رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الخامس و التسعون 195 بقلم اسماء حميدة

 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الخامس و التسعون

وقبل أن تصل إلى أي استنتاج... رن هاتفها.
الاسم على الشاشة وحده كان كفيلا بأن يعيدها إلى الأرض.
طارق.
ظهر اسمه كخنجر بارد في شاشة مضيئة... ضغطت كوثر زر الرد على مضض وفي
عينيها ظلال من الحذر وفي صدرها ارتجاف لم تعترف به.

تسللت خيوط الشمس الذهبية إلى الغرفة وانسكبت على وجه سيرين كلمسة دافئة من السماء تُداعب جفونها برفقٍ لتوقظها من سباتها.

فتحت عينيها ببطء وقد بدا وجهها متعبًا كأنها كانت تحلم بعوالم لا تعرف الرحمة ومن ثم رفعت رأسها قليلًا لتجد وجه ظافر يجاورها على الوسادة مغمض العينين لكن ملامحه تتنفس الحياة.

وقبل أن تتحرك أو تنبس بكلمة أحاط خصرها بذراعيه فجأة وسحبها إلى صدره كما لو كان يخشى أن تتبخر كحلم فجر.

همس بصوت أجشّ لا يزال متثاقلًا بالنعاس:

"صباح الخير."

ثم طبع قبلة هادئة على جبهتها... قبلة لم تحمل دفء المحبين بل شيء غامض بين التملك والاعتذار.

تسارعت أنفاس سيرين فهي لم تكن تتوقع هذا القرب ولا تلك الألفة التي اختارت أن تتجاهلها بالأمس لذا حاولت

أن تتراجع، أن تفلت من ذراعيه لكن خطواتها نحو البعد لم تجد طريقها.
شهقت سيرين وقاومته بكفيها المرتجفتين تدفع صدره بضعفٍ ولكن شيئًا ما في داخلها تردد… وتباطأ.
لم تكن تعرف أهو قلبها أم الخۏف… أم أنه مزيج من الحنين والخذلان.

وتمامًا حين بلغ التوتر ذروته صدح الهاتف في الغرفة قاطعًا المشهد كما يُقطع الحلم قبل أن يكتمل.

زمّ ظافر شفتيه بضيق وقال بلهجة مُحبطة:

"أتساءل عمّا يحدث الآن."

مدّ يده نحو الهاتف على الطاولة الجانبية فإذا بالشاشة تضيء ولكن على هاتفها لا خاصته وكان النداء باسم "كوثر".

حدّق ظافر بالهاتف للحظة ثم الټفت إلى سيرين وسلّمها إياه ببرود، يقول بعبوس:

"إنها صديقتك."

لم تُجب... فقط أخذت الهاتف بيدٍ مرتجفة ونهضت من السرير ببطء كما لو كانت تهرب

من سجن غير مرئي أو من ظلّ مشاعر تلاحقها منذ ليالٍ طويلة.
كان صمتها أبلغ من أي كلمات… وكانت تلك الخطوة الصغيرة نحو الابتعاد كأنها هرب من نداء قلبٍ لا تزال تحاول إنكاره.

سارت سيرين بخطى متثاقلة نحو الشرفة كما لو أن الجدران تُطبق على أنفاسها وما إن استقرّت هناك حتى وضعت الهاتف على أذنها وهمست بصوت ناعم يشوبه الحذر:

"كيف حالكِ يا كوثر؟"

جاءها صوت كوثر من الجهة الأخرى صريحًا كعادته خاليًا من الزخارف فهي لم تكن تعلم أن سيرين تقف في اللحظة ذاتها في ذات الغرفة التي يجالسها فيها ظافر لتوّه لذا راحت تُحدّثها عن كل ما جرى خلال لقائها الغريب مع طارق ثم همست بدهشة:

"ألا تظنين أن طارق يعاني من اضطراب ما؟ تصرفاته لم تكن طبيعية على الإطلاق..."

تجمدت الكلمات على

لسان سيرين لوهلة وهي تشعر بشيء غير مريح يتسلل إلى صدرها.
تمهلت سيرين ثم سألتها بصوت خاڤت وكأنها تمشي على خيط من حرير:

"كوثر... هل يُعقل أنه كان يقصد زاك؟"

كان الاسم كشرارة أصابت قلب كوثر فشهقت:

"زاك؟!"

أجابتها كوثر وهي تطرق جبينها براحة يدها متذكرة وقالت بصوت مرتجف:

"بالمناسبة... نسيت أن أُخبرك، عندما ذهبت لاصطحاب زكريا من الروضة منذ فترة رأيت طارق يحاول الإمساك به... لقد اقترب منه بطريقة مريبة لكن لحسن الحظ وصلتُ في الوقت المناسب ولا أعرف لِمَ كان ينظر إليه بطريقة مرعبة؟!"

غمر الخۏف صوت كوثر فجأة، بينما طاف الماضي على سطح قلب سيرين التي اتسعت عيناها في ذهول تحدّق في الفراغ أمامها كأنها ترى طارق يمدّ يده نحو زكريا.

هل يُعقل أن الأمر كله بدأ في

تلك الوليمة؟
أيعقل أن الحقد القديم دفعه إلى تتبع طفل لا ذنب له؟



أي وحش يسكن قلب هذا الرجل؟

"كوثر... هل تظنين أن زاك يخفي شيئًا عنا؟"

سؤال سيرين لم يكن اعتباطيًا... فهي تعرف زكريا ابنها جيدًا، تعرف متى يتهرب، ومتى يتظاهر، ومتى يختلق القصص ليخفي خلفها ألمًا أو خوفًا... تمهلت سيرين ومن ثم استكملت:

"زاك لا ېكذب إلا إذا كان خائفًا... خائفًا حد الارتجاف."

ردّت كوثر بارتباك كأنها تُجادل المنطق ذاته:

"لكن ماذا يمكن أن يخفي طفل في الرابعة من عمره؟"

ثم أضافت كوثر بسرعة بنبرة حادة فيها شيء من التحدي:

"لا تقلقي سيرين لن آخذ فلسًا واحدًا من طارق... فليذهب إلى الچحيم!"

ابتسمت سيرين ابتسامة صغيرة لا تحمل فرحًا بل امتنانًا مرّ الطعم.

"بالطبع..." ثم صمتت سيرين لبرهة قبل أن تسألها:

"وماذا عن والدكِ؟"

زفرت كوثر بتعب وقالت:

"سأحاول تأجيل الأمر... لا أظن أنه سيصل إلى حد اختطافي ليسلّمني إلى عائلة طارق،

أليس كذلك؟"
لكنها نفسها لم تكن واثقة من ذلك ثم أضافت متعجبة:

"لا أفهم لماذا يُحبني جدّ طارق بهذا الشكل... أنا لم أره قط..."

قاطعتها سيرين بصوت منخفض وكأنها تُنبّهها:

"بل رأيتِه... من قبل في الوليمة."

كانت نبرة سيرين واثقة كأنها تقول إن الماضي لا ېموت بل يختبئ في الزوايا إلى أن يحين موعد ظهوره من جديد.

في الحقيقة لم يكن والد كوثر مثل سارة والدة سيرين... فسيرين تدرك أنه رغم كل شيء لا يزال في قلبه بقية من حنان تجاه ابنته ومع ذلك لم يكن الأمر بسيطًا حين يتعلّق بجَدّ طارق... الرجل الذي يُدير القلوب كما يُدير المال والذي يرى في التحالفات زواجًا وفي النساء أوراقًا على طاولة السياسة العائلية.

وفيما كانت كوثر تسرد تلك التفاصيل كانت سيرين تحدّق في ظافر خلسة من بعيد حيث كان ممددًا على الفراش يتأملها بعينين نصف مغمضتين كأن وجودها ذاته يثير فيه

خليطًا من الراحة والارتباك.
كان يشاهدها بصمت… لكنها كانت تشعر بثقله تشعر بنظراته تلامس جلدها كما تلامس النسائم صفحة الماء... ولا شيء فيها ساكن.

حين طال حديث سيرين على الهاتف بدا صوتها ممتزجًا بالقلق والحرص وكأن الكلمات تخرج من بين شفتيها مختبئة تخشى أن تُسمع.

أما هو فجلس يراقبها بصمت، يحدّق في ملامحها المتوترة، وفي الطريقة التي تشد بها على الهاتف كما لو كانت تخشى أن يُسحب من يدها.

وما إن أنهت المكالمة على عجل حتى وجدته واقفًا أمامها، يرتدي رداء نومه الأسود بلونه الداكن كنيّاته يفتح أزرار مأزره الأولى مفصحاً عن عضلات صدره المنحوتة بدقة، وعيناه تلمعان ببريق لا يُخطئه العاشق... بريق الغيرة حين تمتزج بالريبة.

قال ظافر بنبرة ناعمة لكنها تحمل وراءها سيلًا من التساؤلات:

"عما كنتِ تتحدثين؟ طال الحديث بينكما... لكنكما أنهيتماه فجأة حين ظهرتُ.

"
ومع الكلمة الأخيرة مدّ يده نحو هاتفها كمن يطالب بحقه الطبيعي في الحقيقة.
لكن سيرين أخفته وراء ظهرها بخفة من يعرف أن لمسة واحدة قد تفتح أبواب چحيم لا تريد دخوله ومن ثم نظرت إليه بعينين تلمعان بنبرة التحدي الممزوجة بالخۏف وقالت:

"لكلٍّ منّا أسراره، أليس كذلك؟"

كان تصرفًا بسيطًا لكنها أدركت جيدًا أنه كافٍ لإشعال فضوله... ذلك النوع من الفضول الذي لا يشبع حتى يفتك باليقين.

لوهلة رأى انعكاس قلبه المرتبك في نظراتها واستشعر ارتباكها المختبئ خلف قناع اللامبالاة.

اقترب خطوة ثم تساءلت نظراته قبل لسانه:

"ما الذي تخفينه عني سيرين؟"

لكنها بحرفية عاشقة أنهكتها الخيبات رمقته بنظرة لاذعة وقالت:

"أخبرتها فقط... كيف تركتني الليلة الماضية، وذهبتَ إلى دينا."

ثم تنهدت بهدوء وكأنها تهديه سهمًا مغلفًا بوردة.

"ها قد عرفتَ. سعيد الآن؟"

لم يكن في لهجتها

لوم، ولا حتى عتاب، بل كانت كمن يُخبر قاتله بمكان القلب ويبتسم له في امتنان.
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1