رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان وسبعة 207 بقلم اسماء حميدة


 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان وسبعة


رغم أن جسدها كان مغطى بمعطف ثقيل إلا أن البرد كان ينخر في عظامها كما لو أن الريح تعرف طريقها إلى الروح قبل الجسد.
وقفت سيرين تواجه الريح لا كمن يهرب من عاصفة بل كمن يحتضنها ليوقظ في داخله ما خدرته الخيبات.
في الجهة المقابلة كان رامي يرمق محيطه بنظرات يقظة عينيه تتحركان بين عدسات المراقبة يقرأ الخطر في الصمت كأنما قد تعلم اللغة السرية للمدن... لم يبتعد كثيرا عن المكان الذي أخبرته أنها ستكون فيه وانتظرها كالظل الصامت وما إن لمح جسدها النحيل يقترب حتى اندفع خارج السيارة يفتح لها الباب كما لو كان يفتح لها ملجأ من مستنقع المتنمرين.
قالت بصوت خافت تحمله الريح إليه
شكرا لك.
عاد رامي إلى مقعده وأدار محرك السيارة ومن ثم رفع درجة الحرارة بحذر يشبه لمسة أم على جبين طفل محموم... كان يعرف منذ أن رافقها في سفرها خارج البلاد أنها لا تحب البرد ليس لأنه يجمد أطرافها بل لأنه يوقظ فيها وحشة لا دواء لها.
سألها رامي دون أن يدير رأسه
إلى أين نذهب الآن
أسندت ظهرها إلى المقعد الخلفي ثم سكنت وكأنها تسترجع شيئا فاتها في الطريق... وأجابت بعد لحظة
لنعد إلى قصر ظافر.
أومأ رامي دون تعليق لكنه اختار أن يسلك الطريق الخلاب كأنما يهديها شيئا من الجمال يخفف وطأة العودة.
زفرت سيرين بضيق إذ كانت تدرك أن ظافر سيكتشف مغادرتها سريعا وأن كل اللوم سيقع على كاهلها.
وفي صمت المركبة

التي تمضي وسط سكون المدينة قالت فجأة
كنت في عجلة من أمرك حين عدت هل حدث شيء
قبض رامي على عجلة القيادة حتى أبيضت مفاصله ولكنه أجابها بصوت خال من الانفعال كأنما يخشى لو ترك مشاعره تخرج لابتلعت السيارة ومن فيها
خطيبتي ألغت الزفاف.
رفعت سيرين حاجبيها بدهشة صامتة.. فقد كان الحديث بينهما لا يتعدى حدود التعليمات والأمان وها هو الآن يسقط عليها خبرا كصاعقة هادئة... فهي لم تكن تعرف حتى أنه كان خاطبا.
قالت بصوت ناعم وقد بدأ الأسف يسري في نبرتها
هل كان بسبب عملك
رمقها عبر المرآة بنظرة خاوية وأجاب دون أن يرمش
هي تحب شخصا آخر.
خيم الصمت على السيارة وكأن الكون قد توقف للحظة... لم تعرف ماذا تقول كانت الكلمات تضيق في حلقها وشفقتها تتسرب من عينيها قبل لسانها.
أنا آسفة... لم أكن أعلم...
لكن هاتفها قطع ما تبقى من تعاطف فخفضت بصرها تنظر إلى الشاشة فرأت اسم ظافر يتوهج بلون لا يشبه الشوق فقد هاجمت ذاكرتها نظرات مدبرات منزل نصران وقسوتهن المستترة خلف أقنعة الخدمة وعجرفتهم المغلفة باسم العائلة وآخرهم تلك الحمقاء الصغيرة لسن... فأغلقت الخط وضبطت هاتفها على الوضع الصامت.
رمقها رامي من خلال مرآة الرؤية الخلفية وسأل بهدوء
هل نعود إلى قصر آل نصران
أجابت دون تردد وعيناها معلقتان بالأفق البعيد
لا. ما زلنا متجهين إلى قصر ظافر.
لم تكن تريد حتى العودة إلى قصر ظافر لكنها كانت تعرف
أن المواجهة قادمة لا محالة ولن ينفعها الهرب بعد الآن فهي لا تملك رفاهية التعقيد وكل من حولها بدا مصمما على اختبار صبرها... حتى لين لن يعتبرها مجرد امرأة طفيلية على حياة ظافر بل في الواقع قد أصبحت جزءا من نسيجه من آل بيته الذين يبغضونها ولولا أن ظافر كسر قلب سيرين ذات يوم ما كانت لين لتجرؤ على تمزيقه الآن.
في تلك اللحظة ارتطمت سكينته بالفراغ الموحش الذي خلفه غيابها وقد خرج من الهاتف صوت آلي بارد
عذرا... الرقم الذي اتصلت به غير متاح حاليا.
أعاد المحاولة كأن الأمل يمكن أن يتسلل بين طبقات العدم لكن الرد لم يتغير كأن الهاتف قد تحول إلى قبر رقمي لا ينبض فيه صوت غير تلك الرسالة المبتزلة.
زفر ظافر بضيق والتفت ببصره الحاد نحو لين وبقية الخادمات الواقفات أمامه كأشجار مرتجفة في مهب العاصفة.
زمجر ظافر بنبرة تتأرجح بين الغضب والقلق يتسائل
لماذا غادرت فجأة
تبادلت الخادمات النظرات المرتبكة ولم تجرؤ واحدة منهن على خرق الجدار الزجاجي الذي صنعه صوته... أما لين فجمعت شتات ترددها وحرفت الحقيقة كأنها تنسج ستارا دخانيا تخفي وراءه ذنبا لم يرتكب
سيدي ظافر بعدما صعدت لرؤية والدك ذهبت لتنظيف غرفتك وفجأة صفعتني السيدة تهامي مرتين بلا سبب مفهوم. كنت مصدومة أردت إخبارك لكنني فوجئت بأنها غادرت دون أن تسمح لي بالكلام...
وأغمضت عينيها كأنما تستدعي دموعا جافة من بئر مقفر وغطت وجنتيها
المحمرتين بيد مرتجفة بينما راحت دموع التماسيح تتسلل كأنها تنسج حكاية أخرى لا ترويها الكلمات.
ظل ظافر صامتا يفكر بتمعن. تلك المرأة سيرين هل يعقل أن ترفع يدها على خادمة لم يتذكر أنها أهانت أحدا من قبل سواه.
وهل هذا كل شيء سألها ببرود قاتل كأن كلماته خرجت من بين ضلوع متجمدة.
خفضت لين بصرها وتلعثمت وكأن الخجل المتكلف صار وشاحا يخنق صوتها
حين حاولت منعها من الرحيل... قالت إن من حقها المجيء والمغادرة متى شاءت وطلبت مني ألا أتدخل في شؤونها.
وقف ظافر ببطء كأن الأرض لم تعد تسنده ومن ثم حدق فيها بنظرة تحمل في عمقها إنذارا صامتا ثم قال بصوت لا يقبل الجدال
من الأفضل لك... ألا تلعبي بالنار معي وألا تكذبي.
اهتزت أوتار قلبها رعبا وانتفض جسدها إثر ارتجافة تملكتها قبل أن تتمالك نفسها.
لم يمنحها ظافر حق الرد فقد رفعت الجلسة إذ غادر القاعة بخطوات تحمل ثقلا لا يرى كأن كل ما حوله ينكمش يضيق... ينذر بشيء قادم.
وبمجرد أن تجاوز عتبة القصر أخرج هاتفه واتصل بالحارس الشخصي الذي عينه ليراقب سيرين من بعيد
أين هي الآن
كانت لين ومن معها يصغين من خلف الجدران كجواسيس المشاعر وقد لاحظن شيئا لم يكن في ظافر من قبل... شيء يشبه القلق أو شيء أكثر غموضا.
كان صوت ظافر هذه المرة مختلفا لم يكن مشحونا بالغضب كما اعتدن بل ملبدا بشيء شبيه بالحزن المكتوم.
فحين اختفت سيرين من قبل لم يحرك ساكنا.
.. أما الآن... فبدا العالم وكأنه اهتز تحت قدميه.
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1