رواية لعنة الضريح الفصل الخامس عشر بقلم منى حارس
استيقظ فهمي من نومه بفزع على صراخات زوجته ركض مسرعًا باتجاه غرفة أينور، ولم يلاحظ تلك الأيادي السوداء التي خرجت من أسفل الأرض فجذبته بقوة، فسقط فهمي على وجهه وهو يصرخ برعب متألمًا..
من شدة السقوط على الارض وفي الغرفة الأخرى، كانت هناء تنظر بتعجب شديد الى ذلك الممر أمامها فصرخت برعبٍ تستغيث وتنادي على زوجها..
ولكنها سمعت صوته وهو يرد عليها ثم يسقط على الأرض ويصرخ برعبٍ بعدها متألما فأسرعت إليه وتركت كل شيء خلفها لتساعده فقالت برعبٍ وقلقٍ وهي تنظر لجسده الممدد على الارض :
فهمي جرالك إيه إنت كويس قوم معلش يظهر إن الأرض لسه مبلولة من التنضيف.
فقال برعب:
مش عارف حاسس زي ماتكون إيد شدتني وقعتنى على وشي ، فسألها قائلًا:
وانتي كنتي بتصرخي ليه؟
فقالت هناء برعبٍ:
ايد شدتك ازاي مش فاهمه متخوفنيش
مش عارف يمكن بيتهيألي المهم انت مالك ؟
تعالى اوريك مش هتصدق عنيك. وأخذت زوجها إلى غرفه ابنتها أينور فكانت المفاجأة تنتظرها في الحجرة..
قال فهمي متألمًا من أثر السقوط على الأرض:
فيه إيه يا هناء قولي انا تعبان بجد ؟
فنظرت هناء بذهول إلى الممر فلم تجد شيئًا وقالت:
دا كان هنا يا فهمى من ثواني بس وأسرعت إلى الجدار بجوار المكتب تبحث عن العين السوداء وتتحسه بحذر فلم تجد شيئًا.
هو إيه اللي كان هنا دا يا هناء بس قولي ؟
مش عارفة زي مايكون نفق أو ممر سري، ظهر لما ضغطت على رسمة عين في الحيطة، معقول يكون بيتهيألي كل دا انا يظهر اتجننت ولا ايه .
واخذت تفتش وتبحث عن العين بغير تصديق وعن الممر والنفق المظلم، ولكن بلا جدوى ولا أمل وغادر الزوج الحجرة وتركها حائرة كان يريد الراحة والجلوس في مكان وحيدا يفكر فيما يحدث له ولعائلته, نظر سريعا الى المفتاح الاسود بين يديه .وخرج وهو يتسند على الجدران ويشعر بالدوار .
&&&
وصممت الأم أن تعرض ابنتها على طبيب نفسي؛ الدكتور مجدي جارهم. وعند عودة أينور من المدرسة أخذتها الأم وذهبتا إلى عيادة الطبيب، ودخلت الأم إلى الطبيب بمفردها، وحكت له عن الطفلة وتغيُّر حالها وتصرفاتها من بعد الانتقال إلى الشقة الجديدة، ودخلت الطفلة بعد ذلك، وفي حجرة الكشف كانت تجلس أينور باسترخاء شديد وتبتسم، وقال الطبيب:
إزيك يا أينور؟
فردَّت أينورر:
الحمد لله كويسة أووي يا دكتور مجدي.
د مجدي:
إيه رأيك يا أينور نكون اصحاب ونحكي لبعض عن مشاكلنا.
أينور:
طيب مش الأول لما نعرف أسامي بعض.
د مجدى :
خلاص يا ستي تحبي اناديكي بإيه بالظبط , تحبي تسمى نفسك ايه .
أينور:
تنادينب بإسمي الحقيقي إيشتور.
د مجدى:
إيشتور، إيه الإسم الجميل دا.. وجبتيه منين يا أينور؟
أينور بغضب:
قولتلك إسمي ايشتور يا دكتور، وهنا تغير لون عينيها قليلًا وهي تنظر له بتحدٍّ شعر الطبيب بالرعب عندما تغيَّر لون عينيها للون البنفسجي وقال بتوتر :
خلاص يا إيشتور وهنا عادت عيناها لطبيعتها.
فتساءلت أينور:
إيه رأيك في اسمي يا د مجدي؟
فرد الطبيب:
جميل أوي، بس اشمعنى الإسم دا..؟
فردت أينور:
ماما اللي سمتني ايشتور قبل ما اتولد، بس بابا مكنش عايز ايشتور تعيش، وماما قالت للدكتور يموّتني. أنا كنت سمعاهم كويس أوي هما مبيحبونيش أبدًا بيحبوا اينور وبس لكن ايشتور تموت ..
شعر الطبيب بالرعب الحقيقي والتوتر من كلام الفتاة الغريب، وطلب منها أن تذهب الآن وسوف يتقابلان مرة اخرى حتى تحكي له حكايتها وكيف كان والديها يريدان قتلها وكيف كانت تسمعهم وتسمع كلماتهم السئه عنها . ..
وهنا شعرت الفتاة بالسعادة مع الطبيب ؛ وبأنه سيستمع إلى حكايتها كاملة وعند خروجها من باب الغرفة، قالت للطبيب بحزم لا يتناسب مع سنوات عمرها القليلة :
ايشتور مبتحبش حد يكذب عليها لو قلت لحد سري هتندم ندم عمرك يا مجدي انا ايشتووووووررررررر.
وهنا شعر مجدي بالرعب الشديد من الفتاة ومن طريقتها بالتهديد ، وخرجت أينور ودخلت الأم بعدها بمفردها تسأل عن ابنتها وماذا بها….؟
فأخبرها الطبيب قائلا :
بنتك عندها انفصام في الشخصية وحالة اكتئاب شديد، ياريت تسافروا وتغيروا جو شوية بعيد عن الشقة وجو المقابر والموت وحبها لمشاهدة المقابر كل يوم دا هيخليها تكون أفضل ويحسن نفسيتها كتير يا مدام .
&&&&
جلس فهمي بغرفة ابنته أينور و وهو ينظر للغرفة ويمسك المفتاح الغريب الذي أعطته له الفتاة في الحلم وهو متاكد أن كل ما شاهدته زوجته حقيقي وليس خيالًا ، ردد بهمس :
أكيد في سر في الاوضة دي؟ وتساءل فهمي قائلًا:
ياترى مفتاح إيه دا وهنا قطع حبل أفكاره، طفلاه الصغيرين إيناس وإيهاب وهما يدخلان الغرفة ، قالا بصوتٍ واحدٍ:
بابا إحنا عايزين نرجع شقتنا القديمة، مش عايزين نعيش هنا، إحنا بنكره البيت دا اووى ، أرجوك خلينا نمشي بسرعة من هنا .
وتساءل الأب:
ليه كدة يا ولاد حصل ايه فهموني ؟
فترد إيناس بسرعة وبرعب شديد:
إحنا خايفين الشيطان يحبسنا زي ماحبس أختنا عنده .
ردَّ الأب سريعًا:
شيطان إيه يا إيناس أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ايه الكلام الغريب دا يا بنتي .
ردد إيهاب برعب:
الشيطان ابو قرون سودا يا بابا دا شكله مرعب اووى ومخيف وبيكرهنا كلنا وعاوز يموتنا .
فقال فهمى بتوتر:
إنتوا بتقولوا إيه يا ولاد؟!
إيناس:
لازم نمشي بسرعة قبل ايشتور ماترجع يا بابا.
فقال فهمي بتوتر حقيقي:
ايشتور مين.. فصرخ الطفلان بصوت واحد:
أختنا اختنا التانية يابابا.
وهنا فتح باب الشقة ودخلت الأم إلى المنزل بصحبة ابنتها اينور , التي كانت تنظر لهم بغضب كبير وغل على تواجدهم بالغرفة فصمت الطفلان واسرعا يركضان الى غرفتهما ,وهما يشاهدان نظراتها المتحفزة لهم ، ووقف فهمي يشعر بالصداع الشديد مما يحدث ويشاهد نظرات ابنته وعيونها التي تغيرت للون البنفسجى ، فصمت ولم يقل شيء , بل خرج من الغرفة هو الاخر مسرعا تاركا الفتاة وشانها , فاغلقت الباب خلفه بحده وسمع بعض الزمجرات الغريبة .
قصَّت هناء ما حدث وكلامها مع الطبيب وقرروا أن يغادروا الشقة الجديدة ويسافروا إلى الإسكندرية لمدة أسبوع لتغيير الجو قليلًا فربما استعادت الاسرة ما فقدته في الايام الاخيرة , وعادت الفتاة لطبيعتها فلا احد يعرف ما حدث لها ، وفي اليوم التالي اتفق فهمى على كل شيء واستأجر سيارة أجرة لنقلهم للأسكندرية و أعدت الأسرة الحقائب وأسرع الطفلان بالنزول إلى سيارة الأجرة أسفل البيت، لكن أينور رفضت الرحيل وترك غرفتها مهما فعلوا ، وظلت تصرخ بهيستريا شديدة وبطريقة غريبة جدا وهي تنظر من نافذة غرفتها للمقابر قائلة:
مش هسيب أوضتي أبدًا مهما حصل
وصرخت هناء بألمٍ من بين دموعها :
هنعمل إيه يا فهمي هنسيب أينور كدة تضيع مننا دي أينور بنتي …
تذكَّر الأب وهو يرى ابنته تنظر من نافذة غرفتها بشرود في عالم أخر ناظرة إلى المقابر , و في دنيا أخرى وعالم أخر لا يعرف عنه شيء ، لا تسمع ما يقال لها وكأنهم لا يتحدثون .
صرخت الأم بلوعة :
هنتصرف ازاي يا فهمي أينور بتضيع مننا، هنعمل ايه ، هنسيبها كدة ..
ورددت الأم كلامها وهي تبكي، وتذكَّر الأب كل تلك الأحداث ومرت عليه وكأنها فيلم سينمائي يرى أحداثه المرعِبة أمام عينيه ، ولكن للأسف الشديد كان هو بطل الفيلم.
وقرر الأب أن يعرف الحقيقة مهما كانت ومهما كان الثمن ، ويعرف من تلك الفتاة التي تعيش معه منذ ان انتقل للشقة المشئومة..
هل هي أينور ابنته أم هي روح وشبح ايشتور ابنته الثانية فالسؤال مؤلم ويقتله في اليوم ألف مرة ؟
وهنا التفت الزوج إلى زوجته بعد أن اتخذ قراره ، وطلب منها
السفر :
إنزلي سافري مع الأولاد وانا هستنى هنا مع أينور كام يوم لغاية ماحالتها تتحسن ، وبعدين هنحصلكم على اسكندرية، بس اوعي ترجعي مع الأولاد من غير ما اتصل بيكم الأول يا هناء .
وصرخت الأم برعبٍ غير مصدقة مايقوله زوجها قائلة:
إنت بتقول إيه يا فهمي إزاي عايزني اسيبك انت وأينور هنا لوحدكم، واسافر لوحدي..؟ من إمتى احنا بنفترق عن بعض وحد بيسافر لوحده.
فهمي بحِدّة:
مفيش وقت يا هناء للعواطف دي دلوقتي، سافري انتي والأولاد وانا هحصّلك ودا قرار نهائي.
وتبكي الأم بقهر:
مش هقدر اسيبك لوحدك انت وأينور.
فهمي بلين:
معلش يا هناء، الظروف هي اللي حكمت علينا بكدة والأولاد محتاجين يغيروا جو، إنتي شايفة الرعب اللي هما فيه.. وأكمل حديثه:
مش شايفة إيناس خست ووشها بقى اصفر ازاي، ولّا إيهاب اللي مبقاش ياكل تقريبًا، وترد هناء والدموع تملاء عنيها:
إوعدني انك ترجّعلي أينور بنتي زى ما كانت وترجعلي بالسلامة.
ويرد فهمي بقلق:
إن شاء الله يا هناء، يلا العربية واقفة تحت البيت مفيش وقت للعواطف دي دلوقتي وخدي بالك من الأولاد ومن نفسك ومترجعوش الشقة غير لما اتصل بيكم يا حبيبيتي أرجوكي.
ورحلت الأم وهي تبكي بقهر لتركها ابنتها وزوجها في الشقة المشؤمة التى منذ أن سكنوا فيها وتغيرت أحوالهم كثيرا ، وأصبح كل فرد فيهم في وادي غير الأخر ..
وتمنت أن تعود إلى شقتها الصغيرة من جديد ودفئها الحنون ، وتعود اسرتها كما كانت من قبل متحابين مجتمعين رغم ضيق المكان وصعوبتها , ولكن راحة البال والحب كانوا سعداء , تمنت أن يكون كل هذا حلم بشع وتستفيق منه ولم يحدث يوما ، تمنت ان تفتح عينيها الآن لتجد أن كل ما مرت بيه كان كابوس وسوف تستفيق منه في أي لحظة ، حاولت إغلاق عينيها بقوة وفتحها لعله كابوس وينتهي ، ولكنه كان واقع مر تحياه .
اخذت دموعها تتساقط بقهر ونزلت إلى أطفالها في سيارة الأجرة والدموع تملأ عينيها، وقالت للسائق
يلا يا اسطى اتوكل على الله فهمى مش هيسافر معانا
وهنا تساءل الطفلان عن الأب، فقالت إيناس تنادي أمها:
ماما فين بابا ؟
فردت الأم من بين دموعها قائلة:
بابا هيستنى مع أينور كام يوم ويبقى يحصّلنا إن شاء الله على اسكندرية.
وهنا صرخ إيهاب برعبٍ وهو يرتعد قائلًا:
ليه يا ماما، إنتي متعرفيش ان الشيطان ابو قرون سودا مش هيسيبه يرجّع أينور تاني، وانفجر الطفل في بكاء هيستيري ونحيب،انا عاوز بابا وحاولت الأم تهدئته ولكن قلبها كان مشغولًا بابنتها وزوجها الذين تركتهما في الشقة المشئومة ورحلت، وقالت لنفسها:
“في حاجة مش طبيعية في الشقة الجديدة” وحاولت الاتصال بزوجها لكي تطمئن على ابنتها وتتخلص من شكوكها، ولكن لم يرد زوجها أو ابنتها على الهاتف، فشعرت بالقلق أكثر والتوتر وخصوصا مع كلمات اطفالها عن الشيطان الذي يحتجز اينور ، وقررت العودة مرة أخرى إلى الشقة المشئومة لتطمئن على ابنتها وزوجها، وقالت لسائق السيارة:
إرجع معلش يا اسطى، نسيت حاجة مهمة في الشقه… وسكتت قليلا ثم أكملت:
وبسرعة لو سمحت مفيش وقت.. فنظر لها السائق بتعجب وردد:
مفيش وقت لإيه يا مدام مش فاهم حاجة فلم ترد هناء.