رواية تؤام روح الفصل الثامن عشر بقلم يارا سمير
بجد لو فى حاجة اقدر اعملها او طلب متتاخرش ولا تتردد وقوله .
نظر اليها للحظات فى صمت وقال :
_ مهما كان ايه الطلب .؟
_ صدقني مهما كان هعمله لانك تستحق دا .
سكت ايهاب ونظر اليها نظرة طويلة عميقة كأنه يغوص فى عينيها ثم ابتسم وقال بصوت منخفض لكنه واضحًا :
_ مريم ..انتى عارفة السبب الرئيسي ارجع مصر بعد يومين من وصولي نابولي ايه ؟
_ المعرض والمناسبة ..
_ لا ..انت ..
تجمدت للحظة وكأن الكلام لم يصل إليها كاملًا أو كأن عقلها رفض تصديقه .. قالت :
_ عشاني ..
قالتها بهمس كأنها لا تصدق عيناها اتسعتا ببطء وملامح وجهها تلونت بالدهشة ثم أرتباك .. استكمل ايهاب حديثه قائلًا :
_ أيوه انتى .. اسمحيلي اتكلم بصراحة ووضوح اكتر .. لما سافرت ورجعت لحياتي كنت معتبر فترة مصر مجرد اجازة بسيطة .. فاصل مختلف عن حياتي وبعدين هرجع لحياتي طبيعي .. لكن المفاجأة مكنتش كدا اطلاقًا .. من وقت وصولي وكل لحظة كنتى فيها كانت بتتكرر قصاد عيني .. اى لوحة ببصلها شايفك فيها .. مسكت الالوان وقولت ابدا ارسم لقيت فى يومين رسمت صورتك ..
مد ايهاب يده بهدوء أخرج هاتفه من جيبه وفتحه ثم مرر بإصبعه بين الصور حتى توقف عند واحدة محددة .. مد الهاتف نحو مريم وقال بنبرة صوت دافئه :
_ رسمتك انتى ..
نظرت مريم الى الشاشة واتسعت عيناها بدهشة صامتة .. كانت لوحة مرسومة بدقة تجسد ملامحها كما لم ترها من قبل تفاصيل ابتسامتها وحتى طريقة ميل رأسها خلفيتها كانت دافئه ..عيناها بدأت تلمعان متاثرة بما تراه فلم يحدث من قبل وتم رسمها ولكن من رسمها هو ايهاب مختار شخصيًا .. كانت الصورة اعترافًا وإثباتًا صامتًا انه لم ينس وأنها ظلت تسكن فنه وقلبه .. استكمل حديثه وقال :
_ ملامحك اتحفرت فى عقلي ..شايفك فى كل حاجة اللحظات بتتعاد قدامي زي شريط الفيلم بدون توقف ، لما حاجة بتعلق معايا كدا بنروح لالوان ونرسم نفرغ الافكار فى ورق وقولت هعمل كدا يمكن عقلي هيهدأ وهيبقى مجرد تأثر لا أكثر ، لكن حصل عكس كدا والموضوع اصبح فوضوى في عقلي اللى فقد التركيز فى اى حاجة غيرك وقلبي اللى بيلح عليا عشان يشوفك .. المعرض ايوه تمت دعوتي قبل السفر لكن كنت اعتذرت بعدم الحضور .. لقيت جوايا طاقة غريبة بتحركني ارجع مصر فحجزت ورجعت تاني عشان أشوفك .. فعلًا كنت بدور ع اسم المطعم وطلعلى فى كذا مكان وروحتهم كلهم لغاية ما جيت هنا .. كنت فاكر لما هشوفك احساس الشوق واللهفه اللى حاسة ليكي هيختفى زي ما بيقولوا نار الشوق بتنطفي لكن حصل العكس وكل مرة ببقى عاوز اشوفك تانى وتالت ورابع ..
كانت مريم تستمع الى ايهاب وكلماته وقلبها يحدث فوضى داخلها، مشاعرها متشابكة واستكمل حديثه قائلًا :
_ يوم المعرض كنت هقولك الكلام دا لكن محصلش نصيب ولأن التعبير عن مشاعرنا اتجاه شخص فى حياتنا مهما كانت صفته ملوش لا تاريخ ولا توقيت محدد ف انا بحبك يا مريم ..
لم تتوقع اعترافه لها .. تجمدت مريم وكأن الهواء نفسه توقف عيناها ارتجفتا ، نظرت له ب استغراب .. استكمل ايهاب اعترافه وقال :
_ تقبلي تتجوزيني ؟
انتقل قلبها من الدهشة الى العجز عن الرد .. تجمدت للحظة كأن الكلمات التى سمعتها للتو أكبر من قدرتها على الاستيعاب .. مشاعرها كانت خليط من الارتباك والدهشة والمفاجئة والصدمة وشئ خفي يشبه الفرح .. قالت بتهتهه :
_ انا .. انا ..
قاطعها ايهاب ب ابتسامته الدافئة :
_ خدى وقتك فى التفكير ، انا عارف انى فاجئتك لكن انا بحب الوضوح والصراحة ودي مشاعري حسيتها اتجاهك ومتأكد منها .. خدى وقتك فى الرد.. هنتظر ردك ومهما كان صدقيني مفيش حاجة هتغير من علاقتنا هحترم جدًا صراحتك ووضوحك معايا .. اسالى مشاعرك وقلبك عنى اذا الاجابة ايوة هكون اسعد شخص واوعدك تكوني اسعد انسانة ولو لا هتفضلي بالنسبالي من اجمل والطف الشخصيات اللى قبلتها فى حياتي ..
تحرك من مكانه مغادرًا الى الخارج وظلت مريم جالسة مكانه تنظر مكانه فى شرود وصدى الكلمتين يترددا على مسمعها ..لم تكن تتوقع هذا الاعتراف ولا ذاك .. ظنت طوال الوقت ان ما بينهما صداقة كانت تحلم بها ولكن الوضع تحول لمرحلة لم تفكر بها .. شعرت بقلبها ارتبك من كلماته وتسارعت دقاته وكأنها تسمع صوته لأول مرة ..
وقفت مريم فى الصالة تلقى نظرة على الطاولات والزبائن لمحت جلوس مريم كأنها متجمده فى مكانها لم تتحرك .. نظرت حولها وتوجهت اليها وجلست بجانبها :
_ ميما فى ايه ؟
لم تجيب مريم واستمرت فى شرودها فقامت ملك بخبطها فى كتفها :
_ ميما ..
انتفض جسدها كأن الخبطة ايقظتها من حلم كانت تحلمه ب اعين مفتوحة :
_ ها ..
_ ها ايه .. مالك فى ايه ؟
_ هو ايهاب كان هنا من شويا صح، ايهاب مختار الرسام صح ؟
_ ايوه كان هنا ..
_ كان هنا وانا قعدت معاه ( اشارت الى الكرسي امامها ) كان قاعد هنا صح ؟
تعجبت ملك من طريقتها :
_ ايوه يا ميما كان قاعد هنا وطلب قهوة وانتى شربتي شاى بنعناع .. فى ايه مالك
نظرت اليها :
_ ملك ..
_ ايوه ..
_ ايهاب مختار اعترفلي بمشاعره وقالي بحبك يا مريم .
تجمدت ملك فى مكانها وعيناها اتسعتا بوضوح وانحنت قليلًا للأمام كأنها لم تسمع جيدًا :
_ ايه ؟ ايهاب ؟
أومأت مريم براسها وابتسامة خجولة ارتسمت على وجهها ، لكن فى عينيها كان لا يزال شئ من الحيرة .. قالت مريم :
_ قالي انه رجع مصر عشاني وعرض عليا الجواز.. عرض عليا الجواز .
فى تلك اللحظة وضعت ملك يدها على فمها فى صدمة :
_ لا احكيلي التفاصيل من الاول ..
حكت مريم لملك ما دار بينها وبين ايهاب .. تفاجئت ملك من تصرف ايهاب ولكنها كانت مبهورة بتصرفه الجرئ وقالت :
_ فظيع بجد .. حب يلخص مشوار مشي ركب طيارة وانجز .
_ يعني ايه ؟
_ يعني الراجل واضح وصريح لاعلى درجة.. مدخلكيش رومانسيات وحب وتعلق وانتظار وخوف .. جالك وحط قدامك مفتاح الباب تفتحي وتدخلي وانتى مطمنة .. قليل اللى يعمل زيه كدا وبصراحة موقف يحترم عليه .
_ انا مخضوضة ..
_ طبيعي تتخضي يا مريم.. لكن هو اختصر عليكي سكة طويلة ووقت .. ف انتى شوفي مستعدة تكملى معاه الطريق ولا لا ويبقى الاجابة واضحة صريحة زي العرض اللى قدمه ليكي بدون أذيه ووجع وندم.. انتى اسالي نفسك سؤال هل انت عاوزاه ..عاوزة تكوني معاه .. هيوفرلك اللى محتجاه وانتى هتوفريله اللى محتاجله ..القرار قرارك انتى دلواقتي ونصيحة متستعجليش تقولى لحد غير لما تحددى قرارك .. لا زين ولا مامتك وباباكي ولا اى حد وانا هعتبر نفسي مسمعتش ..انتى فكري وخدى القرار وبعدها اسمعي لغيرك عشان متتشتتيش يا مريم دى حياتك انتى اللى هتعشيها ..
بعد حديثها مع ملك بقيت مريم بمفردها على الطاولة ، المكان كان هادى حولها لكن داخلها كان ضجيج افكار لا يهدأ .. كلمات ملك كانت بسيطة ولكنها تركت صدى عميقًا داخل مريم ، نهضت ببطء واستكملت اليوم وعادت ليلًا الى منزلها دخلت غرفتها بدلت ملابسها تستعد للنوم .. جلست على طرف السرير امام اللوحة ..تتاملها وتتذكر صورتها المرسومة على هاتفه .. تأملت الصورة طويلًا تذكرت صوت إيهاب وهو يعترف بحبه لها وتذكرت الرجفة في قلبها حين عرض عليها الزواج .. تسللت ابتسامة خفيفة على وجهها لا اراديًا ولكنها سرعان ما تراجعت .. شعرت بوجزة فى صدرها شئ خفي لا يشبه الحزن ولا الفرح .. كأنه ارتباك القلب حين يكون بين اقتناع العقل وتردد الشعور .. كانت كل التفاصيل تشير انه الرجل المناسب حضوره وصدقه ووضوحه ولكن قلبها كان يهمس لها بشئ أخر شئ لم تستطيع تفسيره .. استلقت على السرير وعيناها على اللوحة مفتوحتان طوال الليل .. لم تنم مريم تلك الليلة كانت غارقة بين تفكير لا ينتهي وخوف .. الهدوء حولها كان يخفي عاصفة صغيرة تدور فى داخلها بين قلب يتردد وعقل يدفعها لموافقة بقوة ...
فى صباح اليوم التالي دخلت مريم الى المطعم بخطوات هادئة أبطأ من عادتها ..كانت تحمل حقيبتها كأنها أثقل مما هي عليه ووجهاا بلا زينه تذكر وشاحب قليلًا يعلوه التعب .. كانت عيناها مرهقتين محاطتين بهالات خفيفة تنظر امامها دون تركيز وكأن عقلها لا يزال غارقًا فى افكار الليل الطويل .. جلست فى مكانها المعتاد وجلست بجانبها ملك :
_ صباح الفل يا ميما
اجابتها بنبرة صوت مرهقة :
_ صباح الخير
_ مالك انتى منمتيش كويس ولا ايه ؟
نظرت اليها مريم:
_ وانتى الصادقة منمتش خالص ..
_ ليه كدا ..
اشارت على عقلها وقلبها :
_ خناق طول الليل وانا بينهم مرمطوني ..
ضحكت ملك:
_ مش متفقين ولا ايه ؟
_ عقلي موافق 100% وقلبي بيقولي استنى .. استنى ايه مش راضي يقول شاطر بس يوجعني وانا مش فاهمة هو بيوجعني ليه .
_ انتى حاسه ب ايه بعيد عنهم ؟
_ اللى هو ازاى ماهو احنا بنفكر بالعقل يا بالقلب مفيش تالت ..
_ لا في تالت ميقلش اهمية عنهم .. روحك .. روحك صافيه وهادية ولا عواصف وتراب وخنقه .. الموضوع حساه ايه ؟
نظرت اليها :
_ مش عارفه ..
_ اومال مين اللى يعرف ؟
_ بجد مش عارفه مش عارفه ..
_ والحل ..
_ هتتحل ان شاء الله ..
_ هو قالك هيسمع قرارك امتى ؟
_ مقالش امتى بالظبط قالك خدى وقتك ..
_ يعني ممكن فى اى لحظة نلاقيه داخل علينا ..
_ ايوه ..
_ يبقى انجزي يا حبيببتى بدل ما نلاقيه فى وشنا وتاخدي قرار متهور فى لحظة تهور تندمي عليها عمرك ..واعرفي حاجة ذوقيًا انك متطوليش حتى لو قالك خدى وقتك.. هو اختصر وكان صريح وواضح .. ف لازم تنجزي عشان هو يعرف وضعه ايه ..هو كمان عنده قلب وعقل وروح زيك .. مش روبوت .
_ بصي انا حاسة انى عاوزة زقة .. زقة وهخلص الحوار دا بقرار صريح واضح .
_ زقة ازاى ؟
_ اخد رأى اللى حواليا .. فكرت اقول لبابا وماما ومحمود وسوسن وكريم وزين .
_ ومحمد واحمد وشاكر اللى فى المطبخ كمان .
_ بتهزري وانا بتكلم بجد ..
_ اسفة.. بصي اعملي اللى يريحك ومناسب ليكي ، انا كان نصيحتى انك انتى تحددى قبل ما تسمعي لغيرك عشان متشتتيش بمعني ان كلامهم يا يشجعك فى قرارك يا ينبهوكي لحاجة انتى مش شايفاها لما قررتي يعني يكونوا عوامل مساعدة مش اتخاذ قرار ... لكن لو انهم يعرفوا وتفكروا بصوت عالي مع بعض دا هيساعدك خلاص ..
_ محدش هيششتنى بالعكس انا حاسة انهم هيساعدوني اكتر ..انا حاسة انى عارفة اجابتي بس عليها غمة كدا سحابه مغطية الحروف مش شايفاها ..
_ ايه النوه دى ولا ايه ..
_ طيب حاسبي لتغرقي
ضحكت مريم وملك وقالت ملك:
_ طيب انا هقوم اعملك فطار ونسكافيه تفوقي كدا ولا تروحي ؟
_ لا لا مش هعرف انام خليني هنا اشتت الحرب القايمة دي شويا ..
فتح باب المطعم ودخل زين وبجانبه بسنت .. كانت بسنت تضحك بصورة واضحة ووجهها مشرق وزين بجانبها يبادلها الضحك .. لمحت قدومهم مريم وظلت عيناها ثابتتان عليهما حتى اقتربا اليها .. قالت بسنت :
_ صباح الخير يا ميما ..
اجابت مريم ب ابتسامة :
_ صباح الخير يا بسنت
جلسوا وقال زين وقال مازحًا لبسنت :
_ قوليلي يا بسنت عمرك شوفتي فيل صغنن عنده هالات سوده ..
اجابت بسنت تلقائي :
_ لا بصراحة ..
_ عشان تعرفي انك معايا هتشوفي اللى عمرك ما تتخيليه
اشار الى مريم :
_ اهو فيل صغنن بتاعنا عنده هالات سوده حول عنيه .
حدقت به مريم وقامت بدفعه بالمناديل امامها :
_ يا واد ايه العسل دا ع الصبح .
ضحك زين:
_ هو انا جيبت حاجة من جيبي انتى بصيتي ع نفسك ..
تحدثت بسنت :
_ فعلًا عنيكي مجهدة يا ميما ..
_ يعني معرفتش انام كويس امبارح .
تحدث زين :
_ من التفكير فيا انا عارف .
_ عسل والله عسل دمك .
_ مش محتاج تأكيد.. بسنت مأكدالى صح يا بوسنت .
ضحكت بسنت على طريقة زين الكوميدية وكانت مريم تراقبهم بعينيها وتعامل زين مع بسنت واهتمامه بها .. عادت ملك بطعام لمريم :
_ زيزو .. اهلا بسنت .
_ ازيك يا ملك..
_ بخير .. اجهزلكم فطار زي مريم ؟
تحدث زين :
_ لا لا انا هعمله .. اساسا احنا جايين عشان كدا .
تحدثت مريم بتعجب :
_ هتدخل المطبخ تعمل الفطار .؟
_ ايوه.. بس مش بالمعنى الحرفي انا وعدت بوسنت انها هتاكل احلى اومليت تدوقه .
حدقت مريم لزين وقالت بسنت :
_ كل دا عشان بقوله مش بحب الاومليت قالي انه هيخليني احبه .
تحدث زين :
_ اسالي ميما ع اكلى ولا الشيف الشربيني .
نظرت اليه :
_ ايوه فعلًا.. الشيف الشربيني فى حرق الاكل ..
_ دى سمعة مغرضة هدفها تدمير العلاقات .. هعمل دلواقتي وهتشوفوا ..
قالت بسنت :
_ طيب انا رايحة الحمام ..
قال زين:
_ هترجعي هتلقى احلى طبق اومليت موجود ..
تحركت بسنت وغادرت الطاولة وتحدثت ملك:
_ ايه يا زيزو.. ايه الحكاية وقعنا ولا ايه .
_ والله يا ملوكة المرادى صعبة اوي لكن انا مش هسيبها وراها وهبدء بالاومليت .
تحدثت مريم:
_ غريبة يا زيزو .. بسنت الوحيدة اللى جيبتها المطعم دايما اى واحده بتعزمها برا .
_ انتى قولتى اهو.. اى واحدة وبسنت مش اى واحدة وشغاليين مع بعض ف مختلفة عن اللى سبقوها .. انا رايح اعمل الاومليت اعملكم ..
_ لا شكرًا .. بس متحرقش المطبخ
_ متقلقيش يا ملوكه الامن مثتتب
تحرك زين متجه الى المطبخ وضحكت ملك قائلة:
_ واضح انه موسم الافراح ولا ايه .. طول عمركم بتعملوا كل حاجة مع بعض ف لما هترتبطوا هترتبطوا مع بعض سبحان الله .
ابتسمت مريم وشعرت بضيق فى صدرها .. عادت بسنت وجلست امام مريم وملك وتحدثا قليلًا حتى خرج زين من المطبخ وهو يحمل طبق الاومليت ووضعه امام بسنت بطريقة مرحة ..كانت بسنت تضحك بصوت واضح وزين كان يتفنن فى اضحاكها .. مريم جالسة امامهم تتابع المشهد بينهم والابتسامة مرسومة ع وجهها كأنها تحاول الاتثير الانتباه لكن فى داخلها لم يكن الامر بهذة الخفه كانت تحاول إقناع نفسها ان ما تراه طبيعي لكنها لم تستطيع منع ذلك الشعور بالضيق من أن يتسلل اليها .. طريقة حديث زين وضحكته واهتمامه ببسنت كان غريبًا على مريم ..كانت تشاركهم الحديث قليلًا حتى لا تلفت الانتباه ولا تعكس شيئًا مما يدور فى داخلها ..
انهوا تناول الطعام وتحدث زين:
_ ايه رأيك بقى يا بوسنت ..
_ جميل بجد.. كفاية انك وقفت وعملته ميرسي ..
_ عشانك اقف اعمل اكتر .. تحبي اعملك محشي
ضحكت ملك وقالت :
_ محشي مرة واحدة .. طيب قول باستا حاجة ع الخفيف .
_ هل انا بتاع خفيف يا ملوكه ..
كانت ملك صامته ونظر اليها زين :
_ ولا انتى ايه رأيك يا ميما فكي زلومتك دي وخليكي معانا .
_ زين انا مصدعة ومش رايقالك.. يلا ارجع لشغلك
_ بتطرديني انا وبوسنت ..
_ لا بطردك انت لكن بسنت تقعد براحتها
ابتسمت بسنت وتحدث زين :
_ يلا يا بوسنت لاني عارفها هتكلم كريم وتسخنه علينا يلا نرجع بكرامتنا ..
تحدثت مريم :
_ ابقى بص ع الواتساب
_ اوكيه ..
اجازة ملك كانت مريم مع والدها ومحمود فى المطعم .. عادت مريم من المطعم بخطوات هادئة تدخل البناية ببطء وذهنها لاتزال غارقًا فى موضوع ايهاب .. لمحت ملك واقفة امام باب منزلها بملابس البيت ووجهها كان مضطرب وعيناها مليئتان بالقلق .. اقتربت منها مريم وبدات تسألها حتى تكشف السبب .. قالت ملك بصوت خافت :
_ فأر ..
تفاجأت مريم :
_ ايه .. اللى خرجك من شقتك كدا فأر ؟
_ ايوه .
انفجرت بالضحك ونظرت اليها ملك بغضب :
_ بتتضحكي عليا ..
_ بجد مقصدش اسفة .. طيب وقوفك برا وهو جوه مش حل ..
_ معرفش بس لازم صرفه .. ومن الخوف نسيت الموبيل جوه وعم عوض مش موجود
صمتت مريم للحظات وقالت :
_ يبقى مفيش حل غير اننا نلجأ الى صائدين الوحوش
_ مين دول ؟
_ زيزو وكيمو .
_ انتى بتهزري .. الاتنين بيترعبوا من حاجة اسمها فئران .
_ لا دا زمان لكن دلواقتي كبروا وبقوا اصحاب شركة وبالاخص زيزو قلبه قلب ميت قلب الاسد.. هكلمهم حالًا .
التقطت هاتفها من حقيبتها وعاودت الاتصال ب زين وتحدثت بنبرة صوت مضطربة :
_ الحقني يا زيزو الحقني
_ مالك يا مريم فى ايه ؟
_ وقعت ع السلم ومش قادر اقوم .. تعالى بسرعة وديني لمستشفى .
_ اقفلي اقفلي ..
كان زين يجلس مع كريم وبسنت وتبدلت ملامحه وقال لكريم ما قالت مريم وقال :
_ دى بعتتلي رسالة الحقها برضه باين الموضوع كبير يلا بينا ..
بالفعل تركا الشركة وتوجها الى المنزل .. اغلقت مريم الهاتف وقالت ملك :
_ ايه اللى قولتيه دا ؟ وقعه ايه ورجلك ايه ؟
_ ماهو انا لازم احركه من مكانه بحاجة حرجة زي كدا لاني لو قولتله فار ومعرفش ايه هيقولي خلى ملك تطلع عندك لغاية ما ارجع .. تحبي كدا وهو بيرجع ع 12 ؟
_ لا انا بهدوم البيت ..
_ اسمعي كلامي بس ..
وهما يتحدثان وصل زين وكريم وهو يركضان وشاهداها واقفه على قدمها دون ألم :
_ انتى كويسة يا مريم ؟
_ بخير بخير
ادرك زين ان ما فعلته مريم مقلب ورمقها بغضب :
_ نفسي تبطلي شغل العيال دا خلتينا كنا هنعمل مليون حادثة .
_ فدايا .. وبعدين الموضوع اللى عاوزاكم فيه ميقلش اهمية عن اللى كنتم جايين عشانه .
تحدث كريم:
_ خير .. وملك ليه برا كدا فى حاجة ؟
تحدثت مريم :
_ ايوه.. ملك .. ملك عاوزة منكم خدمة مش هتنساها خالص طول عمرها وانا قولتلها زين ما اختارتي اجدع اتنين فى العيلة والعمارة والمنطقة والقارة ..
تحدث زين:
_ طبعا الى تطلبه ملوكه هيتعمل من غير كلام
اكد كريم على كلمات زين:
_ اكيد طبعًا .. ايه الخدمة ؟
اشارت مريم الى باب منزل ملك:
_ جوه في ضيف غير لطيف ازعجها وخوفها وخرجها بهدوم البيت كدا .. ممكن تخرجوه ؟
نظرا لبعض وقال زين :
_ من الضيف الغير لطيف دا .. هو اشرف جوه ؟
خبطته مريم:
_ افتكر حاجة عدله.. اهو اللى جوه دا اهون من ظهور اشرف .. سوري يا ملك .
تحدث كريم لملك:
_ مين يا ملك اللى جوه ..
_ فأر ..
تجمدا مكانهما .. زين رفع حاجبيه ببطء وكريم فتح فمه دون أن ينطق للحظة كأن الكلمة لم تدخل اذانيهما بشكل سليم .. نظر احدهما للاخر والدهشة مطبوعة على وجههما وقالا :
_ فأر ..
تحدثت مريم:
_ ايوه .. وانا قولتلها مفيش غير صائدين الوحوش هيتخلصولك منه بسرعة .. يلا ادخلوا
كانت اللحظة صدمة كوميدية .. زين حك راسه بتعجب وكريم لم يجد ما يقوله فقط نظر الى ملك والى باب منزلها .. كان الموقف عبثيًا بسيطًا .. قالت مريم :
_ معقول تكونوا خايفين ؟
رمقها زين بغضب هو وكريم وقال :
_ اخاف ايه لا طبعًا .. عاوزانى اقول خايف عشان تمسكيها عليا سيديهات .. يلا يا كريم ادخل
_ نعم ..
_ اقصد ندخل يلا .. يااحنا يا هو .. فين المفاتيح ؟
مدت ملك يدها بالمفاتيح :
_ اتفضل .
نظر الى المفاتيح والى ملك:
_ سريعة اوي ملك .. نسيت موابيلها ومنسيتش المفاتيح شاطره شاطره .
تحدثت مريم:
_ انجز يلا هو احنا فى اختبار شطارة .. انا عاوزاكم فى 10 دقائق تكونوا قفشتوه او خرجتوه من البلكونه او شباك المنور وتقفلوه وراه .. يلا يا ابطال ..
ظلت مريم تقول لهم كلمات تشجيعيه وهما يرتجفان من الخوف ..
وقف زين :
_ ثوانى احنا هندخل كدا .
قالت مريم:
_ يعني هتدخلوا بزيارة .. فى ايه ؟
_ استنوا ثواني وراجع ..
صعد زين الى منزله وعاد اليهم وهو يضع خوذه موتوسيكل على رأسه وسيلف كافر اعطاه الى كريم لتخبئه وجهه ويحمل في يديه مضارب تنس ومقشه ومساحة .. حين راته مريم ضحكت وقالت :
_ هو انتم رايحين يوم رياضي .
_ ممكن تخرسي اخرسي خالص
قالها زين وهو متوتر :
_ حاضر هخرس .. يلا يا ابطال ..
نظر زين الى كريم:
_ هتدخل الاول ولا انا . انت عمي ادخل الاول
_ لا انت ابن اخويا لازم اكون انا فى ضهرك
_ لا لا انا اللى لازم اكون فى ضهرك ..
قاطعتهم ملك بنبره صوت مرتفعه:
_ هتدخلوا ولا اروح اجيب اى حد من الشارع
تحدث كريم:
_ اى حد ازاى واحنا موجودين .. يلا يا زيزو
_ فى ضهرك يا كيمو
_ برضه ماشي ..
فتح كريم باب المنزل ودخل وخلفه زين واغلقا الباب خلفهم وقالت ملك :
_ حرام عليكي يا مريم الاتنين مايتين من الخوف
_ نعتبر دا اختبار من اختبارات الجيش اللى مدخلوش ولا واحد فيهم وبالاخص زين خليه يتربي ..
_ مفترية انتى ..
_ بس عارفه اكتر حاجة قلقانه منها ايه ؟
_ ايه ؟
_ فاكره مسلسل ونيس في حلقه كان فى شقه حماته فار وونيس لكن ..
_ لكن ايه ؟
_ كسر الشقة كلها كأنها حرب بينه وبين الفأر اهو انا متخيلاهم زي ونيس الفأر بيجري وهما بيجروا منه
ضحكت مريم وقالت ملك:
_ انتوا بتضحكي ع الخراب اللى هيحصل
_ لا لا مش هيحصل متقلقيش بس يارب زين ميولعش فى الشقة انا عارفاه ذكي .
_ لا لا انا هقولهم يخرجوا
_ استنى استني هنشوف هيعملوا ايه لو حسينا بالخطر هنخرجهم .
دخل زين وكريم الى داخل شقه ملك بحذر وكأنهما فى مهمة سرية محفوفة بالمخاطر .. زين يقف خلف كريم تمامًا وعيونهم تتحرك يمين ويسار بتوتر .. بينما كريم يتقدم بخطوة ممسكًا بممسحة كأنها سلاحة الوحيد فى مواجهه العدو الغير مرئي .. كلاهما ينظرا أسفل الاثاث ويرفعان الستائر بحذر ويقتربان من كل زاوية وكأن الفأر قد يقفز فى وجهههما فى اى لحظة .. في لحظة زين داس عن غير قصد على قطعة بلاستيكية صغيرة فأصدر صوتًا مفاجئًا فقفز كريم فى مكانه وكاد يضرب زين بالممسحة بينما زين نفسه أختبأ خلفه كانه لا علاقة له بالموضوع ..كانت كل حركة صغيرة كانت كفيلة بأن يتراجع أحدهما للخحلف بشكل طفولي ثم ينظران لبعض ويضحكان ويعودا للبحث .. بعد 10 دقائث من التفتيش لم يظهر الفأر .. وقفا فى المنتصف يتنفسان ويتبادلان نظرة نصفها راحة ونصفها إحباط :
_ راح فين دا ..
_ ملك قالت تحت النيش شافته ؟
_ خبطنا وعملنا كل حاجة ولا له أثر .. ممكن يكون خرج ع فكرة ماهي فاتحة البلكونه وشباك المطبخ كمان .
_ ممكن ..
_ طيب ايه هنعمل ايه ؟
_ مش عارف..
_ كيمو.. احنا عملنا اللى علينا .. نخرج نقولهم وزعناه لبرا ونخلص من الحوار دا .
_ لا مش هتحرك غير لما اخرجه فعلًا.. انت عاوزها ترجع تدخل وتتفاجئ به قدامها واطلع عيل وجبان وكداب .. لا لا .
_ طيب ملك وتهمك انا مالى اتحشر ليه.. خليك وانا هخرج .
_ احنا مع بعض .. يعني لو كانت مريم كنت هتخرج
_ كنت انت اللى هتخرج وتسيبني
_ مكنتش هعمل كدا لانك عارف مريم غالية عندي ازاى .
_ يعني ملك مش غالية عندي يا كريم ..
كانت مريم تتصنت خلف باب المنزل :
_ عمالين يتكلموا ومش سامعة حاجة ..
ارسلت الى زين رسالة نصية :
_ انتوا بتخترعوا الذرة .. ايه كل دا .. فشلتوا اخرجوا .
ارسل لها صورة تجمعه مع كريم وكتب اسفلها :
_ عاملين كمين لا تقلقوا هنخرج منتصرين
ضحكت مريم وملك ع الموقف .. اقترح كريم وضع مصائد فئران فى الاماكن معينة وبالفعل احضرت مريم مصائد من منزلهم وبعد مرور 3 ساعات لمح زين الفأر داخل المصيدة وقال بصوت عالي : ياهووووو اخيرا تم القبض ع المجرم .
اقترب زين وكريم اليه وكان فأر صغير :
_ كل الحوار دا والوقت دا عشانك
قال زين :
_ هو قصير لكن يحير ..
تم وضعه فى حقيبة زبالة سوداء وتم ربطها جيدًا وغادرًا الشقة وهما يرفعان علامة النصر .. قالت مريم :
_ قفشتوه ..
اشار زين الى الكيس الاسود:
_ هنا ملزوق كمان ..
_ طيب يلا روح ارميه بعيد
تحدث كريم:
_ ادخلي يا ملك متقلقيش احنا قفلنا كل الاماكن واتاكدنا مفيش غيره .
_ بجد شكرًا يا جماعة بجد
تحدث زين:
_ متعرفيش يا ملوكة اد ايه كيمو فضل ورا الفار عشان يظهر .. كان بيقولى اقعد انت وانا هدور لازم امسكه عشان ملوكه ترجع بيتها وتقعد براحتها ..
قالت مريم:
_ كريم قال ملوكه ؟
_ قال ملك بس انا بدلعها عادي.. وانتى مالك يا رخمه والله احطك مع الفأر .
_ ابعد عني ..دا انت محتاج ترجع تستحمي بمطهر ..
_ واستحمى ليه تعالى فى حضن اخوك والفأر
وركضت مريم وركض خلفها زين يمزحان وتحدثت ملك:
_ شكرًا يا كريم
_ العفو دى حاجة بسيطة واى حاجة تحتاجيها متتردديش .
_ ان شاء الله .. عن اذنك ..
ليلًا كانت مريم متمدده على السرير فى غرفتها والانوار خافته تنظر الى اللوحة ايهاب المعلقة امامها بصمت .. عيناها يتنقلان بين تفاصيل الرسم كأنها تبحث عن إجابه لا تعرفها ..تفكيرها كان ساكنًا يغوص فى عمق الايام الاخيرة قبل ان يقطعه طرق خفيف على الباب :
_ صاحية ادخل ..
دخلت سناء :
_ ميما انتى منمتيش .. زين برا عاوزك .
_ عاوزني فى ايه دا ؟
_ بيقول بعتلك وكلمك وتليفونك مقفول .
_ ايوه قافلاه عشان انام ..
خرجت من الغرفة :
_ خير يا زيزو ..
_ انتى تعملى العاملة وتجري تنامي عشان متدفعيش حساب عمايلك .
_ حساب ايه ؟
_ تلبسيني انا وكريم فى حوار ملك.. مش هعديهالك.. مش هعديهالك انا حسيت ب ايه تحت فى مواجهه الفأر ..
ضحكت سناء :
_ بس والله برافوا عليكم كنتم قد الموضوع ومخرجتوش غير ما مسكتوه .
_ مكنش فى بديل يا سناء .. صورتنا بريستجنا .. لو كنا خرجنا وايدينا فاضية بنتك مكنتش هتسيب حد غير لما تحكيله وانا دلواقتي وضعي مختلف واسمي لازم احافظ عليه .
ربعت يدها حول صدرها :
_ ايوه يا سناء عشان البنات متطفش منه .
_يارب اشوفك مع بنت الحلال بقى يا زين ياابن سوسن .
_ متدعي لبنتك طيب ليه انا وبس ؟
_ يارب اشوفكم انتم الاتنين عريس وعروسة مرتاحين مبسوطين فرحانين ..قولوا امين .
صمتا الاثنين وتعجبت سناء :
_ انتوا مقولتوش ليه ؟
_ مقولتيش ليه يا ميما .
_ ميخصكش مش يمكن قولت فى سري هو لازم ازعق ..
_ الله الله .. بتعلى صوتك عشان تعملى حوار وتخلعي .. مش هنولهالك انسي
_ عاوز ايه يا زيزو انجز.
_ انا متعشتش ..
تحدثت سناء:
_ يا حبيبي اسخن واغرفلك عاملة صينية بطاطس بالفراخ تستاهل بوقك .
_ لا لا .. ميما هتعزمنى على كبده وسجق يلا ..
_ اعزمك ليه .. ؟
_ تدفعي تمن افعالك ياام قلب قاسي .. يلا هستناكي تحت ..
غادر زين المنزل وتوجهت مريم الى غرفتها .. وقفت امام المرآة وقالت :
_ فرصة اقوله واسمع رأيه ؟
بدلت ملابسها وغادرت المنزل كان ينتظرها اسفل البناية وتحركا الى محل الكبده والسجق وقاموا بشراء سندوتشات وقام زين بدفع الحساب وجلسوا امام الشاطى :
_ يعني فى الاخر دفعت
_ وانا من امتى بدفعك وبعدين لو دفعتك بتدفعيني اضعاف اللى دفعته ف ليه ادفع انا .
_ من وقت ما اشتغلت واتغيرت ع فكرة
_ اتغيرت في ايه ؟
تذكرت معاملته مع بسنت ولكنها لم ترغب ان تفتح الموضوع وقالت :
_ يعني اغلب وقتك فى الشغل والفلوس بقت تطلع بصعوبة .
_ بقيت موظف وماشي براتب يا ميما.. استنى عليا اثبت نفسي اكتر وهيبقى معايا حساب غير محدود اجبلك بيتزا لا محدودة .
_ والكبدة والسجق ..
_ هتجبيهم انتى طبعًا .. خد وهات
ضحكت مريم :
_ قولتلك الشغل غيرك بقيت بتحسبها اوي .
_ شوفتي كريم انهارده وهو فارد صدره ولا ايرون مان انقذ الاميرة مشفتهوش جوا كان عامل ازاى ..
_ كان عامل ازاى ؟
_ هقولك.. اول ما دخلنا ..
بدأ زين يتحدث عن كريم وكانت طريقته فى الحكى مرحة كعادته مليئة بالتقليد الصوت والتعبير .. مريم لم تستطيع مقاومة الضحك فى البداية ابتسمت ثم ضحكت بخفة وبعدها أخذت تضحك بحرارة مع كل جملة يحكيها زين .. كلما تضحك مريم كان يزيد زين فى الحكي بتفاصيل أضافية .. نست مريم اخبار زين بموضوع ايهاب لكن فى تلك اللحظة تلاشت كل شئ ضحكاتهما كانت صافية وحضورهما كان خفيفًا وكأن الزمن تباطأ قليلًا ليمنحهما فرصة ليكونًا معًا .. كل شئ بدا بسيطًا من الخارج لكن فى قلب اللحظة كانت نوايا كثيرة لا تقال ومشاعر تتسلل بصمت بين لقمة وأخرى ..
صباحًا فى المطعم جلست ملك على طاولتها كوب البقهوة بجانبها واللابتوب مفتوح امامها وعيناها مركزتان على الشاشة وملامحها توحي بالتركيز التام ... الهدوء لم يدم طويلًا اخترق أذنها صوت مألوف فرفعت راسها وكان امامها كريم :
_ صباح الخير
_ صباح الخير يا كريم ..
_ تسمحيلي اقعد..؟
_ اتفضل ..
جلس :
_ بعتذر لو عطلتك ..
_ لا عادي ..
_ حبيت اجاى اطمن عليكي يعني نمتى مرتاحة فى البيت ؟
_ اه الحمدلله .. وبكرر شكري تاني ع اللى عملته انت وزين .
_ لا ابدًا دا حاجة بسيطة انا موجود فى اى وقت يعني انا وزين .
_ شكرًا .. بس مكنتش اتوقع بصراحة .
_ ايه اللى متتوقعهوش ؟
_ انا اعرف ان العلاقة بينك وبين الزواحف مش احلى حاجة
ابتسم وقال :
_ دا كان زمان لكن دلواقتي انا كريم تاني .. انا قولتلك اتغيرت ولما هتعرفيني اكتر هتشوفي حاجات كتير غيرتها للاحسن عن زمان ..
صمتت ملك وقالت :
_ تحب اطلبلك حاجة ؟
_ بصراحة انا مفطرتش لسه صحيت لبست ونزلت وجيت هنا .
_ تمام هطلبلك فطار ..
_ وانا منتظر ..
تحركت ملك من مكانها للمطبخ وبعد دقائق عادت وجلست مرة اخرى وتحدث كريم :
_ الجو هادى انهاردة ؟
_ ايوه لاننا لسه فاتحين بعد ساعتين بيبدء تيجي الزبائن .
_ انا كنت عاوز اعمل عزومة عشا لفريق الشركة هنا ع اخر الاسبوع احتفالًا ب أول عقد كبير عملنا ممكن ولا في حجز ؟
_ لا مفيش .. قولي طلباتك ايه ؟
_ ع ذوقك .. رتبيها ع ذوقك .
- انا ؟
_ ايوه .. انا هعتمد عليكي فى الترتيب والبوفيه والمبلغ اللى هتحدديه مش هناقشك فيه .
_ ممكن ميعجبكش ؟
_ مهما كان هيعجيني .. وبعدين انتى مهما حاجة بتعمليها الكل بيتحاكى عليها دايما اقول ملك صديقتي بروفيشنال فى التنظيم .
نظرت اليه ب استغراب :
_ بتتكلم بثق اوي واللى بعمله حفلات ع الضيق هنا ؟
_ اللى بتعمليه هنا الكل بيتكلم عليه برا .. بناء عليه انتى هتكوني المسئولة كاملًا ع العشا والاهم انتى معزومة يعني هتكوني موجودة .
_ دا لتيم بتاعك ؟
_ وانتى مهم تكوني موجودة وهقول لمريم ولمحمود وسوسن وسناء وكرم.. كل خطوة حابب الاشخاص القربين ليا يشاركوني خطواتي المهمة وانتى محضرتيش الافتتاح ف وجودك فى العشا مهم .
_ ان شاء الله ..
فى تلك اللحظة دخلت مريم المطعم واقتربت اليهم :
_ صباح الابطال قاهرين الوحوش .
ضحك كريم:
_ شكرا شكرا لا داعي لتصفيق .
جلست :
_ انت جاى تاخد مكأفأتك ولا ايه انت كمان .. زين منمش غير لما خلاني اطلبله اكل ع حسابه بيعاقبني عاقب نفسه .
ضحكوا واستأذنت ملك لتتحدث مع زبون طلب التحدث معها وتركت مريم وكريم بمفردهم .. قالت مريم:
_ بجد نورت المطعم ..
_ دا نوركم .. بس مش هعديلك اللى عملتيه امبارح ع فكرة
ضحكت مريم :
_ ليه دا انا عملتلك خدمة واربتلك الباب اهو .. بس يا كيمو زين حكالي على انجازاتك بجد مش عارفه اقولك ايه ياقاهر الوحوش ..
ضحكت مريم وقال كريم بصوت خافضت :
_ بس بس انا عارف انه مش هيسكت وهيسيحلى ملك متعرفش .
_ فى بير ..
_ ايه رايك فى فطارنا فظيع صح
_ كل حاجة هنا فظيعة
غمزت له :
_ مين يشهد للعروسة
_ ارجوكي افهميني صح انا جيت افطر واسال ملك لو محتاجة حاجة .
ضحكت :
_ الف هنا .. وصحيح زين فين مجاش يفطر ليه معاك وكنا فطرنا كلنا مع بعض ..
تحدث كريم تلقائي:
_ قولتله تعالى معايا قالي لا بسنت عمله فطار من البيت وهيفطر معاها فى الشركة ..
_ اها .. هيفطر مع بسنت .. تمام .. تمام .
فى الشركة يجلس زين امام مكتبه محاطًا بالاوراق وعيناه تنتقلات بين الملفات وشاشة اللابتوب .. قطع هذا الصمت طرف خفيف على الباب وفتح الباب ودخلت بسنت وهي تحمل حقيبة طعام .. تقدمت بخفه والابتسامة على وجهها :
_ صباح الخير يا زيزو ..
_ ياصباح الفل ..
جلست على كرسي امام طاولة صغيرة وتحرك زين من امام مكتبه وجلس بجانبها وبدأت بسنت تخرج أصناف الطعام بعناية وترتبها على الطاولة امامه :
_ اتاخرت عليك سوري
_ لا ولا يهمك لو التأخير بالشكل دا هطلب منك تتاخري كل يوم .
_ يارب بس يعجبك .
_ اى حاجة هتعمليها هتعجبني بس الريحة مبشرة ..
انتشرت رائحة الطعان الطازج فى المكتب دافئة وشهية كانها تسحب زين .. استنسق الرائحة بعمق وبدت على وجهه ملامح استسلام خفيفة وبدأ يتذوق الطعام ويعبر عن استمتاعه :
_ بجد عجبك ولا بتجامل
_ لو معجبنيش مكنتش دوست كدا.. حقيقي تسلم ايدك .
_ الف هنا ..
_ هتغدينى ايه بقى
نظرت اليه متفاجئه :
_ ايه ؟
ضحك زين وقال :
_ اتخضيتي كدا ليه خلاص هغديكي برا انا تمام .
_ تمام ...
فى منتصف اليوم قررت مريم ان تذهب الى زين فى الشركة لمفاجئته كالعادة ، ابتسامة رقيقة ارتسمت على وجهها وهي تسرع خطواتها تتخيل فرحته بوجودها وبالسندوتشات المفضله له .. تقترب من محل الكبدة والسجق ولكنها تفأجئت بوجود زين جالس برفقة بسنت يتناولان الطعام يتبادلان الحديث ويضحكان والطعام بينهما .. لحظة سكون غريبة أمسكت بها .. توقفت مكانها وملامح وجهها تغيرت بصمت .. عيناها لم تفارقا المشهد .. مرت بجانبها سيارة ايقظتها من شرودها ف انتبهت واغمضت عيناها للحظة ثم أخذت نفسًا عميقًا وعادت ادراجها الى المطعم فى صمت .. عادت الى المطعم جلست فى هدوء وصمت تنظر امامها فى فراغ بينما يدها تعبث دون وعي بحافة الكوب امامها .. كان ذلك شرود عميق وصوت داخلى يمضي بها نحو قرار لم تكن تنوي اتخاذه اليوم ..
بعد لحظات من الهدوء وقفت وجمعت اغراضها وغادرت المطعم بخطى ثابتة متجه الى المنزل .. كانت سناء وكرم جالسين امام التلفاز كعادتهم .. جلست مريم بينهما ونظرت اليهما بنظرة مختلفة هذه المره فيها حسم وشئ من الهدوء واخبرتهما عن عرض ايهاب بالزواج منها :
_ وانتى ايه رايك .. انتى اللى هتتجوزي يا مريم ؟
سألها كرم بهدوء وقالت مريم بهدوء :
_ انا موافقة .. وانتم ؟
.. اتفرجت وجوهما بسعادة واضحة ثم تعالت كلمات التهنئة والدعاء والمباركة .. سناء احتضنتها بحنان وكرم ايضا ضمها بلطف وانسابت دموع من عينيه ان طفلته كبرت وستكون عروسة قريبًا .. سريعًا اخبرت سناء سوسن وكرم اخبر محمود عبر الهاتف وتبادلا كلمات التهنئه والمباركة فى تلك اللحظة عاد زين من الخارج منهك وحين دخل لاحظ ان هناك شيئًا مختلف .. سوسن ومحمود وجوههم تبتسم ويتحدثان بحماس وطرق على مسمعه جمله :
_ انا متاكدة هتكون احلى عروسة فى الاسكندرية.
اقترب نحوهم :
_ مين اللى هيتجوز ؟
قالت سوسن بسعادة :
_ مريم هتتجوز ..عقبالك يا حبيبي انت وكريم .
سمع الجملة سكنت أذنه كصدى بعيد .. تجمد للحظة كأن الهوا انسحب من المكان ، لم يستوعب الكلمات او لم يشأ تصديقها وقال :
_ بتهزروا صح .. مريم مين اللى هتتجوز.. مريم بتاعتنا .. ميما .
ضحكت محمود وقال :
_ هو احنا نعرف غيرها فى حياتنا مريم بنت كرم وسناء .
ارتسمت ع وجهه ملامح صدمة واضحة قلبه خفق بتسارع دون أن ينبس بكلمه غادر المنزل .. توجه الى منزل مريم ليتحدث معها علم بتواجدها فى السطح فى المرسم .. دخل السطح بخطى مترددة والهدوء يملأ المكان وسمع صوت فيروز يخرج من المرسم ومريم تجلس وسط ألوانها ولوحاتها شاردة بتركيز كعادتها .. وقف للحظات يراقبها ثم تقدم ببطء وطرق ع الباب وانتبهت مريم ونظرت اليه مبتسمة :
_ زيزو ..
_ تعالى برا دقيقة
تركت ما في يدها وخرجت وقفت امامه .. وقف ينظر اليها بتعجب وصدمة وهي تنظر اليه بدهشة :
_ فى ايه مالك؟
_ اصل سمعت حاجة كدا وقلت اتأكد منك ..
_ سمعت ايه ؟
_ سمعت انك هتتجوزي .. صح الكلام دا
ضحكت مريم.:
_ ما طبيعي اتجوز هو انا هترهبن ..
_ ومين العريس ان شاء الله اعرفه شوفته ؟
صمتت للحظة وقالت :
_ ايهاب.. ايهاب مختار .
نزلت الكلمة عليه كضربة غير متوقعة ، اتسعت عيناه وتجمدت ملامحه وكأن الزمن توقف .. الصدمة ارتسمت على ملامحه عاجزأ على ايجاد كلمات قلبه خفق بعنف ومريم بقيت تنظر اليه بهدوء وكأنها تدرك تمامًا ما يدور فى داخله .. قال بغضب :
_ مش هتتجوزي .. مش هتتجوزيه يا مريم انسي .
_ انت بتقول ايه اعقل كدا .
_ مريم اختاري انا ولا ايهاب مختار