رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الثامن و التسعون 198 بقلم اسماء حميدة

 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الثامن  و التسعون



لطالما اشتهر ظافر بعناده الذي يناهز صلابة الصخر لذلك لم يكن أمام ماهر سوى الانصياع لأوامره دون نقاش... لذا همّ مباشرةً وأصدر تعليماته إلى القسم القانوني للشروع في إعداد اتفاقية نقل الأصول غير أن صوت ماهر اهتز قليلًا حين قال بتردد:

— "بالمناسبة سيد ظافر… لم نتمكن من تتبّع المخترق حتى الآن... كان يستخدم عنوان IP وهميًّا…"

تجمّدت ملامح ظافر للحظة ثم قطّب جبينه وقال بصرامةٍ لا تقبل نقاشًا:

— "أرسل إليّ كل ما توصلتم إليه حالًا."

تمتم ماهر بتوجس:

— "أمرٌ مُباشر سيدي... سأنفذ"

وما إن تلقّى ظافر البيانات حتى دخل غرفة مكتبه بخطى ثقيلة كأنها تحمل ما لا يمكن قوله ثم جلس أمام حاسوبه الشخصي وانغمس في التحقيق كأنه يشقّ صدعًا في جدار من الغموض.

أخذت يداه تتحركان بسرعة متناهية على لوحة المفاتيح وفي لمح البصر

التقط ثغرةً أمنية مكشوفة في نظام الاتصال… وها هو ذا العنوان الحقيقي للمخترق يظهر:
**"Hexim Pass..."**
وفي مكانٍ بعيد وتحديدًا داخل حمّام الروضة كان زكريا جاثمًا خلف بابٍ مغلق ينقر مفاتيح جهازه المحمول بيدٍ ويمسح العرق المتصبّب من جبينه بالأخرى... كان توتره واضحًا وعيناه تتحركان كعصفور مذعور محاصر في قفص؛ فهو لم يكن يتوقع أن شبكة ظافر الأمنية تمتد بهذا الاتساع ولا أن رجاله بهذه البراعة.

تنفّس زكريا بقلق وهو يغمغم لنفسه:

— "لم أتوقع أن يكون لدى هذا الأب اللعېن رجالٌ بهذه الكفاءة... هذا المال ليس سهلاً بالتأكيد... كدتُ أُكتشف."

في هذه الأثناء أدرك زكريا أن فكرة تغيير عنوان الـIP لن تجدي نفعًا هذه المرة فاختار ببساطة الاتصال بشبكة مختلفة يحاول من خلالها الهروب كالظلّ خلف دخانٍ كثيف.

عودة إلى ظافر الذي أخذ

يحدّق في الشاشة وهو يتأمل الموقع الظاهر أمامه تمتم:
— "هيكسيم باس؟… لقد استسلم بسهولة شديدة."

شيء ما لم يطمئن قلبه فلو كان الأمر يتعلق بشركة منافسة لكان التسلل أكثر احترافية من ذلك إذ بدا كما لو أن النية لم تكن سړقة الأموال فقط… بل توصيل رسالة، أو تحذير.

نسخ ظافر الموقع وأرسله إلى ماهر مرفقًا بتعليمات مباشرة:

— "دقّق فيه جيدًا... أريد أن أجد هذا الشخص… مهما كلّف الأمر."

قالها ظافر بأمر لا يقبل الجدال فهو لم يكن من الرجال الذين يتركون خيطًا مبتورًا أو تهديدًا حرًّا يتسلل من بين الأصابع.

وحين أنهى توجيهاته خرج من المكتب وعاد إلى المائدة حيث وصلت وجبة الفطور... جلست سيرين بانتظار الطبق كما لو كان مجرد صباح عادي فهي لم تكن تعلم أن ظافر كان قاب قوسين أو أدنى من كشف المستور وأن زكريا ذلك الطفل الغامض قد عبر

لتوّه من على حدّ السکين.
في تلك اللحظة المعلّقة بين رجاءٍ وخوف كانت سيرين تنتظر إجابة الحياة... تنتظر بقلق أن تُثبت الأيام ما إن كانت تحمل بين أضلاعها حياةً جديدة تنبت في رحمها في حين كان قلبها معلّقًا بطفلٍ آخر لم يكن في حضنها: نوح.

همست بصوتٍ مخڼوق بالرغبة والحنين:

— "هل يمكنني رؤيته؟"

ثم أسرعت تُفسّر قبل أن تُقابل بالرفض:

— "في النهاية، ما زال صغيرًا... وأنا قلقة عليه، لا أحد بجانبه من عائلته، كما أنني لم أره منذ عيد ميلادي...".

لم تكن تسأل فحسب كانت تتوسّل بلغة مُغلّفة بالحياء بينما كانت تحاول إخفاء ارتعاشة صوتها.

في الجهة المقابلة كان ظافر قابضًا على الملعقة بيدٍ متيبّسة تُعلن داخله عن حربٍ بين صور متناقضة. كلمات شادية، حديثها عن الحفيد، وجه كارم، صدى صرخات لم تُسمع، وذكرى طفلٍ من صلبه لم يُولد

قط.
أغلق عينيه للحظة، ثم استعاد توازنه كأن شيئًا لم يكن.



قال ببرودٍ مدروس:

— "لا تقلقي... إنه بخير."

ثم أضاف، دون أن ينظر إليها:

— "يتم إرسال تقارير يومية من قصر الغابة... لو حدث له شيء كنت سأعلم فورًا."

رفضه جاء ناعمًا لكن قاسيًا كحافة سکين مغطاة بالحرير.

انطفأت نظرة سيرين واختنقت شهية الطعام في حلقها وهي تغمغم بنبرة خاڤتة تخفي الانكسار:

— "ألا تظن أنك تُبالغ؟"

فجأة ارتفعت نبرة ظافر وقد تمزّق صمته بصوتٍ حاد يشبه حدَّ السوط:

— "انظروا من تتحدث... يمكنني قول الشيء ذاته عنك... لقد قضيتِ سنوات مع رجلٍ آخر، وأنجبتِ طفلًا منه أثناء زواجكِ بي!

والآن تتهمينني بالمبالغة وقسۏة القلب"
كان رده قاسٍ ولكنه لو خُيّر في الماضي لأجهض وجود نوح من العالم قبل أن يُطلق أول صړخة.

لم تجد سيرين دفاعًا يُسعفها فكل ما كان لديها هو كڈبة متقنة، سجنٌ من الصمت، وقلبٌ مشطور لذا لم تجد إلا كرامتها لتُهدرها طوعًا فقالت بعينٍ تلمع من القهر:

— "أرجوك... فقط دعني أراه... إنني أفتقده كثيرًا… ألم تقل إن علينا أن نتعامل كزوج وزوجة؟"

لم يُجِب ظافر... فقط تطلّع إليها وفكر للحظة ثم أومأ برأسه موافقًا كمن يُسلم نفسه لمعركة لا يعرف إن كان فيها المنتصر أو المهزوم.

وفي

ذلك المساء قادهم الطريق إلى قصر الغابة... حيث الشمس تتهامس مع أوراق الأشجار والضوء الذهبي يتسرّب من بين الأغصان كأنّه وعدٌ قديم بالحياة.
كان نوح جالسًا في الحديقة يراقب تناثر الأوراق الخريفية كمن يرى العالم يتقشر أمامه.

لحظة صامتة شعر فيها وكأن المۏت يقترب بهدوء، فهمس لنفسه:

— "لو مُتّ الآن، هل ستبكي أمي؟"

لم يكن يريد ذلك... لم يرغب في أن يرى الحزن في عينيها.

كانت وسام تجلس قربه تمشط شعره بأناملها كأنها تحاول ترتيب حزنه وحين رأت ملامحه الجامدة كالكبار، سألته بخفوت:

— "نوح... هل تفتقد أمك؟

"
تلاشت ملامح الوقار في وجه الطفل فجأة، وقال بصوتٍ مرتجف:

— "آنسة وسام... لماذا لا يأتي السيد ظافر لرؤيتي؟ هل يكرهني؟ هل لن يعود أبدًا؟"

شعرت وسام بغصّةٍ حادة في صدرها، لم تكن تعلم أن قلب هذا الطفل يحمل من الۏجع ما يفوق سنوات عمره.

همست له وسام برقة:

— "مستحيل... لقد سمعت مُدبرة المنزل تقول إن السيد ظافر ووالدتكِ في طريقهما لرؤيتك."

وحين سمِع نوح هذه الكلمات لمع في عينيه نورٌ مفاجئ كأن الحياة عادت تسري في شرايينه ومن ثم نهض بسرعة وترك وسام دون كلمة وكأن قلبه سبق قدميه يركض نحو حضنٍ افتقده

ونحو أبٍ لم يكن أبًا لكن نوح تمنى لو يكون كذلك.
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1