رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الخامس عشر 15 بقلم سلمي خالد


 رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الخامس عشر 

"حياة عمر سيد"
(عمر سيد) هذا الاسم وحده سيجعلك تتذكر ماضي مؤلم حتى لو مر مائة عامًا. 
ــــــــــــــــــــــــــــ
_ ولا يا حربـــــــــــــــي قوم أخلص خلينا نطمن على عمر! 
استمع لجملته بانزعاجٍ شديد يحاول أن يزيح يده التي تحاول أفاقته وتهزه بعنفٍ، بينما استمر أرنبة يهز حربي بقوةٍ يهتف بصوتٍ عالي مزعج: 
_ حربي.. حربي.. قوم يا حربي.. ولا قوم يالا ولا.. 
صرخ حربي به ينتفض من مكانه بعصبيةٍ بالغة قائلًا: 
_ عايز إيه من أمي!! 
حدق به أرنبة بذهولٍ ثم قال وهو يحرك رأسه بأسف: 
_ أمي!  أخلاقك انحدرت يا صاحبي.. 
علت بسمة ساخرة محياه يشير له بتهكم: 
_ من بعد ما عندكم يا صاحبي.. وحل عني عايز اتخمد شوية. 
أسرع أرنبة يمسك بذراع حربي يدفعه بعيدًا عن الفراش قبل أن يعود له،  يهتف بجدية: 
_ لا ويلا هنروح لعمر. 
انزعجت ملامح حربي بضيقٍ ينظر للساعة بالحائط وسرعان ما جحظت عيناه بصدمة وهو يردد مشيرًا للساعة المعلقة على الحائط: 
_ الساعة دي بايظة!! 
تمنى أن يخبره بخرابها ولكن نفى أرنبة يؤكد ببسمة مفتخرة: 
_لا سليمة وأنا اللي مصلحها. 
لم يتحمل حربي حديثه المفتخر وهبط بجزعه العلوي يحمل نعله الخفيف قائلًا بتوعد وغيظ: 
_ وأما هي الساعة سليمة يا حيوان مصحيني ليه أربعة الفجر.. رايح أحلب الجاموسة!!! 
انتفض أرنبة يركض بعيدًا قبل أن يطوله هذا النعل،  يبتعد عن مرمى بصره ولكن كان حربي محترف بإلقاء النعل(الشبشب)  فحدد وجته ثم ألقه بكامل قوته ليضرب مؤخرة رأس أرنبة، تأوه يسقط أرضًا،  بينما ابتسم حربي بفخرٍ تعتريها شماتة واضحة،  يقترب من أرنبة ممسكًا تلابيب ملابسه قائلًا بتوعد: 
_ بتفلت من شبشبي يا أرنبة.. دا أنا حربي والأجر على الله.. بتصحيني بدري ليه!!  أنت فاكر أبوه هيرضى يدخلنا! 
نفى أرنبة سريعًا يجيبه بلهفة عجيبة لا يعلم سرها: 
_مش عارف بس حاسس إني عايز أطمن عليه يلا يا حربي نروحله. 
صمت حربي يتطلع له بتعجبٍ، يعلق ببعض الدهشة: 
_ أنت مالك عايز تشوفه أوي كده ليه؟؟؟ 
نظر له أرنبة قليلًا ثم أجاب بصدقٍ لا يستطيع أن يخفى عن صديقه شيء: 
_ بصراحة حلمت حلم وحش لعمر والفجر أذن وخايف تبقى رؤية فعايز أطمن عليه لا يكون حصله حاجة. 
نظر له قليلًا يهتف لهدوءٍ: 
_ قول خير اللهم أجعله خير وقول حلمت بإيه؟ 
ابتلع أرنبة غصبة مريرة متذكرًا تفاصيل هذا الحلم الشنيع،  يجيبه بصوتٍ مختنق من بشاعة المنظر 
_ خير اللهم اجعله خير كان في حيَّة سودا عاملة تلف حوالين عمر وتعض فيه كل شوية وهو يصرخ يستنجد بحد بس مفيش حد معاه لحد ما بقى يجيب دم من كل حتة في جسمة من كتر العض الحيَّة دي. 
قلق حربي من تفاصيل هذا الحلم المخيف،  نعم يعلم أن هناك أحلام تُعد رؤية وهناك أضغاث أحلام وهو ظن ذلك ولكن تفاصيل هذا الحلم تعني وجود خطبًا ما بعمر،  نهض حربي سريعًا يهتف بجدية ممزوجة ببعض القلق: 
_ طب يلا بينا نلبس ونروحله نتطمن. 
أومأ أرنبة ونهض يسرع نحو غرفته ليبدل ملابسه سريعًا ويلحقان بعمر ولا يعلمان ما الذي حدث!! 
****************
وقف أمام باب الشقة بتعجبٍ وذهول،  فهو مفتوح على مصراعيه،  نظر حربي لأرنبة بقلقٍ هاتفًا: 
_ هو أنت متأكد من العنوان دا؟  الباب مفتوح على الأخر! 
_ أيوة عمر قالي عليه. 
قالها أرنبة متقدمًا نحو الداخل بخطواتٍ مترددة،  ينظر حوله ليبحث عن شخص يجيبه،  ولكن بقع دماء موجودة بالردهة،  وكذلك بعض قطرات الدماء موجودة باتجاه غرفة على يساره،  سيطر الخوف على قلبه،  نظر نحو حربي الذي بادله نفس المشاعر وتحركا يدلفان للداخل يمد يده ليزيح الباب الموارب كأنه ينتظر هذا الطارق منذ ساعات. 
جحظت عيني كلًا من حربي وأرنبة ما أن رأى الفراش به بقع كبير من الدماء ومحسن ملقى على الأرض لم يكمل أرتداء ملابسه السُفلية! 
هل يعني أن عمر وقع ضحية له مرة أخرى؟ حرك أرنبة رأسه برفضٍ يحاول ترجمة أي شيء غير ما أتى بذهنه يردد بذهولٍ ناكر: 
_ أكيد في حاجة غلط.. أكيد اللي فهمناه غلط!! 
نظر حربي له بأسفٍ، تقبض تلك الغصة على قلبه بقوةٍ كأصفادٍ حديدية ملتهبة،  تشتعل نيران مضطرمة بصدره كلما تخيل أن عمر تعرض لتلك الحادثة مجددًا وهو وحده دون أن يقف معه أحد. 
فاق من بركة أفكاره على صوت هاتف ملقى على الأرض جانبًا،  تقدم نحوه حربي يمسكه بسرعةٍ،  يرى اسم "وليد" وسرعان ما أجاب بثباتٍ قائلًا: 
_ ألو.. 
_ مين معايا وأنت مين؟ 
نظر حربي للهاتف بتعجبٍ ثم أجاب بهدوءٍ: 
_ حضرتك أنا صاحب عمر وجيتله البيت زيارة بس باب الشقة مفتوح فدخلت وأنت رنيت. 
_ طب أقفل باب الأوضة كويس ومتخليش ال**** دا يخرج منها وأنا جيلك. 
أغلق حربي معه ينظر للهاتف بصمتٍ وقد تأكدت ظنونه،  لقد حدث ما حدث لعمر.. لقد كُسر! 
****************
جلس أرنبة على إحدى الدرجات السُلم بعدما أغلق باب الشقة والغرفة بإحكام يحمل حربي المفتاح الغرفة بيديه حتى لا يفر ذلك الحيوان السادي، وضع أرنبة رأسه بيده راحتي يده يشعر بآلام متفرقة تقتحم صدره وتغرقه باللاوعي،  يتخلل قلبه الشعور بالندم لعدم إفشاء سر عمر وإخبار والده بتلك الجريمة التي تنفذ بكل ليلة!! 
أرتفع صوت أقدام أحدهم يصعد على الدرج،  ليرفع أرنبة رأسه ينظر نحوه بينما اعتدل حربي بوقفته بعد استناده على الحائط، ليعلو صوته هاتفًا: 
_ أنتم اللي رديتوا على التلفون؟؟ 
أومأ حربي بهدوءٍ، ثم مد يده بالمفتاح، لتقدم وليد نحوه قائلًا بشكر: 
_ بشكرك على وقفك معانا وإنك قفلت الباب بسرعة قبل ما يهرب. 
_ فين عمر دلوقتي؟ 
استدار وليد ينظر نحو أرنبة ذو عينان حمرواتان، ملامح منفعلة وصدر يحاول كظم عاصفة الغضب التي تجتاحه،  أجاب وليد بهدوءٍ وفطن علمهم بسر محسن: 
_ في مستشفى ال*****. 
أومأ أرنبة ينتفض من مكانه يسرع بخُطاه، وكذلك حربي الذي يشعر بقلق على عمر ويريد أن يراه. 
*************
صعد بخطواتٍ متلهفة نحو الغرفة سريعًا،  يبحث بعينيه عن المكان الذي يقبع به، وما أن وجده حتى اندفع بكامل جسده نحوه ليجد والده يجلس على الأرض ناكسًا رأسه وعينيه تذرف الدموع بحسرة لا مثيل لها،  ابتلع أرنبة لعابه بصعوبة، يحاول الحديث بثبات ولكن خانه صوت وأصبح محشرج من ملامح سيد المدمرة: 
_ عـ.. عمر كويس! 
إزداد نحيب سيد بشدة وتحطم قلبه بقوةٍ،  يشعر بألمٍ يغزو صدره مفتتًا قلبه دون رحمة،  هو من تسبب بقتل ولده.. هو المذنب بهذه القضية المخيفة، مد أرنبة يده يحاول السيطرة على دموعه قبل أن تهطل هامسًا بقلق: 
_ أستاذ سيد أمسك نفسك أبنك مينفعش يشوفك كده!! 
رفع سيد رأسه الذي نكسها منذ حضورهما،  يهتف بقلبٍ مكلوم وعينيان تسبان ببحر دموعه،  وجهه يشع بآلام مخيفة قاسية: 
_ أنا اللي كسرت أبني.. أنا كنت بجبهوله لحد عنده وهو متكلمش.. كان بيتعذب بسببي.. 
شهقة مخيفة متألمة خرجت من فِيه بعدما نطق أخيرًا، يعود بالحديث بكلماتٍ مخيفة: 
_أنا كنت بغتصب ابني وأنا مش عارف!! أنا عملت في ابني إيه؟؟  عملت إيه!! 
أدار حربي جسده يحاول الحفاظ على ثباته،  منظر سيد جالسًا على الأرض بكسرة مخيفة قاسية تهدد ذلك الثبات الذي يتحلى به،  بينما أغمض أرنبة عينيه بألمٍ فهو على دراية بحال سيد الآن، فتح عينيه يحاول الحديث بهدوءٍ فليس وقت الإنهيار الآن: 
_ مينفعش ابنك يصحى يلاقيك كده!  لزمًا تقف على رجلك وتعوضه عن سواد اللي شافه منه عمه.. 
نظر سيد بذهولٍ له، ليومئ أرنبة بهدوءٍ يجيب عينيه المتسائلتان: 
_ أيوة عمر حكالي اللي حصل كله.. لإن إحنا شوفناه بيعمل كده في طفلة في المدرسة ولحقناها ولما عرفنا بيته فين اكتشفنا إن عمه بيعمل فيه نفس اللي عمله في الطفلة الصغيرة ولما قعدت اتكلمت معه قال جُملة خلتني مش عارف أنام ولا أعمل حاجة في حياتي.. 
نظر سيد بتوجسٍ لما سيقوله،  ليسترسل أرنبة بألمٍ: 
_ قالي" أنا سبته يعمل فيا كده عشان يسيب حسن "
صدمة كست ملامح سيد بقوةٍ،  صاعقة قوية شرسة هبطت لتقتل ما تبقى من قلبه ويزداد نزيف روحه،  عادت الدموع تعرف مجراها لينكمش سيد على نفسه ببكاءٍ عنيف يهتف بمرارةٍ: 
_ سامحني يا عمر.. سامحني يابني مقصدش والله ما كنت أقصد. 
فصل تلك اللحظة المأساوية خروج الطبيب من غرفة العمليات ينزع قناعه الطبي،  ملامحه منزعجة تحمل ما بين الشفقة والألم، تقدم أرنبة نحوه يهتف بقلقٍ: 
_ عمر كويس؟؟ 

انفعل الطبيب بغضبٍ جامح ينفلت منه زمام الأمور،  يردف بصوتٍ منفعل حزين لأجلهما: 
_ مين الحيوان اللي عمل كده؟؟  الطفل عنده تمزق في فتحة الشرج ونزيف حاد كان هيسبب وفاته والتاني ملحقش عملية الاغتصاب وبخير! 
تجمد جسد أرنبة مما سمعه،  ليسترسل الطبيب بكلماتٍ قاسية لا تحمل رحمة لمستمعها: 
_ الطفل الأول الفتحة وصلت 5.5 سم.. دا غير العنف اللي اتعرضله في المنطقة دي والأمراض النفسية اللي اتعرض لها.. أنا مش فاهم فين أهله وإزاي يسيبوه يتعرض لكل دا ملحظوش تعبه ولا أسلوبه! 
أغمض أرنبة عينيه ولم يعد تحمل ما يُقال الآن يريد الهروب مما سمعه!  كيف لطفل أن يتحمل كل هذا وحده صامتًا!! 
تحرك حربي نحوه يهتف بصوتٍ مختنق: 
_ هو دلوقتي حالته مستقرة؟ 
أومأ الطبيب مقتضبًا،  يخبرهم قبل رحيله: 
_ هيتنقل لأوضة تاني دلوقتي.. وياريت تدورا على أخصائي نفسي أطفال وياريت بيفهم في حالات الاغتصاب اللي من الدرجة الأولى. 
وقف حربي وأرنبة ينظران لسيد الذي يرتجف جسده من شدة البكاء،  حسرة على ولده الذي ضاع ضحية لرغبات حيوانية،  تقدم أرنبة منه يقف أمامه يمسك كتفه بقوةٍ،  يعيد ميلها فتعود مستقيمة قوية قائلًا بحدة: 
_ هتفضل تعيط كتير!!  قوم شوف ابنك ودور على دكتور دلوقتي تسأله تتصرف إزاي أعمل حاجة ليه بدل ما يدمر خالص وبلاش عياطك دا. 
نظر له سيد بتوهان،  يومئ له بعجزٍ واضح،  يردد بعجزٍ: 
_ قولي أعمل إيه أنا تايه!! 
نظر أرنبة نحو حربي الذي رفع هاتفه يتصل بعاليا،  ينتظر إجابتها وما أن سمع صوتها حتى قال: 
_ لو الطفل اتعرض لاغتصاب أول خطوة أبوه يعملها إيه يا عاليا؟ 
تفاجأت من السؤال وشعرت بوجود خطبًا ما،  كادت أن تسأل ولكن يبدو سؤاله متعجل،  فأسرعت تجيب: 
_ محتاج والده ووالدته يتقبله بكل حب ويثبتوله إنه محبوب ومش مكروه يا حربي.. بحضن بكلام أي حاجة المهم يوصله الإحساس دا. 
_ تمام هقفل دلوقتي  ونص ساعة وهنكون عندك. 
أغلق معها سريعًا ينظر لسيد قائلًا بجدية وحزم: 
_ هتدخل لابنك دلوقتي وتبوس راسه وتحضنه وتتكلم معه إنك بتحبه وعمرك ما هتتخلى عنه. 
أومأ سيد ينظر للفراش الذي ينقل به ابنه غافيًا عن الجميع، لينهض بقلبٍ متلهف لرؤيته،  ينظر للسرير بأعينٍ متألمة هامسًا بحزنٍ: 
_ حقك عليا يا عمر.. يارتني أنا وأنت لاء يابني. 
ربت أرنبة على كتفه يهتف بجدية: 
_ هنسيبك معه النهاردة وبكرة هجيله أنا ومراتي ونقولك على أخصائي كويس تتابع معه ومع عمر وحسن. 
أومأ سيد ينظر له بامتنان واضح، بينما غادر حربي وأرنبة المشفى كلًا يحمل بقلبه الكثير ولكن لا يستطيعان النطق،  فليس هناك ما يُقال بعد ما قِيل من الزمن. 
**************
فتحت الباب لتجده يقف بوجه مكفهر،  ملامح متعبة من شدة ما رأى، أفسحت له المجال شاعرة بالقلق اتجاهه،  فما الذي حدث كي يتحول لتلك الملامح المخيفة، دلف بخطواتٍ يمدها ليجلس على الأريكة سريعًا،  حسنًا خارت قواه وانتهى الأمر. 
اقتربت هبه منه تجلس جواره،  تنظر له بصمتٍ تنتظر أن يتحدث ولكن ما كان منه سوى أن مال بجانبه ليدفن وجهه بعنقها، تجمد جسد هبه وما كادت أن تتحدث حتى استمعت لصوت بكاء مكتوم، انتفضت تبتعد عنه تنظر لوجهه بقلقٍ واضح قائلة: 
_ مالك يا أرنبة؟  حصل أيه؟ 
لم يقوَ على الحديث بل عاد يدفن وجهه بأحضانها الدافئة،  يغمض عينيه بقوةٍ ولكن لا مفر فدموعه سبقت كل شيء ولن تتنازل عن الهطول والخروج من هذا الأعصار الداخلي، تجمد جسدها قليلًا فلأول مرة تضمه بحياتها،  لم تعتد على ذلك ولكن لابُد من الوقوف معه،  لفت ذراعيه تضمه بحنوٍ بينما كان أرنبة يبكي بشدةٍ،  يهتف بكلماتٍ هزيلة: 
_ كسروه يا هبه.. كسروه خلاص..
لم تشء التحدث تركت له زمام الأمور،  ولكن لاحظت خروج والدتها تنظر لها بدهشة،  فأشارت لها برأسها أن تعود مجددًا حتى لا يخجل أرنبة منها وهو يبكي. 
نوبة بكاء أراد أن يخرجها فلم يجد سواها،  هي فقط من استطاع أن يلقي ما بداخله بين أحضانها،  نعم يعلم أنه لابُد من الصبر ولكن بالنهاية زوجته وقد حدث الإشهار. 
رفع جسده عنها يتنظر لها بوجهٍ متعب،  بينما ابتسمت له هبه بحنوٍ تمد يدها بكوب الماء قائلة بحنان: 
_ أشرب دا براحة. 
استجاب لها كالطفل صغير تائه،  يشرب كام تخبره بتروي حتى روى ظمأه،  لتمسك بيده بين كفيه الصغيرين هاتفة باهتمامٍ: 
_ حصل إيه يا أرنبة؟ 
نظر لها بأعين تعود لتدمع مجددًا ثم بدأ بسرد ما حدث.. 
************
_ هتفضل ساكت يا حربي.. أنت من ساعة ما جيت ساكت ووشك مخنوق. 
ردد عاليا جملتها بدهشة من تصرفه،  تحاول فهم ما يريد ولكن ظل حربي صامتًا لا يريد الحديث،  تنهدت عاليا بضيقٍ من صمته،  ثم لحت برأسها فكرة لتنهض سريعًا تتوجه نحو غرفتها،  تبحث بعينيها عن ضالتها حتى وجدتها لتبتسم باتساع تنتشلها سريعًا  منطلقة نحو الردهة بخطواتٍ متعجلة،  حتى وصلت أمام حربي تمد يدها له قائلة ببسمة خافتة: 
_ خد يا حربي السجادة دي وأدخل صلي في أوضة الصالون يمكن تهدى وتفوق. 
نظر لها قليلًا،  نعم هو بحاجة لربه، أمسك بسجادة الصلاة وأنطلق نحو الغرفة تاركًا الباب وموارب يضع السجادة على الأرض ثم بدأ بالصلاة بخشوعٍ يرتل من آيات الرحمان لعله نفسه الملتاعة تهدأ مما رأت ومما سمعت.. 
فبقع الدماء.. انهيار سيد.. شكل عمر.. تعقيب الطبيب.. تمر أمامه كشريط سينمائي سريع،  إلى أن وجد لسانه ينطق بتلك الآية بعدما اختتم الفاتحة يُقين أن ربه لن يدع حق هذا الطفل المسكين

"إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، أولئك لهم عذاب أليم"

سورة الشورى – آية 42

ركع حربي يسبح بالله العظيم،  ثم سجد تضرعًا تهبط دموعه رجفةً وألمًا على ما يشعر به اتجاه عمر،  يدعو الله له بأن يغادر الطفل تلك المحنة دون أن تترك أثار سلبية مخيفة داخله،  أنهى حربي صلاته ينظر جواره ليجد عاليا تتطلع نحوه بذهولٍ تتأكد من صوت نحيبه الذي علا دون أن يشعر،  تقدمت نحوه تمد يده لـ وجنتيه فلمست قطرات ماء مالحة، لتهتف بقلقٍ: 
_ مالك يا حربي حصل إيه؟؟ 
ابتسم حربي بإرهاقٍ يجيبها: 
_ مفيش يا عاليا بس روحنا لعمر النهاردة.. 
نظرت له بإهتمام أن يكمل،  ليبتلع حربي غصته يكمل بنبرة محشرجة: 
_ وعمه اغتصبه بعنف إمبارح بعد ما روّحنا وهو في المستشفى دلوقتي بعد نزيف حاد. 
لم يكمل باقي ما حدث له،  فيكفي رؤية شحوب وجه عاليا ورجفة شفتيها من قوة ما سمعت، نظرت عاليا نحوه بألمٍ تهتف برعشة أصبحت ملازمة لجسدها بهذه اللحظة: 
_ هو.. هو دا اللي رجعك مخنوق!! 
أومأ لها بالإيجاب صامتًا،  بينما وضعت عاليا يدها على وجهها تحاول منع دموعها ولكن هيهات وقد سقطت قوتها لتجهش بالبكاء بقوةٍ، لم يتحمل حربي رؤيتها هكذا فجذبها سريعًا يضمها بحنانٍ بالغ،  يحاول التهوين عنها ببضع كلمات حنونة طيبة، بينما تتشبث به تبكي بقوةٍ على ما مر بهءا الطفل، للحظات ندمت على دخول هذا المشروع فلو كان مشروع عادي لم كانت تعلم تلك القصص المخيف.
ظل حربي يهدهدها محاولًا تهدأتها، يخبرها أنه بخير وسوف يذهبون له بالغد ليطمئنوا عليه،  لتستكن هي معه غافية سريعًا  بعد نوبة بكائها الحادة التي ألمت قلبه وقلب والدتها التي ظلت تستمع لحديثهما بصدمة واضحة،  فقد عاشت مع عمر بضع ساعات ولكن كان بمثابة أيام شعرت به بونسٍ محبب لها. 
دلفت بخطواتٍ هادئة تسير نحو حربي الذي لا يزال يجلس أرض يربع ساقيه وعاليا ساقطة بين أحضانه كما لو كانت طفلته الصغيرة. 
ابتسمت وداد لهذا الشكل اللطيف، ومدت يدها تسحب عاليا عن حربي بهدوءٍ دون التفوه بكلمة فتركها حربي تفعل ما تريد فهي بالنهاية لم تصبح ببيته. 
**************
ألمٌ أصاب جزئه السفلي، فتح عينيه بإنزعاج متألم،  ينظر حوله لتقابل عينيه لهفة والده يتقدم نحوه قائلًا بقلقٍ: 
_ عمر أنت سامعني؟؟  فوقت؟؟ 
نظر لوالده بصمتٍ دون إجابة، يتأمل ملامحه المرتعدة عليه،  يتذكر أخر ما مر به،  لتلتمع عينيه بكسرة فهمها سيد سريعًا،  ليسرع بالحديث ويده تتخلل بين خصلات شعره بحنو: 
_ لا يا عمر أوعى تفتكر إنك اتكسرت.. أنا في ضهرك وهسندك لحد ما تقوم تاني.. 
حرك رأسه بتشنج واضح،  ينفر من لمساته،  هي نفس لمست عمه،  هو من ساعده على كسره،  لن يتهون معه، نظر عمر بنفورٍ نحوه متمتمًا بألمٍ أغرق صوته: 
_ أ.. أبعد عني أنا مش عايز منك حاجة! 
غصة قبضت على قلبه بل وعصرته بعنفٍ،  ينظر نحو ولده بأعينٍ مدمعة هامسًا بصوتٍ مختنق من شدة الدموع: 
_ لا يا عمر متعملش في أبوك كده.. أنا مليش غيرك أنت وحسن.. 
قاطعه عمر بغضبٍ وعدوانية واضحة: 
_ أنا وحسن اللي سبتنا لأخوك.. كنت كل يوم تجبهولنا عشان يعذبنا.. كل يوم كان يحاول يعمل كده في حسن وأنا أمنعه وأكون مكانه عشان حسن ميتأذيش كفاية التعب اللي فيه.. أنت السبب في اللي أنا فيه شايف دلوقتي أنا عامل إزاي؟؟ 
هبط عمر بنظره للأسفل،  يتأمل تلك الحفاضة التي يرتديها،  ليكمل بألمٍ ودموعٍ وجعًا مخيف: 
_ بسببك مش قادر أدخل الحمام لوحدي.. ملبسني حفاضة!!  عارف يعني إيه ولد في سني يلبس حفاضة عشان عمه كان بيـ**** بسبب أبوه.. أنا بكرهك بكرهك وعمري ما هسامحك. 
أرتجف جسد سيد بشدةٍ،  يشعر بنفور عمر منه بشدة، نعم لقد أخطأ ولكن ليس لأن يكرهه،  تسربت دموع من حدقتيه يطالعه بنظرة متألمة مصدومة،  بينما أبعد عمر عينيه عنه كي لا يضعف أمامه،  يعلم أنه ليس السبب ولكن هو من عاونه ليصلا لتلك الحالة الآن. 
*************
صباحًا... 
شدد على يدها المرتجفة،  ينظر لها بتشجيع أن لا تظهر ما علمته عنه بتلك الطريقة،  حاولت أخذ أنفاسها حتى تستطيع المواجهة،  فالآن هي على مشارف معركة مع مشاعر ثائرة، هتف حربي ناظرًا لأرنبة: 
_ خلوا بالكم عمر دلوقتي خارج من صدمة وسيد بيقول إنه بيتعامل بعدوانية شديدة عليه! 
أومأ الجميع ثم صعدوا إلى حيث يقبع عمر،  كلًا يحمل مشاعر فوضوية مبعثرة، ولكن بالنهاية هدفهم واحد وهو إخراج عمر من تلك الحالة البائسة،  طرق أرنبة الباب ثم دلف بخطواتٍ هادئة مبتسمًا بحماس: 
_ عمر يا عمر... 
أدار عمر رأسه ينظر نحو الباب ببسمةٍ متسعة يشعر بالراحة من رؤية أرنبة،  ليحاول النهوض ولكنه فشل بعد استلقائه على بطنه طيلة الليل، ليتقدم نحوه أرنبة متمتمًا بحنو: 
_ متقومش يا عمر أنا جايلك عشان أقعد شوية ندردش. 
أومأ عمر يبتسم بلهفةٍ لحديثه،  هو صديقه وبئر أسراره،  هو من تقبله بعدما علم الحقيقة كاملة، فهتف بأعينٍ مدمعة:
_ عمي..عمي وبابا السبب يا أرنبة!! 
ربت أرنبة على كتفه يحاول التماسك أمامه،  يهمهم بهدوءٍ: 
_ هتعدي يا عمر وهتقف على رجلك تاني متقلقش.. أنا واثق فيك. 
نظر له عمر بألمٍ ولكن قابله أرنبة بغمز قائلًا له: 
_ صحابنا جم برة. 
اتسعت عين عمر بصدمةٍ يهتف بذعرٍ وارفض: 
_ لالالالا بلاش يشوفوني هيعرفوا.. هيعرفوا وأنا هبان واحد حقير قدامهم. 
أمسك أرنبة بكتف عمر الذي يهتز بالرفض،  يثبته بحزم قائلًا بحنان: 
_ لا يا عمر هما جايين يطمنوا عليك..  محدش يعرف خالص فاكرينك وقعت واتعورت بس. 
كذبة صغيرة ولكن ليهدأ حالة الهلع التي رأها،  وبالفعل استجاب له عمر يصدق كل كلمة يقولها،  لينهض أرنبة نحو الباب ليشير بعينيه نحو حربي وعاليا وهبه ألا يتحدثوا،  ففهموا إشارته ودلفوا ببسمة سعيدة هاتفين بفمٍ واحد: 
_ ألف سلامة عليك يا بطل. 
ابتسم عمر بارتباك ولكن رد عليهم جميعًا ليبدأوا يتحدثون سويًا حتى بدأت مشاكسة عاليا لحربي قائلة: 
_ جرا إيه يا حربي هو كل ما تعطل تقول خسئت.. دا أنت خسئت البلد كلها. 
رمقه بنظرة غاضبة حانقة،  يغمغم بضيق: 
_ وأنا أعمل إيه بحاول مشتمش بس هطق من البشر اللي يجهلوا الأدب والأخلاق.. 
أشار عمر لأرنبة الذي هبط بالقرب من مسمعه: 
_ هو أخينا دا خارج من العصر العباسي؟؟ 
أومأ أرنبة بتأكيد يهتف: 
_ لا دا أقل حاجة عنده.. مسمعتهوش هو عايز يشتم واحد ويقوله يا قليل الأدب.. 
نظر عمر بعد فهم،  ليسترسل أرنبة بتوضيح: 
_ دا ولد لم يرَ التربية ولم يفهم معنى الأخلاق متدني الخُلق.. 
نظر له بذهولٍ ثم قال مشفقًا على عاليا: 
_ الله يعينها على دماغه. 
كبح أرنبة ضحكته،  بينما أكمل مشاهدة حربي وعاليا اللذان يتناقشان بحنقٍ كالأطفال. 
************
_ أنا خرجت كلهم برة عشان أكلمك في موضوع بينا. 
قالها أرنبة بهدوءٍ،  ليهتف عمر باهتمامٍ: 
_ موضوع إيه؟؟ 
أخذ أرنبة نفسًا طويل ثم قال ببسمة حنونة صغيرة: 
_ بص يا عمر.. عشان نعيش كويسين متخفش من حد وتقدر تحمي نفسك لزمًا نروح لدكتور نتكلم معه ويقولنل نعمل إيه صح؟ 
ظهر التردد على وجهه،  ليكمل أرنبة محاولًا إقناعه: 
_ زيها زي بظبط واحد عنده إمساك يا عمر هيعمل إيه ومفيش علاج ماشي معاه هيعمل إيه؟ 
أجابه بتلقائية: 
_ هيروح لدكتور. 
أومأ أرنبة بتأكيد لإجابته، يمسك بدفة الحديث مرة أخرى: 
_ وعشان يروح لزمًا يكشف.. فالدكتور هيشوف جزء اللي تعبه ويديله العلاج. 
تأمل عمر حديث أرنبة وفهم ما يدور عليه، تألم من فكرة معرفة شخص أخر لسره،  بيهتف بصوتٍ مختنق: 
_ بس مش عايز حد يعرف يا أرنبة.. أنا كده هتعرّى قدام الكل!! 
ربت على كتفه بحنوٍ، يشجعه بكلماتٍ هادئة لطيفة: 
_ وليه تقول تتعرى.. ليه متقولش إنك كده بتصلح الجزء اللي وجعك.. جزء اللي مخليك مش عارف تفكر ولا تتقبل وجود حد في حياتك.. دا مش تعريه قد ما أنت هتبقى شجاع عشان هتساعد نفسك تخف بسرعة وتعيش كل حاجة من جديد. 
لمست كلماته وترًا حساس يتمناه منذ بداية هذه الفاجعة، ظل صامتًا ولكن ملامح لانت يعلن عن موافقته على الفكرة،  ربت أرنبة على كتفه ثم نهض يقبل رأس عمر قائلًا ببسمة حنونة: 
_هجيلك بكرة إن شاء الله. 
أومأ عمر موافقًا،  بينما غادر أرنبة يخبر سيد بأن يظل صامتًا لا يتحدث بأي موضوع مع عمر حتى يستطيع الذهاب  للأخصائي وحل تلك المشكلة. 
**************
سار كلًا من حربي وأرنبة بتعبٍ بعدما أوصلا الفتاتان،  يصعدان السُلم بخطواتٍ انهكها التعب، مد أرنبة يده لجيب سرواله ليسحب المفتاح ولكن أرتفع صوت تمنى أن لا يسمعه بتلك اللحظة،  يهتف: 
_ أرنبة!! 

نظر أرنبة يزدرد لعابه نحو حربي قائلًا بعدم تصديق اما صوره عقله: 
_ نعم يا حربي!! 
لم يتحرك حربي بل ظل جامدًا،  يعلم صاحب هذا الصوت جيدًا،  ليكمل من خلفهما يغطى بظله جسدهما قائلًا بعبوس: 
_ كده متعرفش حمدي الأشقر صديقك الصدوق يا أرنبة دا جتلك وقاعد عندك أسبوع!!! 
_ منك لله يا حمدي يا أشقر.. كشفت شعري ودعيت عليك!!! 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1