![]() |
رواية احلام ما بعد البرميل الفصل الثاني بقلم بسنت محمد
ترتطم مقدمة السفينة بالأمواج فتتناثر زخات قليلة من المياة على الموجودين، كانت تداعب وجناتهم برقة تجعل قلوبهم تميل إلى سحر المياة، تسحب شعورهم سحباً نحو الرغبة فى السباحة، كعروس بحر تتجمل لصيد فريستها نحو المجهول، بالرغم من برودة الطقس إلا أنهم مستمتعين بذلك الشعور .
أنتبه أحمد إلى إحدى الأساور فى يده ليتذكر يوم ميلاده حينما أهدته أخته رحمة إياها .
عاد ليلتها أحمد من الجامعة ليجد المنزل هادئاً على غير عادته فى ذلك الوقت، فهو موعد عودة والده من عمله.
ف والده يعمل ك عامل فى أحد مصانع الأسمدة، ووالدته الحنون ربة منزل، أما أخته الكبيرة فقد تخرجت منذ عامين من كلية تربية لتعمل معلمة فى أحدى الحضانات القريبة من المنزل .
-ماما، أنتى فين ؟
لم تجب والدته، ف دخل إلى المطبخ ولكنه لم يجدها ثم طرق باب غرفة أخته فأيضاً لم يأته رد .
تعجب من خلو المنزل من أصحابه، ف اتجه إلى غرفته ليضع هاتفه على الشاحن ليتصل بهم، ولكن بمجرد فتحه الغرفة أنطلق صوت قوى وأمتلئت الغرفة بقصاصات صغيرة ملونة براقة ليهتف الجميع" happy birthday to you"
ف كانت حفلة صغيرة فى غرفته .
ليقترب منه والده مقبلاً إياه ثم ناوله أحد الأكياس البلاستيكية الصغيرة .
-كل سنة وأنت طيب يا أبوحميد، أنا جبتلك الساعة اللى بتتكلم فيها دى اللى كان نفسك فيها .
أبتسم أحمد وأحتضنه ثم فتح العلبة الموجودة فى الكيس ليجدها ساعة مقلده للساعة الأصلية التى طالما رغب بها لكنه فرح بهدية والده .
-شوف بقي أنا جبتلك إيه.
قالتها والدته وهى تحمل له علبة كبيرة، بمجرد أن فتحها بدى على وجهه الصدمة والدهشة.
-إيه ده يا ماما؟ طقم سرير؟ جايبالى طقم سرير ليه؟
-دا علشان البت رانيا يا قلب أمك، أهى حاجة تخف من المواسم اللى عليك .
ضحك أحمد على تلقائية والدته ثم أحتضنها وشكرها.
-وخالتو بقى عجبها طقم السرير ده ؟
-طبعاً، هى تقدر تقول حاجة على ذوقى، مش كفاية أنها أخدت ابنى حبيبي الباشمحاسب اللى قد الدنيا لبنتها .
-وسعى بقي يا ماما علشان أديله هديتى، أتفضل يا سيدى .
نظر أحمد إلى هدية أخته بدهشة، ف كانت عبارة عن دمية قطنية صفراء اللون، تشبه أخرى كانت لديهم فى صغرهم .
-أنتى جبتيها منين دى ؟
-لقيتها بالصدفة فى محل جبتهالك، ودى كمان، جبت حظاظتين واحدة ليا وواحدة ليك.
أبتسم أحمد ليحتضنها بإمتنان.
-أنا مش عارف أقول إيه والله، ربنا يخليكوا ليا وتفضلوا معايا طول عمرى .
لترد والدته:
-يارب يا حبيبي وأشوفك عريس قد الدنيا وبرضو هتبقي أحلى من البت رانيا .
عاد من ذكرياته على صوت عبد الرحمن يتسأل .
-هى المركب دى مفيهاش حمام ؟
ليرد سالم ساخراً:
-عيب عليك، كل البحر اللى حواليك ده وبتسأل، قوم أتصرف فى أى مكان.
ضحك أحمد ليرد :
-أدخل الكابينة دى هتلاقى سلم أنزل هتلاقيه تحت .
-أنت نزلت ولا إيه؟
-لا سمعت الراجل اللى هناك ده بيوصف لواحد تانى .
-تمام، أنا نازل .
تحرك عبدالرحمن إلى الجهة المحددة لينزل أسفل سلم، وجد غرفتين أثناء مروره، ألقى نظرة خاطفه فوجدها مكدسة بالأشخاص، لا يختلف الوضع كثيراً عن الأعلى، سوى أن العدد هنا أقل وأيضاً توجد سيدات.
تعجب فى بداية الأمر من وجودهم ولكنه لاحظ أختلاف اللهجة، ليدرى أنهم من جنسيات غير مصرية.
أكمل طريقه إلى المكان المنشود ليستوقفه مشهد فى الممر لأم تطعم طفل صغير بحنان بالغ فأبتسم عبدالرحمن ومر من جوارهم إلى أن وصل إلى دورة المياة.
بمجرد أن أغلق بابها خلفه، أخرج هاتفه مرة أخرى لينظر إلى نفس الصورة التى كان ينظر إليها فى الأعلى، ف كانت هى الصورة الوحيدة التى تجمعه بوالده ووالدته وأخويه .
هو الأخ الأوسط للعائلة، أخوه الأكبر طارق يعمل فى شركة هندسية كبرى و أخوه الأصغر سليم يدرس فى كلية العلوم .
نشأ فى أسرة من طبقة أعلى من المتوسط، ولكنه لم يجد حظه بينهم، ف كان والده دائماً يدلل أخاه الأكبر لأنه حقق رغبته فى دخول كلية الهندسة ويقسو على عبد الرحمن لأنه لم يدخل كلية من كليات القمة بل إلتحق بكلية التجارة، فقد تكون التجارة فى نظر البعض كلية دون المستوى،ف جهل منهم إنكار أهميتها فى المجتمع، فمنذ تلك اللحظة وقد فقد أمتيازات كثيرة عن أخيه، أما سليم ف كان مدلل والدته، ومشرفاً لوالده بعد دخوله كلية العلوم .
فأصبح الجميع يعاملون عبدالرحمن كالنكرة الأقل من الجميع شأناً، فوالده وكيل وزارة فى إحدى الوزارات، ووالدته رائدة فى مجال التحاليل.
فى تلك الصورة الوحيدة التى جمعتهم فى كبرهم هى كل ما حصل عليه معهم .
لطالما أراد أن يسألوه عن حاله فى دراسته، أو حتى يساعده أحدهم فيها، ولكنه كان كالمنبوذ بينهم، حتى فى التجمعات العائلية كثيراً ما يفتخر والده بأخوته ويتعمد أن يسقطه من حديثه .
إلى وقت قريب قبل أن يقرر سفره حينما دخل عليه والدته غرفته دون إستئذان .
-بتعمل إيه؟
-بذاكر.
-وهى دى كلية حد يذاكر فيها؟ أنت فاكر نفسك فى طب ولا إيه؟
تنهد عبد الرحمن بحزن ويأس ليرد:
-حضرتك عايز حاجة منى؟
-اه، قوم هات الحاجات دى.
-طيب أنا أمتحانى بكرة، ممكن طارق أو سليم يجيبوها يعنى .
-بشمهندس طارق لسه راجع من الشغل وسليم بيذاكر.
-أنا كمان بذاكر لو حضرتك مش أخد بالك، سليم لسه أسبوع على أمتحاناته.
غضب والده فأقترب من مكتبه ليلقى ما عليه بعنف ثم سحبه من ذراعه ليخرجه من الغرفة ملقياً به أمام باب الشقة رامياً ورقة الطلبات أمامه ثم أردف:
-تجيب الحاجات دى وتطلع فوراً يا فاشل، سامعنى ؟
أقتربت والدته منهم تتحدث بهدوء:
-أهدا يا عونى، روح يا عبدالرحمن هات الحاجات دى بسرعة وبعدين نتكلم .
ثم أغلقت الباب بعد أن جذبت زوجها إلى الداخل .
ليقف عبدالرحمن حزيناً تأبى دموعه أن تنزل بكبرياء ليفتح باب الشقة مرة أخرى ف كان طارق وسليم.
-متزعلش حقك عليا أنا، أنا هاجى معاك أجيب الحاجة .
قالها طارق ليكمل سليم .
-وأنا كمان جاى معاكم .
أبتسم عبدالرحمن بألم ثم أردف:
-لأ خليكم أنا هنزل .
طوقه طارق بذراعه وحركه للأسفل يمشي بجواره ومعهم سليم يردد عبارات مضحكة محاولاً تهدئة الوضع قليلاً.
ليسمع عبدالرحمن دقات قوية على باب دورة المياة فمسح دموعه بسرعة متسألاً .
-مين؟
-أنا أحمد يا عم، أنت نمت عندك ولا إيه قلقنا عليك.
-دقايق وخارج أهو .
بعد دقائق خرج عبدالرحمن وقد كان أحمد منتظراً إياه، ثم تحركا معاً نحو الأعلى .
كان الطقس أبرد مما كان عليه فى السابق، وبدأت السحب تتجمع مكونة غيوم .
أنقبض قلب أحمد حينما رأى ذلك ولكنه ظل يردد بعض الأذكار ليهدىء من خوفه .