رواية تؤام روح الفصل العشرون بقلم يارا سمير
عادوا الجميع الى المنزل وكانت سناء تبكي بحرارة لفراق مريم .. دخل زين غرفته وشعر بالاختناق وقرر ان يخرج من المنزل .. اثناء مغادرته غرفته كانت سناء وسوسن جالستان فى الصالة تحاول سوسن تهدأ سناء :
_ اهدي يا سناء يعني هي فين ماهي مع جوزها .
_ بس بعيد عني يا سوسن.. اةل مرة مريم تبعد عني كدا مش عارفه هدخل البيت ازاى وهي مش موجوده .
_ دا بدل ما تدعيلها ربنا يسعدها ويرزقها بالذرية الصالحة .
نظرت اليها سناء معاتبة :
_ لو مكنتيش رضعتيها كان ممكن تفضل موجوده معانا
_ ازاى يعني ؟
_ زين .. كنا جوزنا مريم لزين والاتنين فضلوا قصاد عيونا فى حضننا
_ لو كنت اعرف انك كنتى عاوزة كدا كنت قولتلك من وقتها .
_ قولتي ايه ؟
- مريم مرضعتش منى غير مرة واحدة بس ورضعة غير كاملة كمان ..
_ نعم ازاى وانا كنت بسيبهالك ارجع القيها نايمة شبعانة
_ كنت بشربها حاجات دافيه ولبن صناعي تاني كنت جيباه لزين لانها رفضتني ومردتش اقولك عشان متخافيش لانك كنتى تعبانه وقلقت عليكي من خوفك عليها يحصلك حاجة .
فى تلك اللحظة سمعهم زين وكانت صدمة مدوية .. اقترب اليهم وبصدمة قال :
_ يعنى انا ومريم مش اخوات ؟
اجابت سوسن:
_ ايوه ..مش اخوات فى الرضاعة لكن اتربيتوا مع بعض زي الاخوات ..
كان معرفة الحقيقة صادمة لزين .. كان دائما غارقًا فى أفكاره الثقيلة و فى داخله صراع طال سنوات ، طالما كان أخفى مشاعره خلف جدار الصمت يقاومها بكل ما فيه لانة كان يؤمن أن لا حق له فيها لانها شقيقته فى الرضاعة كما قيل له دومًا .. توقف الزمن داخله تجمد مكانه ملامحه ارتبكت ، انفاسه انقطعت للحظات وكأن الارض من تحته انسحبت .. أعاد الكلمات فى ذهنه مرارًا وكأنه لا يصدق وكأن عقله يرفض أستيعاب الفجوة بين ما عاشه وماهو حقيقي ... قال زين :
_ ازاى .. ازاى مقولتيش لينا .. ازاى مقولتيش ليا ؟
صدمت سوسن من رد فعل زين الانفعالي :
_ زين.. مالك في ايه ؟
_ مالى ..في ايه .. انتى مش عارفه عملتي ايه.. انتى مش عارفه عملتي ايه ؟
انهى زين حديثه بانفعال ، صوته المرتجف يختلط بالغضب والخذلان والخسارة .. خرج من المنزل بخطى سريعة لا يلتفت ولا يتوقف .. فى طريقه اصطدم بكريم لكنه لم ينتبه ومضى وكأن الهواء لا يكفيه وكأن كل ما حوله أصبح خانقًا ..
تجمع الجميع فى منزل محمود يملؤهم الذهول .. تحدث محمود:
_ هو زين ماله .. ايه حصل نزل بسرعة ولا شايفننا ..
تحدثت سوسن :
_ سمعني انا وسناء بنتكلم ..
تحدث كرم :
_ سمعكوا ازاى وكنتم بتقولوا ايه ؟
تحدثت سوسن :
_ كنت بقول لسناء ان انا مرضعتش مريم غير مرة واحدة بس وغير مكتملة وكنت برضعها اعشاب ولبن صناعي .
تحدث محمود:
_ مش فاهم .. يعني ايه ؟
تحدث كريم وملامحه صادمة :
_ يعني يا محمود .. مريم مش أخت زين فى الرضاعة زي ما كانوا فاكرين لا زي ما كنا كلنا فاكرين .
تفاجئ محمود:
_ ايه .. وكنتى مخبية ليه يا سوسن ؟
_ والله ما قصدى اخبي .. سناء كانت حالتها النفسية تعبانة وان مريم رافضة الرضاعة كان تاعبها ومخوفها عليها لان مريم كانت ضعيفة، لما قولتلها اول مرة انها رضعت مني لقيتها فرحت وهديت شويا .. حاولت تانى مريم رفضت خوفت على سناء تزعل وتحزن ودا هيأثر عليها ويتعبها وهى كانت تعبانة.. حاولت مع مريم بالاعشاب و وجربت لبن الصناعي اللى كنت جايباه لزين ومشربوش هي شربته .. وكل مره سناء كانت بتطمن فكنت فاكرة الموضوع عادي وبسيط المهم انهم بخير .. والله ما قصدى اخبي ..
تحدث محمود:
_ وزين ايه ضايقة كدا وايه الفرق انه عرف انهم مش اخوات رضاعة عن انهم اخوات مش فاهم ؟
تحدث كريم:
_ لا في فرق كبير يا محمود ..
_ ايه الفرق يا كريم ؟
صمت للحظات وتردد وقال :
_ فكرة انهم اخوات رضاعة ربطتهم ببعض انهم اخوات ..
تحدث كرم :
_ ماهما متربين مع بعض وانت معاهم يا كريم .. يعني انتم التلاته زي الاخوات .
_ انا زي الاخ بالنسبالة لمريم .. لو حصل بيني وبينها مشاعر هنرتبط طبيعي لكن مريم وزين انتم حكمتوا عليهم بالمستحيل من صغرهم كبروا وهما عارفين انهم اخوات وبس استحالة يكونوا حاجة تانية .
تحدث محمود :
_ انت شوفت حاجة احنا مشفنهاش .
أدرك كريم ان الصمت هو الحل حتى لا يتفقم الموضوع وقال :
_ انا شايف ان سوسن مكنتش خبت .. او فى مرحلة ما بعد انتهاء فترة الرضاعة كانت قالت بدل ما انتم حديتوا علاقتهم فى اطار ممكن دا مش هما اللى كانوا عاوزينه حاليًا ...
تحدثت سوسن بملامح مضطربة :
_ هو ممكن زين بيحب مريم واحنا منعرفش .
وضعت يدها على فما من الصدمة والجميع تبدلت ملامحهم وسريعًا تحدث كريم لتهدئه الاوضاع :
_ لا مش لدرجة دي متخليش دماغكم تروح لبعيد ، مريم دلواقتي اتجوزت وزين قريب هتلقوه بيقولكم عاوز اخطب واتجوز ..
قالت سناء :
_ اومال رد فعله دا كان لايه.. انتم مشفتهوش .
تبدلت ملامح كرم ومحمود وتحدث كريم:
_ الصدمة يا جماعة الصدمة .. انا نفسي اتفاجئت .. ايوه احنا التلاته كبرنا مع بعض لكن كلنا عارفين ان علاقة مريم وزين علاقة مختلفة .. علاقتهم ببعض مميزة وتفصيلة زي دي تعملهم صدمة .. وعشان تكونوا عارفين لو زين ومريم مكتوب ليهم يكونوا مع بعض كان حصل لكن زي ما قولت مريم اتجوزت وبرضاها وزين هيتجوز .. متكبروش الموضوع ودماغكم تروح لحاجات بعيدة .. أثر الصدمة هو اللى خلاه كدا لما هيهدأ هيرجع طبيعي ..
تحرك من مكانه وقال محمود :
_ رايح فين ؟
_ رايح الشركة فى اوراق هنا اجيبها نسيتها الصبح واليوم كان طويل هجيبها وارجع .. انا عاوزكم متفكروش فى حاجة.. ادعوا لمريم ولزين وبس .
غادر كريم المنزل بخطوات ثابتة، رغم محاولاته أن يبدو متماسكًا أمامهم والتحدث ببعض العبارات التى تخفف من وقع المفاجأة فمجرد أن خرج وأغلق الباب خلفه تغيرت ملامحه بالكامل .. القلق تسلل الى عينيه والتوتر بدأ واضحًا فى ارتباك أنفاسه .. وقف أمام الباب للحظات يلتفت وكأنه يبحث عن خيط يمسك به :
_ انت فين يا زين .. فين ؟
نظر امامه فى شرود يغرق فى تذكر أماكن زين المعتادة تلك التى تربطه بذكريات مع مريم .. ثم قرر ان يذهب الى جميع الاماكن التى يعرفها .. نزل الدرج جريًا لا يريد أن يضيع ثانية وهو ممسك هاتفه يتصل به ولكن الهاتف مغلق .. مر من امام منزل ملك وصادفها تخرج القمامة امام الباب .. اوقفته :
_ كريم .. فى حاجة ولا ايه ؟
_ ها .. لا ابدًا مفيش .. تصبحي ع خير ..
_ كريم.. فى ايه ؟
_ هبقى احكيلك يا ملك لكن متقلقيش بسيطة ..
كان الوقت لا يسمح بالشرح استكمل خطواته الى الخارج .. صعد فى سيارته وتحرك فى اتجاه لا يعلمه ولكن اعتمد ع ذاكرته ..
يجلس زين على الشاطي يشعر ب ارتباك شديد ، تداخلت فى صدره مشاعر متناقضة ..دهشة ، راحة مفاجئة، حزن على ما ضاع ، غضب على ما فرض عليه هو ومريم دون وجه حق .. سنوات من الانكار وكبت المشاعروالصمت الموجع عاشهم فى صمت بمفرده .. جلس فى مكانه يضع يده على جبينه وعيناه تحدقان اسفله وقلبه ينبض بسرعة كأنها لحظة حرية داخلية من القيود ولكنها جاءت متأخرة وفى قلبه العاصفة فى أوجها ...
بعد أن جاب كريم الشوارع ومر على أماكن كثيرة تحمل بين جدرانها ضحكات ومواقف جمعت زين بمريم ، ظل قلب كريم يقوده بلا يأس ..كان يبحث بعينيه عن ظل زين عن أى أثر يدل عليه ومع كل مكان لم يجده فيه كان قلبه يزداد حفقانًا وكأنه يخشى أن يصل متأخرًا عن شئ لا يعرفه ..
وأخيرًا حين أقترب من الشاطئ ذلك المكان الهادئ الذي طالما جمع زين مع مريم ..لمح من بعيد زين يجلس امام البحر على الرمل يحدفق فى الافق البعيدة كأن البحر يحمل له أجوبة أو عزاء .. اقترب كريم بهدوء وخطواته تخترق الرمال بصمت حتى وصل اليه جلس بجانبه :
_ اخيرًا لقيتك..
التفت زين الى كريم ؟
_ انت هنا ..
_ قولت الحقك لو بتفكر تاخد غطس ولا حاجة .
كان كريم يمزح ولكن زين لم يتقبل مزاحه وعاد ونظر امامه فى صمت وتحدث كريم :
_ مالك يا زيزو ..
_ مفيش .. حسيت انى مخنوق جيت اقعد هنا شويا .
_ مخنوق ان مريم اتجوزت ولا اللى سمعته من سوسن ؟
نظر اليه بملامح صدمة واستكمل كريم :
_ اصل الاتنين يفرقوا .. انا عن نفسي مضايقني انها مبقتش موجودة زي الاول ، تتصل بيا وترخم عليا بطلباتها ومقالبها اللى مبتخلصش ..انت كمان مخنوق عشان اتحرمت من كدا .
_ انت مش فاهم حاجة يا كريم ..علاقتى بمريم مختلفة عن علاقتك.
_ لا فاهم ان علاقتك بيها مختلفة عن علاقتي لان ببساطة انت حبيتها .. حبيتها كبنت مش كأخت يا زين .
نظر الى كريم بملامح صدمة وقال بصوت غاضب :
_ ايه اللى بتقوله دا يا كريم.. انت سامع كلامك .
_ كدبني .. قولي لا مفيش اى مشاعر اتجاه مريم غير الاخوة .
صمت زين لحظات وقال :
_ مفيش ..
_ انت كذاب .. انا مش هنا عشان احاكمك ع مشاعر حستها وانا متأكد انك متعمدتش انك تحسها ، انت اتفاجأت بيها موجودة ومعرفتش تهرب منها فقررت تخبيها وتعيشها لوحدك فى الخفاء بصمت .. تتحمل الالم والوجع لوحدك.. احساس ان اكتر حاجة بتحبها ممنوع تقربلها ممنوع منع قطعي مفيهوش كلام . .. عشت فى عذاب انه غلط احس بكدا لكن مش قادر محسش بغير كدا .. مريم اتربعت هنا ( اشار ع صدر زين ) كحبيبة مش كأخت يا زين صح .
وكريم يتحدث لم يستطيع زين الانكار والهرب ..كان يتحدث عن ما يشعر ومر به بالفعل .. كانت اجابته دموعه أنسابت من عينيه وكريم يتحدث :
_ وافقت تستحمل كل حاجة وحاولت تمنع انها تتقرب لحد او تتجوز لكن فى النهاية محاولاتك فشلت عارف ليه يا زين .. مش عشان سوسن مقالتش ليكم من زمان .. لكن لان لو فعلًا ممكن يكون بينكم حاجة كان حصل والسر دا اتعرف من بدري بالاضافة الى نقطة مهمة لازم تفكر فيها .. مريم.. مريم اختارت شخص حبيته واتجوزته خلاص يا زين ..بمعني بقى ليها حياة ف وجودكم فى حياة بعض زي ماهو أخوات .. علاقة مقربة ولو عاوز نصيحتى متخسرهاش لانى متأكد انك مش عاوز تخسرها .. فمتخليش معرفتك بالسر دا يدمر علاقتكم .. هتحب وهتتجوز زي ماهي حبت واتجوزت صدقني .. دلواقتي تتمنالها السعادة وتكون زين صديقها واقرب شخص ليها فى الحياة زي ما بتقول .. لو بتحبها لازم تعمل كدا يا زين لازم مفيش اختيارات تانية .
صمت زين للحظات وبكف يديه مسح وجهه ودموعه وقال :
_ صح.. مفيش اختيارات تانية .
_ يلا قوم معايا نرجع البيت لاحسن قلبت الترابيزة ونزلت وعمالين يقولوا حوارات وكلام وانا كدبت كل حاجة وقولتلهم رد فعلك دا من الصدمة وبس .. من الصدمة ومفيش حاجة ..
_ تمام .. كريم كنت عاوز اقولك ..
قاطعه كريم:
_ مفيش حد فيهم هيعرف حاجة من كلامنا دا.. الكلام دا البحر اخده ورماه فى عمقه خلاص .. متقلقش ولا اكنى عرفت حاجة.. لكن هطلب منك طلب .. عيش حياتك وبص قدامك لأن مريم اتجوزت خلاص يا زين يعني بقى ليها بيت وزوج بتحبه وبيحبها واحنا شوفنا كدا وهيبقى عندها أطفال .. واجبنا وواجبك اتجاهها تساعدها تحافظ على دا .
تنهد زين تنهيدة عميقه :
_ يلا بينا على البيت ..
عاد زين الى المنزل برفقة كريم بخطوات أكثر هدوءًا من ذي قبل .. كان وجهه ما زال يحمل بعض التعب لكن ملامحه هدأت ..كانت سوسن ومحمود يجلسان ينتظران عودته :
_ زين.. انت كويس ؟
ركضت نحوه سوسن لتطمئن عليه .. قال لها :
_ بخير يا ماما متقلقيش .. هو انا عيل صغير ..
تحدث محمود:
_ شكلك وانت نازل كان غير مطمن وقلقنا ..هو انت ليه كنت كدا يا زين ؟
صمت زين للحظات وتحدث كريم:
_ فى ايه يا حودا ما قولتلكم يا جماعة الصدمة أثر الصدمة ..
تحدث زين:
_ انا بعتذر على انفعالي بس زي ما كريم قال من المفاجاءة .
تحدث محمود:
_ بس ..
تحدث زين :
_ ايوه بس .. انا داخل انام ..اليوم كان مرهق وعندنا شغل الصبح بدري .. تصبحوا ع خير .
تركهم زين وتحدث محمود الى كريم:
_ انتوا اتقابلتوا ازاى ؟
_ شوفتوا تحت العمارة وطلعنا مع بعض .
نظر الى يديه الفارغة :
_ فين الاوراق اللى رحت عشانها الشركة ..
_ فى العربية .. قولت بدل ما اطلعهم معايا وانساهم .. تصبحوا ع خير .
اغلق زين الباب خلفه بهدوء ..جلس على حافة السرير راسه منخفض ويده ترتجف قليلًا وهو يضعها على صدره يحاول أن يستجمع أنفاسه التى خانته كثيرًا فى الايام الاخيرة .. ببطء اخرج هاتفه من جيبه واعاد تشغيله وفتحه وتصفح البوم الصور حتى وصل الى صور تجمعه مع مريم ..كانت هناك صور كثيرة تجمعه معها ..فى لحظات عفوية وضحكات صافية ولقطات تفيض حياة .. راح ينظر اليها بصمت وعيناه لا تتحركان .. لم يتكلم لم يبكِ فقط جلس وصور مريم تملأ الشاشة وذاكرته وقلبه معًا ...
فى الصباح فتح زين باب منزله بهدوء ، وقف لحظة عند العتبة وعيناه تحدقان فى باب منزل مريم .. كان الباب ساكنًا خاليًا من أثر لحركتها المعتادة فى الصباح أو لضحكتها كان الصمت يحوم المكان .. حدق فيه بصمت وكأن عينيه ترفض أن تصدق أن هذا هو أول صباح يمر به بدونها .. تنهد تنهيدة عميقة امتزج فيها بالحنين مع الفراغ ثم حرك قدميه بثقل ومضى فى طريقه نحو الشركة .. حينما وصل الى الشركة كانت بسنت تنتظره :
_ ايه يا زيزو كل دا تأخير ..
_ تأخير ايه انا جاى قبل ميعادي بساعة
_ بهزر ..متبقاش قفوش كدا ..
_ افتكرت في حاجة ولا بيدوروا عليا كنت هرجع .
ضحكت بسنت :
_ بقولك ايه انا متاكدة انك مفطرتش صح ؟
_ يا سلام ع الثقة .. ايوه مفطرتش لسه .. هتفطريني ؟
_ هفطرك فطار وصاية ..
_ من البيت ..
_ لا من برا وهنفطر برا كمان ..
_ كمان ..دانتى شكلك لسه قابضة
ضحكا وقالت :
_ اينعم.. وصاحيه من النوم نفسي فى سندوتشات كبدة وسجق وقولت مفيش غير زيزو يشاركني فى جريمة الصباحية دى ..
_ حسن اختيار الرفيق .. زيزو دايما جاهز يلا ..
فى ايطاليا ..
استيقظت مريم من نومها على ضوء ناعم يتسلل من النافذة ، خرجت من الغرفة بخطوات هادئة وشعرها مازال مبعثرًا من النوم تبحث عن ايهاب .. لمحت ظله فى المطبخ كان يجهز الافطار بعناية يضع الاطباق على الطاولة ويحرص ع التفاصيل .. حين التفت رأها تقف تشاهده فى صمت وع وجهها ابتسامة دافئة .. تقدم نحوها بخفة وضمها الى حضنه برفق ثم طبع قبلة على خدها :
_ صباح الخير
اجابته مريم:
_ صباح الخير .. واضح انى صاحيه متأخر .
_ لا انا اللى صاحي بدري .. تعالي
امسك يدها بلطف وتوجها الى الطاولة .. سحب لها كرسي وجلست وهي تنظر حولها بابتسامة صغيرة وانهى وضع اخر اللمسات وجلس بجوارها .. تفاجأت مريم حين رأت مائدة الافطار محضرة بعناية فى أول صباح يجمعهما كزوجين ..كانت الاطباق مرتبة بعناية والزهور الصغيرة فى المنتصف تضيف لمسة دافئة وكأن كل تفصسيلة صممت لها خصيصًا .. نظرت اليه بدهشة وابتسامة خفيفة على وجهها :
_ ايه دا كله ؟
_ اتمنى يكون عجبك ..
_ بصراحة عجبني جدًا .. بس باين انك صاحي من بدري اوي ؟
_ انا طبيعتي بصحى بدري مع اول لحظات الشروق ..
_ بجد.. رغم اننا نمنا متأخر وكان فى ارهاق وسفر ..داانا حاسة عاوزة ارجع انام تاني .
ضحك ايهاي وقال:
_ انا متعود ع النوم القليل لو نمت ساعتين بيبقى بالنسبالي تمام جدًا ..
_ طيب خليك عارف بقى ان هتعيش معاك كائن الكوالا بنام اكتر ما بعيش .
ضحك ايهاب :
_ طول ما الانسان فى حياته فراغ بيملا الفراغ دا بالنوم ..
_ شكلك كدا مش هتخليني انام.. انا جايبني هنا تعذبني ولا ايه .
ضحك ايهاب على طريقتها فى الحديث وهي تمزح:
_ مقدرش طبعًا.. لكن انتى كنتى بتصحي للمطعم صح ؟
_ كنت بصحي ع 10 انول ع 11 كدا يعني ..ملك اللى بتصحي من 6 وبتكون هناك من 7 عشان تحضير الفطار ..
_ اها.. وانا اللى كنت فاكر انك نسيطة وكدا
_ اتخميت صح.. هترجعني لاهلي يعني
امسك كف يدها وطبع قبله فيها وقال :
_ مقدرش ..انا مصدقت لقيتك ..
ابتسمت واستكمل حديثه :
_ يلا نفطر لاني مجهزلك بروجرام تحفة ..
_ ع طول كدا ..
_ وهنستنى ايه ..انا وانتى موجودين ..
_ تمام ..
اخرجت هاتفها وقامت بالتقاط صورة للمائدة :
_ بتبعتيها لمين لملك ولا مامتك ؟
ب ابتسامة :
_ لزين .. اعرفه ان اول يوم ممدتش ايدي فى حاجة وانا بتعامل كبربنسيس مش زي ما كان بيقولى .
انهت ارسال الصورة وقال ايهاب :
_ كان قايلك ايه ؟
_ كان بيقولى الجواز مرمطة وبهدلة.. هتبهدل واترمرط من شغل البيت تجهيز فطار وغدا وعشا ومواعين وهدوم تتلم وتتنشر وتتغسل وتنضيف .. كان بيحاول يقنعني انى لو اتجوزت هتحول لخدامة ..
ضحك ايهاب :
_ فظيع زين.. يعني بيحاول يقفلك من الفكرة نفسها .
_ بصراحة ايوة .. ويا بقى لما يصادف عندى وشايف سناء او سوسن اللى هما مامتى ومامته بينضفوا البيت او مشغولين فى المطبخ.. كان بيقولى لو اتجوزتي دا مستقبلك وانسي بقى المعارض والرسم وكدا يعني .. من الاخر كان بيقولى هتتجوزي احلامك هتندفن .
_ دا يرجع للشخص اللى هتتجوزيه.. يعني مثلًا هل انتى شايفة مامتك او مامته مدفونين ؟
_ بصراحة لا .. وبعدين اى حاجة بيعملوها بيعملوها بحب .
_ بس كدا .. اى حاجة هتعمليها يا تعمليها بحب فعلًا يا بلاش لكن غصب وتقليل من الشخص واحلامه تتندفن يبقى الاختيار غلط .. وجود الشريك فى حياة الشخص بيدعمه ويساعده دورهم فى حياة بعض كدا .
_ صح..عشان كدا انا صورتله الفطار عشان اقوله انه كان غلط وانا اختارت صح .
طبع قبلة على يدها :
_ يلا نفطر ..
_ يلا .. مقولتليش هنروح فين ؟
_ لا دا مفاجاة متستعجليش ..
فى المطعم كانت ملك تقف تتحدث مع احدى الزبايت ولمحت وجود كريم يدخل من باب المطعم .. جلس على احدى الطاولات وتوجهت اليه وجلست وقالت :
_ صباح الخير ..
_ صباح الخير ..
_ ممكن يا ملك فنجان قهوة سادة بسرعة الصداع عاميني .
_ حاضر ..
طلبت له القهوة وجلست :
_ شكلك منمتش كويس .
_ منمتش خالص ودماغي عماله تزن تزن تزن لغاية ما هتنفجر ..قولت مروحش الشركة كدا وجيت اشرب القهوة واروح ع طول .
_ من امبارح وانا حاسة ان فى حاجة .. فى ايه يا كريم ؟
_ في ان امبارح لما رجعنا من المطار انفجرت مفاجأة زي القنبلة فى البيت .
تبدلت ملامح ملك لقلق :
_ خير مفاجأة ايه ؟
_ زين ومريم مطلعوش اخوات فى الرضاعة زي ما هما كانوا فاكرين ولا زي مااحنا كنا فاكرين ..
_ انت بتقول ايه ؟
_ بجد زي ما بقول ( حكى لها ما حدث وانفعال زين وخروجة من المنزل ) عشان كدا لما قابلتك ع السلم كنت مستعجل مكنتش قاصد اتجاهلك زى ما قولتي .
_ اصل بكلمك ومبصتليش وكنت قلقانه بصراحة .. المهم وزين كويس ؟
_ لازم يبقى كويس مفيش حل تاني وهو عارف كدا ..
_ هو ايوه علاقتهم كانت قريبة اوي لكن مكنتش اتوقع ان زين جواه لمريم مشاعر مختلفة ( صمتت للحظة وتبدلت ملامحها لصدمة ) مريم .. مريم يا كريم ؟
_ مالها مريم ؟
_ فرضًا انها زيه ..
_ مريم اتجوزت يا ملك اتجوزت خلاص .
_ ما ممكن تكون اتجوزت هروب .. اصل المفاجأة وتصرفات مريم اتجاهه زين متختلفش عنه حاجة ؟
_ هي قالتلك حاجة.. لمحتلك بحاجة ؟
_ لا بصراحة بس فجأة حسيت ان في حاجة ..اللى خلى زين ميتعرفش ممكن مريم هي كمان كانت بتخبى مشاعرها ووافقت ع ايهاب كهروب من مشاعرها اتجاه زين لانها عارفه انه مينفعش .
_ لا لا .. اكيد مش كدا .. مريم لا انجبرت ولا اضغط عليها .. وايهاب بيحبها وهي كانت سعيدة اوي معاه فى كتب الكتاب انتى شوفتيها .. لا لا مفيش حاجة من كدا .
_ بجد اتمنى ..
_ يا جماعة مريم اتجوزت اتجوزت ..
قالت ملك:
_ يعني اللى اتجوزت دى مش ممكن تنفصل .
صمت للحظة :
_ لا مش لدرجة .. لا لا ارجوكي يا ملك انا دماغي من امبارح صداع من التفكير فى زين ازاى هيقدر يلم اللى حصل دا دلواقتي فتحتي حوار تاني لمريم .. لا لا .
_ ربنا يستر بجد ويارب يطلع كل ظني غلط ومريم لما تعرف تستقر فى حياتها مع ايهاب لانه فعلًا بيحبها .
_ ان شاء الله وزين يرتبط ..
ايطاليا ..
غادرت مريم وايهاب المنزل فى صباح دافئ من صباحات فلورنسا .. تتشابك ايديهما بخطى هادئة عبر الشوارع الحجرية ، كانت مريم تجهل وجهتهما حتى توقفت عيناها على لافته ( متحف اوفيزى ) تجمدت مكانها للحظات واتسعت ابتسامتها بدهشة وسعادة.. كانت احدى مفاجأت ايهاب لها وقد ابهجتها فعلًا كما توقع .. نظرت اليه :
_ بجد.. احنا هنا ؟
_ اكيد .. مكتوب قدامك ايه ؟
_ عشان كدا جينا هنا فلورنسا مروحناش نابولي .. مجتش فى بالي خالص لما قولت انك هتحضر معرض هنا .
_ ايوه هنحضر معرض هنا انا وانتى مع بعض بس دا ميمنعش انى رتبت الزيارة دى لانك قولتى عاوزة تزوري المتحف دا .
قامت بضمه :
_ شكرًا .. شكرًا بجد
ضمها وهمس لها فى اذانيها :
_ اى حاجة نفسك فيها اعتبيرها اتحققت خلاص ..
طبعت قبلة على خده :
_ دى عشان المفاجأة الحلوة دى
_ دى بس ..
شعرت بالحرج :
_ يلا ندخل ..
ضحك ايهاب :
_ يلا ..
بدأت مريم تتجول بين اللوحات والتحف ، عينيها تمتلئ بدهشة الفن وعراقة المكان .. تلتقط الصور بانبهار رغم انشغالها بالمفاجأة كانت لم تنسى ارسال الصور الى زين لاثبات له ان الاحلام تتحقق وليشاركها اللحظة ..كانت ترسل دون تفكير وكأن قلبها يترجم تلقائيًا .. بعد الجولة جلسا فى مقهى انيق مطل على ساحة صغيرة طلبا مخبوزات طازجة وقهوة إيصالية واسترخت مريم تمامًا وهي تستمتع بالطعم والجو ثم التقطت صورة ايضا للمكان وللقهوة والمخبوزات وارسلتها الى زين دون تفكير .. كان يتابعها ايهاب لكن فى صمت .. التقطت صور برفقة ايهاب واحتفظت بها للذكرى .. تمشيًا قليلًا ثم تناولوا الغداء ثم عادوا الى المنزل لبعض الوقت وفى المساء اصطحبها ايهاب الى احدى اماكن السهر الشهيرة كانت الاضاءة والموسيقى وحيوية المكان تبهر مريم .. كانت تتنقل بعينيها فى كل زاوية .. قال ايهاب :
_ عجبك المكان ؟
_ جدًا .. تعرف انا عمري ما سهرت فى ديسكو او مكان من اللى بتكون كدا . مكنتش اتوقع ان انا في يوم هسهر فيه من غير اعتراضات .
_ قولتلك معايا كل امنياتك حقيقة .
_ ربنا يخليك ليا ..
بدأت تلتقط الصور ب استمرار تحفظ اللحظة وتشاركها مع زين .. فى نهاية اليوم جلس زين فى غرفته الاضواء خافته من حوله والسكون يملأ المكان .. امسك هاتفه دون نية واضحة فقط رغبة عابرة فى تشتيت افكاره لكنه ما ان فتح الرسائل حتى تفاجأ بعدد الصور المرسلة من مريم .. فتحها واحدة تلو الاخري وعيناه لا تغادران الشاشة .. صور من المتحف ومن المقهي من شوارع ايطاليا ومن مكان السهر وبعضها لمريم وهي تبتسم بسعادة مع ارسال جمل بسيطة مثل ( الاحلام بتتحقق يا زيزو ) توقف عند صور مريم وضغط عليها لتكبيرها .. يحدق فى وجهها في ابتسامتها العريضة .. فى نظرة عينيها المليئة بالحياة كانت تبدو سعيدة .. سعيدة جدًا كأن لا شئ ينقصها .. شعر بشئ ثقيل يهبط فى صدره ذلك الحزن الصامت الذي هاجمة لرؤيته مريم سعيدة فى مكان أخر غير مكانه .. ظل ينظر إليها طولًا كأنه يحاول أن يحافظ بتلك الابتسامة داخله حتى لو لم تكن له يكفي انها منها ..
على مدار 20 يوم أمتلأت أيام مريم بجولات مستمرة مع ايهاب بدون توقف ، من متاحف لأماكن أثرية لسهرات بمفردهم اة بدعوة من اصدقاء ايهاب لمباركة زواجه .. حتى ذلك المعرض الذي تلقى فيه ايهاب دعوة خاصة حضرت معه وكانت طوال الوقت مريم تبتسم وتلتقط الصور وتوثق اللحظات ولا تتوقف عن ارسالها لزين ..
فى اليوم الاخير قبل عودتهم الى نابولي جلسا فى مقهى هادئ على أحد الارصفة يحتسيان القهوة كعادتها مريم رفعت هاتفها التقطت صورة للقهوة وكتبت عليها تعليقًا خفيفًا ثم ارسلتها لزين .. لكن هذة المرةملامحها بدت مختلفة ..كانت نظراتها ساكنة أكثر من المعتاد والابتسامة غائبة .. لاحظ ايهاب وقال لها :
_ مالك فى حاجة ولا ايه ؟
بملامح ضيق :
_ كل حاجة ببعتها لزين بيرد عليها ب أستيكر وكلامه قليل اوى حتى بص ..
اعطته الهاتف وكانت بالفعل ردوده قصيرة والكثير من الاستيكرات ..قال ايهاب :
_ ماهو بيقولك جميل واستمتعي .. هو مطلوب منه يقول حاجة اكتر ..
_ يرغي ..
_ ايه ؟
_ يرغي .. اصل احنا متعودين نرغي وكدا من وقت ما جيت وردوده قصيرة معايا ..
_ يمكن السبب انه مش عاوز يشغلك عن شهر العسل ولا عني مثلًا .
انتبهت ونظرت اليه وابتسمت :
_ احنا مع بعض طول اليوم يعني 5 دقائق من وقته العظيم مش هيخسر حاجة .
_ حطي فى اعتبارك انه مشغول وشغله يطلب منه حركة كتير برا الشركة مقابلات وعملاء واكيد بيرجع اخر اليوم هلكان .. وانه بيرد عليكي اخر اليوم ب استيكر او كلمات بسيطة لطيفة دا من ذوقه ويشكر عليه مش تزعلى منه .
_ بس انا مش متعودة ع كدا ..
_ مريم انتى فى بلد تانية مع جوزك ليكم حياتكم واكيد زين فى حياته وشغله .
_ اكيد مع بسنت .
_ ودا يضايقك انه مع حد ..طبيعي ع فكرة ؟
_ ها .. لا مش هضايق طبعًا وبسنت بنوته جميلة انا حبيتها بالعكس اتمنى اسمع قريب خطوبة او اى حاجة .
_ عاوز اسألك سؤال مريم ممكن ؟
_ اتفضل طبعًا .
_ زين لو مش اخوكي فى الرضاعة يعني انتم مجرد اتنين بس اتربيتوا مع بعض .. وانا ظهرت وقدامك تختاري واحد فينا انا ولا زين ؟
صدمت مريم من السؤال وضحكت :
_ انت بتهزر ولا ايه ..
_ لا بجد سؤال جيه ع بالي لما شوفت علاقتكم ببعض .. هل لو مكنتوش اخوات فى الرضاعة كان ممكن ترتبطوا ولا لا ..سؤال جيه في بالي اجابته عندك انتى وبس ؟
صمت للثوانٍ وابتسمت :
_ انا اختارت وقاعدة مع اختياري اهو اللى هو أنت ..
ابتسم ايهاب :
_ بحبك مريم
_ وانا جدًا بحبك .
الاسكندرية ..
فى المطعم يجلس كريم مع ملك يتبادلان الحديث :
_ زين مبقاش يظهر كتير فى المطعم زي الاول ليه عرفه انى زعلانه منك يا كريم
_ انا معاه فى نفس الشركة ومبقعدش معاه 5 دقائق ع بعض
_ لدرجة دي ؟
_ زين رمى نفسه فى الشغل بطريقة انا متخيلتهاش يا ملك.. فاكرة زين اللى كان بيهرب من الشغل لسرمحه يجى هنا يطلع ع السطح يروح البيت ينام .. اختفي وبقى وع طول شغل شغل .
_ انت عارف ان مريم لما بنتكلم بتسألني عليه بتقولي زين فين بيرد ع رسائلها متأخر وردوده قصيرة .. تخيل مريم بتسألني انا عن زين ..
_ قولتيلها ايه ؟
_ مردتش اقولها انه مجاش غير مرتين خطف من بعد ما سافرتي ومبيردش ع المكالمات الا صدفة .. قولتلها انكم دخلتم شغل جديد ومشغولين وكدا .
_ ايوه قوليلها كدا ..
_ طيب ما تتكلم معاه يا كريم .. شوف ايه خطفه كدا مننا .
_ هو انا هستنى يا ملك انا اتكلمت وقالي الشغل وانه بيعوض تقصيره قبل كدا عشان ابطل شكوى منه وهروبه وبصراحة نشاطه جايب مصلحه للشغل ..يعني مقدرش اتكلم .
_ يشتغل بس مش كدا االلى حوليه ليهم حق واللى سافرت دي مينفعش يختفى فجأة كدا من حياتها وهي متعرفش حاجة .. انتم ليه مقولتلهاش هي كمان .
_ هنقولها .. او بمعنى اصح زين هيقولها بس شويا يعني هي فى شهر العسل وكدا منرميلهاش قنبلة بالشكل دا .
_ ماشي .. قوم يلا روح لشغلك .
نظر كريم الى ملك بتعجب :
_ هو انتى مكلماني اجاى عشان زين وبس ؟
_ بصراحة ايوه.. لانه مبيردش عليا ومريم بتسألني فحبيت افهم ايه بيحصل وانت عمه ومعاه فى الشركة والبيت ف انت اكتر حد عارف زين بيعمل ايه .
_ والله ..
_ هكدب عليك ليه ..دى الحقيقة .
شعر كريم بالاحراج وقال :
_ طيب مترمهاش فى وشي كدا .. ذوقي الكلام .. اضحكي عليا بكلمتين تلاته .
_ ليه اعمل كدا .. انت ليه مكبر الموضوع ..انت اصلًا كل يومين تلاته القيك هنا ف اعتبر دا من المرات اللى بتيجي فيها ..هل بقولك جيت ليه لا .. متكبرش الموضوع انا قايمة اشوف اللى ورايا ..
بالفعل تركته ملك وظل وحيدًا امام الطاولة ينظر اليها حتى اختفت .. نظر حوله وجمع اغراضه وغادر عائد الى الشركة ..
فى المكتب كان زين يجلس خلف مكتبه غارقًا بين الاوراق والشاشة وملامحه جادة وعيناه لا تفارقان العمل .. بدا كمن يحاول الهروب من شئ داخلي بالانشغال المفرط يغوص فى المهام كأن لا شئ خارجها يعنيه .. دخلت بسنت بهدوء تحمل ملفاًا في يدها ووقفت امامه تنتظر أن يرفع عينه .. ناولته الملف وأشارت بلطف أن يراجعه .. فهز راسه دون أن يقطع تركيزه لم يكن متعجرفًا لكنه كان منهمكًا بشدة .. قالت بسنت :
_ ممكن كفاية ويلا نتغدا ..
لم ينظر اليها وقال :
_ لا مش جعان دلواقتي لما اجوع هاكل اى حاجة .
_ اللى هو دا اخر اليوم لما ترجع البيت صح .. زين انت من الصبح قهوة .. الشغل مش هيطير يلا نتغدا لاني جعانة .
نظر اليه ب ابتسامة :
_ بجد مش جعان وبعدين لازم اخلص مراجعة العقد دا وابعت الايميل .. هخلص وهشوف حوار الاكل دا .. متشغليش نفسك بيا واتغدي انتى بالف هنا .
_ خلاص هستناك ماشي .
_ اتغدى انتى يا بسنت .
_ قولتلك هستناك الله .. يلا كمل شغلك ..
مرت ساعات طويلة والمكتب يفرغ من الموظفين والعاملين لكن ضوء فى مكتب زين مازال مضاء فى الخارج .. جلست بسنت على مقعد فى الردهة تنتظر بصبر .. زين فى المكتب رن هاتفه والتفت الى الساعة كانت 10 مساءًا .. اغلق اللابتوب وجمع اغراضه وحين فتح باب مكتبه اخيرًا ليغادر كان التعب ظاهرًا على وجهه لكنه فؤجئ ببسنت جالسة كما وعدت تنتظره .. نظر اليها بدهشة ممزوجة بالاعتذار والامتنان الخفى .. اقترب نحوها ولمحت خروجه وقفت وهي تبتسم وقال لها زين معتذرًا :
_ انا اسف جدًا ..
_ على ايه .. مكنوش 6 ساعات يعني
كانت تقول كلماتها وهي تبتسم وقال زين :
_ اعتذارًا ع اللى عملته اختاري اى مكان نروحه ..
_ اممم .. محل عم عوض ؟
_ كبدة وسجق
_ حرقايين ..
_ اللى انتى عاوزاه يلا ..
غادر زين المكتب برفقة بسنت بعد يوم طويل من العمل المرهق وتوجها الى محل الكبدة والسجق المعتاد واختاروا طاولة صغيرة فى ركن هادئ وجلسا وطلبا طعام المعتاد وبدأت الاحاديث الخفيفة تنساب بينهما .. قال زين :
_ بسنت .. ارجوكي بجد بلاش تستنيني تانى كدا ممكن ؟
_ ليه ..هل انا اشتكيت ؟
_ ايه ذنبك طول اليوم متاكليش افرضي مكنتش خرجت من المكتب وطولت ..
_ كنت هستناك برضه .. وايه ذنب ومش ذنب دا احنا اصحاب قبل ما نكون زملاء عمل فطبيعي اكون بحب اكل مع صديقى زى ما احنا متعودين .. انا مبعرفش اكل لوحدي وعارفه ان صديقي زين مش هياكل لوحده ف لازم اعامله زي البيبهات لغاية ما ياكل ..
ضحك زين :
_ هي وصلت لبيبهات كمان ..
_ ايوه.. انا معروف عني انى صبورة متقلقش مش هزهق بسرعة ولا انت اللى زهقت من لزقتي فيك كل يوم اعترف وقول .
ضحك زين :
_ لا بالعكس دا انا ممتن لوجودك حقيقي .. دا انتى الوحيدة المتفهمة انشغالي بالشغل كل اللى حواليا فاكرينى انعزلت عنهم .
_ يمكن لانك بعدت فجأة من غير تمهيد .
_ الشغل ولازم نثبت مكانا بسرعة مش احنا الوحيديين فى المجال .
_ شويا شغل وشويا حياة هي كدا الدنيا لكن شغل شغل انت كدا بتحرق ايامك .
_ ما انتى شغاله معايا وبتحرقي ..
_ بحرق المطلوب منى وبس لكن انت بتحرق اللى مطلوب منك ومن كريم ومنى ومن الموظفين ومن عامل البوفيه والعملاء والمستقبل .. ارحم نفسك خد نفسك .
ابتسم نصف ابتسامة :
_ كدا احسن .. ع الاقل ارجع البيت يا دوب اغير هدومي اترمي وانام ع طول من التعب واصحى ارجع وهكذا مفيش وقت لاي حاجة تانية افكر فيها .
قالت بسنت :
_ بس دى مش حياة يا زين .
_ انا مرتاح كدا .. وعشان الوضع دا غير مريح لاى حد غيري ف انا بقولك متربطيش نفسك بيا وعيشي حياتك روحي وتعالي واتغدى وقت الغدا مش وقت العشا زي دلواقتي .
_ انا لو تعبانه مكنتش فضلت قاعدة مستنياك وقاعدة قدامك دلواقتي .. وحاجة كمان ممكن متتكلمش عن لساني ايه المريح والغير مريح ليا انا كبيرة كفاية اللى اقدر احدد ولا ايه .
نظر اليها زين بتعجب :
_ اتحولتي ليه كدا يا بوسنت احنا بندردش .
_ ايوه كدا رجاله مبتجيش غير بالعين ..
تبادلا الضحكات واثناء ذلك رن هاتف زين أضاءت الشاشة برسائل جديدة من مريم .. نظر الى الهاتف وفتح الرسائل فظهرت صورة جديدة ارسلتها مريم من رحلتها مشاهد جميلة والطعام والقهوة .. سكن زين ونظر الى الصور بهدوء ثم تنفس نفس عميق اعاده الى واقعه وبدأ بوضع قلوب عليها ورد بجمل بسيطة دافئة مختصرة كالعادة .. عندنا انتهى وضع الهاتف جانبًا وعاد ببسمة خفيفة الى حديثه مع بسنت :
_ دى مريم بعتالي خروجة اليوم ..
_ جميل انها بتشاركك للحظات دي .
ابتسمت نصف ابتسامة :
_ ايوه فعلًا جميل .. احنا طول عمرنا كدا كنا بنحب نشارك اللحظات مع بعض .
وتذكرت مكالمته الهاتفية مع مريم منذ ايام ..
في المنزل عاد زين بعد يوم عمل طويل خطواته كانت بطيئة وملامحه هادئه لكنها مرهقة .. دخل غرفته بدل ملابسه ثم تمدد على السرير كمن يبحث عن راحة من كل شئ .. امسك هاتفه وبتلقائية فتح رسائل مريم التى اعتاد أن يتلقاها يوميًا ..صور ولحظات تعليقااتها البسيطة .. ابتسم ابتسامة خفيفة وبدأ فى كتابة ردوده القصيرة كالعادته .. كلمات مقتضبة لكنها دافئة تحفظ بينهما خيطًا لا ينقطع ..
وفي اثناء انشغاله بالرد أضاءت الشاشة باتصال وارد وظهر اسم مريم .. توقف للحظة يحدق فى الاسم بين التردد والدهشة قلبه ينبض بشئ مختلف لكنه لم يدع الوقت يطول .. سحب انفاسًا خفيفة وضغط على زر الرد .. :
_ ميما ..
قالت مريم بغضب :
_ انت خليت فيها ميما ولا بتاع .. قولي وعرفني انت مصدقت تتخلص مني وامشي .
_ ليه بس بتقولى كدا وبعدين براحة عليا انا راجع من الشغل مش قادر .
_ يا سلام شغل ..
_ مالك بس في ايه مضايقك.. ليكون دكتور ايهاب توفيق اجيله والله ؟
ضحكت وقالت :
_ لا مش ايهاب .. انت يا رخم
_ انا .. امتى دا ؟
_ ايه ردودك المايعة دي .. يعني انا ببعت الصور بحماس ترود عليا وتقولي جميل .. تحفه .. هو انا باخد رأيك ولا بشاركك ؟
ضحك زين :
_ عاوزة اكتب قصيدة يعني ؟
_ ارغي معايا عاوزة احس انك معايا فى اللحظة دي اندمج كدا زى ما كنا بنعمل مع بعض .. ايه يا زيزو هو انا سافرت الذاكرة اتمسحت ولا ايه ؟
_ والله حتى بسفرك الذاكرة مستحيل تتمسح مهما حاولت ..
_ اقفش .. انت كنت بتحاول تعالالى بقى يومك مش هيعدي .
ضحك زين:
_ انتى السفر أثر ع ودانك بقولك مستحيل مهما حاولت يعني ليه اتعب نفسي بحاجة مش هتحصل .. هو الجواز بيأثر انا عارف .
_ يا رخم ..
_ قوليلي عاوزة ايه وهعملهولك ؟
_ تفاعل معايا كدا متحسسنيش انى لوحدى مش كفاية انك بعيد عني .
_ معاكي دكتور ايهاب بذات نفسه .
_ دكتور ايهاب حاجة وانت حاجة تانية وانت عارف كويس ومتعبطش فى الكلام .
_ خلاص هبقى ابعتلك قصائد حاضر بس اتمنى ميضايقيش الدكتور .
_ هيضايق ليه ؟ وبعدين هو انا بقولك قصائد.. خليك زى ما كنا تفاعل معايا وكدا مش كفاية انا بفضل طول اليوم اصور وابعت وانت بتفتح اخر اليوم .
_ والله بكون فى الشركة من الصبح مقابلات وعملاء وحوارات بجد مببقاش فاضي للموبيل داانا حتى بنسي اكل لولا بسنت بتفكرني .
_ بسنت .. عامله ايه بسنت ؟
_ كويسة طالع عينيها معايا فى الشغل ومستحمله كميه عصبية انا لو غيرها هسيب الشغل وامشي .
_ يمكن مرتاحة ودا السبب انها مكملة .
_ هى دايما تقول كدا .. بجد مش عارف اعمل ليها ايه وهي بتعاملني بالذوق دا رغم دبشي .
_ تعاملها بذوق يا قليل الذوق .. عاملها زي ما بتعاملك دا الطبيعي .
_ انتى بتدفعي عنها .. اه نسيت ان بنات حواء بيكونوا بنات خالتك .
_ رخم والله .. يلا هسيبك تنام .
_ ميما ..
_ ايوه ؟
_ انتى مبسوطة ؟
_ جدًا .. ايهاب مبيضيعش فرصة الا وانه بيفاجئني بااماكن وحاجات انا كنت بحلم بيها وبس .. انا حاسة انى فى حلم يا زيزو ..
سمع كلماتها وتبدلت ملامحه وقال :
_ يارب دايما مبسوطة يا مريم.. انتى تستحقي كل السعادة اللى فى الدنيا .
_ وانت كمان .. يلا تصبح ع خير وزي ما بصورلك تصورلي ماشي ..
_ ماشي ..
كان شارد زين وانتبه حين تحدثت بسنت :
_ روحت فين ؟
_ ها .. معاكي ثواني .
امسك هاتفه وصور السندوتشات الكبدة والسجق فقط وارسلها الى مريم ووضع الهاتف جانبًا واستمر بالحديث مع بسنت لم يظهر عليه اضطراب لكنه في قرارة نفسه كان يحاول أن يبقى المسافة متوازنة بين ما يشعر به وما يجب أن يكون ..
بعد مرور 6 أشهر ..
تم قراءة فاتحة زين وبسنت فى تجمع عائلي بسيط لم تستطيع مريم الحضور لانشغال ايهاب .. مرت 6 أشهر على زواج مريم وبمرور الأيام طاقتها قلت دون أن تشعر .. كانت فى البداية مليئة بالحماس تندفع مع ايهاب لزيارة كل مكان ، تلتقط الصور وتبادر بالافكار الجديدة ..لكن شيئًا ما تغير تدريجيًا .. اصبحت تستيقظ متثاقلة ، ترفض الخروج أكثر مما توافق .. تتهرب بلطف من مقترحات إيهاب وتفضل الجلوس فى البيت صامتة أحيانًا أو غارقة امام لوحة ترسمها فى شرود .. الاشياء التى كانت تبهرها من قبل أصبحت تمر أمامها بلا أثر ..
لاحظ إيهاب هذا التغير بصمت ، يتأملها وهي تتجنب الحديث وكثرة النوم الذي تهرب من خلاله ..لم يكن هناك صدام فقط صمت غريب يفصل بينهما .. وفى احد الايام تلقيا دعوة عشاء من أحد الأصدقاء تحمس إيهاب كعادته ولكنه فوجئ برفض مريم :
_ ليه ..انتى تعبانة ؟
_ يعني مش قادرة .
_ طيب يلا بينا ع المستشفى نشوف مالك ونطمن .
_ لا لا .. انا لو قعدت فى البيت هرتاح .
_ بجد مش عاوزة تيجي ليه.. المكان هيعجبك اوي والناس هناك لطاف جدًا ؟
_ هبقى دمي تقيل .. روح انت وانبسط معاهم .
_ واسيبك لوحدك ؟
_ مش هتخطف متقلقش مش هفتح الباب لاى حد يخبط
كانت تضحك وضحك ايهاب .. كان ايهاب لم يرغب فى تركها بمفردها :
_ طيب ينفع اروح لوحدى .. يعني كل واحد ومعاه المدام وانا اروح لوحدى .
نظرت اليه مريم للحظات وقالت :
_ اوكيه .. ثوانى هجهز ..
تجهزت مريم وذهبوا الى الحفلة .. خلال السهرة جلست مريم بين الجميع وابتسامتها حاضرة على وجهها لكنها لم تكن تصل الى عينيها ..كانت صامته أغلب الوقت تتابع الاحاديث دون أن تشارك تنظر حولها وكأنها تراقب المشهد من بعيد .. ايهاب رغم انشغاله بالحديث مع الاخرين كان يراقبها بطرف عينه .. شعر أنها ليست بخير وانه ربما أخطأ بالحاحه عليها بالمجئ .. ابتسامتها بدت مجاملة وصمتها أثقل من أى كلام .. وبعد لحظات من التردد أستاذن ايهاب بهدوء وهمس لها أنهما سيغادران نهضت معه فورًا وكأنها كانت تنتظر لحظة العودة الى المنزل .. غادرا المكان سويًا وفي الطريق ظل الصمت هو اللغة الوحيدة بينهما ...
فى اليوم التالي صباحًا استيقظت مريم على غير عادتها من حماس واتجهت الى المطبخ بهدوء .. واعدت كوب من النسكافية وسكبته ببطء ثم عادت الى غرفة المعيشة وجلست على الاريكة تضم الكوب بين يديها كأنها تتشبت به لتستجمع بعض الدفء .. كانت نظراتها تائهه غارقة فى نقطة بعيدة لا يراها سواها وشاردة وسط سكون ثقيل لا تكسره حتى رشفة القهوة .. فى تلك اللحظة خرج ايهاب من المرسم يمسح يديه من أثر الألوان وعيماه تقعان عليها .. توقف فى مكانه للحظة يراقبها وكانت ملامحها هادئة هدوء غريب عليه .. شعر بالقلق داخلى واقترب اليها وطبع قبلة اعلى رأسها اعادها من شرودها :
_ صباح الخير ..
ابتسمت :
_ صباح الخير ..
_ يعني انا مستنيكي تصحي ونفطر مع بعض القيكي صحيتي وعملتى نسكافية كمان .
_ صاحية مش جعانه وحبيت اشرب نسكافية .
(_ ع معدة فاضية هتتعبي .. ناكل حاجة خفيفة يلا هعملك احلى فطار
امسكت يده :
_ بجد مش قادرة ..
جلس بجانبها والتف ذراعه حولها وضمها لحضنه :
_ مالك يا مريم .. بقالك فترة متغيرة انا عملتلك حاجة ضايقتك فى حاجة ضايقتك .
_ لا لا خالص مش كدا .
_ اومال مالك ..
اعتدلت ونظرت اليه :
_ مش عارفه بجد مالي .. يمكن اهلى وحشني دا السبب .
_ طيب ما تقولى من بدري كدا ..
_ انا عارفه انك مشغول بمعرضك اللى قرب ومش حابه اشتتك بحواراتي .
_ لو متشتتش عشانك هتشتت عشان مين .. خلاص سيبي الموضوع دا عليا .
_ لا متعملش حاجة بعد المعرض لو في وقت ممكن نسافر .
_ تمام .. نقوم نفطر طيب انا مأكلتش .
_ تمام بس هقعد معاك تمام .
_ ياااه جميل جدًا ..
ليلًا ومريم جالسة تشاهد التلفاز عاد ايهاب من الخارج .. طبع قلبه على راسها ووضع امامها تذاكر الطيران الى الاسكندرية .. قرأت وجهتهما الى الاسكندرية .. نظرت اليه :
_ بجد.. بجد دا
تبدلت ملامحها فجأة اتسعت عيناها وارتسمت على وجهها ابتسامة حقيقة دافئة طال غيابها .. اجابها ايهاب :
_ ايوه .. هما 5 ايام لكن اوعدك بعد المعرض هيبقى في مدة اطول ..
نهضت فى حماس وهي تحضن التذاكر كأنها تحمل بها شيئًا ثمينًا ..ضحكت بفرح طفولي مفاجئ ، وامتلأ المكان بطاقة مختلفة .. ايهاب رغم انه كان يتوقع ان تسعدها الفكرة وقف مندهشًا من حجم الفرح فى هينيها ، لم يكن يعلم أن وجهه واحدة فقط قد تعيد اليها هذا البريق الدافئ الذي اشتاق اليه كثيرًا ..
في منتصف نهار يوم هادئ وصلت مريم برفقة ايهاب الى الاسكندرية دون أن تخبر أحد .. كانت تنظر من نافذة السيارة من المطار الى المنزل بشغف وحنين كأنها تعيد وصل شئ انقطع عنها لفترة .. اتجهت مباشرة الى المنزل خطواتها متلهفة رنت جرس الباب لم يفتح احد علمت بعدم تواجدهم واخرجت المفتاح الذي بحوزتها وفتحت الباب ودخلت .. حينما دخلت وقفت فى منتصف الصاله تستنشق الهواء بسعادة .. اقترب منها ايهاب :
_ واضح ان مفيش حد هنا ؟
_ انا عارفه هيكونوا فين يلا ..
تحركت مع ايهاب الى المطعم وقلبها يخفق من شدة الحماسة .. فتحت باب المطعم بخفة وبمجرد أن دخلت وقفت عند العتبه للحظات تراقبهم جميعًا ، سوسن ومحمود وكرم وسناء وملك مجتمعين حول طاولة واحدة يتبادلان اطراف الحديث فيما بينهم بينما ملك منكه بالنظر امام شاشة اللابتوب .. وحين لمح محمود بوجود مريم :
_ مريم دى ؟
التفت الباقون وتجمدت للحظة قصيرة قبل ان تنفجر فى المكان موجة من الدهشة والفرحة .. نهض الجميع من اماكنهم ليرحبوا بها .. العناق والدموع والضحكات يملؤون الأجواء وملامح الدفء تغمر القلوب .. كانت المفاجأة أجمل مما توقعت ولحظة لقاء صادقة مشبعة بالحب والاشتياق ...
علمت مريم بتواجد زين وكريم فى الشركة .. طلبت سيارة ووصلت الى الشركة بمفردها .. فى الشركة زين جالسًا فى مكتبه غارقًا وسط الملفات والشاشة امامه .. عينيه مركزتان ومظهره يوحي بالارهاق والانشغال التام .. الصمت لا يقطعه سوى صوت تقليب الاوراق ونقرات لوحة المفاتيح .. وصلت مريم فى تلك الاثناء متجهه الى مكتب زين بينما هي تمر فى الردهه لمحتها بسنت من بعيد .. :
_ ميما ..
التفتت مريم اليها وابتسمت واتسعت ملامح بسنت ب ابتسامة ممزوجة بين الدهشة والسعادة .. رحبت بها بسنت بحرارة .. تبادلتا التحية :
_ ايه رأيك فى المفاجأة ..
_ جامدة جدًا .. بجد كنمتى وحشانا
_ وانتم جدًا والله .. زين فى مكتبه وكريم ؟
_ كريم برا فى شغل لكن زين ايوه فى مكتبه .. تعاي دا مش هيصدق ..
_ جهزي بقى برفانك ولا اقولك بصلايه بقى لو هيسورق مننا .
ضحكت بسنت وتوجهتان الى مكتب زين ..وصلا الى الباب وطرقت مريم بخفة فتحت الباب ودخلت هي وبسنت بهدوء .. دون أن يرفع راسه متحدثًا الى بسنت :
_ حطي الملف هنا هرجعه حالًا يا بسنت .
لم يلمح ملفات توضع وساد الصمت .. وقفت امامه مريم صامته لا تنطق سوى ب ابتسامة هادئة تعلو وجههها .. رفع زين عينيه امامه :
_ فين الملف ..
فى لحظة توقفت كلماته وتجمدت ملامحه .. تسمرت نطرته وساد الصمت .. مريم امامه واقفة بعد غياب ...قالت مريم مازحة :
_ مفيش حمدالله ع السلامة ولا ارجع ؟