رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة والثالث والثمانون 183 بقلم اسماء حميدة

 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة والثالث والثمانون


منذ أن اتخذت سيرين قرار الطلاق تلاشت في داخلها فكرة أن تكون يوما ما زوجة حقيقية لظافر كما تنطفئ نجمة في السماء دون أن يلحظ أحد اختفاؤها... كانت العلاقة بينهما تشبه مسرحية انتهى عرضها وبقي الممثلون يرتدون الأقنعة من باب المجاملة أو ربما من باب الحنين لما كان.
لكن في لحظة مباغتة مد ظافر يده ليمرر أنامله على خصلات شعرها المنسدلة كستار مسرحي ثقيل ينفتح على مشهد غير متوقع وهمس وكأن اسمه نفسه بات غريبا على مسامعه
قولي اسمي...
رمقته بنظرة خاڤتة ثم لفظت اسمه بصوت يوشك أن يتلاشى مع الهواء
زاڤ...
في تلك اللحظة أراد أن يعيد القبلة التي ختمت بها الليلة الماضية أن يسرق

من الزمن قبلة تكتب بداية أخرى لكن القدر كعادته لم يمهله... إذ دق الباب وانهار الصمت بينهما ككوب زجاج ټحطم فجأة... كان طعام الإفطار قد وصل.
وبعد مضي ساعة جلسا فيها سويا إلى الطاولة يتشاركان الطعام بصمت مربك وكأن كلا منهما يأكل على طاولة من الذكريات.
سألت سيرين بصوت أرادت له أن يبدو عاديا بينما قلبها ېحترق شوقا للعودة إلى الغرفة
أليس لديك عمل اليوم في المكتب
التقط ظافر رغبتها الخفية كأنه قرأ ما لم يقل وابتسم بعناد
لقد أوكلت معظم المهام لغيري... كان يجدر بي فعل ذلك منذ وقت طويل.
كان يعلم أن انشغاله بالشركة التهم منه الكثير فبصفته المدير التنفيذي قد أحاطته المسؤوليات كجدران
عالية نسي خلفها كيف يحب.
أما سيرين فلم تستطع إخفاء خيبة أملها... فإن لم يذهب لن تقدر على العودة للغرفة إلى الكأس الذي يحمل فرصتها الأخيرة.
حدجها ظافر بنظرة مباشرة كمن يسبر غور النوايا وسأل
أتريدينني أن أذهب
أجابت بهزة رأس أرفقتها بهمسة مترددة
لا... كنت فضولية فقط.
ابتسم كمن قرر فجأة أن يغامر
سأترك كل العمل هذا الشهر... لنقضي وقتا حقيقيا سويا.
ارتبكت وكأنها تلقت صڤعة عاطفية لا تدري كيف تقابلها.
صمتت ثم أومأت تقول بصوت أقرب إلى الذهول
بالتأكيد...
فاجأها مرة أخرى وهو يقلب أفكاره بصوت مسموع
ألم تقولي إنك تودين العودة إلى مقاطعة سان
أمسكت كوب الماء بقوة كما لو أن سؤالا كهذا
قد أيقظ أشباح ماض كانت قد دفنته عمدا... ففي بداية زواجهما كانت تذكر تلك المقاطعة كثيرا... كانت تحبه وكانت تظن أن الحب شراكة في التفاصيل الصغيرة.
قالت أخيرا وصوتها يحمل بقايا حلم قديم
نعم قلت ذلك.
ابتسم وكأنه اتخذ قرارا لا رجعة فيه
احزمي أمتعتك لاحقا... سنذهب هناك بعد الظهر.
لم تكن تتوقع أن يقولها بهذه البساطة كأنه يخطط لرحلة ترفيهية لا لبعث زواج مېت لكن في داخله لم يكن يعرف كيف يبدأ من جديد... فقط سمع الناس يتحدثون عن شهر العسل فظن أن الحكاية قد تنبعث من هناك.
تجمدت سيرين للحظة كأن الزمان توقف بين ارتباكها ودهشتها قبل أن تستعيد وعيها وترد بنبرة خاڤتة
حسنا... سأبدأ في
ترتيب أمتعتي الآن.
حين عادت


سيرين إلى غرفتها كان السكون فيها أشبه بنبض مرتجف في قلب ينتظر مفاجأة.
التقطت هاتفها المحمول وعيناها تلمعان بقلق كامن فإذا بها ترى مكالمة فائتة من كوثر.
للحظة شعرت بشيء يشبه وخزا خفيفا في صدرها واتصلت بها على الفور وكأنها تبحث في الصوت الآخر عن توازن ما وما إن رنت النغمة الأولى حتى جاء صوت كوثر كريح تتعجل عبور باب مغلق
كيف سارت الأمور
كان في سؤالها لهفة العارف الذي لا يملك الصبر لانتظار النهاية... أجابت سيرين بصوت ناعم كقطرة ماء تلامس سطحا دافئا
أجل... كان ناجحا... لدي شعور بأنني سأحمل.
توقف الزمن لحظة بين الكلمتين بين الرجاء والخۏف بين وعد لا يقال
وقلق لا يخفى.
قالت كوثر ونبرتها ترتجف بأمل مستتر
هذا رائع! إذا هل يمكننا المغادرة مع نوح الآن
لكن سيرين وهي تسير بعينيها في دوائر القلق أجابت بتردد خاڤت
لا أعلم بعد... لا أزال غير متأكدة من حدوث الحمل... أريد أن أنتظر حتى أتيقن.
ثم أسدلت عليها الحقيقة دفعة واحدة كمن يفتح نافذة تطل على وجه العاصفة وأخبرتها عن اتفاقها مع ظافر عن شهر كامل سيعيشان فيه كزوجين... وعن الرحلة المفاجئة إلى مقاطعة سان بعد ظهر اليوم ذاته.
ساد الصمت على الطرف الآخر حتى خيل لسيرين أن كوثر قد اختفت لكن صوتها جاء بعدها متخما بالحيرة
ماذا يفعل هذا الوغد الآن ما الذي يخطط له
وضعت سيرين
كفها برفق على أسفل بطنها كما لو أنها تستشعر فيه بذرة حياة لم تنبت بعد ثم قالت وكأنها تخاطب نفسها قبل أن تخاطب كوثر
مهما كانت نواياه... علي أن أمهله شهرا حتى لو كنت حاملا فالطريق ما زال طويلا... لا أحد يلد المعجزات في لحظة.
كان القلق يتمدد داخلها مثل دخان رمادي يتسلل في صمت يخشى أن يتجسد أمام عيني ظافر في أية لحظة لذا لم تشأ أن تطيل الحديث فأنفاسها كانت تترقب وقع خطواته على الأرض كأنها مذنبة تتهيأ لمحاكمة.
قالت سيرين لكوثر بنبرة هادئة لكنها حاسمة
سأكلمك لاحقا... لا أريد أن يشعر بشيء.
أنهت المكالمة قبل أن تزداد مشاعرها هشاشة ثم وقفت أمام حقيبتها المفتوحة
وبدأت في حزم أمتعتها بعفوية مرتجفة... لم تكن توضب أشياءها فحسب بل كانت تعبئ داخلها أيضا ألف سؤال بلا إجابة وألف احتمال لا يقبل اليقين.
في هذه الأثناء كانت مدبرة المنزل التي تعمل بنظام الساعات قد وصلت لتنظيف جناح سيرين فشعرت الأخيرة بأن الفرصة قد حانت فتظاهرت بانشغال عابر ثم تذرعت بحاجة ما وتسللت نحو غرفة النوم الرئيسية التي تشاركتها مع ظافر بالأمس كأنها ظل لا يرى.
هناك حيث اختبأ الماضي والحيلة معا مدت يدها وأخرجت الكوب الزجاجي الذي حفظت فيه سرها الكبير... قطعة من الزمن مغلفة بأمل... لا ترى فيها مجرد سائل بيولوجي بل بذرة حياة معلقة على خيط واهن من الرجاء.

حملته كأنها


تحمل قلبها بيديها ووارته كما تخبأ الذنوب التي نحاول أن نغفرها لأنفسنا لاحقا وبعد أن أغلقت الحقيبة الأخيرة ارتدت ملابس بسيطة أقرب إلى العادية في مظهرها لكنها كانت تخفي تحتها اضطرابا لم ينطفئ ومن ثم حملت أمتعتها ونزلت إلى الطابق السفلي حيث كان ظافر يجلس على الأريكة غارقا في سطور كتاب لم يكمل حتى الأخير.
وقفت أمامه وسألته بصوت بدا طبيعيا رغم ارتجافه الخفيف
هل سنغادر الآن
رفع عينيه عن الكتاب ببطء
وكأنه يعود من عالم آخر ثم أغلقه وتركه جانبا وقال بهدوء
أجل.
نهض دون تردد واقترب منها وحمل عنها جزءا من الأمتعة لم تكن حركته مفاجئة لكنها تركت في قلبها أثرا غريبا... شعورا مبهما بأنها لم تعد تعرف من هذا الرجل ولا ما الذي يسكن خلف ملامحه.
خرج معها إلى السيارة وساعدها في وضع الحقائب في صندوق المركبة.
وهي ظلت تتبعه كمن يسير في حلم يتطلع إلى خطواته ويتساءل
كيف يمكن لرجل كان يوما مصدر الألم أن يتحول
إلى رجل يصنع ارتباكا لا يفهم
وما إن جلست داخل السيارة وأغلق هو الباب الآخر حتى انتبهت إلى أمر لم يخطر لها من قبل...إنه... سيقود... بنفسه.
نظرت إليه بدهشة خفيفة وقالت بصوت لا يخلو من القلق
المسافة إلى مقاطعة سان لا تقل عن خمس ساعات... ألن يكون من الأفضل لو تركنا السائق يقود
لكنه دون أن يلتفت إليها أجاب بنبرة واثقة صلبة
لا حاجة لذلك.
إنه لا يرغب وجود طرف ثالث يتسلل إلى حوارهما الصامت خصوصا في هذا
الشهر... شهر قرر فيه أن يعيد بناء شيء من حطامهما حتى لو تطلب الأمر أن يبدآ من مقعد سيارة.
وقبل أن يغادرا كان قد اتخذ احتياطاته واتصل بماهر ذراعه الأيمن وأمره ألا يتصل به إلا في حالة الضرورة القصوى... فقد أراد هذا الشهر نقيا خالصا من ضوضاء العالم.
أدار المحرك وبدأت السيارة تتحرك ببطء ومع كل متر تبتعد فيه عن ذلك المنزل كانت سيرين تشعر كأنها تغادر نفسها أو على الأقل تغادر النسخة التي كانتها... لتواجه
نسخة لا تعرفها بعد.
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1