رواية ترانيم في درب الهوى الفصل العشرون 20 بقلم دودو محمد


 رواية ترانيم في درب الهوى الفصل العشرون 


بالمساء، وبينما كانت ترنيم مستلقية على فراشها، كانت نظراتها تتجول على تفاصيل السقف الحزين المرسوم عليه بقع من اللون الأزرق الداكن، تفكر في سلطان الذي اشتاقت له بجنون، كأن غيابه كان طعنة في قلبها. تسللت دمعه خجولة من عينيها، لكن في لحظة عابرة، مسحتها بسرعة وابتلعت أنفاسها بعمق، محاولة التحكم في مشاعرها كي لا تُظهر أي ضعف أمام غريب ووالدتها. بينما كان الجرح في قلبها ينزف، تذكرت ضحكاته وأحاديثهما المليئة بالأمل، ولم يكن أمامها سوى تلك الذكريات التي عاشت معها طوال الوقت. وفي تلك اللحظة، انقطع تفكيرها على صوت طرقات خفيفة على الباب، كأنها كانت بحاجة إلى ذلك حتى تهرب من أفكارها. اعتدلت في فراشها، ومنحت الإذن للدخول بصوت ضعيف هزته مشاعر القلق.
دخل غريب وقد تحرك بخفة إلى جانبها، حيث جلس بجوارها كما لو كان يملك القدرة على تحويل الحالة من الحزن إلى السكينة، وبدأ يتحدث بنبرة هادئة متسائلاً:
"قاعده لوحدك هنا ليه؟" 
كأن كلماته كانت محاولة لإلقاء ضوء على ظلام أفكارها.
ردت بصوت مختنق، مفعم بالضيق: 
"كده حبة ابقى لوحدي." 
حاولت أن تبدو قوية، ولكن الكلمات خرجت من شفتيها كأنهار جافة.
نظر إليها نظرة مطولة، وكأن عينيه تحاولان قراءة أسرار قلبها، فسأل: 
"لسه بتفكري فيه؟" 
وهو يشير إلى الشاب الذي كان يدور في حواشي ذكرياتها.
ابتلعت ريقها بصعوبة، وتحدثت بتوتر:
"ها...ه هو مين؟" 
حاولت أن تُخفي مشاعرها المتضاربة، ولكن كانت الكلمات تتسرب كالماء من بين أصابعها.
ابتسم لها برفق، وظهرت لمحة من التحذير في عينيه، وقال: 
"إنتي عارفه يا ترنيم قصدي على مين؟"
كانت هذه الإشارة قوية، كفيلة بجعل قلبها يتألم أكثر.
تجمعت الدموع في عينيها، وتحدثت بصوت مكسور يشبه الصدى: 
"قلتلك الصبح أني لسه بحبه ومش هنكر ده، واكيد يعني غصب عني هفكر فيه. أنا عشت عمري كله وتفكيري كله الأربعة وعشرين ساعة فيه هو، أكيد مش هقدر أنساه في يوم وليلة." 
كان صدقها يحمل روحها عبئًا ثقيلاً، وكأنها تعترف بصعوبة في مجتمع يرى الحب على أنه ضعف.
اقترب منها، حرك يده برفق على وجهها، وكان إحساسه الدافئ يشبه نسيم عليل في صيف قائظ. تحدث بنبرة حنونة تخترق كل الحواجز: 
"وانا مقدر ده، بدليل مرضتش اقرب منك وألمسك وانتي في قلبك ودماغك راجل تاني. بس قصاد ده كله، بحاول أعمل ضبط نفس ليا ما بين الغيرة ورغبتي فيكي. حرب داخليا، وثورة عكس هدوئي الظاهري. أنا بسببك مش عارف اشوف شغلي، انتي مستحوذة على كل حاجة فيا." 
كانت كلماته تمسح بعض الحزن من ملامحها، لكنها أضافت أعباء أخرى لقلبها المتألم.
نظرت له بتوتر، وابتلعت ريقها بصعوبة، متحدثة بتلعثم، كأنها تستجدي الإجابة: 
"ا انت اتجوزتني ليه يا غريب، علشان رفضك، ولا علشان حاجة تخص سلطان؛ ولا لسبب تاني؟" 
كانت تبحث عن إجابات، كمن يفتش في ظلام ليهيئ طريقه نحو النور.
ابتسم لها بهدوء، وكأن إجابات الحياة بحوزته، ورد: 
"لسبب تاني." 
كان ذلك الرد يحمل غموضًا يثير تساؤلاتها أكثر.
ردت بعدم فهم، متسائلة بقلق: 
"وأيه هو السبب التاني؟" 
كانت الكلمات تخرج منها كمرآة تعكس حيرتها وفضولها، وكأنها كانت تبحث عن دليل على وجود مشاعر حقيقية عنده.
ظل يحدق بها بصمت، بينما كانت عينيه تفتش في أعماقها كمن يبحث عن إجابات لم تُقال. ثم استقام بجسده، ببطء وكأنه يحاول التقاط الأفكار المتعسرة في ذهنيهما، ومال عليها مقبلاً رأسها بلطف، ذلك القبلة التي تحمل دلالة الحب والاهتمام، مع تلك النبرة الهادئة التي لطالما أزعجتها لأنها كانت تثير فيها تساؤلات أكبر:
"تصبحي على خير."
اتجه نحو الباب، لكن أوقفه صوتها الهامس، كان يحمل في طياته شعوراً من التوتر والفضول: 
"على فكره، انت غامض أوي وشخصيتك مش مفهومة." 
كانت كلماتها تعكس جزءاً من قلقها، لأنها أدركت أن هناك الكثير مما لم تقله أو تفهمه عن الرجل الذي يجلس بجانبها، فهو كفنجان من القهوة، حار ومر، وغير متوقع. في تلك اللحظة، تأمل في عينيها وكأنه يريد أن يكشف تفاصيل معقدة لم يستطع التحدث عنها.
استدار إليها واكتفى بابتسامة، لكنها لم تكن أي ابتسامة، بل كانت تشبه ذلك الفجر الذي يعلن عن بداية جديدة، ثم خرج من الغرفة، أغلق الباب خلفه بحذر وكأنما يحاول الحفاظ على أسرار تلك اللحظات بينهما. كان الصمت الذي أعقب ذلك الكون قد خيم على المكان، مما جعلها تبتلع عواطفها المتضاربة.
نظرت إلى أثره بضيق وقلق، متحدثة بصوت هامس: 
"بني آدم مريب، نظرت عيونه تخوف." 
لم يكن مجرد شك، بل كان هناك شعور بالفقد والعزلة كلما تذكرت نظرته الغامضة، التي كانت تمتزج بين القوة والرهبة. كانت نظراته وكأنها تخفي وراءها عالماً من الأسرار والأفكار المظلمة التي لا تتوافق معها.
ثم تمتدت على فراشها، وعادت تفكر مرة أخرى في حبها الأبدي، سلطان. لكن سرعان ما تداخلت مشاعرها، كان قلبها يتأرجح بين حنينها لرجلها الأول وفضولها المتواصل تجاه الغريب الذي دخل حياتها كعاصفة.
            *************************
جلس سلطان على مقعدة، يحدق أمامه بغضب، إذ كلما تذكر زواج ترنيم، كان يتوعد باستعادتها إليه مرة أخرى. في تلك اللحظة، دخلت رنيم، ابنته الصغيرة، وجلست على قدميه، تنظر إليه ببراءة، وكأنها شعرت بلحظة الضعف التي كان يعيشها. قالت بطفولية: 
"بابي، هي أبلة ترنيم لسه عايشة في الشقة القديمة؟"  
حرك رأسه بالنفي، متحدثا بنبرة مختنقة، كأن الكلمات تعبر عن وجع داخلي يتغلغل في أعماقه: 
"لا يا حبيبتي، أبلة ترنيم في رحلة، وقريب أوي هرجعها تاني لينا." 
بينما كانت الطفلة تستمع إليه، كان في ذهنه يختزن كل لحظة جمعته بترنيم، وكل موقف عابر، يشعل نار الحنين في قلبه. وقفت الطفلة، وأخرجت ورقة من جيب بنطالها، وقد بدت واثقة ومبتهجة، وسلمتها لوالدها، قائلة ببراءة: 
"شوفت يا بابي، رسمتي لأبلة ترنيم. أنا وهي ماسكين إيد بعض." 
أخذ منها الورقة، وظل يحدق بها بألم شديد، كأنها مشهد من ذكريات عابرة لم يستطع نسيانها. تحركت أصابعه برفق على الرسمة، وكأن الرسم نفسه كان يناديه، وتكلم بصوت مختنق: 
"تعرفي أن هي كمان بتحب الرسم زيك، لما كانت في سنك، كانت ترسمني وترسم نفسها شبه كده، وإحنا ماسكين إيد بعض."
كانت تلك اللحظة بمثابة عودة إلى أيام سابقة، حيث كانت الضحكات تتردد في أرجاء المنزل. الابتسامة برقت على وجهها، وقالت بسعادة: 
"بجد يا بابي؟" 
وكأنها تبحث في عينيه عن كل ما يجعلها تشعر بالأمان.
أومأ رأسه بالتأكيد، لكن الحزن كان ينساب من صوته عندما قال: 
"أنتي أصلاً كلك شبهها." 
ألهبت تلك الكلمات ذاكرتها، فارتسمت على وجهها ملامح استغراب وفضول، وردت كمن يتذكر شيئاً كان ضد إرادتها: 
"أصلاً!" 
وكأنها تدرك في عمقها أن هناك قواسم مشتركة تربطها بترنيم، حتى وإن لم تكن تتقبل ذلك بعد. 
ابتلع حزنه، وتكلم بصعوبة: 
"أصلاً، أصلاً." 
كانت فريدة تقف خلف الباب، تستمع إليهم، وعجزت عن كبح غضبها حين فتحت الباب وصرخت: 
"رنيم، روحي أوضك." 
تمسكت رنيم بوالدها، قائلة: 
"لا، أنا عايزة أقعد شوية مع بابي، علشان كان وحشني أوي." 
كان صوتها مليئًا ببراءة الأطفال، تلك البراءة التي كانت دائمًا ما تحاول تمسك بوالدها من خلالها.
كادت فريدة أن تمسكها من ذراعها، لكن يد سلطان كانت الأسرع، إذ أمسك بتلابيب الغضب يدها بقبضته، وحذرها: 
"حسك عينك صوتك يعلى وأنا قاعد، فاااهمه، سيبي البت، أنا عايز أقعد معاها شوية." 
تألمت من قبضته عليها، وتكلمت بصوت مختنق: 
"سلطان، سيب إيدي، بتوجعني، سلطان البنت قاعدة." 
كانت تلك اللحظة بمثابة صراع مرير بين الرغبة في الهدوء والألم الذي يعيشه كل من الطرفين.
ترك سلطان يدها ودفعها بقوة بعيداً، قائلاً:
"روحي شوفي كنتي هتعملي إيه."
نظرت إليه بضيق، ثم تحركت سريعاً بعيداً عنهم، بينما لاحظ سلطان مدى تأثير ذلك المشهد على ابنته. نظرت رنيم إلى والدها بتساؤل طفولي: 
"بابي، هو أنت مش بتحب مامي؟" 
وكأنها تشعر بمتنزع كبير بين والديها، وبدأت تتساءل حول الأسباب التي تجعل الأجواء مشحونة.
تفاجئ من السؤال، ورد عليها باستغراب:
"ليه يا حبيبتي بتقولي كده؟" 
أجابت ببراءة: 
"علشان أنت على طول بتزعل مامي وبتخليها تعيط."
وكان وقع كلماتها كالسهم، حيث أغلق عينيه بحزن، ثم ابتسم لها محاولاً تغيير تلك الفكرة من رأسها، قائلاً: 
"لا طبعاً، يا حبيبتي، أنا بحب ماما، بس ساعات بنزعل من بعض لما بتعمل حاجة غلط." 
وبينما كان يحاول تفسير تعقيدات مشاعره، كانت لا تزال تنظر إليه ببراءة الأطفال، وكأنها تخشى أن تفقد الإحساس بالأمان الذي تجده بالقرب منه.
أومأت برأسها بتفهم، وحاولت أخذ الورقة منه، لكنه تحدث بسرعة: 
"لا، خليها معايا، أنا عايزها." 
قفزت الطفلة بسعادة، تلهو، وركضت مسرعة إلى الخارج، تشعر بالفرح الطفولي الذي يخفف من وطأة الفراق في عائلتها. كانت تلك اللحظات تلخص حياتها البسيطة التي أساء الفراق إلى حلاوتها.
نظر سلطان إلى أثر طفلته بحزن، ثم تنهد، وعاد إلى النظر في رسمة ابنته. ظل يحدق بها، وقد تجمعت الدموع في عينيه، لكن كبريائه كان يرفض الاستسلام لهذا الضعف. تكلم بتوعد، في تلك اللحظة التي اختلط فيها الألم بالعزيمة: 
"هرجعك ليا يا ترنيم بأي تمن كان، لأنك بتاعتي، ومتخلقش لسه اللي ياخد حاجة من المعلم سلطان." 
كان صوته يحمل شحنات الغضب والحنين، وكأنه يختصر كل صراع قلبه في تلك العبارة الوحيدة.
          *************************
مر يومين وبدأت حالة سلطان تستقر واسترد صحته جيدًا، وكانت العائلة تشعر بالارتياح ببطء مع كل تقدم يحرزه. أما ترنيم فما زالت حالتها كما كانت، حبيسةً لغرفتها، محترقة بأفكارها ومشاعرها المتضاربة. لم تكن قادرة على نسيان ما حدث، وكانت تعيش في دائرة من الذكريات المؤلمة. كل حين وآخر، كان يدخل غريب إلى الغرفة ليطمئن عليها، ولكنه كان يتحرك بحذر، يحرص على عدم إزعاجها أو فتح الجراح القديمة.

وفي صباح يوم جديد، استيقظت ترنيم من نومها على صوت خفيف يكسر رتابة الأماكن. نظرت حولها في الغرفة المظلمة التي اعتادت أن تكون ملاذًا لها، لكنها شعرت بالقلق يتسلل إلى داخلها. انتفضت فجأة عندما وجدت غريب يجلس على الأريكة في ركن الغرفة الهادئ، ينتظر استيقاظها بوجه مبتسم. اعتدلت سريعًا على فراشها، وتحول القلق إلى ضيق، فخاطبته بنبرة مستنكرة: 
“انت ازاي تدخل عليا الاوضه وانا نايمة؟”
أجابها بنبرة هادئة موضحًا لها برفق: 
“أنا دخلت استناكي لحد ما تصحي علشان تجهزي.” 
مرت بضع ثوانٍ قبل أن تستوعب كلماته، لكنها لم تستطع أن تخفي استغرابها.
ردت عليه باستفسار حاد، وبلبلة واضحة: 
“أجهز ليه؟” 
لم يكن يومها مثل الأيام السابقة، إذ أحست بشغف مبهم في قلبها، شغف يحمل نسمات حياة جديدة تهب عليها.
استقام بجسده، وألقى نظرة مشجعة على ملامحها التي تكسوها شحنات من الحماس والخوف، وتحدث بتوضيح واثق: 
“علشان هخدك عندك خالتك صباح زي ما وعدك.” 
كانت هذه الكلمات بمثابة طاقة إيجابية سرت داخلها، فبدأت آمال حياتها تطمح للخروج من حالة الكآبة التي جثمت على قلبها.
نهضت سريعًا، والفرحة تُشع من عينيها، ووقفت أمامه وكأنها تجردت من كل ما يثقل روحها، وتحدثت بسعادة تغمرها: 
“بجد يا غريب! هنروح عند خالتوا صباح دلوقتي؟” 
لم يكن مجرد وعد بل كان دعوة لحياة جديدة، وعودة إلى الضحكات والمشاعر المنسية التي كانت تفتقدها، وكانت تطمح أن تسترجعها بعد أيام طويلة من الصمت.
أومأ برأسه تأكيدًا وقال:
“امم...بجد، بس خلي كلامي حلقة في ودنك؛ اياكي تستغفليني يا ترنيم.” 
كانت نبرة صوته تحمل مزيجًا من الجد والتوعد، لم يكن يمزح. كان هناك شيء جدي خلف كلمات غريب، شيء جعلها تشعر بمدى ثقله. حركت عينيها في توتر، فهي تعرف مدى تأثره بما يحدث حوله، ولا تريد أن تكون سببًا في أي سوء فهم.
ابتلعت ريقها بتوتر وأومأت برأسها بالطاعة، قائلة: 
“حاضر، هناخد ماما معانا؟” 
كان قلبها ينبض بشكل أسرع، لم يكن اللقاء مع خالتها هو الأمر الذي يسعدها فقط، بل كانت تخطط لشرح مشاعرها وحماستها لسلطان. لكن فكرة أن تصطحب والدتها معها كانت بمثابة طمأنة لها. كانت بحاجة لدعمها، حتى لو لم يكن ذلك واضحًا في تلك اللحظة.
تحرك باتجاه الباب وهو يقول: 
“اه هناخدها معانا.” 
ثم خرج من الباب وأغلقه خلفه، تاركًا خلفه انطباعًا قويًا في قلب ترنيم. شعرت بحرارة تتسرب إلى وجهها، حيث كانت تفكر في كيف ستكون الأجواء هناك. ولكن في نفس الوقت، كان هناك فضول حول ما الذي يقوم به سلطان اليوم، وكلما زادت حركتها في التحضير، زادت رغبتها في القفز في السيارة والذهاب.
قفزت ترنيم بسعادة مثل الطفلة الصغيرة، وبدأت تتجهز للقاء سلطان، وكانت تخطط في ذهنها لكل كلمة ستقولها له، وكيف ستتناول الأمر برقة. وبعد فترة، انتهت من تجهيز نفسها ونظرت إلى انعكاسها في المرآة بإعجاب، ثم خرجت من غرفتها بهدوء. عند السلم، تفحص غريب بعينيه من الأعلى إلى الأسفل وتحدث بنبرة رجولية:
“أنا شايفك حلوة من غير حاجة، بس حاسس إن حلاوتك زيادة شوية دلوقتي!”
شعرت بنوع من الكبرياء، حيث استدعت ثقتها بنفسها لكنها أيضًا شعرت بالخجل.
تنحنحت بإحراج وتحدثت بنبرة متوترة:
“ع عروسة بقى وكدة ودي أول خروجة ليا.” 
رفع غريب أحد حاجبيه إلى الأعلى، مما أضاف لمسة من السخرية إلى حديثه، وقال: 
“والله! وهو برضه مش المفروض العروسة تكمل مهمتها مع عريسها ولا أيه؟” 
كانت نبرة صوته مفعمة بالضيق، لكن في خلفيته كانت هناك لمحة من الجدية والغيرة.
اتسعت عيناها بصدمه كبيرة، وابتلعت ريقها بإحراج تام كأن الكلمات دخلت عمق قلبها قبل أن تصل إلى أذنيها. نظرت إلى والدتها بخجل، وكأنها تبحث عن إشارة تطمئنها، وقالت بصوت مشوش: 
“ها...ا ايه اللي انت بتقوله ده؟” 
كان سؤالها يحمل الكثير من الدهشة والاستنكار، ففي عالمها الخاص، كانت تأمل أن تكون هذه الليلة مليئة بالسعادة والمرح، لا أن تُربط بأفكار قديمة تشعر بأنها ثقيلة عليها.
تحرك غريب من أمامها وكأن حديثه لم يكن له تأثير، وتحدث بنبرة جادة تُعبر عن الحسم: 
“امشي يلا.”
أمسكت يد والدتها بسعادة غامرة في محاولة لتخفيف التوتر المتزايد في داخلها، وتحدثت بصوت هامس مفعم بالحماس: 
“اخيرًا يا ماما هنشوف خالتوا صباح وسميه.” 
ثم تذكرت بسعادة دافئة: 
“وسلطان.” 
كانت الأسماء تتدفق من فمها كسيل من الذكريات الجميلة، وجدت في هذه اللحظات ما يُشعرها بالراحة وسط الضغوط التي تتعرض لها.
نظرت إليها والدتها بلوم، وكأنها تحذرها من طرق قد تؤدي إلى فوضى، وتحدثت بنبرة غاضبة نوعًا ما: 
“بت أنتي لمي الدور، واياكي، تعملي حركه مجنونة تزعلي جوزك منك.” 
اكتفت بابتسامة هادئة، ربما لتخفي حيرة مشاعرها، وتحركوا خلف غريب وصعدوا السيارة. لكنه نظر في المرآة وأمرها بطريقة لا تحتمل الجدال: 
“تعالي يا ترنيم اركبي قدام جنبي.” 
كانت كلماته تأمر بالامتثال، وكأن الأدوار قد وضعت في قالب صارم، مما جعلها تشعر بأن قيدًا آخر قد أُضيف إلى ما تضغط عليه بالفعل. 
نظرت إلى والدتها، ووجدتها تحثها على اتباع كلام غريب، نظرت له بغضب وزفرت بضيق، ثم ترجلت من الخلف وصعدت إلى المقعد الأمامي بجواره. أدار غريب السيارة وتحرك بها نحو الفيلا الخاصة بسلطان، وكان قلبها يتسابق، بين الخوف من ما سيكون والفضول لما ينتظرها خلف الأبواب المغلقة.
        **************************
استيقظ سلطان من نومه على صوت طفلته الصغيرة، رنيم، وهي تغني بلحنٍ طفولي عذب، مبتسمًا بحب وهو يستشعر اللحظات الصغيرة التي تضيء حياته. اعتدل على فراشه معانقًا إياها بعطف، وأجلسها على قدميه بحنان. وضع قبلة رقيقة على خديها الورديين وتفاخرت عيناه بالدموع وهي ترسم في ذاكرته صورة هذه اللحظات الثمينة، ثم قال بصوتٍ مليء بالحب والدفء: 
"صباح الورد على أجمل بنوته في الدنيا."
ابتسمت له ببراءة طفولية، مملوءة بالطاقة والحياة، وردت قائلة: 
"يلا يا بابي، تيتة بتقولك اصحى يلا علشان تفطر." 
وبدا كما لو أن براءتها قد عززت من تفاؤله، وكأن حاجز الحزن الذي يحيط بقلبه بدأ يذوب أمام إشراق وجهها. كان يعرف جيدًا أن كل لحظة يقضيها معها تساوي العالم كله.
أومأ برأسه بالموافقة، ونطق بنبرة حنونة، تشبه تلك التي ينطق بها الشاعر عندما يتحدث عن محبوبته: 
"ماشي يا قلب بابا، روحي قوليلها بابا جاي ورايا." 
ثم أنزلها برفق إلى الأرض، وعيناه تتلألأ في إبداعات الطفولة، وقال بمزاح: 
"يلا يا قمري، اجري." 
كانت ضحكتها تشبه جرسًا رقيقًا، يملأ الأجواء سرورًا.
ركضت رنيم إلى خارج الغرفة، وهي تضحك وتلعب بشعرها الذي يرفرف خلفها كأنها فراشة، بينما وضع سلطان يده على وجهه وزفر بضيق، حيث شعر بقلبه يتمزق تحت وطأة مشاعر مختلطة من السعادة والألم. كان عليه الاستمرار في مواجهة الحياة، واستعادة ما أُخذ منه بالقوة، رغم الفقد الذي يحيط به كالسحاب.
نهض من على فراشه، متوجهًا إلى المرحاض، حيث غسلت ملامحه التعب الذي بدا طيلة الأيام الماضية. وبعد فترة، خرج مرتديًا ملابسه، ثم غادر الغرفة في نفس الوقت الذي قرع فيه الجرس برنينه المزعج. فتحت الخادمة الباب، ولكن سلطان تجمد في مكانه على الدرج، مصدومًا عندما شاهد ترنيم مع غريب ممسكة بيده، وكأن نارًا اشتعلت في داخله وكأن الزمن توقف، ليبدو ألمه قد ولد له إحساسًا بالمواجهة التي ستحدد مصيره.
احتضنت ترنيم صباح بأشواق، مشعة بالسعادة التي ترافق حضنها، وكذلك احتضنتها وفاء، وكأنهم جميعًا في كوكب آخر. وعندما لمحت سمية ترنيم، ركضت نحوها، لكن سرعان ما توقفت فجأة، وكأن شيئًا ما قد أعاق حركتها. نظرت إلى غريب بحذر وحركت رأسها بالرفض، متسائلة: "مين ده يا ترنيم؟" 
كان فضولها يحمل شيئًا من الخوف، حيث طغى القلق على محياها.
ابتلعت ريقها بصعوبة وكادت أن تجيب، لكن في تلك اللحظة، سمعوا صوت سلطان الغاضب يملأ المكان بقوة: 
"ده يبقى جوزها يا سمية." 
كانت كلماته كالرعد في صمت، تصفع الوجوه وتثير التساؤلات حول يوم غائم يبدو أنه سيغير مجرى حياتهم جميعًا.
انتفضت ترنيم في مكانها وجحظت عيناها نحو مصدر الصوت، حيث شعرت وكأن قلبها توقف للحظة. تجمعت الدموع في عينيها وكادت أن تركض نحوه، لكن يد غريب القوية أمسكتها ومنعتها بخفة، كأنه يدرك ما تحمله اللحظة من توتر وغضب. نظرت له بضيق، محاولة أن تفهم تعابير وجهه، لكنه أطلق نظرة تحذيرية تعبر عن الغضب، فأغلقت عينيها في محاولة لإيقاف الدموع التي كانت تترقرق على خديها، وتزايدت دقات قلبها في صدرها؛ فالمواجهة كانت أصعب مما تخيلت، وكأنها على حافة الهاوية.
اقترب سلطان من غريب وأمسك به بغضب يشتعل كالنار، متحدثًا بصوت جهوري يرتج منه المكان: 
"انت مفكر نفسك كده راجل لما تاخدها، وقلبها مشغول براجل غيرك؟" 
كانت هذه الكلمات كالرصاصة التي اخترقت صمت اللحظة، وأضرم نار الغضب في عروق غريب، مما جعله يلتفت وينظر إلى سلطان بعينيه المشتعلتين. كان كل منهما يتحدى الآخر، كل واحد يتوق لإظهار قوته، وكأن العالم من حولهم قد اختفى ولم يتبقى سوى هذا الصراع.
فتحت ترنيم عينيها على مصراعيهم، كأنها تبحث عن بصيص أمل في تلك اللحظة العصيبة، واقتربت منهم ببطء، مشبعة بالألم، أمسكت بذرع سلطان وأدنت إليه قائلة بلهجة مفعمة بالرجاء: 
"سلطان، اهدا علشان خاطري." 
لكن سلطان كان متأججًا بالغضب، فدفعها بقوة بعيدًا عنه مما أسقطها على الأرض، وكأنما ركلت آمالها في تلك اللحظة. كان وقع ساقهما في قلبها كالكلمات التي تجرح، وازداد الأمر سوءًا عندما رأى غريب ما حدث.
اشتعل الغضب داخل غريب كبركان ثائر عندما دفعها سلطان إلى الأرض، فاستجمع قوته ووجه إليها لكمة قوية قائلاً: 
"أنا هعرفك ازاي تمد ايدك على مراتي."
كانت تلك الكلمة الشرارة التي أشعلت الفتيل، فاندلع الغضب بينهما كشرارات نار تشتعل في الظلام. رد غريب الضربة بقوة، فتراجع سلطان للخلف، ولم يعد هناك وقت للتراجع، فقد تحولت الغرفة إلى ساحة قتال مليئة بالوجوه الغاضبة والأصوات العالية. نهضت ترنيم من الأرض بسرعة، محاولة إبعاد سلطان عن غريب، بينما وقفت في المنتصف بينهما، متحدثة بصراخ ودموع في عينيها: 
"كفاية أنت وهو، حرام عليكم، مش واخدين بالكم من البنت الصغيرة اللي خايفة دي."
كان صوتها مختلطًا بالقلق، ويبدو أنها تضع كل ما في قلبها لاستعادة هدوء الوضع المتأجج.
ثم اقتربت من سلطان، ممسكة يده بقوة كأنما تستمد منه القوة والدعم، ونظرت إليه بألم يتسرب في صوتها، قائلة: 
"سلطان، قبلت ولا مقبلتش غريب دلوقتي جوزي على سنة الله ورسوله، وانت متجوز وعندك بنت، ربنا يخليها ليك. ياريت علاقتنا تفضل كويسة مع بعض، انت ابن خالتي واللي مربيني، وأنا بالنسبالك أختك الصغيرة زي ما كنت بتقول الأول. ياريت تنسى أي حاجة كانت ما بينا، علشانك وعلشاني." 
كانت كلماتها تقطر بالأسى، وهي تحاول قدر الإمكان أن تصلح ما انكسر، وتعيد الألفة بين القلوب التي انقسمت بسبب لحظة غضب طائشة، فهي لم تعد تملك شيئًا سوى الأمل في أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ولربما تنقلب الأوضاع بعد هذه العاصفة لتحمل سلامًا جديدًا. 
ثم رفعت رأسها إلى غريب، عينيها تتألق بالأمل على الرغم من الموقف العصيب، وطلبت بترجي: 
"ممكن تنسى اللي حصل، علشان خاطري، وتبدأوا صفحة جديدة؟ وعلى الاتفاق اللي كان ما بينا، أنا وانت، سلطان مش أكتر من ابن خالتي واللي مربيني، ممكن يا غريب؟" 
تجلى الغضب على وجه غريب، حيث نظر إلى سلطان بعينين مليئتين بالاستنكار، ومسح الدماء المتناثرة على وجهه نتيجة الشجار، محاولًا أن يهدئ نفسه قائلاً: 
"أنا ممكن أنسى أي حاجة إلا أنه يمد إيده عليكي."
ردت عليه، وهي تشعر بصعوبة في إخراج الكلمات من بين شفتيها، متحدثة بنبرة مختنقة: 
"عادي يا غريب، أنا متعودة منه على كده، يعني، مافيش أخ مش بيمد إيده على أخته!" 
ثار سلطان من جديد، متحركًا نحو ترنيم بعنف، وأمسك بيديها بقوة، مجبرًا إياها على التحرك معه، كما لو كانت مغلولة إلى سرية ماضية لا تستطيع الفرار منها. ركض غريب خلفهم، عينيه مشتعلة غضبًا، ممسكًا باليد الأخرى من يد ترنيم، ونظر إلى سلطان بطريقته الحازمة، قائلاً: 
"انت اخدها فين، انت اتجننت؟"
ضغط سلطان على أسنانه بغضب، والموقف يشعره بالتهديد، وقال: 
"أختي الصغيرة، وعايز أتكلم معاها على انفراد، عندك مانع؟" 
نظرت ترنيم إلى غريب، وكأنها تبحث عن الأمل في عينيه، طالبة: 
"ممكن لو سمحت!"  
كانت كلماتها تحمل وزن تلك اللحظة الحرجة، حيث لم تكن تعرف إن كانت تحتاج في تلك اللحظة إلى دعم غريب أم أنها تحتاج إلى الاستماع إلى سلطان. 
أغلق غريب قبضته بغضب، وترك يدها تتساقط بين أصابعه، محركًا أصابعه بتحذير، قائلاً: 
"متنسيش الكلام اللي قولته ليكي، علشان أنا مبحبش أقول كلامي مرتين." 
ابتلعت ريقها بصعوبة، وكانت عاصفة من التوتر تعصف في صدرها، وأومأت برأسها بتوتر بإرادة غير مؤكدة. تحرك سلطان بغضب إلى الحديقة، وكأن كل خطوة تقربهما من مكان للنقاش بشكل حميمي ولكن متوتر، مجبرًا إياها على التحرك معه مبتعدًا عن الجميع، ليبدو وكأنهم عائلة تشتعل الأمور بينها. ثم نظر إليها والشرار يتطاير من عينيه كأنه يشتعل بنفسه، قائلًا:
"هتدخلي دلوقتي حالا وتطلبي الطلاق منه، احسن. أقسم بالله، يا ترنيم، اقتله قصادك دلوقتي!" 
حركت رأسها بالرفض، والدموع تتجمع في عينيها كتل من الهموم التي لا تنتهي، قائلة بصوت خفيض يتلألأ فيه الألم: 
"مش هطلق من غريب يا سلطان، وانت مش هتنفذ كلامك. كده كده مكانش فيه ما بينا نصيب أنا وأنت، لازم تتقبل الواقع."
ضغط سلطان على يدها بغضب متزايد، صارخًا وكأن صوته يعكس عواطفه الثائرة:
"انتي بتاعتي أنا يا ترنيم، وهتطلقي منه بالذوق أو بالعافية. مش عارف إزاي قدرتي  تنسيني بالسهولة دي، أزاي سمحتي ليه يلمس جسمك اللي بصمتي على كل حتة فيه."
ردت عليه بعد أن انهارت من كلماته، صرخاتها تمزق جدار القلق الذي كان يتكون داخلها: 
"اه، قدرت يا سلطان زي ما انت قدرت تلمس واحدة غيري وتخلف منها، على الأقل أنا عملت كده علشان مصلحتك وعلشانك، إنما أنت كان إيه عذرك لما رحت أتجوزت فريدة؟ هااا، أنت أناني يا سلطان، عايز كل حاجة ليك ومتخسرش أي حاجة، وجعتك كرامتك دلوقتي؟ حسيت بأحساسي لما عرفت انك متجوز ومخلف أيه؟ جربت وحسيت بالنار اللي أنا حسيت بيها قبلك؟ عمومًا ياريت تنسى اللي فات كله وتركز مع مراتك وبنتك، وأنا كمان اركز في حياتي الجديدة، خلينا اخوات، انت سلطان، اللي كبرتني وربتني، وانا ترنيم، بنتك او أختك الصغيرة، اللي كانت بتعتبرك العالم بتاعها."
حرك رأسه بالرفض محذراً بأصابعه، وكأن تهديداته تتردد في الهواء بينهما: 
"عمرنا ما كنا أخوات يا ترنيم. اللي ما بينا هيفضل جوه قلبك وقلبي، مهما حاولنا نهرب من الحقيقة. علشان كده بقولك، لو مطلقتيش منه بالذوق، هطلقك منه بالعافية."
تكلمت بنفس طريقته، محذرة إياه بأصابعها التي ارتجفت قليلاً من شدة انفعالها: 
"وانا بحذرك يا سلطان، أياك تدخل في حياتي بأي شكل كان، لأن ساعتها هنسى كل حاجة حلوة كانت ما بينا، وهتشوف ترنيم تربيتك هتعمل معاك إيه."
تململ سلطان قليلاً، ولكنه لم يظهر أي علامة على التراجع، بل أغلق قبضته على أصابعها بقوة، ثم نظر في عينيها وسط التوتر الذي يسيطر عليه، قائلاً: 
"أنا اللي مربيكي وحفظك أكتر من نفسك يا ترنيم، وعارف ومتأكد أن حبي اللي في قلبك مستحيل تنسي بسهولة كده. اللي ما بينا رابط أقوى من الحب، لا أنا ولا انتي نقدر نتخلى عن بعض. وقريب أوي هرجعك تاني لحضني."
أنهى كلامه وترك يدها، مغادرًا المكان نهائيًا، وكأن مشاعره الثقيلة تركت أثرًا في الهواء البارد المحيط بهم.
جلست ترنيم على المقعد، والدموع انهمرت من عينيها بغزارة، مختلطة بمشاعر الفزع والحنين: 
"أنا عمري ما أقدر أنسى حبك يا سلطان، بس غصب عني لازم أعمل كده علشان أحميك من شر غريب، أنا آسفه."
دخل غريب، نظر لها بغضب كان يدور في عينيه، وكأن عاصفة من الغضب تجلت فيه، وقال: 
"أعتقد كده أنا عملت اللي عليا، وعملت اللي مفيش راجل يقبله على نفسه. أديتك فرصة تنهي العلاقة دي من جذورها، علشان لو حسيت بأي حاجة ما بينكم، مش هرحمكم."
نظرت له بدموع تتلألأ في عينيها، قائلة بصدق: 
"أنا نهيت كل حاجة يا غريب، خلاص وحطيت النقط على الحروف، متقلقش، سلطان دلوقتي مش أكتر من ابن خالتي اللي مربيني."
أومأ برأسه بغضب، لكن بدا وكأنه يتصارع مع مشاعره، قائلاً: 
"أنا عندي مشوار مهم دلوقتي هروحه، وكمان ساعة هاجي أخدك."
ردت عليه بنبرة مختنقة، مثقلة بالهموم: "ماشي."
نظر لها نظرة مطولة، كأنه يحاول قراءة أفكارها، ثم تحرك من أمامها، تاركًا إياها لتتأمل في قرارها. ظلت تنظر إلى أثره حتى غادر، ثم انهمرت دموعها مرة أخرى بغزارة، حيث كانت تستشعر فصول الألم التي ستكتب على ورقة ذكرياتها.
            *************************
صعد سلطان سيارته، ليطلق العنان لغضبه في قيادة سريعة جنونية، يحاول العثور على مخرج لثورته المتأججة، ظل يدور في الشوارع دون وجهة محددة، وحين تذكر الحارة، أمسك بهاتفه وأجرى عدة اتصالات. بعد مرور لحظات، توجه نحو الحارة، وعندما وصل، وجد رجاله في انتظاره، يحملون عدة أسلحة تتنوع أشكالها. نظر إليهم بعينين حمراوين من شدة الغضب، وتحدث بصوت حازم:
"أنا عارف انكم اتغفلتوا منهم وأنكم عندكم استعداد تفدوا أهل بيتي برقبتكم، احنا هنهجم عليهم دلوقتي وهنرجع منهم كل حاجة أخدوها غصب! مستعدين تدخلوا معايا وتقاتلوا لآخر نفس فيكم؟"
أومأ رجاله برؤوسهم موافقين، بينما عبروا عن عزيمتهم وإصرارهم.
"معاك يا معلم سلطان."
أخذ سلطان جنزيراً حديدياً وحركه حول كف يده بشكل دائري، والشرر يتطاير من عينيه، كان يبدو كأنه قد استحضر طاقة قديمة مختزنة في أعماق روحه، مما أضفى بعداً مهيباً على هيئته، توجه إلى الداخل وتبعه رجاله، حيث واجهوا رجال حسناء، زوجة المعلم حافظ، الذين كانوا يتصدرون مواجهتهم بكامل قوتهم، وهنا بدأت المعركة، فقد استغل سلطان الموقف ليخرج ما يكنه داخله من مشاعر مؤلمة وشعور بالخيانة، مستحضراً كلمات ترنيم التي كانت تتردد في عقله كصدى يحذره من مغبة ما هو مقبل عليه، كان مشهد مسك يد غريب ليدها قد أشعل النار داخله، فاندفع يقاتل بقوة وفوضى، فقد كانت كلماتها تتحول إلى حقد متفجر على كل من يقف ضده. لم يكن يرى أمامه، فأي شخص يعترض طريقه كان يتلقى الضربات بسلاحه أو بالجنزير الحديدي، وكأن كل ضربة تحقق له نوعاً من الانتقام المفرط.
تعالت أنفاسه بسرعة، نظر حوله ليجد الأجساد ملقاة على الأرض ورائحة الدماء تنتشر في المكان، كان صراخ البعض يتداخل مع هتافات الجبناء، وهو يتجه نحو مكتبه الخاص، حيث وجد حسناء تقف خلف رجلين ترتجف بشدة، كالأطفال الخائفين في عاصفة، أخرج سلاحه ووجهه نحوهم قائلاً بصوت جهوري:
"اظهري من وراه الخرفان اللي مستخبيه وراهم دول، متخافيش، المعلم سلطان متعودش يمد إيده على مرا."
تكلمت بصوت مرتعش، وكأن الكلمات كانت تُجر أمامها في كل مرة تلفظ بها:
"أنت جاي ليه، وعايز مننا إيه؟"
رد بصوت غاضب، اهتزت له الأرض من شدة توتره، وكأن حواجز الصبر قد انكسرت:
"عايز حاجتي، مكتبي وبيتي اللي أنتوا خرجتوا منه أهل بيتي!"
ابتلعت ريقها بصعوبة، وأجابت، كما لو كانت تعيش كابوساً:
"مالكش حاجة عندي!"
خرج صوت فاضح من حنجرته حين قال بوقاحة، وكأن كل مقاومة كانت تومض في عينيه:
"أ**، أنا أه مش بمد إيدي على مرا، بس ممكن أخلي أقل راجل عندي يعمل معاكي أحلى واجب ويظبطك قدام كل الحارة."
تراجعت بخوف، وكأنها تدرك أن هذا الرجل سينفذ كلامه بالفعل، وتحدثت بصوت مرتعش:
"و وأنا مش خايفة منك، وخروج من المكان هنا مش خارجة."
فجأة، أطلق رصاصة من سلاحه على قدم أحد رجالها، مما أسقطه على الأرض وكسر حالة السكون الهش، انتفضت من الخوف ونظرت إليه بترجي، وكأن قلبها كان يعتصره شعور الفقد:
"أرجوك يا معلم سلطان، متأذنيش، أنا عندي ولادي محتاجيني، ملهمش غيري."
تحرك سلطان ببطء مخيف، وكأن كل خطوة كانت تؤكد قراره، ونظراته مثبتة عليها، كالنمر الذي عثر على فريسته، ضغط على قدم الرجل المصاب، وقال:
"خدي بعضك والخرفان دول، وتخرجي من الحارة دي خالص، ولو شفت طيفك بس قصادي، متلوميش غير نفسك، مفهووم؟"
أومأت برأسها بخوف وركضت مسرعة من أمامه، بينما ساعد الرجل صديقه، وخرجا من الحارة يجران خلفهما خيبة الأمل. كان المنظر مؤلماً، والجروح لا تزال مُستحضَرة في الأذهان دون أي أمل للشفاء.
بدأت التهاليل من أهالي الحارة تُحتفل برجوع معلمهم وحاميهم، المعلم سلطان. أطلقت النساء الزغاريد، تعبيراً عن سعادتهم بعودته، وبدا وكأن الفرح قد عاد ليخيم على ظل الاضطراب. بدأ الجميع يرحب به  بطريقته الخاصة، أيدٍ تمتد للأمس، قلوب تدعوه إلى المستقبل. جلس سلطان على مقعده، نظر إلى الحارة بشوق، ولكن شيئاً داخله لم يعد كما كان، وكأن الفرح في عينيه كان تمريناً على عواطف مخبوءة. بعد رحيل ترنيم، جعلت لمعة عينيه منطفئة وحزينة، تصرخ من ألم الفراق، وكأن كل إنجازات الماضي كانت تتفكك أمامه، تتحول إلى غيوم من الغضب والحنين.
            ************************
تحركت ترنيم ببطء، تبحث عن سميه في الغرف، وكل خطوة كانت ثقيلة كأنها تحمل أثقال الدنيا على كتفيها، عينيها امتلأتا بالدموع عندما وجدتها، فتقدمت نحوها وأغلقت الباب خلفها بانكسار، كمن يحاول إغلاق عواصف مشاعرها داخل غرفة مغلقة. تحدثت بصوت مختنق، مفعمة بالقلق: 
"مش عايزة تسلمي عليا يا سميه، مش وحشاكي؟" 
سميه لم تنظر إليها، بل اتجهت بنظرتها بعيدًا، وكأن هناك جدارًا غير مرئي يفصل بينهما، أجابت بصوت غاضب، وقلبها مليء بالاستياء: 
"اطلعي من اوضي يا ترنيم." 
كانت كلماتها كالرصاص، واضحة وصريحة، تنبع من أعماق جرحها الذي لا يزال ينزف. 
اقتربت ترنيم منها، وجلست بجوارها، ودموعها تتساقط كالمطر، كأنها تطفئ لهيب اللوعة في قلبها، وسألت بصوت خافض، محملة بالشوق والفقد: 
"ممكن اعرف أنتي زعلانه مني ليه؟" 
ردت سميه بشفتيها المضغوطتين بغضب، وكأنها تحاول كبح دموعها: 
"أنا ولا زعلانه منك، ولا انتي في بالي أصلاً. أنا نسيت أن كان عندي بنت خاله اسمها ترنيم من أساسه." 
نبرتها كانت تحمل كل مرارة الفراق الذي طال بينهما، كأنها تعلن نهاية فصلٍ من حياة لم تعد تعرف فيه شيئًا عن الأمل أو السعادة.
توسعت عينا ترنيم، وصرخت من بين شهقاتها، صوتها يتردد في الفراغ: 
"ليه ده كله طيب؟" 
استقامت سميه بجسدها، وكأنها تحمل الجبال على كاهلها، وضعتها الثقل أمام عينيها، وقالت: 
"علشان انتي واحده واطيه، مطمريش فيكي اللي سلطان عمله معاكي، سبتيه مرمي في السجن ورحتي دورتي على نفسك، واتجوزتي راجل غيره مع انك عارفه سلطان بيعشقك ازاي، نفسي افهم انتي جنس جبلتك ايه؟ ازاي جالك قلب تعملي فيه كده أزاي؟" 
كانت الكلمات كالسيوف، تضرب عمق صداقتهما، وتوضح الفجوة الفاضحة بينهما في مواجهة الواقع القاسي.
ترنيم ابتسمت بألم، ووقفت من مقعدها، واقتربت منها بخطوات بطيئة وكأن كل خطوة تذكرها بالعبء الذي تحمله في قلبها. نظرت لها بحزن، وأخرجت كلماتها مع أنين كاد ليغرق قلبها: 
"عملت كده علشان بحبه يا سميه، اتجوزت من راجل غيره علشان أحميه وأخرجه من المكان اللي هو فيه ده، أنا مش واطيه، ولا نسيت اللي عمله معايا زي ما بتقولي، ولو سلطان بيحبني بس، أنا بقى بموت فيه. بعشقه، الدنيا كلها متلخصة عندي في شخص واحد بس، هو سلطان، بس عايزة أسألك سؤال...ليه مزعلتيش عليا لما أخوكي استغفلني واتجوز واحدة غيري من تمن سنين وخلف منها؟ متوجعتيش ليه على قلبي اللي انكسر بسببه وقتها؟ أنا اتعذبت، عشت لحظات كلها وجع وخذلان، على الأقل أنا اتجوزت علشان مصلحته، إنما هو اتجوز عليا واستغفلني ليه؟ أنا اتوقعت القسوة من أي حد تاني، إلا انتي يا سمية. ده احنا اتربينا مع بعض وعشنا مراحل عمرنا سوا، المفروض تكوني عرفاني وحفظاني زي ما عرفاكي، وبفهمك أكتر من نفسك. بس مش هتصدم خلاص، ما هو بعد صدمتي في أخوكي، مبقاش فيه حاجه تفاجئني خلاص. عموماً، انتي وحشتيني يا بنت خالتي، عن إذنك، زمان جوزي جاي يخدني دلوقتي، سلام."
تحركت نحو الباب، لكن صوت سميه النادم أوقفها في منتصف خطواتها. استدارت وتنهدت، وعلى شفتيها ابتسامة حزينة تعكس مشاعر معقدة من الفراق والفهم العميق بينهما، قائلة: 
"متقلقيش يا بنت خالتي، مش زعلانه منك. اللي بينا أكبر من موقف عبيط زي ده."
أنهت كلامها بخطوة واثقة، لكنها شعرت بعبء الحزن يثقل كاهلها، خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها بلطف، استندت على الباب في الممر الضيق، حيث لا يوجد أحد ولا صوت سوى أنفاسها المتعثرة. اندلعت غزارة دموعها، وكأنها سيل جارف يُغرق كل ما تراه، كانت في تلك اللحظة محاصرة بين مشاعر الفرح والخيبة، وعندما سمعت صوت فريدة بشماتة تشير لها:
"مبروك يا ترنيم، فرحتلك أوي على الجواز، بس مش كنتي قولتي، على الأقل كنا نبقى جنبك، بدل ما العريس يقول عليكي ملكيش حد ومقطوعة من شجرة." 
شعرت وكأن الجرح قد تفتح مرة أخرى.
أغلقت عينيها بغضب، وتقدمت من أمامها دون أن ترد عليها، محاولًة تجاهلها، لكنها توقفت في مكانها عندما استمرت فريدة بحماقة: 
"بس حركه صايعة منك تتجوزي راجل تاني علشان تردي ليه القلم، وتبقى عملتي فيه زي اللي عمله فيكي، بس تفتكري بقى العريس هيقبل بخيانتك ليه مع سيد المعلمين؟" 
كلماتها كانت كالسكاكين، تُحدث جروحًا عميقة.
ضغطت ترنيم على أسنانها بغضب، وعادت بشكل مفاجئ، حيث كان وجهها يعكس ترددًا داخليًا وصراعًا نفسيًا. ضغطت على عنق فريدة بقوة، وأسندت ظهرها على الحائط، محاطًة بشعور من السخط والقوة التي كانت تُفجر من أعماقها، وتكلمت بنبرة مخيفة: 
"أنا مش محتاجة أعمل كده، أصل الناس كلها مش شبهك، بلاش أنا يا فريدة، علشان لو حطيتك في دماغي، هكرهك في نفسك. ونصيحة مني، انتبهي لحياتك ولجوزك بدل ما هو مش طايقك وبيجري ورايا." 
كانت كلماتها بمثابة تحذير، لكن فريدة بدا عليها عدم الاكتراث، مما زاد من حدة الصراع بينهما.
أنهت كلامها وتركتها، تاركة خلفها أصداء بكلمات قوية. نظرت فريدة لها باحتقار، عائدة إلى غرفتها ثم دفعت الباب وراءها بغضب. وفي الوقت نفسه، تحركت ترنيم باتجاه صباح ووفاء، حيث جلست بجوار صباح، وضعت رأسها على صدرها كطفلة تحتاج إلى الحماية، وتكلمت بصوت مختنق: 
"وحشتيني أوي يا صبوحة." 
شعرت بالرغبة في العودة إلى الأوقات البسيطة التي كانت فيها الأمور أوضح وأقل تعقيدًا.
ربتت صباح على ظهرها بنعومة، بينما كانت كلماتها تحمل حنانًا قد يغمر أي جرح، وقالت بنبرة حنونة: 
"وانتي وحشتيني، يا قلب خالتك من جوة، طمنيني عليكي يا حبيبتي، عاملة إيه وجوزك عامل معاكي إيه؟" 
كانت الكلمات بمثابة بلسم يخفف من مشاعر الألم في قلب ترنيم.
تنهدت ترنيم بوجع، وهو تنهد يحمل في طياته الكثير من التضحيات والخيبة، وتكلمت بصوت مختنق: 
"تمام يا خالتوا، تمام." 
لكن الحقيقة كانت أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه، وكان هناك الكثير من الأفكار التي تختمر في عقلها، مما يجعلها تشعر بأن الأمور تتجه نحو المجهول.
ردت صباح بحب وحنان، قائلة: 
"جدعة يا بنتي، عين العقل اللي عملتيه. وجوزك شكله طيب وابن حلال، لولا بس ابني اللي اتهور وغلط في حقه. واحد غيرة، وعرف اللي ما بينكم كان منعك تدخلي هنا. بس واضح إنه بيفهم في الأصول، ربنا يسعدكم يا بنتي ويرزقكم بالذرية الصالحة."
أغلقت ترنيم عينيها بحزن، وشعرت بعبء السنوات التي مرت، وقالت بصوت مختنق: "ويخليكي لينا، يا أجمل صبوحة في الدنيا."
وفي تلك الأثناء، جاءت رنيم واحتضنت ترنيم ببراءة، وكأنها ترسم صورة للمستقبل المليء بالأمل، قائلة بطفولية: 
"وحشتيني أوي يا أبلة ترنيم، انتي هتعيشي معانا تاني على طول؟"
أجلستها ترنيم على قدميها، وتكلمت بحزن: 
"للأسف لا، يا قلب ترنيم، علشان أنا دلوقتي متجوزة ولازم أعيش في بيت عمو، زي ما مامي عايشة في بيت بابي."
زال الضيق الطفولي من رنيم، وعبرت عن كراهيتها القاسية قائلة: 
"يووه! بقى أنا بكره عمو ده، علشان هيخدك مننا. تعرفي أن أنا رسمت صورة ليا وليكي، وانتي ماسكة إيدي، بس بابي أخدها مني وشالها عنده."
تجمعت الدموع في عيني ترنيم، إذ قالت مع روح طفولتها الحزينة: 
"تعرفي أن أنا كمان كنت بحب أرسم زيك كده وأنا صغيرة، وكنت برسم صور كتير أوي، وهو بابي ماسك إيدي. بس للأسف كبرنا، وأحلام الطفولة كلها راحت، وبابي ساب إيدي في بداية الطريق."
ثم مسحت دمعة هربت من عينيها، وضحكت ابتسامة حزينة، قائلة: 
"ساب إيدي، بس مسك أيد أجمل بنوتة في الدنيا." 
أومأت رنيم رأسها ببراءة: 
"بابي قالي كده، قالي انك كنتي بتحبي الرسم زي."
نظرت صباح ووفاء إليهم بقلوب مكسورة، تشعر بكل الآلام التي يحملها الحب، ولكنها أيضاً ترى الأمل في عيون ترنيم، الأمل الذي ينعش الروح ويرسم الابتسامة في قلبها.
احتضنت ترنيم رنيم بقوة، وخيمت دموع الفراق عليها، وهي تقول بصوت مختنق:
"انتي كلك شبهي أصلاً."
ابتسمت رنيم ببراءة، كأن الضحك يخفف من أعباء الكبار، وقامت بالرد: 
"اصلاً بابي قالي كده برضه."
تعالت شهقات ترنيم، وقالت: 
"اصلاً." كان تأثرها واضحاً، حيث كانت تشعر بالحزن، كأن كل كلمة تنطق بها تحمل تاريخاً مليئاً بالمشاعر. كانت كل كلمة تقولها تجسد ذكرى، وكانت تعني أكثر مما تبدو عليه.
ردت رنيم عليها ببراءة: "اصلاً، اصلاً." وكأنها تجسد الروح الطفولية، التي لا تزال تنبض بالحياة رغم كل الظروف المحيطة بها. فقد كان هذا التكرار بمثابة حلقة وصل بينهما، يحمل في طياته تعبيراً عن حبهما العميق.
في تلك اللحظة، قرع الجرس. نظروا باتجاه الباب، وكل شيء في الغرفة تغير بلمح البصر، حيث دلف غريب إلى المكان. كان دخوله فاجعاً بعض الشيء، كأنه حمل معه نسمة من العالم الخارجي. عينه تسلطت على ترنيم، وقال بنبرة جادة: 
"يلا!" وكأن دوره بدأ، وكان هو القائد الذي سيأخذها بعيداً عن تلك الأجواء المليئة بالمشاعر.
أومأت برأسها بالموافقة، وقبلت رنيم على خدها برفق، كأنها تريد أن تترك جزءًا منها معها. استقامت بجسدها، ووقفت بجوار غريب، مما أعطى انطباعاً بأنها تستعد للانطلاق في مغامرة جديدة. ثم نظرت إلى والدتها بعيون مليئة بالحنان والشوق، قائلة:
"يلا يا ماما." 
كانت تلك الكلمات تمثل لحظة التحول، لكنها أيضًا كانت تحمل في طياتها بقايا الفراق.
حركت والدتها رأسها بالرفض، قائلة: 
"لا يا بنتي، أنا هقعد هنا مع خالتك، أنا ما صدقت لاقيتها، احنا طول عمرنا مع بعض."
كانت والدتها تتحدث وكأنها تحاول أن تجعل من اللحظة عملية كفاح ضد الزمن، مشيرة إلى القيم الوطيدة التي تربطهم.
نظرت ترنيم لها بحزن، كطفلة تُركت في منتصف الطريق، وقالت: 
"هتسبيني لوحدي يا ماما؟" 
كانت كلماتها تعبر عن عدم إدراكها لما تعنيه هذه الرحلة، وعلى الرغم من كل ذلك، كانت قلوبهم ما تزال متصلة.
ردت والدتها عليها سريعًا، مُوضحة: 
"لوحدك إيه بس، يا بنتي؟ أنتي خلاص بقى عندك حياتك وجوزك، وأنا كل فترة هاجي أقعد معاكي يومين. بس انتي عارفه، مقدرش استغنى عن خالتك صباح. والايام اللي بعدها عنها، كأني كانت روحي رايحة مني."
كانت تلك الكلمات تشدد على صعوبة الرحيل، لكنها تحمل في طياتها الأمل بوجود لمسات للتواصل دائمًا.
أومأت ترنيم برأسها بحزن، وقبلت صباح بعمق، ثم والدتها. تحركت أمام غريب، تتبعها نحو السيارة، وكأن هذا هو الطريق الذي سيفتح لها عالماً جديداً. صعدت على المقعد، والدموع تنهمر منها، علامة على أن القلوب تتحدث بلغة لا تحتاج للكلمات. بينما جلس غريب على مقعده أمام المقود، نظر إليها بضيق كما لو كان يشعر بثقل الوداع، وأدار السيارة، وتحرك بها مسرعًا نحو الفيلا، تاركًا خلفهما مشاعر مختلطة بين الفرح والفراق.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1