رواية تؤام روح الفصل التاسع عشر بقلم يارا سمير
_ ومين العريس ان شاء الله اعرفه شوفته ؟
صمتت للحظة وقالت :
_ ايهاب.. ايهاب مختار .
نزلت الكلمة عليه كضربة غير متوقعة ، اتسعت عيناه وتجمدت ملامحه وكأن الزمن توقف .. الصدمة ارتسمت على ملامحه عاجزأ على ايجاد كلمات قلبه خفق بعنف ومريم بقيت تنظر اليه بهدوء وكأنها تدرك تمامًا ما يدور فى داخله .. قال بغضب :
_ مش هتتجوزي .. مش هتتجوزيه يا مريم انسي .
بملامح تعجب قالت مريم :
_ نعم .. ودا ازاى يعني ؟
_ زي ما سمعتي مش هتتجوزي ..مش هتتجوزي ايهاب مختار يا مريم ..
تحدثت بهدوء وقالت :
_ ممكن بهدوء كدا نتكلم.. انا هتجوز فين المشكلة في انى هتجوز
صمت لحظة وقال :
_ المشكلة انك مقولتليش ليه ؟
_ كنت هقولك .. بعتلك رسالة انك تيجي هنا بعد شغلك وقولتلي اوكيه .
_ بعد ما كله عرف عرفتيني .
_ كله دا اهلنا .. ماما وبابا ومحمود سوسن .. اهلى مش اصحابي ولا جيراني وبعدين عاوزة افهم انت مشخصنها ليه مع ايهاب هو عملك ايه ؟
_ بتقوليلي عمل ايه.. عاوز يتجوزك انت فاهمة هو عاوز ايه
نظرت اليه بإستغراب :
_ في ايه غريب فى اللى هيحصل هو حقه يطلب الطلب دا وحقي اوافق او ارفض وانا موافقة ..
بملامح صدمة :
_ موافقة ... لوحدك كدا فكرتي وقررتي وبتعرفينا بس
_ حياتي يا زين وانا اللى هعيشها .. المفروض تفرح خلاص اخيرًا قابلت فارس احلامي اللى هيريحك مني ومن طلباتي وزني وخناقاتي ..مكنتش اتوقع الرد دا بجد .
_ احنا اتفقنا اللي يتعرف فينا ع شخص و التاني مش مستريحله يبقى مرفوض، وانتى عارفه انا مبرتحش لايهاب ومش موافق عليه .. هتتجوزيه وانا مش موافق ؟
_ صدقني لما تعرفه هتحبه .. بلاش تحبه .. لما تعرفه عن قرب هتلاقيه غير غير ما انت فاكره انت مش مدي لنفسك فرصة تعرفه .
_ ايه الدفاع المميت عنه دا ..
_ انا مشفتش حاجة وحشة هتكلم عليه وحش ليه ..
استدار الاتجاه الاخر وعاد الوقوف امامها وقال :
_ انتى وافقتي ليه ؟ حبتيه ؟
_ لا هتجوزه تخليص ديون .. ما طبعًا يا زين في ايه .
_ انتى متاكدة ان دا حب .. عرفتي ازاى انه حب هل حبيتي قبل كدا عشان تتأكدي
_ ممكن اللى حساه اتجاهه حب لدرجة انى اوافق اتجوزه .. اومال هوافق ليه .
_ بتحبيه زي ؟
صدمت مريم من كلماته :
_ انت بتقول ايه .. زين فكر فى كلامك ..انت بتقارن مين بمين انتم الاتنين مكانتكم مختلفة عندي .
_ مين اختاري واحد فينا انا ولا ايهاب ؟
_ انت بتقول ايه اعقل كدا .
_ مريم اختاري انا ولا ايهاب مختار
_ باين انه اخد المساحة الاكبر عشان تدفعي بالشكل دا عنه .. مبروك..مبروك .
لم يسمح لمريم بالحديث وغادر زين السطح بخطى سريعة كأن الارض تضيق تحت قدميه والهواء من حوله صار ثقيلًا والغضب يتصاعد فى صدره كدخان كثيف لا يجد مخرجًا .. خرج الى الشارع لا يدري إلى أين يمضي ..ساقته خطواته نحو البحر كأنه يبحث عن شئ يهدئ ذلك الصراع المشتعل في اعماقه .. وقف هناك أمام الامواج والهواء يصفع وجهه بلا رحمة .. حدث فى الافق البعيد وعينيه تغوصان فى سواد البحر وذهنه غارق فى دوامه من الاسئلة ومن عدم الفهم .. شعر بضيق خانق وتشتت يريكه وقلبه معلق بين رفض التصديق وبين واقع لا يملك تغييره ..
فى الصباح الباكر خرج زين من المنزل يحمل ملامح مرهقة وغاضبة .خطواته كانت سريعة ..صادف مريم صاعده على السلم واستوقفته :
_ زيزو ..صباح الخير
_ صباح الخير ..
كان يتعمد ابعاد عينه عنها .. قالت مريم :
_ انت رايح الشغل ؟
_ ايوه ..عن اذنك ..
استوقفته :
_ هتيجي الغدا انهارده كلنا متجمعين فى المطعم عشاني .
_ معرفش ظروفي ايه .. سلام
قال ما قاله ثم تابه طريقة سريعًا دون أن يلتفت ترك خلفه صمتًا ثقيلًا ومريم واقفه فى مكانها تشعر بمرارة لا تقل عن مرارته .. وصل زين الى الشركة لكن شيئًا فيه لم يكن كما اعتاده من حوله وجهه المتعب يشوبه توتر داخلي واضح وملامحه حاده جامدة تخلو من أى ابتسامة وعيناه لا تلتقيان بأحد .. جلس على مكتبه دون أن يتحدث انكب على أوراقه بتركيز مبالغ فيه كأنه يحاول أن يغرق فى العمل هربًا من أفكاره .. علم كريم بوصوله ومر على مكتبه .. فتح الباب ودخل :
_ صباح الخير يا زيزو ..
_ صباح الخير
لم يلتفت الى كريم وظل يحدق فى الاوراق وشاشة اللابتوب :
_ ايه النشاط دا .. اول مره اشوفك على طول تبدء شغل دايما بتقضيها مراجيح فى الاول .
خبط بيده على المكتبه والاوراق :
_ يعني اعمل كدا مش عاجب كدا مش عاجب .. امشي طيب ولا ايه ؟
جلس كريم متعجبًا من طريقته اللاذعه:
_ فى ايه مالك.. فى ايه حصل مغيرك كدا ..
_ مفيش حاجة.. اصلًا مفيش حاجة تقدر تغيرني ولا تضايقني مهما كانت .
لاحظ كريم تلميحاته ولكن كان يجهل من المقصود .. استكمل حديثه :
_ لا في .. هتخبي عليا انا كيمو صاحبك ؟
عاد للنظر الى الاوراق هربًا :
_ مفيش يا كريم ..
_ طيب صحيح عرفت الخبر دا ميما هتتجوز .
تنفس نفس عميق واغمض عيناه ونظر الى كريم :
_ ايوه عرفت.. مبروك .
_ يبقى دا السبب .. انتوا قفشتوا ع بعض ولا ايه المفروض تفرح ليها .
قال ب اندفاع:
_ افرح ليها لما اكون عارف من الاول .. لكن هي وافقت وعرفتني لمعرفة بس .. خبت عليا حاجة زي دى وانا مبخبيش عنها حاجة .
_ انت متعصب ليه يا زين، طبيعي يبقى ليا حياة خاصة وأسرار تخصها .
_ يعني انت شايف عادي اللى حصل .. كلكم شايفين اللى حصل عادي .
_ لانه عادي .. عريس اتقدم ومناسب وهى موافقة يبقى نفرحلها .. نفرح لاختنا يا زين لاختنا .
كان كريم يؤكد على كلمة ( اختنا ) بكثرة ونظر اليه زين :
_ مبروك لاختنا .. حلو كدا .
جمع اوراق امامه ويستعد لمغادرة :
_ رايح فين ؟
_ في ميتنج برا هروحه انت عاوز حاجة ؟
_ بس لسه بدري ..
_ هروح مكان اشرب حاجة مع نفسي .
_ طيب هتيجي الغدا ..
نظر اليه :
_ لا .. روحوا انتم واحتفلوا بجواز اختنا .. اختنا يا كريم صح ؟
_ ايوه ..
غادر زين المكتب ورغم محاولاته ليصبح أهدأ ولكنه غادر مقر الشركة وهو مشتاظ غضبًا ..
فى المطعم دخلت مريم ..المكان كان مزدحمًا بضجيج الاحاديث وملك كانت مشغولة واتجهت مريم الى المطبخ وبدأت تساعد ملك وفي وقت الراحة جلسوا يتحدثاتان :
_ وسابك ومشي ؟
_ ايوه قفش جامد ومشي .
_ هو ممكن يكون زعلان وخد موقف لانه عرف متأخر معرفش الاول .
_ متأخر ايه يا ملك.. اللى عرفوا دول اهلى واهله وكنت هقوله هو اللى عدى ع شقتهم الاول .
_ بصي فكرة انك تختفى فجأة من حياة زين هو مفكرش فى الاحتمال دا .
_ مين هختفى انا هتجوز وهو هيتجوز كل واحد فينا له حياة مش دا الطبيعي .
_ ايوة ..بس كنتى توصيليها له بالتدريج.. حطي نفسك مكانه فجأة قالك هتجوز هتعملي ايه ؟
تغيرت ملامحها لمجرد التخيل وقالت ملك:
_ شوفتي .. اتكلمي معاه وراضيه يا مريم.. اللى بينكم مش حاجة بسيطة ولا سهلة انتم بينكم عمر وعارفين كل حاجة عن بعض وانه يتفاجئ بجوازك عنده حق ياخد موقف .. راضية.. هو جاي ع الغدا ؟
_ معرفش سألته مقاليش ..
_ هيجي زين مش لدرجة دي يندل يعني .
.. كان وقت الغذاء قد حل واجتمع الجميع فى المطعم تتناثر أحاديثهم بين ضحكات خفيفة والدفء العائلي ينساب بين الاطباق المصفوفة بعناية على الطاولة .. في زاوية الطاولة جلست مريم تشاركهم الاحاديث وعيناها تنظر الى الباب تتنظر ظهور زين .. تأخر زين وقلقها يتمدد فى قلبها بصمت لا يراه أحد .. تحدث كريم :
_ فينك يا ميما .. العروسة مش معانا ولا ايه ..؟
_ ها .. لا معاكم ..
فتح باب المطعم ودخل زين ترافقه بسنت ، مالت ملامح مريم بين الدهشة والانقباض .. اقتربا الى الطاولة وجلس زين بجوار بسنت وانضم اليهم وتعلو وجهه ابتسامة مرحة وهو يمازح من حوله :
_ سوري يا جماعة ع التأخير ..بس التأخير مش من عندي بوسنت مكنتش راضية تيجي .
تحدثت سوسن :
_ ليه يا بسنت يا حبيببتي ؟
_ لا طنط مفيش حاجة ..
قال زين :
_ بتقولي يا سوسن دا تجمع عائلي اكون موجوده ليه وانا قولتلها مش هتحرك غير لما تكون معانا ..
تحدثت سناء :
_ انتى واحدة مننا يا بسنت متقوليش كدا .
تحدث زين وقال :
_ ام العروسة نفسها قالت اهو ولا ايه يا ميما ؟
نظر اليها واكدت مريم ع كلماته :
_ ايوه اكيد.. انتى مش محتاجة عزومة انتى تيجي ع طول .
قال لها زين :
_ جهزي فستانك بقى يا بوسنت عشان الفرح.
تحدث كريم :
_ بجد احساس جميل اننا متجمعين نحتفل بمريم وانها خلاص هتتجوز .
تحدثت مريم :
_ دا فرحة واحد فرحان انى همشي ماشي يا كيمو ..
_ لا خالص .. بس دا ميمنعش ايوه .
ضحكوا جميعًا وتحدث محمود:
_ هنشوف العريس امتى يا ميما ؟
_ هو فى القاهرة مشغول فى حاجة هيخلصها وجاى بعد يومين .
_ يجي بالسلامة .
_ ان شاء الله ..
كان تركيز زين بالكامل على بسنت يصغى لها ويضحك على ما تقوله فى حين بدت مريم وكأنها تنسحب بهدوء داخل نفسها تراقب بصمت المشهد ..
بعد الغداء غادر زين بصحبة بسنت بهدوء .. ملك لاحظت تجاهل زيم لمريم ع غير العادة لم تظهر رد فعل فوري .. عند انتهاء اليوم عادت مريم مع ملك الى المنزل فى صمت ثقيل لم تنبس كلمة طوال الطريق .. وصلوا امام منزل ملك:
_ تصبحي ع خير يا ملوكة
_ ميما.. هتنامي ولا هتعملي ايه ؟
_ هطلع المرسم مش جايلي نوم ..
_ طيب هغير والبس حاجة مريحة واحصلك اقعد معاكي شويا فى الهوا .
_ اوكيه ..
جلست مريم فى المرسم فى صمت يدها لا تتحركان تنظر الى اللوحة امامها فى شرود.. لحظت ملك ذلك وعلمت ما سبب ضيقها .. امسكت مريم هاتفها وارسلت رسالة نصية الى زين ( زين .. الحقني مريم تعبت مرة واحدة وهي فى المرسم ) كانت كلمات قصيرة ولكنها مقصودة.. بعد 10 دقائق وصل زين الى المرسم بخطوات سريعة وملامحة مضطربة القلق ظاهر فى عينيه ، نفسه متسارع كأنه ركض كل الطريق .. نظرة كان يتنقل بسرعة يبحث عن مريم وحين وقعت عيناه عليها جالسه بهدوء بخير تمامًا دون أثر لتعب أو أزمة .. تجمد مكانه ومريم نظرت اليه بهدوء وتفأجأت بوجوده :
_ زين .. مالك ؟
ملك كانت تقف على الجانب وابتسامة خفيفة ترتسم على وجهها لنجاح خطتها .. نظر زين اليها بغضب :
_ ملك..
_ انا اسفة بجد ع الرسالة .. بس دا الحل اللى كان قدامي عشان تتصالحوا .. انا هسيبكم تتكلموا مع بعض وتتصافوا.. الموضوع ابسط من كل اللى حصل ومينفعش انتم الاتنين تتخاصموا ..
بالفعل تركتهم ملك وجلست زين فى صمت وملامحها منزعجة .. جلس امامها زين وملامحه ايضا منزعجة .. كلا منهم يتردد فى ان يبدء الحديث .. قالت مريم:
_ زين ..
_ ايوه..
_ انت حمار وغبي .
نظر اليها بتعجب :
_ انا ..
_ ايوه انت اغبي انسان شوفته فى حياتي ..
_ مريم ..
_ بلا مريم بلا بتاع.. انك تقولي السؤال الغبي دا تبقى غبي .. يعني ايه تقولي انا يا ايهاب .. انت غبي بجد.
_ متغلطيش بقولك.
_ يعني دا سؤال حد عاقل .. رد عليا ؟
بتهته:
_ كنت متعصب من المفاجأة ومفكرتش بقول ايه ؟
_ وفكرت بعد ما مشيت ولا فكرت تبعتلى رسالة صح .
_ انتى بتقلبي الترابيزة .. انتى خبيتي عليا.. خبيتي عليا حاجة متتخباش .. فجاة هتجوز لا بجد .. كنت متوقعه ايه اقولك مبروك.. مبروك ..
_ انا فعلًا كنت هقولك الاول لكن انت عرفت منهم ويمكن غلطت لما قررت اقولكم كلكم فى يوم واحد .. دا غلطتي بعتذر عنها لكن غلطتك لا ..انا مش مسامحاك ع اخر كلامك .. تقولي اختاري .. احنا وصلنا لكدا ؟
_ مريم.. ايهاب مينفعش ليكي
_ ليه ..
_ امش شخصيتك.. انتى عاوزة حد فاهمك وعارفك كويس ، عارف تفاصيلك الصغيرة قبل الكبيرة .. حد لاسع دماغه تتستوعب جنانك وتطنيطك ويبقى عارف كويس ايه يفرحك وايه اللى بيزعلك.. يكون عارف ازاى يصالحك ويراضيكي .. مش كلام رومانسي وسهوكه .
_ انت كدا بتقولى دوري ع حد شبهك صح؟
_ ايوه..
_ ومتجوزش غيره ؟
_ ايوه .
_ للاسف معرفش غير شخص واحد .
_ مين دا ؟
_ اسمه زين محمود.. تتجوزني ؟
ارتبك زين للحظة وقال :
انتى اللى غبية صح.. و10 لتر اللبن اللى شربتيه دا .. لو مكنتيش اطفستي كنت لبستك وامري لله .
_ يا راجل ... بص يا زيزو .. ايهاب شخص محترم وكويس وبيحبني وانا كمان بحبه ومدام اتنين بيحبوا بعض خلاص ولو ع المعرفة هنعرف بعض لما نكون مع بعض .
_ فى فرق بين اتنين بيحبوا بعض واتجوزوا واتنين فاهمين بعض واتجوزوا .
_ لو العقلية كبيرة هنقدر نوصل لنقطة تفاهم نكمل بيها علاقتنا . انا لو كنت شاكة او قلقانه كنت موافقتش وبعدين انا معايا السند والضهر اللى بسند عليه واللى حياتي ملهاش معنى من غيره زيزو الشق .. ينفع فى خطوة مهمة كدا متبقاش معايا .. ينفع .
تنهد وقال :
_ خلاص يا مريم اللى انتى عاوزاه .
_ انا لسه متصالحتش ع فكرة على كلامك الغبي اللى قولته .
حقك عليا متزعليش .
_ لا مش قابله الاعتذار الناشف دا .
نظر اليها كانت تبتسم نصف ابتسامة وابتسم لها :
_ ماشي هطلب بيتزا ..
بسعادة :
_ ايوه كدا ..
نظر اليها زين بنظرة حزينه رغم ابتسامته التى ملأت وجهه :
_ هفتقدك يا ميما .. هفتقد الفيل الصغنن وزلومتك دي .
بادلته مريم نفس النظرة والابتسامة :
_ وانا كمان جدًا.. بس هكون موجوده لك دايما فى اى وقت .. اعرف دايما ميما موجوده لزيزو .
_ وزيزو موجود لميما ..
تحدد يوم زيارة إيهاب لمنزل مريم ، امتلأ المنزل بأجواء أستعداد مختلفة ، خفيفة لكنها مشحونة بتوتر خفي .. حضر إيهاب أنيقًا ومتحفظًا يحمل فى حضةؤه ملامح رجل جاء ليضع خطوة رسمية نحو حياة جديدة ، استقبله كرم وسناء ومهما محمود وسوسن .. قاموا بالترحيب دافئ له .. جلس الجميع فى غرفة المعيشة حيث الاجواء محملة بنظرات متبادلة وضحكات خفيفة وتحضيرات لمناسبة منتظرة .. بعد دقائق دخل كريم يرافقه زين .. كان زين هادئًا ع وجهه ابتسامة رسمها على وجهه كأنها درع جلس الى جوارهم يشارك الحديث ويعلق بلطف ويبدو كأنه حاضر بالكامل لكن عينيه بين لحظة واخرى كانت تسرح فى الفراغ كأن ذهنه يحاول التماسك وسط زحام داخلي ..
دخلت مريم الغرفة بخطوات خفيفة ووجهها يعلوه خجل واضح ، نظراتها هادئة لكنها مضطربة بعض الشئ ..كانت كل الاعين تتجه نحوها ف ازادت حركتها تحفظًا وهي تجلس بهدوء بجانب إيهاب .. مد إيهاب يده نحوها بباقة ورود ناعمة كانت تحمل ألوان الفرح والدفء .. التقتطها مريم ب ابتسامة عريضة ولمع في عينيها ضوء حقيقي كأن شيئًا جميلًا لامس قلبها .. تلك اللحظة البسيطة بدت كعلامة بداية جديدة وكان الحضور من حولهم يتبادلون النظرات الراضية ..
بعد كلمات مختصرة تمت قراءة الفاتحة وسط جو من التوافق والارتياح ..كانت ملامح الجميع تنطق بالقبول والفرح وتقرر تقام الخطوبة الرسمية فى المطعم بعد أسبوع ف امتلأت المكان بالابتسامات والمباركات ..
فى الزاوية جلس زين بهدء يشارك الابتسامة مع الباقين ولكن فى داخله كانت روحه تمشيفى طريق مواز طريق فيه وجع لم يعترف به ووداع لم يقال بصوت .. كان جسده حاضرًا بين الأهل لكن قلبه فى مكان أخر يصغي لصمت لا يراه أحد ..
جلس إيهاب مع مريم يتبادلان أطراف الحديث ويضحكان ..أنسحب زين بهدوء دون أن يلفت الانظار ..خرج من المنزل بخطى متثاقله كأن كل شئ حوله أصبح ثقيلًا على صدره .. الهواء فى الخارج لم يكن كافيًا والليل بدا ضيقًا رغم سكونه .. قاد سيارته دون وجهة محددة حتى ةجد نفسه أمام البحر .. جلس على الرمل وكانت عيناه تراقبان الأفق بصمت والضيق يملأ صدره ..كل شئ حوله كان ساكنًا الا روحه كانت تضج بوجع مكتوم لا مفر منه ..
رن هاتفه لم يلتفت اليه من البداية لكن سمع رن مرة اخرى ورأى أسم بسنت وأجاب :
_ بسنت ..
_ سوري يا زيزو بكلمك بزن كدا بس كنت عاوزة اخد التاكيد منك ع الاجتماع عشان ابعتلهم الايميل اوكيه ولا لسه محتاج تراجع حاجة .
_ لا خلاص ابعتيلهم ع موعدنا بكره .
_ تمام ..
لاحظت نبرة صوته متغيره :
_ هو انت كويس ؟
_ هبقى كويس ..
_ انت فين مش فى البيت ؟
_ لا نزلت .. اتمشيت وقاعد قصاد البحر شويا .
علمت بالمكان واغلقا الهاتف .. بعد ربع ساعة بينما هو غارق فى أفكاره سمع صوت مألوف يقترب .. رفع راسه فوجد بسنت تقف أمامه والابتسامة تعلو وجهها :
_ كنت قلقانه تكون مشيت..الحمدلله انك موجود .
جلست بجانبه على الرمل ونظر اليها زين بتعجب :
_ ايه نزلك فى وقت متأخر كدا ؟
_ حسيت انك مش كويس قولت بما اننا اصحاب اجى اطمن عليك ولو محتاج مساعدة اقدر عليها .
ضحك زين :
_ الحالة مش حرجة لدرجة المساعدة الخارجية .
_ اللى شايفك هو اللى بيحدد مش انت .. ايه مالك بقى كان انهاردة قراية فاتحة مريم سيبتهم ونزلت ليه ؟
تنهد وهو ينظر الى البحر :
_ ايوه اتقرت الفاتحة ووعوز الحاجة الساقعة وزغرطوا وفرحوا وحددوا الخطوبة الرسمية كمان ..
_ سيبتهم ونزلت ليه حد زعلك ؟
_ لا .. بس زي ما بيقولوا العروسة للعريس والجري للمتاعيس
ضحك وابتسمت بسنت :
_ حاسة بك ع فكرة ؟
نظر اليها :
_ يعني ايه حاسه بيا ؟
_ حاسة بالخنقة اللى حاسسها .. انك معترض على حاجة بتحصل مينفعش تعترض عليها ، حاجة طبيعية بتحصل طبيعي لكن اعتراضك ورفضك ليها هو اللى مش طبيعي .
صمت زين واستكملت بسنت :
_ مريم فى شخص فى حياتها هيبقى له الأولوية .. احساسك انك رجعت درجتين لورا وبقى فى حد تاني مكانك احساس يضايق .. بس اطمنك هياخد وقت وهيعدى وعن تجربة .
_ ازاى ؟
_ كان فى جار اتربيت معاه من صغري ..لما كبرنا مكنتش مستوعبه ان ممكن حد ياخده مني ، لما فكر يرتبط كنت بضايق اوي وبعمل مكايد وكنت سبب علاقات كتير ادمرت مع بنات ، لغاية ما اكتشفت ان انا كدا مش بحبه وبحافظ عليه لا بخسره وبسبب فى حزن له انه مش عارف يستقر في حياته العاطفيه .. وبالفعل بسببي بعد عن اكتر انسانه حبها .. علاقتنا زي ماهي لكن هو لا كان حزين وبائس .. مكنتش عارفه اعوض غيابها لكن هو محبش يزعلني .. فبصراحة حسيت انى انانية اوي وبخسره مش بكسبه ..
_ وعملتي ايه ؟
_ صالحتهم ع بعض وبعدت انا من الصوره .. موجوده لكن فى حد له الاولوية فى الاهتمام والحب والاحتواء حتى الكلام.. انا مكنتش متقبله اكون رقم 2 بعد ما كنت رقم 1 فى حياته .. ودا غلطتنا لاننا عمرنا مفكرنا فى بعدين عشان كدا اتصدمنا .. زيك انت ومريم .. علاقتكم قوية اوي مفكرتوش ان فى اشخاص ليهم الحق انهم يكونوا رقم واحد فى حياتكم ودا ميقللش من وجودكم فى حياة بعض بالعكس .. انتم هترجعوا درجة لكن اساسكم قوي هتكونوا سند وضهر لبعض الدنيا لو مالت هتعدلوها لبعض .. زي نظرية تؤام الروح عارفها ؟
_ دا الحبيب وكدا .
_ لا لا .. تؤام الروح مش شرط يكون نتاج علاقة عاطفية .. هو بيكون نتاج علاقة ملهاش مسمي بين شخصين فاهمين بعض .. محتويين بعض .. مقدرين بعض .. أثركم فى حياة بعض عميق لدرجة مستحيل مسح الاثر دا .. موجودين فى حياة بعض حتى لو مش شايفين بعض .. اتغير ترتيبك لكن مكانك ثابت مبيتغيرش .. علاقة عميقة كدا محدش سهل يفهما .. وانت ومريم كدا مهما بعدتوا هترجعوا لبعض مهما ارتبطتوا مش هتستغنوا عن بعض .. زي ما قولتلك كدا المطلوب منكم تتقبلوا ان ترتيبكم اختلف وبس .
_ واسال أهل الخبرة ..
ضحكت بسنت :
_ ايوه .. ف الموضوع مش هقولك سهل لانه جديد عليك ..انت بس محتاج وقت تستوعب الجديد اللى حصل لعلاقتكم .. وبس كدا .. متقلقش انا معاك من خبرتني هنلم الدنيا :
صمت زين وتحدثت بسنت :
_ اتعشيت انا لسه متعشتش وكنت نازلة اشوف مكان اكل فيه .
_ لا مأكلتش
_ طيب ايه رأيك انا عازماك ماشي
_ ليه التكلفه .
_ لا ابدا مفيش تكلفة مش احنا اصحاب .
_ موافق لكن نتعشى مع بعض وع حسابي انتى بكره عليكي الفطار .
_ احلى فطار بيتي .. هنتعشى ايه ؟
_ انتى عاوزة تتعشي ايه ؟
_ بصراحة نفسي رايحة للكبدة وسجق حراقيين كدا .
_ يا مزاجك العالي .. يلا بينا على الكبدة والسجق .
فى اليوم التالي فى المطعم تجلس ملك بهدوء تتابع ما امامها على اللابتوب بشرود خفيف ، محاطة بأجواء صباحية دافئة ورائحة القهوة تملأ المكان .. بينما هي مندمجة فى لحظة صمتها وجدت فجأة علبة هدية انتيقة توضع أمامها على الطاولة .. رفعت عينيها بسرعة بدهشة خفيفة لتقع نظراتها على كريم الواقف أمامها ب ابتسامة واسعة ونظرة دافئة :
_ كريم..
_ كل سنه وانتى طيبة .
_ ايه ؟
جلس امامها :
_ ايه ايه .. معقولة ناسية عيد ميلادك انهاردة؟
_ لا فاكرة لكن مجاش فى بالي حد يفتكره غيري .
_ انا فاكره .. على طول كنت فاكره وبحتفل به كمان .
_ بتحتفل به ؟
_ ايوه.. بحتفل باليوم اللى اتولدت فيه احسن انسانة قبلتها فى عمري ، اليوم المميز اللى جيتي فيه فى الدنيا .
_ كريم ..
_ انتى سألتى ورديت .. المهم دى هدية وحبيت أكون أول واحد يهاديكي .
_ شكرًا ..
_ انا كنت بفكر نعمل حفلة عيد ميلاد هنا على قدنا لكن انتى رافضة يتعملك العيد ميلاد.
_ ايوه مش عاوزة وعمومًا شكرًا على الهدية .
_ انا واثق انها هتعجبك لانها حاجة بتحبيها .. اروح الشركة انا ..
غادر كريم وكانت تنظر عليه ملك حتى اختفى وعادت النظر الى الهدية .. جلست تحدق بها للحظات بين الحرج والفضول ثم مدت يدها بتردد وفتحت الغطاء ببطء .. عيناها اتسعتا بدهشة صامتة حين رأت داخلها مجسما بلوريًا شفافًا بداخله فتاة صغيرة تجلس على العشب ترتدي فستانًا رقيقًا تحيط بها الخضرة وخلفها بحر هادء يمتد في الافق ..
التقطت البطاقة المرافقه معها وقرأتها بصمت وعيناها تتحركان فوق الكلمات القليلة التى كتبها كريم :
_ من زمان وانتى بتحبي المجسمات البلورية باباك اشترالك اول واحدة كانت شبة دى اول ما لقيتها قولت هتحبيها .. اتمنى تكون عجبتك وحبتيها .. كل سنه وانتى طيبة .
وضعت البطاقة جانبًا وادارت المفتاح الصغير أسفل القاعدة .. بدأت الموسيقى تعزف بلحن هادئ وانطلقت حركة الفتاة داخل البلورة تدور ببطء كأنها ترقص وسط الطبيعة .. فى تلك اللحظة لم يكن في المكان سوى صوت الموسيقى وضوء الشمس ينعكس على وجه ملك وابتسامة رقيقة تزين ملامحها ودموع تجمعت فى عيناها حين تذكرت والدها فى الماضي .. أحبت الهدية جدًا ..
فى منزل مريم كانت تقف أمام المرآة تضع لمسات الاخيرة لتجهيزها للخروج ..فى الصالة يجلس ايهاب برفقة سناء وكرم يتبادلون حديثًا خفيفًا بينما ينظر من حين لاخر نحو الباب مترقب خروج مريم من غرفتها .. غادرت مريم اخيرًا غرفتها :
_ سوري ع التأخير ..
_ لا ولا يهمك .. جاهزة يلا .
_ يلا ..
تحركا مغادرين المنزل واتجها الى السيارة وقام ايهاب بفتح باب السيارة لمريم أولًا مما اشعرها بالخجل .. جلست وطلب منها وضع حزام الامان .. توجه وجلس على مقعد السائق ونظر اليها قائلًا ب ابتسامته الدافئة :
_ انتى جميلة انهاردة ..
_ انهاردة بس .
_ كل يوم انت اجمل من اللى قبله .
ابتسمت بخجل :
_ شكرًا ..
تحركا وتوجها الى المحلات حيث بدأت جولة طويلة من البحث .. دخلتا عددًا من المتاجر وتناقلان من واجهه الى اخرى وعيون مريم تدقق فى تفاصيل الاقمشة والقصات والالوان .. كل بذلة تمر امامها تخضع لفحص دقيق ثم تخرج من المحل بحيرة وتدخل محل اخر تكرر نفس القصة .. الوقت يمر والخيارات تتعدد لكنها لا ترسو على قرار .. من التعب قرر ايهاب التوقف للحظات وجلستا فى مقهى صغير على ناصية الطريق وضعتا الأكياس جانبًا وطلبتا مشروبًا دافئًا.. كان ينظر ايهاب اليها مبتسمًا فى صمت وشعرت مريم بالاحراج :
_ بجد انا اسفة .. انا قولتلك انا فظيعة فى الشوبينج .
_ بصراحة مكنتش اتخيل بالشكل .
_ لا انا ب عترف انا صعبة ومش بسهولة بعرف اشتري حاجة غير مع زين .
_ زين ؟ يعني مش ملك ولا مامتك ؟
_ مستغرب لانه ولد بينزل مع بنت بتعمل شوبنج صح ، ملهاش علاقة والله الفكرة إن حواليا محدش بيستحملني فى اللف والتردد غيره ، ملك او ماما بيتعبوا وبيزهقوا وواضح اني زهقتك زيهم .
_ لا خالص مزهقتش بس بستوعب وبعدين نعتبرها استراحة ونرجع نكمل .
_ مااحنا لازم نشترى البدلة لك انهاردة .. حفلة الخطوبة كمان يومين .
_ عن نفسي مفيش مشاكل.. انت اللى هتقرري هنجيب البدلة انهاردة ولا هروح الخطوبة ب بالبجامة .
ضحكت مريم:
_ لا مش لدرجة .. هنجيب واحدةزز اساسًا فى واحدة كنت مترددة اتجاهها هنرجع ونشوف .
_ انا معاكي .
بعد استراحة قصيرة فى المقهى ، نض كلا من ايهاب ومريم ليكملا جولتهما .. تنقلا من محل لآخر لكن هذة المرة بخطى أكثر تركيزًا ، بدا كأن مريم قررت ألا تترك اليوم ينتهي دون أن تجد ما يناسبها واستقر فى احدى المحلات .. قال ايهاب :
_ متاكدة انها هي دي .
_ انت ايه رايك عجبتك؟
_ عجبتني لكن المهم تعجبك انتى .
_ عجبتني .. لو طولت اكتر من كدا ممكن ارجع فى كلامي .
ضحكا وتركها ليبدل ملابسه وينهى اجراءات الشراء .. بقيت مريم تتجول بين الرفوف بنظرات متأملة ..فجأة وقفت أمام بذلة انيقة ذات تصميم كلاسيكي بسيط بلون دامن مميز ..شئ ما جذب انتباهها بشدة كأنها تهمس لها باسم تعرفة جيدًا .. قالت :
_ زين ..
مع ابتسامة دافئة ترتسم على وجهها دون تردد استدعت البائعة وطلبت منها إحضار المقاس المناسب مع تغليف أنيق يليق بالهدية .. كانت حركاتها هادئة لكنها تحمل شيئًا من الحماس الخفي كأنها تفعل ذلك بعفوية نابعة من عمق قلبها .. عاد إيهاب فى تلك اللحظة ونظر نحوها ليجدها ممسكة بالبذلة ووجهها مضئ بسعادة خفيفة لم يراها منذ قليل .. اقترب اليها :
_ انتى عاملالي مفاجأة ولا ايه ؟
_ ها .. لا دي لزين .. شوفتها حسيتها عليه اوي .
بتعجب :
_ اشتريتي بدلة لزين ؟
_ ايوه .. البدلة اللى هيحضر بيها خطوبتنا .. انا عارفاه هينشغل فى الشغل وهيلبس اى بدله عنده وانا عاوزاه بيرفيكت يوم الخطوبة .
ضحك ايهاب :
_ اللى يسمعك يحس ان دى بدلة خطيبك وخطيبك اللى عاوزاه بيرفكت .
شعرت بالحرج وقالت :
_ عادة فيا لما بعمل شوبينج واشوف حاجة لزين بشتريها بدون تردد .. لكن انا واثقة انك بريفكت سواء اختارتلك او لا ..
_ شكرًا على كلامك.. يلا بينا ..
_ يلا ..
عادت مريم الى المنزل وهي تحمل البذلة بين يديها ملفوفة بعناية ، نظراتها كانت مركزة عليها ومليئة بالحماس .. عاوت الاتصال بزين ولم يجيب وارسل لها رسالة نصية انه فى اجتماع .. راسلته برسالة نصية لتعرف موعد عودته واخبرها من خلال رسالة النصية .. جلست لبعض الوقت فى غرفتها تراقب هاتفها حتى وصلتلها رسالة من زين اخبرها بعودته .. نهضت من مكانها دون تردد وامسكت البذلة وخرجت من منزلها بخطوات سريعة لمنزل زين .. رنت الجرس وفتحت الباب سوسن وتوجهت الى غرفة زين .. طرقت على الباب طرقًا خفيفًا تم سمعت صوت زين يسمح لها بالدخول ... فتحت الباب :
_ فى ايه الحرب قامت ..
_ليه ازعجتك ولا ايه قول قول ..
_ لا روشتيني ..حسيت ان فى حاجة مهمة مينفعش تتاخري عنها .. هتنمي ع حد ..مين ؟
ضحكت مريم:
_ لا مفيش جديد فى النم .. انا جيبالك هدية حلوة اوي اوي يا زيزو .
_ هدية ايه ؟
_ قولي الاول جهزت بدلة خطوبتي .
_ الدولاب مليان بدل يا ميما هو انا زيك لازم كل مناسبة بفستان مختلف
_ انا قولت كدا .. اتفضل
مدت يدها بالبذله له نظر اليها بتعجب :
_ ايه دا ؟
_ دى بدلة اول ما شوفتها قولت زيزو هيللبسها .
نظر الى البذله ونالت بالفعل اعجابه :
_ اللون جامد ..
_ انا قولتله وهو مصدقش .
_ مين دا ؟
_ ايهاب .. اصل احنا انهاردة كنا بنشترى البدلة بتاعته ولما اختارت بدلتك استغرب انها غامقة قالي مش هتعجبك قولتله انا اعرف زيزو هتعجبه .
_ اشتريتيلي البدلة وايهاب معاكي ؟
_ ايوه ..
_ وعادي كدا ؟
نظرت اليه بتعجب :
_ مش فاهمة .. ايه الغريب فى الموضوع .. اخت بتشتري لاخوها بدلة عادي يعني ز
_ اها .. المهم انه مضايقيش .
_ لا لانى قايلاله زيزو دا يعني انا مقدرش استغنى عنه وانك هتكون معايا لاخر يوم فى عمري .. صح ولا رجعت فى كلامك .
نظر اليها وتذكر كلمات بسنت وابتسم وقال :
_ انا معاكي يا شق لاخر نفس .. الله يعينه هو على الزلومة دي .
_ يا رخم .. يلا هسيبك ترتاح لانى عاوزة انام جدًا .
تحركت مريم اتجاه الباب واستوقفها زين قائلًا :
_ ميما ..
استدارت :
_ ايوه ..
_ انتى مبسوطة .. يعني مبسوطة بالخطوبة والخطوة دي .
وقفت وابتسمت :
_ ايوه ..يلا باي..
غادرت مريم وعاود النظر الى البذلة لمعت عيناه بنظرة صامته تأرجحت بين الفرحة والامتنان وبين شئ أعمق من ذلك .. نهض من مكانه بهدوء وتوجه الى خزانة الملابس وفتح الباب واخرج بذلة اخري تلك التى اشتراها يومًا مع بسنت وقف يتاملها قليلًا ثم اعادها مكانها وسحب بذلة مريم وعلقها بجانب الاخرى ثم اغلق الباب.
يوم الخطوبة ..
الاضواء متلألئة والضحكات تملأ المكان والوجوه مشرقة بالفرح .. الزينة كانت أنيقة والموسيقى تنساب برقة فى الخلفية تواكب أجواء الحفل .. الجميع كان مجتمعًا حول الطاولات يتبادلون التهاني والابتسامات ومريم جالسة بجانب ايهاب بثوبها الانيق تتبادل التهانى من المدعويين .. رغم الاجواء كانت عينا مريم نظراتها تجوب المكان بين الحين والاخر تبحث بهدوء عن زين .. كان مختفى منذ لحظة وصولها مما ازعجها اختفائه بينما تحاول ان تخفى توترها ب ابتسامة خفيفة فكانت تنتظر حضوره بصمت لا يشعر به أحد الا ايهاب كان يجلس بجوارها يراقبها دون أن تنتبه وعيناه تلتقطان تلك اللمحات العابرة .. اقترب نحوها وهمس :
_ مالك ..
_ زين من وقت ما جيت مش شايفاه
_ تلاقيه هنا او هنا هيكون فين
_ ماهو دا اللى بقوله.. يوم مهم فى حياتي ازاى ميبقاش موجود معايا، دا ولا مرة سابني لوحدى كدا .
امسك ايهاب يدها وضغط عليها بلطف :
_ انتى مش لوحدك يا ميما انا موجود ومعاكي .
ابتسمت :
_ اكيد ..
بادلها الابتسامة قائلًا :
_ متقلقيش هتلاقيه داخل فى اى لحظة .. افرحي بخطوبتك وابتسمي لأن الكل باصص عليكي .
_ صح .. انت صح .
فى المنزل زين وقف فى صمت ثقيل امامه على السرير موضوعتان بذلتان الاولى لتى قامت مريم بشرائها والثانية التى قام بشرائها مع بسنت .. نظر اليهما طويلًا بتأمل وعيناه ثابتتان عليهما بدون حركة وسط تردد يحيط به ايهما سيقوم ب ارتدائها ..
وصل زين الى منزل بسنت كانت تقف تنتظره ، رأت السيارة وتوجهت اليها سريعًا وصعدت :
_ ايه كل التأخير دا .. المفروض نكون هناك من بدري .
نظرت الى زين وتجمدت للحظة ثم ابتسمت .. عيناها علقتا بالبذلة وقالت :
_ ايه البدلة الجميلة دى ..
تحدث زين بحرج :
_ انا عارف انى تعبتك لف لغاية ما اختارنا بدلة لكن مريم اشترتلي دي احضر بيها الخطوبة وانا محبتش اضايقها يوم الخطوبة بصراحة .
ابتسمت بسنت :
_ طبيعي تعمل كدا لو عملت عكس كدا انا اللى كنت هضايق لانها اكيد منتظره تشوفك بيها .. على الاقل هتترحم من الزعيق ع التاخير يلا بسرعة ع الخطوبة ..
انطقا الى الحفل .. دخل زين وبسنت الى المطعم وكانت أضواء الحفل تلمع حولهم وأصوات الضحك تملأ الاجواء .. لمحت مريم دخولهم وهما يعبران الباب وارتسمت ع وجهها ابتسامة خفيفة حين رأته مرتدى البذلة .. اقتربوا اليها وتقدمت بسنت :
_ الف مبروك يا ميما ..
_ عقبالك يا بسنت ..
_ بس ايه القمر دا
_ حبيببتي انتى اللى قمر .. بس ايه التأخير دا .
اشارت بسنت الى زين :
_ انا جاهزة من بدري .. زين اللى اخرني .
اقترب زين :
_ عقبال ما رجعت من الميتنج وغيرت ولبست وروحت لبسنت كل دا اخد وقت منى .
_ ماشي يا زيزو ماشي .. مردودالك يوم خطوبتك
ابتسم لها وبارك لايهاب وانصرفا جلس امام احدى الطاولات وكانت مريم سعيدة لرؤية زين وتحدث ايهاب :
_ زين ظهر خلى ابتسامتك تنور
_ بجد كنت هضايق لو مش معايا ..
كانت بين الحين والاخر تنظر الى زين وكان ينظر اليها زين اغلب الوقت ب ابتسامة خفيفة ..
بعد الخطوبة بيومان ايهاب فى زيارة لمريم ..طلب منها ايهاب رؤية المرسم الخاص بيها ع السطح ورحبت مريم بذلك فتوجهوا الى السطح سويًا حيث الهواء النقي .. المنظر من الاعلى كان جميلًا والمرسم أضفى جوًا من الابداع والراحة واعجب ايهاب بالمكان كثيراًا :
_ ايه رايك جميل صح ؟
_ جدًا .. انتي محظوظة بالمكان دا ..
_ محظوظين.. المكان دا ليا انا وزيزو .. يعني زي ما بتقول مخبأئنا السري ، اول مرة فى حياتنا استخبينا هنا واحنا صغيرين بس كان يوم.. من وقتها بنطلع هنا وفضلنا وراه لغاية ما بقى بالشكل دا بنذاكر هنا ونسهر هنا ونحكي ونتكلم هنا وياما اتخانقنا هنا ( ابتسمت وهى تتذكر الذكريات ) وياما اتصالحنا هنا .. المكان دا فيه ذكريات عمر ما بينا عشان كدا مكان مميز .. لكن دلواقتي زين انشغل ف مبقاش يتواجد دايما ف انا اللى مسئولة عنه ..
_ مرسمك جميل .. لاحظت صورتي جوه
ابتسمت بخجل :
_ يعني كل ما أيأس واحس انى مش هقدر اوصل كنت ابص لصورتك وافتكر قصتك وتديني طاقة ايجابية اكمل .. بصراحة مكنتش اتوقع اقابلك هنا ..انا كانت خطتى اخلص كلية واسافر ايطاليا احضر معرض لك ..
_ بجد؟
_ ايوه.. أسأل زين .. مكنش فى بالي خالص اشوفك فى الكلية و اتخطبلك كمان .
قال ايهاب مبتسمًا :
_ ياتري دا حاجة جميلة ولا ايه ؟
ضحكت مريم :
_ هو في اجمل من كدا
قالتها وهي تلمس خاتم الخطوبة وقال ايهاب :
_ بحبك مريم
ابتسمت بخجل وقالت :
_ وانا كمان ..
امسك يدها بلطف وقال :
_ نسافر ايطاليا وكل حاجة تتمنيها اعتبريها حصلت اوعدك بكل حاجة عاوزها هتحصل .
ابتسمت مريم .. فى تلك اللحظة ظهر زين .. وقف لحظة يراقب المشهد الرومانسي امامه ثم تنحنح والتفتوا اليه :
_ زيزو ..
تقدم اليهم:
_ سمعت ان دكتور ايهاب هنا قولت اسلم عليه
_ ازيك يا زين .
_ الحمدلله وانت ..
_ الحمدلله ..
تحدث مريم بحماس :
_ ايهاب عجبه السطح والمرسم اوي يا زيزو.. قولته دا مخبأئنا السري .
_ بجد يا دكتور عجبك؟
_ جدًا .. ياريت كل البيوت يكون فيها مكان زي دا .
_ كل البيوت مفيهاش زين ومريم
ضحكوا واستأذنت مريم:
_ هنزل اجيب حاجة من تحت وراجعة
غادرت مريم وجلس زين وايهاب .. تحدث ايهاب :
_ هل مسموح لاي حد يكون هنا .. قرأت لافته تحذيريه وانا داخل
_ كل الناس مرحب بيهم الا المخربين اللى بيبوظوا مجهودى انا ومريم فى السنين دى بسهولة كدا لمجرد انه عجبهم فحبوا يقعدوا فيه شويا .. احنا يعتبر عايشين هنا دا بيتنا .
_ جميل بجد..
صمتوا للحظات وتحدث زين :
_ هو ينفع أسألك سؤال شخصي واتمنى تجاوبني بصراحة ؟
_ اكيد هجاوب بصراحة لأن مفيش سبب اكذب عشانه
_ جميل .. انت هتتجوز مريم ليه .. ايه السبب اللى خلاك تختارها عن كل اللى صادفتهم اللى متأكد انهم احلى واجمل واثقف منها بكتير .. ليه مريم ؟
_ ممكن لانى حبيتها ..مفيش اسباب تانية اقدر اقولها غير انى حبيتها .
ابتسم زين :
_ بتحبها .. فى الفترة القليلة دى ؟
_ الحب ملوش توقيت ولا مدة
_ صح.. لكن هل فى اعتقادك ان الحب كفاية انه سبب يخليك تقرر الارتباط بيها الارتباط الابدى اللى هو الزواج ؟
_ مش فاهم تقصد ايه .
_ اقصد ان الانسان لما يفكر يختار شخص يكمل معاه الباقي من عمره ..الحب وحده غير كافي ، تكون بتحبها لكن مش فاهمها هنا فى اختلاف شاسع يا دكتور .. الحب وحده من كفيل يأكدلك أنك اختارت الشخص الصح وانك هتعيش معاه سعيد لأن الحب مشاعر لحظية بتعلى وبتقل مش ماشية ع رتك واحد.. اللى بيخليها تمشي ع رتم واحد مش الرومانسيات والكلام الجميل .. التفاهم اكون فاهم الشخص اللى معايا وهو فاهمني .. الحب الرومانسيات مهم لكن مبيفتحش بيوت تعيش لانه بعد الزواج بيحصل تصادم بالحقائق والواقع واحنا كبشر لما بندخل علاقة بندور ع درع يحمينا من قساوة الواقع انا وشريكي والدرع دا اسمه الاحتواء والتفاهم ..
_ عاوز تقول ايه ..
_ عاوز اقول ممكن تكون اتسرعت فى خطوة الزواج بمعني ممكن تكون انجذبت لمريم انجذاب خارجي من اللى انت شايفه لكن فى الحقيقة انت متعرفهاش .. متعرفش طبعها لما بتصحي من النوم بتكون مش طايقه نفسها واوقات بتكون مصحيتش فبتلطش فى طريقها للحمام ..طريقتها العفوية فى الاكل ب ايديها رغم وجود شوكة وسكينة لكن هي بتستطعم الاكل ب ايديها اللى مش اى حد يتقبلها ويتفهم انها عكاكه .. الزروطة اللى بتعملها وهي بتاكل مانجة او بطيخ ولا طفل صغير بيتعلم الاكل لسه .. ضحكها بصوت عالى مهما كان المكان فين .. تعرف انها ممكن تتصالح ببيتزا اكسترا جبنه .. لما بتكون زعلانه مبتشتكيش فلازم اللى معاها يحس بيها ويطبطب عليها ويعمل قرد عشان يضحكها ويخرجها من الحالة دى .. تعرف انها مبتعرفش تعود رغم انها اسكندرانية واخيرها تلعب ع الشط وتبني قصور .. وحاجات كتير لازم تتعرف عشان تشوف هل فعلًا هقدر اعيش مع حاجات ممكن تتغير ايوه لكن بنسبة كبيرة لا بتكون طباع .. الاعجاب مبيفتحش بيوت يا دكتور بيبقى حياة شاقة بين طرفين مش فاهمين بعض والحب بيختفى .
- يعني انت بتقولى انا اتسرعت فى حكمي ع مشاعري لمجرد انى معرفش مريم كويس كدا .. دا كدا معناه انك انت الاحق بيها عني وعن اى حد .
تفاجئ زين وقال :
_ نعم ..
_ انت اكتر شخص عارف مين وهي عارفاك ومعتقدش هتصادفوا ناس تعرفكم بالشكل دا .
_ واضح انك ناسي انا ومريم ..
قاطعة :
_ اخوات .. وعشان انتم اخوات عارفين كل تفاصيل حياتكم لانكم عايشين مع بعض كل يوم بتفاصيله ، انا طلبت مريم للزواج لانى عاوز اعرفها .. نعرف بعض واحنا عايشين مع بعض .. مش هنوصل لمستوى علاقتكم دا مستحيل لكن ع الاقل هنقدر نختار مستوى نقدر نعيش به حياتنا .. الحب بيكون بداية الطريق يا زين .
صمت زين امام كلمات ايهاب .. واستكمل ايهاب حديثه :
_ وعشان كدا انا ومريم هنكتب الكتاب بعد 10 ايام وهنسافر .. هنبدء حياتنا مغامرة احنا الاتنين هنجهل فيها ايه هيحصل لكن طول مااحنا بنحب بعض اكيد هنكمل الطريق ..
_ حددتوا بالسرعة دى .؟
_ انا ليا حياة فى ايطاليا ومحتاج مريم معايا هناك .. مش محتاج اقولك البيت بيتك .. بيت اخواتك
_ ها .. ايوه ..ايوه ..ربنا يتمملكم ع خير .
فى يوم كتب الكتاب تجمع الجميع وسط أجواء من الترقب والفرح .. الوجوه مبتسمة والكلمات تتبادل بخفة .. كانت مريم جالسة بينهم فستانها بسيط وأنيق لكن فى عينيها هناك شئ مختلف رغم ابتسامتها الظاهرة كانت تشعر بانقباض خفي فى صدرها ..تملكها احساس غامض لا تعرف له اسمًا .. مالت لها ملك :
_ مالك يا مريم فى حاجة؟
_ حاسة ان قلبي مقبوض وفي وجع فى صدري وايدى بترتعش .
امسكت يدها وربتت عليهم بلطف :
_ اهدى متوتريش نفسك.. طبيعي دا تحسيه وقت كتب الكتاب حياتك بتتغير وبتتحول اهدى .
زين كان حاضرًا ولكنه حاضرًا بجسده فقط .. يحاول ان يتصرف طبيعيًا بطبيعته ويشارك أن يبدو كأى فرد من الحضور .. لكن عينيه حين تقعان على مريم كانت تحكي قصة صامتة فكان يبتسم لها حتى يخف من توترها وليطمئنها عليه .. كان يتوارى خلف مزحة اة كلمة عابرة فقط حتى لا يلفت الانتباة .. كان كتب الكتاب ملئ باصوات المباركات والفرحة والدموع والتهاني لكن فى قلب مريم وزين كان هناك صمت مختلف لا يسمعه أحد ..
انتهى كتب الكتاب وسط التهاني والدموع المختلطة بالمباركات .. تحرك ايهاب ومريم مباشرة الى المطار للسفر كانت لحظة وداع ثقيلة رغم الكلمات التى قيلت بخفة ..فى المطار وقف الجميع يودعون مريم احضان وابتسامات مجروحة وامنيات بالسعادة .. أما هي فكانت تحاول أن تتماسك لكن حين التقت عيناها بعيني زين لم تعد قادرة على إخفاء شئ .. نظرت اليه مطولًا والدموع تنساب بصمت على وجنتيها .. اما زين فوقف عاجزًا وعيناه تملؤهما الدموع يحبس انفاسه بصعوبة ..بدا وكأن قلبه يتمزق أمامه وكل لحظة تمر كانت تمزق داخله أكثر .. لم يتحدثا ولكن نظراتهما كان وداع من نوع أخر .. استدارت مريم ومشت نحو بوابه السفر وهى تمسك يد ايهاب ...
عادوا الجميع الى المنزل وكانت سناء تبكي بحرارة لفراق مريم .. دخل زين غرفته وشعر بالاختناق وقرر ان يخرج من المنزل .. اثناء مغادرته غرفته كانت سناء وسوسن جالستان فى الصالة تحاول سوسن تهدأ سناء :
_ اهدي يا سناء يعني هي فين ماهي مع جوزها .
_ بس بعيد عني يا سوسن.. اةل مرة مريم تبعد عني كدا مش عارفه هدخل البيت ازاى وهي مش موجوده .
_ دا بدل ما تدعيلها ربنا يسعدها ويرزقها بالذرية الصالحة .
نظرت اليها سناء معاتبة :
_ لو مكنتيش رضعتيها كان ممكن تفضل موجوده معانا
_ ازاى يعني ؟
_ زين .. كنا جوزنا مريم لزين والاتنين فضلوا قصاد عيونا فى حضننا
_ لو كنت اعرف انك كنتى عاوزة كدا كنت قولتلك من وقتها .
_ قولتي ايه ؟
- مريم مرضعتش منى غير مرة واحدة بس ورضعة غير كاملة كمان ..
_ نعم ازاى وانا كنت بسيبهالك ارجع القيها نايمة شبعانة
_ كنت بشربها حاجات دافيه لانها رفضتني ومردتش اقولك عشان متخافيش وانها طبيعية .
فى تلك اللحظة سمعهم زين وكانت صدمة مدوية .. اقترب اليهم وبصدمة قال :
_ يعنى انا ومريم مش اخوات ؟
اجابت سوسن:
_ ايوه ..مش اخوات فى الرضاعة لكن اتربيتوا مع بعض زي الاخوات ..