![]() |
رواية إنما للورد عشاق الفصل العشرون بقلم ماهي عاطف
كان مستلقيًا فوق فراشه في صمت تام، يعقد كفيه خلف رأسه، جزء من عقله استحوذ عليه الانتقام الشنيع نحو من يقف عائقًا أمامه. قهقه بصخب حينما تذكر كيف تخلص من "فريد" في لمح البصر دون التدخل أو ترك أثر له!
(عودة بالوقت للسابق)
صعد البناية المهترئة حتى وصل إلى الطابق الذي تقطن به "سعاد". طرق الباب بخفة ثلاث مرات ثم انفتح ليقابل بوجهه شخص ذو ملامح رجولية حادة، بأعين بنيّة وشعر أسود كثيف كظلام الليل، وجسده ضخم مفتول العضلات.
رفع حاجبيه حينما لاحظ نظراته المندهشة المصوبة نحوه، فتحدث بصوت رجولي خشن: عايز مين يا حضرت؟
حمحم لينظف حنجرته ثم قال بنبرةٍ هادئة: سعاد عبدالرحمن
_" سعاد في الشغل دلوقتي، ادخل استناها جوه "
أومأ له بتوتر ثم جلس ينتظرها قرابة ساعة ونصف ولم تأتِ بعد!
زفر بعصبية ثم وثب واقفًا ووجه حديثه نحوه باحتدام: هاجي وقت تاني تكون موجودة، سلام
ثم فتح الباب وجاء ليتقدم خطوة فتوقف عندما أقبلت عليه بنظرات متسائلة.
بعد ثوانٍ من النظرات الحادة نحوها، قالت بتلعثم مبتلعة ريقها بتوتر: اتفضل يا أستاذ عاصي
دلف مرةً أخرى جازًا على أسنانه بقوة محاولًا التريث كي ينجز ما جاء من أجله. أخبرها بأنه يريد التحدث معها لا سواه، فأخبرت زوجها بالانتظار بالخارج قليلًا بعد إلحاح منها انصت لها وتحرك.
فركت يدها بارتباك من تواجده أمامها، لم تتحدث معه من قبل سوى قليلاً، والآن بات لديها فضول لمعرفة ماذا يريد ولماذا جاء إلى منزلها من الأساس؟
بتر الصمت مناطحًا إياها بقوله الصارم: كتب كتاب فريد وورد بكرة صح؟
أومأت له بدهشة ثم اقترب منها على غفلة هامسًا بأذنيها بفحيح: عايزها تكون جنازته
أطلقت شهقة ثم جاءت لتصرخ في وجهه لكنها جحظت عيناها عندما وضع يده فوق فمها يمنعها من الحديث. أردف بعصبية وقوة: اخرسي، ما تعمليش نفسك رافضة وأنتِ أصلًا وش كده
دفعته للخلف بصعوبة عنها ثم هدرت به: دا أنت وبنت خالتك قتالين قتلة على كده
_"بنت خالتي مين؟ أنتِ مجنونة؟ "
تابعت باستخفاف جعله يفقد القدرة على الحديث من شدة الصدمة: ست ورد طلبت مني نفس الطلب ده من شوية.
بنظرة نارية متوحشة وهدوء يسبق العاصفة، أجاب: وقلتِ لها إيه؟
انقبض قلبها بخوف واعتدلت في جلستها بذعر من نظراته المنبعثة منها الغضب، فقالت بتوتر جلي فوق قسماتها: هانفذ
أراح جسده على الأريكة محاولًا إخفاء سعادته، أخرج مظروفًا مليئًا بالمال ثم وضعه أمامها، جعل لعابها يسيل من شدة الجشع والاحتياج.
تلاشى ابتسامته وحل محلها الوجوم من جديد، ثم استطرد بمكر: يبقى فل، قدامك مية ألف جنيه، دا طبعًا غير اللي هي ادتهولك، صح؟
أومات له ثم استكملت بنبرةٍ قوية: تاخديهم وتختفي بعد التنفيذ، أيًا كانت نوع الموتة هابعت لك دكتور تبعي هايقول إنه مات بسكتة قلبية، فاهمة يا سعاد؟ أول ما يحصل ويقع تجري تتصلي بيا من غير ما تستني حد يتصرف
جعلها تقف في ارتعاب حينما صاح بقوةٍ: سامعة يا بت؟ وحسك عينك ألمحك بعد ما تنفذي المطلوب.
حركت رأسها بسرعة ثم ابتسم وتحرك للخارج دون أن ينبث بكلمة، بينما هي أخذت الأموال وأسرعت بتخبئتها ثم جلست متوجسة تدعو الله أن تمر فعلتها مرور الكرام !!
استفاق من شروده ثم ابتسم بمكر وتحرك نحو الأسفل، دُهش عندما استمع لصوت يعلمه جيدًا حتى في منامه!
تحرك نحو غرفة المعيشة ليجد حبيبته الأولى تجاور والدته محتضنة إياها وعينيها تتساقط منها الدموع بغزارة، مما جعله يتحرك نحوها يجثو على ركبتيه أمامها متسائلًا بلهفة: مالك يا ورد بتعيطي ليه؟
ليتابع بغضب سافر وغيظ مكتوم: أكيد بسبب الحيوان ماجد، والله لهوريه
جاء ليغادر فأسرعت نحوه تمسك يده قبل أن يفعل شيئًا به تندّم عليه فقالت على عجالة: لأ والله مش ماجد السبب
"أُمال بتعيطي ليه؟ كوثر مروقاكِ؟ "
تجاهلت نبرته المستهزئة فأجابت بخفوت متحشرج: افتكرت ماما
أشفق عليها ثم احتضن وجهها بين كفيه، جعل والدته على وشك البكاء مما يفعله، فاقتربت منه واحتضنتها بدلًا منه، ثم رمقته بغيظ قائلة بعصبية طفيفة: اختفي حالًا يا عاصي
تنهد بيأس ثم تحرك نحو الخارج كي يجلس في الحديقة لحين مغادرتها.
كانت نظرته مشتعلة، وعيناه تكادان تخرجان منها النيران، فقد تأججت نيران الغيرة داخله، فعقب بنبرةٍ تهديد: هأقتلك يا ماجد، بس الصبر
أما بالداخل، بعدما هدأت قليلًا من روعتها، وربتت فوق ظهرها بحنو، ثم بترت فقاعة السكون بنبرةٍ خافتة تحمل الرجاء لخالتِها: أنا عرفت من عنان إنك رايحة تعملي عمرة معاها هي وعثمان، فممكن تدعي لي أنا وماجد بالذرية الصالحة، علشان الموضوع ده مأثر عليه أوي
التمعت السعادة في عينيها تجاه تقبُلها لأمر زواجها، عانقتها ثم أردفت بتهلل:
من عيني يا بنتي، ربنا يرزقك السعادة يا ربّ دايمًا
****
جلست بجواره في السيارة ليعودا نحو عملهما مرةً أخرى، احتضن يدها بين خاصتيه مصوبًا تركيزه نحو الطريق، ليشعر بشرودها. فرفع يدها ووضع قبلة خفيفة في باطن كفها، مما جعل القشعريرة تدب في جسدها فارتجفت كنسيمة هواء عليلة.
ابتسم من جانب فمه لتأثيره عليها، فحمحم لينظف حنجرته قائلًا بدعابة: هو كل ما أمسك إيدك أبوسها تنتفضي كده ليه؟ والله مش بعض
تلاشت توجُّسها وتوترها غير المبرر، ثم أردفت بخفوت خجل: أنت اللي مش بتسيب فرصة غير لما تكسفني فيها
_"حقك عليا، بس غصب عني على فكرة، بحبك ومش بقدر أتمالك نفسي "
بلحظةٍ تغير وجهها مئةً وثمانين درجةً ثم رمقته بغيظ مُعنفةً إياه: ماجد، ركز في الطريق لو سمحت
رفع حاجبيه من تغيرها ثم رمقها شزرًا، تاركًا يدها وقاد السيارة في صمت، مما جعلها تلعن ذاتها من أفعالها البلهاء.
تجرأت ثم أمسكت كفه تحتويه بين قبضتها الصغيرة فابتسم بعشق نحوها.
بات يختلس النظرات نحوها من حين إلى حين، مما جعل الحمرة تسري في وجنتيها وكذلك وجهها بالكامل، حتى أنه ابتلع ريقه وأكمل طريقه يدعو ربه أن يمر هذا الطريق الذي شعر بثقله مرور الكرام كي لا يفعل شيئًا لها يعاقب ذاته فيما بعد عليه ..
****
صعد الدرج ممسكًا بخصلاتها بقسوة لتتلوى بألم من قبضته القوية، شعرت بأنه سيقتلع شعرها من جذورها بين يديه.
دفع الباب بقدمه ثم أوصده جيدًا بالمفتاح كي يستطيع قول وفعل ما يرغب به معها بعدما تحمل على ذاته حديثها المهين لنجلها وزوجته بشأن الإنجاب والتدخل فيما لا يعنيها..
دفعها على الأرضية بقوة حتى أنها صرخت بالاستنجاد بأحد، لكنه اقترب منها هاتفًا بغضب عارم: أنتِ واحدة معندهاش دم ولا إحساس، إزاي يجي لك قلب كل شوية تعايري ابنك بأنه مش بيخلف؟ إزاي بجد؟ حشرية ليه وبتدخلي في كل حاجة ملكيش دعوة بيها؟ ما تردي عليا يا كوثر، ردي، دا أنتِ خنقتيني يا شيخة، منه لله أبويا هو السبب في إن الجوازة النحس دي تكمل. "
ابتلعت لعابها بصعوبة ثم أردفت ببكاء واهي بعدما استطاعت الوقوف على قدميها: الحق عليا يعني إني عايزة أشوف لينا حفيد؟ ليه جاي في صفهم وسايبني أنا؟
_" إلهي تسيبي على نفسك يا بعيدة، دول ولادي واجي عليكِ وعلى اللي خلفوكِ كمان علشانهم "
ثم تابع بتحذير مشيرًا بإصبعه نحوها: أقسم بالله لو اتكلمتي في موضوع الخلفة دا تاني معاهم لهكون مطلقك يا كوثر، وخلي مناخيرك دي في حياتك بدل ما أقطعها لك وهي كبيرة وقد وش مرتين، فاهمة؟
أومأت له على عجالة ثم بصق عليها وغادر دون أن ينبث بكلمة، بينما هي ركضت نحو الباب تطرقه بقوة عقب إحكام الغلق عليها، فصاحت بقوة: افتح يا محمود بالله عليك ما تعملش فيا كده، هاخرس والله مليش دعوة بيهم إن شاء الله حتى يخلفوا قرود، مليش دعوة، افتح بقى يا مــحــمــود
****
وقفت تعانقه بسعادة غمرت كليهما بعدما أصر "عثمان" على أن تذهب معه إلى بيت الله لمعرفته بأن هذه إحدى أمنياتها التي ترغب بها بشدة. ابتعدت عنه ثم أخذت بيده وجلسا فوق الأريكة. تنفست بعمق ثم قالت بنبرةٍ تعقلية: عاصي، ما ينفعش تبقى في مكان وفرح في مكان يعني إيه سافرت خلاص الغردقة هتستقر هناك؟ كلمها خليها ترجع، حاول تهدأ شوية وافصل عن شغلك، ركز في حياتك الشخصية زي العملية كده
أغمض عينيه ثم تحدث بجمود بعدما اعتصر قبضته بقوة: أنا كذبت عليكِ يا ماما، فرح مسافرتش تغير جو ولا حاجة أنا طلقتها امبارح يعني خلاص كل واحد شاف حاله
جحظت عيناها، هوى الخبر فوق قلبها كالصاعقة. كيف يفعل هذا دون الرجوع لها؟
ولمَ حدث من الأساس؟ هي تعلم حبها الشديد القوي نحوه، إذًا لمَ تفرقا؟!
بنبرةٍ مهزوزة وأعين على مشارف الهبوط أجابت: ليه كده؟ حرام عليك ليه تعمل فيها كده؟ كسرت قلبها مرات كتير رغم إنها بتحبك وأنت عارف، حرام عليك، منك لله يا بني على كسرة قلبها اللي أنت السبب فيها دي، منك لله
ألقت حديثها مخترقًا قلبه كالسم، أشفقت عليها بشدة حقًا كسرة القلب ورفض المشاعر ما أسوأ ما يشعر به المرء، فكيف ستتعايش "فرح" من وجهة نظرها مع الأمر؟
****
دلف المطعم ينظر يمينًا ويسارًا، وجدها تجلس مغمضة جفونها وبيدها كوب القهوة تستنشق رائحته اللذيذة. أمامها إحدى الكتب المفضلة لديها.
اقترب بتأني من مقعدها ثم جلس دون أن ينبث بكلمة، فقط يراقبها وينظر بتمعن شديد لملامحها البريئة التي أطاحت النوم عن جفنيه، مما جعله يسرق لحظاتٍ سوية في عقله المشتت نحو علاقتهما التي لم تأخذ مجراها ومسارها الصحيح.
يتساءل هل تشعر بما يشعر به نحوها من عواطف جياشة، أم أن عقله المريض يتلاعب به من حديث مراوغ؟!
حمحم بعد ثوانٍ جعلها ترتبك ويهتز الكوب من يدها حتى إنه كان على وشك السقوط لكنه أمسك به قبل وقوعه.
ارتجفت يدها أثر لمساته لها فتركته يضعه فوق الطاولة، ثم قالت بخفوت مرتبك بعدما لاحظت نظراته المصوبة نحوها: أنت هنا من أمتي؟
_" بقالي عشر دقايق"
دُهشت من حديثه رافعة حاجبيها له، أردفت بنبرةٍ هادئة:
وما تكلمتش ليه أو قلت حاجة؟
تنفس بعمق، نظر بقوة داخل بندقيتها ثم تحدث بنبرةٍ جعلتها تشعر بالفراشة: نسيت الكلام لما شُفتك يا فرح
ربـــاه؟!!!!! وكأن حلمها تحقق من اهتمام وحديثٍ رغبت به منذ زمن .. وكأن الله اختار ما يروق لها من حنان واحتواء من شخصٍ غريب لم تعتد على وجوده من الأساس.
ابتلعت ريقها لاعنة ذاتها على تَسمُرها هكذا أمام حديثه الهائم بها ثم قالت مستفهمة: أنت خلاص هتسافر؟
_" لأ، قررت أستقر هنا بس هاعمل خطوة في حياتي
وبعدين أسافر "
توجست، شعرت برغبة في البكاء، لم تفهم مقصده. حديثه الغامض جعلها تود المغادرة قبل أن تنهار أمامه. فجاءت تلتقط حقيبتها استعدادًا للمغادرة لكنه امسك بكفها قائلًا بتساؤل: ماشية لية ملحقناش نقعد
كبحت دموعها ثم تحدثت بنبرةٍ حزينة: عايزة أروح، تعبت شوية
قرر التوقف عن العبث معها فاستطرد بمكر: طب مش حابة تعرفي إيه الخطوة اللي ناوي أعملها في حياتي قبل ما اسافر؟
حركت رأسها بنفي فعقبت بوجع: ربنا يحقق لك كل أحلامك يا حمزة
"ياربّ يا فرح، يجعل لك من نصيبي."
رددت الدعوة خلفه بعدم وعي ثم جحظت عينيها بعدما استمعت لقهقهته الصاخبة وتفهمت حديثه، ردت بتلعثم: قصدك إيه؟
أمسك يدها ثم وضع قبلة في باطن كفها وتحدث بكلمة واحدة: أنتِ كل دعواتي اللي بتمني إنها تتحقق.
أطلقت شهقة فزع ثم وضعت يدها فوق ثغرها من الصدمة، وبعدما استجمعت شتاتها قالت بسعادة خافية: بجد يا حمزة؟
أطال النظر في وجهها مبتسمًا من أجل سعادتها ثم أردف بحديثٍ متيم بها عشقًا: بجد، سبحان الله كنت حاسس من أول يوم إنك هتكوني معايا وتحتلي تفكيري بالشكل ده
فتابع بنبرةٍ حزينة: بس بعدين اكتشفت إنه مينفعش نكون سوا علشان متجوزة
أسرعت بقولها المتلهف قائلة: أنا وعاصي انفصلنا امبارح
اتسعت عيناه من هول ما وقع على مسامعه ثم قال بخفوت متسائلًا: اتطلقوا؟!!!
أومات له مسرعةً ثم وثب واقفًا فقال بتهلل: هاروح الحمام وأجي لك نتكلم في كل حاجة
ابتسمت سامحةً له، وضعت يدها فوق قلبها الذي يقرع كالطبول لوجوده، وبعدما باتت المشاعر مشابهة والقلوب متحدة مليئة بالسعادة، مددت سلاسل العشق تقيد روحهما سويًا، تنفست بعمق، فها قد أصبحت أحلامها على مشارف التحقق.
بعد دقائق، خرج من الحمام مرتسمًا ابتسامة على وجهه، وجدها مقبلة عليه وعيناها تتساقط منهما الدموع بغزارة.
وضعت هاتفه أمامه، وعيناه المندهشتان تراقبها بصدمة من تقلباتها المزاجية، فأردفت بنبرة موجعة: مراتك بتتصل بك يا دكتور حمزة
ثم هرولت إلى الخارج غير عابئة بندائه.
تلاشت الحياة سعادتها التي لم تكتمل يومًا سوى بصيص في لمح البصر
فأصبح فقدانها للأمل وتحطم آمالها أمرًا واقعًا اعتادت عليه منذ الصغر !!!