رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الخامس والعشرون 

مر زمن طويل منذ أن سمعت تلك الكلمة "عزيزتي"
كأنها لفظة ضاعت بين تشققات الذاكرة وعادت اليوم لتخترقها كسهم لا يخطئ موضع الوجع
تصلبت سارة على السرير وجسدها يرتجف من وقع المفاجأة كانت الكلمة تحمل ما لا تحمله القصائد كأنها مفتاح قديم فتح أبوابا أغلقتها بالقوة
لم تعرف كم كأسا شرب ليصل إلى هذا الحال من اللاوعي العاطفي بدا كمن اختار النسيان طوعا وارتدى وجه رجل لم يتجادل معها قط
اقترب منها كأنه يسترد قطعة مفقودة من روحه
حاولت أن تبني حول نفسها درعا من العقل أن تبقي على ما تبقى من كرامتها الهشة فمدت يدها لتدفعه لكنه أمسك بها برقة مريبة واقترب منها بخفة من يبحث عن غفران خفي
لثم ظهر كفها تلامس لم يكن شبقا بل خضوعا
همس بصوت متهدج كأن صدره لا يحمل رئتين بل صدى
"أين ذهبت لقد بحثت عنك طويلا "
سقطت دموعها فجأة بلا إذن ولا ترتيب
كانت على وشك أن تفرغ العام بأكمله من دموعه وكأن كل ما كبته قلبها خلال الأشهر الماضية تآمر للخروج دفعة واحدة
حاولت أن تقاوم الانهيار أن تحافظ على صوت ثابت وهي تقول
"ألم تكن أنت من دفعني بعيدا"
رد بصوت ممزوج بحنين
"هراء أكثر من أحببت في حياتي هو أنت كيف لي أن أدفعك بعيدا"


شدها إليه كمن يرفض خسارة معركته الأخيرة
لكن سارة لم تكن عروسا لهذا التمثيل المتهالك
دفعته بعزم مفاجئ وقالت
"أحمد انظر إلي جيدا انظر لما أصبحت عليه "
الظلام كان كثيفا الستائر مسدلة لكن ضوء الفناء الخافت انسدل كستار مسرحي على وجهها المبلل بالدموع
في عينيها لم يكن الحزن فقط بل وطن من الخيبات
سألها بلطف يشبه طيش طفل أضاع ألعوبته
"هل أيقظتك هل أنت متعبة"
مد يده ومسح دموعها بإبهامه كما لو كان يمحو خطأ في لوحة فنية ثم همس
"لا تبكي يا سارة سأقتل كل من يجرؤ على الاقتراب منك!"
كان تهديده كاريكاتوريا طفلا غاضبا يلعب دور قاتل مأجور في مشهد هزلي
لكن تلك الجملة زادت من ارتجافها
لو كان بكامل وعيه لو كان يعرف نفسه لربما تذكر أنه يكرهها
لكنه الآن يتحدث كأنه عاشق عاد من المقبرة لا ليعتذر بل ليهدم ما بقيت من جدرانها
خرج صوتها من الأعماق مشروخا كوتر ممزق
"أحمد ماذا ستفعل لو مت"
تجمد للحظة سألها بذهول
"عن ماذا تتحدثين"
رفعت عينيها وكأنها تهمس للحياة كلها
"الجميع يموت أحمد كل من يولد في هذا العالم يشيخ ثم يمرض ثم يموت لا أحد ينجو من الموت حتى الحب لا ينجو "
حدق فيها بعينين ضائعتين ثم نطقها دون تفكير كأنه أقسم
"
سأموت معك سندخل في سبات أبدي وندفن معا في ذات المكان "
كانت كلماته حلما مشبعا بالسكر لكن الحلم أحيانا أجمل من الواقع حتى لو لم نصدقه
ابتسمت سارة لكن ابتسامتها لم تكن ابتسامة حقيقية بل كانت انحناءة عجز انكسار يجيد التخفي خلف شفتين
يدها كانت تتشبث بقميصه كما يتشبث الغريق بخشبة طافية وسط محيط من الخيبة
قالت بنبرة حاولت أن تبدو ساخرة لكنها كانت أقرب إلى نحيب متنكر
"هراء أنا واثقة أنك ستشعل الألعاب النارية وتقيم حفلة تنكرية في يوم وفاتي ثم تتزوج أخرى تجيد الرقص فوق رمادي "
كان وقع كلماتها على أحمد أشبه بصفعة غير مرئية
سقط ظل الجملة على وجهه فجلس بهدوء مفاجئ كما لو أنه قرر أن يوقف الزمن للحظة
مد يده إليها وأخذ كفها بين راحتيه
ثم وضعها على صدره مباشرة شعرت بتلك الطرقات السريعة المتلاحقة كأن قلبه طبلة يدقها قلق قديم
ورغم خدر السكر ورعونة عينيه جاء صوته فجأة واضحا ثابتا لا يشبهه
"هل تسمعين هذا النبض هو لك
إن مت سيموت قلبي أيضا لن أحتفل لن أعيش بعدها سأصير هيكلا يسير على عكاز الذكريات "
أومأت سارة برأسها وقد غرقت عيناها بدموع لم تعد تقوى على احتجازها
همست وصوتها يهتز كوترا مرتعشا
"أسمعه أسمعه "
ثم
اقترب منها
كان اقترابه مفاجئا كرجفة في ليلة باردة غريبا كأن رجلا جديدا خرج من جسده القديم
اختفى طبع الانطواء فيه فجأة وكأن مشاعره المؤجلة قررت الانفجار في لحظة
قال بنبرة لا تحتمل التأويل
"سارة دعينا ننجب طفلا "
طفل
الكلمة سقطت في أذنها كحلم غير متوقع كأنها قطرة مطر سقطت على أرض محروقة
وفي لحظة انفجرت الدموع من عينيها كأنها لم تكن تبكي من قبل بل كانت تنتظر تلك الجملة لتنهار
أحس أحمد برجفتها تسري تحت جلده شعر بخوفها يتكثف بين ذراعيه كأنها تذوب من الداخل
مد يديه بسرعة مسح دموعها بجنون العاجز وقال بصوت مبحوح
"سارة لا تبكي أرجوك لا أريد رؤيتك هكذا لا أريدك إلا بخير فقط كوني بخير أرجوك توقفي "
ظل يكرر محاولاته لتهدئتها كأنه يرقيها من كوابيسها أو يفاوض القدر على مهلة أخرى
سارة في المقابل لم تجد سلاحا في ضعفها إلا التشبث بقميصه
غرقت فيه وغرقت معه بللت دموعها نسيجه كانت ترتجف وتئن باسمه كما لو كانت تنادي على روحه في برزخ بعيد
"أحمد أحمد "
كان النداء أشبه بدعاء مكتوم بندبة تنطق
كأن كل ما فيها كان يناديه لا بصوتها فقط بل بكل خلية فيها

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1