رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الثالث عشر
"حمدي الأشقر"
لِمَ أنت قلق يا عزيزي ألا لأني متحرش لم تقابله! لا تقلق سأكون لطيفًا معك.
حمدي الأشقر...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ مالك ياض منك ليه قاعدين لزقين في بعض كأني هاكلكم؟
زجر حمدي بغضبٍ ما أن رأهما ملتصقان بنهاية الأريكة التي يجلسان عليها بعيدًا عنه، حاول حربي الحديث بلطفٍ لعله يبعد غضبه عنه:
_ ليه بس يا أستاذ حمدي..
_ أستاذ!! لا قولي أسطى حمدي أشيك.
أومأ حربي سريعًا يعدّل جملته:
_ يا أسطى حمدي إحنا منقصدش طبعًا حاجة بس الفكرة إننا عندنا أوتزم!
استغفر حربي بعد تلك الكذبة التي افتعلها من شدة رعبه، بينما انتفض حمدي سريعًا بخوفٍ يبتعد عنه قائلًا بقلق:
_ طب أبعد لتعديني أنا لسه خارج من دور برد مطلع عين أمي.
صُدم حربي من رعب حمدي لكلمة لم يفهم معناها ولكن زحفت بسمة تنم على راحة لا حسر لها بعدما رأى حمدي يتجنب الأقتراب منه بعد ما كان يجلس بإريحية شديدة معهما على تلك الأريكة، ولكن لم تكتمل سعادة أرنبة الذي فرح كمن طفل صغير خرج من المعتقل ليرتفع صوت حمدي باشمئزاز لحربي:
_ بقولك إيه هات الواد دا جنبك شكله متعداش منك.
حرك أرنبة رأسه برفضٍ، بينما مد حمدي يده ليمسك بيد أرنبة الذي صرخ مثل النساء يردف بفزعٍ ينفض يد حمدي عنه:
_ هتعمل فيا إيه أبعد إيدك عني!!
رفع حمدي حاجبه بتعجبٍ، ولكن سرعان ما فهم رعبه، لتسير بسمة خبيثة لشفتيه لينظر لحربي بإشمئزاز:
_ بقولك إيه روح هاتلنا حاجة ساقعة شكل القاعدة صباحي مع المز دا.
جحظت عين أرنبة بذعرٍ، ينتفض من أريكة ما أن رأى حربي ينهض ليتركه ليمسك بذراع حربي كما لو كان طفلًا ستغادر والدته من المكان:
_ لا بالله عليك ما تسبني.. هتفرط فيا يا حربي!
ضرب حربي يده بضجرٍ، يتمتم بغضبٍ:
_ ما تنشف ياض في إيه!! ثم إيه هتفرط فيا دي أنت اتهبلت؟
أومأ أرنبة وهو على وشك البكاء، وسب هبه وعشقه لها وعلى ما يحدث له، فهو يجتمع مع متحرش عالمي، ولكن نزع حربي يده ليفر هاربًا تاركًا أرنبة خلفه تمتلأ ملامحه بالذعر، وباللحظة ركض نحو الباب يلتصق به بقوةٍ، يمسك بمقبض الباب بقوةٍ لا يريد تركه، بينما تقدم منه حمدي يهتف ببسمة ماكرة:
_ أنت خايف مني يا أرنوبتي؟؟
_ يخربيت دا دلع مبيجليش منه غير الفضيحة وقلة القيمة!
رددها بخوفٍ ممزوج باختناق، ليمسك حمدي يد أرنبة قائلًا:
_ ليه بس دا إحنا هندلعك على الأخر.
نفى أرنبة سريعًا يهتف بسرعة:
_ مبحبش الدلع أنا من يومي وأنا متربي على العود الناشف..
_ وماله ندوقك الأخضر وندلعك بدل عيشتك السودة.
_ يا سيدي مش عايز أبقى أخضر أنا بحب السواد اللي أنا فيه..
تحرك سريعًا خلف الأريكة يهرب من حمدي الذي يتبعه بخطواتٍ متسلية، يشعر بالسعادة من رؤية فريسته ترتعد رعبًا منه، ليرد بمكرٍ:
_ لا عيب في حق حمدي الأشقر يبقى في واحد في مضيفته ومنخليش حياته خضرة وبمبمي وكل الألوان..
ضيق أرنبة عينيه بشكٍ فيه يصرخ به بإشمئزاز:
_ أنا عايز أفهم إيه المغري فيا...
عض حمدي على شفتيه السفلي بشدة، يرمق أرنبة نظرة جعلته يضع يده على جسده سريعًا ليخفيه يجيبه بخبثٍ ولا يزال يعض شفته:
_ دا أنت كلك إغراءات.
صفق سُليمان بقوةٍ، يصفر بفمه قائلًا بسعادة:
_ يا مشرفني!!
صرخ به أرنبة يحاول الهروب ولكن وجد غرفة صغيرة ليدلفها سريعًا يحاول إغلاق الباب ولكن لحقه حمدي يهتف بمكرٍ:
_شوفت يا أرنوبتي حتى الظروف مساعدنا.
بكى أرنبة من شدة رعبه، يهتف برفضٍ ويحاول الهروب منه:
_ هو أنت معندكش رجالة تخاف عليهم.. دا اللي بيجي على الولايا ما بيكسبش.
رفع حمدي حاجبه باستنكار يغمغم بسخطٍ:
_ وأنت ولية؟
_ يا سيدي اعتبرني ولية بس اعتقني لوجه الله.
نظر له حمدي قليلًا ثم قال وهو يتراجع للخلف:
_ عارف اللي هـ يمنعني عنك إيه؟
_ إني ولية؟
أجابه باستفهامٍ، ليبتسم حمدي ببرودٍ متمتمًا:
_ إنك قُلت اعتقك لوجه الله وأنا راجل صاحب مبدأ أي حد هيقولي عشان خاطر ربنا هسيبه.
تهلل سرير أرنبة بسعادة، يومئ برأسه له مرددًا:
_ لا قنوع.. أتصدق أول مرة أقابل متحرش صاحب مبدأ؟
مط حمدي شفتيه بعبوس، يردف بضيقٍ:
_ دايمًا ظالمنا مع إننا أغلب ناس على فكرة.
نظر له أرنبة بعدم تصديق ولكن سرعان ما تراجع في نظرته ليردد بتأكيد:
_ صادق ياخويا إحنا اللي ولاد *** ولا تزعل نفسك.
ابتسم حمدي يربت على كتف أرنبة الذي توتر منه ليردف براحة:
_ شكلك هتكون صديقي المقرب يا أرنبة.
ابتسم بتوترٍ والحسرة تملأ قلبه، يشعر بأنه على وشك الخوض بتجربة الذبحة الصدرية، ليعود ويجلس على الأريكة، بينما نهض سُليمان ليغادر المنزل قائلًا:
_ عايز حاجة يا حمدي؟
جعد أرنبة جبينه بتعجبٍ، يسأل بعدم فهم:
_ هو أنت إزاي مش خايف على شقتك؟
نظر له حمدي بضحكٍ ثم قال بتوضيح ماكرة أخاف أرنبة:
_ ما اللي متعرفهوش إن أنا وسُليمان مشتركين في الشقة دي وهي شقتي زي ما شقته بظبط.. يعني أنا وأنت وشوشو تالتنا.
حملق به بصدمة واضحة، ثم قال بضحكة غير مصدقة وكأنه بكابوس ينتظر أن يفيق منه:
_ يا ليلة مبينلهاش ملامح!!
**************
تنفس براحةٍ بعدما وصل أخيرًا لمدخل الحارة، يشعر بالذنب لترك صديقه ولكن ما باليد حيلة لن يصبح ضحية لهؤلاء المتحرشين، سار بتمهلٍ والضيق يملأه صدره، لا يريد ترك صديقه ولكن ليس لديه الشجاعة ليذهب ويعود بأرنبة، لم يلاحظ هذان الرجلان اللذان يتبعانه منذ أن دلف الحارة حتى صعد لشقته، يغرق بمشاعره النادمة على فعلته الخسيسة كما يطلق، فهتف وهو يفتح باب شقته:
_ سامحني بقى يا أرنبة.. وهصلي وأدعيلك.
_ دا هو اللي هيصلي على روحك!
نطق بها أحد الرجلان بعدنا دفع حربي لداخل الشقة يغلقان الباب بإحكام، انتفض حربي بفزعٍ ما أن رأهما يتقدمان نحوه، ليهدر بقلق:
_ في إيه وأنتم مين؟
ابتسم أحدهما بشرٍ يجيبه ببسمة خبيثة:
_ مش أنت عامل شبح وعايز تقفل المدرسة وتفضح المديرة.. إحنا بقى جايين نعلمك الأدب.
انقض عليه يكيله بلكماتٍ قوية حتى بدأ خربي بالصرخ بقوةٍ من شدة الألم، يهدر بقوةٍ والندم يتخلله:
_ يارتني كنت معاك يا أرنبة.
ظل على تلك الوضعية وكلما علا صوت حربي يكمم فمه واحد منهما والأخر يكمل ضرب فيه حتى تعب الإثنان من ضربه، وغادرا المنزل دون نبس بكلمة.
تأوه حربي بقوةٍ وهو ينظر للسقف تدمع عيناه من الألم، قائلًا:
_ صدقت يا أرنبة اللي بيجي على الولايا وأرنبة مبيكسبش.. خسروني صحتي يــــــــامـــا.
حاول النهوض من الأرض يصرخ بألمٍ كلما تحرك خطوة حتى وصل لغرفته يزحف على بطنه نحو الفراش، فلم يعد هناك جزء بجسده إلا وتشكلت عليه ألوان الأخضر واليابس.
***************
صباحًا...
دلف بملامح متهجمة للغاية ينتظر أن يرى حربي ليكيله بالضرب بعد ما فعله مع حمدي ليتركه، فقد جعله يفعل كما يفعل أصحاب البدياكير ومساج لوقتٍ طويل حتى شعر بشلل أصابع يده.
دلف لغرفة حربي بخطواتٍ سريعة، يبحث عنه بأعين مشتعلة إلى أن رأه ينام جوار الفراش على الأرض، لن ينكر تعجبه ولكن غضبه أعمه بتلك اللحظة وانقض على حربي يلكمه بذراعه، والذي ما أن لمس حتى إهتزت أركان المنزل من شدة صراخ حربي، تعجب أرنبة مبتعدًا بفزع من صراخه يسأل بقلق:
_ في إيه؟
أدمعت عين حربي بنوعٍ من الندم، يهتف بصوتٍ يأن:
_ الولية الصفرا بتاعت المدرسة بعتت ناس عشان يضربونا وأنا اللي كنت كبش الفدا.
نظر له بذهولٍ ثم قهقه بصوتٍ عالي متشفي ينظر له بخبثٍ مرددًا:
_ مش كنت بايت معايا ورقصتلك رقصتين وخلصت بدل ما أنت مش عارف تحرك ضفر كده.
_ شمتان فيا يا حيوان!
قالها حربي بتعبٍ ولكن عيناه تشتعل غيظٍ، ليومئ أرنبة بتشفي:
_ اللهم ما لا شماتة بس أنا أرنبة شمتان وبقوة.
نهض يضحك بصوتٍ يزداد علوه ليغيظ حربي أكثر، وقف أمام الحمام ليفتح المياه الدافئة يملأ البانيو حتى يضع به صديقه، فمن الواضح عجزه التام عن الحركة، عاد مجددًا لصديقه واقترب منه يساعده على النهوض وسط تذمر حربي لرفض مساعدته بعدما شمت به، ولكن زجر أرنبة بغضب:
_ ما تهمد بقى هو أنت فيك حيل تعاند..
حدجه بنظرة مغتاظة مرهقة، يردف بضيقٍ:
_ وكمان بتعايرني.. لما أفوقلك بس أصبر عليا.
أشاح أرنبة بوجهه يتحرك به نحو المرحاض حتى ساعده في الجلوس على حافة البانيو ليهتف أرنبة بهدوءٍ:
_ حاول تنزل في البانيو وأنا هروح أجهز فطار وأجيب مرهم كدمات بدل جسمك اللي المزرق دا.
أومأ حربي دون جدل وبالفعل غادر أرنبة وأكمل حربي حمامه حتى انتهى وغادره يسير نحو غرفته كي يدهن هذا المرهم لعله يخفف قليلًا من ألم جسده، في حين أتى أرنبة له بحمل صينية الفطور قائلًا بجدية:
_ حمدي فاضي بكرة الساعة 3.. رن على عاليا عرفها عشان يسبقونا بدل ما اللي اسمه حمدي يعمل حركة كده ولا كده يودينا في داهية.
***************
نظرت لطبق الحلاوة برضٍ تام، تحمله بين كفيها تسير نحو الردهة حيث يجلس عمر، تضع الطبق أمامه قائلة ببسمة حنونة:
_ قولي رأيك بقى يا عمر.
ابتسمت بخجلٍ منها، يردف بصدقٍ:
_ شكرًا يا طنط عاليا تعبت حضرتك.
عبست ملامحها بضيقٍ مصطنع، تردف بعتاب:
_ تعبتني إيه بس دا أنت أكلتك قليلة أوي يا عمر..
ابتسم بحزنٍ لحديثها، تضغط على ندبة دون أن تشعر، يجيبها بجملة بسيطة ولكنها مليئة بالآلام:
_ عشان مفيش حد يعملي أكل و يخليني أكل..
صمتت عاليا تنظر له بذهولٍ لما قاله، ليسترسل عمر بأعينٍ أطفأها الإهمال:
_ أنا عايش مع أخويا وهو من ذوي همم يعني عايز اللي يهتم بيه، والدتي بتشتغل ووالدي بيشتغل وعمي هو اللي بيجي يقعد معانا.
صمت عن الحديث لا يرغب بالإفصاح عن نفسه، لا يريد أن يعري نفسه أمامها فتنظر له باشمئزاز، بينما تأثرت عاليا بحديثه، ماذا لو كانت هي؟ هل ستصبح ضحية مثله؟
مد عمر يده يتناول قطعة من الحلوى ولكن قسمها إلى شقين ومد يده لعاليا يهتف ببسمةٍ هادئة بريئة:
_ هنقسمها وناكل سوا.. بحب أعمل كده مع أخويا.
أومأت عاليا ولا يزال الصمت يبتلعها، تخشى الحديث فيكشف أمرها وتبكي عليه، في حين أغمض عمر عينيه بتلذذ شديد كمن لم يتذُق هذه الحلاوة من قبل، ليردف بكلماتٍ لمست قلبها:
_ كلت الحلويات دي برة.. لكن بتاعتك فيها حاجة حلوة ومختلفة..
أنهى تناولها بعدما عبء فمه، يهتف برجاءٍ واضح:
_ أنا مش عايز أروح خليني عايش معاكم علطول عشان خاطري يا طنط!
ابتسمت عاليا بحنوٍ، تحاول أن تجيبه بعدما مدت يدها بقطعة حلاوة أخرى:
_ إحنا هنفضل موجودين معاك يا عمر.. بس هنحاول نحل المشكلة عشان تعمل اللي نفسك فيه.. مينفعش نهرب من المشاكل ومنحلهاش.. في ناس مش هتساعدنا بالعكس هتأذينا فلزمًا ندور على حل... دا دوري بقى يا سيدي خد الحتة دي.
أعطته تلك القطعة بيده، تبتسم بحنانٍ طاغي، لتأتي وداد من المطبخ تسأل عمر باهتمامٍ واضح:
_ تحب تاكل إيه يا عمر؟ النهاردة الغدا على شرفك.
لمعت عينيه بسعادةٍ لوجود من يراه، من يسمعه ويأخذ برأيه، ليهتف برضٍ عما فعلته وداد:
_ كل اللي من إيد حضرتك جميل.
عبست ملامح وداد بضيقٍ، تهتف بحنقٍ ممسكة بكفه:
_ لا بقولك يا واد أنت مش هتبقى أنت ومحمد عليا.. تعالى يلا وريني شطارتك في المطبخ.
تفاجأ عمر من طلبها ولكن على الرحب إن كان هذا سيجعلني موجودًا بهذا العالم، بينما ابتسمت عاليا لوالدتها التي تساعدها لعدم بقاء عمر لوقتٍ طويل وحده فيعود يفكر بما يحدث ويبدأ بالدلوف لطريقٍ أخر للإدمان..
أرتفع رنين الجرس لتبتسم بسعادة فقد أتى زوجها، يا لها من لذة مختلفة عند قول زوجي، نهضت سريعًا تركض نحو الباب لتفتحه ولكن رافقتها شهقة قوية قلقة عليه ما أن رأت أرنبة يسانده، وجهه الذي بدأ بالتورم، لتسأل بقلقٍ واضح:
_ إيه اللي حصلك يا حربي؟ مين عمل كده!!
أجابها بإرهاقٍ متألم:
_ هيكون مين غير حد بنقفشه من المتحرشين!
قطبت عاليا جبينها بتعجبٍ، فعمر لن يقدر وعز انتقام في والدتها إذًا من سيكون؟، انتظرت أن يجيبها ولكن ما من جدوى لتهتف بنفد صبر:
_ ما تخلصني يا حربي مين؟
_ ألفت يا اللي ذكاءك عدى حدود البشرية.
وضعت يدها على فمها بصدمةٍ، في حين تمتم أرنبة بجدية:
_ هنروح بكرة للجامعة عشان نودي حمدي هتروح أنتم هناك وإحنا هنجيب حمدي وهنجي.
_حربي هيجي وهو مخلوع كده!
سألت بتلقائية شديدة، ليرمقها بنظرة مغتاظة يجيب بغضبٍ:
_ وهو أنا بقيت مخلوع كده ليه؟ ما من الهباب مشروع التخرج بتاعك.
مطت شفتيها بعبوسٍ، في حين نظر حربي لأرنبة يردد بحنقٍ:
_ روحني خليني أتخمد عشان نشوف الليلة اللي ورانا بكرة.
ضحك أرنبة عليه فقد أتى بعدما شعر باشتياقه لها، ولكن كلماتها جعلته يرغب بقتلها في ثوانٍ، سار به نحو الأسفل، بينما يتأوه حربي كلما تحركا خطوة واحدة أسفل نظرات عاليا المشفقة عليه.
****************
نظر حمدي لإحدى الفتايات بنظرة غير لائقة جعلت كلًا من حربي وأرنبة ينتفضا بقلقٍ من أن تلاحظ، ليزمجر أرنبة بغضبٍ:
_ ما تلم نفسك يا أشقر.. احترم يا عم الحرم الجامعي.
عض حمدي على شفتيه يهتف باشتهاء:
_ بقولك إيه الفرس دا ميعديش عادي كده.. ولا تحب تبقى أنت مكانها؟
تراجع أرنبة بخوفٍ من نظراته المتحرشة، بينما نظر حربي له بوجهٍ متورم مليء بالكدمات يردف بغضبٍ مكتوم:
_ كلمة كمان يا حمدي وهديك عطسة ويبقى وشك زي كده بظبط.
توتر حمدي من حديث حربي المتعصب وخاصة حديثه عن هذا المرض الذي لم يعلم معناه، بينما راقب أرنبة توتر وصمت حمدي عقب حديث حربي لينظر بذهولٍ يهتف بانبهارٍ:
_ حمشنتك.. تسيطر وتخض.
نظر حربي باستخفافٍ، ثم تحركوا نحو المبنى الكلية حتى صعدوا لمكتب وجيزة ولكن وجد عاليا وهبه يقفان على أعتاب الباب، تقدم حربي من عاليا قائلًا بتعجب:
_ واقفين كده ليه؟
علت السخرية وجهها، تجيبه بغيظٍ:
_ طردتنا وقالت ميدخلش غير المتحرش بس.
أومأ حربي بفهمٍ ثم أشار لأرنبة بأن يأتي ومعه حمدي الذي تحرك مع أرنبة يستمع لحديثه الواهي:
_ دي صاروخ أرض جو.. هتدخل جوا هتلاقي جسمك بيترعش من الحلاوة والدلال والحركات اللي هتعملها..
نظر حمدي بحماسٍ، يهمس بأعينٍ ملتمعة:
_ بجد ياض!
أومأ أرنبة عدة مرات كما لو كان يتحدث عن جورجينا وليست وجيزة، يكمل همسه بتأكيد:
_ يا حمدي محدش بيدخلها جوا إلا وبيخرج مش في الحالة اللي كان عليها.
مسح حمدي على صدره برغبة تشتعل في رؤية تلك الوجيزة، بينما ابتسم أرنبة بتشفى يفسح له المجال للدلوف قائلًا بعدما أغلق الباب:
_ بالشفا عليك يا حمدي.
************
ظل يدور بعينيه في الغرفة باحثًا عن تلك الحورية التي رسمها في خياله، ولكن تفاجأ من عدد الجماجم البشرية الموضوعة بكل ركن بالمكتب، وذلك الضوء الخافت لا يسمح برؤية أحد، لا ينكر شعوره بالقلق ولكن لا يهم سيرى فاتنته، أرتفع صوت حمدي بتعجبٍ من إخفائها:
_ يا مزة أنتِ هنا؟
_ تحرش لفظي واو ممتاز.
انتفض حمدي بعدما شعر بأحد يقترب من خلفه، استدار سريعًا بقلق يهتف بتوتر:
_ مالك يا مزة مضلمها ليه ما تخلينا نشوف طلتك البهية!
ظلت تدور حوله تنظر له بتقييم ثم تحركت بسرعة غريبة تقفز على مكتبها بعدما أرتفع صوت هذا الطائر تردف بصوتٍ حانق:
_ دعلوب أسكت دلوقتي.. خلينا نشوف المتحرش.
ازدرد حمدي لعابه بصعوبة من تلك الحركة العجيبة، فكانت كمهرج، نفض أفكاره وذلك الشعور المخيف وتقدم نحوها ببسمة ماكرة لن تدوم:
_ متحرش ليه بس يا مزة هو إحنا لسه عملنا حاجة عشان يبقى تحرش..
استدارت وجيزة ترمقه بنظرةٍ متفحصة ثم هدرت فجأة جعلت حمدي ينتفض بفزعٍ:
_ ممتـــــــاز متحرش مجمع من كله.. عظيم عظيم..
تراجع حمدي بقلقٍ من تلك المرأة، وسرعان ما صرخ بفزعٍ ما أن رفعت طائرها الذي تلتمع عينه في الظلام تقربه من وجهه بشكل مفاجأة:
_ يا بنت المجانين!
تهجمت ملامح وجيزة منه سبته، لتردف وهي تدور حوله:
_ خلي بالك لسانك دا هيتظبط.. بس مش دلوقتي.. قولي يا حمدي مبسوط في التحرش!
_ الحمدلله في نعمة يا مزة.. أهو بنسترزق.
ضربت وجيزة بيدها على المكتب بقوةٍ، لينتفض دعلوب من مكانه يطير بالمكتب يدور حول حمدي الذي صرخ بفزعٍ مما فيه، ليهتف بصراخ محاولًا فتح الباب ولكنه فشل:
_ ألحقني يا أرنبة.. خرجني من هنا.
أمسكت وجيزة بإحدى الجمجمات التي تغطي بوجهها جلد تمساح غليظ، تضع به عيدان خشب مدببة صغيرة للغاية، تهتف ببسمة جنونية:
_ تعالى وأمسك التحفة الفنية دي.. جلد تمساح فريد من نوعه.. جرب تلمسها زي ما بتعمل مع الناس في الأتوبيس
ألتصق حمدي بالباب بخوفٍ منها يحرك رأسه برفضٍ، بينما اقتربت وجيزة منه تقرب الجمجمة ثم ألتمعت عينيها فجأة قائلة بجنون:
_ أكيد بتسأل فين جمجمة التمساح دا... موجودة وهشارك جمجمة التمساح اللي سلختها بنفسي..
_ سلختيها.. يا ست متشكرين مش عايز من خلقتك حاجة خرجيني من هنا.
تهجمت ملامح وجيزة بشدة، تنظر بضيق متمتمة بحدة:
_ أنت مش عايز تشوف الجمجمة!!
توتر حمدي من السؤال، لتسترسل وجيزة تدير رأسها بشدة نحوه بينما جسدها موجه للمكتب، كانت مثل البومة عندما تدير رأسها، جحظت عين حمدي منها يرتعد للخلف بفزعٍ، بينما استرسلت وجيزة بفحيح:
_ مش عايز تلمس جلد التمساح وبتحب تتحرش بالناس!
نفى حمدي سريعًا، يردد بذعرٍ:
_ توبت أقسم بالله توبت وهطلع أعمل عمرة وأبدأ من جديد خرجيني من هنا يا ولية!
ظلت عين وجيزة تتسع بشدة، حتى هتفت بصوتٍ صارخ مخيف:
_ برة يا جاهل.. بـــــــــــــــــرة!!
انتفض حمدي يفتح الباب سريعًا، ليهرب من المكتب، بينما كان أرنبة وحمدي يقفان ينتظرانه ولكن رؤيته يهرب بفزعٍ يصرخ بعدم القدوم هنا مجددًا، حاول أرنبة الركض خلفه يناديه بصوتٍ عالي:
_ حمدي خد يالا حصلك إيه؟؟
نظرت عاليا وهبه نحوه يشعران بالقلق، فهتف حربي بتوترٍ:
_ هي عملت فيه إيه؟
مطت عاليا شفتيها ولا تزال نظراتها معلقة على ظل حمدي الذي اختفى، ولكن تأكد حربي وأرنبة بأن تلك السيدة المدعوة وجيزة ليست إمرأة عادية بل مخيفة لدرجة إهافة متحرش يحمل جميع أنواع التحرش.
******************
طرقات عنيفة مخيفة للغاية على باب الشقة، تعجبت محمد من قوة تلك الطرقات وسرعان ما شعر بالقلق من كونه أحد المتحرشين، لينادي عاليا متمتمًا:
_ عاليا تعالي أفتحي.
اتت عاليا من غرفتها تردد بحنقٍ:
_ وأنت متفتحش ليه.. مش شايف الخبط عامل إزاي!!
ابتسم محمد ببرودٍ يجيب:
_ ما عشان غبوة الخبط أنتِ اللي هتفتحي.
نظرت له عاليا بضيقٍ ثم تحركت نحو الباب تفتح بهدوءٍ بعدما أرتدت اسدالها، ولكن وجدت رحال الشرطة واقفون، ازدردت لعابها بتوترٍ قائلة:
_ خير يا باشا؟
نظر لها محتقرًا يردف بسؤالٍ مقتضب:
_ أنت عاليا محمد؟
أومأت عاليا له بالإيجاب، يخفق قلبها بخوفٍ واضح، حتى تراجعت بذعرٍ ما أن ردد الضابط بحدة:
_ هاتوها!