رواية تؤام روح الفصل الرابع و العشرون 24 بقلم يارا سمير

 

رواية تؤام روح الفصل الرابع و العشرون بقلم يارا سمير



فى الشركة يجلس زين شارد ولاحظ كريم :
_ ايوه يا عريس سرحان فى شهر العسل وكدا ..
_ بتقول ايه ؟
_ دا انت مش هنا خالص ..  ايه شاغل بالك.. متقلقش كل حاجة ماشية كويس وكتب الكتاب هيبقى جامد والحفلة اللى بعده اسكندرية هتتكلم عليها .
لم يعطي زين اى رد فعل وتحدث كريم :
_ دا الموضوع كبير .. طيب قول ونفكر بصوت عالي بتفكر في ايه .
_ بفكر أأجل كتب الكتاب ازاى .؟
اتسعت عين كريم من الصدمة وقال :
_ انت بتقول ايه.. سامع كلامك .. تأجل ايه دا بعد ايام خلاص ..كل حاجة جهزت ..في ايه ؟
صمت زين وتحدث كريم :
_ لا اتكلم عرفني وفهمني في ايه ؟ انت وبسنت اتخانقتوا ؟ فى حاجة حصلت منعرفهاش .. عرفنا نلحق نلم الدنيا .
_ لا مفيش حاجة حصلت وانا وبسنت كويسين .
_ في ايه طيب فهمني ..
 نظر اليه كان متردد وقال بعد صمت دام ثوانٍ :
_ مريم ..
_ مالها مريم.. هي قالت حاجة ؟
_ لا مقالتش.. بس اقصد بالظروف اللى بتمر بيها دي ازاى نفرح ونهيص وكدا ..يعني حابب تكون مريم اللى عارفينها تفرح معانا بجد .
_ ومين قالك ان مريم مش هتفرح بجد.. ما ممكن فرحك دا مناسبة حلوة تدخل الفرح البيت ويخرج الطاقة السلبية و..
 صمت كريم للحظة وحدق بعيناه لزين :
_ زين.. هو انت لسه بتفكر في مريم .
صمت زين وكانت ملامح كريم خليط من الصدمة والذهول وكأن الزمن توقف لوهلة ..جلس بلا حراك يحدق في زين بعينين متسعتين من الذهول :
_ زين.. زين مينفعش هزار فى الموضوع دا .. كتب الكتاب بعد 4 ايام خلاص .
_ عارف ..عارف انه بعد 4 ايام ..لكن جوايا صوت بيقولى يتأجل مش وقته .
_ لا تخرس الصوت دا .. تخرسه خالص .. انت بتعمل ايه فاهم بتعمل ايه ..انت  عاوز تدمر بسنت فجأة كدا ..
_ انت بتقول ايه يا كريم ادمر مين هو انا قولت هسيبها .. بقول يتأجل يتأجل شويا محصلش حاجة .. فرضًا نعتبر حاجة حصلت ..انا اتعرضت لحادثة هل هيتم كتب الكتاب ولا هيتأجل ..انا اقصد كدا تأجيل .
_ وبعد التأجيل .. هيجيب تأجيل تاني وتالت ورابع  لغاية ما تفركش  صح .
_ كريم انت مش فاهمني ..
_ انت اللى مش فاهم كلامك.. زين ركز كدا واثبت انت مبقتش صغير ، انت راجل كبير مسئول وبسنت بتحبك وانت بتحبها لانك انت اختارتها محدش جبرك أنت اللي قولت هخطب بسنت .. ولا رجوع مريم وطلاقها لعبلك فى دماغك وقال فرصة وكدا .. اساسًا مريم  متعرفش اى حاجة عن مشاعرك ولو ع معاملتها انا شايف انها بتتعامل عادي  زي ما كنتم بتتعاملوا من زمان .. انت اللى جواك مختلف أنت المسئول عنه مينفعش غيرك يتحمل مسئولية عدم اتزانك .
_ انا غير متزن  يا كريم ؟
_ ايوه...اللى بتعمله دا اسمه عدم اتزان .. استهدى بالله كدا وسيب كل حاجة ماشية زي ما خططتلها وربنا رايد وبسنت بنت حلال متستاهلش تتجرح حتى بكلمة .
ساد الصمت بينهما وكأن الهواء ثقل فجأة و الكلمات التى كان زين يبحث عنها لتبرر مشاعره أختنقت فى صدره .. كان كلام كريم صادقًا وعقلانيًا لكن قلب زين لم يكن عقلانيًا هذة المرة وان ما يشعر به لا أحد يفهمه .. لم يجب واختار الصمت ..

كانت مريم منذ عودتها تقضي يومها فى المطعم مع ملك  تشغل نفسها بالعمل والطلبات وتوجه العاملين .. رغم ابتسامتها الظاهرة كانت فى الحقيقة تهرب من مواجهه الفراغ الذي يسكنها .. فكان تشغل نفسها فى المطعم حتى لا تمنح نفسها فرصة للتفكير أو الانهيار .. زين كان يوميًا يمر كل صباح يدخل بهدوء ويبحث عنها ويجلس معها لبعض الوقت .. يتحدثان قليلًا وتنضم اليهم ملك وكريم ويغادر زين الى العمل كان يكفيه أن يراها ويطمئن عليها .. في يوم فى منتصف اليوم  ذهب زين الى المطعم كانت مريم منغمسه فى العمل على اللابتوب .. سحب كرسي وجلس امامها وتفأجأت مريم بظهوره :
_ يابني كذا مرة اقولك اتنحنح اعمل اى صوت متخضنيش كدا .
_ اتنحنح .. ليه هغنيلك ؟
_ عسل ..
_ مش محتاج اعرف عارف من زمان .. عامله ايه ؟
_ الحمدلله ..
_ هما ما صدقوا انك ترجعي ولا ايه .. ملك خلعت من الشغل وسابتهولك ؟
_ لا ابدأ انا اللى عاوزة كدا عاوزة اشغل دماغي عن التفكير  والشغل احلى حاجة .
_ لكن فى حاجة تانية ممكن تعمليها وهتشغل دماغك عن التفكير او بمعنى اصح  هتفصلك عن الواقع وتعيشي فى عالمك الخاص .
_ ايه الحاجة دي ؟
_ الرسم.. 
 صمتت مريم  واستكمل زين حديثه :
_ من وقت ما رجعتي مدخلتيش المرسم بتاعك ولا مسكتى الالوان ولا رسمتي خط واحد .. ليه ؟
_  اجازة شويا ..
_ اجازة خلصت ..
_ نعم ؟
_ زي ما بقولك كدا .. المرسم هو ملاذك الوحيد اللى بتقدري تطلعي فيه كل حاجة حساها ، رغم انك محكتيش ايه اللى حصل بينك وبين ايهاب او بمعني ادق اللى انتى مخبياه عليا  على الاقل بدل ما تكتميه جواكي خرجيه فى الرسم.. اتكلمي مع لوحاتك زي ما كنتى بتعملي .
_ انت ليه مصمم ان في حاجة .. انا وايهاب انفصلنا زي اى اتنين بينفصلوا بهدوء هو لازم خناق ونفرج الناس علينا .
_ مش عاوز اعرف يا مريم لاني متاكد ان فى يوم هعرف كل حاجة  لكن دا مش قضيتنا دلواقتي .. عرفيني هترجعي امتى للرسم .
_ شويا كدا ..
_ اللى هما اد ايه ؟
_ يعني يا زين .. شويا وبعدين المرسم محتاج تنضيف وكدا لما افضى هبقى انضفه واجيب ادوات جديدة ..
_ ماشي هنشوف ..
 ظل زين عيناه ثابتتان على مريم وهي ادركت ذلك وقالت :
_ انت هنا ليه مش كنت هنا الصبح ؟
_ هو انا ليا مرة واحدة اجاى هنا ولا ايه..دا سيستم جديد .
_ مش طالبه لماضة.. مش انت قولت عندك موعد مع بسنت عشان تقيس البدلة .
 _ ايوه.. هي اتصلت هتتاخر شويا في بروفة فستانها فقولت اعدى هنا اشرب حاجة او اكل حاجة  لغاية ما تخلص واروحلها .. 
_ طيب كويس ..
_ ميما .. تيجي نروح نضرب كبدة وسدق فى الانجاز .
_ ابقى اضربه مع خطيبتك مش هتقابلها .. كلوا مع بعض وكدا كدا انا لسه واكله ..
 عاد بظهره واستند للخلف وخبط بقبضة يده على الطاولة :
_ على فكرة كدا مش فير .. كل ما اقولك تعالى نروح ناكل ولا نتمشي بترفضي وتخلعي على فكرة انا اللى هدفع .
_ انت بتيجي في اخر اليوم  بكون فاصلة خلاص وعاوزة انام .. 
_ قبل كدا كان عادي ع فكرة ..
_ كان ساعتين فى المطعم  والباقي فى السطح واغلب الوقت كنا بناكل فى السطح عند المرسم .. 
_ اها .. تمام .
رن هاتفه :
_ انا همشي ..
_ سلملى على بسنت .
_ يوصل .. خلى موبيلك فى ايدك هبعتلك الصور تقوليلي رأيك بما انك مش عاوزة تيجي معايا معرفش ليه ؟
_ انت خارج مع خطيبك انا هبرشط عليكم ليه ... انت عبيط بجد ..زين ركز انت هتتجوز .. هتتجوز فاهم يعني ايه هي الاحق بتركيزك واهتمامك (صمتت للحظة ) متعملش زى ناس بتهمل اللى معاهم وبيضيعوا عشان سراب متبقاش زيهم ( كانت تتحدث أشارة الى تجربتها مع ايهاب ) حافظ على بسنت وعلى لحظاتك معاها .
 نظر اليها زين نظرات ممزوجة بالحزن والغضب ..لم يجد كلمات ليتحدث بها  فتنفس نفس عميق وقال :
_ خلى التليفون معاكي لانك لو مردتيش هاجي اجيبك عافيه سواء معايا بسنت او لا .. سلام .
نظرت اليه بدهشة:
_ لاسع بجد..

قابل زين مع بسنت وتوجها الى محل الازياء وجلسوا فى قاعة الانتظار داخل محل الازياء وبين يديه كتيب صغير يضم نماذج للبذلات ووضعه جانبًا :
- هيتأخر ولا ايه ؟
_  الموعد دا بتاع حد تانى وهو معاه يخلص وهيقابلنا وبعدين احنا قاعدين مع بعض .
_ معنديش مشاكل نقعد مع بعض لكن فى اى مكان مش هنا وبعدين انا عندي مشوار عاوز انجزه قبل الساعة 9 .
_ مشوار ايه ..احنا مخلصين كل حاجة ؟
_ لا دي حاجة خاصة بالبيت عندنا .. المهم اخبار الفستان ايه .. مش هتوريهولي برضه ؟
_ ايوه مش هتشوفه الا يوم كتب الكتاب بيقولوا فال وحش العريس يشوف الفستان قبل الفرح .
_ طيب ماانتى معايا هتشوفي البدله .. دا فال حلو يعني  ولا هتجوز عروسة تانية .
ضحكت بسنت :
_ هما قالولي كدا .. بص هوريك جزء منه 
وهي تفتح الهاتف لعرض الصور على زين كانت تتحدث بحماس وسعادة عن فستانها وتتخيل نفسها وهي ترتديه وتصف له تفاصيل الطرحة .. كان زين ينظر اليها مبتسم ويرد بكلمات قليلة صوته هادئ لكنه فى الحقيقة لم يكن حاضرًا تمامًا فى داخله كانت مريم شاغله تفكيره يتذكر حينما فى الماضي كانت مريم تصف فستانها الابيض الذي رسمته بيدها وعن احلامها الصغيرة .. رغم محاولته للتركيز مع بسنت ظل قلبه مشدودًا لمكان أخر واسم مختلف وصوت مختلف وصورة لا تزال .. شرد للحظات وتحدثت بسنت :
_ زين..
_ ايوه يا مريم .. اقصد يا بسنت .
_ مريم؟ انت كنت سرحان فى مريم ؟
_ وضعها شاغل دماغي من بعد الطلاق وهي مش نفسها .. حد تاني خالص .
_ ما تجربه الطلاق مش سهلة برضه يا زين بس هتاخد وقتها وهي بتنزل المطعم يعني مش عازلة نفسها .
_ ايوه فعلًا كويس .
 وضعت يدها على يده:
_ انا عارفه ان مريم مهمة عندك وقلقك عليها من خوفك عليها لكن اطمن هتبقى كويسة .
_ ان شاء الله .. فين ديل الفستان ولا دا مينفعش ..
ضحكت بسنت : اتفرج يا لمض ..
فى تلك اللحظة دخلت لهم الموظفة واخبرتهم بالسماح لدخولهم لموعدهم قال زين :
_ حتى ديل الفستان مش عاوزني اشوفه .. 
 ضحكت بسنت وتوجها الى الداخل ..دخل زين غرفة القياس .. ساعده أحد الموظفين فى ارتداء البذلة ..كانت بذلة أنيقة .. وقف أمام المرآة يعدل فى ياقة القميص ويصفف شعره بيده ثم  التقط هاتفه والتقط بعض الصور  وارسلها مباشرة الى مريم ووقف ينتظر ردها .. اجابته برسالة قصيرة عبرت عن مدى اعجابها .. تحدثت بسنت :
_ قالت ايه ؟
_ سالتني الاول بسنت قالت ايه قولتله عجبتها قالت وانا مع بسنت .
_ حبيبيتي ميما ..
_ اتفقتوا عليا ..
_ مقدرش ..
_ بس ع فكرة قالتلى الملاحظة اللى قولتلك عليها فى البدلة انتى قولتيلي عادى هى قالت ظبطها اكتر .
ضحكت بسنت :
_ مريم حافظاك أكتر مني .
_ عاوز اقولك طول عمرنا كنا بنجيب هدومنا لبعض ف عارفين ذوق بعض والالوان وايه مناسب وايه لا ..
_ اها .. عشان كدا كنت بتاخد رأيها دايما فى اى حاجة .
_ ممكن تقولى تعود ..
 اقتربت بسنت نحوه وقالت بصوت خافض :
_ طيب هتتعود على ذوقي امتى ولا ذوقي وحش ؟
 ابتسم زين :
_ لما نتجوز هتعود فهمي نظمي رسمي ..
 ضحكت بسنت واقترب نحوهم  المصمم وتحدث معه زين واخبره بالملاحظات وغادرًا المكان .. 

ذهب زين وبسنت الى احدى المطاعم وجلسوا يتناولان الطعام وتبادلا أطراف الحديث .. قام زين ب ايصال بسنت الى منزلها وابتسم لها بود ثم تحرك بسيارته نحو المنشية، وكأن وجهته الحقيقية بدأت الأن .. مر على عدة محال واختار بعناية أدوات ومستلزمات الرسم.. عبوات ألوان وفرش متعددة الاحجام وأوراق ولوحات جديدة وحتى قطع ديكور واضاءات بسيطة تضيف روحًا للمكان .. حمل الاكياس بحماس مختلف كأن كل أداة يشتريها تمثل له خطوة نحو مريم .. عاد الى المنزل وصعد مباشرة الى السطح .. فتح باب المرسم واستقبلة الغبار والعشوائية .. لم يتوقف بدأ فى التنظيف بحيوية ..مسح الارضية ونظف الزوايا ورتب الطاولات  ووضع الادوات الجديدة فى اماكنها بعناية ؟؟علق بعض اللوحات الفارغة وترك الزاوية المفضلة لمريم كما تحبها تمامًا .. 

استغرق الامر ساعتين من العمل المتواصل حتى وقف أخيرًا وسط المكان يتأمل النتيجة بسعادة ..كان المرسم نبض به الحياة من جديد..  ابتسم وهو يتخيلها  عندما ترى المفاجأة وتجلس مكانها وترسم ويعاد الحياة مرة اخري الى السطح او بمعنى اصح تعاد الحياة الى قلبه ..  نظر زين الى الساعة المعلقة على الحائط  ..كانت تقترب من التاسعة مساءًا موعد انصراف مريم المعتاد من المطعم .. شعر بقلبه ينبض بسرعة وكأن الوقت يركض لا يتحرك .. التقط مفاتيحه وتحرك بخطى سريعة نحو الباب .. قاد سيارته باتجاه المطعم وعيناه تلمعان بشوق لم يخفه التكرار ..لم يكن يعلم ما سيقوله لكنه كان يعرف أنه يريد أن يكون هناك الان .. دخل المطعم وكانت مريم تعمل على اللابتوب  وماان رفعت رأسها للحظات حتى تفاجأت بوجود زين أمامها للمرة الثالثة فى اليوم .. تجمدت مكانها لحظة واتسعت عيناها وتداخلت مشاعر الاستغراب بالدفء .. اقترب نحوها  وقالت :
_  فى ايه.. هو انت مضاد حيوي 3 مرات فى اليوم .
_ ايوه ..جيت عشان تاخدى جرعتك لاستشفاء .
ضحكت:
_ لا انت جاى توزع عسل .. 
 تحركت من مكانها  واوقفها زين :
_ خلصتي شغلك صح ؟
_  لا ..
_ لا ايه مش انتى بتمشي 10 ..
_ همشي مع ملك وبابا هنقفل 12 انهاردة  الخميس انت ناسي .
_ اه صح احنا بنطول فى الويكد اند .. مش مهم اخلعي منهم وتعالى معايا .
_ اخلع واجاى معاك فين ؟
_ هخطفك..
 _ لا والله .. مش رايقة لهزارك .
 بحث زين عن حقيبتها والتقطها بيد وامسك يد مريم بيده الاخرى  وجذبها للخارج وقال لملك بصوت عالي :
_ مريم مش موجوده يا ملوكه .
 جذب مريم الى السيارة وصعدت السيارة وهي تحاول ان تفهم منه ما يفعل .. تحرك بالسيارة واخبارها ان تصمت حتى يصلا .. لاحظت مريم اقترابهم من المنزل ووقفت السيارة امام البناية .. نظرت له بغضب :
_ يعني انت ساحبني زي البقرة عشان ترجعني البيت مانا كدا كدا راجعه .
_ اهدى كدا ويلا معايا .
_ يلا معاك ايه وفين ؟
 _ يلا  اسمعي الكلام ..
 غادرا السيارة وصعدا السلم  وكان زين يقبض بيده يد مريم خوفًا من هروبها .. صعدا درجات السلم حتى وصلا الى السطح ووقفت مريم :
_ انت جايبني علشان السطح ( نظرت حولها كان كل شئ كما هو المكان نظيف ومرتب ) ماله السطح مفيهوش حاجة .
 وقف زين :
_ غمضي عينك ..
_ ايه؟
_ كتك اوه .. غمضي وانتى ساكته انا نسيت اجيب رباط لعينك  ينفع الشراب .
_ الله يقرفك ..
_ شككرًا .. يلا غمضي عينك ..
_ زين ..  خض وفزع مش طالبة..
_ عيب عليكي مفيش كدا المرادي بس ممكن المرة الجاية كويس انك فكرتيني شاطرة .
_ يا سلام؟
_ ايوه حاجة تنشط الدموية كدا .. المهم خلينا فى دلواقتي ..غمضي عينك وانجزي بقيتي تفرهدي يا مريم انجزي .
 اغمضت عيناها امسك يدها زين :
_ وغلاوتي عندك متفتحي عينك غير لما اقولك ماشي .
_ حاضر بس انجز ..
_ تمام ..
 تحركا الى امام المرسم وقال لها :
_ فتحي عينك .
 فتحت عيناها وجدت نفسها امام باب المرسم وكان معلق رسمة جديدة لطيور ..
_ انت جايبني عشان اشوف دا .. جميل .. خلاص انزل .
_ انتى بتجري ليه كدا .. احترمي المجهود شويا .
_ مجهود ايه .. نظفت الباب ولزقت عليه الرسمة ..جميل ..
_ افتحي الباب وهتعرفي .
 نظرت اليه :
_ عملت ايه .
 ابتسم لها وقال :
_ شوفي بنفسك ..
فتحت مريم باب المرسم ببطء وزين يقف خلفلها ليراقب رد فعلها .. وما أن خطت الى الداخل حتى توقفت مكانها واتسعت عيناها بدهشة خالصة .. كانت الارضية نظيفة والغبار اختفى وكل زاوية فى المكان تشع بنقاء وترتيب لم تعهده منذ فترة .. رائحة الالوان والورق الجديد اختلطت بذكريات قديمة أول يوم لها فى المرسم كان تجهيزة مفاجأت زين ايضا .. رأت الادوات الجديدة المصطفة بعناية على الطاولة .. خطت خطوات بطيئة تتأمل التفاصيل وتمرر يدها برفق على سطح الطاولة وكأنها تود التأكد ان كل هذا حقيقي .. عيناها تمتلئان ببريق طفلة التى عادت الى لعبتها المفضلة بعد طول غياب .. نظرت الى زين لم تقل شيئًا فقط ابتسامة صافية ارتسمت على وجهها وداخلها امتزجت مشاعر الامتنان والحنين والحب والسعادة ..تحدث زين :
_ من رد فعلك دا واضح انه عجبك.. لالا انبهرتي .. طبعًا زيزو دايما مبهر .
 ضحكت مريم :
_ ايه كل دا بجد.. انت عملت كل دا ؟
_ اكيد انا مفيش حد مسموح له الدخول هنا غير انا وانتى .. ولما مكنتيش هنا  مسمحتش لاي حد يدخل دا مكان ميما وبس .. ايه رايك جميل صح ..؟
_ جدًا .. 
_ اهو مبقاش عندك تلكيكة.. المرسم جاهز وادواتك جاهزة والورق واللوحات فاضيين .. امليهم شخبطة وخرجي كل حاجة جواكي فيهم .. انطلقي بمعنى اصح..
 ظلت صامته واستكمل زين حديثه:
_ اللى حصل هنعتبرة مطب عطلنا شويا لكن احنا هنكمل حياتنا بالحاجات اللى بنحبها اللى بتساعدنا نقدر نكمل الحياة .. انتى من غير رسم بتكوني فاقدة حاجة .. الرسم بيكملك يا مريم  مينفعش تسبيه وتهمليه كدا انتى بتهملي نفسك وانا مش هسمح ان دا يحصل .. انا موجود عشان دا ميحصلش ولا اى حاجة تحصلك  .. زيزو موجود عشان ميما وميما موجوده عشان ..
 _ زيزو ..
_ بس كدا نفتح الصفحة الجديدة ونسمي بالله ونبدء .. 
 اقترب اليها خطوات وقال :
_ انتى محتاجة تتنفسي يا مريم وهنا بتتنفسي .. 
تملكها دفء غريب محبب لقلبها كأن المفاجأة لم تكن فقط فى ترتيب المكان وشراء الادوات وعودتها للرسم ولكن في الرسالة الخفية خلف كل تفصيلة انه مازال يتذكرها ويعرف كيف يسعدها ويهتم لأدق تفاصيلها حتى دون أن تطلب .. ظلت تحدق فى زين وحرك يده بحركة عشوائية  ولمحت خاتم الخطبة في يد زين وعادت لارض الواقع وتملكتها رغبة عارمة بالبكاء وكأن المفاجأة لامست شيئًا عميقًا داخلها شئ تحاول تخبئته وتتجاهله .. أمتلأت عيناها بالدموع لم تستطيع مقاومتها ف انسابت على وجنتيها فى صمت .. اقترب زين متفاجئ من رد فعلها :
_ ايه دا .. متوقعتش دموع كدا .. دموع فرحة دي صح .
 ابتسمت مريم رغم الغصة التى شعرت بها فى صدرها .. رفع زين يده برفق وأزال تلك الدموع بانامله كان اللمس خفيفًا لكنه حمل الكثير .. المواساة واحتواء .. تلاقت نظراتهما فى لحظة صامته لكنها مليئة بالكلام الغير منطوق  وتنفست مريم نفس عميق وقالت ب ابتسامة :
_ شكرًا يا زين ..
 _ اولا مفيش شكر بينا .. ثانيًا على الناشف كدا لا مش هقبل لا شكر ولا مسا ولا اى كلمة كويسة 
 ضحكت مريم :
_ عاوز ايه ؟
_ تعالى نخرج برا نقعد ع كنبتنا واقولك ..
 خرجا الى الخارج وجلسا على الاريكة .. قال زين :
_ اعزميني ع عشا يلا .
_ عاوز ايه ؟
_ انتى بتسأليني .. بتسأليني ايه حصل فى الدنيا ؟
_ خلاص خلاص ..كبده وسدق ..
_ بالظبط كدا .. وهنزل اجيب اللابتوب بتاعي ونشغل فيلم ونعيد يوم من ايامنا ايه رايك .
 ابتسمت مريم:
_ مفيش مشاكل اكيد ..
_ هطلب السندوتشات وهجيب اللابتوب وجاى متتحركيش من هنا .
 تركها زين ثم نزل سريعًا متجهًا لإحضار الطعام واللابتوب .. كان يتحرك بحماس غير معتاد وكأن قلبه خفيف ممتلئ برغبة فى رسم الابتسامة على وجهها .. عاد بعد وقت قصير وهو يحمل فى يده اكياس  الطعام ثم أخرج لها المقرمشات المفضلة لها وبعض الحلويات ووضع اللابتوب امامهم .. قالت مريم :
_ ايه كل دا ؟
_ لزوم القاعدة.. ايه زهايمر نسيتي .
_ دا انت كدا راسم ع سهرة صباحي .
_ براحتها تخلص وقت ما تحب .
ضحكت مريم :
_ والشغل ؟
_ فرصة اروح متأخر وكدا كدا اجازتي من بعد بكرة ..
 قالت مريم بصوت منخفض :
_ ايوه.. عشان كتب الكتاب .
 اجاب بنبرة صوت منخفضة :
_ ايوه ..
 قالت مريم مازحة :
_ يعني دى نعتبرها حفلة عزوبية بتودع فيها عزوبيتك معايا .
 نظر اليها وملامح وجهه تبدلت لمزيج من الحزن والعجز وحاول ان يتمالك وقال :
_ وهو انتى فاكرة انا هسيبك .. انا شقتي شارعين من هنا يعني هتلاقيني ناططلك كل شويا .
_ انت وبسنت مش لوحدك .. اعمل حسابك فى الكمية تزيد بقى .
صمت لحظة وتحدثت مريم:
_  بجد مش عارفة هل هنقدر نقعد كدا تانى ولا لا بس عمومًا انا سعيدة باللحظة دي .
 نظر اليها زين وكانت عيناها مليئة بالحزن رغم ابتسامتها وادرك سبب بكائها فى الداخل .. قال :
_ ممكن متفكريش فى اى حاجة غير اللحظة دى .. مش دى لحظة سعيدة  يبقي نركز فيها ..
_ تمام ..
 بدأ الفيلم ومع أولى مشاهده ..جلسا يتناولان الطعام .. زين لم يتوقف عن تعليقاته الطريفة على المشاهد وكأن يقلد بعض الشخصيات بأسلوبه الكوميدى فتضحك مريم من قلبها .. تلك الضحكة التى أشتاق لرؤيتها وسماعها ..كانت ترد عليه بمزاحها ويضحك هو أيضا .. وبين لقطة وأخرى كانت نظراتهما تلتقي يختبئ فيها مزيج من مشاعر دفينة وحنين لم يمت ..تلك الليلة لم تكن مجرد مشاهدة فيلم بل كانت عودة صامته الى عالمهم بعيد عن الواقع وكل ما فيه ..كانت ليلة فى عالمهما الخاص عالم لا يدخله أحد سواهما .

 ليلة التى تسبق يوم كتب كتاب زين وبسنت كانت ليلة ثقيلة على القلب صامتة ولكنها صاخبة بالمشاعر ..مريم مستلقية على السرير تنظر الى السقف كأنها تبحث عن مخرج من الألم ،دموعها تنساب فى هدوء مؤلم لا صوت لها سوى انفاسها المتقطعة كل لحظة تمر كأنها تثقل على صدرها أكثر .. وفى الاتجاة الاخر زين مستلق على سريره يتقلب يمينًا ويسارًا غير قادر على إيجاد راحة .. يشعر بثقل فى صدره قام وجلس على طرف السرير وجهه بين يديه يحاول فهم ما يشعر به لم يكن توتر م قبل كتب الكتاب كان شئ أعمق شئ يشبه الندم والفقد .. كلاهما فى مكان مختلف لكن قلبيهما كانا فى نفس النقطة ..حائرين،تائهين وممتلئين بشئ لا يقال . 

فى الصباح كانت مريم تجلس أمام المرآة تحاول ان ترتب شعرها وتضع لمسات خفيفة من المكياج لكن عيناها لا تكذبان ..الحزن يسكنها والشحوب يكسو ملامحها ونظراتها لا ترى ما أمامها بل تغوص فى ذكريات وأفكار بعيدة .. فجأة قطع الصمت بصوت طرق على الباب وصوت سناء :
_  عرفتي اللى حصل يا مريم .
كانت دخلت الغرفة بخطى متسارعة وملامح وجهها متوترة يكسوها القلق والصدمة :
_ فى ايه يا ماما ؟
_ اخو بسنت ..سامح  وهو جاى من القاهرة عمل حادثة كبيرة اوي ع الطريق  واتنقل مستشفى .
 صدمت مريم واستكملت سناء حديثها :
_ كرم ومحمود وكريم وزين اول ما عرفوا جريوا ..
_ وبسنت .. بسنت هنا ومامتها وقرايبها و..
_  زين راحلها  .. غيري هدومك دي وتعالي نروح انا وانتى وسوسن نلحقهم لو موجودين فى الفندق لسه .
 خرجت سناء وهي تردد: لا حول ولا قوة الا بالله .. سترك يا ستار .
 من الخبر الصادم جلست مريم على الكرسي امام المرآة فى صدمة من الخبر .. سريعًا بدلت ملابسها وذهبوا الى الفندق ولكن كان الجميع تحرك الى القاهرة وعادوا الى المطعم يتابعون الاخبار عبر الهاتف .. مريم جالسة مع ملك :
_ كريم رد عليكي  يا ملك ؟
_ بعتلي قالي انه فى المستشفى هيكلمني وانتى زين رد عليكي .
_ لا ..
_ يا قلبي على بسنت .. يوم مهم زي دا تحصل الحادثة الفظيعة دى .
_ ربنا يستر وان شاء الله يكون بخير ان شاء الله ..
 رن هاتف سوسن والتقطته سريعًا وأجابت .. تمر لحظات حتى تبدلت ملامح وجهها بالكامل .. انعقد حاجباها واتسعت عيناها وانخفض فكها ببطء وكأنها تلقت صدمة لم تكن تتوقعها .. سقطت الكلمات من فمها قائلة :
_  مات ..
ساد الصمت فى المكان .. ما ان سمعن مريم وملك تلك الكلمة وتبادلتا النظرات بذهول .. لم تنطق أى منهما فقط نظرات مشدوده مصدومة ..  ذهبوا للدفنة والعزاء وليلًا عادوا جميعهم  وبقى زين وكريم فى القاهرة لمدة 3 أيام  لمساندة بسنت ووالدتها ..كانوا الى جوارهم فى كل لحظة .. حضورهم كان بمثابة سند صامت لا يقال بل يشعر ..  اما مريم وملك عادا الى المطعم يحاولن الحفاظ على سير اليوم بشكل طبيعي لكن الحزن كان يخيم فى الاجواء .. كانا يتابعن اخبار كريم وزين وبسنت واالدتها عبر الرسائل النصية والمكالمات القصيرة .. 

فى هدوء المطعم كانت مريم وملك تتابعان العمل بهدوء حتى لمحوا قدوم كريم من بعيد .. اسرعت عيون مريم تبحث خلفه عن زين تتساءل بصمت إن كان برفقته لكن خطوات كريم كانت وحيدة .. دخل كريم بهدوء وبدأ عليه الارهاق وكأن الايام الاخيرة تركت أثرها الثقيل على ملامحه .. سحب احد الكراسي وجلس .. اقتربت ملك منه سريعًا لاطمئنان عليه :
_ كريم انت كويس ..
_ الحمدلله .. الحمدلله ..
_ هجبلك حاجة تشربها وجايه ثواني ..
 توجهت ملك الى المطعم وعادت بكوب عصير بارد  وجلست برفقة مريم وكريم وتحدثت مريم :
_ زين جه معاك ؟
_ لا .. زين هناك مع بسنت ومامتها عشان يطمن عليهم وكدا ..انا جيت عشان الشركة في كذا موعد اتأجل .. يومين وزين راجع  يارب يقنع مامت بسنت انهم يجبوا معاه هنا .
_ ان شاء الله ..
 تحدثت ملك:
_ انا طلبت يحضرولك أكل شكلك مكنتش بتاكل .
_ مين كان نفسه ياكل يا ملك.. الصدمة كبيرة علينا .
 ما شغل بال مريم هو زين .. كيف حاله .. ابتعدت عنهم  وخرجت للخارج واتصلت به ولم يجيب وقبل عودتها رن هاتفها وكان زين واجابت :
_ زين .. 
_  مريم..
_ عامل ايه ؟
_ الحمدلله ..وانتى .. كلكم عاملين ايه ؟
_ احنا بخير المهم انت واللى عندك .
_  ادعيلهم يا مريم الفقد صعب عليهم  .
_ الله يرحمه .. خلى بالك من بسنت ومن نفسك .. حاول تاكل كويس عشان تقدر تقف .
_ حاضر ..
_ مطول عندك؟
_ يومين وراجع .
_ لو محتاجني اجاي .
_ لا لا متتعبيش نفسك انا هحاول اقنعهم يجوا معايا .

مرت 10 ايام على تواجد زين فى القاهرة مع بسنت ووالدتها .. كانت مريم تقسم يومها بين المطعم  والاهتمام بالسطح في غياب زين بتفقد الزرع ونظافة المكان والمرسم تشغل نفسها بالرسم ولكن اللوحة امامها تشعر انها ينقصها شئ كأن من تنتظر حضوره ليكتمل المشهد لم يأتِ بعد .. 

فى المساء كانت تجلس أحيانا بمفردها على السطح ، تتأمل السماء فى صمت تبحث بين السحب عن معنى او عن طيف وربما عن زين لشوقها له وقلقها .. ذات مساء جلست مريم بعد ان انهت جلستها فى المرسم خرجت وجلست على الاريكة اسندت ظهرها الى الوراء ورأسها الى الحائط وعيناها شاردتان الى السماء تراقب لون السماء وهو يميل الى اللون الداكن وقت الغروب .. سكون خفيف لف المكان .. أغمضت عينيها للحظات كأنها تستسلم للهدوء وتغوص فى ذكرياتها مع زين ..حتى قطع الصمت صوت مألوف دافئ رغم التعب :
_ انتم معندكمش سراير تحت ولا ايه ؟
 فتحت عينيها ببطء والتفتت فرأت زين يجلس بجانبها .. ملامحه مرهقه ووجهه شاحب قليلًا :
_ زين.. انت جيت أمتى ؟
_ من ساعة عديت ع المطعم اطمنهم وقولتلهم  هروح البيت انام 
_ طيب مروحتش تنام ليه ؟
_  كنت عاوز أشوفك ..
_ اكلت ؟
_ سوسن وسناء وملك عملوا كماشة عليا انا وكريم واكلونا بالاجبار .
_ كويس .. بسنت عامله ايه ومامتها ؟
 تنهد : والله يا مريم لا جديد الحزن والزعل على المفقود كبير ندعيلهم مع مرور الوقت ربنا يسكن وجعهم .
_ ان شاء الله .. ربنا يرحمه ويقويهم ويصبرهم  و..
 فجأة مال زين براسه حتى أستقرت على كتف مريم :
_ زين ..
_ ممكن 5 دقائق بس .. 5 دقائق .
 شعرت مريم بارتباك مفاجئ احتاج صدرها ، توترت  واسرعت نبضات قلبها ، عيناها اتسعت للحظة ثم رمشت ببطء وهي تحاول أن تستوعب دفء اللحظة ..كانت تسمع أنفاسه القريبة  وتشعر بشئ خفي داخلها بدأ يهدأ كأن كل ما كانت تقاومه تلاشى في لحظة.. تسللت راحة غريبة هادئة جعلتها تسند راسها قليلًا اليه واغمضت عينيها دون وعي منها كأنها تخبره أنها هنا بجانبه .. بقيت مريم كما هي لم تتحرك .. كانت لحظة جمعت بين التوتر والخجل ووالسكينة  لكنها لحظة لم ترغب مريم أن تنتهي  كانت ملاذًا من كل شئ من الوجع من التفكير من العالم . 

بعد مرور ساعة فتح زين عيناه ببطء وبدأ يستوعب المكان حوله ..كان لا يزال فى السطح  والهدوء يملأ الأجواء  نظر بجانبه وجد مريم نظرت اليه مبتسمة :
_ صباح الخير ..
_ هو انا نمت بجد.
_ قولت 5 دقائق دخلت على ساعة و10 دقائق اهو .
_ محستش بنفسي خالص .. كتفك ولا احلى مخدة طبيه يا ميما الواحد يحط راسه بيرتاح .
_ طيب الحمدلله انك ارتحت شويا .
_ كتير .. ارتحت كتير .
 ابتسم ابتسامة خفيفة وقالت مريم :
_ يلا انزل ارتاح فى بيتكم تحت ولما تصحى عرفني .
_ افرضي نمت للصبح ؟
_ عادى لما تصحى فى اى وقت عرفني ..
_ تمام ..  انتى نازلة ولا ايه ؟
_ لا هقعد شويا  ارسم..
_ ماشي يا فنانتنا ..
 غادر زين السطح وجلست مريم على الاريكة واضعه يدها على صدرها وتحاول ان تنظم أنفاسها ثم تحركت من مكانها وتوجهت الى المرسم ...

فى الخامسة صباحًا استيقظ زين ولم يستطيع العودة الى النوم مرة اخرى .. امسك هاتفه وارسل رسالة الى مريم يخبرها ب استيقاظه .. توقع ان تكون نائمة ولكن جاء الرد :
_ البس واستناني قدام باب شقتكم يلا انا جعانه عاوزة افطر .
بالفعل بدل ملابسه وفتح باب المنزل وجدها تقف امام باب منزلها ب ابتسامة دافئة على وجهها :
_ صباح الخير ..
_ صباح النشاط .. 
 لاحظ خطوات مريم اتجاه الشارع :
_ هو احنا نازلين مش طالعين السطح ؟
_ لا .. هنفطر برا على حسابك لاني مفلسة ماشي 
 ابتسم زين :
_ ما دا العادي ..
غادرا المنزل معًا وتوجا الى عربة الفول والفلافل واشتريا سندوتشات طازجة ..  توجها الى الشاطئ وجلسوا على الرمل وبدأت مريم فى فتح تغليف السندوتشات وتطعم زين :
_ ناقص تقوليلي القطر رايح فين ؟
_ وناقص ليه .. يلا يا زيزو  القطر رايح فين .
_ المحطة ( فتح فمه وقضم لقمة  واغلق فمه وضحك )  ابن اختك 
 كانت تضحك مريم :
_ ما انت بتعاملني معاملة بنت اختك .. كتير كنت بتأكلني غصب .
_  اها بترديهالي يعني ماشي ماشي ..
_ المهم تاكل وتبقى كويس ..
نظر الى مريم مطولًا وأدرك محاولاتها لاخراجه من حالة الحزن وتخفيف ثقل الايام الماضية .. نظر اليها مبتسمًا  ولحظت نظرته :
_ اسفه مش معايا صور  اديهالك .
 ابتسم زين وقال :
_ عارفه يا مريم الفترة اللى فاتت كان فى تقل على صدري  من الحادثة للعزاء لوضع بسنت ومامتها اللى مش عارف اعملهم ايه .. لما جيت امبارح وسندت راسي على كتفك حسيت انى قادر اتنفس والتقل دا ابتدأ يخف  نزلت نمت ع طول مش من التعب لكن من الراحة ودا مبيحصلش كتير ..
ابتسمت مريم :
_ المهم انك نمت كويس .. واى خدمة محتاج كتفي هقولك الساعة بكام ؟
_  بسندوتشات فول وفلافل 
ضحكت بسنت :
_ بالظبط كدا وبعدين ع حسب الوقت والوجبة خلى بالك  ممكن تكون سينما  وغدا برا يعني تعويره جامدة .
 ضحك زين :
_ فداكي كل حاجة يا مريم ..
 امسكت السندوتش :
_ يلا افتح بوقك  القطر رايح فين 
 ضحك زين وفتح فمه وقضم قضمه وقال :
_ المحطة ..
ضحكا معًا بكل براءة وفرح وكانت تلك اللحظة من أجمل لحظاتهم مليئة بالدفء والسعادة .. ينتظران الى بعض بسعادة واضحة فى عينيهم مستمتعين بكل لحظة سويًا . 

بعد مرور شهريين .. 
كان زين وكريم يذهبان كل أسبوع الى القاهرة لزيارة بسنت ووالدتها ، كانا يحرصان على تلك الزيارات المتواصلة لمدة شهريين من بعد الوفاة بلا انقطاع وبالاخص زين تواجده كان دعم لبسنت فى وقتها الصعب .. وعندما يعود زين الى الاسكندرية يذهب الى مريم فى اى مكان تكون فيه ليستريح .. كان وقته في الاسكندرية بين العمل ومريم .. يقضيان وقتهم فى المطعم مع كريم وملك او بمفردهم اة على السطح يتشاركان الطعام والضحكات ويشاهدان الافلام ويتحدثان عن كل شئ وأى شئ وكأن العالم يتوقف عند لحظتهم تلك .. فى بعض الاحيان يتجولان فى الشوارع فى وقت متاخر او عند لحظات الشروق الاولي  او يجلسان على شاطئ البحر حيث يلامس نسيم البحر وجوههم .. كانت تلك اللحظات بمثابة ملاذ لهما ..فرصة للهروب من ضغوط الحياة ومتاعبها وصعوبة الواقع ..كانت لحظات مفعمة بالراحة والسكينة تذوب فيها همومهما وتغمرها مشاعر الألفة والطمأنينة ..

 سافر زين الى القاهرة كالعادة  .. مريم فى المطعم تخرج من المطبخ للصالة  تحوم بنظرها عشوائي فى الصالة وعلى الطاولات  وللحظة تجمدت مكانها ..  وقعت عيناها على إيهاب مختار جالس فى أحد الطاولات ، قلبها بدأ يدق بسرعة وبدأ كان الزمن توقف للحظة كانت مشاعرها مختلطة بين دهشة لا تتوقعها .. حاولت تهدئه نفسها تنفست ببطء ولكنها لم تستطيع إخفاء ارتباكها .. تقابلت اعينهم وابتسم لها ايهاب ابتسامته الدافئة المعتادة .. اقتربت نحوه مريم :
_  اقول صباح الخير ولا حمدلله ع السلامة .
ابتسم ايهاب :
_ صباح الخير ..الله يسلمك... ازيك يا مريم ؟
_ الحمدلله ..
_ اتفضلي اقعدى هعزم عليكي فى مكانك .
 جلست :
_ سوري المفاجأة اربكتني شويا ..
_ اتمنى تكون مفاجأة لطيفة ..
 ابتسمت مريم:
_ لطيفة جدًا .. تشرب ايه ؟
_ طلبت قهوة ..
 جاء الجرسون ووضع القهوة امام ايهاب وتحدث ايهاب :
_ طمنيني عليكي وع اخبارك ؟
_ الحمدلله ..
_ ومامتك وباباكي والعيلة كلها وزين .
_ كلهم بخير الحمدلله .. هيفرحوا نك هنا 
_ اتمنى اشوفهم قبل ما امشي .
_ هتتغدا معانا هنا كلنا متجمعين .
_ مش هلحق يادوب الحق ارجع القاهرة عشان راجع نابولي انهاردة .. انا جيت اسلم عليكي واتكلم معاكي فى موضوع مكنش ينفع فى موبيل .
_ موضوع ايه ؟
 اخرج من جيب معطفه دفتر متوسط الحجم ووضعه امامها :
_ ايه دا ؟
_ شوفيه ..
  كان مدون  اسم معهد فنون .. فتحت الدفتر كان مكتوب جمل كثيرة باللغة الانجليزية وصور مصغرة  وكانت مريم تقلب صفحاته وتحدث ايهاب :
_ معهد (لاكسيلا)  ممكن تقولي مكان بيجمع المواهب هما بيدرسولهم وبيعلموهم حاجات كتير فى تخصصهم وبيساعدوهم يشاركوا فى مسابقات ومعارض مدة التواجد فى المعهد وبعدها  .. يعني زي الدبلومة او الماجستير بس دا عملي اكتر الانشطة فيه اكتر يعني ممكن تقولي عملية اكتر ..
_ جميل.. بس برضه مش فاهمة ؟
_ تنضمي للمكان دا يا مريم .. 
_ انا ..
 كانت متفاجئة من عرض ايهاب :
_ فاكرة المسابقة اللى كسبتيها ؟
_ ايوه ..
_ هما طلبوكي بالاسم وتواصلوا معايا على اساس انك مراتي لسه وعرضوا عليا عرضين عرض ليا وعرض ليكي .. هما بيجمعوا الموهوبين وبيوفرهم فرص مش واسطة لانك مبتحبيش الواسطات عارف .. الفرص دي بمجهودك واجتهادك فى السنتين اللى هتقعديهم هناك .
_ هقعد سنتين يعني اقامة ؟
_ ايوه هما هيخلصوا كل الاجراءات ما عليكي انك تاخدى شنطتك وتطلعي ع المطار .
 صمتت مريم وظهر على ملامحها التردد  قال ايهاب :
_ مريم  حرام تضيعي موهبتك كدا .. في فرصة جتلك انك تظهري وتتقدمي فى الحاجة اللى بتحبيها وهتفرق معاكي جدًا.. عاوزة نصيحة كصديق انتهزي الفرصة عشانك يا مريم ..
 جمع اغراضه وقال :
_ قدامك اسبوع فكري وبلغيني قرارك  عشان ابلغهم لانهم كل سنتين بيستقبلوا عدد معين فلو رفضتي الفرصة تروح لغيرك .. اتمني متضيعهاش .. رقمي معاكي منتظر اتصالك .
 غادر ايهاب وترك مريم عيناها ثابتتان على اسم المعهد المكتوب على الدفتر  واقتربت اليها ملك :
_ هو بجد ايهاب كان هنا .. قالولي جو خرجت لقيته ماشي .. عاوز ايه .. عاوز يرجع ؟
_ كان بيسلم عليا .. وسلم ومشي .
 حملت مريم الدفتر ووضعته فى حقيبتها فى صمت ..ليلًا جلست مريم فى المرسم  فتحت الدفتر ببطء وأطرافها تمر على اسم المعهد تمر على تفاصيل الفرصة التى انتظرتها طويلًا  فرصة تحقيق الحلم عامان من الدراسة بالخارج من الغوص فى عالم الفن بكل ما فيه من ألوان وشغف .. لكن ما إن نظرت اليه حتى اجتاحها الصمت الثقيل دار صراع بين قلبها وعقلها  ..عقلها يهمس (هذة فرصتك) والقلب  يتمسك بما تحب  مرسمها وعائلتها وذكرياتها وزين .. تنهدت مريم تنهيدة ثقيلة وكأنها تحاول أخراج القرار من صدرها لكنها لم تستطيع .. اغلقت الدفتر برفق ووضعته جانبًا ثم عادت الى رسمتها بصمت .. 

عاد زين من القاهرة ومر على مريم فى المطعم رافقها الى المنزل وتوجها الى السطح  طلبوا طعام وجلسوا يأكلون وهما يتحدثان .. لاحظ زين تغير ملامح مريم كأن هناك ما يشغل بالها .. الح عليها حتى اخبرته بمقابلة ايهاب تبدلت ملامحه ولكنه صمت حتى تنتهي من معرفة سبب ظهوره مرة اخري واخبرته بالعرض الذي قدمه لها .. دخلت المرسم  وخرجت ووضعت الدفتر امام زين .. امسكه زين ينظر اليه ب تعجب وحيرة وقال لها :
_ انتى عاوزة ايه ؟
_ ماهو انا لو عارفة عاوزة ايه مش هسألك ايه الذكاء دا .
_  مش عارف .. انانية منى انك ترفضي فرصة زي دي  لكن سنتين كتير .
_ يعني اقبل ولا ارفض .. 
_ عاوزة تسافري ..
_ عارف ان كندا اغلب السنه فيها مطر 
_ يا سلام تسافري سنتين عشان المطر ليه محرومة منه .
_  لسه بدري على الشتا والجو حر ..
_ رايحة منك بجد ..
_ بصراحة لسه بفكر قدامي لاخر الاسبوع ارد على ايهاب هشوف كدا هجمع اراء وهشوف .

 بعد ما علم زين بالسفر كان اتخذ قرار بعدم سفرها ولكن لم يخبرها علنا بل قرر ان يزرع في قلبها سببًا للبقاء .. كان يحضر طعامها المفضل  البيتزا دائما ، يرسل لها رسائل صباحية بكثرة  ، يجلسان فى السطح تحت سماء الليل يتبادلان الاحاديث التى لا تقال لكنها تفهم .. وفى كل مرة تضحك فيها مريم يشعر إن رفضها يقترب .. ولكن فى كل مرة كانت تصمت او تشرد قليلًا يخاف أن تكون أقتربت من القرار .. كان على علم ان الحلم كبير لكنه كان يرفض بعدها تلك المدة وان العرض كان من قبل ايهاب ..كان ينتظر قرارها برفض العرض نهائي ..  الايام تمضي ومريم لا تحسم أمرها وتبقى يوم واحد على الرد  وزين قلبه يشتد عليه الخوف ..

ليلاًا مريم فى المرسم منغمسة  مع لوحتها .. فجأة سمعت صوت زين من الخارج يطلب منها الخروج سريعًا .. اسرعت بخطوات فضولية للخارج وكان يقف فى المنتصف ..  تتقدم نحوه :
_ في ايه .. بتنده بصوت عالي كدا ليه  .
_ ماهو عشان تسمعيني .
_  يعني مش قادر تخبط على الباب او تدخل .. عمومًا عاوز ايه .
 _ ممكن تقفي هنا دقيقة .. دقيقة واحدة بس . 
_ وقفت خير ..
فجأة سقطت عليها دفعة من المياه كمياه المطر نظرت الى المصدر كان زين استخدم الخرطوم المياة للزرع ووضعه فى وضعية عكسية تتدلي منه المياه كمياة الامطار ... تجمدت ثوان من المفاجأة .. شهقت ثم فتحت عينيها تنظر له بدهشة مصدومة ووجههم مبلل تمامًا .. وانفجرت بالضحك:
_ انت مجنون .. ايه دا .
_ مش عاوزة مطر .. اهو مطر في شهر اغسطس  ايه رايك ؟
ضحكت :
_ والله لاسع ..
 _ لا استني مشوفتيش السعان ..
 توجه الى هاتفه وشغل اغنية هندية مبهجة على هاتفه ورفع الصوت :
_ مشهد هندي ب ابسط الاشياء مش بتحبي الافلام الهندي عيشي مشهدك .
_ اللى هو ازاى ؟
_ البطلة فى الافلام السما بتمطر بتعمل ايه بترقص .. يلا خرجي كل الكبت اللى جواكي .
كانت مريم تقف تحت رذاذ المياة المتساقطة وفى لحظة طفولية جميلة بدأت مريم تتمايل بخفة تحت المياه .. شعرها مبتل وملابسها مبتله ولكنها كانت تضحك كطفلة صغيرة تدور وتلوح بيديها فى الهواء وكأنها ترقص تحت المطر حقيقي .. وقف زين يراقبها بصمت مبتسمًا من قلبه ، فرحًا أنه نجح فى منحها لحظة سعادة نقية .. ثم تغيرت الموسيقى فجأة ب موسيقى أخرى  اقتربت مريم اليه وضحكت وسحبته من يده ليشاركها اللحظة كما يفعلان دائما .. انضم زين وبدأ يرقصان معًا يتحركان بخفة يتبادلان الضحك واللمسات العفوية لا شئ فى تلك اللحظة سوى الموسيقى والماء وضحكهما .. مع نهاية الموسيقى دارت مريم للمرة الاخيرة وتوقفت وهي بين ذراعي زين .. استقرت فى حضنه .. هو يضمها بهدوء .. كانت مريم واقفة قريبة منه انفاسهما تتلاحق بهدوء ، نظراتها تلاقت بعينيه فيها شئ من الحب والشوق المكبوت لم يتكلما للحظات تبادلا النظرات كانت صامته ولكنها صاحبة بكل ما لم يقال .. حاولت ان تبتعد مريم ولكن زين منعها ..ثبتت مكانها .. رفع زين يده بلطف وأزاح خصلة مبتلة من على وجهها  ثم وضع يده على جانب وجهها بنعومة خفيفة وكأنه يتأكد أنها حقيقية بهذا القرب .. كانت مريم لا تزال ساكنة تتنفس بصعوبة تشعر بقلبها يخونها يدفعها للبقاء .. وفى تلك اللحظة انحنى زين ببطء وأقترب وجهه منها أكثر حتى التقت انفاسهما .. لحظة قصيرة لكنها بدت أبدية ثم قبلها .. قبلة حملت بين طياتها الكثير من الحب الذي لم يقال من الطرفين ..لم تكن قبله عن رغبة عابرة ولكنها كانت اعتراف صامت أن كل الطرق مازالت تؤدي الى الاخر .. حين افترقا لم تبتعد مريم ولكن وضع زين يده على راسها ووضع راسها فى صدره وضمها بقوة .. شعرت مريم بأن شيئًا ما فى داخلها أنكسر وتحرر بعد مقاومة طويلة المدة والأن لم تعد قادرة على المقاومة .. حين ضمها زين لحضنه لم يكن لها مجرد تقارب جسدي ولكن كان دفئًا غمر قلبها ..كان حضنًا صامتًا عميقًا مليئًا بالامان والانتماء .. حضن يشبه بيتًا قديمًا نعود اليه بعد غربة طويلة .. همس لها زين قائلًا :
_ متسافريش يا مريم مش هقدر انك تبعدي تاني مش هسيبك تبعدي تاني .
 ابتسمت مريم وهي فى حضنه ابتسامة خفيفة  فكانت كلماتها اشعر قلبها بالطمانينة ..



تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1