رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الثامن عشر
"مصائب مشروع التخرج"
القضايا الإنسانية كثيرة للغاية مليئة بالأحداث كثير لم ولن تنتهي، كان التحرش إحداها ولعل تلك القضية طوال ثمانية عشر فصل لم تشرح كل ما يحدث مع البشر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أصبحت الرؤية ضعيفة بسبب الليل الحالك، يبحث بعينيه عن ذلك الصغير بعد أن أثار قلقه بسبب نبرته الضعيفة، ليجده يجلس بالزاوية ينكمش على ذاته، أسرع حربي نحوه متعجبًا من وضعيته، يشعر بقلق من وضعيته هكذا!، وصل إليه يضع يده على كتفه ولكن انتفض سيف من مكانه ينظر نحوه بفزعٍ كما لو كان وحش يريد أن يبتلعه، تراجع حربي يرفع كفيه بالهواء قائلًا في محاولة تهدأته:
_ أهدى.. أهدى أنا حربي.
هدأت نظراته، وعادت رجفة يديه تقل مجددًا، ينظر نحوه باحتياج شديد، يهتف بصوتٍ مختنق:
_ أنا تعبان يا حربي.. مش عارف أبطل اللي بعمله.. حاولت مكلمش حد بس مقدرتش جيت على بليل وكلمت كذا حد وهددتهم وعملت حاجات أكتر من الأول.. أنا مخنوق ومش عارف أساعد نفسي!!
تأمل حربي حديثه بصمتٍ يستمع له ولعجزه عن تغير ميوله الشاذة عن المجتمع لميول الصحيحة والفطرة التي خُلق عليها، استرسل سيف ينظر للأسفل بانكسار:
_ أنا عارف إني المفروض أكون أقوى من كده لإني كبير بس غصب عني مش عارف.. من وأنا صغير أخدت على كده وبقيت بعمل كده إزاي هبطل؟!!!
نطق سؤاله بتوهان، يشعر بضياع حاله ومستقبله، فهل هناك سبيل للعودة؟؟، تقدم حربي منه يهتف بهدوءٍ وثبات:
_ أنت عايز تبطل ليه؟؟
تفاجأ سيف من السؤال فشخصًا غيره سيخبره بأن يحاول مرة وإثنان وأنا ما عليه خطأ وهذا ضعف منه ويأس في المحاولة، صمت قليلًا يبحث عن الإجابة، ثم قال بتوهان:
_ أنا طلعت مش عارف الصح من الغلط.. بسبب أمي اللي ادتني تلفون ألعب عليه ومهتمتش خالص إذا كان ببص على فيديوهات مش مظبوطة ولا أي حاجة.. ولما حد يقولها خدي بالك تقوله دا طفل معندهوش ميول للحاجات دي فأكيد مش هيركز.. مع إن وقتها ظهرلي فيديوهات كتير وإعلانات على الفيس بشكل مفاجئ ليعني.. أنا آسف في اللي هقوله لمناطق حساسة وكمان أشكال علاقات وأنا معرفش إيه دا.. غصب عني فضولي كطفل خلاني أدور وأبص لحد ما لقيت نفسي عايز أعمل زيهم لا وأكتر كمان... وعملت أكونت باسمي وبدأت أدخل في كل الجروبات اللي ليها علاقة بالحاجات دي ووقعت مع واحد علمني كل اللي أنا فيه دلوقتي.. بس أنا عمري ما اتبسط ولا فرحت باللي بعمله..
نظر نحو حربي بأعينٍ تفيض بالدمع، يسترسل بألمٍ:
_ عمري ما اتبسطت ولا ارتاحت بالعكس كنت بتخنق وبعيط بعد كل مرة بعمل كده ضميري بيوجعني ومش عارف بعمل كده ليه بس وقتها ببقى عايز وببرر اللي بعمله لكن لما بخلص بندم أوي.. أنا كنت اتخن من كده بس بسبب اللي بعمله إكتئبت وخسيت وبطلت أكل وأشرب... أنا مش عايز أبقى منبوذ ولا مكروه ولا وحيد تاني يا حربي.. أنا تعبان أوي نفسي والله أبطل كل دا وأبقى كويس..
أمسك بيد حربي ولكن رجفة جسده تزداد، يهتف بصوتٍ مختنق من الدموع:
_ أنا مش وحش والله أنت مصدقني صح؟؟
أراد أن يبادله البكاء ولكن ما باليد حيلة، أمسكه حربي يسحبه ليضمه قائلًا بصوتٍ مشجع:
_ مصدقك يا سيف متخفش..
أجهش سيف بالبكاء كما لو كان طفلًا صغير، وليس شاب مراهق، تشبث بحربي ويردد كثيرًا:
_ مش عايز أبقى وحش.. مش عايز أبقى منبوذ..
ربت حربي على ظهره يشعر كأنه أبنه، يرتل بعض الآيات القرآن لعله يهدأ من لوعة نفسه، مرت لحظات ما بين الإنهيار مجددًا وبين الهدوء نسبيًا، حتى استطاع حربي الحديث مجددًا ينظر لوجه سيف:
_ لزمًا عشان تبطل تسمع كلامي يا سيف وأنا هفضل معاك مش هسيبك.. بس واثق فيا الأول؟؟
نظر سيف بتوجسٍ له، ثم قال:
_ واثق فيك بس أنت خوفتني!!
_ هنروح نقول لأهلك دلوقتي.
انتفض سيف بفزعٍ يحرك رأسه بنفيٍ، بينما أسرع حربي يمسك ذراعه قبل أن يبتعد يستمع له يردد بهلعٍ:
_ لا عشان خاطري لو عرفوا مش هعيش تاني..
هدر حربي بصوتٍ عالي قوي ليفيق من نوبة الهلع تلك:
_ قولتك مش هسيبك وهفضل معاك لحد ما أتأكد إنك في آمان!!
توقف عن الحركة ولكن لا يزال وجهه يحمل رفض لما يقوله، ثم بدأ يحاول تغير الفكرة قائلًا برجاءٍ:
_ أنا هبطل لوحدي بس بلاش بابا وماما عشان خاطري هيقولولي كلام وحش وهيكسروني.. كفاية إنهم السبب في كسرة نفسي دلوقتي...
حرك حربي رأسه بنفيٍ يتمتم بإقناع:
_ هما السبب فعلًا لكن في النهاية أهلك.. لزمًا يساعدوك ويتحمل نتيجة أفعالهم ويساعدوك تخرج من اللي أنت فيه.. وعشان تخرج لزمًا حد يركز معاك علطول يا سيف ولو هما مش عارفين مش هتعرف توقف نفسك.. هيجي وقت عقلك هيتلغي وعايز تعمل اللي بتعمله.
نظر له بتشتت واضح، يخشى أن يسمع حديثه فيلقى عقابه، ماذا سيفعل أهله إن علموا بما حدث!، هل سيتحملون نتيجة أفعالهم أم سيتركوه يجني أفعالهم وأفعاله وحده!!
أمسك حربي بيد سيف يخبره بهدوءٍ:
_ يلا يا سيف وريني العمارة اللي ساكن فيها ويلا نطلع.
أومأ له يسير معه نحو عمارة الموجودة خلفه، يصعد السُلم سويًا حتى وصلا للطابق المنشود، وقف سيف خلف حربي برعبٍ الساعة بعد منتصف الليل الجميع نائم وهو بالخارج، طرق حربي الباب ينتظر أن يفتح وبالفعل وجد رجلًا ذو شارب كثيف وملامح نعاسه، ينظر لحربي بقلق ممزوج بنعاسٍ:
_ خير يا بني في إيـ... سيف بتعمل إيه برة البيت دلوقتي؟؟؟
أنكمش سيف خلف حربي أكثر، يينما تحدث حربي بهدوءٍ قائلًا بنبرة جادة:
_ ممكن ندخل ونتكلم جوا.
أومأ السيد نصر الدين بتعجبٍ، يفسح المجال لحربي بالدلوف ومن خلفه سيف الذي يشعر بالذعر منه، جلسا بالردهة ينتظر نصر الدين حديثه ولكن هتف حربي بهدوءٍ:
_ ممكن المدام تيجي لإن الموضوع يخصكم أنتم الاتنين.
رفع نصر الدين حاجبه باستنكارٍ يهتف بانزعاج:
_ أنتِ مش ملاحظ إنك بتطلب كتير ومتكلمتش في حاجة؟؟ أنت مين وسيف خايف كده ليه؟؟
ابتسم حربي ببرودٍ، يرفع يده يهندم لحيته الكثيفة والقصيرة في نفس الوقت، يردد:
_ نادي المدام يا أستاذ نصر الموضوع مطول ولا نمشي ووقتها سيف مش هتشوفه!
أنتفض نصر الدين من مقعده يهدر بغضبٍ:
_ أنت اتجننت جاي تهددني في بيتي!!
_ تؤ تؤ تؤ حاشاه لله أنا مبهددش يا أستاذ نصر الدين لكن كل اللي في الموضوع إن المدام كانت السبب في حالة ابنك دلوقتي وهو بنفسه رفض يجي هنا وأنا جبته.
عجز عن الرد عليه ولم يفهم مغزى حديثه، ليتجه نحو غرفته ينادي زوجته السيدة " نرمين"، لحظات كانت تجلس أمامه مع زوجها ينظرون لسيف الذي لا يزال يرتجف، فأمسك حربي بكفه يربت عليه قائلًا وهو ينظر نحو نرمين:
_ ممكن حضرتك تقوليلي ابنك حياته وروتين يومه ماشي إزاي؟؟
تعجبت نرمين من سؤاله، تجيبه بنبرة مندهشة:
_ بيصحى يفطر ويروح المدرسة ويخلص يجي يذاكر ويتغدى ويقعد على الفون شوية وينام بس.
ابتسم بسخرية عليها قائلًا:
_ طب وعارفه صحابه؟؟
توترت من سؤاله فلم يخبرها البته عن أصدقائه، لتهتف ببعض التوتر:
_ هو ملهوش صحاب أوي..
ابتسم حربي بعدما وصل للنقطة التي يريدها، يسألها مجددًا:
_ ليه ابنك معندهوش صحاب؟ ليه انطوائي ولما بيجي مبيتكلمش معاكِ؟
صاح نصر الدين بنفد صبر:
_ في إيه يا جدع أنت داخل عامل تسأل تسأل وتهدد فينا أنا ممكن أعملك محضر دلوقتي إنك جاي تتهجم عليا في نص الليل!!
_حقك تعمل كده.. وأنا حقي برضو أعرف ليه أنتِ ومراتك سبتوا ابنكم لحد ما بقى في رجالة بتتحرش بيه وهو بقى يتحرش بالرجالة.. وحط تحت كلمة رجالة مليون خط..
انتفض نصر الدين من مكانه كما لو لدغه عقرب يهدر بغضبٍ جامح:
_ أنت بتقول ايه؟؟
ابتسم حربي بسخرية، يردف بتهكم:
_ ابنك معندهوش ميول لبنات خالص.
تقدم نصر الدين يمسك حربي من تلابيب ملابسه يهدر بعصبية:
_ أخرس خالص أبني أحسن منك ومن عشرة زيك.. ولا عشان أنت اللي معيوب جاي تعملهم على ابني..
نهض سيف بشجاعة لأول مرة، يردد بألمٍ محاولًا الدفاع عن حربي:
_ لا يا بابا أنا فعلًا كده.. وحربي بيحاول يساعدني عشان يلحقني.
ترك نصر الدين حربي ينظر نحو سيف بصدمةٍ، ثم تقدم منه بعدم تصديق قائلًا:
_ لو مهددك بحاجة قولي يا سيف وهعرف أخد حقك بس متسمعش كلامه...
_ لا يا بابا أنا بقولك أهوه أنا كنت بعمل أسوأ من كده.. أنا بهدد الرجالة وبخليهم يعملوا **** وكمان بـ...
صفعة مخيفة قاسية تلاقها على وجهه تمنعه عن الاستمرار بإلقاء كلماته التي كانت حمم بركانية تحرقه، سحب حربي سيف خلف ظهره سريعًا، بينما لم يرمش سيف بل ظل يحاول استيعاب ما فعله والده، يضع يده على أثر الصفعة بألم، في حين تحدث حربي بعتاب:
_ سيف ملهوش ذنب في اللي حصل ومكنش ينفع اللي عملته..
نظر نصر الدين بأعينٍ منكسرة قائلًا:
_ وينفع اللي بيقوله ويعمله.. ينفع كسرة قلبي عليه دلوقتي.. لما هو ملهوش ذنب مين ليه ذنب في كل دا ميـــن!!!
كاد حربي أن يجيب ولكن صرخ سيف بحدةٍ وألمٍ يقتلاه، يشعر بمدى دنو نفسه أمام الجميع:
_ أنت وهي السبب.. إهمالكم ليا و أنتم متركزوش معايا هو السبب.. أنت مش فاضي عشان علطول في الشغل وهي تديني التلفون عشان ترتاح من زني!!
نظر نحو والدته التي تبكي بصمتٍ، ليسترسل بسخطٍ:
_ فاكرة التلفون اللي مسكتهوني من وأنا في ابتدائي؟؟ ظهرلي صور لحاجات **** وأنا كنت فضولي.. وقتها دخلت ودورت وبصيت لحد ما عرفت وبقيت بتعلم كل حاجة تخص العلاقات.. وبدأت أجرب...
اقترب سيف وهو يبتعد عن حربي، قنبلة داخله أرادت الانفجار وها هي اللحظة، وقف أمامها يكمل بصوتٍ منكسر، عينيه الحمروتان تذرفان الدموع، يشعر بآلام تشق روحه:
_ عارفة أول واحد أجرب فيه كل العلاقات مين؟؟
نظرت له بأعينٍ مدمعة تحرك رأسه برفضٍ لما فهمته، ليومئ لها قائلًا:
_ أنا.. أنا عملت فيا وجربت فيا.. ولما مكتفتش بدأ أدور على بديل.. أنت السبب في إني اغتصب نفسي.. لو كنت بصيتي عليا وأنا طفل وخدتي بالك ببص على إيه مكنتش وصلت للمرحلة دي..
استدار سيف نحو والده يردف بسخطٍ ودموعه تنهمر بغزارة:
_ دي أول مرة اتكلم فيها معاك يا.. بابا!!! اتكلمت معاك بعد ما أدمرت ومستقبلي ضاع وبقيت ميولي للي من جنسي وبس.
نظر نحو حربي يهتف ببسمة حزينة ولكنها محطمة:
_ شكرًا إنك بتحاول معايا وعايزني أبطل.
تركهم سيف يغادر لغرفته يغلق الباب عليه، بينما جلس نصر الدين على المقعد بألمٍ ينتشر بصدره بل وجميع أنحاء جسده، بينما وضعت نرمين يدها على فمها تحاول منه شهقاتها المتتالية تهز نفسه للأمام والخلف، زفر حربي رؤية هذه الحالة المخيفة، يهتف بهدوءٍ:
_ كل حاجة وليها حل يا أستاذ نصر.
نظر له نصر الدين بألمٍ، يشير نحو غرفة سيف التي يعلو منها شهقات بكائه متمتمًا:
_ تفتكر في أمل بعد ما دمرناه كده؟؟
أومأ حربي له بأملٍ، بينما هتفت نرمين بصدمةٍ تكسو ملامحها لا تزال دموعها تنهمر:
_ طب إزاي شافها.. أنا الصفحة بتاعتي محافظة عليها!!
زفر حربي بضيقٍ من تلك النقطة، ليجيبها بتوضيح للفكرة:
_ الموضوع معقد شوية بس هحاول أوضحلك الفكرة.. مجتمع الغرب ومش كل المجتمع هما فئة معينة بتستهدفنا " الصهاينة" عايزين يدمروا المجتمع الشرقي وأكتر حاجة تدمره إنهم يخلونا شبه قوم لوط... يا الطوائف المسلمين ومسحيين يكرهوا بعض.. وعشان كده هما متابعيين كل حاجة تخصنا.. اهتمامنا بإيه وفكرنا إزاي والفترة الأخيرة الأمهات عشان تخلص من زن اولادهم بقوا بيدوهم التلفون.. ودا سبب أمراض كتير منها " التوحد " وأكيد لاحظتي ظهور الفئة دي جامد الفترة اللي فاتت صح؟؟
أومأت نرمين تتذكر شيوع تلك الفئة بعدما كانت نادرة الظهور، ليسترسل حربي حديثه:
_ وبردو في الفترة اللي فاتت ظهر بقوة طائفة شبه طائفة قوم لوط.. وبعدها الموضوع سكت بس الموضوع مسكتش خالص الفكرة إنهم لما عرفوا اللي الأمهات بتعمله وإنهم بيسيبوا التلفون... بقوا يعمل بوستات فيها صورة خدشة للحياء وجارحة... تظهر فجأة كبوست مقترح.. أو تظعر في استوريهات البيدجات الشغل أو النكت..
تذكرت نرمين شكوى أصدقائها عن ظهور صور خدشه للحياء في حالة بعض صفحات بتلك الفترة وتعجبهن من ظهورها فجأة، بينما انتبه نصر الدين لهذا الأمر أيضًا بالفترة الأخيرة ولكن لم يلقِ للأمر أهمية، أكمل حربي بعدما لاحظ انتباه وجههما لهذا الأمر:
_ ومن هنا الطفل هيشوف هيجيله فضول هيدور وهيلاقي وهيوصل لمرحلة سيف بظبط وبكده مجتمعنا هيكون في الطائفة دي برضو والأضرار على الناس اللي ميولها زي قوم لوط نفسيًا وجسديًا ضخمة أولها يوقف المجتمع المصري إصدار ناس نبغة زي "مجدي يعقوب" و"أحمد زوايل" وغيرهم ممكن ميبقاش زي قوم لوط يكفي العادة السرية بس لنفسه دا هيأثر برضو وطبعًا دا هيأدي لانتشار الأمراض وتدمير الخلايا العقلية وقدراتها.. الموضوع مش سهل أبدًا... ومعتمد على إن كله ينتبه لأولاده أوي.
لحظة صمت ولكنها مخيفة بعدما أدرك العقل ما يحدث، نظر نصر الدين نحو حربي بحزنٍ يهتف برجاءٍ:
_ ساعدني أرجوك.. أعمل ايه مع سيف؟؟
ابتسم حربي براحةٍ بعدما نضج فهمه، يجيبه بتروي:
_ الأول هتروح تتكلم معه وتفهمه إنكم متقصدوش وإن الغلط هيتصلح وبعد كده هتروحوا لأخصائي نفسي عشان يساعد سيف يخرج من الإكتئاب اللي فيه.. بس كله هيعتمد على حاجة واحدة تهتموا بسيف وتركزوا معه.. وبلاش اهتمام زيادة عن الحد لكن أول لما يجي عملت ايه في المدرسة.. تعالى اتغدا وتاكلوا سوا حتى لو مش جعانين لزمًا تتجمع على الغدا.. لو قاعدين فاضيين تجيبوه وتتفرجوا على فيلم.. رجعوا علاقتكم تاني وعيشوا كأسرة مش كل واحد مع نفسه.
أومأ كلًا من نصر الدين ونرمين، بينما ترك حربي رقم الهاتف الخاص بالأخصائي نفسي " محمود" ذلك الصديق المجهد منذ بداية هذا البحث، غادر حربي المكان تاركًا نصر الدين يجلس مع سيف يعتذر عن أفعاله ويخبره أنه لن يتركه أبدًا.
******************
على الضفة الأخرى...
وضعت يدها أسفل ذقنها بعبوسٍ فالساعة الواحدة بعد منتصف الليل ولم يأتِ حربي أو يتصل بها، أتت هبه حاملة بعض الكيك الساخن المصنوع للتو، بينما تهلل سرير أرنبة بفرحةٍ يمسك عنها الطبق قائلًا:
_ أخيرًا شرفتي يا غالية يا ست البنات.
رمقته هبه نظرة غاضبة تردف بغيظٍ:
_ مفيش تسلم إيدك.. معلش تعبتك. أي حاجة بدل ما أنت بتبلع وبس..
نظر لها أرنبة يبتلع تلك القطعة التي التهمها للتو، يردد وهو يهم بالأخرى:
_ تسلم إيدك بس لما بشوف الكيكة بنسى نفسي وببقى عايز أبلعها كلها.
عبست ملامحها بضيقٍ لاهتمامه الشديد للحلوى، ثم نظرت لصديقتها العابسة أكثر منها، لتسألها بتعجبٍ:
_ مالك يا بنتي؟؟ كل دا عشان مشي؟
نظرت لها عاليا تشعر بالخجل ممزوج بضيقٍ من ابتعاد حربي بل وعدم اهتمامه بها الفترة الأخيرة، لتجيبها بخجلٍ منزعج:
_ حربي بقاله مدة مش بيكلمني حلو وخايفة يكون زهق مني بصراحة!!
أومأت بتفهمٍ لما تشعر به، لتردف باقتراحٍ:
_ طب كلمتيه في الموضوع دا؟؟
نفت عاليا بخجلٍ، تشع وجنتيها حُمرة، تجيبها باستحياء:
_ اتكسفت اكلمه بصراحة.. طالع عينه في البحث ودلوقتي سبنا ونزل عشان حالة من حالات البحث.. وأنا بصراحة محرجة أقوله في وشه كده.
_ طب ما تبعتيله على الواتس اللي مزعلك وأهو بالمرة يكلمك هو تدردشوا.
استحسنت عاليا الفكرة، فأمسكت هاتفها وبدأت بكتابة الرسالة تخبره عن ضيقها الشديد من بُعده عنها ورغبتها في الحديث المستمر معه والاستماع لكلماته المعسولة.
ضغطت على زر الارسال وبنفس اللحظة اقتحم الشقة ثلاث رجال ذو بنية ضخمة، فزعت عاليا وهبه من منظرهم، بينما احتضن أرنبة طبق الكيك أكثر يتراجع للخلف قائلًا بفزع:
_ في إيه.. في إيه؟؟؟
أشار أحدهم بسبابته على عاليا وأرنبة وهبه، لينطلقوا نحوهم يكمموا أنفهم وفمهم ثم دقائق ووقعوا مغشيين عليهم، وما كادوا أن يحملوهم حتى خرجت وداد ونعمة من الغرفة وسرعان ما اتسعت عينيهم بفزعٍ لتصرخ وداد بقوة:
_ ألحقوني ألحـ....
انطلق أحد هؤلاء الرجال وكمم فمها سريعًا، في حين وضعت نعمة يدها على فمها قبل أن يقترب منها أحد، ولكن لم تسلم من المخدر الذي رُش عليها، لتسقط فاقدة الوعي.
تحرك الفرد الأخير يحمل نعمة ووداد معه يسيرون نحو الباب ليغادروا ولكن أثناء فتح الباب تفاجأ محمد بوجود رجال حاملين زوجته وابنته وأرنبة أيضًا كجثث، اتسعت عينيه بصدمةٍ وقبل أن يتفوه بكلمة كان قد اشتم هو وسالم ذلك المخدر، ليسقط على الأرض، نظر له أحد الرجال الحامل عاليا قائلًا:
_ هنعمل إيه يا كبير.. دول كتير أوي؟؟
نظر. له بانزعاجٍ شديد يردف بغيظٍ:
_ هنجرهم على البلاط نزلي الواد دا من كتفك وحمل واحدة من الحريم وأنا هشيل التانية والباقي جرهم هي مش ناقصة شيلتهم.. المتلقحة في بيتها قالت هنروح البيت هنلاقي أربع أفراد مش حفلة علي بابا هنا..
هبط الثلاث رجال بهدوءٍ مستغليين هدوء الشارع، ليدخلوهم الميكروباص سريعًا، ثم صعدوا مرة أخرى يجرون الثلاث رجال على البلاط ولكن أثناء جرهم أصطدمت رأس محمد بسور السُلم أدت لتورمها وظهور كرات صغيرة متورمة " بوقليلة"، بينما أرتفع القميص الخاص بأرنبة فحدث له خدوش كبيرة مدمية كلما نزل سُلمة تأوه بنعاسٍ، في حين شُبك في ملابس سالم بعض نشارات الخشب.
أخيرًا وصلوا للأسفل ووضعهم بالميكروباص ثم انطلقوا سريعًا قبل أن يراهم أحد، ليأخذونهم كما أمرت أُلفت مديرة مدرسة خاصة شهيرة.
***************
_ آآآه.. ظهري نار قايدة فيه!!
جملة نطقها أرنبة بعدما استفاق من غفلته، يأن بألمٍ من ظهره وتلك النيران التي يشعر بها، نظر لجسده المربوط بأحبالٍ كثير وملقى على الأرض، رفع عينه ينظر حوله فوجد عاليا وهبه لايزالان غافلتان، بينما سالم ومحمد مربوطان بعمودٍ واحد ظهرهما لبعض، في حين كانت نعمة ووداد يجلسان بتعبٍ على الأرض، هتف أرنبة بألمٍ لا يزال يشوب صوته:
_ هو إيه اللي حصل؟ وعملوا ايه في ضهري مخليه نار قايـ... إيه دا يا عمي إيه البوقليلة اللي في دماغك دي؟؟ يالهوي دول 3 بوقليلات!!
رمقه محمد بنظرة حانقة غاضبة، يرسل له معاني مختلف بأن يصمت، في حين مطت نعمة شفتيها والإرهاق بادي عليها، لتهتف ناظرة لوداد:
_تعبانة يا وداد وعايزة أروح!!
أومأت وداد بموافقة لها، ليصرخ محمد بغيظٍ ممزوج بألمٍ منهما:
_ تعبانة!! شوف مراتك يا سالم بدل ما أهبد العمود دا على دماغها.
_ أهبده هي هتحس بإيه دا أنا ضهري مليان شوك وعامل يقرص فيا لما ورمت ومش عارف أصرخ حتى!!
نظرت وداد بغيظٍ منه قائلة:
_ في إيه يا محمد تعبانين من الحركة والمهمتة دي!!
_ قسمًا عظمًا أخليهم ستة بوقليلات وأجي أديكِ روسية تحولك.. أخرســـــــــــــي خالص.
صمتت وداد على مضض، بينما هتف أرنبة بألمٍ يزداد:
_ ضهري يا جدعان مش قادر.. هما عملوا ايه بظبط!!
علق محمد ساخرًا:
_ جرجروك يا عينيا.. مسكونا إحنا تلاتة وجرجرونا زي الجاموس على البلاط.
اتسعت عين أرنبة بصدمة، فهو رأى ما بالسلم من كسرو ونشارات خشب، ليغمغم بصدمة:
_ليه ولاد المؤذية دول.. ضهري نار قايدة فيه!!
نظر سالم بغيظٍ لنعمة يتمتم بغضبٍ:
_ كام مرة أقولك لو مش قادرة تنضفي السلم قوليلي أجيب واحدة تنضفه إنما تسبيه معفن كده لا هو اتنضف ولا نضفتيه.. الله يسامحك يا شيخة جسمي بقى كله نُقر.
_ الله في إيه يا سالم ما كنت بوفلك يا أخي.. والأسبوع دا كسلت أعمله وقولت الأسبوع الجاي أعمله.. فيها إيه يعني!!!
صوت تأوه صغير صدر من هبه لتفتح عينيها بنعاسٍ قائلة:
_ أنا فين؟؟
_ صح النوم على الحلوين المخطوفين وبينونو زي المعيز دول!!
نظرت له هبه بصدمة، ثم لاحظت هذا الحبل المربوطة به وتشترك معها عاليا في نفسه الحبل، جعدت ملامحها بضيقٍ قائلة:
_ اشمعنا كله ليه حبل وأنا وعاليا حبل واحد؟؟
_ نقول إيه بقى بُخلة واستخسروا فيكم الحبل المرة الجاية هوصيهم بأحبال زيادة..
نطق أرنبة جملته بمواساة زائف، ثم صمت دقيقتين يسترسل بغضبٍ مكبوت:
_لو فتحتي بوقك تاني أول حاجة هعملها لما أخرج من هنا هبهدك علقة.
رمقته هبه بنظرة غاضبة ثم مدت يدها تهز عاليا لتفيق، وبالفعل استجابة لها تنهض معها بتعبٍ قائلة:
_ حصل إيه؟؟
_ مش فيلم هو ما قولنا مخطوفين!!
نظرت له عاليا بغيظٍ قائلة:
_ جرى يا أرنبة داخل بودانك ليه!!
اتسعت عين أرنبة بصدمة من سخريتها، وما كاد أن يرد حتى هتفت هبه بحماسٍ:
_ عاليا مش كلمتي حربي قبل ما نمشي؟؟
أومأت عاليا بالايجاب بعدم فهم، لتردف هبه بحماسٍ:
_ طب المفروض كده عرف إننا اتخطفنا صح؟؟
عوج أرنبة فمه يمينًا ويسارًا يغمغم بسخرية:
_ بلا وكسة عليكِ وعليها وعليه... الفجر أذن بقاله ساعة والشروق طلع علينا والأفندي مبنلهوش ملامح حتى.. أنا شاكك إنه يكون طلق عاليا في المحكمة وهرب.. هو ندل ويعملها.
نظرت له عاليا بحدةٍ تردد بغضبٍ:
_ فال الله ولا فالك يا أخي.. ثم حربي أكيد هيجي ممكن الموصلات عوقت معاه.
_ هيهي موصلات!!! قالك موصلات!!! بنات أخر زمن.. ما أنتِ لو حاكمة جوزك كويس إنما أقول إيه سبتيله السايب في السايب لحد ما طفش منك.
اتسعت عين كلًا من هبه وعاليا من حديثه، لتردف هبه بسخرية:
_ ويا ترى بقى أنا حاكمة وظابطة ولا هتطفش؟؟
_ بصي يا هبه يا حبيبتي كل ما بحاول أطفش أو أفكر في الطفشان ألقيني بتخطف جنبك فإتأكدت إننا نصيب بعض... يا قادرة دا إحنا اتخطفنا في نفس الأسبوع مرتين.
اتسعت عينيه بصدمة من حديثه الفظ، لتصرخ به مغتاظة:
_أتلم يا أرنبة يا أبن أم أرنبة.. ثم ما تتعب يا أخي شوية ولا أنت مش عايز تتعب في حاجة..
أشاح بوجهه بعيدًا عنها، بينما بدأت هبه تغمغم ببعض الكلمات الخانقة تنتظر فرصة الانقضاض على أرنبة والنيل منه ومن حديثه الفظ، بينما نظرت عاليا نحو الباب تتأمله منتظرة حربي ولكن تفكر بالعديد والعديد من الخطط للإنتقام منه بعد حديث أرنبة!!!