رواية اشتد قيد الهوي الفصل الحادى عشر 11 بقلم دهب عطية

 

 رواية اشتد قيد الهوي الفصل الحادى عشر بقلم دهب عطية


وإنني وبكل صراحة قد اعتدت على السقوط في بلايا الحياة حتى لم يعد لعنصر المفاجأة مكان في قلبي.. لكن أن أقع في بلوة الحب؟!
فهذا لأمرٌ جليل...يحتاج إلى كثير من التأني قبل الفرار !.....
_______

إنهما شريكان في المصائب كلما تواجد أحدهما لحقت به الفوضى وعمّت على الآخر... يسلكان دائمًا المنعطفات الخطرة معًا والغريب أنهما يضحكان في وجه العواقب وكأنها دعابة يسمعانها لأول مرة !...

كان يقف هو وسلامة في الممر الذي تقع فيه مكاتب الضباط وعلى الجانب الآخر كان ذكي ورجاله يقفون في انتظار التحقيق معهم حول أسباب الشجار....

مالى عليه سلامة قائلا بخفوت...

"انا هقولهم جوا انك ملكش دعوة بحاجة..انت كنت معدي وشوفت العركة فكنت بتسلك بينا...."

التوى فك أيوب تشنجًا وهو يرد عليه....

"مش هيصدقوك ياحلاوة....في ناس شاهده اني أول واحد بدأ العاركة...."

هتف سلامة من بين اسنانه ببغضًا....

"بس هما اللي جم علينا...كان لازم ندافع عن نفسنا...."

هتف أيوب بصوتٍ عالٍ متوعدًا....

"محضر قصاد محضر اما نشوف اخرتها...."

"خارجين من غير ولا خدش....وكمان عايزين تتعرضوا على كشف طبي...."

صاح ذكي بتلك الكلمات بشراسة يشوبها الغل وهو ينظر إليهما بينما كانا ينظران إليه باستهانة وابتسامات واسعة على وجهيهما التي لم تُصب بخدش واحد بينما ذكي ورجاله نالوا قدرًا كبيرًا من الضربات بالحزام الجلدي والقطعة الحديدية التي تحويه...

قال سلامة بسخرية قاتمة....

"على الاقل احنا ممسكوين مش معانا سلاح
الدور والباقي عليكم......"

بينما اضاف أيوب ببرود....

"ان شاء الله من سنة لتلات سنين... هبقا اجبلك عيش وحلاوة...." 

نظر إليهم ذكي ورجاله بنظرات يملؤها الغضب
المكتوم.... بينما أضاف أيوب شامتًا...

"ومتنساش برضو ياسلامة انهم هيحللهم... والتعاطي عقوبة لوحدها...." 

اتسعت عينا سلامة بنشوة وضحك بملء شدقيه وهو يمد كفه لأيوب فضرب أيوب
كف صديقه قائلًا بتسلية...

"بالشفى على قلبهم....."

"أيـوب....." 

استدار أيوب نحو مصدر الصوت الأنثوي الحاد
فرآها تقف على بُعد أمتار في الممر بكامل أناقتها كما اعتاد رؤيتها لكنها كانت منفعلة
إلى درجة أن عينيها تكادان تنفثان نارًا وهي تنظر إليه بغضبٍ مضطرم...

وقد أتت خلفها أخته نهاد وبنفس الحنق والغضب وزّعت نظراتها عليه وعلى صديقه
في اتهامٍ صريح بأنهما شريكان في كل كارثة تحدث تجرفهما معًا !....

بهت وجه سلامة وهو يغمغم بصدمة....

"كده اتقبض علينا بجد...." 

بعد فترة.....

خرجوا جميعًا من قسم الشرطة بعد إتمام إجراءات الضمان التي تولّتها نغم ومحاميها الخاص السيد عزيز.

وقفت نغم أمام سيارتها الفارهة ومدّت يدها مصافحة المحامي بامتنان حقيقي...

"شكرًا يا أستاذ عزيز... مش عارفة أقولك إيه..."

ردّ عليها عزيز بود....

"ما تقوليش حاجة أنا دايمًا في الخدمة... سلامي لي الوالد."

ثم انصرف إلى سيارته استقلّها وانطلق بها أمام أعينهم بينما استدارت هي تنظر إلى أيوب وصديقه بازدراء...

تبادل أيوب وسلامة النظرات بريبة فصاحت نغم بأمر قاطع وهي تشير إلى السيارة...

"اتفضلوا اركبوا يا بهوات ولا لسه في مصيبة تانية ما عملتوهاش؟"

زجرها أيوب بنظرة حانقة...

"إيه الأسلوب ده... براحة شوية.... محدّش قالك تدخلي."

هبت العاصفة في عينيها الرماديتين وقالت بانفعال....

"ومين كان هيطلعك من المصيبة دي؟ لولايا كان زمانك متحول للنيابة زيهم !"

لم يرد أيوب بل أشاح بوجهه كاظمًا غيظه عنها. فأضافت بسخط وهي تشير إلى سلامة بقرف...

"وإزاي ترجع تمشي معاه تاني بعد كل اللي حصل لك؟ دا إنسان مُعدي.. "

تجهم وجه سلامة واتسعت عيناه بصدمة متمتمًا بنزق...

"مُعدي؟!..... هو أنا بتهزق ولا إيه؟!"

هتف أيوب عابسًا....

"مش هنتكلم هنا..."

"صح.... اركب عشان نتكلم."

قالتها نغم بوجهٍ مكفهر وأشارت إلى سيارتها ثم إلى نهاد....

"يلا يا نهاد..."

سألتها نهاد بتردد..

"طب وسلامة؟"

مطّ سلامة فمه وقال بتهكم...

"أنا هاخد مواصلة... مش عايزين نعدّي الهانم... قصدي نتعبها."

نفد صبرها، فأشارت إليه بحنق...

"اتفضل اركب.... خلينا نخلص."

غمغم سلامة وهو يستقلّ السيارة من الخلف بجوار نهاد بينما جلس أيوب بجوار نغم التي تولّت القيادة.

"هي بتعاملني كده ليه؟ هو أنا قتلت لها قتيل؟!"

التوى ثغر نهاد وهي تجيبه بوجوم...

"لا..... وكمان بتسأل؟!"

أوقفت السيارة في مكانٍ منعزل على الطريق السريع ثم خرجت نغم وخرج خلفها أيوب بينما بقيت نهاد وسلامة في السيارة يتابعان ما يحدث بوجوه مشدوهة...

"ممكن أفهم ليه رجعت تصاحب واحد زي ده؟"

رد عليها أيوب بتعنت....

"دي حاجة ما تخصكيش."

هاجت مراجلها وهي تصيح بصلف...

"تخصني طالما شغال معايا... تخصني لأن أي حد شغال معايا بيمثلني ويمثل المكان اللي بيدخله عندي..."

ثم هزت رأسها مستهجنة بذهول...

"عركة على البحر.... سكاكين وحزمة... بتستعرضوا عضلاتكم إنت وهو؟"

هدر أيوب بعصبية مدافعًا عن نفسه...

"هما اللي بدأوا وجم لحد عندنا... إيه أسيبهم يموتوني؟"

رمقته بنظرة مدققة قبل أن تعقب بتشكيك..

"إنت مفيش خدش فيك يا أيوب..."

تلوت ابتسامته في تهكم قائلاً بجفاء...

"ودي حاجة تزعلك؟ ده بدل ما تقولي الحمد لله إنك خرجت منها."

تمالكت نغم أعصابها بقدر المستطاع وهي تسأله بصبر...

"العركة اللي حصلت دي كان سببها إيه؟"

رد بخشونة وهو يخرج علبة السجائر أمام عينيها الغاضبتين...

"بسبب خاتم سيادتك... ذكي مفكر إن سلامة اشتغله وسرق الفيلا ومقسمش معاه العكّمة."

صاحت بعداء...

"يعني برضو سلامة السبب؟"

دافع أيوب عن سلامة بحدة وكأنه ابنه...

"سلامة غلط آه بس هو وعدني إنه مش هيكرر غلطته تاني وبدأ يمشي عدل..."

"وعدك ؟!....

انتفض جسدها بغضب وقد انكمشت ملامحها بحنق بالغ والكلمات تنفلت منها كرصاصة طائشة اخترقت صدره فجأة بلا رحمة...

"تعرف...دي أول مرة اغير من راجل؟!..."

اختلج قلبه فجأة وتوقف دخان السيجارة في رئتيه. نسي إخراجه حتى اختنق فسعل بقوة وعيناه لا تفارقان وجهها المتّقد غضبًا... لكن هذه المرة تحديدًا كان خجلاً من حماقة ما تفوّهت به.

ماذا قالت؟!..

تغار من صديقه لأنه يهتم به ويدافع عنه؟
بل إنها تصرح وبأعلى صوتها أنها تغار من رجلٍ لأنه يحبّه ويهتمّ به...

متى أصبحتْ امرأةً متهوّرة؟...

متى فقدتْ انضباطها وحزمها معه؟...

أبعدت عينيها عنه قائلة بثبات تتوارى خلفه بقلبٍ يرتجف...

"إنت لازم تبعد عنه... لمصلحتك لازم تبعد عنه."

بقلبٍ يختلج بجنون ومشاعر عاصفة تلفّهما معًا هتف أيوب بضيق....

"لمصلحتي أنا؟ ما تدخليش في حياتي أكتر من كده..."

لوّحت بيدها تُخفي إحراجها وقالت بلهجةٍ مزدرية لتوهمه أنه خارج دائرة اهتمامها...

"ومين قالك إني بدخل؟ أنا جيت بعد ما أُختك كلّمت بابا...جيت وعملت اللي المفروض أي حد في مكاني يعمله."

ثم استرسلت نغم بنظرة باردة...

"ودي أوامر كمال الموجي لو عليا كنت سيبتك تعفِن في السجن..."

مال عليها أيوب وجهًا لوجه هاتفًا بشراسة ذكورية....

"لسانك عايز القطع..."

اشتعلت الحرب في عينيها وهي ترمقه شزرًا تردّ الصاع صاعين....

"وإنت محتاج تتربى من أول وجديد !"

تجوّلت عيناه بتأنٍ على ملامحها العابسة المتقدة غضبًا ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة جذابة وأرجع رأسه للخلف قائلًا بعبثٍ لذيذ..

"طب ربيني... أنا موافق أتربى على إيد واحدة حلوة زيك...بس إنتي بقا تقدري عليا؟"

قرع قلبها بين أضلعها بعنف وحركت أهدابها بتوتر ملحوظ فبلعت ريقها وهي تزجره بردٍ مسنّن..

"أنا أقدر على عشرة زيك !"

ثم رفعت ذقنها في تحدٍ أمامه...

تأتأ أيوب بشفتيه غير راضٍ عن ردّها، ثم قال بمنتهى العجرفة....

"أيوب عبدالعظيم... واحد مالوش اتنين !"

بالفعل فكنتُ سيدة نفسي حتى أتيتَ أنت واقتحمتَ حصني ثم هزمتني شرّ هزيمة...

لم تكن أنت بل الهوى..... ولولاك ما هزمني الهوى !....

"مناقشة حادة وكأنهم اتنين متجوزين..."

قالتها نهاد التي كانت تتابع شجارهما بنظرة مشدوهة لا تخلو من ملاحظات علمية حول مستقبل علاقتهما...

ضحك سلامة قائلا بمزاح...

"تفتكري مين هيشد شعر مين الأول...."

اعطته نظرة جانبيه وهي تقول بسأم....

"ليك نفس بجد؟!...من قلبك بتضحك؟....."

هتف سلامة مدافعّا عن نفسه.....

"من قلبي مظلوم والله مظلوم يادكتورة..هما
اللي اعترضوا طريقنا.... كان لازم ندافع عن نفسنا...مكنش قاصدي والله احط أيوب
في حاجة تانيه معايا... "

قالت نهاد بقسوة....

"مش ملاحظ ان كل اللي بيقربوا منك بيتأذوى...."

وكأنه تلقّى طعنة في قلبه فتغضنت زوايا عينيه بالحزن وقال بمرارة...

"بلاش توجعيني يانهاد.....محدش ليه مصدق اني اتغيرت وبحاول ابقى احسن من الأول..
بقالي شهر مستقيم... "

عقبت باستهزاء..... "شهر؟!...وقبل كده..."

هتف بصوتٍ محترق على جمر الخزي والندم....

"كنت بحارب نفسي....كنت بحاربها ولسه بحاربها...اديني فرصة وانا هثبتلك اني مش
وحش زي ما انتي شايفه...."

ابعدت عينيها عنه قائلة بازدراء قاسٍ....

"انا مش شايفه حاجة....وحش لنفسك كويس لنفسك.....انت لو بتصلح من نفسك دا عشانك
مش عشاني...."

انفجرت مشاعره كبركان ثائر وهو
يقول....

"لا عشانك....عشان تبطلي تبصيلي كده..."

سالته نهاد بتوتر.."وانا ببص إزاي يعني؟!..."

همس بصوتٍ مختنق معذب....

"بتكرهيني قرفانه مني...وندمانه...."

قالت نهاد بنبرة حازمة....

"هندم على إيه انت بتقول اي كلام....مفيش
حاجة تخليني أندم...."

شعرت بخفقات قلبها تتسارع وكأنها تصطدم بجدار صدرها أمام نظراته القوية المتفحّصة وكأنه كشف أمرها ولم يعد هناك فائدة من الإنكار...

لذلك ردّ سلامة عليها بنبرة خافتة صادقة إلى أبعد حد...

"أنا كمان ندمان يا نهاد... وأكتر منك..."

بلعت ريقها بصعوبة شاعرة بغصّة تتجمع في حلقها بينما جسدها ينتفض انتفاضة خفية... وسألته بجمود...

"ندمان؟! ندمان على إيه بالضبط؟"

داهم عينيها بنظرة قوية سطّر فيها الإجابة قبل أن يتفوّه بها...

"إني حبيتك..ندمان إني حبيتك يا دكتورة..."

هوى قلبها أرضًا تزامنًا مع دموع انسابت من عينيها. لم تعرف يومًا أن الاعتراف بالحب يمكن أن يكون مؤلمًا إلى هذا الحد...

وكأنه عرّى روحها قبل جسدها فأصبحت دون ساتر أمام عينيه القويتين القاسيتين...

أضنانا الحب حتى سقطنا جميعًا ضحايا !...
..............................................................
في فيلا كمال الموجي...

جلس على الأريكة في قلب الصالون الفخم.
تحدث معه كمال بهدوء...

"حمد الله على سلامتك يا أيوب..."

رد أيوب بنبرة يشوبها الحرج الشديد...

"الله يسلمك... أنا مش عارف أقولك إيه."

رفع كمال عنه الحرج قائلًا بنُبل...

"متقولش حاجة أنت خلاص بقيت واحد مننا.
وطالما وقعت في مشكلة يبقى واجب علينا نساعدك."

تبادل أيوب مع نغم النظرات وكانت تقف بجوار والدها القعيد..

وعندما التقت بعينيه لم تُطل النظر وأسدلت جفونها بصمتٍ غريب

بينما استرسل كمال بنبرة حازمة تحمل بين طياتها تحذيرًا....

"أنا مش هسألك ليه حصل كده معاك... بس ياريت تاخد بالك من نفسك.. أنت من الرجالة بتوعنا وصورتك قدام الناس تهمنا."

أومأ أيوب برأسه مقتضبًا...

"نغم هانم قالت كل اللي المفروض يتقال."

خفف كمال من حدته قائلًا...
"متزعلش منها... مهما كان اللي اتقال أكيد لمصلحتك."

أومأ أيوب مرة أخرى دون تعقيب بينما نظر كمال إلى ابنته وقال على مسامع أيوب...

"إنتي هتروحي بكرة الحفلة يا نغم... بلغتي أيوب بمعادها؟"

قالت نغم بصوتها الموسيقي الراقي...
"هاخد حسام... أيوب تعبان كفاية عليه اللي حصل النهارده."

تدخل أيوب قائلًا بصلابة...

"أنا معاكي مكان ما تروحي... ومش تعبان."

خفق قلبها معلنًا عن حالة الطوارئ بينما كانت عيناها تبحثان في عينيه عن ركيزتها بين الكلمات كالموج الثائر تلطمها دون سابق إنذار...

ثم سأل والدها مستفسرًا...

"هي حفلة إيه؟"

رد عليه كمال مبتسمًا....

"حفلة عيد ميلاد بنت واحد من رجال الأعمال اللي بنتعامل معاهم. عزمني لكني اعتذرت ونغم هتروح مكاني."

عاد يسأل..."وعلى الساعة كام؟"

رد كمال بنفس الهدوء....
"الساعة دي تحددها نغم معاك على حسب ما تخلص لبسها. كل اللي أعرفه إنها بكرة بالليل."

عادت نغم تُصر على رأيها بحنق..

"أنا من رأيي أيوب يرتاح بكرة و..."

قاطعها أيوب بحمائية تحتويها بقوة فتغرقها بقسوة !....

"إحنا اتفقنا إن أنا اللي هكون معاكي في كل حتة مش حسام..."

قالت بغرور تحاول أن تقسو في الرد قدر المستطاع لعلها تنجو من هذا الشعور الخطير..

"حسام قائد حرس وفاهم في الحاجات دي أكتر...."

تشنّج في الرد وهو يقف منفعِلًا....

"طب وليه عينتوني من الأول طالما هو فهمان؟!"

بنفس البرود نظرت إليه وقالت....

"والله دي وجهة نظر كمال الموجي... هو اللي يرد عليك فيها... "

نظر له أيوب بنفاد صبر...

"رد بقى يا باشا..."

يبدو أن والدها كان منسجمًا مع مناوشتهما وعندما وصل الأمر إلى ذروته بينهما رد على أيوب بأمرٍ قاطع....

"أيوب هو اللي هيكون معاكي يا نغم... كده هطمن عليكي أكتر."

عدل أيوب ياقة قميصه وبابتسامة واسعة تقطر زهوٍ قال بظفر....
"قولها... ياريت نسمع الكلام بقى... وكفاية عناد."

جزّت على أسنانها وهي تنظر إليه بعينين تقدحان شررًا...

...............................................................
شعور هائل من الألم يجتاح صدرها تشعر أنها ليست على ما يرام وكأنها تجلس على صفيح ساخن...

لقد اعترف بحبها... وكان يعلم أنها تحبه. اعترف أنه يندم مثلها على هذا الشعور الخاص ويتمنى أن يتخلص منه يومًا...

مثلها تمامًا !...

"إنتي هتفضلي واقفة في البلكونة يا نهاد؟ مش عندك جامعة بكرة؟"

توقفت سيل أفكارها بعد سماع صوت ندى التي اقتربت منها وأسندت ذراعها إلى سور الشرفة وسألت باهتمام..

"مالك يا نونا؟.... مين زعلك؟ شكلك مضايقة... الدكاترة قارفينك؟"

مطّت نهاد شفتيها وهي تنظر إلى الشارع متنهدةً بحنق...

"كالعادة هما بيبطلوا يصعّبوها علينا أكتر ما هي صعبة..."

قالت ندى باستفهام...

"بس إنتي ما شاء الله عليكي محبوبة في الجامعة وكل الدكاترة بيحلفوا بشطارتك واجتهادك..."

قالت نهاد بمراوغة وعيناها تهربان من النظر إلى أختها...

"وما زلت الحمد لله... بس يعني ضغوطات الدراسة بتطلعني عن شعوري..."

"أنا كده كده شوية وهدخل أنام... هشرب النسكافيه وأنام..."

ارتفع حاجب ندى بسخرية وعقّبت..

"تشربي نسكافيه وتنامي؟! دي جديدة..."

تأففت نهاد وهي تقول بقلة صبر...

"ندى ما تضغطيش عليّا أكتر من كده... قولتلك مفيش حاجة..."

ربّتت ندى على كتف أختها وقالت بنبرة متيقنة..

"هو فيه بس براحتك... منين ما تحبي تحكي أنا موجودة..."

ابتعدت ندى ودخلت إلى غرفتها بينما بقيت نهاد مكانها تقف أمام سور الشرفة وتضم الكوب بين راحتي يديها وعيناها شاردتان في السماء الداكنة والنجوم اللامعة فيها...

صدح هاتفها في جيبها فدسّت يدها وأخرجته ثم نظرت إلى الشاشة المنيرة برقم غير مسجّل....

فتحت الخط ووضعته على أذنها هامسةً بصوت هادئ رقيق....

"ألو... السلام عليكم..."

لم يردّ المتصل السلام، ولم تسمع سوى صوت لاهث رجولي خشن كمن يحارب الكلمات لتخرج وعندما لم يُجدِ نفعًا هتف باسمها مختصرًا الكثير عليها..

"نـهـاد..."

عندها ارتجفت يدها وكاد الكوب أن يسقط منها لولا أنها تداركت الأمر فوضعته جانبًا ثم جلست على المقعد الوحيد في الشرفة...

ربما تجد فيه ركيزتها ومع ذلك تشعر أن المقعد يهتز بها... ربما العالم كله يدور بعد سماع صوته بعد أن تجرأ على محادثتها عبر الهاتف...

هل تُغلق الخط؟ أم تنتظر القادم؟ هل أصبحا حبيبين الآن ولم يعد هناك ما يُخفى؟

إنها لم تعترف بشيء. ستُنكر... ستُنكر تلك المشاعر الخاصة مهما كلفها الأمر. ستُنكر...

بصوت مبحوح معذَّب سألته...

"جبت رقمي منين؟...." 

رد سلامة ببحة خاصة لمست قلبها الثائر
بين اضلعها...

(معايا من أول ما أيوب اشتراه ليكي... وانتي
في ثانوي....)

سالته بتردد...

"ليه محتفظ بيه؟..." 

رد بحيرة حقيقية....

(مش عارف..... لقيت نفسي حفظته...) 

قالت بخفوت.."يمكن عشان ارقامه مميزة..." 

رد عليها بلهفة...(ويمكن عشان رقمك انتي) 

سالها متنهدًا.....(انتي فين؟...) 

إجابت بايجاز..... "في البلكونة...." 

استجداها بصوتٍ حاني...(ينفع نتكلم شوية...) 

على هدير قلبها كأرنب مذعور..... 

"هنتكلم في إيه...." 

هتف سلامة بجرأة.....
(في اللي قولناه في العربية....) 

قست عليه بنبرة غليظة....

"انت فاهم غلط انت بنسبالي زي أيوب.." 

سألها سلامة بمرارة.....(متاكدة؟....) 

ارجعت غرتها للخلف بعصبية قائلة بحنق
شديد......

"أكيد انا مش عارفه ليه تخيلت اني ممكن أكون....." 

سالها بحرارة.......(تكوني  إيه....) 

صاحت نهاد بضيق..... "سـلامـة...."

هتف بعاطفة جارفة.....

(قوليها لو حتى بالكدب يانهاد انا راضي..) 

قالت بصوتٍ مرتبك خائف... 

"اللي بيحصل ده مش صح...." 

اوما سلامة معترفًا بتولة...

(عارف بس بلاش تنكري وتكدبي...انا عارف
من زمان.....ومتأكد زي ما متأكد اني بحبك من أول ما وعيت على الدنيا وشوفتك...) 

وضعت يدها على قلبها المرتجف كحال جسدها بعد سماع اعترافه... كلمات ليست كغيرها تلمسها تحتويها وتُضعف فؤادها بقربه...

"أرجوك ياسلامة اقفل الموضوع ده... وبلاش
ترن عليا تاني.... عشان أيوب....." 

وافق مذعنًا وهو يخبرها بلهفة......

(حاضر... بس انا كنت عايز اقبلك... عشان
تاخدي فلوسك...) 

سألته بثبات...... "فلوس إيه...." 

(الفلوس اللي جبتيلي بيها الأكل والعلاج...)

"انت لسه فاكر ؟!...." 

أومأ قائلا بجدية....

(ومش هنسى..خلينا نتقابل عشان تاخديهم..) 

ساد الصمت من طرفها للحظات فعاد يسألها
بصوتٍ أجش.....

(ساكته ليه.....هنتقابل ؟!) 

بللت شفتيها وهي تندفع بمجازفة....

"ممكن بكرة الساعة تسعة.... عند الترام....." 

ابتسم وهو يقول بشوق....

(موافق....المهم أشوفك....) 

نادت عليه بصرامة محذرة.... "سـلامـة...." 

(أيوا يانـهـاد معاكي.....) 

قالها ببحة عذبة تدغدغ قلبها الولهان به.....

فقالت بصلابة زائفة....

"انا هنسى اللي قولته وهنسى مكالمتك و..." 

رد بنفس العذوبة المؤثرة....

(بس اوعي تنسي معادنا الساعة تسعة...) 

هتفت نهاد بتشنج مهددة....

"على فكرة لو أيوب عرف مكالمتك هيقتلك.."

هتف سلامة بصوتٍ عميق.....

(فداكي انا وعيلتي كلها...)

قالت بنبرة مرتجفة.... "انت زودتها أوي...."

اخرج زفرة طويلة ليقول بعدها بعذاب...

(عارف بس والله غصب عني صبري نفد هعمل
إيه.....)

زمت فمها حانقة..... "اسكت لو سمحت...."

ضحك بخفوت ثم أنصاع لأمرها 
بالقول.....

(حاضر هسكت....لو ده اللي يرضيكي...
هسكت....)

انهت المكالمة بسرعة هاربة....

"تصبح على خير..."

رد بصوتٍ شغوف... (وانتي من أهل الخير....)

أغلقت الهاتف ووضعته على صدرها وهي لا تُصدق هذا التطور المفاجئ الذي طرأ بينهما...

يحفظ رقمها عن ظهر قلبه منذ سنواتٍ عدّة
وكان يكنّ لها مشاعر منذ أن داهمتها هي خلسة !...

تلك الحقائق تضربها كالسوط تعجزها وتصعّب
محاولة نسيانه...

في حالتها الاستسلام لتلك المشاعر انتكاسة كبرى وهي لا تريد أن تصل إليها حتى وإن أصبحت المشاعر متبادلة بينهما ففي حالتها... النهاية محتومة بالفشل الذريع !

ورغم معافرتها لطرد مشاعرها ووقوفها في وجهه وإنكارها حتى اللحظة الأخيرة...

لن تقدر على إخفاء فرحتها بمقابلته صباح اليوم...

تأنقت أكثر من اللازم واهتمت بعناية بأدق تفاصيلها لتصبح اليوم أكثر إشراقًا وجمالًا
وهي تجلس على المقعد تنتظر الترام...

حتى أتى ومعه تسارعت خفقات قلبها
وعيناها لا تحيد عنه كما يفعل هو بالضبط...

اقترب منها سلامة وقلبه يرنو إليها مثل عينيه حتى تعثّر فجأة وكاد أن يسقط على وجهه...

فوقفت فجأة من على مقعدها وهمست بخوف...

"حاسب..."

فقال سلامة عندما وصل إليها بابتسامة واسعة
وعينين تنبضان بالكثير من المشاعر....

"جمالك لغبطني..."

بلعت ريقها بتوتر وهي تنظر إليه بثبات قائلة

"أنا متأخرة وعندي جامعة..."

قال سلامة بلهفة وعيناه تستجديانها...

"مش هنركب الترام؟... يخرجنا على الشارع..."

لاح التردد في عينيها، ولم ترد عليه فقال سلامة عابسًا...

"إنتي قلقانة من إيه؟ مش هاكلك على فكرة..."

ثم رفع يده بكيس المعجّنات الساخنة
وقال برفق....

"خدي جبتلك سينابون... تفطري بيه..."

لم تقدر على الامتناع أخذته منه وهي تقول
بتلقائية محبّبة...

"تعرف إن كان نفسي فيه أوي..."

أومأ برأسه معترفًا بعاطفة...

"عارف كمان إنك بتحبيه..."

رفعت عينيها إليه وزمّت شفتيها متوجسة بحنق...

"اعترافاتك دي بتقلقني أكتر..."

لانت نظراته نحوها أكثر وهو يبث طمأنينة إلى قلبها المرتاب...

"متخافيش يا نهاد... أنا ممكن أأذي الدنيا كلها
ولا إني أأذيكي... محدّش بيأذي نفسه..."

ثم عندما لمح الترام يقترب حثّها على الاقتراب قائلًا...

"الترام جه... يلا بينا..."

صعدت معه إلى الترام وجلسا بجوار بعضهما.
تحاشت النظر إليه وتعلّقت عيناها بالنافذة 
حيث يشق الترام الطرق والشوارع....

يمر بالمارّة والمحلات روائح البخور والأتربة المبلّلة بالماء التي يرشها البائعون أمام محلاتهم.....تلك الطقوس التي تبدأ صباحًا 
كي يعمّ الخير وتزيد البركة تمتزج معها رائحة البُن المحمص والويفر الذي يقف بهما البائع على الرصيف...

وبينما كانت تتمتع بالنظر إلى هذا المشهد الصباحي الرائع كان هو يملأ عينيه من وجهها البهي..فهذا أفضل شيء يبدأ به يومه رؤيتها...

داهم أنفها عبق السينابون بالقرفة فنظرت إلى الكيس على ركبتها ثم فتحته وأعطته واحدة
بينما أخذت الثانية وقالت بابتسامة جميلة...

"افطر معايا... مش بحب آكل لوحدي..."

أخذها سلامة منها ثم فتحها وأخذ أول
قضمة كانت هشّة قطنية الملمس تذوب في الفم ويتقافز مذاق القرفة والسكر ليتوحدا بطعم غني شهي...

رد سلامة بعدما ابتلع اللقمة الأولى..

"عندك حق تحبيه... طعمه حلو..."

لمعت عيناها باهتمام جلي وقالت بحنو...

"عجبك؟ أنا كمان بعمله في البيت بإيدي
وبيطلع أحلى من كده... هبقى أعمله ودوقك..."

قالها سلامة ببحة خاصة...

"طالما من إيدك... لازم يبقى أحلى..."

ثم عاد إلى السينابون وأخذ القضمة الثانية بشهية مفتوحة

بينما ابتسمت نهاد بعطف وهي تراقبه خلسة من أسفل رموشها...

فكان كطفل بائس... يحتاج إلى صحبة جيدة
وبعض الاهتمام، و... والحب !....

............................................................
كان جالسًا في السيارة الفارهة يحتل مقعد القيادة منتظرًا خروجها...

تأفّف وهو ينظر إلى ساعة يده فقد مرّت ساعة ونصف على انتظاره وكلما اتصل بها أخبرته أنها على وشك الانتهاء لكن لا شيء ينتهي هنا سوى صبره !...

سبق أنفه شذى عطرٍ أنثوي فاخر فرفع عينيه نحو النافذة ليراها تقترب منه متهادية الخطى متألقة تبرق كالقمر في تمامه...

حدّق فيها مشدوهًا بينما فمه اتسع قليلًا ببلاهة....

قالوا إن القمر يظهر ليلًا في السماء ما بال قمري يدنو إليّ متغنّجًا بأناقة وجمال عجزت أبجدية الحروف عن وصفه !....

كانت نغم ترتدي فستانًا أبيض أشبه بقطعة نور نُسجت من القمر ينسدل بنعومة على قدّها ويعانق خصرها برقة...

نُقشت عليه الورود بدقة مذهلة تتوزع على القماش كأنها نبتت عليه...

تدرجات خيوطها تتفتح عند أطراف الأكمام، وتتسلل صعودًا نحو الرقبة...

أما حذاؤها فكان عاجيًا يميل إلى البياض بكعب رفيع يشبه امتدادًا للفستان نفسه...

وشعرها كان منسدلًا بنعومة على كتفيها كخيوط ذهبية براقة تتناغم مع خصلاته البنية وقد وضعت زينة رقيقة على وجهها.. تُبرز جمالها دون تكلف...

بالكحل زينت عينيها الرماديتين فزادتهما جمالًا وأصبحتا كتميمة سحر تصيب كل من يقع عليهما...

كانت من أول خصلة في شعرها حتى أطراف قدميها... قمرًا قمرًا خُلق للتأمل فقط.

"اتأخرت عليك؟!"

قالتها نغم وهي تستقل السيارة بجواره
فقال أيوب بصعوبة وعيناه تجريان على تفاصيلها بنهم...

"ساعة ونص مستني... بس طالما دي النتيجة ليكي حق تتأخري..."

سألته بتلقائية... "بجد طالعة حلوة؟"

هتف أيوب بعمق وعيناه لا تحيدان عنها..

"طالعة قمر... أول مرة يكون القمر جنبي مش فوقي..."

توردت وجنتاها وعقّبت بحياء...

"معاكسة انتهت من الستينات... بس للأسف عجبتني !.. "

نظر أيوب أمامه قائلًا بزهو..

"وليه للأسف؟ أنا مبقولش حاجة وحشة...
المهم..."

أعطته نغم كامل تركيزها...

"ممم... إيه هو المهم؟"

سألها بنظرة تلمع باللهو..

"عينك دي ولا عدسات؟"

زمّت شفتيها وأجابته...

"لا عدسات..."

تبرم أيوب متمتمًا...

"كنت متأكد... مفيش أمل تغيري الإجابة..."

أطلقت ضحكة غاية في الأنوثة والرقي وهي تقول....

"أغشك يعني؟... ممكن يلا بينا ولا فيه أسئلة تانية؟... "

هتف أيوب متذكرًا بعبوس...

"فيه سؤال مهم... العنوان... معرفش العنوان!"

قالت نغم بهدوء...

"طب اطلع وأنا أقولك في السكة..."

نظر لها بطرف عينه..

"أوعي تتوهيني..."

عادت تضحك قائلة بشك...

"مش ممكن... دا انت تتوه بلد ! اطلع..."

أدار محرك السيارة ثم انطلق بها وأثناء ذلك سألها بتسلية...

"تحبي تسمعي حاجة لحكيم؟"

"أغنية إيه؟"

نظر إليها قائلًا بمداعبة صبيانية...

"عنيه بتشغل وتحير... مع إنه على الحب صغير..."

ارتدت قناع الجمود والصرامة وقالت بحزم..

"مش عايزة أسمع حاجة... بص قدامك."

تمتم محبطًا وهو يركّز على الطريق أكثر...

"بشوقك يا حلاوة..."

ارتفع حاجبها بصدمة وقالت بتكبّر...

"حـلاوة؟!.... فكرني أرفدك بعد الحفلة..."

ضحك أيوب دون تعليق.. بينما أدارت هي وجهها للجهة الأخرى مبتسمة... 

أصبحت لعبة القط والفأر محببة لديها في بعض الأوقات طالما هو خصمها المشاكس !
...............................................................
كان يقف بالقرب منها يتبعها كظل وعيناه تمشطان المكان بلمحة سريعة. حفلة فخمة منظمة تليق بالطبقة المخملية والكل في غاية الأناقة رجالًا ونساءً. الثراء يطغى على الجميع والتباهي يصرخ بصوتٍ صريح...

عاد إليها فوجدها تقترب من أحد الأصدقاء ترك لها مساحة خاصة وبقي على بُعد خطوات منها بينما اندمجت هي بصحبة رفيقاتها وتناست وجوده...

انتبه أيوب إلى شخصين الأول شاب في منتصف العشرينات يفيض شبابًا وقوة متأنق بحلّة فخمة. والثانية امرأة مكتنزة الجسد في أواخر الأربعينات لافتة للنظر بثوبها الأزرق القصير الضيق وزينتها المبالغ فيها وشعرها المصبوغ بالأحمر الناري...

وكأنها تتفنن في الظهور أصغر سنًا لكن كل ما بها يفضح أنها متصابية لا أكثر...

"رايح فين يا هيثم... اسمعني بس..."

نظر لها الشاب بضيق وزفر بتثاقل...

"وبعدين معاكي... عايزاني أعمل إيه أكتر من كده؟! أخوكي مش طايق يبص في وشي
حتى...... وانتي تقوليلي حاول معاه عشان يمول لك مشروعك ! طب إزاي يا عبلة؟!"

لوت ثغرها المطلي بحمرة فاقعة وقالت
برجاء...

"آه يا هيثم... حاول بس تبقى تحت طوعه وساعتها هتكسب ثقته واللي تطلبه هينفذه..."

زجرها هيثم بسخرية قاتمة..

"أخوكي مش بالسذاجة دي... فاكرة كل الناس زيك؟!"

جفلت ملامحها واتسعت عيناها بغضب وردّت بصدمة...

"تقصد إيه بكلامك ده؟!.... دا جزاتي إني سلمتك آخر مبلغ كان معايا... دا أنا خدته من ابني وادّتهولك وفي الآخر ضيّعته؟!"

هزّ رأسه مستهينًا...

"دا مبلغ عبيط ما يكفيش سهرة بنسهرها سوا..."

ثم قال بنبرة مغوية كوسوسة شيطان...

"انتي لازم تنسي أخوكي شكري خالص... وتركّزي مع ابنك... ما هو اللي معاه مش شوية..."

أطرقت عبلة رأسها قائلة بغيظ...

"مش هينفع يا هيثم... آخر مرة رمى الفلوس في وشي وطردني من المصنع..."

قال هيثم بلؤم....

"عشان أنا لسه في الصورة... لو طلعت منها هنعرف نسحب اللي إحنا عايزينه..."

رفعت عينيها عليه بحيرة...

"مش فاهمة... انت عايزني أعمل إيه؟!"

مال عليها هامسًا بمكر...

"عايزك ترجّعي ابنك لحضنك... ومش ابنك بس ابنك وأملاكه..."

ظهرت علامات الاستهجان على وجهها وقالت بتبرّم..

"وده يحصل إزاي بعد السنين دي كلها؟! انت ناسي إنه كبر وتربى بعيد عني..."

عانق هيثم خصرها وضمها إليه يداعب نقاط ضعفها الدنيئة... فجسدها ينصهر وشهوتها تُهزم أمام عنفوان شبابه !...

"أكيد مش ناسي... بس اللي متأكد منه إنك أمه... ومهما عملتي انتي أمه... وأكيد لو وقعتي في مشكلة هو أول واحد هيقف جنبك..."

بلعت ريقها وهي تذوب بين يديه وهمست بصعوبة..

"انت بتفكر في إيه يا هـيـثـم؟"

ابتسم هيثم ابتسامة جانبية بظفر وهو يرى تأثيره القوي عليها وذبذبات جسدها الهائم بين ذراعيه خير دليل...

"هرتب لها الأول في دماغي... وهقولك..."

قالت عبلة بميوعة...

"طيب... خلينا ننبسط... تحب نرقص؟"

"نرقص يا بيبي؟ وماله..."

وافق ورافقها إلى ساحة الرقص حيث تجمع الكثير للاستمتاع بتلك الفقرة.

امتعض وجه أيوب وهو يشاهد هذا الثنائي المثير للاشمئزاز متمتمًا...

"إيه العالم الغريبة دي..."

انتبهت نغم إلى تعليقه فقالت بدهشة..

"إيه الأجواء مش عاجباك؟"

لم يرد عليها أيوب بل ترك تعابير وجهه تجيب على سؤالها...

فقالت برقة...

"باين عليك... تحب نخرج برا شوية؟ في البارك؟"

رد عليها بحزم...

"مش هينفع أسيبك لوحدك..."

ردّت بتفهّم...

"اطمن... أمان... مفيش حاجة هنا..."

صمم على رأيه متشددًا...

"برضو مش هينفع..."

هزت نغم رأسها ضاحكة باستياء..

"طب أخرج وأنا هحصلك... أنا كمان اتخنقت ومحتاجة أشم شوية هوا..."

رفض بتزمت و بصلابة رأس كالفولاذ...

"رجلي على رجلك... انتي أمانة ولازم أحافظ عليها..."

رضخت له على غير عادتها وقالت بموافقة..

"بقيت أمانة خلاص؟! طب أنا خارجة معاك... اتفضل..."

"انتي الأول..." أشار لها بالتقدم أمامه فأومأت على مضض والابتسامة تداعب ثغرها من جديد...

-----------------

كان يراقبهما بعينين كذئب جائع ذئب ينتظر بصبر فريسته حتى تأتي اللحظة المناسبة وينقضّ عليها...

سأل أحد رجاله بنبرة غاضبة...

"مين الواد اللي لازق فيها ليل ونهار؟! دي مبقتش بتخرج غير معاه... فين بقيت الحرس؟.. "

أجابه المعنيّ بسؤال بهدوء:

"الحرس بيبقوا معاها الصبح... لكن أيوب عبدالعظيم... حاسس إن وضعه مختلف..."

رمقه شكري بنظرة تكاد تنفث نارًا...

"حاسس؟! هو أنا مشغّلك معايا عشان تقولي حاسس؟!"

أسبل الرجل عينيه قائلًا بحرج...

"أوامرك يا شكري بيه... تحب أجيبه لحد عندك؟"

رفض شكري وبلهجة صارمة أمر..

"لأ... أحب أعرف مين هو أيوب عبدالعظيم وإيه حكايته معاها... ساعتها نحدد مين يروح لمين... فهمت؟"

أومأ الرجل برأسه قائلًا بحذق...

"أوامرك... هجبلك كل المعلومات اللي تخصّه... من أول ما اتولد لحد وقتنا الحالي..."

لاح الرضا على وجه شكري وقال بهزل...

"جدع... هو ده الكلام... مش تقولي حاسس..."

---------------------------

"ليه الحفلة مش عاجباك؟"

سألته نغم وهما يسيران في الحديقة الواسعة أمام الفيلا المقام بها الحفل....

أجابها أيوب متبرّمًا بعدم ارتياح...

"مش شايف إنها حفلة عيد ميلاد لطفلة زي ما قولتي... شايفها حفلة مظاهر... مين أغنى من مين... ومين أشيك من التاني..."

مطّت شفتيها قائلة بعقلانية نسائية فذّة...

"كل الحفلات كده... ومش معقول رجال وسيدات أعمال هيجوا بخيش... انت اللي
مش واخد على جونا..."

ردّ أيوب بصوتٍ أجش...

"الحمد لله إني مش واخد... بس بالنسبة لجونا... أنا حاسس إنك مش زيهم... مختلفة عنهم..."

سألته بعينين جميلتين فضوليتين...

"إزاي يعني؟"

ردّ مختصرًا...

"يعني... فيكي قبول كده..."

ضاقت عيناها الرماديتين بشقاوة وقالت..

"قبول؟!.. شكلك ناسي أمنا الغولة اللي شبّهتني بيها !"

هتف بحياء ذكوري...

"قلبك أسود... أنا قلت لما بتقلبي بس..."

ابتسمت نغم دون تعليق وساد الصمت مجددًا بينهما... صمت ناعم تملؤه الألفة والسكينة...

قالت نغم بعد لحظات باعتراف هادئ...

"تعرف... إني بدأت أطمنلك..."

أخرج تنهيدة ارتياح ناظرًا إليها بجدية...

"طب الحمد لله... وبالنسبة للثقة؟"

قالت دون مواربة...

"أكيد هتيجي مع الوقت..."

توقّف أيوب عن السير وهو ينظر إليها...

"يبقى لسه مفكرة إن العزبي هو اللي زقّني عليكي؟"

لم تتوقف مثله تابعت سيرها متعمدة باباءها الأنثوي المغيظ وهي تخبره بصوتٍ هادئ لكن بين طيّاته الكثير...

"لأ... مظنش العزبي بيختار ناس من عينته... وانت مش زيهم يا أيوب..."

سألها دون أن يلحق بها...

"وليه بتقولي كده؟"

توقفت واستدارت إليه بكليتها وقالت بصوتٍ صريح كعينيها عند النظر إليه...

"عشان اللي زيك... مستحيل يكون مؤذي..."

هتف أيوب بتلقائية....

"ربنا ما يجيب أذى... أنا أفديكي بروحي يا نــغــم..."

ارتفع حاجبها بدهشة تزامنًا مع اختلاج قلبها... ورجفة انتابت سائر جسدها فجأة جعلتها كتمثال من شمع ظاهريًا، أما في أعماقها فالوضع أشبه بـ بلبلة... بلبلة مشاعر غريبة عليها !...

صدح هاتفها فجأة فأخرجها من حالة التيه تلك... تنحنحت مشيرة إليه بالانتظار ثم أولته ظهرها مجيبة على المتصل...

لاحظ أيوب ظلًا صغيرًا أسفل إحدى الأشجار المتنائية عن الضوء وسمع صوت نحيب خافت يصدر من هناك. أخرج هاتفه وأشعل الكشاف ثم اقترب بحذر من المكان...

حتى لمح طفلة صغيرة تقريبًا في  الخامسة من عمرها... تضم ركبتيها إلى صدرها وتبكي. كان في حجرها فستان زهري براق وكانت تتمتم بشكوى غير مفهومة... لكنها شكوى حزينة تنبئ باستياؤها من الجميع.....

لذلك قررت ان تبتعد عن هذه الأجواء الصاخبة وتجلس هنا أسفل الشجرة في ركن خافت الاضاءة بالكاد تُرى....

"ممكن قعد جمبك....أصل جوا خنقة أوي..."

قالها أيوب وهو يفترش الأرض بجوارها...

بينما زمت الصغيرة فمها ولم ترد عليه...

"شكلك زعلانه.....هو انتي مجبتيش هدية
لصاحبة العيد ميلاد...."

لم ترد الصغيرة مجددًا فقرر التحدث
بحذق...

"ولا يهمك....كرمشي مية جنية وادهالها...
هتفرح أوي...."

استفزها الحديث فردت عليه ببراءة....

"مية جنية؟!.....قصدك مية دولار...."

اتسعت عينيه وصاح مصدومًا....

"ليه...ليه مية دولار...انتي عارفه الدولار بكام
اي العملة اللي بقيتوا ببتعملوا بيها كأنها شوية
فكه دي...."

انكمشت ملامح الصغيرة اكثر باحتجاج...فعاد
أيوب يسألها بحنو.... 

"سكتي ليه تاني.....مين بس زعلك وليه قعده في الضلمة كده...."

قالت الصغيرة بتذمر....

"مفيش حد زعلني...ومش محتاجه اجيب هدية عيد ميلاد عشان انا صاحبة العيد الميلاد...."

اتسعت ابتسامة أيوب وهتف بجذل كطفلا
يقاربها عمًرا....

"بجد كل سنة وانتي طيبة....اسمك إيه بقا..."

ثنت حاجبيها في تقطيب بريء مجيبة
على مضض..... "رُبى....وانت...."

رد أيوب بألفة...

"أيوب......معنى إسمك إيه بقا...."

قالت رُبى ببراءة.....

"بابا بيقول انه معناه التله الخضرا اللي فوق الجبل عالية ومش اي حد يوصلها..واسمك؟.."

رد أيوب بصوتٍ أجش رائق.....

"هو على اسم النبي أيوب عليه السلام وكمان ليه دلاله عن الصبر والثبات عند الابتلاء..يعني
ربنا يجعلنا من الصابرين....." 

ثم اردف متذكرًا....

"مقولتيش ليه سايبه الحفلة وقعده هنا؟..."

اتخذ وجهها هيئة العبوس الصغير كزهرة أغلقت أوراقها فجأة....

"عشان مش عايزة أحضر...."

"ليه بس....دول صحابك مستنين جوا..."

احتواها أيوب بسؤاله الحاني المهتم والذي هو مفتاح لكل باب موصد !.....

قالت رُبى باستفاضة...

"فستاني اتقطع ومش عارفة هنزل بيه إزاي
كمان بابي قالي مفيش وقت.. والبس اي حاجة من فساتيني الجديدة اللي في الدرسنج روم.....بس انا عايزة فستاني اللي اشتريته
للحفلة..."

مط ايوب شفتيه ولاحت السخرية في
رده.....

"مشكلة كبيرة فعلا....تستحق الاحتجاج... "

سالته بعينين تلمعان بالدموع.... 

"انت بتتريق يا أنكل؟!...."

وامام هذه النظرة رفع الرايا قائلا بسرعة
معتذرًا.....

"لا بالله عليكي متعيطيش مقصدش...ربوش
متزعليش...."

اتسعت عينا الصغيرة بذهول.... "ربوش؟!...."

"بدلعك....."ثم ضرب راسه بكف يده متافف بحرج منزعجًا من نفسه.....معتذرًا مجددًا...

شكلي لبخت تاني....طب معاكي فكت عشرة دولار....انا خمسة وانتي خمسة.."

ابتسمت رُبى أولًا ثم انفجرت ضاحكة بعفوية
تشع لطف الصغار  ومع ضحكتها اتسعت ابتسامة نغم التي تتابع ما يحدث بصمت
تخفي حضورها لكنها تستمتع بما ترى
وعيناها لا تفوّت شيئًا....

"وريني الفستان يـا رُبى...."

أخذ أيوب منها الثوب ثم نظر إلى الشقِّ الدقيق فيه فإصلاحه يتطلّب مهارة...لكنه لم يمتنع عن مساعدة تلك الجنية الصغيرة الباكية لذلك قال بنبرة مطمئنة...

"دا قطع بسيط خالص ممكن يتصلح..."

ابتهج وجه رُبى وقالت بلهفة....

"بجد مش هيبان....الدادة قالت مش هينفع
يتخيط ولو اتخيط هيبان...."

عدل أيوب ياقة قميصه بزهو وقال.....

"في مثال عندنا بيقول ادي العيش لخبازة..."

على تعبير البلادة وجه الصغيرة وهي
تقول....

"انكل أيوب انت شغال في بيكري؟...."

هز ايوب رأسه مبتسمًا....

"تقريبًا....المهم تحبي ارجهولك زي الأول...."

نهضت رُبى من مكانها وبدأت تتقافز بمرح....

"ياريت يا أنكل....ياريت..."

اوما أيوب بإبتسامة حنونة.....

"خيط وابرة بسرعة.....بس من غير ما حد يشوفك...."

ركضت الصغيرة من الباب الخلفي الذي خرجت منه سابقًا لتحضر ما طلبه... 

بينما ظهرت نغم أمامه هامسةً باسمه بنبرة مندهشة ونظرة تلمع بالإعجاب وقلبها يهفو إليه اكثر من السابق....وكأنه شخصية خيالية
لن تقابلها الا بين السطور !....

"أيـوب...."

نهض أيوب ووقف أمامها سائلا....

"خلصتي مكالمتك؟!..."

"من بدري...."ثم سالته دون مقدمات....

" انت هتعمل إيه في فستان  رُبى ؟!...."

رد مختصرًا الأمر.....

"حاجة بسيطة مش هتخلي الحفلة تبوظ.."

مالت برأسها وهي تحدّق به عن كثب بينما هو مال برأسه على جنب مثلها سائلاً وهو في هذا الوضع....

"بتتعرفي عليا من أول وجديد ولا إيه؟!"

قالت بنفس عوجة الرقبة...

"مش عارفة..."

هتف أيوب ممازحًا...

"لو فضلنا عاوجين رقبتنا كده أنا وإنتي
مش هنعرف نعدّلها تاني..."

عدّلت رقبتها باستحياء بينما وجنتاها تتوهّجان على أثر حيرتها الغبية أمامه..

"أهي رُبَى جت..."

قالها أيوب وهو يستقبل الصغيرة التي أتت إليه ركضًا كما ذهبت.

"جبته يا أنكل..."

أخذه منها وقرص وجنتها قائلًا بملاطفة...

"تسلم إيدك يا ربوش..."

تمتمت نغم بحاجب معقود...

"ربوش؟!"

بينما زمّت الصغيرة فمها بعدم رضا عن هذا الدلال...

وتابع هو بتركيز شديد إصلاح الشق في الثوب اللامع الأشبه بثوب إحدى أميرات ديزني...

ساعدته نغم بإضاءة كشاف هاتفها وظلّ ثلاثتهم تحت الشجرة حتى لا ينتبه لهم
أحد من مدعوي الحفلة...

عندما انتهى أيوب بدا الثوب وكأنه جديد. ومن يراه لن يصدق أنه كان به شق دقيق يصعب إصلاحه...

"بجد شكرًا يا أنكل... ده رجع زي الأول!"

"يلا بقى بسرعة الحقي البسيه وانزلي احتفلي مع صحابك...عايزين نطفّي الشمع يا ربوش."

"أوكي... بس من غير ربوش..."

قالتها الصغيرة وهي تركض إلى الداخل من الباب الخلفي والثوب في يدها تعانقه بقوة وكأنه أفضل شيء حصلت عليه اليوم....

قالت نغم بنظرة مندهشة تشعّ إعجابًا...

"بجد مش مصدقة إنك صلحته... إنت مش بس شاطر في رسم التصاميم إنت خياط شاطر كمان..."

قال أيوب بصوت أجش هادئ

"لازم أكون شاطر في الاتنين... طالما مرتبطين ببعض..."

سألته بنظرة تشع فضولًا....

"مش هتحكيلي حكايتك؟!"

ضاقت عيناه وهو يسأل...

"عندك فضول تعرفي؟"

أومأت برأسها مؤكّدة.... "بصراحة... آه."

"يبقى هتستني كتير..."

قالها بغلظة وهو يبتعد ذاهبًا إلى الحفلة التي كان قد تركها سابقًا باختناق...

همست غاضبة.."قليل الذوق..."

ثم لانَت ملامحها مع نظرة عينيها بعدما استعاد ذهنها ما بدر منه نحو رُبى الصغيرة.

تجمّع والدا رُبى وأصدقاؤها حول طاولة الاحتفال ليُطفِئوا الشموع الموضوعة على قالب كعكٍ كبير وردي اللون كلون فستانها الجميل الذي تألقت به وسط المدعوين.

كانت تُشبه الجنيّة بجناحين مُثبتين برقة على ظهرها كبيرين بما يكفي لإثارة الإعجاب لكنهما خفيفان شفافان ومرصعان بلمعة ناعمة تشبه أجنحة الفراشات وكانت تتحرك بهما بخفة.

وضعت على شعرها تاجًا براقًا وفي يدها عصًا سحرية لتكتمل صورة جنيّة الأحلام...

ابتسم أيوب وهو يرى لمعة السعادة في عينيها وفرحتها بفستانها الوردي وتمايلها يمينًا ويسارًا لتُري صديقتها جمال إطلالتها...

علت أصوات الأطفال بالغناء لها بينما وقفت كالأميرة توزع ابتسامتها عليهم ثم عند الانتهاء حملها والدها لتُطفئ الشموع وهو يُهلل بسعادة مع أصدقائها بينما كانت تضحك بقوة بين ذراعيه...

استقلت نغم السيارة بجواره وقالت بابتسامة جميلة...

"الحفلة كانت حلوة أوي... رُبى كانت طايرة من الفرحة بفستانها..."

تحرّك أيوب بالسيارة وهو يشاركها
الحديث بنشوة...

"تعرفي إني حبيت اسمها أوي.. لما أتجوز هسمي بنتي رُبى... رُبى أيوب عبدالعظيم..."

زمت شفتيها معترضة....

"تحسها تقيلة شوية...." 

"بالعكس دي أ..."

توقّف عن المتابعة وهو ينظر إلى المرأة الأمامية ثم إلى التي بجواره وقال متوجسًا فجأة...

"العربية دي ماشية ورانا من ساعة ما 
خرجنا... ليه؟.. "

نظرت نغم خلفها بسرعة وحدّقت للحظة في السيارة التي تسير خلفهما مباشرةٍ تتبع
طريقهما دون أن تسبق أو تتأخر...

أمرها ايوب بصوتٍ خافت محاولا ان
يبدو هادئًا...

"اربطي الحزام..."

امتدت يدها ببطء نحو الحزام دون أن تحول نظرها عن السيارة وقلبها بدا يخفق بعنف
مرتعبًا.... بينما يدها ترتجف وهي تسحب الحزام وتثبّته في مكانه.

زاد أيوب من سرعته قليلًا ثم راقب السيارة الخلفية عبر المرآة... فلم تتردد بل زادت سرعتها معه بنفس الوتيرة......
................................................................
لو سمع أحد خفقات قلبها وارتجاف جسدها الملحوظ لظن للوهلة الأولى أنها مراهقة صغيرة في عمر السابعة عشرة وليست امرأة في سن الثانية والثلاثين سبق لها الزواج سبق لها الحب والمعاشرة بل وسبق لها أن أصبحت أمًا لابنة قاربت على العشر سنوات...

ماذا به قلبها؟ يعلو بجنون كلما اقتربت من تلك الشقة كلما صعدت عند برج الحمام كلما تقابلا صدفة قبل الشروق...

صدفة بالنسبة له أما هي فتتعمد الظهور أمامه ولا تعرف سببًا لهذا التصرف المتهور الذي لا يخرج من امرأة مسئولة....

في الحقيقة هي تحب رؤيته والتواجد بالقرب منه يشعرها بالأمان بأن العالم مازال بخير طالما هناك رجال صالحون مثل... صالح الشافعي.

حتى نطق اسمه سرًا يصنع فوضى داخلية مقبولة مهما بدت غريبة تظل جميلة طالما 
هو سبب هذه الفوضى !...

لانت شفتيها في ابتسامة خجولة وهي تتذكر تطفلها والسؤال الذي نطقت به منذ يومين...

عندما كانت تتحجج بنشر الملابس والظهور أمامه قبل الشروق كما اعتاد هو تواجده عند برج الحمام لإطعامه الحب... حينها سألته...

(هو إنت ليه بطلت تحط عطر العود؟)

تتذكر جيدًا وجهه المندهش المرتاب منها تتذكر أنه صمت لدقائق قبل أن يرد عليها بسؤال متزن هادئ...

(وأي المغزى من سؤالك؟)

قالت شروق بنظرة متفحصة..

(يعني تكون بطلت تحطه بسبب كلام ملك؟)

رد صالح بنفس النبرة الهادئة العذبة كالبلسم تسكب على قلبها...

(ملك ما قالتش حاجة غلط وقتها... ناس كتير بتحب العطور الشرقية وأنا من ضمنهم... ولو في حد بيحبهم زيي فإيه المشكلة؟)

ثم استرسل بنظرة جادة...

(وبعدين أنا ما بطلتش أحطه... المشكلة أني الفترة اللي فاتت مش لاقي النوع اللي بجيبه غير في دولة شقيقة... عشان كده بعت وعلى وصول...)

ثم أولاها ظهره قائلاً بخشونة قبل أن يبتعد عنها ويهبط عن السطح نهائيًا...

(وعلى فكرة إنتي توفيليه أوي...)

عضت شروق على شفتها مغمغمة بوجنتين حمراوين...

(ياترى دي حاجة حلوة ولا وحشة؟)

علمت لماذا قال عنها "توفيليه" وتأكدت وهي تقف الآن أمام باب الشقة التي يقيم فيها على دراية بأن والدته معه تُحضّر للجميع وجبة الإفطار....

نظرت إلى صينية الكيك السادة التي أخرجتها للتو من الفرن ثم صعدت بها.....

فتح الباب بعد طرقاتها الرقيقة وظهرت الجدة أبرار ببسمة بشوشة عندما رأته....

"صباح الخير يا خالتي..."

رحّبت بها الجدة بحفاوة...

"صباح النور يا شروق... تعالي يا حبيبتي حماتك بتحبك... "

التوى ثغر شروق بسخرية مريرة....

"ولا عمرها حبتني والله يا خالتي... الله يسامحها بقى..."

"يووه جتك إيه يا شروق ضحكتيني..."

ربّتت الجدة على كتفها بعطف مضيفة...

"ارمي الماضي ورا ضهرك... هما الخسرانين والله..."

وضعت شروق صينية الكيك على السفرة وقالت بمناوشة...

"الحمد لله كسبت نفسي... خدي حلّي بُقّك عملتلك الكيكة اللي كان نفسك فيها."

سألتها الجدة بملامح منبسطة...

"بجوز الهند؟!"

أومأت شروق برأسها مؤكدة بمحبة...

"طبعًا... هو أنا أقدر يبقى نفسك في حاجة وأتأخر عنك؟ ده انتي خيرك مغرقني."

رمقتها الجدة بعتاب وقالت...

"بطلي هبل خير إيه... اقعدي عشان تفطري معانا."

اعتذرت شروق وهي تضع حقيبتها على كتفها..

"لأ أصل أنا متأخرة... انتي عارفة عندي شغل ولا


قالت الجدة برفق...

"عشر دقايق مش هيأثروا وبعدين استني صالح عشان تاخدي مفتاح البوابة الحديد اللي برا... صالح عملك نسخة..."

ثم لمعت عينا الجدة بخُبث العجائز وهي تدفعها بخفة مشيرة نحو الشرفة...

"أقولك... خدي كوباية الشاي دي وقطعي حتة من الكيكة ودوقيه عمايل إيديكي... يمكن يرضى يفطر. لحسان صاحي مقريف ومش راضي ياكل..."

انتابها القلق فسألتها باهتمام...

"ليه كده؟ كفَى الله الشر..."

نفحة من السعادة تسلّلت إلى صدر الجدة بعد اهتمام شروق ولهفتها الواضحة في عينيها فطمأنتها بحنو

"تلاقيه عنده مشاكل في الشغل... ربنا يصلح حاله ويوسع رزقه."

قالت شروق بصفاء...

"اللهم آمين... ويباركلك فيه يا خالتي ويحفظه."

"تعيشي يا شروق..." ثم عادت الجدة تُحفزها بالقول...

"يلا اعملي اللي قولتلك عليه على ما أصحي أبرار تفطر معانا...."

يُشَبِّهون الحب بالعالم الوردي لكن الحب في حياتها يشبه كارثة متنقلة اذ اصابتها اينما ذهبت ستذهب معها... لذلك حذارِ من الحب وسحر الحب...

وكيف يُبطل السحر وهي تقترب من صانع السحر؟ 

من رجلٍ له هيبة تُربكها وحضورٍ يُغرقها 
وعطرٍ يداهمها خلسة وعينين خضراوين 
تضيع في غاباتهما؟..حديثٌ هادئ يحتويها
يبث الراحة والأمان لقلبها المرتاب...

أهذا حُب أم بداية الكارثة التي تتأهب للسقوط فوق رأسها مجددًا؟

غايتها العلاقات المستحيلة تعرف فعلتها
سابقًا واختارت صعلوكًا لا يناسبها قط 
واليوم تُعيدها مع رجلٍ صالح... هي من لا تناسبه !

كيف تتلاعب الأدوار بنا؟ أحيانًا ضحايا
وأحيانًا معتدون نأخذ ما ليس من حقّنا.

ليس من حقك... احفظيها جيدًا يا شروق...
فلا يجتمع الشروق بالغروب مهما حاولنا
كلاهما مختلفان، متناقضان، زمنان متباعدان...

كحالك مع هذا الرجل الذي يهفو إليه قلبك بجنون وكأنه آخر شيءٍ جميل في هذا العالم...

وخزها قلبها فجأة بألم فسحبت نفسًا طويلًا ثم اقتربت منه بخطى ثابتة وبين يديها الصينية عليها كوب الشاي والكيك الذي أعدّته...

توغّل إلى أنفها عطر العود فتألقت شفتيها بابتسامة حنين وهي تُنبهه بوجودها...

"صباح الخير يا شيخ..."

استدار لها صالح الذي أنهى مكالمته للتو ثم بلمحةٍ سريعة نظر إليها وغضّ بصره مجيبًا..

"صباح النور يا أمّ ملك..."

أكثر ما يُزعج المرأة أن تُحرَم من نطق اسمها...
رغم محبتها الشديدة لابنتها إلا أنها أحيانًا تتمنى أن تسمع اسمها مجردًا على لسانه...

هل الأمر صعب؟

أم أنها الأشياء المستحيلة التي تتمناها فجأة بسبب عاطفة مفاجئة داهمتها؟

هرموناتها متخبطة صدقًا... كقلبها ومشاعره نحو هذا الرجل...

"في حاجة مضايقاكي؟"

سألها صالح بعينين قلقتين بعدما رأى انعقاد حاجبيها وصمتها المفاجئ وكأنها غرقت في مسألةٍ عويصةٍ يصعب حلها....

نظرت له شروق وأومأت برأسها.

نعم...أنا أريد زارًا يبعد عني الإنس والجن فقد اجتمعتما فوق رأسي أنت وجنون أفكاري !

سألها صالح باهتمام

"إيه اللي حصل؟... "

قالت بحلق جاف...

"بيجيلي كوابيس بالليل... ومش بعرف أنام."

قال صالح بهدوء متفهّم....

"شغّلي الرُقية الشرعية ونامي على وضوء."

أسبلت عينيها إلى الأرض معترفةً باستحياء...

"أنا مش منتظمة في صلاتي... كل ما بحاول ألتزم برجع تاني. يمكن علشان كده..."

حدثها صالح بنبرة حانية فيها القليل من الحزم...

"وليه مش قادرة تلتزمي دا إلا تارك الصلاة..
الصلاة مش بس عبادة دي صِلة بينك وبين ربنا. أوعي تقطعيها مهما كان السبب ربنا سبحانه وتعالى بيقول..{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}."

ظهر على وجهها تعبير الحيرة والحرج
الشديد...فوضح صالح برفق...

"يعني اهربوا إلى الله مش منه.. الجَؤوا إلى رحمته...وكلنا محتاجين رحمة ربنا...فالصلاة
عشنا إحنا....إحنا اللي محتاجين رضاه ورحمته..."

قالت شروق بخفوت....

"عارفه والله....ان شاءلله هحاول...."

تحدث صالح بخشونة.....

"مسمهاش هحاول.... أسمها هبدأ...ان شاء الله
تبدأي...فاذكروني أذكركم...صدق الله العظيم "

عادت تؤكده بارتباك....

"صدق الله العظيم.....هبدأ بإذن الله انا حاسة اني مقصرة بقالي فترة...."

قلَّل من إلحاحه لها وقال بمؤازرة.

"ان شاء الله تلتزمي وانا هساعدك..."

رفعت مقلتاها اليه بعدم فهم.... 

"ازاي هتساعدني؟!....."

اخبرها بصوت رخيم.....

"وقت كل صلاة هتلاقيني ببعتلك رسالة..."

سالته بارتياع.... "بس انا مش معايا رقمك...."

رد عليها صالح في هدوء وثقة.

"رقمك معايا انا واخده من الحاجة أبرار...
من شهر فات تحسبن لأي حاجة..."

بلعت شروق ريقها بتوتر....

"بلاش تتعب نفسك هنتظم ان شاءالله لوحدي...."

رد عليها صالح بصوتٍ معاتب....

"مفيش مانع من مساعدة بسيطه...ولي الاجر والثواب....ولا خسارة فيا...."

رفعت شروق عينيها عليه بلهفة وقالت 
تلقائيًا....

"مفيش حاجه خسارة فيك...انت تستاهل الدنيا كلها ياشيخ....."

حدق فيها صالح بصدمة مما تفوَّهت به بينما توهّجت وجنتاها خجلًا بعد غبائها وبدت تؤنّب نفسها بقسوة.

واثناء ذلك سمعت صوت أنفاسه يتحشرج وكأنه يحارب شعورٍ ما... أو ربما كان يريد تعنيفها لكن أخلاقه لا تسمح بذلك.

تابعت حديثها بثباتٍ عظيم وكأن شيئًا لم 
يكن !...

"بس... ممكن تنسى؟"

وبعد أن أفاق من صدمته تنحنح بخشونة وهو يستند إلى السور مجيبًا بصوتٍ يشعّ إيمانًا يسرق خفقات قلبها....

"الصلاة مش بتتنسي يا أم ملك... لما تلتزمي صح هتعرفي... "

تميل النفس إلى رجلٍ مؤمن لكن القلب قد أفسده الفاسقين !...

"الكلام خدنا.....والشاي قرب يبرد..."قالها
صالح وهو يتناول قطعة من الكيك وياخذ
رشفة من كوب الشاي ثم أشاد قائلا

"الله..... تسلم إيدك....."

سالته بعينين مندهشتين.....

"عرفت منين ان انا اللي عملاها سمعتنا؟."

تسللت الإبتسامة على محياه وارتسمت
على لحيته الكثية.....

"لا والله بس نفسك في الأكل سبحان الله معروف من وقت الملوخية والـ... قولتي
اسمها إيه...."

قالت بتورد..... "الشهقة....."

اتسعت ابتسامته قائلا بمزاح....

"واضح الشهقة مفعولها جبار...."

قالت بفخر انثوي.... "امال مش قولتلك...."

"والكيكه بـ...."

قاطعته لتقول بغباء.... "من غير شهقة...."

ضحك صالح ضحكةً رجولية جذابة فغمرتها نفحات من السعادة وهي تتأمله بإعجاب 
وبسمة بلهاء تعلو ثغرها....

"مش قصدي كده....قصدي ان سكرها حلو
هتعجب أبرار....."

قالت شروق بنفس راضية....

"بالف هنا للي ياكلها....وربنا يباركلك فيها..."

لمعة عينا صالح بالحنين وهو يقول....

"جميلة مكنتش بتعمل الحاجة غير عسل
نحل عشان تراضيها...."

وكأن هناك خنجرًا شق صدرها فجأة فسقطت ابتسامتها تدريجيًا وهي تعقب...

"جميلة ؟!..."

أومأ صالح وهو يتحاور معها بألفة غريبة ما زال محتارًا من أمره معها تحديدًا... 

"مراتي الله يرحمها كانت اسم على مسمى..
جميلة الشكل والروح...."

اغلقت الحديث قائلة بخفوت.....

"ربنا يصبرك على فراقها...."

"اللهم آمين....."

ثم اخرج من جيبه المفتاح قائلا....

"نسيت المفتاح بتاع البوابة الحديد عملتلك
نسخة منه...."

اخذته منه شروق ممتنه...

"اه ماهي خالتي قالتلي....كتر خيرك...."

أمرها صالح بهدوء....

"حطي في سلسلة المفاتيح عشان ميضعش..."

"اه هعمل كده....."فتحت سحابة حقيبتها
ومدت يدها تبحث عن سلسلة المفاتيح
الخاصة بها....

"راحت فين هو انا مطلعتش بيها ولا إيه...
يالهوي لحسان اكون سبت المفاتيح مكانها
وقفلت الباب...."

حثها صالح بهدوء...

"سَمَّ الله ودوري براحة...."

فلتت الحقيبة من يدها وتناثرت حاجياتها على الأرض فنزلت إليها تلملم أشيائها بينما لم تلاحظ علبة السجائر التي وقعت عند حذاء صالح....

انحنى صالح مثلها وتناول بيده علبة السجائر ثم انتصب واقفًا يشير إليها بملامح قاسية ونظرة حادة تحتوي على أطنان من الاتهامات الموجهة نحوها كسهام مدببة...

"إيه ده؟... علبة سجاير؟"

أخذت العلبة منه بسرعة وألقتها من الشرفة وكأنها بلوة معتقدة أن التخلص منها يعني التخلص من سؤاله ومن الموقف برمته لكنه ظل مثبت عينيه عليها وملامحه تزداد تعقيدًا
وغضبًا...

فلجأت إلى الكذب قائلة دون ترتيب...

"مش بتاعتي... دي أكيد جت هنا غلط."

جاشت ملامحه مشككًا في ردها ممتعضًا
بالقول....

"إزاي يعني ؟!.... جت غلط نطت في شنطتك لوحدها ؟!.. "

تنفست بعمق من شدة الانفعال وقالت وهي تعود مجددًا لتلملم أغراضها...

"لا يعني... بصراحة بتاعت واحدة صاحبتي."

لم تلين نظراته وهو يقول بمقت...

"وليه تصاحبي واحده بتشرب سجاير...اللي في ايديها يدل على اخلاقها..."

لمعت عيناها البرّيتان بتحدٍّ سافر وقالت بتمرد...

"هو اللي بيشرب سجاير معندوش أخلاق
ما الرجالة كلها بتشرب....اشمعنى الستات
ليه بتعملوا من الحبة قبة؟!.."

حافظ صالح على وقاره وهدوئه وهو يخبرها بعقلانية وحكمة....

"التدخين في الأساس عادة غير صحية ومكروهة....وملهاش علاقة براجل وست
لكن في المجتمع الشرقي....

"لازم الست تحط نفسها في عين الاعتبار إنها تحت رقابة طول الوقت ومش لازم تصرف بطريقة تقلل منها...واي حد بيشوف ست بدخن بيربط الامر باخلاقها مع انه ممكن يكون في ايده السجارة وقتها...."

سالته مستهجنة....

"وانت بقا انه واحد فيهم؟....."

رد صالح بصوتٍ هادئ ناصح....

"أحب اكون صريح وقول اني الاتنين رغم اني مش مدخن...لكن انصحك تبعدي عن صاحبتك أفضل..."

اختنقت عبارتها وهي تقول باستهزاء...

"تمام هبعد عنها عشان بتشرب سجاير..."

بصبرٍ وضح لها وجهة نظره....

"لا هتبعدي عنها عشان هي مش فارق معاها نفسها ولا نظرة الناس ليها...."

قالت بنبرة شبه باكية.....

"بس هي قالت انها بتشرب سجاير لما بتبقى مخنوقة...."

رد صالح بصوت موزون بالحكمة...

"انا اعرف ان السجاير مش مسكن مجرد دخان مسموم داخل خارج بيموت بالبطيئ..
انصحيها تعمل حاجة مفيدة تخرجها من اللي هي فيه بدل التدخين...."

أرخَت جفونها ممتنعة عن النظر إليه وقالت بصوت كئيب...

"هقولها حاضر.....شكرًا على النصايح...."

اعتذر صالح قائلا بجدية...

"انا مش قصدي ادخل في حياتك...في النهاية
اللي يريحك اعمليه...."

هزت شروق رأسها وهي ترفع عينيها إليه وابتسمت ابتسامة لم تلامس عينيها ثم قالت بغصة مريرة...

"أنت مش بتدخل..أنت بتصلح حاجات مكنتش السبب في خرابها..."

قطب جبينه معقبًا...

"مش فاهم تقصدي إيه؟"

"انا كمان مش فاهمة اي اللي بقوله ده...شكلي لسه مفوقتش من النوم...."

وضعت شروق الحقيبة على كتفها وهي تتهرب من كارثة كانت على وشك أن تقسم بينهما بالتساوي وهي لا تريد هذا أبدًا ؟!...

فالتائب عن الهوى لا يعود اليه مخمورًا !...

"هتمشي؟...."

سالها بنبرة وهمت نفسها انها بها
لهفة خفية......

"عندي شغل محتاج حاجة ؟!..."

"مستغناش..... في رعاية الله...."

قالها صالح وهو يخرج قبلها من الشرفة تاركًا إياها قبل أن تفعل؟!...
........................................................
خرجت من غرفتها على صوت ياسين في الصالة فغطّت شعرها وتفاصيل منامتها التي ترتديها بخمار الجدة الكبير رفيقها في لحظات الطوارئ المشابهة لتلك.

رأته يلقي جسده بعنف على أقرب مقعد.. ويرجع رأسه إلى الخلف بإرهاق بادٍ على
وجهه الحزين.

"مالك يا ياسينو... أنت تعبان؟"

سألته أبرار بعينين قلقتين وهي تجلس بالقرب منه على الأريكة.

رد عليها وعيناه معلقتان بالسقف...

"شوية إرهاق في الشغل... وكمان مسافر الفجر القاهرة أوصل طلبية مع العمال..."

طلّ الحزن على معالم وجهها وهي تسأله..

"وهترجع إمتى؟"

ردّ عليها بإيجاز....

"مش عارف بس غالبًا هغيب يوم بليلة... المشوار والتسليم هياخدوا وقت."

سحبت نفسًا طويلًا ثم أخرجته على مضض وقالت بوجه ممتقع

"مش بحب حوار الطلبيات وسفرك ده... مش بعرف أنام من القلق عليك..."

اتسعت عينا ياسين وهو يعتدل في جلسته يواجهها بنظرات متفحصة ثم مد يده ووضعها على جبهتها يتحسس حرارتها فسألته
متوجسة...

"أنت بتعمل إيه؟..."

ردّ بنظرة ساخرة ونبرة لاذعة...

"بطمن عليكي... شكل حرارتك عالية فبدأتي تهلوسي..."

ضربت كفه تبعده عنها قائلة بدفاع...

"الله يا ياسين مش أنت ابن عمي وزي أخويا؟ ولازم أخاف عليك.. "

ارتسم تعبير الإحباط على وجهه وهو يقول بسأم...

"ابن عمك وأخوكي؟!... افتكرت حاجة تانية..."

سألته بحذر..

"افتكرت إيه؟"

غمز لها بعبث قائلًا باعتداد...

"يعني...تكوني حاطة عينك عليا..وبتلمحي..."

هتفت أبرار معترضة بكلمات كانت كالرصاص تخترق قلبه بلا رحمة...

"بلمح؟!.. انسَى من رابع المستحيلات ده يحصل.. "

مطّ فمه مزمجرًا...
"ليه يعني راضعين مع بعض؟..."

قالت بجدية أقرب إلى البلادة...

"مش كده... بس أنا مشاعري ناحيتك محددة.
ابن عمي اللي تربينا سوا زي الأخوات أما المشاعر التانية دي..."

ثم لمعت عيناها وافترقت شفتاها عن ابتسامة حالمة والغمازات تداعب خديها تشاركها الحديث الهائم...

"فأنا مستنية فارس أحلامي اللي ياخدني
على حصانه الأبيض ويطير بيا..."

سألها ياسين بانزعاج....

"على فين؟... على العش الزوجي؟"

أكّدت بنفس الهيام...
"طبعًا..... بس قبلها نلف العالم سوا..."

لكزها ياسين بعنف وهو يأمرها بخشونة

"انزلي من فوق السحب وروحي حطيلي أطفح... "

امتقع وجهها عابسة وهي ترمقه شزرًا...

"ده إنت أستاذ في الفصلان وعلى فكرة... تيته عاملة سبانخ.."

كان دوره في الامتعاض فسألها بعدم تصديق

"بالله عليكي؟..."

هزت رأسها صدقًا..... "آه والله..."

رفض كطفلٍ مستاء قائلًا....

"مش عايز سبانخ طب شوفيلي أي حاجة تتاكل... جعـــــان... "

لمعت عينا أبرار بتذكر وهي تقفز من مكانها لتقول...

"استنى كنت شايفة صينية كيكة في الفرن... هروح أعمل شاي بلبن ونتسلى عليها !"

ركضت أبرار بسرعة نحو المطبخ بينما بقي هو ينظر إلى أثرها بملامح معقّدة مضطربة ونظرة تشع بالإحباط والألم.

يبدو أن قلبه يهوى عذاب الحب فدائمًا ما يتعلّق بأشخاص لا يكنّون له أي مشاعر خاصة
بينما هو مولهٌ بحبّهم حدّ الألم... حدّ الخوف
من هجرانهم....

الأولى والدته وتخليها عنه...والثانية حبيبته التي لا تراه سوى ابن عمها، وأخًا لم تُنجبه أمها....

بعد لحظات أتت أبرار بصينية متوسطة الحجم وضعت عليها طبق الكيك وكوبين 
من الشاي بالحليب. أخذ ياسين منها الصينية
في منتصف الطريق ووضعها على الطاولة الصغيرة وجلسا أرضًا حولها. قالت بعد أن أكلت قطعة من الكيك مستمتعة بمذاقها 
الحلو

"أما طعمها حكاية يا ياسينو وسكرها إيه مظبوط..."

ضاقت عينا ياسين بشك وهو ينظر إلى قطعة الكيك بين يديه...

"طالما قولتي مظبوط تبقى حلوة بزيادة..."

قالت أبرار وهي تستمتع بالقضمات.

"بس طعمها حلو بجوز الهند... تيته أول مرة تعملها."

أخذ ياسين رشفة من الكوب ثم أنزله ممتعضًا منها...

"إنتي إيه حكايتك يا سُكر إنتي؟ الشاي بلبن حلو ليه كده ؟!"

قالت أبرار بنظرة بريئة...

"أنا حطة في كوبايتك خمس معالق بس..."

جحظت عيناه بصدمة ثم قال بأسلوب هزلي

"خمسة وخميسة عليكي !.. وليه بس؟ ما تحطي عشرة بالمرة..."

قالت أبرار بشفاه ملتوية بتذمر..

"أنا عن نفسي بحط ست معالق في كوبايتى... عشرة هيبقى كتير بصراحة..."

جزّ ياسين على أسنانه مغتاظًا وهو يقول بغلاظة..

"أحب قناعتك ومخك في التفكير... حقيقي مبهور لدرجة إني نفسي أحميكي بكوباية الشاي بلبن..."

رمقته بنظرة نارية متوعدة وهي تقول..

"اعملها وأنا ألبسك صينية الكيكة دي في وشك وإن شاء الله ما طفحنا احنا الاتنين..."

تأفف ياسين بقلة صبر...

"صبرني يا رب... دي ما بقتش عيشة..."

التوى فكها بسخرية وهي تذكّره بحديثه منذ دقائق...

"قال يبقى في بينا مشاعر قال... دا إحنا لو اتجمعنا في بيت واحد هناكل بعض..."

ابتسم ياسين غامزًا، مؤكدًا بوقاحة...

"لو دا حصل أنا في نيّتي أبلعك مش آكلك بس..."

تسارعت نبضات قلبها فجأة وتوهّجت وجنتاها فقالت بغضب...

"تحرّش لفظي... تمام هقول لبابا..."

ادّعى الخوف قائلًا بمزاح...

"يامه يامه خوفت يا عيد..."

لكزته في كتفه وهي تقول بحنق...

"كُل وانت ساكت ولو مش عاجباك كوباية الشاي بلبن روح اعمل غيرها..."

رفض ياسين وهو يشربها مرغمًا..

"خلي عندك دم بقولك جاي تعبان من الشغل وهمشي الفجر..."

قالت بوجه ممتعض...

"خلاص بطل شكوى واشرب وانت ساكت..."

لفهما الصمت للحظات وهما يتناولان الكيك فقال ياسين بإشادة...

"بس حلوة الكيكة..."

أكدت أبرار باستمتاع...

"طعمها حلو أوي... أنا هخلي تيته تعمل صينية كمان..."

ظهرت الجدة بعد حديثها خارجة من غرفة نومها. فعندما لمحتها أبرار قالت..

"إيه يا تيته؟.... كل ده نوم؟!"

اقتربت منهم الجدة مبتسمة شاعرة بالنشاط يسري في عروقها وهي ترد على حفيدتها..

"مفيش أحلى من نوم العصاري... إنت جيت يا ياسين؟"

رد ياسين ممازحًا.... "لا لسه شوية..."

قالت أبرار بقرف.."دمك تقيل..."

دافعت عنه الجدة بمحبة...

"والله دا أخف دم في البيت كله... بطلي كلامك الدبش ده..."

زمت شفتاها ثم صاحت بغيرة..

"آه دفعي عنه أنا دبش وهو لسانه بينقط سكر..."

طوى شفتيه ممتعضًا معقبًا..

"مبلاش نجيب سيرة السكر... كفاية بناكله..."

هتفت بانفعال.."دمك سم !"

رمقها بنظرة باردة مستفزة:

"سم ؟!..ليه دوقتيه عشان تحكمي عليه؟"

اشتعل وجه أبرار غضبًا فاقتربت منه وبكلتا يديها طوّقت عنقه ضاغطة عليه بغل...

"إحنا فيها يا ظريف تحب أشرب من دمك إزاي؟!"

صاحت الجدة بقلق...

"بت يا أبرار.. سيبي رقبة الواد يا بت هيموت في إيدك "

كان ياسين مستسلمًا لها بينما يضحك بملء شدقيه قائلًا بمناكفة..

"لو مت هسيب وصية إنك متتجوزيش... لسبب واحد عشان سلالتك لازم تنقرض من الوجود..."

قالت من بين أسنانها بغضب...

"والله مفيش حد محتاج ينقرض غيرك..."

لفظت الجدة بسرعة...

"بعد الشر عليه..."

ابتعدت أبرار عن ياسين وهي تنظر إلى جدتها باحتقان...

"شوف العنصرية... ما هو لسه قايل عني كده من شوية ومتكلمتيش..."

قالت الجدة بملاطفة...

"ابن عمك وبيهزر معاكي..."

ثم عقّبت الجدة بابتسامة حانية...

"كبرتوا وحركاتكم هي هي... ربنا يهديكم."

قالت أبرار وهي ترفع آخر قطعة من الكيك بيدها...

"تيته اعمللنا صينية كيكة كمان بجوز الهند طعمها حلو أوي."

ترك لها ياسين القطعة الأخيرة بينما ظل هو يرتشف من الكوب وعيناه تتأملانها بحب...

سألتها الجدة بدهشة وهي تنظر إلى الطبق الفارغ...

"انتوا خلصتوها؟!"

ضحكت أبرار وهي تنظر إلى القطعة الأخيرة

"على وشك... إنتي عملتيها إمتى؟ بعد ما روحت الجامعة؟. "

ابتسمت الجدة إبتسامة خبيثة وقالت...

"أنا ما عملتش حاجة... هي جات الصبح بس إنتي عشان مستعجلة ما خدتيش بالك."

سألتها أبرار بحيرة...

"جات لوحدها؟ يعني مين جابها؟"

قالت الجدة باختصار..... "شروق."

فتركت أبرار القطعة من يدها بعصبية ولوت فمها بقرف...

"طعمها مش حلو أصلًا وسكرها كتير... دي بتفتري في السكر."

رفع ياسين حاجبيه جافلًا بينما علّقت الجدة باقتضاب...

"ما كانت حلوة وكنتي عايزاني أقوم أعمل صينية كمان."

اشتعل صدر أبرار بالغيظ فسألتها منزعجة..

"كان فعل ماضي.... هي أصلًا بعتتها ليه؟"

تمتم ياسين بدهاء...

"أكيد اكتشفت إن أقرب طريق لقلب الراجل معدته..."

هتفت أبرار باهتياج...

"بلاش تستفزني... مش هيحصل."

انفعلت الجدة فصاحت بها...

"هو إيه اللي مش هيحصل؟ خليكي وصلة خير وبلاش تخربي الدنيا.. "

سألتها أبرار بترقّب... "يعني إيه؟"

قالت الجدة بصراحة...

"يعني أنا حاسة إن أبوكي ميّال ليها وهي كمان..."

أخذت أبرار تتنفس بحدة ثم عقّبت..

"في شهر بقى ميّال ليها؟! على جثتي..."

توسّعت عينا الجدة مرتاعة...

"يا ستار يا رب ! جثث إيه ونيلة إيه اكبري شوية يا أبرار واعقلي."

لمعت عينا أبرار بالدموع وقالت بحسرة...

"أنا مش مجنونة يا تيته..إنتي ليه عايزة بابا يتجوز ويسيبني؟!"

صفّقت الجدة بكفيها معًا بقلة صبر..

"اللي يسمعك يقول لسه نُغّة ! إنتي في كلية طب يا هبلة كلها كام سنة وتتخرجي ويمكن يجيلك عدلك وتكملي تعليمك في بيت جوزك... 

وهو يا حبة عيني هيفضل لوحده من البيت للشغل ومن الشغل للبيت مش حرام عليكي عمره اللي بيضيع من غير حتة عيل يسنده؟!"

هاجت أبرار بعنف وقالت بعينين مشتعلتين..

"إنتي كمان عايزاه يخلف؟! والله ما هيحصل... مش هيحصل !"

ثم نهضت بسرعة ودلفت إلى غرفتها رافضة سماع المزيد بينما نظرت الجدة إلى ياسين بضيق...

"شايف عمايلها؟"

رد ياسين بخفوت..

"بلاش تضغطي عليها... سبيها مع الوقت هتفهم."

قالت الجدة بقلبٍ ملتاع...

"أنا خايفة بس تعمل حاجة وتخرب كل اللي بخطط له... دي شعنونة وغيرتها على أبوها تخلّيها تعمل أي حاجة."

قال ياسين مطمئنًا... دون أدنى شك....

"أبرار بتطلع تطلع وتنزل على مفيش... مفيش في طيبة قلبها... بس هي لسه مش مستوعبة اللي جاي...."
.............................................................. 
في صباح اليوم الثاني.....

خرجت من شقة والدها في الطابق الثالث هابطة إلى الأسفل نحو باب الخروج للحاق بالجامعة.

عندما وصلت أبرار إلى باب الخروج توقفت واستدارت بجسدها كله نحو الشقة في الطابق الأرضي حيث تقطن جارتها غير المحببة إليها (شروق...).

لمعت عيناها بشيطنة والتوى ثغرها في ابتسامة جانبية وهي تغيّر اتجاهها نحو الشقة. وبمنتهى قلة الذوق بدأت تطرق الباب بقوة وتضغط على الجرس بإلحاح وغِلّ.

جاء صوت شروق من الداخل يعلوه الهلع وهي تسرع نحو الباب قائلة...

"مين؟.... مين على الباب؟"

فتحت شروق الباب بعدما يئست من توقف الطَرق وقد توقعت قبل أن تراها أنها هي  صاحبة الطرقات العنيفة المشبعة بالغِلّ والكراهية تجاهها....

رمقتها شروق بغضب وجزّت على أسنانها وهي تلتزم الصمت فإن تحدثت ستنفجر في وجهها بوابل من الشتائم....

قالت أبرار بابتسامة صفراء...

"صباحووو... إيه مش هتقوليلي ادخلي؟"

وضعت شروق يدها على خصرها ومالت على حافة الباب قائلة بامتعاض...

"صباح الخير يا أبرار... في حاجة؟"

أجابت أبرار بسماجة...

"في حوايج... وسّعي كده خليني أرتاح عندك جوا. أصل نزلت السلالم وجعت رجلي..."

وبقلة تهذيب أبعدت شروق بيدها ودخلت الشقة دون أن تنتظر الإذن ثم جلست على أقرب مقعد ومدّت ساقيها على الطاولة الصغيرة أمامها متنهدة بارتياح وهي تقول بسماجة...

"الواحد مش عارف بقا مخستع كده ليه..."

قالت شروق مع انعواج شفتيها....

"الغل يعمل في الواحد اكتر من كده..."

نظرت لها ابرار بحاجب مرفوع ببراءة
زائفة......

"غل.....وانا هتغل من مين؟...."

هتفت شروق بنبرة حازمة.....

"معرفش اسألي نفسك....بس خدي في بالك
قلة ادبك معايا انا معديها بمزاجي...عشان ابوكي وستك ناس كمل ومحترمين...."

أنزلت ساقيها إلى الأرض واستوت في جلستها متأهبة وهي تسألها ببطء ينذر بالخطر.

"وانا بقا مش محترمة؟!...."

قالت شروق بجسارة وعيناها البرّيتان لا تخضع للتهديد الصريح في عينا أبرار....

"تصرفاتك متقولش خالص إنك خارجة من بيتهم....ربنا يهديكي...."

نهضت أبرار واقتربت منها بعداء...

"اي ربنا يهديكي دي....إيه شيفاني بشد في
شعري...."

ثم اضافت بنظرة متقدة بالغيظ....

"وبعدين انتي مالك بـ بابا وتيته ما تخليكي
في حالك وفي شقتك......"

وقفت شروق شامخة تضع يدها في خصرها تستعرض قامتها الطويلة بثقة أمام أبرار التي اغتاظت لكونها تشبه الطفلة أمامها بقِصَر قامتِها....

"كويس انك عارفه انها حاليا شقتي وميصحش تخبطي عليا لتاني مرة بشكل ده..
كمان ميصحش تدخلي تقعدي من غير إذني...."

أوغر صدر ابرار بالغيظ فلوحت بيدها 
بسوقية وهي تصيح بتشنج.....

"اذنك مين ياعوومر دي شقتنا...انتي حيالة مأجراها وبمبلغ عبيط اقل من تمنها كمان يعني احنا كده بنعطف عليكي...."

رمقتها شروق بازدراء وقالت بمقت....

"انتي قليلة الأدب امشي يابت اطلعي برا...
وليكي كبير يترد عليه...."

سخرت منها ابرار قائلة بصفاقة....

"إيه ناويه توقعي بيني وبين ابويا...اه قولي
كده بقا....عايزة الجو يخلالك وتعرفي تاخدي
راحتك اكتر من كده...."

هاجت مراجل شروق وهي تصيح 
بنفاد صبر.....

"اخد راحتي في ايه بظبط...اقفي معوج واتكلمي عدل...."

ضحكت أبرار باستهجان.....

"وانتي اللي هتقوليلي اقف إزاي....انا اقف
زي مانا عايزة...."

ثم رفعت اصبع التحذير امام وجه شروق
المربد غضبًا وقالت لها بنبرة حادة متوعدة....

"ابعدي عن ابويا ياولية انتي لحسان والله العظيم هخرب حياتك وهتخليكي تبكي بدل
الدموع دم....." 

افترّت شفتا شروق بابتسامة قاتمة يشوبها السخرية اللاذعة وهي ترد عليها بتهكّم..

"حتة عيلة زيك هتخليني انا اعيط دم... روحي العبي بعيد ياشاطرة... انتي متعرفيش
من الدنيا دي غير ابوكي وستك وابن عمك والجامعة اللي بتروحيها...اما انا.. " 

قاطعتها أبرار قائلة باهانة....

"انتي بقا أكيد خبرة وعارفة انتي بتعملي
إيه كويس مش كده...." 

استفزّت كلّ عصب في شروق فصرخت في وجهها بانفعالٍ شديد.

"احترمي نفسك ومتفكريش اني ساكته ضعف
أو عشان عندك حق...انا ساكته احترام لأهلك..." 

رفعت أبرار يدها وضربت كتف شروق أكثر
من مرة في تعدٍّ سافر...

"لا يابت اتكلمي ووريني تمامك...." 

اثارة حفيظة شروق أكثر عندما مدت يدها 
لذلك نزعت شروق يدها عنها بعنف هاتفه
بضراوة....

"إيدك لحسان اقطعهالك....." 

نظرت اليها ابرار بعدوانية وقالت بتوعد...

"هتقطعي أيدي انا....طب والله ما إنتي بايته في الشقة اليلادي...." 

جفلت شروق بعينين متسعتين مذهولتين وهي ترى أبرار تقوم بما لم تتوقعه قط.. 

صفعت نفسها عدة مرات بقوة حتى بدت 
آثار أصابعها الحمراء على صدغها ثم نزعت حجابها بعنف وكأن أحدهم انتزعه عنها
وبدأت تفرق عينيها بشدة حتى سال الكحل واحمرت مقلتاها ثم انفجرت في البكاء وهي تفتح الباب وتنادي بصوتٍ باكٍ متقن حد الإقناع !...

"الحقوني....الحقني يا بابا... الحقيني يا تيتة أبعدوا الست المتوحشة دي عني.... آآآه"

شعرت شروق أن قلبها سقط أرضًا من الفزع وهي تسمع أصوات أبواب الشقق تُفتح يهبطون على الدرج مهرولين نحو ابنتهم المستنجدة بهم....

ولوهلة شكت شروق أنها بالفعل من فعل كل هذا بأبرار..... 
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1