رواية دكان الغمراوى الفصل الثانى بقلم كريم محمد
أول ما دخل سليم جوه الدكان، كان حاسس إن المكان كله مستنيه يدخل، كأن كل حاجة فيه كانت واقفة على لحظة دخوله، كأن التراب والضلمة والريحة الكتمة واقفين مستنيين من سنين في انتظار حد يفتح الباب تاني.
سليم كان طويل، جسمه نحيف، وخطواته بطيئة، بياخد باله من كل تفصيلة حواليه، كأنه ماشي وسط ألغام.
هدومه كانت سودا، والتراب طاير حواليه بيغطيها، وصوته وهو بيتنفس كان مسموع في الهدوء اللي ملوش آخر.
مع كل خطوة بيخطيها، كان بيحس بالعرق بينزل من جبينه، مع إن الجو كان ساقعة، برد غريب مش طبيعي، كأن الهوا اللي في المكان ده جاي من سرداب تحت الأرض بيدخل من هدومه واصل لحد عضمه من جوه.
حاسس إن في عينين بتراقبه، مش عين واحدة لا، كأن المكان نفسه في حاجه مخفية بتراقبة.
بس فضوله.. زي العادة الفضول كان أقوى من الخوف.
عينيه مقدرتش تبعد عن الحاجات اللي حوالينه...
كتب جلدها متقطع ومغطيها التراب، ساعة حيطه ضخمة عقاربها واقفة علي وقت معين مبتتحركش، كأن الزمن نفسه اتشل وقف عند اللحظة دي مش عايز يتحرك، شمعدان نحاسي الشمع فيه دايب بس مكانه ثابت، كأن اللي كان هنا اختفى في لحظة وساب كل حاجة متجمدة.
كان في مرايا بس مرايا صغيرة مكسورة في آخر الحيطة، باين فيها انعكاسه باهت، مشوه ومش مريح.
الرفوف كلها كانت متكدسة بأنتيكات عجيبة، حاجات شكلها غريب مرصوصين كده كأنهم شاهدين علي المكان وبيتفرجوا.
وكان في ساعة جيب، واقفة هي كمان على نفس التوقيت زي الساعة الكبيرة نفس اللحظة، كأن الدنيا كلها اتقفلت على الساعة دي، وكأن اللي حصل حصل في التوقيت ده بالظبط.
كل ما يتحرك خطوة، الإحساس بالخوف بيزيد، كأن فيه نفس بيلاحقه ماشي وراه، كأن في عيون جوه الضلمة بتقرب
بس سليم كان خايف يلف، خايف يثبت إن إحساسه حقيقي.
بعد شوية، لقى ركن في آخر الدكان فيه حاجات فضية، كلها متاكله من الصدأ، شكلها مرعب أكتر ما هو قديم.
والنور؟
كان بيضعف، الضلمة بتتسحب من المكان واحدة واحدة، كأن المكان مبقاش يحب النور.
لكن أكتر حاجة شدت عينه، كانت تحت قطعة قماش سميكة ومتربة، مغطية حاجة كبيرة حاجة شكلها مهم.
قلبه بدأ يدق أسرع، وحس إن كل نفس بيقربه أكتر للخطر أو للسر
ورغم رجليه اللي كانت بتتهز، قرب بإيده المرتعشة، وسحب القماش.
اللي ظهر قدامه كان مرايا طويلة جدًا
مرايا شكلها مش طبيعي، زجاجها باهت، والإطار متزين بنقوش غريبة، رموز ملهاش معنى، بس فيها رعب بيخليك تبعد.
أول ما قرب منها، حس بدفعة
قوة خفية خبطته ووقع على الأرض، قام بسرعة، مسك هدومه ينضفها وهو بيرتعش بس قلبه عارف المرايا دي مش عادية.
انعكاسه فيها كان باهت، كأنه حد تاني واقف مكانه، نفس الهيئة بس نظرة مختلفة، عيون بتبص عليه كأنها بتستناه يتحرك
ابتسامة صغيرة اتكونت على وش الانعكاس وهو متأكد هو ما ابتسمش.
حاول يبرر، يقول لنفسه إنها الإضاءة أو التعب أو عقله لكن الحركة اللي شافها بعد كده كانت واضحة.
من طرف المرايا، شاف انعكاس شخص بيعدي وراه بسرعة كان متردد يبص وراه لكن في لحظة لف بسرعة..!!
مفيش حد
بس قلبه كان بيصرخ من سرعة النبضات والخوف، كأن كل حاجه في المكان بتحظرة وتقوله ابعد، وهو برضه بيقرب أكتر.
في اللحظة دي
انعكاس سليم ابتسم.