رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة والسابع و السبعون 177 بقلم اسماء حميدة


 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة والسابع و السبعون

إلى اللقاء سيدة نصران.

وانسحب كلاهما من المشهد تاركين خلفهما ابتسامة شادية تتبخر في الهواء مثل عطر فاخر فقد طيبه.

امرأتين تتشابكان خلف مرآتين شادية تنظر من عل وكوثر تعرف من أين

يأتي السقوط.


وقفت شادية كتمثال من الشمع المصقول تتابع بخطى النظرات انسحاب كوثر وزكريا بينما كانت خيبة الأمل تنز من عينيها كما الحبر من رسالة وداع مبللة بالدموع... كل ملمح في وجهها كان يصرخ صمتا

فاتني القطار مرة أخرى.

في تلك اللحظة ارتجف هاتف السكرتيرة بين أصابعها وورد إليها إشعار فاقتربت همسا من شادية كمن يزف سرا لا يقال علنا

وردنا الآن أن السيد ظافر يخفي طفلا في قصر الغابة منذ أكثر من شهر ونصف.

شهقت شادية ببطء لكنها لم تنطق... فقط ضاقت عيناها كأنها تغربل الحقيقة وراحت تقيس حجم ما لا يرى.

في تلك الأثناء كان زكريا قد عاد إلى فيلا كوثر لكن قلبه لم يعد معه بل ظل معلقا بين خوف لا يغادره وذكاء لا يهدأ فقد أدرك أنه لم يعد بوسعه الوثوق بملامح الشوارع ولا وجوه الناس حتى


الهواء بات يحمل وشاية وذلك بعد أن عرف أن والده البيولوجي ظافر قد كشف وجود نوح ولم يكن ينقص هذا العالم سوى أن يكتشف والده ذاك الغريب الذي يشبهه في الجينات ويخالفه في كل شيء.

صعد زكريا إلى غرفته بخفة تليق بسارق ظل ومن ثم جلس أمام حاسوبه وكأن أصابعه كانت تكتب بلسان قلبه وراح يتنقل بين شفرات لا تراها العيون وكأن شبكة الإنترنت تتحول بين يديه إلى بحر يسبح فيه وحده ومن خلال ثغرة سرية اخترق جدار الحماية لقصر الغابة... فقد زرع وصلة اتصال سرية بالأمس وخبأها حيث لا يصل ظافر بعينيه ولا الحراس بخبرتهم.

في الليلة نفسها كان نوح مستلقيا على سريره الأبيض كورقة مهملة في رواية لم تكتب حين لمح وميضا خافتا ينبض من طرف الوسادة... كان الجهاز صغيرا كزر خفيفا كسر.

التقطه ووضعه قرب أذنه

زاك

جاءه

صوت زكريا خافتا متلهفا كما لو كان يتدلى من حافة القلق

كيف حالك

أجاب نوح بنبرة فيها نضج لا يليق بسنه

أنا بخير... ظافر أحضر طاقما كاملا لرعايتي... يعطونني كل ما أريده... الطعام الدواء وحتى الألعاب... ولكن كيف أعدت تشغيل جهاز الاتصال خاصتنا حتما إنه بعيد عن مكان تواجدك ولقد فقدت الأمل فيه ونسيت أنه معي من الأساس

ثم نظر إلى الظلمة خلف النافذة.. كانت أشجار الغابة تتمايل بهدوء كأنها تواسيه... وأردف

لو لم أكن مريضا لما عادت سيرين إلى المدينة... كنا سنبقى معا كأسرة حقيقية سعيدة.

ارتخت أنفاس زكريا إذ شعر بشيء من الطمأنينة ينساب بين ضلوعه فلو قال نوح إنه يتألم لقلب الدنيا عليه رأسا على عقب... كان سيفكر في تهريبه أو ربما في المواجهة المباشرة مع ظافر... لكنه لم يفعل... ومع

ذلك لم يكن الأمر سهلا... هو في النهاية مجرد طفل... لا سلاح له سوى عقله ولا حصن له سوى صبره... ولأنه عجز عن حماية سيرين كيف له أن يحمي نوح كيف لطفل أن يتصدى لجيش من الخيانات

كان هذا الليل طويلا... لا لأن الساعة تشير إلى منتصفه بل لأن القلوب فيه تضرب كطبول حرب لم تعلن.

قطع نوح سيل أفكار زكريا كمن يرمي حجرا في بركة ساكنة قائلا بصوت خافت كهمسة ليل

زاك... أريد أن أسألك شيئا.

تقلصت ملامح زكريا وعقد حاجبيه ببطء كما لو كان يستشعر عاصفة في الأفق ثم أجابه بخفوت يشبه الحذر الذي يسبق السؤال المصيري

ما هو

سكن الصوت من الجهة الأخرى للحظة ثم خرج من فم نوح سؤال كالسهم انطلق لا ليصيب بل ليهز

هل تظن أن ظافر... شرير حقا

تجمد زكريا في مكانه كأن الكلمات باغتته من حيث لا يتوقع.

هو

يسأل هذا السؤال

 

أجابه زكريا تلقائيا وكأن غضبه أسبق من تفكيره

لماذا تسأل! رجل تخلى عن زوجته عن والدتك! أليس هذا شرا كافيا

صمت مؤقت تبعه صوت نوح بنعومة تشبه انسياب المطر على نافذة معتمة

لكنني... أظنه يحب أمي زاك.

خفق قلب زكريا كمن تلقى لكمة مباغتة فعجز عن النطق لثوان.

ثم تابع نوح بسرعة وكأنه يحاول انتزاع اعتراف واه

لقد رأيته... لقد أحضرها بنفسه إلى هنا في عيد ميلادها... كان ينظر إليها كما لو أن شيئا فيه لم يمت بعد... لم تكن نظرات حقد بل نظرات رجل يخبئ شيئا في قلبه ويخشى أن يبوح به.

كان نوح دائما يسبق عمره يرى ما لا يراه الكبار ويقرأ ما بين السطور دون أن يملك قاموسا لها فمنذ أن تسلل المرض إلى جسده صار يرى الناس بعيون أخرى وكأنه يقرأ نواياهم من نبرة أنفاسهم لا من كلماتهم.

هز زكريا رأسه بتردد وهمس

هل هذا كل ما استندت إليه نظرة

لكن داخله كان مضطربا... كم مرة رآها تبكي ليلا

وحدها في الغرفة

كم مرة نطقت باسم ظافر في نومها كما لو كانت تطلب الغفران أو الرجوع

لقد بحث في ماضيها نقب في الصور والأحاديث والرسائل لكن لم يجد سطرا واحدا يخبره أن ظافر أحبها حقا.

أما نوح ببساطته الحكيمة راح يحكي كيف أفسد ثياب أبيهم البديل

أما زكريا فكان ينصت بصمت يغوص في أفكاره كمن يحاول أن يزن قلبه على حد السيف... فلو كان ظافر يحب سيرين كما يقول نوح لما طردته سيرين من حياتها... لكنه لم يفعل... أو ربما كان حبه مشوها حبا لا يعرف كيف يعبر عن نفسه إلا بالقسوة.

تمتم زكريا بشرود ثقيل

لقد تأخر الوقت... عليك أن تستريح... فهذه المكالمة لا يجب أن تطول أكثر... إن رصدوا الاتصال لن ننجو.

أجابه نوح بصوت خافت

حسنا...

وانطفأ ضوء الجهاز شيئا فشيئا كنجمة صغيرة قررت أن تنام في العتمة.

نظر نوح إلى السقف طويلا كأن قلبه معلق هناك ثم أغلق عينيه هامسا لنفسه

هل من الخطأ أن نحب من كسرنا

أما

زكريا فقد ظل يحدق في شاشة جهازه المظلمة... وفي داخله عاصفة لم تهدأ بعد.

قضى نوح نهاره حبيس جدران الغرفة جسده مستلق على سرير وثير لكن روحه كانت تائهة... شاردة... تبحث عن إجابات لا تأتي... ورغم السكون الذي خيم على المكان لم يتمكن من الانزلاق في حضن النوم... هناك شيء ما في صدره كان يرفض السكون كأنه قلب صغير يدق بإلحاح على أبواب الأسئلة.

أدار نوح رأسه نحو النافذة ومن خلف زجاجها البارد راقب النجوم وهي تتلألأ في السماء كدموع معلقة على وجه الليل ثم همس لنفسه بصوت خافت بالكاد تسمعه روحه

إن لم يكن ظافر رجلا شريرا... وإن كان يحب أمي حقا... فهل ينبغي علينا أن نغفر له

ما إن خرجت الكلمات من شفتيه حتى اجتاحه ألم مباغت كلسعة نار في العظام كأنه يتمرد على فكرة التسامح ومن ثم غمر العرق جبهته كأن جسده ينزف صمتا.

انعقد حاجباه وتقلصت ملامحه من شدة الألم ثم قال بنبرة جافة كالسكاكين

لا.

.. لن نغفر له أبدا.

كان الألم ينهش عظامه كوحش جائع ومع كل وخزة كانت الكراهية تتكاثر داخله كالأشواك.

كره ظافر لأنه خذلها... خذل سيرين التي أطفأت عمرها في انتظاره ثم لم تجد منه سوى التجاهل.

كرهه لأنه فضل امرأة أخرى وترك والدته تحارب وحدها في مدينة لم تكن تعرف فيها سوى الجدران.

وكرهه أكثر لأنه لم يعلم بوجوده هو وزكريا أو ربما علم وتجاهل...

كيف يغفر لمن لم يعان من التنمر الذي ذاقاه

في أثينا

كم مرة انكمش نوح وزكريا في زاوية ملعب المدرسة يتهامسان ويكتمان الدموع لأن أطفالا أغرابا سألوهما بصوت مرتفع

أين والدكما من أنتما أبناء من

حينها لم يكن لديهما إجابة سوى الصمت... صمت كأن فيه اعتذارا عن وجودهما في هذا العالم.

كان قلب نوح ممتلئا حد الفيضان لكنه لم يبك... لأن الطفل الذي يوجع كثيرا لا يملك دموعا كافية لكل تلك الندوب.. 

فقط شد الغطاء عليه أكثر وحدق في ظلمة الغرفة كأن

الليل وحده يفهم حجم ما يحمله من وجع.

 الفصل المائة والثامن والسبعون من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1