رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل السادس عشر
"عودة حمدي الأشقر"
عزيزتي حياة لا تحكمي مما تريه هناك نوايا لا تتماشي مع الأفعال فأقع ضحية أفعالي وتبقى نيتي مكبوتة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى من سرد سبب أتيانه لهما، يرتشف كوب الماء في جرعة واحدة ثم وضعه على الطاولة يردف ببسمة متسعة:
_ بس يا سيدي خد بقى اللي فضل من هدومي بعد ما الحريقة مسكت في البيت وقُلت مفيش غيركم أبات عنده.
ابتسم أرنبة ابتسامة صفراء قائلًا:
_ يا زين ما اخترت.. يا زين ما اخترت فعلًا.
دار حمدي برأسه يرمق الشقة بنظر متفحصة، فكانت حجرتين للنوم والردهة والمطبخ بالطريقة الأمريكية والحمام، تأمل حمدي غرفة بإعجاب يهمهم سريعًا:
_ الأوضة دي عجبتني أوضة مين؟
_ منك لله هو أنت لازق فيا ليه!!
حنق ظاهر على ملامحه بعدما اختار غرفته، ينتفض من مكانه بفزعٍ ما أن ردد حمدي متجاهلًا جملته:
_ طب مش هتفرجني على الشقة؟؟
تراجع أرنبة بخوفٍ يهتف بقلق:
_ أنت هتتهور ولا إيه يا حمدي.. طب يا أخي ريح الجثة دي وبعدها أعمل اللي عايزه.
نظر له حمدي قليلًا ثم قال بضحكٍ:
_ هو أنت فاكرني بجد هبصلك؟؟؟
صمت أرنبة بعبوسٍ، ليسترسل حمدي بسخرية:
_أنت عبيط هبصلك على إيه؟
_ أنت قولت إني كلي إغراءات!
علت الصدمة وجهه يتمتم باستنكار:
_تقوم تترجم بالعك دا أنت عبيط ولا بتستعبط؟
ابتسم ببلاهة صامتًا، فنظر حربي له يسأله بحيرة:
_ والله جينا على سُمعة إنك شمال في الاتنين!!
حدجه حمدي بنظرة مخيفة غاضبة، يجيبه:
_ عشان الحمار اللي عايش معاه يخوفهم في المنطقة وميجوش ياخدوا الفلوس اللي عليه.
قال جملته ثم تحرك بوجهٍ متهكم يحمل حقيبته قائلًا بحنقٍ:
_ شكلك أنتم الاتنين أهبل من بعض.. دا أسبوع زي وشكم اللي هقعده معاكم.
أغلق الباب بحدة بوجههما، بينما ابتسم أرنبة بارتياح ما أن فهم نيته فلم تكن سوى لهو معه، دقائق وعلا صوت الجرس مجددًا ليتحرك أرنبة باتجاه ليفتح وما هي إلا دقائق ليجد صفعة قوية تأتي على وجهه، اتسعت عينيه بصدمة ينظر برهبة نحو الباب، بينما تقدم حربي ما أن استمع لصوت الصفعة يهتف بتعجب:
_ إيه صوت لسوعة القلم دا يا أرنبة؟
رأه لا يزال يحدق بالباب بصدمة دون أن يلتف له، تقدم ليرى ماذا يوجد هناك ولكن تلقى صفعة مخيفة هو الأخر يحدق بصدمة نحو الباب كما فعل أرنبة، في حين خرج حمدي يحك راسه بقوة قائلًا بخشونة:
_ مفيش هنا أزازة أصرف فيها لما أجي نايم!!
لم يجيب الإثنان بل ظلوا صامتين، ليتعجب منهما حمدي يتقدم نحوهما بدهشة متسائلًا:
_ أنت يلا منك ليه مبتردوش ليه؟
ظلوا على حالهما فظن حمدي أنهما لا يزالان يخشونه، فقال بحماقة:
_ في إيه يا أرنبة أنت وحربي مكنش جملتين عاكستكوا فيهم.. متخفيش يا أرنبة هنام جنبك بس مش هقربلك ولا هتحمرش بيك يا عم أبسط بقى وأنت يا حربي مش هدخل أوضتك.. كلمة حمدي الأشقر سيف على رقبتي.
أغمض أرنبة عينيه يستعد لتلقي الصفعة الثانية، وبالفعل ثواني مرت كان تلقى الصفعة الثانية وإلى جواره حربي الذي أخذها الأخرى دون رحمة ثم دفعت الإثنان بكفيها بقوة تدلف بملامح متهجمة تنظر لحمدي الذي اتسعت عينيه ما أن رأها، لتسرع بخلع نعلها والركض خلف حمدي قائلة بصراخ حاد:
_ بج عايز تتحرش بحفيدي يا واكل ناسك.. ليلتك مهياش فايتة وياي.
ركض حمدي بذعرٍ منها يهتف بصراخ ليتفادي ضربها الذي تلقاه:
_ آآآه براحة يا حاجة أتحرش بمين هو دي سحنة نبصلها.
شهقت جدة أرنبة بغيظٍ تهتف ولا تزال تركض خلفه بنعلها المرتفع:
_ حفيدي كيف فلجة القمر أنت متحرش وأعمش!! والله لتتجطع عليك وتحلف ما في مركوب نزل عليك زيه.
حاول حمدي الهروب منها ولكنها حاصرته كام لو حاصرت فأر، تبتسم بشرٍ قائلة بنبرةٍ تفوح منها رائحة الشر:
_ عارف شكلك بيفكرني بالفارة اللي ببلدنا.. كنت أحشرها في الحيط وأجطع عليها الجزمة لحد ما تهرب ومعتخشيش الدوار تاني..
أتسعت عين حمدي بقوة ثم سرعان ما صرخ بقوةٍ ما أن هبطت بنعلها عليه بقوة كما لو كانت تنتقم لكل من تحرش بهما حمدي في حين انكمش كلًا من حربي وأرنبة بزاوية بالردهة وهما يران هذا الفيلم المرعب ولا يعلمان هل سيأتي عليهما الدور أم ماذا ستفعل معهم الجدة " حيــــــــــــاة"!!!
****************
_ جبتي اللاب؟
سألت عاليا باهتمامٍ ما أن رأتها تدلف لها الغرفة حامل قدح الشاي وطرف الاسدال أسفل ذراعها، نظرت لها هبه ببسمة بلهاء تجيبها:
_ أيوة أهوه..
أمسكت عاليا بالجهاز الحاسوب وقامت بفتحه لتنظر داخل الملف وترى إلى أي حد وصلوا بالمشروع، حركت رأسها برضٍ عما وصلا له، لتسأل هبه وهي تلوك الشطيرة:
_ ها عرفتي وصلنا لإيه؟
أومأت عاليا تبتسم براحة قائلة:
_ آه.. بصي أول حالة كان عز ومصطفى والاتنين الحمدلله خدنا رأيهم ومصطفى نفسه اتعالج وبقى معتمد على نفسه.. وعز للأسف طبع شخصيته غلب عليه بسبب تربيته..
أومأت هبه بفهمٍ، لتسترسل عاليا بتفسير:
_ أما بقى الحالة التانية وهي التحرش الالكتروني ودا وصلنا حربي قالي إنه هيروح بكرة للولد التاني دا ويفهم سر إنه بيتعامل زي الناس إياهم دول مع أرنبة.
اترشفت هبه بتلذذ كبير، بينما نظرت لها عاليا بغيظٍ تمسك بقدح الشاي خاصتها نازعة إياه من يدها لتكمل شربه لتزمجر هبه بغضب:
_ إيه الغتاتة دي ما تقومي تعملي لنفسك!
ابتسمت ببرودٍ ثم قالت متجاهلة حديثها:
_ وكده هنكون خلصنا الإلكتروني.. التحرش اللفظي بقى دا كان مدموج بين مصطفى والولد اللي حربي هيقابله بكرة.. لإنه بيقوم على التنمر وكلمات خدشة للحياء.. وتهديد وغيره فكده خلصنا من التحرش العاطفي والالكتروني واللفظي..
نظرت هبه بعدم فهم لها معلقة:
_ هو إزاي التحرش اللفظي في الالكتروني.. مش المفروض اللي بنسمعه وبنتعاكس بيه من الشارع؟؟؟
أومأت لها عاليا توضح تلك النقطة:
_ كنت متلغبطة زيك كده.. بصي التحرش بشكل عام أصلًا هو إني ابتزك او أهددك او أهينك بشكل أما لفظي أو الالكتروني أو جسدي.. المهم أوصلك إحساس مزعج جدًا حتى لو بنظرة عين.. تمام كده؟؟
اومأت هبه لها عند هذا الحد، لتكمل عاليا بتوضيح أكثر:
_ المهم إن مصطفى اتعرض لتنمر والابتزاز في شغله دا غير الاستغلال النفسي والعاطفي فعشان كده مصطفى اتعرض لنوعين تحرش نفسي عاطفي ولفظي.
في حين بقى أرنبة وحربي وهما بيحاولوا يجيبوا متحرش برضو اتعرضوا لتحرش لفظي خادش للحياء السيكو ميكو وتهديد وابتزاز وطبعًا إهانة وكل دا تم بشكل لفظي الالكتروني..
فكل ما بتمشي خطوة بتحققي نوع تاني وأنتِ مش حاسه.
نظرت هبه بذهول إلى ما توصل له عقلها، هل يعني أن أولئكَ الناس لم يتعرضوا لنوع من التحرش بل لأكثر من نوع، هتفت هبه بصوتٍ مصدوم:
_يالهوي يا عاليا... دا كده الشعب المصري فعلًا على رأي أرنبة اتحرش بيه.
حركت عاليا رأسها بأسفٍ تبادلها نفس المشاعر المختنقة:
_ للأسف يا هبه ومش نوع واحد لاء دا أكتر من نوع.. عندك عم مصطفى دا نوعين بس ويعتبر أقلهم في التعرض للتحرش.. بصي حالته وحال أسرته أدمر إزاي ولما لحقناه من اللي كان فيه حالته أتغيرت إزاي؟؟
أومأت هبه بتذكرٍ فشكل مصطفى بعدما ترك العمل وأصبح حرًا لا يتعرض للابتزاز ولا للإهانة أعطى مساحة لنفسه بألا تُضغط من هذا الأمر بل وإعطاء كامل الشغف للعمل، لتعلق بحزنٍ على حال الناس:
_ أنا مش عارفة نساعدهم إزاي.. أنا واحدة بتخنق لمجرد نزولي الجامعة واتعرض لمواقف بايخة من الموصلات ولا السواقين..
زفرت عاليا بحنقٍ من فكرة عدم مساعدة الجميع، ناطقة بضيقٍ:
_ نفسي أعمل حاملة توعية كده.. أوضح للناس فكرة إن ربنا خلقك مكرم في الأرض متخليش حد يبتزك بالرزق أبدًا.. المحاولة عمرها ما بتفشل بتعلمك وتخليك تاخد خطوة لقدام.. معرفتش تتعامل مع الناس دي نروح لأخصائي هيساعدنا نتحرك ونلاقي الحل... بس في النهاية ميخلوش حد يبتزهم أو يحطهم تحت ضغط نفسي.. أي ضغط هيخليهم يفقدوا حاجات كتير وأولهم ضحكتهم.
تنهدت هبه موافقة رأيها، ثم سألت لتغير مجرى الموضوع:
_ طب كده فاضل إيه؟
نظر عاليا للجهاز مرة أخرى، لتجيب بتعجب:
_ هو إحنا خلصنا يعتبر التحرش البصري من اللي اسمه حمدي الأشقر دا.. وعمر خلصنا من تحرش السيكو ميكو بالأطفال بس فاضل تحرش سيكو ميكو بالرجالة والستات والجسدي.
قطبت هبه جبينها بتعجبٍ متسائلة باستنكار:
_ تحرش سيكو ميكو بالرجالة إزاي؟؟ دا هما أساس الوباء.
_ عالــــــــــــــــيا.
انتفضت عاليا من مكانها تنظر نحو الباب وخاصةً لملامح والدتها المتهجمة، لتهتف بقلق ممزوج بخوف:
_ في إيه أبويا كل ورثك؟؟
هدرت وداد بحدة لا تحمل معنى المزاح:
_ ياريته كان كل ورثي كنت قولت ماشي طماع.. إنما واحدة تشقطه في التلفون وتقوله مستنياك في المكتب.. بيخوني الراجل الشايب!!
_ احترمي نفسك يا وداد إيه شايب دي؟؟
نطق محمد بتذمر، لتستدير وداد بملامح متهجمة مخيفة ترسل شرزًا مخيف أسفل نظرات هبه وعاليا المهتمتان بالأمر للغاية:
_ ما طبعًا مش شايب.. ليك عين تقول كده.. مش بتتعاكس يا بيه.
نفى محمد سريعًا يحاول أن يبرر موقفه بحرجٍ وتوتر دون حساب ما يقوله:
_ والله يا وداد أبدًا.. دا هي اللي ولية لزقة.. اتطلقت من جوزها وكل شوية تعاكس فيا وتحاول تلمس إيدي..
انتفخت عروقها بدماء الانفعال الحاد، تنظر له تصرخ به بحدة:
_ نعــــــــــــم بتـ.. إيه بتلمس إيدك.. آآه يا خاين يا شايب بتخلي واحدة مطلقة تلمس إيدك.. مش قعدلك في البيت تاني.
دفعته بكلتا يديها تسير نحو الغرفة وصدرها يعلو ويهبط من شدة الانفعال، بينما لحقها محمد يحاول تبرير موقفه السخيف معها لعلها تصفح عنه بفعل لم يُقدم عليه بل تلك المشعوزة هي التي بدأت بأفعالها الخبيثة..
نظر عاليا نحو هبه التي أدارت رأسه بنفس اللحظة، ثم زحفت بسمة خبيثة لشفتيها قائلة:
_ كده يبقى فاضل نوعين... واحد سيكو ميكو... والتاني الجسدي.
عادتا الإثنتان ينظران نحو محمد الذي حاول بكل الطرق تهدأ وداد ولكن هيهات ولقد انفجر بركان غضب ثائر بها.
**************
_ هعلمك تمسح الإزاز إياك ولا إيه.. أمسحه عِدل يا واكل ناس!
زجرته حياة بحدةٍ تلكزه بكتفه، لتعبس ملامح أرنبة بتذمر يهتف بضيقٍ:
_ ما بنفض أهو يا ستي..
لكزته مرة أخرى تردف بحدةٍ:
_ بترد كمان.. الله يرحمك يا ولدي لو شافك إكده كان جندل عيشتك.
ابتسم أرنبة ببرودٍ يجيب:
_ الله يرحمه ويبشبش الطوبة اللي تحت راسه.
منحته نظرة غاضبة ثم نظرة نحو حمدي الذي رفع بنطاله حتى نص فخذه يمسك بقطعة قماشة بالية يغرقها بالماء ثم يبدأ بمسح الأرض، لم يرق هذا لحياة فتقدمت منه وبدأت بسكب الماء مجددًا على الأرض، فصرخ حمدي بصدمةٍ وحسرة:
_ أنتِ بتعملي إيه دا أنا لسه عاصر الخيشة من شوية!!
ابتسمت حياة بتشفي، تمسك بعصى الممسحة تضربه بجانبه قائلة بنبرة حادة:
_ وأنت مسمي العك دِه مسيح إياك.. أتجندل عدل يا شملول.
ألقى القمشة على الأرض بغيظٍ لتلكزه بالعصا بعنفٍ، تأوه حمدي بقوة من ضربتها ليمسك بالقماشة ثم بدأ بتنظيف مجددًا، استدارت حياة نحو حربي الممسك بالمقشة ينظف الشباك من الشبك عنكبوت والأتربة العالقة به، نظر بتقييم للشباك ثم قالت بسخرية:
_ أتعميت إياك!! العنكبوتة جد راسك الفحل دي مش شايفها؟؟
نظر لها حربي بغضبٍ ثم صك على أسنانه بغيظٍ يهمهم:
_ استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.
ابتسمت باستخفاف تغمغم بتهكم:
_ استغفر كُمان مرة ليا... ميزان حسناتي اتفضى على عفنتكم.. كِيف جاعدين في الشجة وهي مكمكمة كيف ما يكون ميت فيها بجرة؟؟
نظر لها بحرجٍ وغضب في آنٍ واحد، ثم عاد يكمل تنظيف هذا الشباك بحدة، لتتحرك حياة تجلس على الأريكة تنظر لهم بفخرٍ قائلة لنفسها:
_ براوى عليكِ يا بت يا حياة.. لسه هيبتك إمحافظة عليها ومشغلة رچالة بشنبات.. أشتغل عِدل يا واكل ناسك منك ليه.. هجوملكم تاني وياويلكم مني.
نطقت جملتها الأخيرة بتهديدٍ صريح، في حين عاد كلًا من الثلاثة يعملون بجدٍ وهمة كي لا تنهض حياة مرة أخرى، فابتسمت بانتصار تهتف براحةٍ:
_ يا سلام على طيبة جلبي...
*************
أمسك بظهره بألمٍ بالغ بعدما جعلته حياة تنظف جميع أركان المنزل، يعوج فمه بسخطٍ قائلًا:
_ أما كل دا وفاكرة إننا عُزاب أمال لما تعرف إننا اتجوزنا هتعمل ايه!!
تحرك نحو المدرسة التي يقبع بها هذا الفتى المتمرد عن الطبيعة، ظل واقفًا أمام المدرسة يراقب خروج الفتيان واحد تلو الأخر فـ بالغالب جميعهم يغادر بشكل جماعات... إلا هذا الفتى يسير بمفرده ينظر أمامه بشرودٍ، دقق حربي بملامحه ثم تحرك نحوه حتى وقف أمامه يعيق حركته، رفع الشاب رأسه بنظر نحو حربي بتعجبٍ ليهتف بهدوء:
_ محتاج أتكلم معاك في موضوع مش أنت سيف نصر الدين؟
أوما الفتى بهدوءٍ والتعجب يملأ معالمه، ليتمتم حربي ببسمة هادئة:
_ إيه رأيك نتمشى لحد البيت ونتكلم.
وافق سيف بتعجبٍ صامت، ثم سار مع حربي بخطواتٍ ثابتة إلى طريق المنزل، ليظل حربي صامتًا دون التفوه بكلمة، أنزعج سيف من طريقته الباردة ليهتف بضيق:
_ هو أنت هتفضل ممشيني كتير وإحنا ساكتين؟؟
_ ساكت عشان بدور على طريقة أسأل بيها.. فملقتش أنسب من كلمة ليه؟
نظر سيف بعدم فهم له، مستفهمًا:
_ ليه إيه معلش؟؟؟
أجاب حربي بهدوءٍ:
_ ليه تخالف طبيعتك البشرية وتمشي عكس الناس.. ليه تكلم شاب وتطلب منه حاجات خاصة ويجيلك الشقة وتتكلم بإيحاءات ولد في سنك مينفعش يطلبها.. ولو طلبها يطلبها من ولد زيه؟؟؟؟
شحب وجه سيف، يهرب الدماء من وجهه، ينظر نحو حربي برعبٍ، يحاول نفي ما يقوله، فملامح حربي جامدة صلبة ليست تلك التي يمكن اللعب عليها، ولكن أوقفه حربي بهدوءٍ:
_ أنا مش جاي أحكم عليك وأعاقبك.. بس إيه اللي يخلي ولد شاب في عز شبابه يبقى عنده المعتقدات دي؟؟
أزدرد الشاب لعابه بصعوبة، يتهرب بعينيه بعيدًا عنه، لا يريد إفشاء سره، لقد أدمن ما يفعل، وهو سيمنعه من تلك الطبيعة التي تعوّد عليها، مد حربي يده لكتفه يهتف بصوتٍ يحمل لُطف:
_ ليه متردد ومش عايز تقول.. كل الفكرة أني عايز أفهم سبب مش أكتر.. لكن لا هلومك ولا هعمل حاجة.. وحتى لو مثلًا حصل كل اللي بينا مقابلة واحدة وخلاص!!
بدأ سيف بالاقتناع لما قاله، يومئ برأسه بموافقة مترددة، ليمد يده من جيب سرواله يخرج الهاتف ويمد يده نحو حربي الذي نظر بعدم فهم، فهتف ببسمة بائسة:
_ هو دا السبب.. أمي كانت لما تحب تخلص من زني وأنا طفل تسيبه ليا.. وفي مرة ظهر قدامي فيديو لمشهد خارج وأنا وقتها كنت في ستة ابتدائي، دخلت على جوجل ودورت في الموضوع وعرفت كل حاجة ومن وقتها والرغبة بتزيد جوايا وغصب عني مش عارف أعمل إيه.. وبدأت أدور على طُرق عشان أهدي رغبتي وبدأت بنفسي أنا مش عارف صح ولا غلط بس كنت محتاج أعرف وأفهم.. ومحدش كان معايا لا بابا ولا ماما وبعدها يعني..
صمت عن الحديث بخجلٍ لقد تفوه أكثر مما ينبغي، بينما نظر له حربي بلُطفٍ دون أن يظهر نوعًا من الإنزعاج، ليعود يربت على كتفه مجددًا قائلًا:
_ متخفيش يا سيف.. أنا عارف إن أوقات عقلنا بيتلغي وقت ما بنكون قدام رغبتنا.. الشيخ الشعراوي قالك
"لا تقف أمام الشهوة وتقول: أنا قوي، لا. أنت ضعيف، استعن بالله، واهرب من موطن الفتنة، فإنك إن لم تهرب، وقفت وحدك أمام ضعفك."
وأكبر دليل إن كلامه صح ربنا أكد في القرآن إنه ضعيف في سورة النساء
(وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً﴾
فأنا مقدر حالتك دي..
شعر سيف بأن هناك من يتفهمه، يعلم أنه يسير دون إرادة منه كما لو كان مغيب تمامًا، ليسترسل بخجلٍ:
_ لما حسيت إن الموضوع دا مش كفاية عملت أكونت ودخلت في جروبات تخص المواضيع دي وبدأت أتكلم ودخلي كذا شاب وأتكلموا معايا وقالولي إن دا أفضل بدل ما نكلم بنت وتخسر أي حاجة أهو إحنا شباب في بعضينا ومحدش هيتأذي وأدمنت الموضوع وبعد ما كانوا هما اللي بيتكلموا أنا اللي بيقت بتكلم وبهدد لو الشاب اللي بكلمه منفذش اللي عايزه.... بس كده أنا عادي يعني ربنا خلقني كده ضعيف فعادي؟؟؟
فهم حربي سر وراء كل هذا، يعلم رغبته بتبرير الموضوع حتى يثبت هذا الاعتقاد المرسخ داخله لسنوات، تأمل سيف ببسمة هادئة كما لو كان أخ، ثم أجابه:
_ تعرف قصة سيدنا لوط؟
نفى سيف برأسه، ليكمل حربي بهدوءٍ:
_ قومه كانوا كده.. وربنا بعت سيدنا لوط عشان يرشدهم بس تمسكوا برغبتهم أكتر لحد ما خسف بيهم الأرض وقال في كتابه
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ﴾
(هود: 82)
يعني خلى عليها وطيها دا غير طبعًا الحجارة اللي أمطرت عليهم وعذبتهم..
كل دا ليه بقى؟ عشان كان بيختاروا الرجال عن النساء ووضحها في القرآن برضو
(إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ﴾
(الأعراف: 81)
ربنا شرح كل حاجة تخصهم عشان عارف إن حد زيك كويس بس مش عارف فين الصح والغلط ممكن يقع في غلطة زي دي.
ارتجف جسد سيف رعبًا مما سمع، فآيات العذاب قوية للغاية، أتت الرهبة لقلبه، فهتف بذعرٍ:
_ أعمل إيه أنا أدمنت الموضوع؟؟؟
زفر حربي بتمهلٍ ثم قال:
_ الأول لزمًا ترجع لربنا وتعرف إيه حكم اللي يعمل كده.. تاني حاجة تبعد عن التلفون بقدر المستطاع، ولو لقيت نفسك هتمسكه تنزل تتحرك المهم تقطع أفكار.. الموضوع مش هين لكن ربنا غفور رحيم لتوابين.
أومأ سيف بتوترٍ مما سمعه، يحاول أن يرى الموضوع بجهة أخرى، ولكن لا يرى سوى نفسه وسط كل هذه المصائب مخطئ، لينظر نحو حربي بتردد:
_ هو أنا وحش؟ يعني ممكن محدش يحبني عشان بعمل كده؟؟
صمت لدقيقة يحاول ترتيب إجابة مناسبة لهذا السؤال، يجيبه بتروي:
_ أنت مش وحش ربنا خلقك ورقة بيضا بتتشكل.. في ناس ظروفها بتحطها إنها تبقى وحشة بس ربنا إداك حرية الاختيار أنت عايز تبقى كويس وتتحب ولا وحش ومتتحبش.. أي حاجة بتخالف الطبيعة الناس بتبصلها أما بسخرية يا بقرف يا بكذا صورة..يعني مثلًا نزلت بلبس هندي ورايح الشغل اللي كل زمايلي بيلبسوا بِدل فهل هتشوفني شخص عادي؟؟؟
نفى سيف برأسه فسوف يراه مختل، ليكمل حربي بهدوءٍ:
_ نفس الوضع..الطبيعي إن رجال والنساء مع بعض في إطار شرعي ربنا حلله اللي هو زواح... لكن رجال للرجال دا حرام ومخالف للطبيعة.
فهم سيف حديثه، أشبع عقله بتلك الإجابات، ليمد يده بالهاتف قائلًا:
_ خلاص حط رقمك عشان محتاجك تفهمني حاجات كتير أنا مش عارفها.
أمسك حربي الهاتف يعطيه رقمه، ولكن قلبه يحمل ندبة مؤلمة بسبب إهمال تلك الأسرة لابنهم.. فأصبح مخالف للطبيعة بسببهم.
**************
طرق الباب يلتفت من حين لأخر خلفه يخشى أن تراه حياة، لا يعلم كيف ستخترق الحائط والعمارة التي بها عاليا ولكن بات يخشى وجودها فهي ذات قوة وسيطرة مخيفة، فتحت عاليا الباب تنظر لملامح حربي المتوترة ولكنها لم تنتبه فكل ما ركزت به خوفها من تلك الرسالة لتردف بذعرٍ:
_ ألحقني يا حربي مديرة المدرسة بعتت رسالة بتهددني بيها إنها هتبعت ناس وتتخلص مننا!!
جحظت عينيه بصدمةٍ منها فليس وقتها الآن، يكفي ما تفعله حياة معه، ليردد بتوترٍ:
_ طب بصي دي مصيبة.. في مصيبة تانية.
نظرت له بقلق، ليردف حربي بصعوبة:
_ جدة أرنبة جت من البلد ومتعرفش إننا كتبنا الكتاب وهي لو عرفت لتشندل عيشتي وعيشتك وعيشة حمايا وحماتي والحارة كلها.
_ لا ما هي عرفت خلاص.
نظر لعاليا بعدم فهم، لتشير بأعين متوترة تتراجع للخلف بخوفٍ ما أن رأت حياة تمسك بتلابيب أرنبة بقوةٍ وكذلك حمدي كبش الفداء الذي يصرخ بها:
_ يا حاجة تيزا أنا مالي.. دي مشاكل عائلية بينكم..
ثم أضاف بحسرة وندم:
_كان يوم مبينلهوش ملامح يوم ما قُلت هاجي أقعد عندك!!
زجرته حياة بعنفٍ تهتف بصوتٍ كالرعد:
_ أتكتم يا واكل ناسك.. بتتچوز من ورايا إياك.. الله في سماه لاخليكم ما تنفعوا جوز حمام حتى يطير!!
نظر أرنبة لحربي يستنجد به بذعرٍ:
_ ألحقني يا حربي ستي هتخرجني من الدنيا قبل ما أدخلها!!!