رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الواحد و التسعون 191 بقلم اسماء حميدة

 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الواحد و التسعون

كان جسده هناك لكن روحه كانت تبحث عنها في كل زاوية، في كل ظلّ، في كل احتمال.

كم من الوقت ستغيب

هذه المرة؟

وإلى أين ذهبت؟

لكن السؤال الأكبر..

*هل ستعود؟*


احمرّت عينا ظافر حتى غدتا كأرضٍ جفّتها الشمس وبكّت السماء عليها كان يفتش عن سيرين كمن يبحث عن جزءٍ ضائع من روحه يدفع الأبواب بعنفٍ ويشعل الأنوار وكأن الضوء وحده قادرٌ على أن يدلّه عليها.


جال من غرفةٍ إلى أخرى كل ركن لا يحتويها كان ينهش من صدره قطعة.


وحالما فقد الأمل في إيجادها كان على وشك إصدار أمرٍ عاجل بإرسال رجاله إلى المطار…


*هل غادرت؟*


السؤال كان يلتهمه من الداخل وكلما دار في رأسه ازداد وجعه لكن حين وصل إلى الفناء الخلفي توقف قلبه عن الركض فهناك تحت ضوء القمر الخافت كانت سيرين جالسةٌ على كرسي خشبيّ تبدو ككائنٍ ضبابيّ خرج من حلمٍ نُسي قبل أن يُكتمل.


زفر بإحباط


وها قد هدأ قلبه تدريجيًا كجنديٍ عاد من الجبهة ووجد حبيبته بانتظاره.

فعلى ما يبدو لم تستطع النوم فخرجت تطلب شيئًا من الهواء النقي تُطفئ به نيرانًا لا اسم لها تعجبت إذ ظنّت للحظة أنه لن يعود تلك الليلة لكنّ عينيه كانتا تحكيان روايةً أخرى، رواية الخوف والاحتياج والجنون.


نظرت إليه فركض نحوها كما لو كانت خلاصه


أما سيرين ظل جسدها متيبسًا لم يعتد حرارة الحنين منه بعد…


الضوء الشاحب أخفى احمرار عينيه ولم يُظهر كم تكسّرت روحه بحثًا عنها.


همس بصوتٍ مبحوح يشبه أول حرف من البكاء:


"لماذا لستِ في غرفة النوم في هذا الوقت؟"


رفعت عينيها إليه وقد بدا سؤاله لها كسخرية مُبطنة فأجابت بنبرةٍ


تحمل شيئًا من العتاب:

"ولماذا عليَّ أن أكون هناك أصلًا؟"


تجمّد ظافر كأن الكلمات صفعت شيئًا بداخله فلم يعرف بمَ يرد… لم يعرف لماذا شعر بكل هذا الخوف حين لم يجدها... وقبل أن ينبس بحرف سألته سيرين:


"هل دينا بخير؟"


أغمض عينيه للحظة ثم قال بنبرة واقعية لا تحمل مشاعر:


"طُعنت بسكين في رقبتها… ما تزال في المستشفى تتلقى العلاج."


صمتٌ ثقيل تبع كلماته وسيرين تنظر بعيدًا تسترجع جبروت دينا التي كانت مستعدة أن تجرح عنقها لتصنع وهماً يُقنع الآخرين... فهمست وهي تكاد لا تصدّق جرأتها:


"هل قبضوا على من فعلها؟"


تغيرت ملامح ظافر وقد تجمدت مقلتاه كبحرٍ متجلّد ومن ثم قال ببطء كأن كلماته تخرج


من فمِ رجلٍ لا يزال في حالة صدمة:

"لا... لكنّ الحقيقه انكشفت الحراس الذين وُجدوا هناك لم يكونوا من معجبيها… بل كانوا رجال كارم."


رفّت جفون سيرين وهي لا تزال في أحضانه ثم رفعت رأسها إليه ببطءٍ يحمل بدايات الريبة ومن ثم قالت بصوتٍ متوجّس:


"ماذا تعني بذلك؟"


لاحظ ظافر التحوّل الذي طرأ على وجهها… العيون اتسعت، والهدوء انسحب فابتلع ريقه كأن ما سيقوله يحتاج إلى شجاعة لم تُخلق بعد.


"هل… هل قلتِ شيئًا لكارم؟"


كان يعلم أنها لم تكن لتؤذي أحدًا... لم يشكّ في قلبها لكنّ كارم… كارم على استعداد أن يفعل أي شيء من أجلها حتى لو اشتعل العالم من حوله وظافر يعي ذلك تماماً.


تراجع شيءٌ في ملامح


سيرين وغصّةٌ عالقة في حلقها بدأت تجرح أنفاسها... 

اغرورقت عيناها بدموعٍ صامتة ثم قالت بانكسار:


"أتظنّ أنني أمرت كارم بأن يؤذي دينا؟"


سؤالها لم يكن اتهامًا بل كان عتابًا موجعًا كأن قلبها سقط على الأرض وانكسر فبعد كل تلك السنوات التي تسللت من بين أصابعها كما يتسرب الرمل من يدٍ مبللة كانت سيرين قد فقدت الأمل في ظافر فتسائلت لم يؤلمها ظنه السيء بها؟


اللعنة!! فرغم ما سكنها من رماد ما زالت تحترق من الداخل فحين شعرت باتهامه أحست وكأن خنجرًا غُرس في قلبها دون صوت.


أخذت دموعها تنساب ببطء لكنها لم تكن دموعًا عادية... كانت كالإبر، كل قطرة منها تنغرس في صدر ظافر تُذكّره بأنه جرحها دون أن يدرك مدى عمق الجرح.


قال بصوتٍ خافت كمن يحاول تبرير خيانته لطفلٍ يؤمن بالملائكة:


"دينا... أنقذت أمي من قبل لذا لا أريد لها أن تموت... إن كانت لديكِ مشكلة معها أخبريني بها مباشرةً... لا أن ترسلي رجلًا آخر ليحلّ عنكِ ما لا تجرئين على فعله."


كلماته لم تهدأ من تندي الصورة التي وضعها بها بل كانت الحجارة التي تُلقى في بئر بلا قاع.


نظرت إليه سيرين بعينين خاليتين من الحياة ثم ضغطت كلا راحتيها على


صدره تحاول أن تقصيه بعيدًا عنها كأنها تدفع كل ثقله خارج قلبها وقالت بجمودٍ مشوب بالخذلان:

"وما الذي يجعلك تظن أنني منزعجة منها أصلاً؟ لماذا قد أطلب من كارم أن يؤذيها؟ هل لديك دليل؟ أم أن الظن أصبح عندك يقينًا؟"


صمت ظافر كمن وجد نفسه فجأةً أمام مرآة لا تعكس ملامحه بل تعكس ندوبًا كان يظن أنه يخفيها.


تابعت سيرين وكلماتها تنزف من بين شفتيها كقطرات دم:


"أنت... كنت السبب الأول في كل ما حدث بيني وبين دينا... في كل تلك العداوة التي نبتت بيننا كالأشواك كنت أنت البذرة."


ثم صمتت لحظة وأتبعتها بابتسامةٍ باهتة كأنها تسخر من ضعفها أو من ذاكرة لا تنسى:


"لقد مرّت خمس سنوات ظافر... خمس سنوات كاملة."


توقفت فجأة كأن في صدرها شيء يحاول أن يخرج... شيء ثقيل له شكل السؤال لكنه خرج كاعتراف مهزوم:


"ما الذي يجعلك تظن أنني لا أزال...؟"


تلعثمت ثم قالت وقد اختنق صوتها بالوجع:


"هل تظن أنني أحبك بما يكفي لأؤذي شخصًا آخر من أجلك؟"


هبت ريحٌ باردة في سكون الليل، كأنها رسالة من السماء تقول: *انتهى الدفء هنا.*

لكن ظافر الغارق في داخله لم يشعر بها


لم تهزّه الريح بل هزّه صوتها أكثر.

اقترب منها بخطواتٍ بطيئة كأن الأرض تحت قدميه تسأله: *أتدري إلى أين تمضي؟*... ومن ثم قال بصوتٍ أقرب للهمس:


"ماذا قلتِ للتو؟"


نظرت إليه نظرة امتزجت فيها كل المشاعر:


الحب القديم، الحزن الساكن، والخذلان المتجدد، ثم قالت:


"أنا حمقاء... أجل، أعترف بذلك. لكنني لست حمقاء بما يكفي لأُدمّر حياة شخص طوال شهرٍ كامل كما تفعل معي... ولا أن أقتل إنسانة لأجل رجلٍ لم يعُد يهمّني."


شعر ظافر أن الهواء اختنق برئتيه كأن السماء بأكملها هبطت على صدره... في داخله عاصفة لا تُرى بل أخذت تقتلع أعصابه من جذورها وتُحرّك يديه قبل أن يعي ما يفعل... وبخطوةٍ غاضبة حاصر سيرين في الزاوية كمن يسجن قلبه داخل قفص صدرها ثم رفع قبضته وضرب الحائط بجوارها.. الضربة كانت عنيفة كأنها صفعت الصمت نفسه فاهتز الجدار وارتعدت سيرين التي لم تستطع أن تخفي ارتعاشتها.


خافت... ليس من ظافر وحده بل من ذلك الوجه الذي لم تره فيه من قبل، من تلك النظرة التي لم تكن فيه يومًا...

نظرة رجلٍ جُرحت كرامته بقسوة الحب.


أما هو فلم يكن يعرف ما الذي


أصابه...

كل شيءٍ فيه كان مضطربًا... وداخله يزأر بسؤال واحد متوهج:

*"هل كانت تكذب طوال هذه السنوات؟"*


مال إليها  ببطء… حركته كانت ثقيلة وكأن كل ملي يقرّبه من هاوية لا خلاص منها وحين لم يتبقَ بينهما سوى شهقة قال بصوتٍ أجش يشبه جرحًا لم يُشفَ:


"هل تقولين… إنكِ لم تعودي تحبّينني؟"


كان صوته كسيفٍ بُتِر نصلُه في منتصف الضربة… لا غضب فيه، بل وجع رجلٍ لم يجد نفسه في عيني امرأته.


أما سيرين التي شعرت برجفة تلتهم أطرافها أدركت أنها تجاوزت الحد فهي 

في لحظة انفعال قالت ما لم تُرِد قوله... رمت إليه بقنبلة الكلمات دون أن تفكر بعواقب الانفجار والآن إن أساءت الرد قد يلتقط خيطًا لا يجب أن يراه وقد تسقط خطتها من بين يديها كما يسقط الزجاج حين تفلت اليد المرتجفة.


شدّت سيرين على قبضتها كأنها تخنق قلبها بداخلها ثم تمالكت ملامحها وردّت بصوتٍ تكلّف الهدوء وهو يقطر جفاءً كاذبًا:


"لا أعرف… لا أعرف كيف يُفترض بي أن أحبّ رجلًا لم يحبّني أصلًا."


قالتها وهي تطعن نفسها قبل أن تطعنه... 

قالتها وهي تعلم تمامًا أن ما بين الضلوع لم


يمت بل اختبأ فقط ليحتمي لكن بعض الكلمات حين تُقال تُحوّل ما كان يحتضر إلى رماد.

 الفصل المائة والثانى والتسعون من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1