رواية ترانيم في درب الهوى الفصل السابع والعشرون 27 بقلم دودو محمد


 رواية ترانيم في درب الهوى الفصل السابع والعشرون 


بالمساء، عادت ترنيم إلى المنزل، وجالت في أذهانها ذكريات يوم طويل ومتعب، وجلست على الأريكة بإرهاق تام بجوار والد غريب، رأت في عينه القلق الذي يعتريه من أحداث اليوم، فابتسمت له ابتسامة هادئة:
"مساء الخير يا عمو؟"
رد عليها بنبرة حنونة، وكأنه يحاول أن يخفف من ثقل يومها: 
"مساء النور يا حبيبتي، عملتي ايه النهاردة؟"
تكلمت بإرهاق شديد، وكأن كل كلمة تأخذ منها جهدًا إضافيًا، وقالت: 
"النهاردة اليوم كان صعب أوي بسبب الزلازل اللي حصل، كان فيه إصابات كتير، ومنهم أطفال صعبوا عليا."
أومأ برأسه بتفهم عميق، وقال: 
"للأسف، كل فترة بيحصل كده، وناس كتير بتروح ضحية."
نظرت حولها بتساؤل وقلق، قائلة: 
"أمال غريب فين؟"
أشار بإصابعه إلى الأعلى، وقال، بينما كان يؤكد على تفهمه: 
"فوق في أوضتكم، جه من بدري، وقال إنه هينام شوية لحد ما تيجي."
أومات برأسها، واستقامت بجسدها، وقالت:
"أوك، هطلع أنا بقى، محتاج حاجة قبل ما أطلع؟"
حرك رأسه بالرفض، وقال بلطف: 
"لا يا حبيبتي، أطلعي ريحي جسمك من تعب اليوم."
تحركت باتجاه الدرج وصعدت إلى الأعلى، وكأن كل درجة تأخذ منها المزيد من الطاقة. اتجهت نحو باب غرفة النوم وفتحته، ثم ضغطت على زر النور. عندما أضاءت الغرفة، وجدت غريب محضر لها الطعام على الطاولة وهو نائم على السرير، وبدت الوجبة جانبًا كأنها تبرز اهتمامه ورعايته لها، تنهدت بحزن، ثم تحركت نحو تختها، ربت على ظهر غريب برفق، وتكلمت بصوت هامس كأنها تخشى إيقاظه بشيء: 
"غريب، اصحى، أنا جيت."
فتح عينيه ونظر إليها بابتسامة عاشقة، وكأنها كانت الشمس التي تشرق في عتمة ليله، اقترب من شفتيها مقبلاً إياها بحب، ثم ابتعد عنها وتعامل معها بصوت هامس يشبه السحر: 
"وحشتيني."
ابتسمت له بحب، وسرت في خديها لمسة دافئة، وحركت يدها برقة على خده، وقالت بمرارة مختلطة بالحنان: 
"أنت جننتني معاك، مبقتش قادرة أفهمك، أنت طيب وحنين، ولا قاسي وشرير؟ كل شوية بشخصية مختلفة."
اعتدل بجلسته، وأخذها داخل أحضانه، وتحدث بنبرة عاشقة مفعمة بالشغف: 
"أنا عاشق مجنون بيكي، وشخصيتي بتبقى على حسب رد فعلك معايا، يعني، لما بشوف نظرة اللوم اللي في عيونك، بتحول وببقى شخص عصبي، ولما بشوف الابتسامة على شفايفك، بتحول وببقى طيب وحنين، بس الحاجة الوحيدة اللي عايزك تتأكدي منها أن أنا بحبك، وعمري ما حبيت غيرك، ولا هحب غيرك انتي يا ترنيم، أنتي كل شيء بالنسبة ليا." 
وضعت رأسها على كتفه، وتكلمت بصوت مختنق، يتخلله ألم: 
"نظرة اللوم اللي في عيوني ليك، أنت عارف سببها يا غريب، علشان حرمتني من أبسط حقوقي كست، أن أكون أم، كل ما أتكلم معاك في الموضوع، تتغير وتبقى شخص بخاف منه، نفسي أحقق أمنية ماما قبل ما تموت." 
أغلق عينيه بغضب وأحاسيس متضاربة، وتكلم من بين أسنانه بصوت مبحوح:
"ترنيم، بلاش نتكلم في الموضوع ده، أرجوكي، مش عايز الليلة تقلب نكد." 
وقفت بغضب، ونظرت له بضيق، وقد بدأ الإحباط يتسلل إلى قلبها، وقالت: 
"أهو، شوف بتتحول في ثانية، أنا تعبت وزهقت يا غريب، اشمعنا القرار ده الوحيد اللي أخدته لوحدك، مع أن فيه قرارات كتير بتشاركني فيها." 
استقام بجسده، ووقف أمامها بقوة، والشرار يتطاير من عينيه كأنه يستعد لمعركة. نطق بصوت عميق: 
"علشان ده القرار الوحيد اللي مش مسموح ليكي تدخلي فيه يا ترنيم." 
صرخت بغضب، وعيونها تلتمع بالدموع، وقالت بحزم: 
"يبقى طلقني يا غريب، وده برضه قرار مش مسموح ليك ترفضه، كفايه." 
احمرت عينيه من شدة الغضب والقلق، وأمسكها بقوة من ذراعيها، وقال بصراخ قاسي: 
"عايزة تطلقي علشان ترجعيله صح، لسه بتحبيه وبتفكري فيه؟" 
دفعتنه بقوة، وأبعدته عنها بحماس، وصاحت بفزع: 
"أنت مجنون، مش طبيعي أقسم بالله، طلقني يا غريب، مش طايقة أعيش معاك، طلقني." 
أنهت كلامها، ورغم الألم الذي خنقها، ركضت إلى المرحاض، وأسندت ظهرها على الباب، وظلت تبكي في صمت مطبق، محاطة بأفكار معقدة تضرب في أعماقها. رغباتها وحزنها وقلقها، كل ذلك يتصارع داخلها، حيث كان لديها شعور بأن هناك شيئاً يتبدد معها في تلك اللحظة.
نظر إلى أثرها بغضب شديد، وأحس بأحاسيس متضاربة تتصارع داخل قلبه، ارتدى ملابسه بسرعة، وخطواته كانت مليئة بالتوتر، وهبط إلى الأسفل، كان يختنق بالكلمات التي لم يسمح له بقولها، نظر إلى والده بعيون تحمل عبء الإحباط والارتباك، ثم غادر المكان دون أن ينطق بكلمة واحدة، خرجت ترنيم من المرحاض، وما إن أدارت عينيها في الغرفة، حتى وجدت غريب قد غادر، تاركًا خلفه فراغًا كبيرًا، جلست على السرير، وضمت ركبتيها إلى صدرها، وظل نظرها معلقاً أمامها بمشاعر حزينة، تجسد فيها الألم والقلق، وكأن جدران الغرفة نفسها تشعر بما تمر به.
فجأة، سمعت صوت طرقات على الباب، فنهضت سريعاً، تحاول أن تخفي مشاعرها المتأزمة، فتحت الباب لتجد والد غريب، الذي بدت عليه ملامح القلق والحزن، ابتسم لها برفق، لكن الابتسامة لم تكن كافية لتخفيف وطأة الموقف، قال بنبرة هادئة: "ممكن أتكلم معاكي كلمتين يا بنتي؟"
أومات برأسها وكأنها تسعى لتهدئة مشاعرها المشتتة، وتنحت على جنب لتسمح له بالدخول، دلف إلى الداخل، وجلس على الأريكة كما لو كان يحمل عبء العالم على كتفيه، ثم نظر إليها بلطف وقال: 
"تعالي يا ترنيم، يا بنتي، اقعدي جنبي."
كانت تلك الدعوة بمثابة محاولة لخلق مساحة من الأمان والراحة في زخم العواطف المتزايدة.
جلست بجواره على الأريكة، ونظرتها كانت تتحدث أكثر مما يستطيع لسانها، مليئة بالأسئلة لكن عاجزة عن النطق بها، أمسك يدها برفق، كأنه يريد أن يخفف من وطأة تلك اللحظة، وتكلم بنبرة حنونة، كأنما يحاول تهدئة عاصفة فوضوية: 
"أنا طبعًا مش هسألك إيه اللي حصل ما بينكم، لأن دي حياتكم الشخصية، وانتوا حرين فيها، بس أنا حابب أحكيلك حاجة، وأوضحلك جزء من شخصية غريب، أنتي ممكن متكونيش عارفة حاجة عنها." 
كانت تلك الكلمات بمثابة باب مفتوح لفهم أعمق لعالم غريب الداخلي، وبدت وكأنها تعد لرسم الصورة الحقيقية خلف السلوكيات القاسية التي واجهتها.
أخذ نفسًا عميقًا وأخرجه بهدوء، ثم بدأ يتحدث بنبرة مختنقة، تحمل عبء الذكريات الثقيلة: 
"غريب شخص طيب جدًا، عمره ما حب قبل كده، يعني، أنتي أول حب في حياته. طول عمره كان رافض فكرة الارتباط بأي واحدة، وده لسببين. أول سبب هو أمه، لما رمته ليا، وهو لسه صغير ومحتاج وجودها جنبه، اعتبرته مجرد عائق لحياتها، وكانت شايفة وجوده في الدنيا فكرة متهورة، حاولت كتير أقنعها أنها تيجي تعيش معايا في تركيا ونربي ابننا سوا، بس هي كانت مصممة على الطلاق، وأنها تعيش حياتها براحتها من غير أي مسؤوليات، على فكرة، أنا كنت بحبها جدًا، جوازنا كان عن حب، بس حصل الطلاق، وانا أخدت غريب، ورجعت تركيا، وعلشان تربيته كانت صعبة عليا، اتجوزت واحدة عذبته، وعملتله عقدة،
وده السبب التاني، ابني كان بيتعالج علشان جسمه يقبل لمسة أي بنت أو ست، أنتي الوحيدة اللي جسم ابني استجاب للمستها، علشان كده هو اتعلق بيكي وحبك بجنون، وجودك في حياته غيرها كتير، بس لسه فيه شوية مشاكل عنده، ودي هتتعالج مع الوقت، زي موضوع الخلفة، غريب رافضه تمامًا لأنه خايف يجيب طفل ويعيش نفس اللي عاشه، عنده رهبة من الخلفة، وخوف متكونوش انتوا الاتنين قد المسؤولية، عارف أنه من حقك تبقى أم، بس حرام لما تفرطي في قلب بيحبك بالطريقة دي، علشان موضوع زي ده، مش بقولك إنك هتتحرمي من الأمومة، لأ! بس محتاجة وقت شوية لحد ما غريب يتقبل فكرة أنك هتفضلي موجودة في حياته، وإن اللي هيجي الدنيا هيتربى بينكم، مش هيحصله نفس اللي حصل ليه."
أغلقت عينيها، وتكلمت من بين شهقاتها، وقالت: 
"غريب فرض نفسه عليا بالغصب، يا عمو. أنا كنت عايشة حياة تانية خالص، بحب واحد كان هو كل دنيتي، لحد ما ابنك دخل حياتي، وغير كل شيء للأسوأ، أنا من يوم ما قابلت غريب، وكل حاجة اتغيرت، خسرت حاجات كتير أوي، حتى نفسي، أرغمني أعيش معاه هنا بالغصب، ورغم كل ده، أديته فرصة قربت منه، وسمحتله يكمل جوازنا، لأن دي كانت أمنية ماما من الأول، قولت أحقق ليها اللي كانت بتحلم بي، وفي نفس الوقت أقرب منه، يمكن أشوف فيه حاجة أنا مكنتش شيفاها بسبب حبي لسلطان، بس اكتشفت أني حتى لما عملت كده، ده مضافش حاجة غير معاناة جديدة ليا، أتحرمت من أبسط حقوقي كست، للأسف، يا عمو، غريب أناني، عايز كل حاجة ليه، مش بيدي لحد حرية الاختيار، هو اللي بياخد القرار، حتى لو على حساب وجع ناس تانية."
ابتسم لها بحنو، وقال بنبرة هادئة: 
"الأنانية في الحب شيء مباح، بالذات لو الشخص ده عاشق مجنون، وابني غريب بيعشقك، علشان كده هو أناني في حبه ليكي يا ترنيم، ولو قدرتي تفهمي غريب كويس، هتشوفي عشق من نوع خاص، جربي تدي لنفسك وتدي ليه فرصة، وشيلي موضوع الخلفة دلوقتي من دماغك، وهتيجي بعد كده تشكريني."
نظرت له نظرة مطولة، وتكلمت بتساءل:
"هو ليه حضرتك اتجهت للمافيا، مع إنك طيب؟ وغير ما كنت أتصور خالص، يعني، لما سمعت عن حضرتك إنك من أخطر المجرمين في تركيا، كنت فاكرة أنك بقى شرير، وماشي تقتل في الناس، وشكلك شبه الناس اللي بتطلع في المسلسلات، بس اكتشفت غير كده خالص، حضرتك طيب، هادي جدًا في البيت، حكيم، وشكلك مش باين عليه خالص الشر، مش بشوفك تأذي حد."
تعالت ضحكاته الرجولية، وقال: 
"المظاهر خداعة، وعموماً مش معنى أني شغال مع المافيا، أبقى شرير، ولا علشان أخطر واحد، أبقى قاسي وماشي أقتل في الناس، وأموت حتى اللي مني، ده شغل دراما، إنما الحقيقة غير كده خالص، آه، بقتل بس اللي يستاهل القتل، شغال مع المافيا بس شغل زي أي شغل، هو آه خطر شوية بس اتعود عليه، إنما في حياتي الشخصية، أنا راجل مسالم، بحب عيلتي، ومليش غير غريب في الدنيا، وأتمنى سعادته حتى لو على حساب نفسي."
ابتسمت له، وقالت بنبرة هادئة: 
"تعرف حضرتك أن غريب فيه منك كتير. يعني، رغم إنه أخطر قناص، وأثناء شغله، بيبقى شكله يخوف، بس في الحقيقة عامل شبه الطفل الصغير، هادي جدًا." 
أومأ رأسه بالتأكيد، وتكلم بمزاح: 
"الله يخربيت المسلسلات اللي بوظت سمعتنا دي، وخلت شكل المافيا وحش، احنا بشر عادي، لحم ودم، ولينا حياتنا، وعندنا قلب زي كل الناس." 
تعالت ضحكاتها، وقالت: 
"طيب سؤال آخير، هو حضرتك بتتكلم مصري كده إزاي؟ يعني، أي حد في مصر مش هيعرف إنك تركي، وغريب زيك برضه بتتكلموا مصري كويس أوي."
استقام بجسده، وتكلم بتوضيح: 
"لأني عشت نص عمري في مصر، وكمان دخلت الجامعة هناك أربع سنين، ولما اتجوزت مامت غريب، كنا بنتكلم مع بعض مصري مش تركي، علشان كده طريقة كلامي في المصري كويسة، وكمان غريب اتربى واتعلم كل حاجة بالمصري، وبكده بقينا نتكلم مع العرب بالمصري، بحكم شغلنا، ومع الأجانب تركي لغتنا الأساسية."
أومات رأسها بتفهم، وابتسمت له، وقالت: "أنا لو محظوظة في الموضوع ده كله، محظوظة علشان قابلت حضرتك، واتعرفت عليك."
احتضنها بحب، وتكلم بنبرة حنونة: 
"وانا محظوظ علشان بقى عندي بنوته قمر شبهك، يلا بقى، ادخلي غيري هدومك، واجهزي كده لحد ما غريب يجي." 
كان صوته مليئًا بالحنان، وكأن كل كلمة تحمل معها مشاعر الود والاهتمام. 
ابتسمت له، وقالت: 
"حاضر يا عمو." 
لم تستطع إخفاء سرورها، فقد شعرت بأن تلك اللحظات تضيف طابع خاص على يومها المعتاد.
خرج من عندها، وهو يتمنى أن يصلح الحال بين ابنه وزوجته، وهبط إلى الأسفل، مملوءً بالأمل، ينتظر وصوله. نهضت ترنيم، ووقفت أمام خزانة الملابس، أخذت شيئًا خاصًا بها، ودلفت المرحاض، أخذت حمامًا دافئًا، ثم خرجت، ارتدت قميص نوم شفاف وقصير، وعليه الروب الخاص به، ووضعت القليل من مساحيق التجميل، وأطلقت العنان لشعرها، ووضعت عطرها المميز، وجلست تنتظر وصول غريب. 
        ***************************
صعد سلطان الدرج بصعوبة، يتملكه شعور بالثقل وكأن كل خطوة تستهلك ما تبقى من طاقته، وكأنه يحمل على كاهله عبء العالم كله، كانت الدرجات غير مريحة تحت قدميه، وكل واحدة منها كأنها تخبره بأنه يبتعد أكثر عن السلام الداخلي الذي كان يسعى إليه، عند وصوله، وقف أمام باب شقة وفاء، وراح ينظر إليه بحزن ووجع يعتصر قلبه، وكأن هذا الباب يمثل الفاصل بين عذابه خارجا واحتوائه الدافئ، وبعد لحظات من التردد، مستعينًا بشجاعة متفانية، فتح باب شقة صباح ودخل، حيث كانت والدته تنتظره بفارغ الصبر، عينيها مليئة بالقلق والأمل، ألقى السلام وجلس على الأريكة بجوارها، تاركًا أشيائه مبعثرة على الطاولة، كأنها تعبر عن الفوضى التي تعيشها روحه، ظل صامتًا، وملامحه عابسة، تظهر عمق الجراح في نفسه، والتي لم تشفى بعد رغم مرور الأيام.
ربتت والدته على كتفه، وكأن لمستها تعكس كل الحنان الذي تحتاجه روحه المحطمة، شعرت قوتها تسانده حتى في أضعف لحظاته، ثم تحدثت بتساؤل: 
"مالك يا ابني، فيك أية؟" 
حروف كلماتها تنساب كنسيم طري يحاول أن يخترق طقس الوحدة الذي يحاصره.
استند برأسه على كتفها، أخذ نفسًا عميقًا وهو يتكلم بصوت مختنق، الكلمات تنبع من أعماق الجرح الذي يعاني منه: 
"مش قادر أعيش يا أما، حاسس إن طاقتي خلاص نفذت مني، بحاول أقوى علشان بنتي، بس بعد ترنيم، عني كسرني، حاسس من يوم ما رجعت من الغيبوبة وأنا شايف الدنيا كلها سواد، روحي كل يوم بتنسحب مني، نفسي ترجع تاني لحضني، نفسي أصحى من الكابوس ده وألاقي كل حاجة زي ما كانت الأول، أنا بموت يا أما، مش قادر."
مسحت على شعره بحنو، وتحلت بنبرة هادئة تعكس حبها العميق واشتعال قلبها بالأمل: 
"تاني يا سلطان، بتفكر في ترنيم؟ تاني مش قولنا انساها علشان تقدر تعيش حياتك وتربي بنتك؟ وهي كمان تقدر تحب جوزها وتتقبله في حياتها، هو النصيب انتهى ما بينكم من اللحظة اللي انت اتجوزت فيها فريدة، انت اللي اخترت شكل حياتكم من الأساس، وآن الأوان تتحمل نتيجة اختيارك دلوقتي يا سلطان."
نزلت دمعه من عينه، مسحها سريعًا قبل أن تراها والدته، بينما تابع كلماته تخرج مختنقة: 
"ياريتني ما عملت الخطوة دي يا أما! اديني بدفع تمنها روحي اللي بتنسحب مني طول ما هي بعيدة عني." 
كان صوته يحمل شجنًا عميقًا، وكأن كل كلمة تلفظ بها كانت تحمل معها أعباء ما صنعه القدر من فراق، استشعر في تلك اللحظة ثقلاً على قلبه، وكأن العالم يتقلص حوله، وأن حياته بأكملها قد توقفت عند هذا الفراق، فكر في كل اللحظات السعيدة التي جمعتهما وكيف كانت الأيام تشرق بحضورها، بينما الآن، تعكس ذكرياته الألم وحده.
قبلت والدته رأسه بحنو، وقالت: 
"هي الدنيا كده يا ضنايا، مش بتدي كل حاجة، لازم نخسر حاجة قصاد حاجة تانية بنحبها، يعني ربنا كرمك ببنت زي القمر، وبقيت أب." تميزت كلماتها بالحكمة، وكأنها تتلقى ضوء الأمل من قلبها لتمنحه له. "قصادها خسرت حب عمرك وبنت قلبك، زي ما كنت بتقولها، سيبها على ربنا، واللي رايده ليك هيكون." 
كانت تدرك تمامًا أن الكلمات لا تستطيع جبر الخواطر، لكن كانت تحاول قدر المستطاع تخفيف ألم فراقه.
تنهد بحزن، واستقام في جلسته، قائلاً:
"ونعم بالله يا أما، أنا هدخل أريح في أوضتي شوية." 
كأن عالم الغرفه الصغيرة التي يتواجد فيها تملك تلك القدرة على احتواء آلامه وتخفيفها، ورغم الرغبة في الهروب إلى الفضاء الخارجي إلا أن جدرانها كانت تذكره بشيء من الأمان.
أنهى كلامه، واستقام بجسده قبل رأس والدته، متجهًا نحو غرفته، دلف إلى الداخل وتحرك نحو السرير، جالسًا عليه متذكرًا منذ زمن مضى، حين كانت ترنيم تنام دائمًا في أحضانه، تذكر شقاوتها معه وكيف كانت تستفز مشاعره تجاهها، كانت تلك اللحظات مليئة بالضحك والدفء، والآن أصبحت مجرد ذكريات ترسم الابتسامة الحزينة على وجهه، أغلق عينيه وتمدد على فراشه، محتضنًا الوسادة وكأنها ما زالت تحتفظ برائحة شعرها، بدا له وكأن الوقت قد تجمد، وكأن الوسادة تستمع إلى همساته وتعيد له دفء ماضيه.
تكلم بصوت حزين: 
"وحشتيني أوي يا ترنيم، أنا بموت من غيرك، ارجعيلي بترجاكي." 
كان صوته يتردد في جنبات الغرفة وكأنه يتوسل إلى الفضاء أن يحمل رسالته إليها، إلى كل ما هو بعيد وغير مرئي، كانت كلماته تبعث على الألم، وفي نفس الوقت تعكس ضعف الإنسان أمام ما يمكن أن يجلبه القدر.
ظل على هذا الوضع حتى غط في نوم عميق، غارقًا في عالم أحلام بطلتها هي، معشوقته، كانت الأحلام تجسد كل أمانيه، وتجعل من خيالهم دوامة أكثر واقعية، رأى في أحلامه ضحكتها وجهها، وكيف كانت تتعثر بخطواتها الصغيرة بينما تملأ الكون بشغف الحياة، ويعلم في أعماقه أن تلك اللحظات لن تعود، لكن الأمل في إعادة الوصل يظل يشوبه الخوف من فقدانها مرة أخرى.
      ****************************
شعرت ترنيم بالنعاس، فتمدت على سريرها وغطت في النوم، كان الليل هادئًا، والظلام يعم المكان كأنه يحتضن أسرار العشاق وذكرياتهما، أثناء نومها، رأت دموع سلطان، كانت تشبه قطرات ماسة تتلألأ تحت ضوء القمر، تسقط على وجهه برقة، وكأنها تعكس حزنه العميق، رأت كيف يحتضنها بقوة، متوسلاً أن تعود له، وعينيه مليئتين بالأمل الذي يختلط بالألم، شعرت بأنفاسه الساخنة تتموج على وجهها ورائحة عطره المحببة لقلبها تطغى على كل ذكرياتها، تلاشت كل الأصوات من حولها، ولم يتبقى إلا همسات قلب سلطان، تناديها، تشدها إلى حضنه. 
انهمرت دموعها بغزارة، وكأنها تعلم أن هذا مجرد حلم وأنها ستستيقظ منه قريباً، ولكن في تلك اللحظة، كانت كل ذرة في جسدها تتوق إلى أن تبقى في هذا الحلم، حيث لا توجد مشاكل ولا فراق، نظرت إلى وجهه، تساؤلات تجوب في نفسها حول حبهما ولحظاتهما السعيدة، ولكنها ظلت صامتة في تلك اللحظة المليئة بالمشاعر، عاجزة عن نطق كلمتين قد تغيرا مصيرهما، فجأة، انتفضت من نومها، والدموع تغرق الوسادة، وكأنها تستعيد وعيها من وهم جميل، لكن ذلك الوهم كان يحمل في طياته ألم الفقدان. 
اعتدلت بجسدها وضمت قدميها إلى صدرها، واستمرت في بكائها، شعرت بوخزة مؤلمة في قلبها، كأنها تمزق شرايينها، وصوت سلطان يتردد صداه داخل أعماقها، يتوسل إليها أن تعود له، بينما تتجادل الأفكار في رأسها، متسائلة عما إذا كان بإمكانهما إعادة بناء ما كسر. 
في تلك اللحظة، انفتح الباب ودخل غريب، يتأرجح بسكر شديد، كاد أن يسقط على الأرض، كان يبدو ضائعًا، كأنه في عالم آخر يجهل فيه معنى الحب أو الارتباط، نهضت ترنيم بسرعة، وأسندته، ممسكة بيده، واشتمت رائحة الخمر القوية تنبعث من فمه، مما زاد من أشجانها، أغلقت عينيها بضيق، وسحبته لداخل الغرفة، مغلقة الباب خلفهما بحذر، وكأنها تحاول عزل نفسها عن ذكريات الحزن.
ثم وضعته على السرير، وتحدثت بصوت مختنق، يملؤه القلق: 
"أنت ليه بتعمل في نفسك كده، هتستفاد أيه؟" 
كانت كلماتها تعبر عن حيرة ومشاعر مختلطة، تعكس في ذات الوقت فضولها وألمها مما يحدث، عندما دفعها للجلوس على قدميه، شعرت بشيء غير مريح، وكأنها تفقد السيطرة على الوضع، ولكن كانت تنظر في عينيه، محاولة أن تجد ذلك الجزء الذي يحتاج إلى الإنقاذ.
قال بصوت هامس، مفعم بالضعف: 
"بحبك يا ترنيم، متسبنيش، أنا محتاج وجودك جنبي، أنا مقدرش أعيش من غيرك." 
كأن كلماته كانت خيطًا رفيعًا يربط بين قلبيهما، ولم يكن بالإمكان تجاهل الإحساس القوي الذي انتابها برغم هذا المشهد المحزن. 
دس رأسه داخل حضنها، وعبارة 
"انتي بتاعتي أنا وبس" 
كانت تخرج وكأنها تعهد أبدياً، ونبرة صوته تكتسب قوة 
"ومش مسموح لأي حد يخدك مني، فاهمة؟ أوعي تسبيني زيها." 
كانت كلماته تتردد في أذنيها.
فهمت ما يقصده بكلامه عن والدته، فضمته داخل أحضانها، وكانت اللحظة مليئة بالتعاطف والتفهم، تكلمت بصوت مختنق، محملة بوزن القرارات والعواطف: 
"أنا معاك يا غريب ومش هسيبك، متخافش، بس ارجوك متعملش كده في نفسك، مافيش حد يستاهل تعمل في نفسك كده علشانه." 
تمسك بها بقوة، يتحدث بترجي يختلج بصوته حماس وألم: 
"قوليلي بحبك يا ترنيم، ارجوكي، محتاج اسمعها منك." 
شعر وكأن روحاً تنزف في داخله، واحدة تعبر عن خيبة الأمل إن لم تنطق هي تلك الكلمة التي يتحرق شوقاً لسماعها. 
أغلقت عينيها بدموع، وارتبكت مشاعرها، جاهدت على إخراج تلك الكلمة العالقة في حلقها، وكأنها ترفض الخروج سوى لشخص واحد فقط وهو سلطان، لكنها أدركت في تلك اللحظة أن غريب يحتاجها، وأن تلك الكلمات ليست مجرد شعارات فارغة بل تعني له الحياة، قبلت رأسه بحنان، ململمة خيوط الأمل في قلبها، وقالت بصوت هامس وكأنه دعاء: 
"بحبك يا غريب." 
تلك الكلمات التي خرجت كأنها طلاسم قديمة تجلب الراحة إلى قلبه، تلاشت الفواصل بينهما برشفات من الحب الخالص. 
ابتعد عن حضنها، وشد حزام الروب، ونظر في عينيها بحب عميق، واقترب من شفتيها ببطء شديد، مقبلاً إياها كما يقترب رجل قارب من موطنه بعد غياب طويل، أحاطت بهما مشاعر الحماس والتردد، وكان كل منهما يعلم أنهما قد دخلوا عالماً خاصاً مليئاً بالمشاعر المتناقضة بين الحب والندم والحزن، لكنهما وجدا الأمان في أحضان بعضهما، في النهاية، استسلما لرغباتهما في عالم مباح فيه كل شيء، أسيرت تلك اللحظة الخالدة التي تخطت كل الحدود، حيث أحبوا بحرية، واعتنقوا الألم كما احتضنوا الفرح، على أمل أن تزهر حكايتهم في أحضان الزمن.
       ****************************
في صباح اليوم التالي...

استيقظ سلطان من نومه على صوت ابنته، التي أضفت تنبيهًا طفوليًا على الجو الهادئ، تتحدث بضيق طفولي قائلة:
"اصحى يا سي بابي، انت نمت هنا ليه، انا زعلانه منك ومخصماك."
فتح عينه بصعوبة، كأنما أفاق من حلم ثقيل، ونظر إلى ابنته بعيون ناعسة، تشير إلى الشوق والحنان، كأن خيوط الفجر تتسلل عبر الستائر لتنير الغرفة، وقال:
"متزعليش مني يا عمر وروح بابا، دخلت اطمن على تيته وكنت تعبان مقدرتش اطلع نمت هنا."
ثم اعتدل في جلسته قليلاً، لتعود الحياة إلى جسده المثقل بالهموم والقلق، وجلسها على قدميه، مستعيداً روح الطفولة الخفيفة التي تشتاق إليها، وقال:
"شوفي ست البنات ايه يرضيها وانا عيوني ليها."
نظرت له ببراءة طفولية، مغمورة بدلع، جذبتها أحلام الطفولة البسيطة، وقالت:
"امم...عايزة نخرج أنا وأنت ومامي ونشتري لعب كتير اوي ونتغدا بره."
أغلق عينه بضيق، وكأن هموم الحياة، التي تتراكم كالسحب السوداء، تثقل كاهله وتمنعه من الاستمتاع بلحظات السعادة البسيطة مع ابنته، وقال:
"طيب ايه رأيك نخرج أنا وانتي واجبلك كل اللي نفسك فيه؟"
حركت رأسها بالرفض، معبرة عن تمسكها بعائلتها الصغيرة، وقالت:
"لا مامي تيجي معانا."
زفر بضيق، محاولا احتواء مشاعره المتضاربة، التي تجمع بين الرغبة في الانفراد مع ابنته والصراع الذي يعيشه، وقال:
"ماشي روحي اجهزوا وانا جاي وراكي."
وقفت على الأرض، وظلت تقفز بسعادة طفوليه، كعصفور صغير يحلق في سماء الحرية، وكأن كل قفزة تحمل معها أحلام وآمال جديدة، وركضت خارج الغرفة. نظر إلى أثرها بضيق، ممسحًا بيده على وجهه، مرارًا وتكرارًا كأنما يحاول أن يمسح آثار الألم والتعب، ثم زفر بغضب ونهض من السرير، يشعر برغبة في إحداث تحول في حياته حتى يستطيع أن يكون الأب الذي تحتاجه.
خرج من الغرفة ليجد سمية تجلس مع والدته، بدا المشهد العائلي بسيطًا ولكنه كان مشتملًا على حوار من القلب، قبل رأسها ثم قبل رأس والدته، وجلس بجوارها، محاولاً استجماع قواه للرد على كلماتهم دون أن يظهر ضعفه، وقال:
"صباح الخير."
نظرت سميه له بحزن، عاكسةً قلقها على حالته، وتجلى ذلك في عينيها الذي يعبر عن حبها، وقالت:
"صباح النور يا سلطان، انت ليه سايب دقنك طويله اوي كده؟"
نظر لها بحزن، مختزلاً مشاعره المعقدة في كلمات بسيطة، وقد تساءل عما إذا كانت تعي كم هو متألم، وقال:
"هيفيد بأيه شكلي يا سمية، اللي كنت بهتم بشكلي علشانها خلاص سابتني ومشيت، كل حاجه مبقاش ليها طعم."
كانت كلماته تحمل عبءًا من الأسى، وكأن كل جزء من كيان سلطان كان يتقلب تحت وطأة الفراق الذي أرخى ظلاله على حياته. استرجع ذكرياته مع ترنيم، تلك اللحظات السعيدة التي قضياها معًا، وضحكاتها التي كانت تضيء كالعصافير في صباح مشمس، أما الآن، فقد اختفى كل هذا، ليحل محله فراغ قاتل وذكريات مؤلمة، كان يشعر بأنه بلا قيمة، كما لو أن وجوده أصبح خاليًا من الهدف بعد رحيلها. 
ردت سمية عليه بحزن، وكلماتها كانت كبلسم على جراحه، وقالت:
"فيه يا سلطان، فيه بنتك مينفعش تشوفك بالشكل ده، ترنيم دلوقتي شافت حياتها مع راجل تاني في بلد تانية، وانت كمان لازم تشوف حياتك وتهتم بنفسك زي الأول علشان خاطر بنتك."
بدأت الكلمات تهدئ من حنينه، ليتخيل كيف يمكن لعناية بسيطة بنفسه أن تجعلها تشعر بالراحة، لكن الألم كان عميقًا، وأسئلته تحيط به: "كيف سأستعيد الابتسامة التي فقدتها؟ كيف يمكن للزمن أن يداوي قلبي؟" كان يتمنى لو يستطيع أن يمنح ابنته الحياة التي تستحقها، رغم كل ما يجري حوله. 
استقام بجسده، تكلم بصوت مختنق، وكأن الأحزان تشتبك في حنجرته:
"أنا متأكد أن ترنيم مش مبسوطه في حياتها، قلبي حاسس بيها على طول، حزينه وبتستنجد بيا، هي عايشه هناك غصب عنها، بس للأسف أمي مسكتني من إيدي اللي بتوجعني وحلفتني بحبي لترنيم أني مسافرش ليها وابعد عنها، وده اللي مانعني اروح ليها."
أنهى كلامه وصعد إلى شقته بالأعلى، حيث غمرته الوحدة حول جدران الغرفة الباردة. كانت الذكريات تتراقص أمام عينيه، تستحضر أوجاع الماضي وتذكره بما كان، وما لن يعود أبدًا.
نظرت سمية إلى والدتها وقالت:
"والعمل يا ماما، سلطان بيموت بالبطيء وأنا خايفة عليه أوي." 
نظرت لها بهدوء، كعنكبوت يدعم شباكه، وقالت:
"ربك قادر يحلها من عنده واللي عند ربك كتير." 
استقامت بجسدها وقالت:
"ونعم بالله يا حبيبتي، هروح أنا بقى علشان زمان حسام مستني تحت." 
ثم تحركت باتجاه الباب، ووقفت فجأة وقالت:
"ماما، حسام كان عايز يجي يتقدم بس أنا كنت مأجلة الخطوة دي علشان موت فوفة وكمان علشان حالة سلطان دي." 
أومات برأسها، معبرةً عن تفهمها، وقالت:
"ماشي يا بنتي، هقول لاخوكي وهخليه يحدد معاه ميعاد، ربنا يسعدكم ويجمعكم على خير." 
ابتسمت لها بحب، وهبطت إلى الأسفل، لتجد حسام ينتظرها، اقتربت منه بابتسامة، وقالت:
"صباح الخير." 
ابتسم لها بحب، وكأن الصباح يشرق في عينيه، وقال:
"صباح النور يا عمري، إيه أخرك كده؟" 
ردت عليه بتوضيح، هادمةً الصمت بوضوحها:
"مافيش، كنت قاعده بتكلم مع سلطان شوية، وقلت لماما تقوله عليك." 
ابتسم لها بحب، معبّراً عن تطلعاته، وقال:
"ربنا يقرب البعيد، ويجي اليوم اللي هيتقفل علينا باب واحد يا رب." 
نظرت له بخجل، وكأن قلبها يخفق بشدة، وقالت:
"يارب، يلا بقى علشان منتأخرش وأشوف الوش التاني بتاع حسام." 
تعالت ضحكاته على كلماتها، وصعدوا إلى السيارة، متجهين نحو شركة الحياة والأمل. بينما كانت السيارة تسير، ازدادت طاقات التفاؤل في قلوبهم، وكأنهم ينطلقون نحو بداية جديدة.
        ***************************
بدأت ترنيم تحرك رأسها بتكاسل ثم فتحت عينيها ونظرت إلى الأعلى، حيث كان غريب لا يزال نائماً في هدوء، حاولت أن تتحرك برفق حتى لا توقظه، لكنها شعرت بيده تمسك بها بقوة، تمنع حركاتها، أغلقت عينيها بضيق وتحدثت بصوت هامس: 
"غريب، سيبني، خليني أقوم أجهز لشغلي."
مال برأسه نحو وجهها، وظل يقبلها بهدوء بينما تحدث بصوت تملؤه الرغبة: 
"خليكي شويه في حضني يا ترنيم، أنا مشبعتش منك لسه." 
كانت جملته تحمل طابعاً مفعماً بالشغف، وكأن عالمهم الخاص يكتنفهما في لحظة من السعادة التي لا يمكن أن تكتمل إلا بوجودهما سوياً، كان يشعر بالحنين إلى تفاصيلها، لمسة أناملها، ورائحة شعرها الذي يعطر الأجواء من حولهم.
أجابت بضيق: 
"ما أنا كنت معاك طول الليل، يا غريب، سيبني بقى بلاش دلع." 
لكن في أعماقها، كان هناك شعور مختلط؛ بين احتياجها للانطلاق نحو مسؤولياتها ووقوعها في سحر ما يشعر به غريب تجاهها.
قفز فوقها، ونظر في عينيها بتحدي، وقال بصوت مثير: 
"وإنتي ميتشبعش منك يا ترنيم العمر كله، وبعدين، المستشفى بتاعتنا محدش ليه عندنا حاجة لو اتأخرتي شوية." 
كان هناك ضوء لطيف في عينيه، وكأنه على استعداد لمقاومة تهديد العالم كله من أجلها. 
دفعته بعيداً عنها بضيق، وأجابت بصوت مختنق: 
"لا فيها يا غريب، أرواح ناس متعلقة بأيدي، ولازم أكون قد المسؤولية دي، سيبني أجهز، أوعدك أني هرجع بدري النهاردة وتعمل اللي انت عايزه كله، ماشي؟" 
وضع قبلة سريعة على شفتيها، وقال:
"ماشي، بس اوعى تتأخري عليا، مشتاق ليكي." 
كانت كلمات غريب مثل شعاع الشمس الذي يدخل من بين الغيوم، مشعلاً الدفء في قلبها، لكنها كانت تعرف أن الوقت لم يكن في صالحهما.
ابتسمت له بتوتر، ثم نهضت سريعاً واتجهت نحو المرحاض تحت نظراته العاشقة لها.
وفي تلك الأثناء، جاءه اتصال مفاجئ، نظر إلى الهاتف باستغراب، وأجاب عليه، لكن صدمة كانت سيدة الموقف عندما جاءه صوت بكلمات قاتلة: 
"النهاردة تكون إنت ومراتك في مصر، ضروري، الجماعة قرروا يهجموا عليكم بالليل وتصفوا كلكم." 
كانت تلك الكلمات كالصاعقة التي نزلت عليه، مخلفة وراءها أثر الذهول والقلق في الوقت نفسه.
اتسعت عينا غريب بصدمة، وظل ينظر إلى الهاتف بقلق ليس على نفسه، بل على محبوبته وأبيه، استقام بجسده سريعاً وطرق بقوة على الباب، فتحت ترنيم الباب له بصدمة، وقالت: 
"فيه أيه يا غريب بتخبط على الباب كده ليه؟" 
كان في ملامحه قلق ملحوظ، كأن الدنيا بأسرها قد وقفت على عتبة ذلك الباب.
تحدث بنبرة جادة: 
"جهزي الشنط بسرعة، راجعين مصر." 
بينما كان يخبرها بذلك، كان قلبه ينبض بسرعة، مزيج من الشجاعة والخوف يحتدم داخله. 
نظرت له بعدم فهم، وسألته بتساؤل: 
"نعم!! أنت بتقول ايه؟" 
كانت الكلمات تتردد في ذهنها، كأنها تسقط في بئر مظلم، غير قادرة على استيعاب التحول السريع للأحداث، وأمام تلك المفاجأة، شعر الزوجان بأن كل شيء قد يتغير في لحظة واحدة.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1