رواية رائحة الارض المفقودة الفصل الثاني 2 بقلم فارق العلي

 


 رواية رائحة الارض المفقودة الفصل الثاني بقلم فارق العلي


مرّت أربع شهور من ذاك الليل...
الليل اللي انكسر بيه گلـب شير، واللي ضحكة أهله تكسّرت فوق صخر جبل قنديل، وصارت الطفولة رماد متطاير.

هسه، عيون شير كانت معلّگة على الطريق الترابي، والغبار يتصاعد ورا جيبهم العسكري. صوت المحرّك يئن، كأنه حيوان مضروب، والهوى يلعب بشعره المتعرگ، اللي نازل من تحت الخوذة المعلّگة على فخذه.


شير بعد انضمامه للجيش 

الجيب كان ماشي باتجاه جبهات النار... صوب قرى غرب الموصل، المكان اللي ينكطّ عليه إنه بعض المختطفات نُقلن لهناك.

يمّه، گعد ليث، ساكت، يبتسم ببرود، بس عيونه دا تتحرك بهدوء، كأنه يقرا توتر شير.

قال شير بصوت واطي، بس بيه شرار:
"ليث... تتوقع نكدر نحررها؟"

ليث رد مباشرة، بدون لا يلتفت، كأن السؤال منتظره من زمن:
"إذا مو إحنا... منو يحررها؟"

ليث كان شاب طويل، لونه حنطاوي، راسه صلعة، وجهه مزين بلحية ناعمة ومرتبة. على كتفه الأيمن، بيرفرف علم العراق، مغبر، باهت بس ثابت. صوته مو عالي، بس بيه هيبة، مثل صوت قائد وهو يدخل أرض المعركة.


صورة ليث 

بس بعين شير، ما بقى غير نار... نظراته كانت مثل السكاچين، تتقلب، تتحرك، ما ترتاح. هو قليل الحچي، بس كل نبضة بجسمه تصرخ بثأر.

ليث مد إيده على كتف شير، وصوته ناعم، مثل أخو چبير يواسي أخوه:
"ذوله؟ يستاهلون الموت... بس لا تخلي الغضب ياخذك. كون ذكي، خليك وياي. آني أحميك."

من الخلف، انطلق صوت گطع كل شي، بنبرة سخرية بس بيها دفء:
"أي هااا... رضّعه بعد أخوك فدنوب جا هو غير جندي؟"

كان صوت هندس. كلهم ضحكوا، حتى السايق ما گدر يسيطر على نفسَه.

هندس، الأسمر، القصير، بجسمه الهزيل اللي البدلة العسكرية ضايعة عليه، كان عنده نكهة خاصة.
خفيف، يضحّكك حتى وانت بالجبهة.
جاي من الريف، بعد فتوى الجهاد، تارك وراه أربعة اطفال، وحلم بسيط يرجع حي، ويشوف الشمس تطلع على بيته مرة بعد.


صورة هندس

طلع صوت هندس من جديد وهو يضحك ويفرك خشمه:

"أكلكم، إذا طبت المعركة، لا تنسوني! مو مثل آخر مرة، خليتوني أركض ورا الدبابة وأصيح انتظرونييي!"

ضحكوا الشباب، والضحكة رجعت للجيب، لحظات خفيفة، كأنّهم نسوا شنو ينتظرهم بالساحة.
بس شير… لا ضحك، لا علّق.
بس ابتسامة صغيرة طلعت من وجهه، باهتة… كأن شي بداخله يحچي بصوت واطي:

"الطريق بعده طويل… والطريق مليان دم."

---

الشمس چانت تميل، ضوها صار أحمر، خافت، مثل تنبيه أخير قبل الغروب.

وصلوا لموقع التجمّع العسكري. صف طويل من العربات، منتشرة عالوادي الترابي، وجنود يتحرّكون بهدوء، كأنهم يستنشقون الصمت قبل العاصفة.

ما إن نزل شير وياهم، اقترب منهم واحد، طويل، شايل ملف جلدي بإيده. خطواته مرتّبة، بدلته أنظف من أي واحد بالساحة، كأن الحرب ما وصلته.

هذا هو ضرغام، ضابط الاستخبارات، منسق العمليات الخاصة. شاب أنيق بطريقة غريبة عن الميدان.
وجهه ناعم، حلق لحيته بس خلى شارب جميل، مرسوم رسم، كأن كل شعرة حاطّها بمكانها بإتقان.
عيونه لون زيتوني بارد، نظراته حادة، ما تكشف لا فرح ولا حزن... مثل المرايا، تشوف بيها نفسك بس ما تعرف شنو وراه.


صورة ضرغام 

هندس، بنظرات مشاغبة، همس للشباب:
"ولك… لو آني بنية، أكطع روحي عليه عمي هذا زلمة معدل!"

ليث انفجر من الضحك، وضرب كتف هندس:
"اسكت، لا يسمعك يجي يعاقبك!"

بس ضرغام، ما سمع شي. مرّ من يمهم مثل نسمة ساكنة، ما رد، ما علق. وصل للطاولة الممدودة فوق صندوق ذخيرة، وفرش الخريطة، وبدأ يشرح الخطة بصوت ثابت:

"العملية إلليلة تعتمد على عنصر المفاجأة. الهدف: وكر تابع لداعش متحصّن ببيوت مفخخة غرب قضاء البعاج. راح نطوّقهم من ثلاث جهات. القوة الهجومية تدخل من جهة الشرق، ويكون وياهم دعم مدفعي خفيف. فريق القنص يغطي من التلّة الشمالية."

أشر بإصبعه على نقطة حمره بالخريطة:

"هنا، حسب المعلومات... متواجد الأمير الجديد للمنطقة.
الهدف مو بس قتلهم، لا.
عدنا هدف أهم: نحرر أسرى، ونرجّع النسوان اللي نسبن من سنجار."

---

شير، من سمع كلمة "أسرى"... و"سبايا من سنجار"، حس قلبه يضرب مثل الطبول.
إيديه تشدّدت على حزام بندقيته، والدم بدا يغلي بجسمه مثل مي فوق النار.

"يمكن... يمكن ريفا من ضمنهم."
فكرة مثل الرصاصة ضربت مخّه، حركته بلا وعي.

نهض فجأة، خطا خطوتين بسرعة باتجاه ضرغام، وجهه مشدود، عيونه مشتعلة، بس صوته… طالع متردد، مخنوق بنبضه:

"سيدي… سؤال بسيط… السبايا اللي ذكرتهم… عدكم أسماء؟ عدكم وجوه؟ عدكم شي يدل منو بيهم؟"

قال شير، وصوته بيه نبرة تلعثم بس واضحة:

"سيدي... آني من كوجو، من سنجار. تعرف منو السبايا اللي راح نحررهم؟ لأن أختي… أختي خذوها."

ما چان بيه بجي ولا چان يحچي بنبرة حزن. لا، صوته چان ثابت، جامد، مثل الطلقة…
كأن كل حرف طالع من فوهة بندقية.

ضرغام رفع عيونه، باوعله للحظة، وضل ساكت ثواني، كأنه يقرا وجه شير، يحاول يعرف شنو وراه.

بعدين گال بجديّة:
"إنت من كوجو؟ تعال وياي."

---

مشوا بسرعة باتجاه خيمة العمليات. خيمة منخفظة السقف، مليانة خرائط، وأجهزة، ودفاتر بيها خطوط حمرا كأنها شرايين حرب.
ضرغام گعد ورا طاولة، وأشر لشير يوقف جدامه.

بصوت رسمي، واضح:
"شنو اسم أختك؟"

شير رد بلا تفكير، الاسم طالع من حلقه مثل نفس مكبوت من شهور:
"ريفا... ريفا خليل حسن. عمرها تسعة عشر سنة. آخر مرة شفتها يوم الهجوم، چانت ويه أمي بكوجو."

ضرغام سكت شوي، قلب أوراق قدامه، باوع من صفحة لصفحة، بعدين هز راسه بهدوء.

"للأسف… مو ضمن هاي الدفعة. بس..."
رفع عيونه على شير وقال بثبات:

"طالما عايشة... نحررها. والله، ولا وحدة تبقى بإيدهم. أوعدك."

---

هنا، لأول مرة، انكسر شي بملامح شير.
التوتر نزل من على گتوفه شوي،
نظراته نزلت، وكأن الألم بعيونه طلع بس ما نزل دمعة.

بصوت هادي، يحمل رجاء خفي:
"سيدي، أگدر أطلب طلب؟ إنت بالاستخبارات، بيدك ملف الأسرى... أريد أشوفك صورتها، اخر شي حصلته من عائلتي هو جنطة الصور واريدك تاخذ نسخة. حتى إذا شافوها أو لمحوا شي عنها، يعرفوها."

ضرغام يومى براسه، ورد بنبرة منضبطة:
"جيب صورتها، واكتب كل معلوماتها بدقة. سلّم نسخة إلنا. وتهيأ، الهجوم بعد ساعة."

شير وقّف، ضرب تحية عسكرية:
"تمام، سيدي."

وطلع من الخيمة بخطى أسرع من اللي دخل بيها،
وصوته الداخلي يهمس، يعيد نفس الكلمة بكل نفس:

"ريفا… ريفا… ريفا."

الظلمة بدت تروح شوي شوي من السما، كأن الفجر يستحي يشرق على أرض شربت دم هواي.
بأطراف منطقة نائية، يم قرية "أم الروس"، غرب البعاج، وحدات الجيش العراقي كانت منتشرة بهدوء، هدوء يشبه نفس القناص وهو ينتظر هدفه.

قبلها بثلاث ساعات، وصلت معلومة استخباراتية أكيدة لغرفة عمليات القوات المشتركة.
المعلومة تقول:
"أكو معقل تحت الأرض، تابع لداعش، بيه نسوان سبايا… أغلبهم من أهل سنجار."

المصدر؟
اعترافات 3 من عناصر داعش، انمسكوا قبل أيام بمداهمة شرق تلعفر.
واحد منهم، ما تحمّل، وبعد 24 ساعة انهار واعترف بكلشي.
حچى عن "الأمير"، قائد ميداني، هو اللي يشرف على نقل المختطفات.
ما عرفوا اسمه، بس قالوا إنه موجود بالموقع اللي راح يداهموه.

---

ورى الكثبان، گعدوا الأربعة:
شير، ليث، هندس، وضرغام… وياهم أول فرقة راح تطب من الجهة الشرقية.

ليث نازل على ركبته، يراجع سلاحه، باوع على شير وقال بهدوء:
"تتذكر… تطب، تفتّش، تطلع وياهم. لا تفكر تنتقم، هذا مو وقته."

هندس، رغم التوتر، گالها وهو يبتسم:
"هوه إذا شاف الأمير، منو يلزمة بس دير بالك مو تعضة!"

ضرغام، شايل المنظار الحراري، عيونه ما رمشت، قال بصوت ثابت:
"كلشي بوقته. عدنا ساعة قبل ما تطلع الشمس. نتحرك بعد عشر دقايق. البوابة الشمالية مفخخة، لا تقربوها. شير، إنت أول واحد يدخل، وياك فريق فحص السرداب."

شير هز راسه، ساكت… كل عضلة بجسمه مشدودة، عيونه ما تغمض.
بجيبه، مطويّة بدقّة، چانت صورة ريفا… مثل تعويذة، أو وعد.

---

الساعة 4:48 الفجر، انطلق القصف التمهيدي.
قذائف دقيقة نزلت على نقاط الحراسة المحيطة بالمزرعة، بس بدون دوّي عالي.
العملية كانت مصممة تمشي بصمت، حتى لا يفجرون العبوات.

ورى القصف، انطلقت وحدة الاقتحام، شير بالمقدمة.
كانوا يزحفون واطين، وياهم جهاز كشف ألغام محمول.

وصلوا لسور طيني مهترئ، صوت ضرغام عبر اللاسلكي:

"الجدار الغربي بيه كسر… استغلّوه، تحركوا!"

شير ركض أول واحد، جسده دا يتحرك مثل ظل بالدخان.
دخل من الفتحة، ويا فريقه، وبدوا يفترّون بسرعة.

المكان؟ مزرعة مهجورة، بيها بيت مهدّم، بئر، و3 أكواخ تراب.

بأحد الأكواخ، الأرضية چانت مغطاة ببطانيات قديمة، متربة، كأنها متعمدة تخبّي شي.
شير ركلها برجله…
"بووووم!"
طلعت فتحة، مغطاة بلوح حديد مصدّي.

"هنا… السرداب هنا!" صرخ باللاسلكي، وصوته بيه رجة.

فتحوا الغطاء بحذر، ونزل ضو المصابيح اليدوية جوّه.
شير چان أول واحد ينزل…
السرداب چان ضيّق، رطب، والجدران تاكلها الرطوبة.

ومن جوّه الظلمة… سمع صوت بكا.

قلبه دگ…
خطوة… خطوتين…
وشافهن.

صف نسوان، وجوه مغطّاة، أجساد مرمية، كأن الحياة بعد ما إلها معنى.

"إحنا جيش العراق… إنتو بأمان. جينا نحرركم."
گالها وهو ينزل عالأرض، يركع، يحچي بهمس قوي.

بعضهم بدي يبچي، وبعضهم يباوع بنظرة خايفة، نظرة ما تعرف إن الخوف خلص.

شير يدور بعينه، وحده وحده…
يدور وجه…
وجه ريفا.

بس ما لگاها.

---

النسوان بدان يطلعن، وحدة ورا الثانية، ليث وهندس يساعدوهن يطلعن فوق.
كم وحدة كانت تصرخ إذا أحد لمسها، وكم وحدة طاحت على الأرض من التعب.

ضرغام وصل من ورا، قال بصوت سريع وهو يراقب الوضع:

"خمس دقايق ونسحب. داعش عرفوا بموقعنا. فتّشوا الباقي بسرعة."

---

لحظة الانسحاب، الغبرة كانت تعبي الهوا، وصرخات الأوامر تتبادل بين الجنود.
البنات المحررات نُقلن للعربات، والكل يركض بين الطين والدوخان.

رجعوا للجيب.

هندس حاول يضحك، ويخفف الجو:
"آني شفت الأمير من بعيد… بس جبان، طفر من السطح وركض مثل الفار!"

ليث ضحك، وبعدين باوع على شير، وقال بهدوء:
"ما لگيناها… بس لگينا أمل. طالما هو بعده موجود، نكدر نوصلها."

شير ما رد… بس طلع الصورة من جيبه، مسح عنها الغبار بإيده المتوسخة، وتأملها لحظة.

وبصوت ناصي، هادي، قال:
"ما راح أوقف… لحد ما أرجّعها."

---

رجعوا للمقر مع أول خيوط الفجر.
الجثث ما بيها حيل، والأرواح محملة بكل لحظة من المعركة.
ماكو احتفالات… بس هم نجوا، وهاي وحدها نعمة.

دخل شير، ليث، وهندس لغرفتهم القديمة، نفس الغرفة من أسابيع.
3 تاكات خشب، رفوف خوذ، وگلاصات مي فاضية مرمية.

شير گعد عالزاوية، ساكت.

هندس گعد، فتح تلفونه بسرعة، وگال بصوت عالي:

"هاااا! ما مصدگة بعدني عايش! ها تريدين ترتاحين مني؟!"
وانفجر ضحكه… ضحكه عالية، ترجع كل دقيقة، كلما زوجته تحچي شي جديد.

ليث گعد على طرف التخت، أخذ نفس، اتصل بهدوء:
"هلا حبيبتي… شلونچ؟ وشهد؟ نايمة؟ زين..."
عيونه نصها على المكالمة، ونصها على شير…

شير گاعد، راسه مايل، عيونه عالجدار… بس ما يشوف الجدار.
ما بيده شي، بس صور عائلته يباوع عليها بغضب.

ضحكة ليث اختفت بهدوء. قلبه ضج.

هذا الرجال اللي جدامه، ما استلم اتصال.
ما سأل عن أحد.
لأنه ما بقى أحد يسأل عنه.

ليث أنهى المكالمة بلطف:
"حبيبتي، راح أنام… تصبحين على خير، باچر أتصل، أوكي؟"

گطع، خلى تلفونه عالرف،
ومشى باتجاه شير، خطواته مترددة، بس قلبه ثابت...

أكلك شير... صارلك أشهر ويانه، وما يوم ارتاحيت، وكل هجوم إنت أول واحد تطب بيه...
آني راح أنزل بعد أسبوعين، وإنت؟ ولا يوم راحة أخذت صارلك شهرين.
أرجوك، تعال وياي للبيت، بس يوم، يومين، ترتاح، تشم نفس، وترد."

شير ردّ بصوت خشن، بيه حدّة قريبة من القهر:

"لا، آني هيچ مرتاح."

قرب ليث خطوة، وچان صوته بيه رجاء:

"لخاطري... بس هالمرة. تعال وياي."

الكلمات انفجرت من شير، كأنها طلقة:

"أروح أرتاح، وأختي يمهم؟
إنت شنو، ما عندك عقل؟"

ليث تراجع خطوة، وبلع اعتذاره. ما گال شي، بس رجع لسريره، والخيبة باينة بعيونه.

وقبل لا يحط راسه عالفرشة، سمع صوت هندس يضحك ويصيح من جديد:

"دير بالك لا يعضّك!"

ليث ضحك، رغم كلشي.
وشير تبسم تبسّمة سريعة، خفيفة... للحظة قصيرة، الحياة غلبت.

بعدين ساد الصمت، وغرقوا بالنوم.

صباح اليوم التالي

شير صحي على صوت شدّه من الكتف بقوة:

"كوم، تعال وياي شير... أريدك."

فتح عيونه بصعوبة، لگى ضرغام واقف على راسه، وجهه جدي.
شير فزع من السرير بسرعة:

"نعم، سيدي."

لحگ ضرغام لبرا الغرفة، الشمس چانت تبدي تطل من ورا السواتر الترابية، وريحة البارود باقية بالهوا.

شير وقف وانطى تحية عسكرية:
أمرك، سيدي."

ضرغام باوعله بعين حازمة، وصوته ناصي بس ثابت:
"شير، البارحة انطيتني صورة أختك، ريفا... حولتها لشعبة الأسرى."

بس قبل لا يكمل، شير قاطعه بسرعة، نبرة صوته ترتجف:
"وين؟ شنو عرفتوا؟ گولي!"

ضرغام رفع إيده يهدّي الوضع:
"اصبر… واسمعني للنهاية.
اجتنا معلومة عن بنية تنطبق عليها المواصفات، والاسم نفسه.
راح تُعرض بسوق السبايا... بعد يومين."

عيون شير وسعت، وإيده رجفت، بس صوته طلع محروق، بيه حرگة حقد وقهر:

"شنو يعني نعرف مكانها، ونخليها تنباع؟
إحنا منو؟ بس متفرجين؟ هاي أختي!
ما بقى أحد من أهلي غيرها!"

ضرغام گرب خطوتين، وقال بصوت حاد:

"اسمعني… الموضوع مو سهل. السوق محصّن، المراقبة بكل زاوية،
أي تصرّف خطأ، أول ردة فعل يذبحوها.
آني راح أدخل متخفي… أشتريها.
مو ببدلتي، ولا بأسمي، ولا بوجهي اني مخترقهم يعرفوني باسم ابو حارث وعيالهم قائد ميداني وياهم هالمعلومة إياك تطلع لان مثل ما احنه مخترقهم هم مخترقينه."

سكت شوي، بعدين كمل:

"جيت أگلك، لأن العملية بيها خطورة.
وإذا تصرفت إنت، ممكن نضيّع كلشي.
إما تثق بيّا وتخليني أتحرك،
أو تنتظر، بس يمكن تختفي، وما نلگاها أبد لهذا جيت اسالك واخذ اذنك اذا تريد احاول الموضوع خطير جدا وممكن يعرضها ويعرضني للخطر."

شير شده على حنكه، وقال بصوت يرتعش:

"ليش مو آني أروح؟
ليش مو آني اللي أطلعها منهم؟"

ضرغام رد بهدوء، بعين حازمة:

"لأن يعرفوك.
وإذا شافتك، تصرخ، تلفت الانتباه…
ونخسرها بثواني.
ثاني شي… هذا شغلي، واجبي.
وأوعدك، والله، أسوي المستحيل حتى أرجعها بسلام."

شير ظل ساكت، بين نار الغضب، وغصة الأمل.

بعدين يومى براسه، صوته مبحوح:

"روح… بس رجّعها."

---

ما يسمّى بـ"سوق السبايا"، ما كان سوق بالمعنى العادي... لا.
كان حفرة، جهنّم، بقلب أرض ناسية الرحمة.

مكان الوقت بيه توقف، والكرامة انداست،
الناس بيه ما كانوا بشر… كانوا معروضين للبيع.

السوق يصير بأطراف قرية مهجورة قريبة من الحويجة.
بحضيرة مواشي قديمة، رجّعوها على شكل ساحة عرض،
جدرانها طين، وسقفها ألواح چبيره تصرّخ من الشمس.
جوه، منصّة خشب، بنصها حلقة حديد، يربطون بيها "العرض".
حواليها… عيون وسخة، ضحك منحرف، أصوات تنهش،
وصياح من ناس مفكرين نفسهم "أُمراء".

ماكو شرف، ماكو صوت،
بس صفقة... وبشر يُباعون.

---

ضرغام دخل من البوابة الخلفية، بخطوات عسكرية ثابتة، مخبيها تحت عباءة غامقة. ذقنه محلوق، بس لف راسه بعمامة سوده، ولحيته الصناعية ملزوكه عدل، وإيده تمسك بمسبحة سوده، ومسدس صغير مخفي بحزامه وباسمه الحركي ابو حارث.

هو مو غريب عن هذا الجو. بشغله بالاستخبارات، شايف هواي تسجيلات، وقاري تقارير أكثر. يعرف شلون يحچون، شلون يتعاملون، منو الرؤوس، ومنو الخدم. كل حركة محسوبة عنده.

من دخل، محد انتبهله. اندس بين الناس كأنه واحد منهم. عيونه تراقب المكان، وقلبه بارد مثل الحجر.

بدت الجلسة. جابوا أول بنية، مغطّيه من راسها لي رجلها، بالكاد واقفة. شالوا النقاب عن وجهها، وبدت الأصوات تعلى:

"الف درلار!"

"الفين!"

"خمس الاف، بس لا تنسون، هاي بَكر!"

الأصوات چانت تنبح، مو تساوم.

ضرغام رفع إيده، وبهدوء گال: "شدة."
يساوم حتى محد يشك بي اذا يشتري وحدة بس 

سادت لحظة سكوت، بعدين شالوا النقاب عن بنية ثانية. المزاد استمر، وضرغام ظل يزايد على بعضهن، بدون ما يشتري. بس مرة من المرات، أومأ براسه وكمل الدفع، بس حتى يبين إنه "رجّال مال"، مو واحد جاي يتفرّج.

ما كان بيه أي توتر. نظراته ثابتة، وصوته حاد، بس بدون ما يستفز أحد. كأنه وجوده بهالمكان شي طبيعي.

بس قلبه؟ مكانه واحد... ينتظر تطلع ريفا.

وبعدين... إجت.

طلعت من ورا الستارة، كأنها طالعة من عالم ثاني ما يشبه هذا. لابسة عباءة سودا عريضة، ونقاب مغطّي وجهها، بس عيونها، الزرگ، چن يبرقن مثل سما نظيفة بآخر الخريف. شعرها الأشگر ما چان باين، بس كم خصلة زاحت من تحت النقاب. جسمها ضعيف، وكتوفها طايحة، ووجهها ساكت… ما بيه شي غير الانكسار.

عيونه التقت بعينها.

الوقت وگف.


ضرغام ما فهم شصار بقلبه، بس بدأ يدگ بطريقة ما متعود عليها. كأن كل دمه تجمع بلحظة، وانفجر. ما تصوّر يشوفها هيچ… هيچ جمال، وهيچ وجع. چانت خليط من البراءة والدمار. لا تصيح، لا تبچي، بس تبچي بعينها… وتظل تطالع.

قرب منها واحد من السوق، شال النقاب عن وجهها، وبلش بالحچي المعتاد:

"هاي سنجارية، صغيرة، بكر، حلوة، وعليها طلب… نبدأ شدة ونص!"

ضرغام بسرعة رفع إيده:
"شدتين!"

بس قبل لا يكمل…
واحد من الي گعد على طاولة مرفوعة، رفع إصبعه بهدوء.
ما چان يزايد من قبل، بس شكله يگول إنه مو محتاج يزايد.

حواليه أربع حرس، وقعدته كلها سلطة.
كل العيون التفتت عليه فورًا.

أشر بإصبعه… بس هيچ، إشارة وحده.

القاعة سكتت.
والمزاد توقف.

وجه ضرغام ظل متجمّد، ما تحرّك.
قلبه بعده يدگ، بس ما باين عليه شي.

التاجر بلع ريگه وقال بصوت مضغوط:
"هاي… مو للبيع.
هاي للأمير جابر… هدية منّي."

كلشي نهد.

كل خطوة محسوبة، كل تدريب، كل أمل شاله شير بقلبه…
كلهم نزلوا بالأرض بهاي اللحظة.

ريفا… اختُمت، مو كإنسانة… لا.
صارت غنيمة.

بس ضرغام ما باين عليه شي.
بس داخله، همهس:

"مو هسه…
بس بعدين.
والله… ما تروح من عدنه."

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1