رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان وثلاثة
سخرت سيرين في أعماقها بصمت يحمل مرارة لم تنضج بعد وذلك حين سمعت دينا تلقي بتلك الاتهامات التي لا تليق إلا بها وكأنها كانت تتوقع منها أن تقول لقد فعلتها مرارا واختلقت الخطط للإيقاع بينا ولكنها لن تجاهد لخوض معركة لا ناقة فيها ولا جمل.
أما يد دينا التي قد امتدت مرارا نحو التزييف هذه المرة دم لا يثبت إلا سقوطا جديدا في مسرحها المفضل
مسرح الدراما المدبرة.
قادها ظافر إلى سيارة الإسعاف بينما عينا دينا تحدقان في سيرين بنظرة المنتصر... نظرة مشبعة برضا خبيث كأنها تقول
لقد اختارني وتركك في الخلف.
لكن سيرين لم تشعر بشيء... لم يكن هناك وجع ولا غضب ولا حتى غيرة كل ما تمنته في تلك اللحظة أن يجتمع شمل ظافر ودينا سريعا فقط ليتركا لها هامشا من الحياة حيث تهدهد طفليها نوح وزكريا بعيدا عن هذا الضجيج الذي لا يعرف الرحمة.
في المقعد الأمامي للسيارة جلس ظافر بصمت بارد وقد تجمدت ملامحه كأنها نحتت من صقيع موحش وقال دون أن ينظر إليها
لماذا جئت إلى القصر في هذا الوقت
تلعثمت دينا تحاول أن تنسق شتات كذبتها في رأسها قبل أن تنطق بها ثم قالت بصوت متكلف بوهن مصطنع
كنت خائفة... لم أحتمل الوحدة في المستشفى... أردت فقط رؤيتك.
لكنها كانت تعلم...
تعلم أن وحدتها لم تكن المشكلة بل وحدته عنها... كان قلبه ينجرف بعيدا وكانت كل
خطوة منه نحو سيرين تشعل فيها نذير خسارة مقبلة.
حدق ظافر في الأفق بجمود قاطع ثم قال
لا تأتي إلى القصر مرة أخرى.
ارتجف صوتها وقد تحجر الحلق بكلمات لم تجد لها مخرجا
لم هل لأنها هناك سيرين لا تستحق
قاطعها هذه المرة دون تردد بنبرة حاسمة كالسيف
سيرين... زوجتي!
اهتز قلبها كما لو أن شيئا انكسر داخله لم يكن حبا بل وهما أطال البقاء أكثر من اللازم.
همست والخذلان المصطنع يتكوم في عينيها ببراعة
وماذا عني ثماني سنوات وأنا أنتظرك... فعلت الكثير من أجلك.
أجابها بهدوء كمن يسدل الستار على فصل انتهى
سأعوضك عن كل شيء.
وما إن أنهى جملته حتى رفع هاتفه واتصل على مسمع منها بديفيد أشهر المخرجين في البلاد ليمنحها دور البطولة في مسلسل تلفزيوني كمن يلقي لها فتات المجد مقابل أن تصمت يقول بثبات رجل يعرف أن أمره لا يرد
طالما أنا موجود لن تمحى شهرتك فلا حاجة لأن تلجئي إلى الألاعيب الرخيصة مجددا.
في تلك اللحظة شعرت دينا وكأن حقيقتها قد انكشفت على خشبة المسرح أمام جمهور لا يرحم ولأول مرة بدت خائفة حقا... مجردة من ادعائها مترددة في طلب الزواج منه كما كانت تفعل دائما فإذا كانت قد تورطت سابقا في فضيحة انتحال أغنية لا تخصها لكن دعم ظافر مسح كل أثر للسقوط بل وبقيت الوجه المفضل للعلامات التجارية واحتفظت بهالتها اللامعة التي
لا تليق بها.
في تلك الليلة لم يعد ظافر إلى القصر.
تركه خلفه كما يترك رجل ماضيه عند مفترق دون أن يلتفت دون أن يندم...
وسيرين بقيت هناك في الهدوء المر تحضن الليل وتحتضن نفسها لا تنتظر أحدا فقط تصغي لما تبقى من قلبها الذي ينبض فقط من أجل نوح وزكريا.
لم تكن سيرين قد علمت بخبر حصول دينا على دور رئيس جديد في مسلسل شهير ولا أنها أصبحت وجها إعلاميا لعدد من العلامات التجارية الكبرى إلا حين اصطدمت عيناها بذلك الخبر في نشرة الصباح بينما كانت تحتسي قهوتها على مهل كمن يحاول التمسك بالسكينة في عالم يصر على اقتلاعها من جذورها.
رن هاتفها فكانت كوثر ونبرتها لا تخفي اشتعال الغضب في صدرها... تقول بسخط
هل يعقل هذا! كيف يحالفها الحظ بهذا الشكل جاء صوت كوثر كمن يصارع خيبة قديمة. ألم تنكشف فضيحة الانتحال أليس من المفترض أن تكون قد أقصيت من المشهد والآن توجت ببطولة وبمباركة مخرج عالمي كالسيد ديفيد! أهذا عبث أم سحر أسود
أغلقت سيرين التلفاز بصمت كأنها تود أن تغلق على ضجيج العالم كله.
قالت سيرين بهدوء لا يخلو من مرارة
كوثر... هل تعلمين ما يصدع رأسي أكثر من صعودها أن ظافر كان دائما يعتقد أنها من أنقذت شادية وطارق.
انحبس صوت كوثر لحظة من فرط الذهول قبل أن تهمس
لكن... لماذا!
تنهدت سيرين ببطء كأنها تنفض عن ذاكرتها غبار حادث قديم.
.. ومن ثم قالت
حين أنقذت شادية آنذاك... فقدت وعيي... وكانت دينا وحدها بجانبي ولم تتردد في أن تنسب الفضل لنفسها. استغلت اللحظة وسكبت حكاية البطولة على لسانها بينما كنت غارقة في الظلام.
صمتت كوثر لحظة ثم انفجرت بغضب
كيف تجرؤ! لقد خدعت طارق وخدعت ظافر... وأنت! لا لا يصح أن تصمتي... عليك أن تخبريه بالحقيقة سيرين.
أشاحت سيرين بنظرها إلى النافذة ترقب المطر الذي يهطل وكأنه يغسل وجه السماء من تعبها وقالت بصوت خفيض
أخبرته ذات مرة ولم يصدقني... عشر سنوات مرت والدليل قد تبخر... ربما هو يحسن معاملتها ليس لأنه يظن أنها أنقذت حياة شادية.
همست كوثر بأسى
لا شك أنه سبب نجاحها اليوم وهل ننسى أنها كانت حبه الأول الرجل لا ينسى... دائما ما يحتفظ للوجع الأول بمقام خاص في القلب مهما تغيرت الفصول.
صمتت كوثر للحظة ثم أردفت
انس الأمر... ما إن يثبت حملك سنرحل... فليظن ما يشاء ولتخدعه دينا حتى الثمالة... حتما سيأتي يوم ويكتشف لكن بعد فوات الأوان... وهذا ما سيحرقه.
أومأت سيرين تقول بصوت خافت
أجل...
أنهت المكالمة ثم دخلت لتغتسل كمن يطهر جسده من عوالق يوم ثقيل... ومن ثم ارتدت ملابسها واستعدت للمغادرة لكن حين وصلت إلى بوابة القصر...
كانت هناك سيارة مايباخ سوداء اللون متوقفة أمام المدخل كأنها عقبة وضعت بعناية في طريقها
أو كأن الزمن نفسه قرر ألا يمنحها مهربا اليوم.