رواية لعنة الضريح الفصل السادس عشر بقلم منى حارس
عادت هناء بسيارة الأجرة مسرعة إلى منزلها والشقة المشئومة، صعدت الدرج بسرعة كالمجنونة ولم تنتظر المصعد وفتحت باب الشقة بلهفة ، ونادت على زوجها وابنتها بصوتٍ عالٍ قائلة:
فهمي.. أينورر .
وهنا صُدِمَت الأم بشدة ، وكادت تسقط فاقدة الوعي من هول المنظر عندما لم تجد غرفة أينور بمكانها، وأغمضت عينيها وفتحتها بقوة لعلها تحلم وما تراه ليس حقيقيًّا ابدا ولكنه وهم , فمنذ متى تختفي الحجرات بالمنازل ؛ فلم تجد شيئًا، بل وجدت مكان الغرفة شرفة صغيرة .
صرخت هناء برعبٍ كبير ، وأسرعت تدخل تلك الشرفة فوجدتها تطل على شارع رئيسى للسيارات، تسير فيه بجنون وكانت سيارة الاجرة التي تركت فيها اطفالها وحقائبها بالاسفل ، ولم تجد المقابر ولا اي شواهد ، ولا زوجها أو ابنتها لقد اختفى كل شيء وكأن الشقة ابتلعتهم ، وهنا صرخت هناء برعبٍ قائلة:
فهمي... أينورر وعدها سقطت فاقدة الوعي على الأرض لا تصدق ما يحدث وكيف تختفي الغرفة وتبتلع أعز ما تملك زوجها وابنتها في نفس الوقت .
-10-
غادرت هناء الشقة واغلق فهمي الباب بهدوء ، واقترب بحذر من ابنته التي كانت مازالت تنظر باهتمامٍ شديدٍ وشرودٍ للمقابر ونادى عليها:
أينورررررر.
ولكنها لم ترد عليه وكأنه لا يتكلم فقال فهمي بتردد:
إيشتور.
فنظرت أينور له ببرودٍ:
أخيرًا عرفت انا مين يا بابا..؟
فيندهش الأب ويتساءل بقوة قائلًا:
أختك فين يا إيشتور..؟
فترد الطفلة قائلة:
لسه بردوا بتحبها اكتر مني ثم تبتسم بمرارة مكملة بحزن :
أختي اينور لسه خايف عليها وبتحبها ومش عاوز يحصلها حاجة وحشة وبتدور عليها
فرد فهمي بقلق:
عشان خاطري يا بنتي فهميني الحقيقهة،إنتي مين أينور ولا ايشتور ولو ايشتور ازاي، وكنتي فين السنين دي كلها وفين اختك أينور ؟
فترد أينور بحزن:
إنت مكنتش بتحبني صح ، وكنت عايزني اموت مش كدة..
وهنا رقَّ قلب الأب وهو يتحدث معها قائلًا:
لا يا حبيبتي الدكتور هو اللي قال لازم واحدة تموت وهناء اختارت اسم أينور، لكن مكنّاش نعرفك ولا نعرف اختك، انتي كنتي مجرد جنين في بطن أمك يا بنتي، فردت أينور وهي تصرخ قائلة:
واخترت أينور تعيش وانا اموت صح كنتوا بتكرهوا إسمي رغم انى معملتش حاجة ..
فهمي:
لا انا مكنتش اعرف مين فيكم اللي ممكن اضحي بيها بس الدكتور هو اللي قال...
و هنا تصرخ أينور قائلة:
وما خدتنيش ليه تشوفني.. تدفنّي يا بابا وكأنك كنت بتتمنى اني اموت وتعيش أختي أينور تملاء عليكم الدنيا صح .
فيرد الأب وهو يصرخ بلوعة:
لا يا أينور صدقيني، انا كنت خايف على هناء ومحدش قالي حاجة، صدقيني ومش فاكر إيه اللي حصل بعد كدة خالص يا بنتي.
أينور:
إنت عارف مين اللي رباني وكبرني يا بابا..؟
ويرد الأب بلهفة حقيقية:
مين يا أينور مين..؟
وهنا أطلقت الطفلة ضحكة عالية كضحكات الساحرات، وقالت بصوت جهوري:
الشيطان يا بابا ابو قروون سودااااااااااااااا وجسم أسود كله شعر كان لما بيلمسنى جسمي بيقشعر منه حست الاحساس دا .. الظوافر والمخالب الطويلة تتغرز في لحمك وتردد صدى ضحكاتها في المكان:
تعالى معايا يا بابا متقلقش هو مستنيك دلوقتي وعاوز يقبلك علشان يشكرك ، وعلشان كمان تشوف بنتك أينور فين وتشوف بنتك ايشتور كانت عايشة فين ، السنين دى كلها ؟
وهنا ضغطت على رسمة تشبه العين بالجدار بجوار المكتب، وانزاح الجدار وانقسم الحائط إلى نصفين وظهر الممر الأسود الطويل أمامهما مباشرة وانتشرت رائحة كريهه بالمكان وانخفضت درجة حرارة الغرفة مرة واحدة وكأنهم في ثلاجة , وتصاعدت الأصوات العالية والهمسات الخافته الأتيه من داخل النفق المظلم , أصوت متداخله ..
نظر فهمى برعب شديد إلى ابنته لا يدري ماذا يحدث ولا ما الذي تقوله , و هل فقدت عقلها ؟
هل اصابها المس والسحر ؟
وعن اي شيطان تتحدث هو لا يفهم شيء ولكنه يريد إبنته أينور فقط , فلقد تعلق قلبه وروحه بها ولن يتركها حتى لو ذهب إلى الجحيم من أجلها لإستعادتها من بين الجحيم المستعر ومات هو هناك ؟.
&&&&
فى قسم الشرطة زفر رأيس المباحث ناجي وصرخ بشدة وهو يضرب مكتبه بقبضة يدية بقوة :
إزاي يا محمود الكتاب يختفي أنا مش فاهم حاجة والاهمال دا من عند مين ؟
رد محمود بتوتر:
إحنا مش عارفين دا حصل ازاي الكتاب كان في مكان استحالة أي مخلوق يقدر يوصله إلا...
فيقاطعه بثورة:
إلا إيه اتكلم.
فيرد محمود بتردد:
إلا لو كان كائن مش بشري يا مراد بيك
فيصرخ الرجل بثورة كبيرة
إنت بتهرج ولا إيه يا محمود، احنا هنؤمن بالخرافات دي ونصدقها ولا إيه احنا هنا عاوزين دلائل وبراهين مش خرافات ودجل وشعوذه ؟
فيرد محمود بثقة:
بس الجن يا فندم والشياطين مش خرافة، دول مذكورين في القرآن الكريم وسيدنا محمد مرسل للجن والانس .
ناجي:
إنت تقصد تقول ان الجن والشياطين هما اللي أخدوا الكتاب.. و ضحك الرجل بصوتٍ مسموعٍ:
مش عايز تهريج هنا يا محمود مش عارف تشوف شغلك يبقى نجيب حد تاني ، ناقص تقولي ان الشياطين كمان هما اللي..
ولم يكمل جملته الأخيرة، فلقد ظهرت الكثير من الأيادي السوداء من خلفه بعد أن إنشق الجدار وظهر نفق أسود وأمتلأت ؤرائحة كريه جدا بالغرفة وجذبت الأيادي السوداء الرجل إلى داخل الجدار بطريقة مرعبة جدا ليبتلعه وبعدها يعود كل شيء كما كان , امام نظرات الرعب ..
وقف محمود ينظر بذهولٍ إلى الجدار وهو يردد برعب:
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم و أخذ يردد آية الكرسي والمعوذتين ولا يصدق ما رآه أمام عينيه منذ قليل فلقد كاد قلبه يتوقف من شدة الفزع .
&&&
أخبار الحوادث تم العثور على جثة متحللة لرجلٍ في العٍقد الخامس من العمر، قُتِل منذ أكثر من سنة في أحد المباني الجديدة القريبة من المقابر بمنطقة " ..
" وبعد التحريات، ثبت أن الجثة للمدعو "عدلي سليمان السيد"، والغريب أن زوجته أكدت أن زوجها كان معها أمس فقط، وخرج ولم يعد، ولكن وجود البطاقة الشخصية للقتيل وتحليل الــ "دي إن إيه" يؤكدان بأنه المذكور هو : "عدلي سليمان السيد "السمسار.
ولا احد يعرف كيف حدث ذلك ومازالت التحقيقات مستمرة .
&&&
منذ سنوات طويلة، منذ أكتر من خمسة عشر عامًا وفي منزل قديم يتكون من طابقين، كان يعيش أحد الأطباء في مقتبل العمر ويدعى "شهاب محمد أحمد" طبيب النساء والولادة هو وزوجته الدكتورة " منال حسين السيد متوسطة الجمال شعرها أسود قصير وعينان عسليتان ولون قمحي طبيبة أطفال، قررت الجلوس في البيت في أجازة لمدة سنه للاهتمام بابنتها الصغيرة "حبيبة"، عمرها خمسة شهور،
ورث الطبيب الشاب المنزل عن عمه غريب الأطوار الأستاذ "عزت أحمد المنياوي" أستاذ بالجامعة بكلية الآداب قسم تاريخ وحضارات قديمة ، لم يتزوج الرجل ولم ينجب اطفال ، وم يكن مهتم باي شيء في حياته سوى لعلم عن الحضارات القديمة ، فلقد كرَّس حياته لجمع معلومات عن الحضارات القديمة والحديثة وابحاثة التي لا تنتهي في هذا المجال .
ومات الرجل وترك المنزل للوريث الوحيد ابن أخيه شهاب، وعاش الطبيب بعد وفاة عمه هو وزوجته بالمنزل نظرا لظروف الحياة الصعبه ، لم يقوما بأي تغيرات نظرًا لضيق الحال وارتفاع أسعار الشقق , وكان شرط الرجل الا يباع المنزل بعد موته .
كان عم شهاب يحب القراءة كثيرا وخصَّص غرفة كبيرة لكتبه الكثيرة التي تتكلم عن أشياء كثيرة وعلوم مختلفة، وقرر الطبيب التخلص من تلك الكتب واستغلال الغرفة الفارغة ، فقال لزوجته منال:
أنا هحاول اشوف الكتب الكويسة في المكتبة نحتفظ بيها والباقي نتخلص منه علشان الزحمة والكركبة الكتير دي يا حبيبتي .
فردَّت الزوجة وهي تحمل طفلتها الصغيرة بين يديها قائلة:
خلاص يا شهاب بس من فضلك وريني الكتب اللي هتتخلص منها يمكن حاجة تعجبني، إنت عارف اني بعشق القراءة.
شهاب:
حاضر يا حبيبتي ، بس مش عايز إزعاج لوسمحتي ، لو حد اتصل قوليله يتصل في وقت تاني لأني مش فاضي دلوقتي من فضلك.
وبعدها دخل الغرفة، وكانت كمية الكتب كبيرة جدا وضخمة للغاية ، ومتناثرة هنا وهناك في كل مكان، وبدأ يقرأ أسماء الكتب بتعجب :
" القسم السليماني ، تحضر الجن ، الكابالا ، طرق الشعوذة ، المشعوذون ، ساحرات ولكن ، القديس- السحر الأسود ، شمس المعارف الكبرى ... الخ
وظل يحدق في الكتب برعبٍ شديدٍ، وقال لنفسه بتوتر:
"دي كلها كتب بتتكلم عن السحر الأسود وتحضير الجن والعفاريت، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اول مرة اعرف ان عمي عزت كان مهتم بتحضير الحجات دي، لازم اتخلص من الكتب دي ويمكن اكسب ثروة لو بعت الكتب دي مين عارف "
وهنا وقف شهاب وهمَّ بمغادرة الغرفه فلقد شعر بالتوتر مرة واحدة والتنميل في أصابع يديه من لمس الكتب ، فشعر بريح شديدة البرودة وسمع صوت مثل صوت الريح وصفيرها في اذنه واخذ أحد الكتب يقلب صفحاته بسرعة شديدة إلى ان توقف عند صفحة معينة وهي صورة لامرأة ، شديدة الجمال والفتنة والأنوثة وهي تبتسم ابتسامة ماكرة ، تخبرك عيناها بالمكر والدلال.
وشعر الطبيب وكأن المرأة تكلمه، تبتسم له، تنادي عليه، تنتظره.. فقرأ الاسم أسفل الصورة "ليليث"، فردد الاسم بهيام "ليليث" وقال بهيام:
اسم جميل أووووي ليليث.. حاول قراءة ما أسفل الصورة، ولكنه كان مكتوب باللغة اللاتينية، كان يعرف بعض الكلمات اللاتينية بحُكم دراسته، ولكنه لايتقنها، فقال لنفسه:
لازم اتعلم لاتيني واعرف عنك كتر يا فاتنة، وهنا خيل الى شهاب بأن صورة ليليث تغمز له بعينيها فابتسم بهيام وقرأ اسم الكتاب:
"العزيف".
لو جدت طفلك يبتسم وهو نائم فاعلم بأن ليليث موجودة بالغرفة تريد أن تقتله، اضرب طفلك بإصبعك على فمه حتى ترحل ليليث، حصِّن طفلك بأسماء الملائكة الذين توعدوا ليليث عندما رفضت العودة معهم وعشقت الشيطان وتزوجته، فقتلوا 100 طفل من أبنائها فقررت ليليث الانتقام من أبناء حواء وحرق قلب أمهاتهم، فحصّن أطفالك بتلك التعويذة وهم أسماء الملائكة: سينوئي – سنسنوئي – سامينجيلوف. ..