رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة السابع و التسعون 197 بقلم اسماء حميدة

 

 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة السابع  و التسعون


ساد المنزل سكون يشبه صمت المقابر هدوء لا يبعث الطمأنينة بل يوقظ في القلب رعشة قلق مبهم.

وفجأة انبثق في ذهن ظافر إدراكٌ غريبٌ كأن صوتًا داخليًا يهمس له بالحقيقة المُرّة:

إنه لا يعرف عن سيرين سوى فتاتًا مبعثرًا... أنها تحب الزهور، أنها تشتاق إلى بيتها القديم، وأنها حلمت ذات يوم بالسفر إلى "تينكو" ما عدا ذلك، كان قلبها بالنسبة له غابة مغلقة الأبواب لم يتجول فيها يومًا ولم يسعَ حتى ليكتشف تضاريسها.

لاحظت سيرين ارتباكه وقد تلوّن وجهه بلون الخيبة الصامتة فقررت أن تنهي المشهد بعبارة عابرة وإن حملت في طياتها سهامًا مسمومة:

- "ألم نتفق على ألا نستمر كزوجين؟"

شعر بغصّة جافة تسدّ حنجرته لكن كبرياءه أجبره على الرد فتمتم بنبرة خافتة متهدجة:

- "كنت أنا الوحيد الذي..."

ثم توقف كأن الحروف عاندته وأضاف بنبرة حادة مفاجئة:

- "ومن قرّر ذلك؟!"

كانت جملتها البسيطة بمثابة مرآة عكست أمامه ما لا يريد أن يراه... فقد اتخذ قرارات تخصّ الاثنين بمفرده رأى دينا دون أن يستشيرها، تجاهلها لأعوام ثم تَوقّع أن تعود إليه كما كانت.

عضّت سيرين على شفتها تحاول ألا تُظهر كم آلَمها هذا الحوار فبدا وجهها شاحبًا وعيناها كأنهما تفكران في عالم آخر.

- "على أية حال لم يعد أمامنا الكثير..." قالتها بهدوء قاتل ومن ثم أضافت:

"آمل أن تفي بوعدك قبل ذلك... سأذهب لإعداد الطعام."

وغادرت إلى المطبخ دون أن تنتظر ردًا تاركة خلفها

ذنوبه تتراكم في أروقة قلبه.
شعر ظافر بخليط من الانكسار والغضب فاندفع خلفها مسرعًا كمن يريد إصلاح ما كُسر:

- "دعيني أعده أنا."

التفتت إليه مذهولة غير مصدقة ما تسمعه وعندما استعادت وعيها كان قد دخل المطبخ بالفعل يرتدي بدلته الداكنة يقف وسط أدوات لا تشبه عالمه فبدا كممثل في مشهد لا يجيد تأديته.

راقبته بصمت وهي تفكر بأنه سيتعب سريعًا... وأنه وكعادته لن يحتمل وظنّت أن هذه ستكون فرصتها للهروب لاحقًا عندما تعود الحياة إلى رتابتها السابقة.

لا تنكر أنه رجلًا يدير إمبراطورية أعمال باحتراف لكن أمام وعاء البيض ودقيق الشوفان، بدا مرتبكًا كطفل يُجرّب أول وصفة في حياته فقد استغرق الأمر أكثر من ساعة ليُحضّر فطورًا بالكاد يصلح للأكل.

جلس ظافر أخيرًا أمامها وقال بخفةٍ مصطنعة وقد ارتسمت على شفاهه ابتسمت خجولة أكثر منها مرحة يرمقها بعدسات مكبرة كصغير ينتظر إطراء أمه ولكن جاء حديثه الملتمس في صورة ساخرة:

- "وإن لم يكن جيدًا... فدائمًا يمكننا طلب الطعام من الخارج."

حدّقت في صحنها... بيض محترق، وشوفان باهت، وبعض بقايا المأكولات البحرية التي بالكاد تصلح لكنها تذكرت فجأة كيف تباهت دينا ذات مرة عبر مواقع التواصل، بمهارة ظافر في الطهو... كذبة أخرى تضاف إلى سيل الكذب الذي أغرقها.

رفعت حاجبها بشك وسألت:

- "ألست طاهٍ بارع كما يُشاع؟"

تجمّد في مكانه لوهلة ثم بنوع من الكِبَر المكسور قطع البيضة المحروقة وناولها الجزء

الأقل سوءًا:
- "بالطبع... أحتاج فقط إلى بعض التدريب."

رأت في عينيه ارتباكًا صادقًا هو لم يكن يجيد الطهي فعلًا لكنّه كان يحاول... يحاول أن يتقن شيئًا، أن يقدّم شيئًا... ربما نفسه للمرة الأولى.

وقبل أن تلمس ملعقتها طبق الشوفان أوقفها:
- "لا تتناوليه. إنه بارد... وسخيف. سأطلب لنا شيئًا شهياً."

كان قد تذوقه وأدرك أنه وضع ملحًا بدلًا من السكر فغضب من نفسه وألقى بالطبق في سلة المهملات كأنما يطرد خطيئة جديدة ارتكبها في حقها.

خرج بعدها فورًا لطلب الطعام من أحد المطاعم وبينما كان يُمسك بهاتفه لم يكن نادمًا فقط على وصفة فاشلة... بل على سنواتٍ مضت لم يُجرب فيها أن يقترب من سيرين كما اقترب الآن من الموقد.

تقدّمت سيرين بخطى وئيدة نحو غرفة المعيشة وألقت بنظرها إلى الخارج عبر زجاج النافذة الكبير حيث وقف ظافر في الحديقة ساكنًا كجبل مغمور بالأسئلة... شيء ما في حركاته كان غريبًا أكثر من المعتاد كأنه يقاتل حربًا صامتة في داخله إذ أخذ يقطع المسافة بين الشجرة التي أمام المدخل والباب الداخلي للقصر ذهاباً وإياباً بخطى مترددة شارداً دون وعي.

ظلت تراقبه بصمت في حين قد ترنحت أوراق الشجر المتساقطة كرقصات وداع خريفية وانفلتت نسمة هواء باردة عبر النافذة كأنها تنقل بينهما سرًا صامتًا وما إن التفت ظافر حتى التقت عيناه بخاصتها... وتلاقت النظرات... وبمقلتيها تلك النظرة التي تقرأ أعماقك دون أن تنطق بكلمة.

ابتلع ريقه وكأن

شيئًا عالقًا بين صدره ولسانه ثم التفت ببطء نحو ماهر الذي كان قد أتى لتوه وهو الآن يقف بقربه، ومن ثم قال ظافر بنبرة هادئة لكنها تحمل ما يشبه الأمر العسكري:
- "بخصوص ما ذكرته لك سابقًا... يمكنك المباشرة في تنفيذه الآن."

اتسعت عينا ماهر بدهشة نادرة وكأن ما سمعه تَعدّى حدود المعقول:

- "سيد ظافر... هل تقصد أنك تنوي حقًا إعادة أصول عائلة تهامي إلى السيدة سيرين؟!"

أومأ ظافر برأسه دون تردد، يقول مؤكداً:

- "نعم."

وكأنما أصيب ماهر بصفعة داخلية فحاول أن يعيد ظافر إلى رشده:

- "لكن اسمح لي أن أُذكّرك... عندما استلمت إدارة أصولهم قبل سنوات كانت على حافة الإفلاس... والآن بعد أن تم دمجها مع الشركة تضاعفت قيمتها وأصبحت جوهرة لا تُقدّر بثمن!"

ظلّ ظافر ينظر أمامه وجهه لا يعكس أي انفعال ومن ثم قال بجمود:

- "افعل ما يُملى عليك."

تردد ماهر لوهلة ثم قال بنبرة حذرة مشوبة بالدهشة:

- "سيدي... إذا كنت قد وقعتَ في حب السيدة سيرين فهناك طرقٌ أخرى لإرضائها دون..."

لكن قبل أن يُكمل جملته قاطعه ظافر بحدّة تشبه صفعة لفظية:

- "ومن قال إنني أحبها؟"

ثم أضاف، بنبرة أكثر غموضًا وعمقًا:
- "أريد فقط أن أعرف ما الذي تريده؟ المال أم شيء آخر؟."

صمت مهزوم خيّم على المكان فماهر لم يكن غبيًا... إنه يعرف ظافر جيدًا... عناده، منطقه الملتوي، اختباره الدائم للأشخاص من حوله.

وبينما كان ظافر يُحدّق في الأشجار المتساقطة أدرك ماهر

أن هذه ليست مجرد صفقة عابرة بل معركة قلب تُدار بصمت لا يعلم أحد نتيجتها... سوى الله وربما سيرين.
 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1