رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل السابع عشر 17 بقلم سلمي خالد


 رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل السابع عشر

"لازالت القضية مستمرة"
حياة لن تهدأ!!! 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أخص على الرچالة بجي بتجوز البنات كده من غير ما هتشوف ناسه؟؟ 
جملة ساخطة خرجت من فِيه حياة تنظر لمحمد وسالم بشرزٍ يتطاير من عينيها،  ليتوتر كلاهما من الإجابة،  فهما بالفعل أسرعا في زواج ابنتهما،  ولكن حدث ما حدث سريعًا دون تعسير،  لكز سالم محمد يهمس بغيظٍ: 
_ ما تجاوب مش أنت اللي دبستني!!! 
رمقه محمد بنظرة ساخطة يجيبه بنفس الهمس: 
_ وأنت حد ضربك على ايدك! 
ابتسم ببرودٍ ثم قال: 
_ أنا كنت معجون وليس على المضروب حرج. 
_ ما تتحدت بصوت عالي منك ليه بلاها وكسة مِنكم أكتر من كِده! 
رفع محمد رأسه ينظر نحوها بقلق يحاول الإجابة بطريقة هادئة: 
_ ما ظروف الجواز جت سر..... 
قاطعته حياة بحدة تغمغم بكلماتٍ حادة: 
_ بكفياك حديت ماسخ.. دا بدل ما تجول آسف يا حاچة حياة وغلطة ومش هتتكرر!! 
أومأ محمد بموافقة، يردد كلماتها: 
_ آسف يا حاجة حياة مش هتتكرر تاني.. 
ابتسمت بسخطٍ معلّقة: 
_ بتاخدني جد عجلي!! جول هتتكرر كيف! عما بتردد كيف البغبغان وخلاص.. أمشي إنخفي من وشي السعادي بدل ما تجوم النار اللي چواي عليك. 
انصرف محمد سريعًا بتوترٍ،  بينما ضحكت عاليا عليه تهتف بشماتة: 
_ والله وعشت وشوفت اليوم اللي بيحطوا عليك يا أبويا. 
رفعت حياة نعلها تنظر نحو حربي وأرنبة وحمدي اللذان يتراجعوا بذعرٍ منها، لتنهض حياة قائلة بصوتٍ فحيح: 
_ عشان طيبة جلبي.. هسيبكم تختاروا منطجة تنضربوا فيه ولا تحبوا أنا أختار.. 
بكى حمدي بشعورٍ من القهر،  يهتف بندمٍ على قدومه لأرنبة: 
_ طب يا حاجة حياة أنا مالي.. هما أتجوز من وراكم وجابلكم العار أنا متجوزتش.. 
ألقت نعلها عليه بقوةٍ تهتف بسخطٍ: 
_ ماهتتجوزش بس بتلعب بديلك زي ما الكلاب الصعرانة بتلعب.. وعجابك (عقابك) هيكون أقوى منيهم. 
اتسعت عين حمدي برعبٍ،  ينفي برأسه سريعًا،  يردف سريعًا محاولًا استمالت قلبها: 
_ لالا والله توبت.. أسأليهم أنا توبت والله العظيم. 
نظرت بجانب عينيها نحو عاليا وهبه اللتان أشفاقا على حاله،  فهتفت عاليا بإماءة: 
_ بصراحة آه هو قال إنه تاب. 
أشارت حياة بنعلها على عاليا التي أرتدت للخلف قائلة بصوتٍ كالرعد: 
_ لو كدبتي هتبجى مكانه فاهمة ولا أفهمك!! 
أومأت عاليا عدت مرات بخوفٍ تمسك بكف هبه،  بينما عادت حياة تنظر نحوه مجددًا ثم قالت لأرنبة: 
_ المرة الچاية لو خيبت عني حاچة تانية ياواكل ناسك هطين عيشتك أكتر ما هي مطينة ومعفنة كُمان..  فاهم يا بغل!! 
أومأ أرنبة عدة مرات يقبل باطن يده وظهرها بحمد أنها تركته،  ولكن لم تكتمل فرحته عندما قالت ببسمة باردة مخيفة: 
_ هتنزل ويَّ صاحبك الخايب ده.. وتروح السوج تچيبوا طلبات الغدا عشان ناكل لجمة ويَّ العرايس ونتعرفوا على بعضينا.. شهل يلا لساتك واجف!! 
انتفض أرنبة برعبٍ يتحرك سريعًا من أمامها،  بينما انطلق حربي يحمد ربه أنه لن يضرب أمام عاليا فيكفي ما حدث أمامها،  ولكن أرتفع صراخ حياة بحدة مخيفة:
_ لساتك واقف ليه يا بغل.. حرك ليّتك دي وأمشي معاهم يلا هات طلبات الغدا.. أرنبة عارفها كويس. 
رمقت أرنبة بنظرة مخيفة، ليومئ سريعًا  قبل أن تزجره مجددًا،  ثم تحركوا ثلاثتهم نحو السوق ليحضروا ما تريده حياة،  في حين كادت أن تستدير للفتيات ولكن وجدت سالم لا يزال يشاهد ما فعلته بإعجاب لهيبتها،  ولكن تحول هذا الإعجاب لخوف ما أن زجرته بحدة: 
_ أمشي يلا نادي صاحبك اللي هرب كيف الفارة اللي حدان في البلد وشهل معاي هنحضروا الوكل سوا. 
انطلق سالم يبحث عن محمد قبل أن تقيم حياة الحد عليه،  بينما نظرت حياة نحو الفتاتان قائلة ببسمة هادئة: 
_ تعالوا يا بنات نتحدت ويَّ بعضينا بعيد عن الغجر دول على ما يچبوا طلبات.. وكُمان نتعرفوا على بعضينا. 
ابتسمت كلًا من عاليا وهبه بسعادة لها، يهتفن بصوت واحد: 
_ دا شرف لينا يا تيتة. 
_ لاه لاه متجولوش تيتة دي عفشة.. جولي يا حيويا أو يا توتا. 
تفاجأ كلتاهما من ردة فعل حياة ولكن وافقا بهدوءٍ،  لتسأل حياة بفضولٍ: 
_ أُمال فينها أمك يا بنيتي مشيفهاش يعني؟؟ 
عبست ملامح عاليا بحزنٍ هاتفه: 
_ لا هي جوا قاعدة في أوضتي مع عمتو نعمة مامة هبه. 
_ وه كِيف يعني عارفين إن جاعدة وياكم وميخرجوش يتحدتوا معاي ولا يسلموا علي؟؟ 
أجابت عاليا سريعًا  قبل أن تغضب ويصبح الأمر مأزق لن ينتهي: 
_ لا ما هي فاكرة بابا خانها وهو مخنهاش! 
شهقت حياة بصدمةٍ،  ثم اقتربت من عاليا وهي تسحبها جوارها على الأريكة،  تهتف بفضولٍ: 
_ يا مُري يا بنتي.. حصل إيه بس!! 
تنهدت عاليا بحزنٍ وما كادت أن تسرد الموضوع،  قاطعتها قائلة وهي تسحب يد هبه الواقفة: 
_ استني يا بنيتي.. تعالي يا مرات الغالي أجعدي چاري إهنه وبعد إكده مكانك چاري فاهمة!! 
ابتسمت هبه بحبورٍ وجلست جوارها،  لتبدأ عاليا بسرد ما حدث بحزنٍ وخاصة رفض والدتها الشديد لتبرير ما حدث!! 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلس على مقعد بصعوبة بالغة بعدما تم شفاؤه إلى حد ما،  ينظر للجالس أمامه برهبة،  عقله يصنع عدد لا نهائي من خطط للهروب من هذا المكان، أصبح البشر أعداؤه ولا يحبذ رؤيتهم، قاطع وصلة أفكاره صوت هذا الأخصائي يردف ببسمة هادئة: 
_ عامل إيه يا عمر.. أنا اسمي محمود. 
نظر له عمر قليلًا ثم قال بجفاء: 
_ الحمدلله. 
_ عارف أنا وأنت هنعمل إيه؟ 
سؤال صغير ولكنه مؤلم بنسبة له، فأجاب بمرارةٍ: 
_ كل اللي أعرفه إني هنا عشان أنا مش طبيعي زي الناس. 
فاقد الهوية.. فاقد الثقة هذا أول استناج به،  نفى محمود برأسه يتمتم بهدوءٍ: 
_ مين قال اللي بيجي هنا مش طبيعي.. في بيجي عشان عنده مشكلة مش عارف يحلها.. في بيجي عشان مش عارف يفضفض مع مين.. في بيجي عشان يتكلم وبس.. أسباب كتير لكن كلها ملهاش علاقة بإن الإنسان طبيعي ولا لاء. 
صمت عمر ينظر له ببعض الفوضوى الداخلية،  فهو لن يتحدث ولن يفضفض ولا يوجد حل لمشكلته! إذًا لِم هو هنا؟؟؟ 
استرسل محمود ببسمة صغيرة هاتفًا بحماسٍ: 
_ إيه رأيك نلعب سوا؟؟ 
ظل عمر صامتًا لا يوافق ولا يرفض،  فقط يتأمل ما يفعله محمود،  أخرج محمود بعض البطاقات ينظر بها بحماسٍ ثم قال بتوضيح للعبة: 
_ اللعبة دي اسمها ماذا لو كنت؟  بيكون في سؤال على كل كارت وإحنا بنجاوب عليه وبنسأل ليه اختارت الاختيار دا ماشي؟؟ 
أومأ عمر بصمتٍ،  فألم رأسه أصبح يضاهي جبل، رفع محمود أول كارت أمام عمر ثم بدأ بقرأته وهو يلقي نظرة خاطفة على عمر: 
_ ماذا لو كنت حيوان أليف هتختار إيه؟ 
وضع محمود الكارت جانبًا ثم أجاب أولًا على السؤال: 
_ بصراحة عايز أبقى هامستر.. صغيرة كده وفي حاله وهادي وأنا بحب الهدوء جدًا. 
أنهى جملته ثم نظر لعمر يخبره بأنه دوره، فصمت عمر قليلًا ثم قال بنبرة خاوية: 
_ سلحفاة. 
قطب محمود جبينه باصطناع متسائلًا: 
_ ليه؟؟ 
_ عشان قادرة تحمي جسمها لو مش عايزة حد يقربلها.  
لحظة صمت توضح الكثير ولكن لابُد من الاستمرار،  ليسأل محمود بلُطفٍ: 
_طب السؤال التاني ماذا لو كنت حيوان شرس؟ أنا ممكن أسد عشان ملك الغابة. 
صمت عمر قليلًا يفكر بإجابة لعلها تعبر عما يشعر به، ثم أجاب بعدوانية مكبوتة: 
_ ذئب. 
_ ليه؟ 
سؤال صغير فتح له رغبة كامنة يريد أن تندلع وتشعل حرب أمام الجميع: 
_ عشان الذئاب دايمًا بتهجم على غيرها وبتنتقم منه.. 
أومأ محمود بهدوءٍ  دون إضافة شيء أخر،  يعود متسائلًا بأخر سؤال بالبطاقة الثالثة: 
_ طب  السؤال الأخير مختلف.. هو أنا هقولك أنت لو كنت باب.. هتقفل الباب لمين وتفتحه لمين؟؟ 
ذكريات سريعة مرت،  والده يفتح الباب لعمه، شقيقه يحاول الفرار ولكن الباب مغلق،  رغبته بأن يأتي والده من نفس الباب الذي فتحه لعمه،  مشاعر متألمة زادت بفوضوى داخلية كالإعصار ليجيب بأعينٍ مدمعة: 
_ هقفله في وش بابا وأفتحه لحسن أحميه من اللي حصله. 
أومأ محمود بتفهمٍ لحديثه،  ليعاود السؤال يزيح البطاقات بالدرج: 
_ إحنا خلصنا لعب سوا بس عايز أدردش معاك شوية ممكن. 
أومأ عمر يزيح دموعه،  ليكمل محمود ببسمة صغيرة هادئة: 
_ أوقات بيعدي علينا ظروف بتخلينا متأكدين إننا عمرنا ما هنرجع زي الأول ودا حقيقي.. إحنا عمرنا ما بنرجع زي ما كنا لكن بيبقى قدمنا طريقين واحد فيه نتغير للأحسن والتاني نتغير للأسوء من اللي كان سبب في الظروف اللي عدينا بيها اللي هما أذونا..  المهم هنا أنت عايز إيه؟  
دقيقتين ظل يفكر بهما قبل أن يعطيه إجابة تصف مشاعره كاملة: 
_ عايز الاتنين.. عايز أبقى كويس وأحسن وفي نفس الوقت عايز أبقى أوحش من اللي بيأذوني وأنتقم منه وأذيه جامد.. أنا مش عارف أختار إيه! 
حرك محمود رأسه يلاحظ حديثه على فرد بالرغم من صياغة الجمع ولكن رغبة الانتقام لشخصٍ واحد، نهض من مقعده يسير نحو الباب لغرفة بها بعض الألعاب،  قائلًا: 
_ لو بتتفرج على كرتون وشوفت الشخصية الطيبة والشخصية الشريرة بتكون مع مين؟  وضد مين؟ 
_ مع الطيب وضد الشرير. 
هكذا أجابه بتلقائية،  ليسترسل محمود بعدما فتح الباب ناظرًا لعينيه: 
_ هو دا نفس اللي أنت فيه.. الطيب مر بظروف بس اختار يفضل طيب و الشرير كان طيب بس مر بظروف واختار يبقى شرير.. كلنا بنتخلق كويسيين بس مش كلنا بيختار يبقى كويس يا عمر.. تعالى ألعب هنا شوية. 
أومأ عمر يفكر بحديث محمود،  لا يريد أن  يصبح منبوذًا، يكفي رفضه لذاته،  جلس على مقعد بالغرفة يتأملها،  بينما تحرك محمود يضغط على الزر يخبر مساعدته الخاصة بأن تدخل سيد،  دقائق كان سيد يجلس أمام محمود بقلقٍ،  ليهتف محمود بملامح هادئة لا يزال يحتفظ بها: 
_ عمر فقد ثقته وإحساسه بنفسه..  شايف إنه مش عادي.. عنده مشاعر غضب مكبوتة كانت عايزة تطلع وقت الحادثة وللأسف معرفش يطلعها وفضلت جواه وسببتله العدوان اللي حصل معاك لإنه مش شايف غير إنك السبب في الموضوع دا. 
أدمعت عين سيد بانكسار واضح،  بينما أشفق محمود على حاله ليهتف بلُطفٍ: 
_ أهدى يا أستاذ سيد.. كل اللي هتعمله الفترة الجاية إنك تهتم بعمر وحسن كل حاجاته المادية والمعنوية من أكل لشرب لدراسة لحياة كاملة أنت بس المسؤول... لو دخلت أي حد مش هيكون في صالحك.. ومتحكيش عن الموضوع لحد ما عمر هو بنفسه يكلمك. 
أومأ سيد بقلة حيلة،  ينهض من مقعده هاتفًا باختناق: 
_ متشكر يا دكتور عن أذنك. 
تحرك سيد من الغرفة ليلتقي بعمر الصامت،  يتخذ حاجز الصمت معه منذ مغادرته للمشفى، بينما جلس محمود بملامح متألمة مختنقة، نظراته المكسورة ظاهرة،  يحاول إخفائها ولكنها ظاهرة، تدمرت أسرة كاملة دون قصد، تدمرت حياة طفل لا يعلم مصير هويته الحقيقية بعدما دثرها الإبليس!!! 
ـــــــــــــــــــــــ
_ بجى يا هبلة بتسيبي چوزك لواحدة تلف عليه  وبدل ما تحلجي عليه بطفشه منك. 
ردد حياة وهي تضرب ذراع وداد،  في حين قابلتها دموع وداد قائلة: 
_ مش قادرة يا توتا.. كل ما أتخيل إنه في الشغل وهي معاه بحس بنار قايدة جوايا إزاي في واحدة تحب في جوزي وأنا زي الهبلة هنا وكمان مقلش ليا وهعجبه الموضوع!!! 
تدخلت عاليا سريعًا تردد بصوتٍ جاد: 
_لا يا ماما أنتِ كده بتظلمي بابا.. إزاي عايزاه يجي يقولك في واحدة بتتحرش بيا.. أكيد اتحرج يقول حاجة زي دي وحاول معها تبعد.. بابا مهما حصل عمره ما يخون ولا من طابعه الخيانة لكن الموضوع عند الرجالة صعب أوي الاعتراف بيه بسهولة. 
نظرت لها وداد بشكٍ لتدخل حياة بهدوءٍ: 
_ لاه يا بنتي متخربيش على حالك.. أنا شوفت چوزك برة ميطلعش منه العيبة واصل.. طب أجولك خليكي أهنيه وأنا هخليه ييحضر الغدا ويصالحك كمان عشان تعرفي إنه غلبان مش كيف ما مفكرة. 
صمتت وداد قليلًا،  في حين لكزتها نعمة،  لتوافق على اقتراح حياة وبالفعل غادروا الغرفة لتجد الشباب أتيين من الخارج حاملين الحقائب. 
وقفت تتفحص محتوايات الحقائب التي أحضروها بإمعان،  لتخرج بعض حبات البامية قائلة بسخطٍ: 
_ جايب بامية جد راسك؟؟ وكسة توكسك. 
_ أتوكس أكتر من كده أرجوكِ يا حاجة حياة أعتقي أمي الله يرحمها لوجه الله، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه. 
رددها حربي بحنقٍ منها،  بينما نظرت حياة باستخفافٍ تقترب من حقيبة الموجودة بيد أرنبة لتجد أعواد الملوخية أوراقها صغيرة بطريقة مبالغ بها وملئ بالحشائش،  أمسكت بعود منها وقامت بضرب أرنبة الذي صرخ بألمٍ لتهتف بتشفى: 
_ أحسن.. أنت چايب حشيشة تاكلها يا بغل؟؟ 
نظر أرنبة بالحقيبة يهتف بتبرير: 
_ والله الراجل اللي حطلي في الشنطة. 
مدت يدها تصفع عينيه،  ليتراجع أرنبة للخلف يستمع لصوت حياة الغاضب: 
_ دول إيه فهمني؟؟  أتعميت مش عارف تفرج ( تفرق)  بين الملوخية والحشيشة يا موكوس!!! 
_ عيني!!  عيني يا ستي هتعميني. 
_ بلا خوتة دماغ.. بكفياك حديت ماسخ أنت بيهم من غيرهم أعمى مبتشوفِش!! 
قالتها وهي تتقدم نحو حمدي الذي يمسك بكيس الطماطم،  ظلت تتفحصها جيدًا حتى ابتسمت برضٍ عنها قائلة وهي تلقي نظرة ساخطة على أرنبة وحربي: 
_ ما فيكمش غير المتحرش ده چايب الطماطم زينة..
عبست ملامح حمدي بحنقٍ،  يردف بتذمر: 
_ ما قولنا توبنا! 
_ سمعاك بتبرطم؟؟  البلطوشة اتوحشتك؟؟ 
حرك حمدي رأسه بذعرٍ سريع ينفي حديثها،  بينما نظرت حياة نحو عاليا وهبه تردف بجدية: 
_ خدي يا بنيتي الملوخية من چوزك وأغسليه وأنتِ كُمان يا حبيبتي خدي البامية وأشطوفيها زين لحسن لو سبناها ليهم هنلاجي دود بيفط منيها ومش ناجصة كفاية شجتهم المكمكة كيف المجابر. 
كبحت كلًا من عاليا وهبه ضحكتها وأخذت كلتاهما الخضار  لينفذا ما أمرت به حياة،  بينما نظرت حياة بتهديد صريح قائلة بأمر: 
_ أرنبة تجمع ( تقمع)  البامية.. وأنت يا حربي هتجطف ( تقطف الملوخية)  وأنت يا واكل ناسك هتغسل الطماطم وتجطعها ويا ويلك لو حشتها وأنت بتشيل الزوايد..
استدارت لسالم ومحمد تردف بصوتٍ حاد: 
_ وأنتم هتجفوا في المطبخ دلوجت تقطعوا البصل عشان هنطبخوا سوا. 
ارتفع صوت حمدي بتذمر واضح يلقي الحقيبة جانبًا: 
_ لا بقى أنا مالي بكل دا.. دي مشاكل عائلية أنا مالي بيها. 
رفعت حياة نعلها،  تتقدم سريعًا من حمدي الذي فزع من شكلها وحاول الركض ولكنه لم يستطع بعدما سقط أرضًا من قدمها التي وُضِعت أمام قدمه،  تهتف بغضب: 
_ أنا جولت البلطوشة اتوحشتك جولت لاه.. أهي اتوحشتك.. 
انتفض كلًا من أرنبة وحربي يرونها تنزل بنعلها بقوةٍ على حمدي الذي يصرخ بألمٍ أن تتركه،  يتعذر عن حديثه قائلًا: 
_ آسف حقك على راسي يا حاجة.. بس كفاية آآآه ضرب بالجزمة أنا جسمي اتخدر من الوجع. 
توقفت حياة عن الضرب تنظر له بنوعٍ من الاستهزاء،  تتمتم بتهكم: 
_ وكسة تشيلك ما تجعدك.. 
_ وربنا لولا إنك ست كبيرة كنت عملت  معاكِ الصح. 
رددها بخفوتٍ يعتمد أنها لن تسمعه،  ولكن لم يعلم أنها سمعها عالي،  لتتسع عين حياة تهدر بشراسة لا تتناسب معها: 
_ تعمل ويَّ مين الصح يا بغل!  أتصدج أنا بجى اللي هعمل وياك الصح كيف ما بتجول بس بطريجتي. 
اتسعت عين حمدي بصدمة من سماعها له،  يتراجع للخلف بذعرٍ متمتمًا: 
_ أنتِ إيه يا شيخة جبارة وقادرة وبتسمعي دبة النمـ.... آآآه
صرخت ألم أطلقها بعدما تلقى بوجهه نعلها الثقيل،  تمسك بعصا المكنسة تضرب بها بجميع أنحاء جسده،  تردد بعصبية: 
_ بتجولي أني هتعمل الصح.. أدي الصح اللي عتشوفه مني يا ولد المركوب.. أمشي أطلع برة ومن غير خلجاتك كمان. 
تأمل الجميع هذا المشهد المؤلم لحمدي والمخيف لهم  حتى انتشر الألم بجسد حمدي فلم يقدر على الحركة ولا الهروب كما سمحت له،  فنظرت له حياة بشماتة،  ثم قالت بتوعد: 
_ ولسه يا حمدي عتشوف مني بلاة أزرج يطلع من نفوخ التخين دا لو فضلت موجود. 
استدارت نحوهم تنظر لهم بحدةٍ صارخة بهم: 
_ أنتم لساتكم واجفين.. شهلم وأعملوا اللي بجوله بدل ما البلطوشة تنزل على دماغتكم وتخلصني من البجرة اللي معششه في دماغتكم. 
أسرع الجميع للداخل سريعًا يرون أعملهم، يتجنبون ما ستفعله حياة بهم ابتسمت وداد برضا على خوف محمد،  تشعر لذة الانتقام
*************
شهقات عالية مكبوتة تصدر عنه كما لو كان مات عزيزًا عليه، يرفع يده الممسكة بالسكين يمسح بظهر يده تلك الدموع قائلًا: 
_ أنا معيطتش في موت أبويا كده!!! 
نظر سالم لبكاء محمد الشديد من البصل،  ليهتف بدموع تنسكب كما لو كانت شلال: 
_ أنا مش عارف أبطل عياط يا محمد.. عيني بتوجعني وعايز أخرج ومش عارف..
نظر للبصل الذي يقشره ثم قال بحسرة:
_ عارف أنا بعيط من البصل ومن القهر والله. 
_ معلش يا خويا أكلة وهتعدي. 
أكمل كلاهما تحضير البصل الخاص بالطبيخ،  بينما في الردهة تعلو صرخت أرنبة في كل مرة يمسك بها حبة البامية وتتسم بالخشونة الملمس والشوك، لتردد هبه بتعجب: 
_ في إيه يا أرنبة كل ما تمسك واحدة تقعد تصرخ. 
نظر لها بغيظٍ مما تفعله جدته،  ناطقًا: 
_ مليانة شوك يا هبه.. أنا إيدي بقت مصفة!! 
أشفقت عليه مما فيه وما كادت أن تهبط أسفل الأريكة لتساعده حتى زجرتها حياة قائلة بحدة: 
_ رايحة فين يا خيبة.. بتسبيه يضحك عليكِ بكلمتين!! يعني إيده هتستحمل الأسمنت ومهتستحملش حتة بامية صغيرة؟؟؟ 
نظرت لها هبه باقتناع،  بينما عض أرنبة على شفتيه بغيظٍ يكمل تقميع البامية محاولًا عدم البرطمة حتى لا يلقى ما نجاه حمدي،  في حين ابتسمت عاليا تردف وهي تتأمل شكل حربي وهو يقطف أوراق الملوخية من العيدان: 
_ شكلك حلو وأنت بتقطف الملوخية! 
_ الله يكرمك سبيني أركز عشان الحيوان جايبها ملينا ورق أخضر غير الملوخية وشكلنا هنتسمم النهاردة. 
قالها حربي مدققًا النظر بالعود الذي يسحبه،  في حين كبحت عاليا ضحكتها،  ولكن أرتفع صوت حياة مجددًا وكأنها تزيد عليهم العقاب: 
_ جدمكم نص ساعة وتكون الملوخية مخروطة والبامية مخلصينها والبصل بيتشوح على النار..  بجالكم ساعتين إلا ربع في شوية خضار. 
شهق جميعهم بصدمة،  ليمسك أرنبة بحجاب ملقى على الأريكة يربطه سريعًا  على رأسه ثم بدأ بقميع البامية وهو يزداد صراخ منها،  في حين جحظت عين حربي بقوة وهو يمسك بالعيدان سريعًا،  في حين أمسك سالم بالمنديل يجفف الدموع عينيه ودموع محمد الذي تولى مهمة التقطيع سريعًا.. 
اتسعت بسمة حياة برضٍ، تنظر لعاليا وهبه وكذلك وداد ونعمة هاتفة برضٍ: 
_ أهو طيبة جلبي جاسمة ضهري ووجعني يا ولاد. 
************
_ هو أنت بترقص ليه وأنت بتخرط الملوخية يا حربي؟؟ 
سألت عاليا بعدم فهم لحركة خصر حربي يمينًا ويسارًا مع خرط الملوخية، ليحاول تثبيت جسده ولكنه فشل ولا يزال يتحرك معها،  فأجاب بغيظٍ: 
_ في إيه يا عاليا مخرطش ملوخية قبل كده؟ 
_ لا خرط يا قلب عاليا بس مكنتش بهز زي رورو البلد كده خالص. 
علت ضحكت أرنبة عليه وهي يقطع البامية لنصفين وأحيانًا لثلاث أنصاف بسبب حجمها،  ليعلق على حربي بسخطٍ: 
_ الواد حمدي لو هنا كان قام بالواجب معاك. 
ألقى حربي المخرطة على الرخام في المطبخ بغضبٍ يهتف بوعيد: 
_ مبلاش أنت عشان بترجع تزعل على صحابك بعد ما بتاكلهم. 
تذكر أرنبه الودود وشعر بالأسى عليه، في حين نظر حربي نحو عاليا قائلًا: 
_ قسمًا عظمًا لو ما حطيتي لسانك جوا بوقك لأكون رزعك قلم خماسي الأبعاد أمشي أنجري من هنا يلا. 
انتفضت عاليا بعيدًا عنهما بعدما رأت الغضب يملأ صدره، وما كاد أن يكمل تخريط حتى صرخت هبه بصوتٍ عالي: 
_ فاضل خمس دقايق... 
اتسعن عين كلًا من حربي وأرنبة،  ليسرعان مجددًا في العودة لمهمتهما،  يزداد هز حربي لخصره بينما بدأ أرنبة يقطع بعشوائي بالغة للبامية،  في حين ظلت هبه تردف كلما مرت دقيقة.. 
_ فاضل أربع دقايق.. تلاتة... اتنين.. واحد... سيبوا السكاكين والمعالق والشوك أنتهى الوقت المحدد!! 
نظر أرنبة لها بغيظٍ يهتف بحنق: 
_ دا أنتِ أسوأ من مراقبين الثانوية. 
أتت حياة على صوتهم تنظر لما وصلوا إليه ثم قالت بهدوءٍ: 
_ البامية دي هتتخزن والملوخية هتتعمل،  والبصل دا هنعمل صينية بطاطس..  تعالوا يلا أقفوا عشان تتعلموا عمل الملوخية. 
وقفوا جميعًا يراقبون حياة بعدما نفذوا أمرها،  يراقبون وضعها الملوخية داخل الشوربة ثم تقليب وما أن أتت مرحلة الطشة حتى قالت بتركيز على شكل الثوم والفلفل المحمر: 
_ هنفضل مركزين كده وأول ما تومة تحمر تقوموا نازلين بالملوخية وأنتم بتجولوا بسم الله اللهم صلِّ على محمد.. بدل الشهجة والحاچات العفشة دي. 
نظر حربي لها باحترامٍ فقد توقع أن تشهق على الملوخية  ولكنها لم تندرج أسفل تلك العادة العجيبة،  في حين أستدارت له حياة ترمقه بجانب عينيها وهي تقلب البصل: 
_ فاكرني چاهلة وچاية من ورا الچاموسة صح؟؟ 
شعر حربي بالحرج منها،  في حين ابتسمت حياة ساخرة قائلة وهي تكمل وضع البطاطس التي قطعتها عاليا معها: 
_ مش هلومك يا ولدي مشان في ناس فاهمين الصعايدة مخهم تخين مع إن لو ركزت يا ولدي هتلاجي إن مصر كليتها أصلها صعيدي وفلاحي..  فكده مصر كليتها مخها تخين صح ولا إيه؟ 
نظرت له بمعنىٍ فهمه حربي،  ليهتف ببسمة هادئة: 
_ ولا إيه. 
مر وقت انسجم الجميع في عمل الطعام حتى أنتهوا من صُنعه ليجلسوا جميعًا على الطاولة الطعام حيث اجتموا بشكلٍ دافئ مريح صالح فيه محمد ووداد وانتهى الخلاف بينهما، كلًا يجلس جوار زوجته متصالحين..متفاهمين، أنهوا الغداء ونهضت حياة تهتف ناظرة لأرنبة  بهدوءٍ: 
_ أنا هسافر على جطر الساعة سابعة إن شاء الله تعالى وصلني. 
اتسعت عين أرنبة بذهولٍ قائلًا: 
_ ليه يا ستي ما تقعدي معانا أسبوع.. 
ربتت على كفه برضٍ قائلة: 
_ لا يا ولدي أنا چيت أطمن عليك وعلى الواد حربي ما ولدي برضو..  والحمدلله عندكم عروستين كيف الجمر هيخلوا بالهم منكم وهبجى مطمنة عليكم.. لكن ناسي في البلد محتاچيني. 
عبست ملامح أرنبة بضيقٍ ردد بحزن: 
_ هتيجي تاني يا ستي؟ 
ابتسمت بحبورٍ قائلة بمشاكسة: 
_ وه يا ولدي وأنت مهتجيش البلد ولا إيه؟ 
قبل أرنبة كفها قائلًا بحزنٍ حاول إخفاؤه: 
_ لا جاي يا ستي أكيد بس هتوحشني.
ربتت على بحنوٍ ثم تقدمت نحو عبه وعاليا وضمتهما بحبٍ توصيهم على أحفادها،  بينما اقتربت من وداد قائلة: 
_ بلاش يبجى قلبك خفيف مرة كُمان فاهمة يا وداد. 
أومأت لها بخجلٍ تقبل يدها كما لو كانت والدتها،  وكذلك نعمة، ثم تقدمت من محمد الذي أسرع بالحديث: 
_ أنا مش عارف أشكرك إزاي. 
ابتسمت له مجيبة: 
_ ميبجاش جلبك خفيف بس واتواچه مع الناس متخافش من حاچة واصل.. اللي بيخاف بيدّاس عليه يا ولدي. 
أومأ محمد يستمع للنصيحة جيدًا،  ليغادر أرنبة يوصل جدته وكذلك حربي يشعرون بفراغٍ قاتل لمغادرتها المكان بعدما ملأت حياتهم بالحيوية. 
**************
عاد حربي وأرنبة  بملامح حزينة لشقة محمد،  يجلسان أمام عاليا وهبه باختناق،  وما كادت عاليا أن تتحدث حتى استمعت لصوت رسالة، كانت رسالة صوتية تلقتها للتو من رقم وجيزة،  نظرت لها بقلقٍ من فتحها فهم عشر ثواني ولكن بمثابة سيف قاتل،  فتحت الريك لتسمع لصوتها قائلة: 
_ تسليم المشروع أخر الشهر والمناقشة في بداية خمسة. 
انتهى الريك وحلت الصدمة على وجوه الجميع، فكيف أن تسلم البحث ولم تنتِ من أنواع التحرش ولم تقم بالعديد من الإحصاءات والنتائج الدراسة لم تظهر بعد؟ 
ارتفع رنين هاتف حربي من رقم غريب،  نظر له بتوحس ثم أجاب وما كاد أن يتحدث حتى هتف الطرف الأخر بألمٍ: 
_ أنا سيف يا حربي ومحتاجك أوي!! 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1