رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم دودو محمد


 رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثامن والعشرون 

بعد وقت طويل من الانتظار والترقب، وصلت ترنيم مع غريب ووالده الأراضي المصرية إلى المكان الذي لطالما حلمت بزيارته، عندما وقفت على الأرض، شعرت بدقات قلبها تتسارع بشكل يكاد يكون غير طبيعي، وكأن كل نبضة تشير إلى اتصالات قلبها المليء بالحب والألم، سبقت الدموع على خدها، تحت تأثير مشاعر مختلطة من الفرح والحزن، كما شعرت وكأن قدميها لم تستطع حملها، وكادت أن تقع في ذهول اللحظة، لكن ذراع غريب أحاط بها بقوة وحماية كأنما يؤكد لها أنها ليست وحدها في هذا العالم، نظرت إليه بترجي، ملء عينيها بالدموع وتأجج المشاعر، وقالت:
"ارجوك يا غريب، عايزة ازور ماما."
أومأ برأسه بالموافقة، محاولًا أن يكون مصدر الأمان لها في هذه اللحظة العاطفية، وقال بنبرة هادئة وحانية: 
"تعالي الأول، نروح البيت نغير هدومنا، وبعد كده نروح نزورها." 
كان من الواضح أن كل كلمة خرجت من شفتيه كانت مدعومة بحب عميق ورغبة في مساعدتها على تجاوز هذا الوقت العصيب.
وضعت رأسها على كتفه، والكلمات تتلعثم بين شهقاتها: 
"ماما وحشتني أوي، أول مرة أكون في مصر وهي مش موجودة في الدنيا، بينا عازل يمنعني أشوفها وتخدني في حضنها."
تذكرت تلك اللحظات التي كانت تشعر فيها بالأمان في حضن والدتها، والحب الذي لا يمكن تعويضه، كانت الذكريات تتقافز أمام عينيها بوضوح.
قبل رأسها بحب، وابتسم أبتسامة حزينة تخفي عمق المعاناة في قلبه، وقال: 
"ربنا يرحمها يا حبيبتي، يلا امشي." 
كانت كلماته تهدف لتهدئة قلبها المكسور، لتجد فيها بعضًا من القوة للمتابعة.
ساعدها في التحرك، وأنهوا الإجراءات اللازمة بابتسامات مؤلمة، وصعدوا السيارة. أخذ غريب يقودها إلى الفيلا الخاصة بهم، حيث كانت ذكريات عديدة تقطن كل ركن فيها.
قال والد غريب بحنين، صوته يتردد بين أشباح الماضي: 
"وصلني عند أمك يا غريب. عايز أشوفها."
كانت هناك لمحات من الشوق تملؤه، وكأن لغز الحب غير المكتمل يؤرقه.
نظر إليه من خلال المرآة، عينيه مملوءة بالتوتر، وقال بصوت مختنق: 
"متستهلش حبك." 
كانت الكلمات ثقيلة مثل الصخور، وكأنها كانت تحمل معها كل ما تحمل من آلام الفراق.
ابتسم بحزن، قلبه يتأوه في صمت، وقال بصوت مخنوق: 
"الحب مش بأيدينا يا غريب، وأنا عشت عمري كله بعيد عنها، بس قلبي معاها. ولما وصلت للأرض اللي أتولد فيه حبنا، مشاعر كتير جوايا اتجددت، هشوفها حتى لو هي رفضت ده." 
كانت هذه الكلمات بمثابة إعلان عن قوة الحب الحقيقي الذي لا يعرف الحدود.
التفتت ترنيم إليه، مستنكرة، وتكلمت بعدم تصديق: 
"لدرجاتي بتحبها؟" 
كان في صوتها خليط من الاستغراب والحب، تبحث عن إجابة تؤكد أنها ليست وحدها في هذه المعاناة.
أومأ برأسه لها وابتسم بعشق خالص، عينيه تتلألأ كأنهما مرآة للمشاعر الحقيقية، وقال:
"الحب الحقيقي هو اللي يعيش جوه القلوب، حتى لو الفراق طال لسنين، بيكبر كل يوم أكتر من اليوم اللي قابله، ولو العمر شاب، يفضل هو في القلب شباب." 
كانت كلماته بمثابة تعويذة تعيد الحياة إلى آمالهم، وتدفعهم نحو ضوء المستقبل المضيء رغم ظلال الحزن.  
شعرت ترنيم بدقة تضخمت داخل قلبها، وكأنها رسالة من عالم موازي، تهمس لها بأن ما في قلبها من حب لن ينتهي أبداً، كانت تلك اللحظة بمثابة شحنة من الأمل، تحدت كل المخاوف والشكوك التي كانت تخالجها. ابتسمت له بتوتر، محاولة إخفاء الارتباك الذي بدأ يتسلل إلى أحشاءها، ثم اعتدلت في جلستها، وكأنها تحاول استعادة السيطرة على مشاعرها المتلاطمة، نظرت إلى غريب بقلق، وجلست تسترجع الذكريات التي كانت تحرك أمواج عاطفتها، كان كل تفصيل من تفاصيل تلك الذكريات حاضراً كأنه حدث بالأمس: الضحكات، اللقاءات السريعة، وحتى لحظات الفراق عندما تلاشت الألوان من حياتها، ثم تنهدت بحزن، ونظرت من خلف زجاج النافذة، تتأمل الشوارع بأشتياق، وكأن كل زقاق يحكي قصة لها، تحمل في طياتها مشاعر مختلطة من الحنين والاشتياق، في تلك اللحظة، كان العالم من حولها يختفي، تاركاً لها فقط صدى حبها الذي يلوح في الأفق، وكأنها تبحث عن شمس تعيد إضاءة قلبها الغارق في الظلال.
        ****************************
صعدت فريدة بجوار ابنتها بالسيارة في المقعد الخلفي، بينما جلس سلطان أمام المقود، كانت الأجواء مشحونة بالتوتر، وكأن كل منهما يحمل عبء سنوات من المشاعر المعقدة، نظر سلطان إلى ابنته بحب عميق، فقال بحماس يحتوي على لمسة من الحنين: 
"أميرتي، تحب تروح فين؟" 
كان صوته يحمل ذكريات جمال الأيام السابقة التي كانوا فيها عائلة واحدة، لكن الحزن في عينيه كان يبدو واضحًا. 
نظرت رنيم إلى والدتها وسألت بتساؤل بابتسامة طفولية: 
"امم...تحبي نروح فين يا مامي؟" 
كانت عفويتها تلطف من حدة الموقف، لكنها لم تدرك تمامًا الشدائد التي كانت تمر بها عائلتها، لكن نظرة والدتها كانت تحمل القلق، لذا حاولت رنيم أن تشجع والدتها ببراءة الطفولة. 
ثم نظرت إلى سلطان، وصوتها كان مختنقًا كما لو كانت تعبر عن مشاعر لم تستطع فهمها بالكامل، قائلة: 
"اللي بابا عايزة يا حبيبتي." 
ترددت كلماتها في الهواء، لكن سلطان نظر إلى الاتجاه الآخر، وكان الغضب يتسرب من بين شرايينه، وكأن جروح الماضي لا تزال تنزف، تحدث بغضب وجدية: 
"احنا مش نازلين نتعازم على بعض، شوفوا عايزين تروحوا فين بدل وقفتنا في الشارع دي." 
كانت كلماته كالصفراء، تصفع الأمل الذي حاولت رنيم زرعه في قلب والدتها.
لمحت فريدة ابنتها، وبتعبير يدل على الصعوبة التي تواجهها، طلبت بصوت مختنق: 
"رينو انزلي من العربية شويه صغيرين هقول لبابي حاجة." 
هزت الطفلة رأسها بالموافقة، مرتدية تعبيرًا برئيًا كما لو كانت تستمتع بفكرة الحديث مع والدها، ترجلت من السيارة، وأغلقت الباب خلفها برفق، تاركة خلفها مؤشرات الحب والبراءة التي كانت تملأ الجو.
هبطت فريدة من المقعد الخلفي وصعدت بجوار سلطان في المقعد الأمامي، وأغلقت الباب خلفها بحذر، لتنظر له بضيق واضح، وكأنما تجمع الكلمات في صدرها قالت، وعلامات الإحباط واضحة على وجهها:
"اخرت الحال اللي احنا فيه ده ايه يا سلطان؟ من يوم اللي حصل وانت قاطع معايا حتى الكلام، محملني ذنب موت خالتك، مش عايز تصدق أن مليش دعوة بموضوع الصور دي، أنا دخلت اتفاجئت باللي كان بيحصل ما بينكم، قلت الكلمتين وقعدت جنب رنيم متحركتش." 
كانت كلماتها تتدفق كالنهر، تعبر عن مشاعر منهكة من الألم والفقد. 
"أنا مليش دعوة باللي حصل لخالتك ولا ليا دعوة ببعد ترنيم عنك، أنا كنت عايشة معاكم بشوف خيانتك ليا معاها بعيني، وكنت بحط الجذمة في بؤقي وبسكت علشان بحبك وعايزة أبقى جنبك، احنا مش عشرة يوم يا سلطان، احنا بقالنا أكتر من تمن سنين متجوزين، وعدني إنك مش هتقصر معايا، وبقالك شهور ملمستنيش حتى، أنا بموت في اليوم مليون مرة بسببك، عايش بعيد عني بكل حاجة."  
توقفت، وتمتمت: 
"بتنام مع بنتك في الأوضة، أكتر الأوقات بتاخد رنيم وبتنزلوا تاكلوا تحت عند أمك، ولا حتى بيهون عليك تسأل فيا إذا كنت أكلت ولا لأ، أنا محتاجتك يا سلطان، محتاجة جوزي، شوف بقى لما ست تقول لجوزها أنها محتاجة، المفروض يعمل إيه."
كانت كلماتها مليئة بالحسرة، تعبر عن الفقد الذي انتشر في رئتيها كدخان، وقد بلغ الصبر حدوده القصوى. 
تكلم بصوت مختنق، قائلاً: 
"احنا حياتنا انتهت مع بعض من زمان يا فريدة، وجودك هنا علشان بنتك وبس مش أكتر، إنما انتي بالنسبالي ولا حاجة، أنا ملك واحدة بس، حتى لو كان ما بينا بلاد، هفضل مستنيها ترجع ليا، عجبك تعيشي على الوضع ده، أهلا وسهلا، مش عجبك الباب يفوت جمل، تقدري تتفضلي من غير مطرود." 
كانت كلماته بالنسبة لها كرصاصة قاتلة، واضحة وصادمة، لكنها في ذات الوقت تجسد تلك الفجوة الفسيحة التي تتوسع بينهما على مر السنين. 
انهمرت الدموع من عينيها وكأنها سيل جارف، وتكلمت بصوت مختنق: 
"بلاش تظلمني يا سلطان، مش بعد السنين دي كلها، وبعد اللي استحملته معاك تقولي انتهيت بالنسبالك، أنا بحبك ومستحيل أفرط فيك لغيري، حتى لو هكون قاتلة علشان أحافظ عليك، هقتل يا سلطان." 
كان صوتها يحمل حزنًا عميقًا، وكلماتها تكشف عن الصراعات التي مرت بها، معاناتها لتجد مكانها في حياته، وشغفها الذي تخطى كل الحدود. 
ابتسم بعدم اهتمام، وكأن الضغوط التي في قلبه قد نفدت، وقال:
"اللي عندك اعمليه، مبقاش عندي حاجة أبقى عليها خلاص، حتى هي عايشة في بلد تانية بعيد عني." 
كانت نبرته تعكس الاستسلام للألم، كأنه لم يعد لديه القوة لمحاربة شعوره بالخيانة والخذلان. 
احتضنته بطريقة مفاجئة وتكلمت من بين شهقاتها: 
"لا لا لا يا سلطان، متقولش كده ارجوك، أنا بحبك والله العظيم، وأستحملت حاجات كتير أوي علشانك، بلاش تقسى عليا بالشكل ده." 
كانت تشعر بأن هذه اللحظة قد تكون آخر فرصة لها لإنقاذ ما تبقى من قلبه، ومشاعرها كانت تتدفق في كل كلمة تنطق بها، لكنها لم تكن تدرك أن مشاعره أصبحت مثل الجبال، صلبة ولا يمكن تحريكها بسهولة.
دفعها بقوة بعيداً عنه، وتكلم بغضب: "أبعدي عني، قولتلك انتي انتهيتي بالنسبالي، وبلاش تخليني أتهور وأطلقك دلوقتي." 
كانت كلمات الغضب تطلق قذائف من الحزن والألم، وكأنها تعلن عن انتهاء كل شيء، ولكن فريدة لم تكن مستعدة لتقبل ذلك الاستسلام. 
نظرت له نظرة مطولة ثم ترجلت من السيارة، وركضت إلى الأعلى بغضب شديد. كانت تشعر بأن العالم بأسره قد انهار، وأن قلبها قد تمزق بسبب الكلمات القاسية التي خرجت من فمه. 
زفر سلطان بغضب، وهبط من السيارة، مال بجسده وحمل طفلته على ذراعه، وقال:
"مامي تعبت شوية ومش هتقدر تيجي معانا، تحبي تروحي فين؟" 
كانت فترة صمت تكسو اللحظة، محاولة جدية منه لإبعاد نفسه عن كل هذا العذاب، لكن نظرة طفلته الجاهلة لمشاكل الكبار كانت تنذر بخطر: 
نظرت له بغضب طفولي وقالت: 
"أنا بكرهك علشان بتخلي مامي تعيط كتير بسببك، نزلني، مش عايزة اروح معاك، انت وحش." 
أنهت كلامها وظلت تدفعه علشان يتركها. نظر لها بحزن، وكأنه كان محاصرًا بين إرادته كأب وذكرياته كزوج، أنزلها من على ذراعه وظل يتابعها حتى ابتعدت عنه، ثم زفر بضيق وصعد سيارته، شعر بشيء يؤلم قلبه، تحرك بها مسرعاً لا يعلم أين سيذهب، لكنه فر هاربا من مشاعره المتقدة داخله. 
وبعد وقت، وجد نفسه يقف أمام مقابر العائلة، لا يعلم لماذا جاء ومتى تحركت السيارة بهذا الاتجاه، وكأن شيئاً مغناطيسياً سحبه لهذا المكان، ترجل من السيارة وتحرك إلى الداخل، حيث كانت رائحة الورد والفقد في الهواء، مختلطة بالذكريات التي تجمعت هنا، وقف أمام قبر وفاء، حيث كانت تفاصيل الحجر الأبيض تحمل اسمها وتاريخ رحيلها، وبدأ يقرأ لها الفاتحة بصوت خافت، كأنه يحاول إحياء ذكرى اللحظات التي عاشوها معاً، ثم جثا على ركبتيه، وانهمرت الدموع منه بغزارة وكأن كل ما في قلبه من آلام وجد طريقه للخروج، تكلم بصوت مختنق من شدة البكاء: 
"قوليلي اعمل ايه يا فوفة؟ حياتي وقفت خلاص، لا قادر أنساها، ولا قادر أعيش حياتي، ولا حتى عارف أقوم بدوري كأب، حاسس أن الدنيا قفلت كلها في وشي، وجودك جنبي كان هيفرق كتير، على الأقل مكانتش ترنيم سافرت وسابتني لو كنتي هنا." 
انتبه لحجم الفراغ الهائل الذي تركته وفاء، كيف أن الابتسامة التي كانت تضيء أيامه قد غابت عن وجهه. 
"أنا بعشق ترنيم يا فوفة، هي المعنى الحقيقي للحياة، ولما غابت عني، حياتي وقفت، أنا تعبان أوي من غيركم."
وضع رأسه على الرخامة، وانهمرت دموعه بغزارة، مبللة تراب القبر كما لو كان يعتذر للأرض عن عدم اعتناؤه بنفسه خلال تلك الفترة، حتى شعر بصوت خطوات تقترب منه، أزال دموعه سريعاً، واستقام بجسده حتى يرى من أتى لكنه وقف مصدوماً في مكانه، ها هي تقف أمامه، تحيط بها هالة من الذكريات، يرى عينيها وهي تنظر له، مازالت محتفظة بلمعة عينيها عندما تنظر له، تلك اللمعة التي جعلته ينسى حزنه للحظة، شعر وكأن الأرض تدور به، دقات قلبه ستخترق صدره تحثه على الاقتراب منها، أن يأخذها داخل أحضانه ولو لدقيقة واحدة، كانت ساحة القبر تشعر بالصمت، لكن صراعه الداخلي قد بدأ يشتعل، لكنه من الخارج كان هادئاً، وكأنه لا يراها من أساسه، استنشق عميقًا، متمنياً أن تبقى هذه اللحظة تدوم للأبد، بينما تحاصره مشاعر مختلطة من الشوق والرغبة والخوف من المجهول.
شعرت ترنيم بوجوده بالداخل قبل أن تراه، وكأن قلبها كان يناديه بطريقته الخاصة، قائلاً إنه قريب، كانت تجلس هناك في خضم تلك الفوضى، لكن شعوراً عميقاً بالحنين تجمع داخلها كالأمواج التي تتلاطم بشدة على شاطئ بحري، ما زالت تشعر بوجوده في كل خلية من خلاياها، دون أن تراه بعينيها، وعندما وجدته يقف أمامها، اجتاحت مشاعر متناقضة عاطفتها، كأنه منضدة مليئة بكؤوس من الخمر الفاخر، كل كأس يحمل طعماً مختلفاً، دقات قلبها كادت أن تخترق صدرها، كانت وكأنها تعزف سيمفونية من الهمسات المحببة، احتضنته بعينيها، شعرت به يتسلل داخلها، يعانق روحها دون أن يراهم أحد، وكأن الزمن قد توقف لحظة واحدة بينهما، عينيها كانت متركزة عليه هو فقط، وكأن المكان قد تحول إلى عالم خاص بهم، حيث تنعدم كل الأصوات ولا يكون هناك سواهم. 
لكن تلك اللحظة الجميلة سرعان ما انقطعت بشعور مفاجئ، شعرت بقبضة يد غريب تضغط على ذراعها بقوة، كان ملمس يده كالسلاسل التي تكبل روحها، نظرت له بتوتر، وجدته ينظر إليها بغضب كأنما هو طوفان من العواصف، ابتلعت ريقها بصعوبة، وكأن كل كلمة على لسانها تتعثر في طريقها، قالت بارتباك: 
"م معرفش أن فيه حد هنا، لو عايز نخرج نستنى بره في العربية لحد ما يخلص، معنديش مشكلة." 
كانت الكلمات تتدفق من شفتيها، لكنها شعرت بفراغ عاطفي، وكأنها تتحدث إلى جدار.
ضغط على أسنانه بغضب، وقال: "امشي." كانت نبرته درامية، تحمل كل الألم والغضب الذي يشعر به، شعور بأن شخصاً ما يهدد ما تبقى من علاقتهم الهشة، وكأن الحياة أصبحت مسرحاً يتصارع فيه أبطال مضطربين.
استداروا حتى يخرجوا عند السيارة، لكن صوت سلطان أوقفهم عندما أخرج صوته بصعوبة، وقال: 
"عاملة إيه يا ترنيم؟" 
كان صوته يحتوي على قلق زائد، وكلمات تحمل معها عبء الشك والحيرة، مما زاد من توتر الأجواء المحيطة. 
أغلقت ترنيم عينيها بقوة، تعالت أنفاسها وكادت دقات قلبها تخترق صدرها، لكن الفوضى في داخلها تلاشت لحظة واحدة، رغم ظروف الاضطراب، سمعت صوت غريب الغاضب وهو يقول له: 
"ملكش دعوة بمراتي، وياريت تتعظ من اللي حصلك وانت ما بين الحياة والموت، علشان لو أنا اللي نفذتها المرادي بنفسي مفيهاش رجوع لدنيا نهائي، هتسلم نمر على طول وهبعتك بعثة لجهنم." 
كانت كلماته تفيض تهديدًا، مما جعل البرد يتسلل إلى عظامها، كأنه بلغها أن كل شيء يمكن أن ينتهي بلحظة واحدة.
تحرك بغضب واقترب منه، ووقف أمامه، وتكلم بتحذير، كأنما كان يحذر خصماً من صراع قد يكون وخيم العواقب: 
"أنت متقدرش تحرمنا من بعض، وأعتقد تجربتك معاها الشهور اللي فاتت أكدت ليك كلامي." 
كانت ثقته بنفسه تعكس عمق مشاعره، ومع ذلك شعرت ترنيم بخطوط الخطر تتقلص حولهم كالأفعى، مستعدة للإجهاز عليهم في أي لحظة.
أمسكه غريب بقوة من عنقه، وتكلم من بين أسنانه، وكل كلمة كانت تنزف غيضاً: 
"اياك تجيب سيرة مراتي، علشان أنا ممكن ادفنك مكانك دلوقتي." 
كان يشعر بتوتر الموقف وكأنه كان على شفا حفرة من الانفجار.
دفعه سلطان بقوة، حيث أسقطه على الأرض، ظلت ترنيم تنظر بمزيج من الفزع والألم، في تلك اللحظة، كان كل شيء يتحول إلى آثاره، وبدأ سلطان يلكمه بقوة، وتناثرت الدماء من فمه، تعيد الحياة إلى تلك المواجهة الغاضبة، وتخلق مشهدًا مروعاً لا ينسى في حظتهم.
ركله غريب ببطنه بكل قوته، مما دفع سلطان للارتداد إلى الوراء قبل أن ينهض مرة أخرى من على الأرض، ثم سدد له عدة لكمات متتالية، وكأن المعركة قد تحولت إلى ساحة موت، حيث كان صوت الأجساد المتصادمة يتردد في الأجواء، وبدأت بينهما حرب دموية تحت نظرات ترنيم الخائفة، التي كانت تتلاشى قوتها بينما جسدها يرتعش في ظل الكارثة التي كانت تشهدها، في تلك اللحظة الحرجة، لاحظت سلاحاً مشهراً باتجاه سلطان، وغريب، كانت عيناها مملوءتين بالذعر، لكن لم يكن بوسعها أن تقف مكتوفة الأيدي، ركضت سريعاً ووقفت أمامهم كالجدار الصلب، مصممة على حماية من تحب. 
وبغتة، شعرت بألم لا يوصف كما لو أن العالم توقف من حولها، تلقت الرصاصة مباشرة في صدرها، وانفجر جسدها بفعل الألم والصدمة. 
توقف الاثنان بصدمة وكأن الزمن قد تجمد للحظة، حيث تراخت قبضاتهم وآمالهم في النجاة تحطمت عند رؤية دمائها تتساقط بفعل الجروح، هرعوا سريعاً نحوها وقلوبهم تكاد تخرج من صدورهم من شدة الخوف عليها، وأنفاسهم اللاهثة كانت تعبر عن المعركة المستنفذة لدمائهم، بينما كان صوت نبضات قلوبهم يرتفع في آذانهم. 
مال غريب بجسده، وأخذها بلطف في أحضانه، محاولاً أن يحميها من قسوة الواقع الذي يحيط بهم، ركض بها سريعاً نحو السيارة في قلق وذعر، وجلس بها على المقعد الخلفي محاطاً بالدماء، في الوقت الذي صعد فيه سلطان أمام المقود، اطمأن غريب إلى أنها في آمن يديه قليلاً، لكنه لم يجرؤ على التفكير في العواقب، ثم تحرك بها بسرعة جنونية نحو المستشفى، كان قلبه يصرخ بأمل أن لا تكون قد فقدت روحها، وقام غريب مع ذلك بضغط على الجرح، محاولاً منع الدماء من التدفق من داخل جسدها، كأن حياته تتجسد في لحظات وجودها أمامه، وهو يقاوم كل ما يمكن أن يقف في طريق إنقاذها، عازماً على ألا يفقدها مهما كانت التضحيات.
     *****************************
وصل والد غريب عند منزل طليقته، ووقف أمام البوابة يراقبها نظرة مليئة بالشوق، منذ زمن بعيد، عندما التقيا داخل هذا المنزل، استشعر الفقد والحنين الجارف تجاهها، كانت الذكريات تتدفق إلى عقله كالعناوين العالقة في صفحاته المثيرة من كتاب حبهما، اقترب من الحرس، وألقى برجاء ممتزج بالقوة في صوته الرجولي:  
"بلغ الهانم أن إبراهيم ضرغام عايز يقابلها."
أومأ الحارس برأسه بالطاعة وتقدم إلى الداخل، وهو يشعر بتلك القصة غير المكتملة التي تلوح في الأفق، بعد ثوانٍ قليلة، ظهرت أمامه؛ نظرت إليه بتكبر، لكن عينيها، اللتان تعكس شوقًا خفيًا، كانت تتحدث بلغة مختلفة، نطقت بصوت يحمل بعض التعالي:  
"إبراهيم!! أيه اللي فكرك بيا بعد السنين دي كلها؟"
تأملها بإحساس مكبوت، وأجاب: 
"وحشتيني، لسه زي ما انتي، كأني بشوفك لأول مرة." 
تأمل في ملامح وجهها التي لم تتغير كثيرًا، وكانت تشع بأضواء الذاكرة الماضية.
ابتسمت له، وأطلقت مزحة بحماس:  
"وانت لسه زي ما انت رومانسي بطريقة اوفر! أنا قولت الكبر هيغير فيك الحتة دي."
كانت الكلمات تتدفق من لسانها، مطعمة بخفة، وكأنهم يستعيدان أوقات حميمية كانت مرسومة في تفاصيل أيامهم الجميلة.
هز رأسه بالنفي، مؤكدًا بنبرة عاشقة:  
"طول ما انتي قصادي، بكون رومانسي، لأن كل كلام الغزل اتخلق ليكي انتي وبس."
كان صوته يحمل عبق العواطف التي تجاوزت عقود الزمن، وكأنما يعيد إحياء عطر الماضي المفقود.
ابتعدت عن البوابة وفتحت المجال له، قائلة:  
"اتفضل ادخل." كان هذا العرض بمثابة دعوة إلى عالم من الذكريات، لكن قلبه كان يتردد في الدخول إلى تلك المساحة المليئة بالإحساس.
ابتسم لها ولكنه رد برفض:  
"لا شكرا، أنا جيت أشوفك وهمشي على طول." 
كانت كلمات الرفض لها طعم مرير، ولكنه كان يشعر بأن حميمية اللقاء قد تجلب معه شجناً بعمق المسافات التي تفصل بينهما.
تحدثت بسرعة، متسائلة:  
"بس ملحقناش نقعد مع بعض، انت بقالك سنين كتير أوي مجتش مصر." 
كان قلقها واضحًا، خوفًا من أن تكون تلك المقابلة مجرد شعلة تضيء لحظات ثم تنطفئ بلا أثر.
اقترب منها، ممسكًا بيدها بخفة كما لو كانت شيئًا ثمينًا، همس بنبرة دافئة:  
"لو وحشتك بجد، انتي عارفه هتلاقيني فين، هستناكي." 
كانت هذه الكلمات بمثابة وعد يحمل في طياته الكثير من المشاعر والكلمات المعلقة التي لم تقال.
أنهى كلماته، أبتعد عنها، متجهًا نحو السيارة، صعد بها وانطلق بسرعة من أمامها، مختفيًا في زحام الحياة، ظلت تراقبه حتى اختفى عن نظرها، ورسمت ابتسامة على شفتيها تمتزج بالسعادة والحنين، قبل أن تعود مرة أخرى إلى داخل المنزل، حيث لا تزال عالقة بين واقعها والماضي الذي لم تنسه الأمور كما ينبغي.
         ***************************
وصل سلطان السيارة أمام المستشفى، وخرج منها مسرعا، ثم فتح الباب لغريب الذي كان يحمل ترنيم بين ذراعيه، ركض سريعا إلى الداخل، حيث وضعها في غرفة الفحص، عاد سلطان مسرعا بجانب الطبيبة التي بدأت تفحص ترنيم بعناية، وبناءً على ما رأته، أدخلتها على الفور إلى غرفة العمليات.
ظل سلطان وغريب واقفين أمام باب العمليات، وقلوبهم تنخلع من شدة القلق على ترنيم، كانت الأجواء مشحونة بالتوتر، حيث كانت أصوات الأجهزة الطبية تصدر صفيرا متكررا، تزيد من إحساسهم بالعجز. احتل البكاء أجفانهم، وكل واحد منهم تذكر لحظة جميلة بينهم وبينها، ركل سلطان الحائط بقدميه وتحدث بصوت عالٍ، معبرا عن غضبه ورفضه للوضع الذي وصلوا إليه:
"مين اللي عمل كده وليه يد في أذيتها؟ أقسم بالله لشرب من دمه، ما هرحم أمه."
لقد كان يتخيل المشهد الذي حدث، وكيف أن شخصا متهورا قد عمل على إلحاق الأذى بأغلى ما لديهم.
نظر غريب إليه، وتحدث من بين أسنانه، وكل كلمة كانت مليئة بالألم والحب الذي يشعر به لتفاصيل حياته: 
"مش عايز أسمع نفسك نهائي، إحنا لسه حسابنا منتهاش، اطمن بس على ترنيم، وهعرفك غريب ضرغام هيعمل فيك إيه."
كان الصوت مفعما بالوعيد، لكن تحت تلك الطبقة من التحدي، كانت هناك مشاعر مختلطة من الخوف والحب، اقترب سلطان منه، ونظر له بعيون مليئة بالتحدي، وتحدث بتوعد: 
"وأنا مستني علشان أخلص منك وأرجع ترنيم تاني لحضني."
حرك غريب أصابعه بتحذير، وكأنما يذكر سلطان بحدود العلاقات بينهما، وقال بغضب: 
"اسم مراتي ميجيش على لسانك، احسن ما أقطعولك، فاهم." 
كانت نبرة صوته تعبر عن حمايته وتعهداته تجاه ترنيم، لكن سلطان كان أعمق من ذلك، ضغط سلطان بقبضة يده على أصابع غريب بقوة، ردا على تحديه: 
"ترنيم بتاعتي أنا، مهما حاولت تقرب منها، مش هتعرف تكسب قلبها، لأن أنا وبس اللي عايش فيه، ودلوقتي، ولا بعدين، مسيرها ترجع للحضن اللي رباها وكبرها." 
هنا، كانت الكلمات تحمل في طياتها وعيدا، لكن أيضا رغبة عميقة في الوحدة والحماية.
دفعه غريب بقوة بعيد عنه، وقبل أن يتهور ويبدأ في تبادل اللكمات، خرجت الطبيبة مبتسمة وهادئة، وكأنها قد جلبت معها قبساً من الأمل، بعد لحظات من القلق: 
"حمد الله على سلامة المدام، الرصاصة خرجت الحمد لله من غير أي تلف مكانها، وهي حاليا في اوضة الإفاقة، وشوية وهتدخل أوضه مجهزة، عن إذنكم." 
كانت الكلمات بمثابة انتعاش لهما، فقد انفرجت فروق الليل وبدت الشمس تتسلل من بين الغيوم، تحركت الطبيبة مبتعدة عنهم، وتركتهما ينظران إلى بعض بغضب وتوعد، وعليهما مواجهة حقيقة جديدة بعد هذه الأزمة.
وبعد عدة دقائق، دخلت ترنيم الغرفة، فتوجه غريب إلى الداخل، وكاد أن يدخل سلطان هو الآخر، لكن غريب وقف أمامه بجسده بوضوح، كما لو أنه يحتاج إلى خلق حاجز بينهما: 
"أنت رايح فين؟ أنا مراتي تعبانه، ومش هتقدر تستقبل زيارات دلوقتي." 
كانت كلماته مفعمة بالحب والقلق، مما أثار الغضب في قلب سلطان الذي كان يسعى للوقوف بجانب ترنيم. أنهى كلامه ودلف إلى الداخل، وأغلق الباب خلفه بالمفتاح. كان قلقه كبيرا، بينما تداخل الدفء والحب في تلك الغرفة الصغيرة.
تحرك نحو السرير، جلس أمامها على المقعد وأمسك يدها بحب، وتحدث بصوت هامس، مفعم بالعاطفة: 
"حمد الله على سلامتك يا عمري، أنا كنت هموت من القلق عليكي." 
كانت هذه الكلمات تعبر عن مدى عمق العلاقة بينهم، والخوف من فقدانها، أغلقت عينيها بألم، وسألت: 
"مين اللي كان عايز يقتلك انت وسلطان يا غريب؟" 
زاغ ببصره بعيدا عنها، وتحدث بتلعثم: "ها... وأنا هعرف منين؟ يا ترنيم، لسه فيه تحقيقات هتحصل، وهم هيوصلوا ليه."
كانت النبرة في صوته تعكس قلقه، ورفضه للاعتراف بأن الأمور تفلت من بين يديه.
نظرت له بعدم تصديق، وقالت: 
"غرريب، أنت بتكدب عليا، ومش عايز تقولي الحقيقة." 
زفر بضيق، وكأنما حاول تخفيف الضغط الذي شعر به: 
"مش متأكد لو كانوا هما ولا لا، بس الجماعة حكموا أنهم يصفونا، لأننا خونا العهد معاهم." 
كان الصراع الداخلي بين مشاعره والحقيقة المريرة يرهقه، ولم يملك إجابة لأكثر الأسئلة إلحاحا.
حركت رأسها بعدم فهم، وسألت: 
"يعني إيه خونتوا العهد؟ مش فاهمة؟"
أجابها بضيق، وكأن الثقل الذي يحمله على كاهله كان يعيق كلامه: 
"أخوكي من اللي مطلوبين يتصفوا، وأنا وعدتك مش هأذيه، كمان الدكتور عصام أخد حق تصفيته، بس معملتش كده لما رجعت تركيا، اعتبروا ده خيانة للعهد، وأمروا بالتصفية، علشان كده جبتك أنتي وبابا هنا علشان نهرب منهم، معرفش هما دول ورا اللي حصلك ولا الجزء التاني." 
في تلك اللحظة، كانت شظايا الحقيقة تتناثر بين ذرات الأمل والخوف.
رفعت عينيها بملل، وقالت بنفاذ صبر، معبرة عن إحباطها: 
"هو لسه فيه جزء تاني؟ أنتوا عايشين كده إزاي؟" 
كان التساؤل يطفو في الهواء كغيمات من عدم الفهم، ابتسم لها وأمسك يدها، وتحدث بنبرة عاشقة، حاول أن تكون عوامل الحب حاضرة في وسط كل ذلك: 
"كنت عايش حياتي بالطول والعرض قبل ما أعرفك يا ترنيم، بس لما قابلتك، حياتي اتغيرت، وبقيتي أنتي أولوياتي، علشان كده الدنيا اتلغبطت معايا، وبقيت مش زي الأول." 
كان الوعد المنبعث من حروفه يحمل في طياته مستقبل غير مؤكد.
"ودلوقتي قدامي حل من الاتنين: يا أخلص على المطلوب تصفيتهم، ومنهم أخوكي تامر، يا أفضل كده وهيخلصوا عليا في أي وقت." 
زفرت بضيق وتحدثت بصوت مختنق، وهي تدرك خطورة الوضع: 
"طيب، مافيش حل تالت؟" 
حرك رأسه بالرفض، عاودت الأسئلة تدور في ذهنها، وكأنها تدرك عمق المأزق الذي هم فيه. 
"للأسف، مافيش." 
قبل يدها بحب، وتحدث بنبرة هادئة، عازم على تطمئنتها: 
"المهم، متشغليش بالك بحاجه دلوقتي."
وفي ذلك الوقت، سمعوا صوت طرقات على الباب، كانت عباءة الرعب تحوم حولهم مجددا، نظرت له باستغراب، وقالت: 
"الباب بيخبط يا غريب، شوف مين."
نظر لها بعدم اهتمام، لكن بحذر، وقال:
"سيبك منه، أنا عارف مين." 
فهمت ما يقصده، فنظرت له بنفاذ صبر، وقالت بحزم: 
"هو إيه شغل العيال ده يا غريب؟ قوم افتح الباب، ما انت معايا أهو." 
لكن نظراته كانت تعكس قلة الاهتمام بالموضوع، مؤشرات الغضب في أعماقه تتزايد، نظر لها بضيق، وقال: 
"لا يا ترنيم، مش هدخله، وملكيش دعوة بيه." 
تكلمت بألم شديد، وقالت بصوت مختنق، تعكس إحباطها: 
"غريب، احنا وضعنا دلوقتي اتغير، وجوازنا أنا وأنت بقى على الحقيقة، يعني خلاص اللي في دماغك ده مبقاش ينفع، أنا لو مش عايزاك، مكنتش هحاول معاك، يبقى عندنا بيبي، عارفة أن انت لسه مش بتثق فينا، بس كل حاجة اتغيرت عن الأول، وفي الآخر، سلطان ابن خالتي، واللي مربيني."
ضغط على أسنانه بغضب، معترضا على إحساسه بالانفصال: 
"ما الكلام ده أنتي قولتيه قبل كده يا ترنيم، فاكرة؟" 
زفرت بضيق مع أسى بين كلماتها: 
"ما قولتلك، الوضع الأول غير دلوقتي، احنا خلاص بقى فيه ما بينا عشرة ومودة." 
نظر لها نظرة مطولة، كانت مليئة بالتفكير بين القديم والجديد، وما زال الخبط مستمرا على الباب، تكلمت بنفاذ صبر، كأنما تحتاج لمن يلتقط صوتها بين زحم الأنفاس:
"قوم افتح بقى يا غريب، علشان خاطري، وانت واقف معانا أهو."
نهض غريب من على مقعده بغضب، كأنما على وشك أن يخوض معركة جديدة، وتحرك تجاه الباب، كل خطوة تزيد من حدة مشاعره، فتحه، ونظر إلى سلطان بغضب، مما كشف عن نواياه: 
"أنت عارف لو عينك اترفعت فيها، هعمل فيك إيه؟" 
كان هذا التحدي وعيدا، لكن سلطان لم يتراجع، دفعه سلطان من أمامه، ودلف إلى الداخل، نظر إلى جسدها المصاب، كل ذرة من قلبه تنفطر، واقترب منها ببطء، وقال:
"عاملة إيه يا ترنيم؟" 
كان صوته مليئا بالقلق والعاطفة، يأمل أن يراها بخير.
أومأت برأسها، وقالت: 
"الحمد لله يا سلطان، كويسة." 
تحرك غريب بغضب، وجلس بجوار ترنيم، وساعدها على الجلوس، ووضع رأسها على صدره، وكان الأمر كأنه درع لها في معركة ضد المخاوف، وقال: 
"مرتاحه كده يا حبيبتي؟" 
نظرت إلى سلطان بتوتر، وكانت الأجواء مشحونة بالمعاناة، أومأت برأسها، وقالت:
"أيوه يا غريب، مرتاحة." 
أغلق سلطان قبضته، وأحس بعدم قدرته على التحكم في أعصابه، وأطلق زفرة غاضبة، كأنه يتحدى مشاعر الخوف: 
"أياكي بعد كده تعرضي نفسك للخطر يا ترنيم، أنا عشت عمري كله وأنا بحميكي من أي خطر، مش هتيجي دلوقتي بسبب شغل ناس تانية، تتأذى بالشكل ده."
نظرت إلى غريب بتوتر، ثم نظرت إلى سلطان، وقالت، مضيفة بعدا آخر للأحداث:
"أنا كنت بحميكم أنتوا الاتنين، لأنكم أنتوا الاتنين اللي كنتوا مقصودين بالرصاصة دي." 
ضمها غريب داخل أحضانه أكثر، وقبل رأسها بحب، محاولة منه لرفع معنوياتها:
"أنا اللي غلطان يا عمري علشان مأخدش معانا الرجالة، وقولت دي زيارة مقابر، مش محتاجة حماية، بس من بكرة هزود الحرس عليكي." 
تكلم سلطان بغضب وصوت جهوري، عاقدا العزم: 
"هو ده آخرك في حمايتها؟ طول عمري بحميها لوحدي، ومكانش حد يستجرأ يمس شعرا منها."
ضغط على أسنانه بغضب، وتحدث بنفاذ صبر، مغلفا كلماته بالتحدي: 
"ممكن متدخلش في اللي ملكش فيه، دي حاجة تخصني أنا ومراتي." 
أخرج سلطان صوتا من حنجرته، وقال بوقاحة، محاولا السيطرة على مجريات الأمور: 
"أ**، ما هي بنت خالتي، وأنا اللي مربيها برضه، وحمايتها واجب عليا، ولا أنت مفكرها مقطوعة من شجرة؟" 
حاولت ترنيم تداري ابتسامتها وتحدثت بصعوبة، كأنها تشعر بحاجة لفك التوتر:
"خلاص، منك ليه قفلوا على الموضوع ده، بدل ما أنتوا فاكريني عروسة لعبة وعمالين تلقطوني لبعض كل شوية."
ضغط غريب على أسنانه بغضب، والتوتر يتصاعد بين الثلاثة، وتحدث بصوت هامس بجوار أذنيها، مذكرا إياهما بعالم الخطر المحيط بهما: 
"اتلمي يا ترنيم، أحسنلك." 
ابتسمت له، وتحدثت بصوت هامس، محاولا تهدئة الأجواء: 
"غريب، اهدا وبلاش جنان." 
نظر سلطان لهم، وتحدث بصوت غاضب، موضحا حدود موقفه: 
"اتلموا شوية، أنا موجود، بلاش مسخرة وقلة أدب." 
رد غريب عليه بتهكم، مما زاد من التوتر بينهما: 
"والله لو عندك دم، تمشي، أصلا أنا وهي تعبانين وعايزين نريح شوية."
ضغط سلطان بغضب على أسنانه، ورغم ضغوط الواقع حولهم، صرخ: 
"عايزة تريحي، يا ترنيم؟ خلاص، وجودي مبقتيش ترحبي بيه." 
أغلقت عينيها بنفاذ صبر، وقالت، محاولة استعادة بعض الهدوء: 
"على فكرة، أنا واحدة لسه طالعة من اوضة عمليات، وكنت بين الحياة والموت، مش حمل شغل العيال بتاعكم ده، غريب، سلطان برضاك أو غصب عنك، ابن خالتي، واللي مربيني، سلطان، غريب جوزي، وملزم تحترم وجوده في حياتنا، مش هنفضل بقى في المرار ده كل مرة، ارحموني، حرام عليكم." 
كان صوتها قويا، يحمل كل خيبات الأمل والمرارة.
جلس سلطان على الأريكة، وهو ينظر لهم بغضب، والشرار يتطاير من عينيه، بينما كان الصراع بين الأمور كجمر في قلوبهم، غريب ضم ترنيم داخل أحضانه، ونظر لسلطان بغضب وتحدي، حاول أن يحمي حبه في وسط كل هذا الصخب، أغلقت ترنيم عينيها بسعادة، وارتسمت ابتسامة على ثغرها، وهي تشعر بالأمان لأول مرة منذ فترة طويلة، كما لو أن كل الهموم قد تم التخفيف عنها، وبدأ الأمل في الانبثاق من جديد.
      ****************************
جلست فريدة داخل غرفتها، وفي قلبها كان الغضب يشعل لهبًا متأججًا كلما تذكرت كلمات سلطان القاسية، كانت تتذكر تلك اللحظة التي قفز فيها خبر طلاقها كالصاعقة، وكانت كلماته تمزق أحشائها بشكل لا يحتمل، نظرت إلى هاتفها، وعينيها تشتعل بشعلة الانتقام التي تغلفها، كحمم بركانية تستعد للانفجار، حركت يدها بسرعة، والتقطت الهاتف وأجرت اتصالاً، في انتظار الرد الذي يشعرها بانتعاش الأمل الغائب في حياتها، وبعد ثوانٍ معدودة، جاء صوت مريم، كأنه نسيم يحمل معه رائحة الأمل: 
"عاش من سمع صوتك يا بنت خالتي." 
نبض الغضب في صوت فريدة حينما قالت، وقد زادت دقات قلبها مع كل كلمة:
"عايزاكي تدي سلطان قرصة ودن علشان يتعدل معايا." 
كانت كلماتها تعكس إحساسًا بالحنق، كما لو كانت تشعر بحاجة ملحة إلى إنصاف نفسها. لقد آلمها ما فعله، وجعلها تشعر وكأنها تمزق من الداخل، الأحداث تتسارع سريعًا، والشعور بالخذلان يسيطر على مشاعرها، وكلما فكرت فيه زاد حماسها للانتقام.
ضحكات مريم الشرانية تعالت، وكأنها موسيقى تأتينا من بعيد، ورن صداها في أذني فريدة: 
"حلاوتك يا ديدى، شكله كده لعب عندك على الوتر الحساس." 
كانت مريم دائمًا تعرف كيف تستدرج كلمات الضحك حتى في أكثر اللحظات حزنًا، ولكن فريدة لم تستطع أن تضحك، بل شعرت بالضغط يزداد داخليًا، لم يكن الأمر مجرد مزاح، بل كانت هي في صراع مع نفسها وأفكارها السوداء.
ردت فريدة بصوت مختنق، وكأن الكلمات تخرج بصعوبة، كأنها تقاوم طوفان مشاعرها: 
"بعد كل السنين دي، جاي يقولي هطلقك ومافيش غيرها في قلبه، أنا عايزة احرق قلبه عليها، عايزة ميبقاش فيه غيري قصاده." 
كان لديها شعور عميق بالظلم، ورغبة ملحة في أن يتذوق طعمة الفقد كما فعلت هي، أفكارها كانت تفرز مشاعر من السخط، وكانت تتمنى أن تدوم المعاناة التي ارتكبها بحقها.
ردت مريم بلؤم مرير، وكأنها تتلاعب بأفكار فريدة: 
"يبقى عرفتي أنها رجعت مصر صح؟" 
كانت هذه الكلمات بمثابة الشرارة التي ألهبت روح الانتقام في قلب فريدة، فكرت شبح العدو الحقيقي تعود لتقوية رغبتها في الاحتفاظ بما تبقى منها.
اتسعت عينا فريدة بصدمه، وكأنها سمعت خبرًا مفجعًا، وتكلمت بعدم تصديق: 
"إنتي بتهزري صح!! ترنيم رجعت مصر؟"
أجابت مريم بنبرة تهكمية، وكأنها تتلاعب بمشاعرها: 
"أوبس، شكلك مكنتش تعرفي، سوري يا ديدى، مش قصدي اعكنن عليكي خالص، ده حتى هو دلوقتي عندها."
وقفت فريدة تدور حول نفسها في الغرفة، وعينيها مشتعلة بالغضب، وتفوهت بكلمات تحمل الكراهية: 
"اقتليها يا مريم، مش عايزة يكون ليها أثر في الدنيا."
همست مريم وكأنها تقول تعويذة غامضة:
"من غير ما تقولي، هي كلها أيام وتبقى في الباباي، أصلها غالية أوي عند ناس تانية، وبرضه عايزة تشرب من دمها زيك بالظبط، بس قبل ده كله لازم تقهريها."
بتعجب استفسرت فريدة: 
"اقهرها أزاي، مش فاهمه!"
ردت مريم بثقة خفية: 
"تحملي من سلطان." 
كانت تلك الكلمات كالعسل في أذنيها، تبث سمها ببطء. 
ابتسمت فريدة بتهكم، وكأنها تجد سخرية في محنتها: 
"منين يا حسرة، سلطان بينام في أوضة بنته ومقربش مني بقاله شهور، حاولت كتير أغريه بس هو مش شايفني أصلاً!"
ردت مريم بتوضيح مقنع: 
"سهلة، حباية منشط في القهوة ولا الشاي هتخليه يفقد السيطرة على نفسه زي ما حصل قبل كده، مع إنك مكنتيش المقصودة، كان القصد إنه يغتصب ترنيم ويتفضحوا، بس يومها طلع عليكي وحماها من نفسه فيكي."
تذكرت فريدة تلك الليلة المريرة، وأغلقت عينيها بغضب: 
"أنا فاكرة اليوم ده كويس أوي، وبسبب اللي حصل ده أخدت قرار أن أكشف الحقيقة قدامها، المهم دلوقتي، أنا هجيب المنشط ده وهعمل زي ما قولتي، ولما يحصل حمل، أكيد هي هتتقهر، بس ده مش كفاية بالنسبالي، لأنه مجرد ما هيفوق من الحباية هيرجع تاني زي الأول، أنا عايزة احرق قلبه عليها يا مريم!"
تحدثت مريم بثقة وشر، وكأنها تعزز عزيمتها: 
"هيحصل، متقلقيش، ناس كتير أوي مستنية لحظة موتها، بس نفذي اللي قولتلك عليه الأول، ومتنسيش أي حاجة تحصل عندك، تبلغيني بيها أول بأول، سلام يا بنت خالتي."
أغلقت فريدة الخط معها، ونظرت أمامها بتوعد، وكأنها خائضة في معركة تعكس عمق مشاعرها المضطربة: 
"مخلتش ليا سكة تانية يا سلطان، أنت السبب في اللي هيحصل، أنت بتاعي أنا، ومش من حق أي واحدة تخدك مني." كلماتها خرجت من قلبها، مليئة بلهيب الغضب والرغبة المشتعلة في الانتقام، وكأنها في ساحة قتال لها جيوشها الخاصة.
أنهت كلامها وبدأت ترتدي ملابسها، مصممة على أن تصبح شخصية أخرى غير التي يعرفها الجميع، محققة أول خطوة في خطتها الانتقامية، تحولت تعبيرات وجهها من الحزن إلى القوة، ومع كل حركة من حركاتها، كانت تشعر بأن الروح والعزيمة يتجسدون في جسدها، عادت لتركز على الهدف، مخططة بدقة شديدة كيف ستجعل القلوب تتعذب كما عانت هي، وكيف ستخضع سلطان للدروس التي لا تنسى.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1