أنا مكنتش عايز أعمل كده في البنت.. بس مقدرتش أسيطر على نفسي.. حسيت إني عايز أعمل كده بأي شكل وعمي إمبارح مجاش.. أنا بعد كل مرة بيحصل كده بندم وبعيط عشان مش عايز وعايز ومش عارف اتصرف.

أرتجف جسد الفتى من شدة بكائه، يعلو صوته شيء فشيء، فهو أصبح حُطام كُسر بصوتٍ مكتوم، أصبح الوجع يتكئ خلف ضلوعه، ضاع منه سبيل العودة و لا يعلم هل هناك سبيل ليعلم ما هو الأمان؟

أكمل الفتى بصوتٍ متألم ضائع:

_ أنا عايز أموت ومش عايز أعيش تاني.. مش عايز عمي يعمل فيا كده.. أنا بكرهني وبكره عمي وبكره بابا.. أنا بكرهم كلهم هما السبب... هما اللي دمروني!!!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1