رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الثاني عشر
"أريد ممثل"
كنت طفلًا لا يعلم معنى الخوف، يشعر بالأمان وُلدتُه به ولكن فهمت مبكرًا معنى الخوف والصمت.. دموع لا يراها أحد.. صمت يتغلغل أحبالي صوتية حتى قطعها تمامًا.. دنسوني.. قتلوني.. شوه روحي بكامل قوتهم.. هذا الأمان لم أذق طعمه كل ما تجرعته في طفولتي.. خوف.. تحرش.. صمت دائم.. ألم صامت.. جميعها ذكريات تمثل نار تحرقني فتشوه القدام من حياتي!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الصف الأخر دموع تنهمر من الجميع، حالة لم ولن تُنسى أبدًا، تهشم القلب من السماع، وارتجف الجسد من الألم الناشز بروحهم، حاولت كبح دموعها ولكن إنتهى الأمر فماذا سيحدث أكثر من هذا لطفلٍ قتلوه بأبشع طرق!
كيف للقانون ألا يراقب ويعاقب هؤلاء الأوغاد، لم يعد القتل الآن دماء.. بل أصبح القتل غير.. قتل طفولة.. قتل الآمان.. قتل ما هو جميل بإنسان ليصبح مسخ يدمر غيره.
ربت حربي على يد عاليا يحاول تهدأتها ولكن هيهات وهي استمعت لحديثهما وشهقات الطفل الذي يتمنى أن يصبح طفلًا عادي دون وجود تشوه.
بينما نظرت هبه باتجاه نافذة السيارة تتسرب دموعها بقوةٍ حتى أصبح جسدها يرتجف بقوةٍ، لم تعد تسيطر على حالتها، تتخيل لو كانت بمكان هذا الولد ماذا ستفعل؟
******
ربت أرنبة بيده على كتف هذا الفتى، ينظر له بأعين تكبح دموعها، ينفطر قلبه ولكن بالنهاية حدث ما حدث فلن يغير ماضيه، هذه صفة الماضي لا يتغير، ولكن حاضره سيفعل المستحيل ليحميه، هتف أرنبة بصوتٍ جاد:
_ أنت اسمك إيه؟
نظر له الفتى بخزى يجيبه:
_ عمر.
ابتسم له أرنبة بحبٍ يردف ببسمة ماكرة:
_ طب مش عايز ترجع تعيش طفولتك يا عمر وتتضحك تاني؟
نظر له عمر بشكٍ ثم قال بنبرة بائسة ولكنها أصابت أرنبة والباقية بمقتل:
_ أضحك! أنا اتحرمت من حاجة كل الناس بتعشها إلا أنا مش عارف أعيشها بعد ما قتلوها.. أنا خلاص بقيت نسخة من عمي.
نفى أرنبة برأسه يحاول تمالك نفسه، يردد بنبرة حماسية:
_ مين قالك كده.. تعالى معايا وأثبتلك إنك لسه جواك روح طفل ومحافظ عليها.
حيرة بدت تظهر على معالمه من التفكير بالأمر، هل يذهب أم يبقى لمصيره، ولكن يعلم إن بقى سوف يعود عمه ويحدث ما حدث مجددًا.
نهض عمر من مكانه ينظر نحو أرنبة بنوعٍ من الضياع قائلًا:
_ هو أنا بجد ممكن أرجع.. ممكن أعيش اللي بشوفه وبسمعه من صحابي؟
أومأ أرنبة بإشفاقٍ بارع في إخفائه عنه، يمسك بكفه سريعًا قائلًا:
_ هنروح أنا وصحابي إيه رأيك ونكون سوا؟
ترك عمر يده سريعًا يردد بخوف:
_ لالالا مش عايز حد يشوفني.. هيعرفوا!!
تقدم أرنبة منه يهبط لمستواه قائلًا بحنو:
_ وهيعرفوا منين بس.. أنت رايح معايا ومتقلقش محدش يعرف.
نظر له ببعض القلق ولكن شجعه أرنبة يمنحه طمأنينة التي سرعان ما لمسته، فقرر الاستسلام له، هو يريد ذلك وبشدة، يريد أن يجرب ما يفعله أصدقائه بالأجازة.. يريد أن يغادر ذلك الصندوق الأسود.
******
وقف عمر بخجلٍ واضح أمام حربي والفتيات وخاصة هبه التي علم هويتها وأنها رأته مع تلك الطفلة بالمدرسة، كسر حاجز الصمت صوت عاليا تهتف بحنو:
_ عامل إيه يا بطل؟
نظر لها بخجلٍ وخزى من نفسه لا يعلم من أين أتى به ولكن يؤلمه بشدة هذا الإحساس المنفر، يجيبه بصوتٍ مختنق:
_ كويس.
فهمت عاليا ما يمر به، ونظرت نحو صديقتها التي أومأت لها بتفهمٍ تتقدم نحو عمر ببسمة متسعة:
_ أزيك يا بطل أنا هبه.
تعجب من بسمتها ونظراتها التي لا تحمل مقت أو نفور، بل حماس عجيب، وجه عمر بصره نحو أرنبة الذي أشعره بالأمان يومئ له بأن يرد وبالفعل رد عمر عليها ببعض الخجل:
_ وأنا عمر.
أمسك حربي يد عمر سريعًا يهتف بتعجل:
_ لا يلا عشان كده ممكن نقعد تلت سنين في الشارع وأنا عايز أوريك حاجة أرنبة قالي عليها.
ارتجف جسد عمر مما قاله حربي، ماذا يقصد بقوله هذا؟ هل أخبره أرنبة بشيء، نظر عمر أمامه ليرى حربي وأرنبة يتبادلان الحديث بحماسٍ يحاولان إشراكه ولكن يكتفي ببسمة وكلمة مقتضبة صغيرة ولكن خلفها آهات متألمة، قلب لا ينبض سوى بالخوف، كانتا عاليا وهبه يجلسان بالخلف يتبادلان الحديث حتى وصل أربعتهم وإلى جوارهم عمر إلى دريم بارك تلك الملاهي التي يذهب لها كبار وصغار.
نظر عمر نحو الملاهي بسعادة لم يتخِل أن يحصل عليها يردف بعدم تصديق:
_ إحنا هندخل الملاهي دي بجد؟
أومأ أرنبة بحنوٍ، بينما غمز حربي له يردف بحماسٍ:
_ أيوة ما دا اللي قاله أرنبة ليا واتفقنا عليه.
شعور بالأمان تخلله، صدق حديث أرنبة ولم يخبرهم بالفعل، يتعاملون كأنه طفل عادي مجني عليه وليس مغتصب جاني، أمسك أرنبة بيد عمر يذهب معه للداخل ليقطع التذاكر بينما أمسك حربي بيد عاليا يهمس لها بحبٍ:
_ على فكرة الملاهي دي مش لعمر بس.. دا لـ لوزة قلبي عشان تطير فيها.
ابتسمت عاليا بخجلٍ ممزوج بحبٍ، تزيد من إمسك كفه، ترسل رسالة واضحة بأنها سعيدة وبشدة بما يفعله لها وسط ما هم به، دلفوا سويًا ولكن كان قائد تلك الرحلة عمر، يختلر اللعبة التي يريدها ويدلفها الجميع معه حتى أندمج عمر بشدة بالألعاب وهذا الجو الدافئ الذي بدعه أرنبة وهبه وكذلك عاليا وحربي اللذان لم يتركا عمر بل ألحوا عليه بفعل بعض الأشياء المجنونة ليشعر بطفولته، أزاحوا خجله وما يشعر به وسط عائلته، أطلق كبته المختنق طوال هذه الفترة، فعل ما لم يستطع فعله وسط أسرته التي كانت المنشأ الأصل لهذه الشخصية التعيسة.
مضى النهار وسط لعب عمر حتى شعر بالتعب الوضح من كثر اللعب، فجلسوا خارج الملاهي يتناولون المثلجات، نظر نحو أرنبة بارهاقٍ قائلًا:
_ خلاص تعبت أوي.
_ تحب تروح دلوقتي؟
انتفض جسد عمر يحرك رأسه برفضٍ واضح، يتمتم بذعرٍ:
_ لالالا مش عايز.. عشان خاطري يا عمو خدني معاك ومتروحنيش.. مش عايز أرجع.
صُدم أرنبة مما قاله، بينما وقف حربي وكذلك الفتاتان من رؤية حالة الذعر التي تلبست عمر، حاول أرنبة الحديث بحنانٍ لعله يقنع:
_ يا عمر مش هينفع بابا أكيد هيسأل عليك وهيقلق...
قاطعه عمر بهياجٍ وذعر يتمسكه، يردف بانهيارٍ واضح:
_ مش عايز أروح مش عايز أشوفه تاني.. لو رجعت هرجع أخاف وهرجع لكل اللي عيشته تاني وأنا مش عايز كده.. هو السبب في وجعي لما صدق عمي ومصدقنش..
نظر نحو أرنبة برجاءٍ واضح:
_ أبوس إيدك خليني معاك عايز أكون في أمان وأنام من غير وجع كل ليلة عشان خاطر أغلى حاجة في حياتك.
تمنى لو استطاع الصراخ بهذا الطفل بأن يكف عن قتل قلبه، ماذا فعلت أيها الأب بابنك.. ماذا فعلت بفلذ كبدك!!
لقد أصبحت عدوه بدلًا من أن تكون حاميه!
نطق حربي لينهي هذا الجدل برفقٍ لعمر:
_ خلاص يا عمر هتيجي تعيش معانا.
نظر أرنبة له بذهولٍ بينما وقفت عاليا تبتسم لحربي برضٍ عما فعله، ارتمى عمر على حربي يشكره بدموعٍ تنهمر بغزارة قائلًا:
_ شكرًا يا عمو مش عارف أقولك إيه.
ربما ظن أن قرار صديقه خطأ ولكن ردة فعل عمر جعلته يعلم بيقين واضح أنه كان صحيحًا مئة بالمئة.
******
" يومين وأقابل المتحرش من المتحرشين الخاصين بالمشروع"
لطمت على وجنتها ما أن رأت تلك الرسالة، كيف لها أن تحضر متحرش بهذا الوقت القصير، فلن تستطبع احضار عز الذي تهجم على والدتها، ولا تستطيع أن تذهب بهذا الطفل لها فهو بالنهاية وقع عليه ضرر، نظرت للسماء بقهرٍ تردف:
_ يارب أنت عالم أنا شايلة في قلبي إزاي ومعبية خدلي حقي يارب.
جلسوا أربعتهم بالشقة محمد بينما كان عمر يلهو مع سالم حتى لا يسمع حديثهم، ليمسك حربي أرنبة الذي يهدر بعنف:
_ سيبني يا حربي على الولية الصعرانة دي.. هي موراهش حاجة غير تحرق في أعصاب الواحد.. يا أخي أعصابي لسه بايظة من كمية المتحرشين اللي قبلناهم.
دفعه حربي بقوة ليجلس على الأريكة وسط ضحك عاليا وهبه عليهما، ليهدر حربي بغضب:
_ ما تهدى بقى ومتخليش الواحد يغلط..
نظر باتجاه عاليا يتمتم باستفهام تأكيدي:
_ هات يا عاليا التلفون أقرأ الرسالة يمكن قرأتي غلط.
مدت يدها بالهاتف تناوله له، ليلتقطه سريعًا منها يأمل أن تكون تلك الرسالة خاطئة، ولكن صحيحة وسرعان ما جحظت عيناه عندما أرسلت مرة أخرى بطريقة فظة لها:
" وياريت تخلصي البحث وتوريني النتايج لإنك طولتي أوي وكده أوڤر هيقولوا عليا ايه"
انتفض حربي تاركًا الهاتف ينظر لعاليا بغضبٍ جامح يزمجر بعنفٍ:
_قومي يلا نطلع على الجامعة نقف نستناه نرنها علقة ونخلص يمكن تموت دا لسه ملقناش صرفه مع المديرة المدرسة ولا الباقيين والواد اللي قاعد معانا دا وأبوه ميعرفش عنه حاجة هي الولية دي عايشة عادي إزاي وطايقة نفسها.
اتسعت عينيها بصدمةٍ من حديث حربي لتهتف بنبرةٍ مذهولة:
_ أنت بتقول إيه!
_ بقولك إيه أنا ساكت وعمال استغفر واحترم نفسي بس دي عايزة قلة أدب عشان تلم الصعرنة اللي فيها دي.
نطق حربي بغيظٍ مكبوت، بينما أومأ أرنبة بتأكيد لحديثه، لتهدر هبه بعصبية:
_ ما خلاص بقى وخلونا نفكر في حل.. بنعمل كل مرة نفس الشو وفي أخر زي الكلاب بنجري ننفذ طلباتها.
نظر حربي بحرجٍ بينما أمسك أرنبة بيد هبه ليجلسها حواره قائلًا بحنقٍ:
_ ما تسبينا نتكلم ونبعبع باللي جوانا هتبقى أنتِ ووجيزة والزمن علينا!!
جلسوا جميعًا يحاولون التفكير بحل حتى هتف حربي بتفكيرٍ:
_ هي الحالة دي هتظهر يوم المناقشة؟
نفت عاليا برأسها تجيب بتأكيد:
_ لاء مينفعش دي دراسة حالة.
ابتسم حربي باتساع يجيب بلهفة:
_ خلاص نجيب حد يمثل إنه متحرش؟
ألتمعت عين عاليا وهبه بالفكرة، كيف لم تأتِ لعقلهما لتسرع بالحديث:
_ حلوة أوي الفكرة دي بس مين هيعمل دور المتحرش؟
وجه حربي نظره لأرنبة الذي جحظت عيناه يهدر بغضبٍ:
_ لا يا حبيبي مش هبقى اتنين في واحد.. عايز أنت براحتك إنما أنا كفاية عليا اللي بتحرشوا بيا.
عبست ملامح هبه بضيقٍ وما كادت أن تتحدث بدلالها حتى أوقفها أرنبة يشير بتحذيرٍ:
_ لو قُلتي أرنوبي هاكل دماغك.. مسمعش صوتك.
جلست هبه بصمتٍ تنظر له بضيقٍ، بينما عبست ملامح حربي يردف بتذمر:
_ وأنا مش هينفع شكلي محترم زيادة عن اللزوم.
أومأت عاليا تأكد حديثه، حتى استمعت لصوت المفتاح يوضع في الباب ثم دلف والدها بخطواتٍ متعبة، ولكن على شفتيه بسمة سعيدة بأن اليوم هو الخميس وسوف يأخذ قسطًا من الراحة، ألتمعت عين عاليا بحماسٍ تصيح:
_ بابا تعالى يا بابا عايزينك!!
نظر أرنبة لها بتعجب، بينما هتفت هبه بصدمة:
_ متقولش إنه هو الـ...
أومأت عاليا بإيجابٍ والحماس يكاد يقفز من عينيها، بينما ابتلع حربي لعابه يشعر بمصيبة ستحدث الآن.
جلس محمد على الأريكة وما هي إلا دقائق حتى انتفض محمد بعد سماع طلبها قائلًا بحدة:
_ نعم يا روح أمك منك ليه!!
_ وأمي مالها بس يا عمي!
قالها أرنبة بعبوسٍ، بينما نظر لهما محمد بشرٍ يبدأ بنزع حزامه قائلًا:
_ أمك معرفتش تربي يا حبيبي عرفت أمك مالها.. تعالوا بقى عشان شكل الجواز نساكِ القرود يا عاليا أنت والشامبنزي اللي جنبك.
جحظت عين عاليا تفر هاربة من أمامه نحو غرفتها ولكن ألتقطها محمد ببراعة فهو مدرب على هذا منذ سنوات، ولكن تلك المرة استطاعت عاليا أن تغلق الباب خلفها، بينما هربت هبه للشرفة بعدما طالها نصيب عنيف من الحزام يهتز المنزل من صراخهما المتألم، فأغلقت باب الشرفة عليها بتأكيدٍ خوفًا منه.
ظل حربي وأرنبة ينظران لما حدث حتى تفاجأ بركض وداد لغرفتها وإغلاق الباب جيدًا قبل أن يقترب محمد منها، شعر حربي بالقلق منه، لذا قرر الفرار وما أن نهض يهتف بتوتر:
_ طب استأذن أنا آآآه إيه يا عمي العنف دا!!
وضع يده على مؤخرته بعدما تلقى ضربة قاسية عليها، ينظر نحو محمد الذي دلف بحالة هياج، بينما ابتسم محمد بشرٍ متمتمًا:
_ لا ما النهاردة في حد هخليه يبقى قرد والاختيار موفق طلع عليكوا.
اتسعت عين كلًا من أرنبة وحربي ليركضان بالردهة وخلفهما محمد الذي يكيلهما بالضرب بقوةٍ، ليصرخ أرنبة بألم:
_ طب أنا مالي واحد وحماة أنا بتحشروني ليه؟؟
_ الحزام يحب الزيادة يا حبيبي.
_ وصحتك آآآه دي بتحب الزيادة؟؟
حوار قصير ولكن يعلو صوت صرخاهم، ليزداد غضب محمد متمتمًا:
_ بتحسدني يا حيوان ليلتك قرود معايا!!
_ الكنبة يا حربي الكنبة.
صرخت عاليا بتلك الكلمة ليركض حربي نحو الأريكة يختبئ أسفلها بينما تكوم أرنبة بطريقة عجيبة أسفل الأريكة الأخرى ولكن بشكلٍ أصغر من الأخرى، ليهتف محمد بغيظٍ:
_ أنا قاعدلكم لما نشوف هتخرجوا إزاي!!!
*****
_ الحمدلله إن أبوكِ نايم!!
نطق حربي براحةٍ بعدما هربوا سريعًا من الشقة، يجلسون في أحد المطاعم يفكرون بحلٍ، ليزفر أرنبة بضيقٍ:
_ ما حتى عمي سالم غلبان متحسش إنه متحرش أبدًا..
أومأت هبه بضيقٍ، فوالدها مهذب بطريقة واضحة بملامحه، لتردف باختناق:
_ ليه يا بابا مطلعتش منحرف.
لكزها أرنبة بقوةٍ جعلتها تتأوه، ليهتف سريعًا:
_ طب جربي رني عليه كده يمكن ينفع إحنا عايزين حد يمثل وخلاص.
نظرت نحو صديقتها التي أومأت لها بالإيجاب، وبالفعل أجرت أتصالًا يعلو صوت المكبر ليجيب سالم بتعجب:
_أيوة يا هبه في حاجة؟
_ بصراحة آه عايزاك تعمل دور متحرش!
ردد باستنكارٍ:
_ أنتِ هبلة يا بت؟؟ متحرش إيه وأنا خاتم المصحف!
ابتسمت هبه ببلاهة تردف بصدمة:
_ يعني مينفعش نص ساعة أنحراف؟
استمعت لصوت أغلق الخط بوجهها، لتنظر لهم بحرجٍ قائلة:
_ شكله مش عجبه النص ساعة.
مسح حربي على وجهه باختناقٍ يفكر بحلٍ لحل تلك الورطة، ثم نظر للتلفاز ورأى ذلك المسلسل التركي حتى تذكر صديقه الذي يعلم عدد من المسجلين خطر، ليهتف بفرحة:
_ لقيتها يا عاليا لقيتها.
نظر له الجميع باهتمامٍ، ليكمل بحماسٍ:
_ عندي صاحبي يعرف ناس مسجلين خطر هنروحله ونعرف منه متحرش ندفعله قرشين يعمل دور قدام اللي اسمها وجيزة.
استحسنت عاليا الفكرة، لتهتف بحبٍ:
_ طول عمرك دماغك ألماظ.
ابتسم بحبٍ يبادلها تلك المشاعر، ولكن قاطع تلك اللحظة صوت أرنبة المستنكر:
_ مش وقته يا أخويا منك ليها أنجزوا.
رمقه حربي بنظرة مغتاظة يتوعد له بقطع لحظاته بينما تحرك أرنبة خارج المطعم مع الفتايات ليغادروا نحو صديق حربي الذي لا يعلمون هويته
******
طرق حربي على الباب ينتظر أن يفتح صديقه، وما أن فتح حتى جحظت عين أرنبة يلقي صفيرًا عالي هاتفًا:
_ أوعى البوكسر عالي الجودة.
لكز حربي أرنبة بقوةٍ، يزمجره بغضبٍ:
_ احترم نفسك يالا!!
نظر له بضيقٍ يردف بتبرير:
_ الله وأنا مالي هو في حد يلبس بوكسر مليان ريش.. دا موضة بطلت من أيام التسعينات.
ركض صديق حربي للداخل ليرتدي ملابسه ثم عاد لهم مرة أخرى يهتف ببعض الحرج:
_ آسف فكرتك الشغالة.
اتسعت أبتسامة أرنبة، ثم غمز له قائلًا:
_ يا نمس والشغالة بتحب الريش أوي كده!
مسح على صدره قائلًا وهو يعض شفتيه:
_ أوي أوي.
ألقى حربي الوسادة بوجهه، يصيح بغضبٍ:
_ ما تحترم نفسك يا سُليمان.
_ سُليمان! دا إيه مسلسل حريم السُلطان بالنسخة الهابطة دي!!
حدجه بنظرة شرسة ليصمت، بينما هتف سليمان بتوترٍ:
_ خلاص يا حربي بهزر يا أخي.. قول عايز إيه؟
زفر باختناقٍ من حديث بلا فائدة ليهتف بضيقٍ:
_ عايز أأجر متحرش.
ذهول ملأ قسمات وجهه، يتمتم بتعجب:
_ أول مرة أسمع كده..دايمًا يقولك حرامي بلطجي إنما متحرش دي جديد.. متحرش إيه اللي عايز تأجره يا..
صمت فجأة ثم اقترب من حربي قائلًا بهمس:
_ لو عايز تتحرش بحد ومكسوف ومش عارف قولي وأساعدك يا حبيبي سرك في بير.
اتسعت عين أرنبة بصدمةٍ ثم أنفجر ضاحكًا، بينما صفعه حربي على مؤخرة رأسه يردد بغضبٍ:
_ ما تحترم نفسك يالا.. دي مهمة بريئة وهيرجع وكله بحسابه.
_ برئية.. قالك بريئة.. أنت هتستعبط يا حربي متحرش إيه اللي عايزه في مهمة بريئة هيـ...
كاد أن ينطق بكلمة ذات معنى وقح ولكن هدر حربي بصراخ:
_ ما تخسر وتحترم نفسك.. دا بحث هيروح معايا ساعة ويرجع.
زفر سليمان براحةٍ يجيبه:
_ لا إذا كان في العلم.. فأنا بحب العلم أوي.. وهجبلك واحد بص متحرش من الدرجة الأولى كده حاجة لوز وتتقشر.
_ أنت هتبعلي منتج ما تخلص عايزه ساعة زمن ويروح بيته مش أكتر هيقابل حد هيسأله كام سؤال وخلاص.
ردد ذلك بنفد صبرٍ، ليردف سليمان ببسمة متسعة متحمسة:
_عليك وعلى حمدي.
شهق أرنبة بخوفٍ يردف بذعر:
_ حمدي الوزير!!!
نفى سليمان سىيعًا يردد بتصحيح:
_ لاء دا بتاع التمثيل أنا قصدي حمدي الأشقر.
_ يا نهارك ونهاري ونهاره مش معدي! حمدي الأشقر يا سليمان الأشقر!
عبست ملامح سليمان من فزع حربي عندما استمع لاسمه، يعلق بضيقٍ:
_ يابني دا متجرب وكويس.
نفى برأسه نفيًا قاطعًا، ليسأل أرنبة بتعجبٍ منه:
_ ماله الأشقر يا حربي؟
نظر حربي بسخطٍ نحو سليمان قائلًا:
_ تقوله ولا أقول؟
زم شفتيه بضيقٍ، يجيبه ببراءة:
_ هو بس مفيش حد بيعدي من تحت إيده إلا وبيسيب بصمته.
أومأ أرنبة بعدم فهم، قائلًا:
_ مش فاهم فين المشكلة؟
علق حربي بتأكيد:
_ بقولك محدش بيعدي من تحت إيده إلا وبيسيب بصمته.. يعني سواء راجل أو ست.
فزع أرنبة مما تفوه به، ليومئ سليمان بتأكيدٍ هاتفًا:
_ حصل وأنا شاهد على كده.
رفع حربي حاجبه باستنكارٍ يردف ببسمة صفراء:
_ ما تقوله الدليل!
توتر سليمان قليلًا، ليهتف حربي بذات البسمة:
_ الأفندي عرفه من أتوبيس.
ضيق أرنبة عينيه بشكٍ لما أتى بخاطره، ليجيب حربي على هذا الشك:
_ أيوة هو اللي في دماغك.
انتفض أرنبة يمسك بجسده بخوفٍ، بينما أرتفع رنين جرس الباب بشكلٍ مفاجئ، تعجب سليمان من الأتي فلقد أخبر الشغالة بعدم القدوم، ذهب ليفتح الباب وصُدم بشدة، ليهتف بصوتٍ جعل حربي وأرنبة يحتضنان بعضهما برعبٍ:
_ حمدي الأشقر!!!!