رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثامن عشر 18 بقلم دودو محمد


 رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثامن عشر 

اقترب منها ببطء، وكانت نظراته تجوب بشهوة على جسدها، وكأنها شغف محرم يجذب اهتمامه. كان ذلك التوتر في الهواء مشحونًا بالعواطف السلبية التي حققت مزيجًا مرعبًا من الخوف والرغبة. تحدث بأنفاس لاهثة تملأ المكان بحالة من الرعب، قائلاً: 
"هو أيه اللي أوعى تلمسني دي؟ أنا متجوزك علشان نلعب استغماية، دي الليلة ليلتك يا عروسة." 
أنهى كلامه وكأن القدر قد حُكم عليه، وكأن الكلمات التي خرجت من شفتيه كانت بمثابة تعويذة ساحرة تأسرها بمصيرها المظلم. اقترب منها أكثر، وأسقطها على السرير بقوة، ليبدأ فصلًا مظلمًا من حياتها، حيث تحولت عتبة الخوف إلى واحة من الكوابيس المتراكمة.
لكن القدر كان له رأي آخر، حيث دفع الباب عليهم ودخل هذا الشاب ذو الجسم العريض بكل قوة، والشرار يتطاير من عينيه، كأنه عاصفة هوجاء جاءت لتقلب الأوضاع. عندما رأته ترنيم، ركضت خلفه بجسد مرتعش، وتكلمت بنبرة متقطعة: 
"غ غريب، ا ابوس ايدك ا انقذني منه."
كانت الكلمات تخرج منها كصراخ مستغيث، مفعمة بالألم والذعر من كابوسها.
نظر إليها ابن عمها بغضب، واستقام بجسده، لكن عواطفه كانت متضاربة؛ فالغضب يعبر عن حمايته والقلق يتسرب إلى قلبه. تحدث بصوت مملوء بالغضب:
"انت مين وازاي تدخل عليا أنا ومراتي اوضة النوم؟" 
اقترب منه، أمسكه، وبدأ يلكمه بشراسة، وكأن كل ضربة كانت تعبر عن الانتقام والرفض لكل ما يحدث. ثم تحدث بنبرة قوية، قائلاً: 
"مش لما يكون جوازكم ده حقيقي يا روح أمك." 
حاول رد لكماته، لكن غريب كان الأقوى والأسرع، كالعاصفة التي لا تقاوم. واصل ضرباته بقوة، حتى صرخ بألم شديد: "طلقها." 
صرخ بغضب: 
"انتي طالق بالتلاته يا ترنيم طالق." 
ظل يلكمه حتى فقد الوعي، والصوت الذي كان يتردد في غرفتها تحول إلى ضجيج خافت. أمسك يدها ونظر لها بأشتياق، وقال بقلق: 
"إنتي كويسه؟ عمل فيكي حاجه؟" 
كان صوته، رغم كل شيء، يحمل مظلة من الحماية والأمان، وكأن العالم قد عاد للحياة من جديد.
حركت رأسها بالرفض، وردت عليه بشفتين مرتعشتين: 
"ل لا، ملحقش. أنت جيت في الوقت المناسب، خ خدني من هنا ارجوك." 
كانت كلماتها تمثل الأمل الذي تشتاق إليه، حبل إنقاذ في بحر من الظلام.
نظر إلى جسده الملقى على السرير بغضب، وتحرك إلى الخارج، وكأنه يرفض الاعتراف بمصيره المظلم. نظر إلى عمها وزوجته وتكلم بتحذير: 
"لو في يوم فكرتوا تقربوا منها، همحيكم من على وش الأرض." 
أنهى كلامه، ثم نظر إلى رجاله الذين كانوا موجهين أسلحتهم إلى الزوجين، حتى ينسحبوا، عازمًا على حماية ترنيم مهما كلفه الأمر، غير عابئ بالعواقب. كانت المواجهة قد بدأت لتوها، ولعبة المصائر تتطلب شجاعة في مواجهة الغموض.
خرج وهو ممسك بيد ترنيم المرتعشة، وفتح لها الباب برفق، كما لو كان يتعامل مع زهرية منكسره، وصعدت على المقعد بحذر، عينيها محملتان بالقلق. ثم تحرك نحو الباب الآخر وجلس أمام المقود، وكل عضلة في جسده تعكس توتره. نظر لها بشغف لا يوصف، وكأن تلك اللحظة هي كل شيء بالنسبة له. ودون سابق إنذار، احتضنها بقوة، وكأنما أراد أن يضم كل المشاعر التي كانت محبوسة لأشهر. حاولت الابتعاد، ترفض هذا الغضب القاهر، لكنه كان ممسكاً بها بإصرار، وتحدث بصوت هامس كأنه يحمل كلمات تفيض بالمشاعر: 
"أنا اديتك فرصة الاختيار وانتي استهتارتي بيها، دلوقتي أنا اللي هاخد القرار يا ترنيم. أنا هتجوزك."
ظلت تدفعه بقوة، وبين كل دفعة وأخرى، كانت كلماتها تخرج كرصاص من بندقية تُطلق، وتحمل صراخ وألم: 
"كفايه بقى! حرام عليكم كلكم. شايفني سلعة بتبيعوا وتشتروا فيها بعد ما كنت ملكة، وأنا تحت حماية سلطان. أنا بكرهكم، بكرهكم." 
كانت عواطفها تتأرجح بين الانهيار والثورة، وأصبح الصراع داخلها ينضح في صرخاتها التي تتردد في أروقة المكان.
ابتعد عنها بعد أن استشعر عمق حزنها ونظرة الألم التي تعكس له الصورة المرعبة لواقعها. نظر لها بحنان، وكأنما يراها للمرة الأولى، بعيدا عن كل الأعباء والضغوط الملقاة على كاهلها. تكلم بنبرة هادئة، تحمل بين طياتها وعياً عميقاً: 
"بس أنا مش بيبع يا ترنيم، أنا بشتريكي وبالغالي كمان. مش علشان جسمك زي ما كان ابن عمك عايز منك، أنا عايز أتجوزك علشانك انتي. أنا جربت أعيش بعيد عنك مقدرتش، أنا معرفش انتي عملتي فيا أيه من ساعة ما شفتك، لكن كل اللي أعرفه إن أنا مش هفرط فيكي يا ترنيم." 
كانت كلماته تخرج وكأنها تتدفق من قلب ممزق، عازماً على استعادة ما يمكن استعادته، غير مدرك أنه أمام تحدٍ أكبر من الحب ذاته.
نظرت له بدموع متلألئة في عينيها، وكأن كل شعور محبوس داخل صدرها انفجر فجأة. تكلمت بصوت مختنق، يملؤه الألم:
"أنا عايزه أطمن على سلطان." 
نظراتها كانت تحمل خوفاً عميقاً، وكأنها تخشى أن تفقده للأبد.
لكم المقود بغضب، وعيناه تتقدان بالنار. تكلم بصوت جهوري مفعم بالسلطة: 
"أنا بقولك ايه وانتي بتقولي أيه." 
صرخت به بغضب، صوتها ملأ الغرفة كالعاصفة: 
"علشان أنا قلتلك قبل كده اللي في قلبي سلطان وبس! حتى لو ملناش نصيب مع بعض، مافيش غيره اللي هيعيش فيه."
كانت حروفها تتسرب من بين شفتيها مثل قطرات المطر، تعبر عن حيرتها وضياعها في بحر من المشاعر.
ارتسمت ابتسامة شامته على شفتيه، مفعمة بنوع من الكبر، وتكلم بهدوء ملاحظ:
"التحقيق شغال لسه معاه، بس المحامي بتاعه أكد أن الأدلة كلها ضده، والتهمه ثبتت عليه أنه متورط فعلاً، وأن البضاعة اللي مسكوها عنده بتاعته، ودي فيها مؤبد." كانت كلماته تكتسح كل الأمل في قلبها كأمواج البحر العالية، مما جعل الدموع تتجمع في عينيها أكثر.
حركت رأسها بالرفض، والدموع تتسابق على خديها، مبللة وجنتيها بحزن عميق. قالت بحسرة: 
"مستحيل، سلطان عمره ما يعمل كده. وانت عارف أنه مظلوم، واللي بيعمل الشغل ده رجب مش هو. أرجوك، ساعده يخرج منها." 
كانت كلماتها تنزف صدقاً، مثل جراح قديمة لا تلتئم.
أدار السيارة وتكلم بنبرة جادة، محاولاً أن يكون صوت العقل: 
"في إيدك القرار، وافقي نتجوز، وأنا من بكره أخرجه منها." 
كانت نبراته تحمل وعدًا، لكنه كان يعرف أنه عرض صعب للغاية.
ثم ضغط بقوة على المداس، وتحرك بالسيارة بسرعة جنونية، وكأن عقله كان يسرع بعيدًا عن الحقيقة، يحاول الهروب من شعور الفشل والخوف الذي يعتريه.
             ************************
جلس سلطان داخل الزنزانة، تائهًا بأفكاره، حيث كان عقله يعمل كالمرجل، بينما قلبه يحترق قلقاً على ترنيم، التي لا يعلم أين هي. اشتاق إليها حد الجنون، وجافه النوم من كثرة القلق. بجواره، جلس أحد الرجال وتحدث باستغراب:  
"أجمد يا سيد المعلمين! السجن للرجالة، من يوم ما جيت هنا وانت على طول سرحان وساكت، حتى الأكل رافضه."  
تحدث سلطان وهو ما زال يحدق أمامه بحزن عميق قائلاً:  
"ياريت كانت دي المشكلة. الواحد مكانش شال هم، إنما اللي بيحصل بره وأنا هنا متكتف، هي دي المشكلة. أنا كنت جبل سند الكل، ولما دخلت هنا، كله انهار. واللي كنت مجمعهم تحت جناحي اتفرقوا، ومش عارف ليهم طريق."  
نظر الرجل له باستغراب، متسائلاً:  
"حد هرب يعني ومش عارفين توصلوا ليه؟"  
شعر سلطان بتطفل هذا الرجل على حياته، فنظر له بضيق وتحدث بنبرة غاضبة:
"تعرف تخليك في حالك وتتوكل على الله."  
رد عليه الرجل بنبرة حادة:  
"انت شايف نفسك على أيه يا عم؟ احنا كلنا في مركب واحدة وبنتسلى مع بعض بالكلام علشان الوقت يعدي."  
أغلق سلطان عينيه حتى يهدأ، وحاول أن يسترجع ذكرياته مع ترنيم، كيف كانت تبتسم له بلطف وكيف كانت تحضنه في الأوقات الصعبة. وقال بهدوء حذر:  
"ممكن تمشي وتسيبني في حالي؟ أنا لا عايز أتسلى ولا عايز زفت."  
نهض الرجل وتركه بمفرده. تنهد سلطان بغضب، وحدق أمامه مرة أخرى، يفكر في ترنيم، في صوتها الدافئ، في ابتسامتها، وكيف كان يُشعره وجودها بالأمان. كان قلبه ينزف دماً من شدة قلقه عليها، وكأن جدران السجن تضيق من حوله أكثر وأكثر. في تلك اللحظة، أيقن أن السجن لم يكن فقط مكاناً للحرمان الجسدي بل كان أسيراً لروحه أيضاً، يغزوها الخوف والقلق على من أحب.
        **************************
وصلت ترنيم مع غريب إلى الفيلا الخاصة به، حيث توقفت أمام الباب وهي تنظر إليه بضيق، متمتمة بكلمات غير واضحة تعبر عن مشاعر متضاربة. اقترب منها ووضع يده على ظهرها ليحس حركتها نحو الداخل، لكنها انتفضت في مكانها وابتعدت عن يده، متجهة إلى الداخل وكأنها تخشى أن تضع نفسها في موقف آخر قد يؤذيها. تفاجأت بوجود والدتها، فركضت إليها كأنها وجدت ملاذها الآمن، وأرتمت في أحضانها، وبدأت تبكي بقهر وألم، تعالت شهقاتها وتوالت ندبها وكأن الدنيا قد أظلمت في أعينها. بصعوبة، تحدثت قائلة: 
"وحشتيني أوي يا ماما، خطفوني تاني منك، عذبوني وجوزوني ابن ابنهم. أنا كنت بموت معاهم بالبطئ، أنا بكرههم أوي."
شعرت وكأن كلماتها تنبع من أعماق جراحها، وكأنها تعكس كل المعاناة التي مرت بها.
تكلمت وفاء من بين دموعها وهي تتمسك بها بقوة، محاولتها أن تمنحها الراحة: 
"منهم لله، حسبي الله ونعم الوكيل فيهم. دول مش بني آدمين. حتى أبوكي الله يرحمه كان بيكره أفعالهم دي. المهم، طمنيني عليكي يا نور عيوني. هل لمسك منهم؟" 
عينيها كانت مليئة بالقلق، وكانت تعرف أن الأسئلة التي تطرحها ليست سهلة على ابنتها. كان صراخ ابنتها يؤلم قلبها، وتعهدت بأنها ستبذل كل ما بوسعها لحمايتها.
حركت ترنيم رأسها بالرفض واجابة بدموع:
"لا، بس لو مكانش غريب وصل ليا دلوقتي، كانت نهايتي هتكون على أيد الحيوان ابنهم." 
كانت كلماتها تنطوي على شعور بالضعف،  شعرت بشيء من الروع تجاه ما تعرضت له، لكنها في نفس الوقت كانت ممتنة لأنه كان هناك من ينقذها.
تنهدت وفاء بارتياح وقالت: 
"بركة يا بنتي إن غريب وصل ليكي في الوقت المناسب. هو أصلاً ابن حلال ويستاهل كل خير." 
كانت وفاء تعرف أن غريب هو القوة التي تحتاجها ترنيم في هذا الوقت العصي، وكان قلبها مطمئناً له كأحد المخلصين.
رفعت ترنيم رأسها للأعلى ونظرت له بضيق، ثم التفتت إلى والدتها وسألت بتساول: 
"إنتي جيتي هنا ازاي يا ماما ومتعرفيش حاجة عن خالتوا صباح وسميه؟" 
كانت تشعر بحاجة ملحة لمعرفة مصير عائلتها ومتى ستلتقي بهم مرة أخرى، لكنها كانت تخشى الإجابة في نفس الوقت.
ابتسمت وفاء لها، موضحة: 
"بعد ما انتي خرجتي من عندي بشوية، جات رجالة غريب وأخدوني، وجابوني هنا وكملت علاجي عنده. ومن وقتها وهو حاططني فوق راسه. كل ما يشوفني أعيط من الخوف والقلق عليكي، يخرج يدور في كل حتة. أما خالتك وسميه ومرات سلطان، سابوا الحارة ومش عارفة راحوا فين، بس غريب وعدني إنه هيدور عليهم." 
نظرت وفاء إلى ترنيم بحب، حيث كانت تدرك مقدار الشجاعة التي تحتاجها ابنتها لمواجهة الأمواج العاتية.
نظرت ترنيم إلى غريب بشكر وامتنان ثم استقامت بجسدها وقالت: 
"جهزي نفسك يا ماما، كفاية على غريب لحد كده، مش عايزين نتقل عليه." 
تكلم غريب بسرعة: 
"مافيش خروج من هنا أصلاً، رجب وأخوكي تامر اختفوا، ومنعرفش مكانهم فين. بعد ما أخوكي ساعده وهربوا من المكان اللي كنت حطه فيه. وكده هيكون فيه خطر على حياتكم." 
كانت نبرته حادة، كأنه يحاول تجنب أي إرباك جديد في حياة ترنيم وأمها.
حركت ترنيم رأسها بغضب وقالت: 
"ازاي يعني هرب، وأخويا تامر هيقدر يهروبه من تحت الجيش بتاعك ده؟"
إحساسها بالتحكم كان مستفزاً، وكأن الرباط القائم بينهم أصبح مصدر تحدٍ، لا أمان.
ابتسم غريب ابتسامة صغيرة وقال:
"متستقليش بأخوكي تامر، لأنه مش ضعيف ولا طيب زي ما انتي مفكرة، ده شيطان أكتر من أبوه." 
كانت هذه الكلمات كافية لوضع ترنيم في حالة من الشك والحيرة.
زفرت ترنيم بضيق وعقدت ذراعيها على صدرها وظلت صامتة. استمر غريب في متابعتها، ثم تكلم بنبرة هادئة: 
"الأوضة بتاعتك جاهزة فوق، وفيها كل المستلزمات اللي ممكن تحتاجيها." 
كانت كل كلمة من كلماته تحمل معنى الراحة والحماية، ولكنها كانت تحارب للتأكيد على رغبتها في الاستقلال.
نظرت إليه بضيق ثم التفتت إلى والدتها وقالت: 
"ماما، أنا هطلع أجهز علشان عندي مشوار مهم عايزة أروحه." 
كأنها تسعى لتحديد مصيرها بنفسها، بعيداً عن تأثيرات العالم من حولها.
تكلم غريب سريعاً: 
"اطلعي أجهزي، وأنا مستنيكي." 
كانت لهجته تتضمن شيئاً من الأمان لكنه كان يتمسك بالحذر كذلك.
حركت ترنيم رأسها بالرفض قائلة: 
"مش عايزاك تيجي معايا." 
كان هذا قراراً حازماً، شعرها بالاستقلال يتسلل ببطء إلى ذاتها.
أومأ برأسه بالموافقة وتحدث بنبرة هادئة:
"تمام، هتلاقي اتنين من رجالتي مستنيينك، هيخدوكي في العربية لمكان ما انتي عايزه، وهيبقوا معاكي في كل حتة." 
حرصه الشديد جعلها تشعر بثقل الاغتراب والحنين.
زفرت ترنيم بضيق وتحركت بغضب تجاه الدرج، صعدت إلى الأعلى ووقفت في منتصف الرواق، تتطلع حولها بتيه. لكنها انتفضت عندما سمعت صوته يهمس بجوار أذنيها: 
"الأوضة اللي جنب أوضي قصادك أهي." وكأنه يلمح لها إلى عالم جديد ينتظرها.
أشار غريب بأصابعه إليها. تحركت بسرعة دون أن تنظر إليه، ودلفت الغرفة ودفعت الباب خلفها. اتسعت عيناها بصدمة عندما رأت تصميم الغرفة المدهش، كما لو كان عالماً خاصاً بها. تحركت باتجاه السرير وجلست عليه، وحركت يدها ببطء عليه، فقد كان مريحاً للغاية. نظرت إلى ألوان الحائط المحببة لقلبها، ثم نهضت ببطء وتوجهت نحو خزانة الملابس. فتحتها، وكانت مليئة ملابس عصرية بكميات كبيرة، وكأنها كانت مخصصة لها. حركت يدها عليها باستغراب، كيف عرف ذوقها في كل شيء. أخذت طقماً لها وتحركت نحو المرحاض. عندما فتحت الباب، ملأت نظرات الدهشة والإعجاب عينيها، فكل شيء كان جذاباً، يشبه أحلامها.
تحركت ببطء نحو الداخل، فكان كل شيء مصنوعاً بدقة وبأشكال عصرية كما تحب تماماً. شعرت بأن هذا المكان يمثل انطلاقتها الجديدة. حركت رأسها بالرفض وبدأت تنزع ملابسها، ووقفت أسفل المياه، بحركة تنبع من رغبتها في غسل كل الآلام التي مرت بها. ظلت تفكر في سلطان ولحظة لقائه، اشتاقت له بشدة، وأرادت أن تلقي بنفسها في أحضانه حتى تستمد قوتها منه، شعرت بأن ذكرياته تمثل لها الأمان وسط كل الفوضى.
أنهت حمامها وخرجت، ارتدت ملابسها ومشطت شعرها. أخذت زجاجة العطر واكتشفت رائحتها العطرة، وكان من نفس النوع الذي تعشقه، فتحت الزجاجة واستنشقت رائحتها بعناية، كأنها تبحث عن لمسة من العالم الذي تعرفه. كادت أن تجن من معرفة غريب بكل شيء تحبه وتفضله، وكأنه يقرأ أفكارها.
وضعت العطر وخرجت من الغرفة، فوجدت غريب يقف أمام الباب. نظرت إليه بضيق وعقدت ذراعيها على صدرها قائلة: 
"أفندم واقف كده ليه؟" 
برغم كل شيء، لم تستطع منع نفسها من الشعور بالفضول تجاهه.
تكلم بنبرة هادئة قائلاً: 
"عجبتك الأوضة؟" 
كانت لهجته تحمل شيئاً من الرغبة في التواصل، وكأنه يحاول كسر الحواجز بينهما.
نظرت إلى الاتجاه الآخر وقالت: 
"مش بطالة، اهو مكان مؤقت لحد ما اشوف مكان تاني نعيش أنا وماما فيه."
كانت تحاول أن تُظهر قوتها، رغم شعورها بالضياع.
ابتسم غريب على كلماتها ونظر إلى جسدها بإعجاب، وقال: 
"الطقم هياكل منك حتة ومظبوط عليكي." ثم اقترب منها أكثر، وأضاف: 
"والبرفان المفضل عندك ريحته تجنن، حتى تسريحة شعرك لايقة عليكي، وكأنك لوحة مرسومة على أيدي أعظم فنان." 
كان مدحاً وكان ينطوي على شعور بالاحترام لكن ترنيم لم تكن جاهزة لتقبل ذلك بعد.
تراجعت ترنيم إلى الخلف وتحدثت بضيق:
"لو سمحت ألزم حدودك معايا ووسع كده، عايزة أمشي." 
كانت هذه كلماتها محاولة لتأكيد تواجدها الإرادي.
نظر لها نظرة مطولة ثم قال بتحذير:
"هبعت معاكي اتنين من رجالتي. اياكي يا ترنيم تعملي حركة مجنونة وتتحركي من غيرهم، فاهمة؟" 
كانت هذه كلمات تدل على جديته، ورغبة في حفظ الأمن، لكنها كانت تشعر بأنها سجينة رغم كل الاحتياطات.
نظرت في الاتجاه الآخر ولم تجب عليه. تكلم بصوت حازم قائلاً: 
"ردي على يا ترنيم. مفهوم؟" 
كانت تأمل بالتحرر ولكنه كان يضمن سلامتها بشدة.
اكتفت بومضات رأسها فقط وتحركت سريعاً من أمامه. هبطت من على الدرج وتابعها غريب، حيث جلس على المقعد وظل يتابعها حتى خرجت من الباب وتابعتها رجاله. كان مشهداً يثير الشكوك والخوف في قلبها، لكنها كانت تريد التقدم رغم كل شيء.
نظرت وفاء له وتكلمت بنبرة هادئة: 
"اصبر عليها يا ابني شوية. ترنيم بنتي طول عمرها مدلعة، وكان سلطان هو كل عالمها، ومش بسهولة هتتعود على غيره." 
أومأ غريب برأسه بتفهم قائلاً: 
"متقلقيش، أنا صابر عليها ومطول بالي، ومقدر إنها متعلقة بي، ومش بسهولة هتوافق تتجوزني." 
كان يحمل في كلماته أحلامه وأمانيه حول المستقبل، لكنه كان في ذات الوقت مستعدًا للتحديات.
ابتسمت له وفاء وتحدثت بنبرة حنونة: "ربنا يحببها فيك ويسعدكم يا ابني. إنت راجل بجد، ولما حبيتها دخلت البيت من بابه وطلبتها مني، ما لفتش ولا دورت زي شباب اليومين دول." 
شعرت وفاء بارتياح كبير نحو غريب، وكأنها رأت فيه الأمل الذي تحتاجه ابنتها لتجاوز محنها.
حدق غريب أمامه بصمت، يفكر في مقابلتها التي ذهبت إليها ترنيم الآن ولقاءها به. كانت الأسئلة تتراقص في ذهنه، لكنها كانت تتطلب الإجابات في الوقت المناسب.
          *************************
جلست سميه بجوار والدتها، حيث وضعت رأسها على كتفها، وما لبثت أن تنهدت بحزن عميق، كأنما كانت تحاول استجماع قواها قبل أن تتساءل بصوت مرتعش: 
“تفتكري يا ماما ترنيم وخالتوا وفاء راحوا فين؟ حسام سأل عليهم في كل حتة، وملهمش أثر.” 
كانت عيناها تلمعان بالدموع، وتعبر عن القلق العميق الذي يكتنف قلبها، حيث أعادت إلى ذهنها صور لياليهم الماضية وكيف كانت تجمعهم لمشاوير عائلية، وضحكات لم تُنسَ، وأصوات الحب والترابط التي كانت تملأ المكان.
تحدثت صباح بقلب منكسر وبصوت مملوء بالحزن، قائلة: 
“والله يا بنتي، مبقتش عارفه حاجه من ساعة ما اخوكي دخل السجن. كل حاجه راحت، حتى خالتك وبنت خالتك، واحنا خرجنا من حتتنا، واخدوا مننا بيتنا اللي فيه كل ذكرياتنا.” 
نظرت إلى السقف وكأنها تبحث عن إجابة في الفراغ، وأضافت: 
“ربنا يهونها علينا الفترة دي، ويخرج اخوكي بالسلامة، ويطمن قلبنا على وفاء وترنيم.”
وفي تلك اللحظة، جاءت الطفلة تركض نحو جدتها، وجلست على قدميها، وقد أضاءت عينيها ببراءة الطفولة. قالت بنبرة طفولية:
“أنا بابي وحشني أوي يا تيته، وكمان ابلة ترنيم، هما هيرجعوا من السفر امتى؟”
وبدت ملامح وجهها كأنها تبحث عن تفسير لغيابهم، كأنما تتحدى الواقع المحزن بأسئلتها البريئة.
لمست صباح شعر حفيدتها بحنو، وتحدثت بنبرة حزينة: 
“قريب يا قلب تيته، بابا وترنيم هيرجعوا تاني بإذن الله قريب أوي.” 
تكلمت فريدة بطريقة هجومية، قائلة: 
“ما انتي متعودة يا حبيبتي على غياب بابي عننا، مش حاجة جديدة عليكي.” 
كانت كلماتها تدفع بسهم من الألم في قلب سميه، وكأنها تضرب في جرح نازف، فيما كانت فريدة تعبر عن نوع من التعالي، تظن أنها تبرر مشاعرها بالتباعد.
نظرت لها سميه، وبتعبير وجه ملؤه الضيق، قالت: 
“هو أنتي مينفعش تقولي كلمه حلوة شبه الناس؟ خلاص عرفنا، أن سلطان، كان مقصر في حقكم، ده انتي مش بتفوتي لحظه إلا لما ترمي كلمه لينا، تعرفينا إنه كان ظلمك، كأنك شمتانة فيه وفي اللي حصله.”
نظرت فريدة إلى الاتجاه الآخر، وقالت بغضب: 
“أنا موجهتش كلام ليكي يا سميه، لمي الدور أحسنلك.” 
ردت سميه بغضب: 
“ولو متلمتش هتعملي ايه يا فريدة؟” 
كان الغضب يتصاعد في صوتها، ممزوجًا بإحباط عميق، وكأنها تسجل رفضها وحاجتها إلى الاعتراف بمشاعرها، أو ربما محاولة لاستعادة جزء من السيطرة على الأمور التي فقدتهم جميعًا. وقفت فريدة بالقرب منها وأجابت بحدة، عينيها تتألقان بغيظ: 
“تحبي تشوفي هعمل فيكي ايه؟” 
كان صوتها يشبه صدى الغضب المحتدم، والنفَس الذي يخرج من بين شفتيها يعكس ما يدور في صدرها من مشاعر متناقضة. بدت وكأنها تحاول السيطرة على نفسها، لكنها لم تستطع إخفاء مشاعرها المتأججة. كانت لحظة توتر كفيلة بأن تفجر كل المتراكم من الخلافات بينهما.
وقفت سميه أمامها، محتجة بغضب، واستخدمت نبرة استفزازية: 
“وريني يا فريدة، شكلك نسيتي اللي كانت ترنيم بتعمله معاكي، ولا بصت أخويا ليكي اللي كانت بتخليكي هتموتي من الخوف.”
في تلك اللحظة، ملأ صوتها المكان بنبرة تحدٍ شديد، مثل جرح مفتوح يتخبط في دوائر من الألم والتوتر. كان الشجار بينهما وكأنه عرض للأفكار المعلبة، حيث تمتزج ذكريات الماضي بالأحاسيس الحالية، مما يرفع حرارة النقاش لأقصى الحدود.
أمسكت فريدة بشعر سميه بقوة، قائلة، وهي تتأرجح بين الغضب والرغبة في فرض السيطرة: 
“أنا بقى هوريكي فريدة هتعمل ايه.” 
كان وجهها يعبر عن استياء واحتقان، كأنها تحاول استرجاع قوتها المفقودة. والألم الذي شعرت به من خلال تمسكها بشعر سميه كان مشوباً بالمنافسة والغضب، وكأن حركات يديها تعكس صراعاً أعمق بكثير من مجرد مشادة كلامية بين اثنتين.
في تلك اللحظة، وصل حسام وركض نحوهم، وأبعد فريدة عن سميه بسرعة، قائلاً: 
“انتوا بتعملوا ايه؟ مش عاملين اعتبار لست الكبيرة اللي قاعدة دي، ولا للبنت اللي على رجليها وخايفة؟” 
تكلمت سميه بغضب: 
“أنا مكلمتهاش، هي اللي بدأت يا حسام.” كانت كلماتها ملئى بالنزاع، محاولة وضع اللوم على فريدة، وكأنها تسعى لتبرئة ذمتها من واقع قاسي. تبين لكلماتها مدى استياءها من الوضع وتعكر صفو الأيام الماضية، كما لو أن كل ما حدث هو تقلب غير عادل لمواقف كانوا يعيشونها معًا.
ردت فريدة بغضب: 
“أنا يا كدابه يا صفرا، أنا كنت بتكلم مع بنتي وانتي اللي اتدخلتي في الكلام.” 
من الواضح أن كلماتها كانت دموع ضحية تُعبر عن مدى انخفاض مستوى احترامها، وأظهرت كيف أن الشجن الشخصي يمكن أن يتغذى من نار الخلافات المستمرة، مما يخلق دائرة لا تنتهي من الصراع.
صرخت صباح بغضب: 
“بس كفاية منك ليها، مش عايزة اسمع نفس حد فيكم.” 
كانت هذه العبارة بمثابة صفعة على وجه القتال الشرس، حيث فرضت هيمنتها على الموقف بعد أن شعرت بأن النسق العائلي يختل. كلماتها كانت تحمل نبرة أم مدافعة، تسعى للحفاظ على توازن العائلة وسط هذه الفوضى العاطفية.
تحركت فريدة وأخذت ابنتها بغضب، وصعدت إلى غرفتها. نظرت سميه إلى أثرها، قائلة بغضب: 
“بني آدمه باردة ومستفزة، أنا معرفش أخويا اتجوزها على أيه.” 
كان تعبيرها يحمل عبء الألم والشك، والخيبة التي ولدت جروحًا في العلاقات، وكأنها تستنكر تغير الأمور من حولها مثلما ينزع الكائن الحي من جذوره ويتركه دون مأوى.
ردت صباح بغضب: 
“خلاص يا سمية، مش عايزة اسمع كلمه تانية، دي مرات أخوكي وسايبها أمانة معانا، هي وبنته لحد ما يخرج بالسلامة.” 
كان صوتها قوياً، حاسماً، وكأنها تخبر الجميع بأنها لن تسمح لأحد بأن يزعزع استقرار البيت مهما كان.
نظرت لها سميه بضيق، ثم تحركت إلى الحديقة المرفقة بالفيلا، تبحث عن مكان للاحتواء بعيداً عن ضغوط المنزل. استأذن حسام من صباح، واتجه خلفها. وجدها تجلس على المقعد بضيق، تحدق أمامها، فاقترب منها وجلس على المقعد المقابل. سألها، وهو يحاول أن يتفهم ما يدور في خلجاتها: 
“ممكن أفهم انتي أيه مضايقك؟” 
انهمرت دموعها بغزارة، وتحدثت بين شهقاتها: 
“اتخنقت يا حسام. نفسي حياتنا ترجع زي ما كانت قبل ما البومة دي تدخلها. حياتنا كانت جميلة وبسيطة، كلها ضحك وهزار وجو عائلي هادي. الساعات اللي كنا نقضيها مع بعض في الحارة، ونتشارك فيها اللحظات الحلوة، وكأن الدنيا كانت بحالها معنا. من يوم ما الزفتة دي ظهرت، كل حاجه اتغيرت. ترنيم اتغيرت، وكانت على طول حزينة. وبعدها حبس سلطان، وبعدها اختفاء خالتوا وفاء وترنيم، وبعدها خروجنا من الحارة، حياتنا اتغيرت مية وتمانين درجة. حاسه نفسي ضايعه، عايزة سلطان يخرج، وفوفة وترنيم يرجعوا، وأرجع للحارة، مش عايزة أعيش في المكان ده.”
تنهد حسام بحزن، وأمسك يدها للمرة الأولى، متحدثاً بنبرة هادئة تبث الطمأنينة بقلبها: 
“أنا حاسس بيكي ومقدر وجعك وحزنك، وأنا معاكي في كل كلمة بتقوليها. بس متنسيش أن وجودنا في الحياة مجرد اختبارات. كل ما نعدى اختبار، ندخل في الأصعب منه. وكل مرة بنحس الدنيا وقفت على اللحظة دي، بس بعد كده نكتشف أن الحياة مش بتوقف على حاجة. عجلة دايرة بتلف كل يوم، واللي بيبقى فيها فارغ لا عمرها هتستكفى ولا هتتملى.”
نظرت له بحزن، وتحدثت بتساؤل: 
“بس أكيد هيكون فيها أيام حلوة جاية، صح يا حسام؟”
ابتسم لها بحب ورد قائلاً: 
“صح يا قلب حسام.”
احمرت وجنتاها بالخجل، وابتعدت يدها بتوتر، وقالت: 
“هو انت جاي ليه؟”
حرك رأسه قليلاً، وتحدث بابتسامة: 
“هو فيه حد يقول لحد انت جاي ليه؟”
تنحنحت بتوتر، وعينيها تتجولان في المكان قبل أن تستقر على وجهه، ثم قالت:
“م مش قصدي، بس مستغربه انك جِيت دلوقتي.” 
استقام بجسده، وملامحه تبدو أكثر جدية، وقال بتوضيح: 
“أنا جِيت أخد قايمة المشتريات اللي محتاجينها علشان بكرة إن شاء الله بعد الشغل، أجيبها ليكم.” 
كان يشعر بعبء المسؤولية على كاهله. 
أومأت برأسها بتفهم، لكنها لم تستطع أن تخفي شعوراً من القلق يعصف بداخلها. قالت بلطف: 
“ماشي، هدخل أجيبها ليك من جوة.” 
تحركت سريعاً إلى الداخل، وتابعها حسام بنظرة من الود والحنان، آخذاً منها القائمة مغادراً المنزل.
         **************************
وقفت ترنيم تنتظر مجئ سلطان، ويدق قلبها بعنف وكأنه سيسمع صدى توترها، وكأن كل نبضة فيه تحمل معها عبء الفراق والخوف. أغلقت عينيها للحظات، متمنية أن تمنح نفسها بعض السلام الداخلي في خضم العواصف التي تتلاطم داخل صدرها. لكنها سرعان ما أدركت أنه لا يمكنها السيطرة على تأرجح أنفاسها المتلاحقة، التي ارتفعت بشدة عند سماع صوت سلطان ينطق حروف اسمها بألفة وحنان. فتحت عينيها فجأة، وعينيها تلمعان بشوق وألم، وكأنهما تبحثان عن إجابات في عمق عينيه. اقتربت منه ببطء كما لو كانت تخشى أن يتلاشى بين يديها، كالعطر الذي يتلاشى لتدخله ذكرى عابرة. ظلت تحدق به، والدموع تتسابق على خديها، بينما صدرها يهتز بحركة غير منتظمة، مترددًا بين الفرح والخوف، بين الأمل والماضي المظلم.
أخيرًا، اتخذ سلطان خطوة جريئة واحتضنها بقوة، شامتًا رائحتها التي لا يزال يحملها بذكرياته المتراكمة. كانت تلك اللحظة تجسيدًا لكل ما فقدوه، عناق يذيب المسافات الطويلة، حنين متقاطع ينقلهم إلى زمن من الأمان والسكينة. لقد اشتاق إليها كثيرًا، وقبل عنقها بعدة قبلات، كمن يحاول أن يستعيد كل اللحظات الدقيقة التي حرموها منها، ثم أبعدها ببطء، مقبلاً خدها بهدوء، بينما همس بصوتٍ يكاد يُسمع، حاملاً كل مشاعره المكبوتة:
"وحشتيني أوي يا بنت قلبي. كل ده كنتي فين؟ أنا كنت هتجنن عليكي."
نظرت له بدموع تتلألأ في عينيها، وكل نقطة دمعة تحمل حكايات وآهات غير محكية، وبدأت تروي له ما حدث وهي ترتعش، شفتيها ترتجفان، وجسدها ينتفض من الخوف الذي استمر في التقاط أنفاسها. لكنها لم تخبره بما قاله غريب مطلقاً، ولا عن وجودها عنده، كأن الكلمات تتعثر في لسانها وتخاف أن تخذلها مرة أخرى. ثم ارتمت في أحضانه، محدثةً بصوتٍ مثقل بالشهقات، تحمل معه كل مشاعر القلق والضعف:
"الدنيا وحشة أوي من غيرك يا سلطان. أنا اتبهدلت أوي من غيرك. عشت عمري كلة تحت رعايتك؛ دلعتني وحميتني من الدنيا  كلها. عشت متعززة، وفجأة كل ده اتسحب مني، والدنيا أدتني ضهرها. اتبهدلت وأتعذبت، وكأن الدنيا بتأكد ليا أنك أنت المأمن والأمان الوحيد ليا." 
حرك سلطان يده بلطف على ظهرها، وكأن يده تريد أن تمسح عن قلبها كل الأحزان التي تراكمت فيه، وتحدث بنبرة حزينة، تحمل في طياتها كل الصراع الداخلي الذي يعتمل في صدره: 
"حقك على قلبي يا بنت قلبي. وجودي هنا مش بإيديا؛ أنا طول عمري ماشي سليم، ببعد عن أي حاجة مشبوهة، علشان كنت خايف من لحظة زي دي؛ لحظة أبعد عنكم وتتعذبوا من غيري. بس وغلاوتك عندي، ما هرحم حد فيهم. مجرد ما هطلع من هنا، هدفعهم التمن غالي، وهندمهم على اللحظة اللي فكروا فيها يتعرضوا لأي حاجه تخص المعلم سلطان."
ابتعدت عن حضنه، ممسكةً بيديه المرتجفتين، ونظرت له بعينيها اللامعتين، حيث كان الدمع يزداد في خاطرهما، قائلةً:
"سلطان، عايزاك تعرف أني بحبك وعمري ما حبيت غيرك. ولا عمري هحب غيرك، قلبي باختصار حافظ حروفك، وحافر اسمك عليه، لكن أوقات الدنيا بترغمك تعمل حاجة بعيد عن إرادتك، قرار يكون فيه مصلحة للكل. على حساب قلبين، مش عايزاك تزعل مني أو تكرهني مهما حصل. وتفضل سلطان اللي رباني وكبرني، وبيوقف في ضهري حتى لو غلطانة."
نظر لها بقلق جديد، متسائلًا: 
"قصدك إيه بالكلام ده يا ترنيم؟ أنا حفظك وفاهم طريقتك لما تكوني ناوية تعملي مصيبة. انطقي، يا ترنيم، ناوية على إيه؟" 
قبلت يده بحب، والدموع تتسابق بغزارة على وجنتيها، محدثةً بأسف عميق يمزق قلبها: 
"أنا آسفه يا سلطان. آسفة، والله، لازم أعمل كده علشان خاطركم. آسفة." 
أنهت كلامها، وارتمت داخل أحضانه، ممسكةً به بقوة، كما لو كان هو آخر ما يربطها بالعالم، لكن سلطان أبعدها عن حضنه، ممسكًا بذراعها وصارخًا بغضب مكتوم: 
"انطقي! اتكلمي! قولي ناوية تعملي إيه!" 
تألمت بشدة من مسكته لذراعها، حيث تسرب الألم من جسدها إلى قلبها، وقالت بدموع تنزف على خديها: 
"آه يا سلطان، انت بتوجعني، دراعي يا سلطان." 
ضغط مرة أخرى على ذراعها، متحدثًا بصراخ حاملًا في صوته كل مشاعره المختلطة: 
"لو اللي في دماغي صح مش هرحمك، يا ترنيم. انتي بتاعتي أنا، مش هسمحلك تبقي لغيري." 
صرخت بألم، محدثةً بدموع تتساقط على وجنتيها: 
"سلطان، آه، دراعي هيتكسر. صدقني، أنا بحبك انت، وعمري ما هحب غيرك طول حياتي، بس لازم أعمل كده علشان تخرج من هنا وترجع لمراتك وبنتك."
ترك سلطان ذراعها، لكنه لم يستطع السيطرة على نفسه، وضغط بقبضة يده على عنقها بخفة، قائلًا بصوت صارم:
"عايزة تتجوزي غيري، يا ترنيم؟ هتقدري تنامي في حضن راجل غيري؟ ده أنا أموتك قبل ما تعملي كده. انتي بتاعتي، وكل حتة فيكي ليا أنا فاااهمة."
بدأت تظهر عليها علامات الاختناق، وتحدثت بصعوبة وكأن كل كلمة تحتاج لجهدٍ كبير: 
"سلطان، هموت. سيبني يا سلطان.”
ابتعد عنها قليلاً، وعينيه قد احمرت من شدة الغضب والانفعال، وتحدث من بين أسنانه بنبرة تحذيرية تجمدت فيها الكلمات:
"قسماً بالله العلي العظيم، لو فكرتي تعملي اللي أنتي عايزه تعمليه ده، لكون قتله وقتلك، حتى لو ههرب من هنا، وبعد كده ارجع لسجن عادي، وأبقى وقتها مجرم حقيقي و بسببك." 
جلست على المقعد، تلتقط أنفاسها ببطء وبصعوبة، متحدثةً بدموع: 
"افهمني يا سلطان. القضية اللي انت فيها دي عقوبتها مؤبد. يعني هتعيش عمرك كله هنا بعيد عني وعن بنتك ومراتك وعن كل اللي بيحبك. لازم أخد الخطوة دي لأنه هو الوحيد اللي هيقدر يخرجك من المكان ده. مصلحتك دلوقتي أهم من أي حاجة، صدقني، والله، مافيش طريقة تخرج بيها من هنا غير أن أتجوز غريب." 
لكم الحائط بقبضة يده، متحدثًا بصراخ جهوري، يملؤه الإحباط: 
"مش هتتجوزي يا ترنيم. مستحيل ده يحصل. لو آخر يوم في عمري، أنتي تخصيني أنا، بتاعتي أنا، وكل حتة فيكي مكتوبة باسمي." 
نهضت من مقعدها، واقتربت منه، وكوبت وجهه بين يديها الصغيرتين، متحدثة من بين دموعها بصوت متهدج: 
"أنا بتاعتك، وهفضل بتاعتك، يا سلطان. بس هتجوزه لحد ما يخرجك من هنا، ونخلص من كل التعابين اللي حوالينا. وبعد كده تطلقني منه." 
حرك رأسه بالرفض، ودمعة هربت من عينه، قائلاً بصوت مختنق: 
"مش هتحمل فكرة أنك تبقي على اسم رجل تاني غيري. مش هقدر، يا ترنيم. بلاش تعملي كده لو بتحبيني. أنا هخرج من هنا بأي طريقة، وهحميكي من غريب ومن الدنيا بحالها." 
كان صوته مليئًا بالخوف، وكأنما كان يتحدث عن كابوس يطارده. أحس بوجود ترنيم كنبض قلبه، وبدونها، كانت الحياة بلا معنى. تذكر كيف جمعتهما الأحلام والذكريات الجميلة، وكيف كانت ترنيم تزرع الأمل في نفسه حتى عندما كانت الأبواب مغلقة أمامه. 
أزالت الدمعه بأصابعها برفق، كأنها كانت تحاول أن تمسح الحزن عن وجهه، ووقفت على أطراف أصابع قدميها، ثم اقتربت من شفتيه وقبلته بقوة. أحاطها بذراعيه، ضامًا إياها أكثر، مقبلًا إياها بشغف وكأنهما يحاولان أن يلتصقا ببعضهما لإنقاذ ما تبقى من أحلامهما. لم يشعر بحاله إلا عندما شعر بملوحة دموعها على شفتيه، تلك اللذة المرة التي زادت من إحساسه بالعجز. ابتعد عنها، بأنفاس لاهثة، نظر إليها بحب ورجاء، قائلاً:
"بلاش تعملي اللي في دماغك، يا ترنيم. خليكي واثقة فيا. أنا هخرج من هنا، وهصحح الأوضاع كلها، وحياتنا هترجع أحسن من الأول." 
توقفت الكلمات في حلقه، وكأنما تجسدت آماله في كل حرف، يدعو الله أن تكون لهما فرصة جديدة. 
ابتعدت عنه، ونظرت له بحب وأسف، وكأنما كانت تجرجر بقايا قلبها في تلك اللحظة، وخرجت تركض مغادرة المكان، تاركة خلفها صوت تحطيم القلب. حرك سلطان رأسه بالرفض، رافضًا ما تنوي فعله ترنيم، وأصبح كالثور الهائج حتى قيدته العساكر وأعادوه مرة أخرى إلى الحبس. تصرخ داخله الذكريات ولا تفارقه، وكأنما كان في سجنين، أحدهما في المكان والآخر في مشاعره. تمنى لو يستطيع أن يشق العتمة وينقذها، لكن كل ما يراه هو الحواجز التي تفصل بينهما، وأمل ضعيف يتشبث بقلبه كخيط رفيع ينقطع في أي لحظة.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1