رواية منيفة الفصل الثاني 2 بقلم فاطمه النعيمي

 

رواية منيفة الفصل الثاني بقلم فاطمه النعيمي



هذه الكلمة في الاعراف العشائرية
تطلق على حادث القتل غير المقصود
وتكون ديته مخففة عند عرب الشمال

قبل عشرين عام

في العام 1940
حين كانت منيفة في العشرين من عمرها 
كانت.....
فتاة سمراء مشربة بحمرة.. عيونها نرجسية 
طويلة ريانة ذات خصر نحيل وشعر تمري طويل كانت تضفره ضفائر طويلة تلفها فوق راسها وتلبس عليها الملفع والكيش (1)
بطريقة معينة خاصة بريف الموصل الجميل

كان جمالها يختلف عن اقرانها فسكان قرية جرادة
من العرب الاقحاح اما هي فمن اسرة ذات أصول عربية مختلطة بجينات تركية فهي من اسرة عريقة ذات نسب شريف
نزحت من العراق الى تركيا في عصر من العصور التي كانت عشيرتها مطاردة من قبل حكام ذلك الزمن قبل اكثر من ست مائة عام
ورغم ان عشيرتها ذوي بشرة عربية سمراء لكن اختلاطهم مع الاتراك وتزاوجهم عبر تلك السنين انتج نوع جديد من
ذوي البشرة المميزة والملامح العربية التركية المذهلة
ورغم ان جميع شباب القرية تقدموا لخطبتها لكنها كانت ترفض الزواج بمختلف الحجج
ولانها كانت ذات شخصية مميزة كان ابوها واخوها قد تركوا لها امر اختيارها لشريك حياتها 
وهذه ميزة لاتحظى بها كل فتيات الريف
وفي حقيقة الامر
كانت منيفة وابن خالها حاتم بعلاقة حب عذري 
وقد كلم حاتم عمته أم ذنون سرا وطلب منها ان يمهلوه حتى يستطيع جمع مهرها
وكانت أم ذنون قد اخبرت زوجها سرا ايضا وقد وافق دون تردد فحاتم رجل ذو اخلاق كريمة وكان أبو ذنون يحبه كثيرا
لهذا قال أبو ذنون لزوجته
-(خل يجمع سياگو ويجي واني انطيه حاتم ابن حلال ورجل فهيم وعزيز نفس واني ما الگي رجل لبنتي مثلو 
ولاتنسين ترى اني ربيت حاتم مع ذنون واني والله اعتبرو اخ لذنون وچم نوبة شفتلو مواقف يرمي نفسو بالنار لخاطر ذنون تذكرين لمن خويلد النجس شعل بستان الگطن وذنون انحصر بنص النار اش سوا حاتم انجن والله حسيت بوكتها انو حاتم يحب ذنون اكثر مني 
وترى اني من زمان حاط ابالي انطيه منيفة لخاطر ذنون عبن انتي تعرفين النسوان اشلون يفرگن بين الخوان گلت لنفسي ذنون وحيد وماعندو بس هالاخت انطي منيفة لحاتم حتى يضل ايدو بيد ذنون ومحد يكدر يلوي ابني بعدي وترى هم حاتم ابن خال ذنون وهم ابن عمو اول وتالي اني اخذت بنت عمي يعني ايدام الخاروف منو بيه )

قالت الأم في سرها
-يابختچ يامنيفة 
حبيتي ونلتي اشكبر حظچ 

كان قلب الام يرقص طربا لفرحتها بنوال ابنتها مبتغاها
واصر السيد احمد ان يتم عقد القران بين منيفة وحاتم
رغم ان هذه حالة قلما تحصل عند العرب
فالعربي 
اولا لايطيل الخطبة حتى قيل المثل الشعبي
(عرس حليلة بيوم وليلة)
ثانيا لايتم عقد القران الا بيوم الزفاف
لكن السيد ذنون رجل دين وذو نسب شريف
وعلى دراية واسعة بامور الدين
قال لزوجته
-يجب عقد القران لان حاتم ومنيفة على تماس مباشر في البيت وكي لاتكون نظرته لها محرمة
مادام قد فكر بخطبتها 
نعقد قرانهم ومتى ما جمع حاتم مهر منيفة وجهز نفسه للزفاف نزفهم وننهي الموضوع
وفعلا بعد ايام تم عقد القران بحضور الاهل والمقربين
لكن ام ذنون ارسلت الى ديدة عيشة لتحضر الاحتفال
لان ديدية عيشة هي من قطعت الحبل السري لمنيفة يوم ان ساعدت امها على الولادة قبل هذا اليوم بعشرين عام
....

                                            

              
                    

في تلك الليلة الربيعية المقمرة من اواخر شهر آذار
كان الجميع يرقصون ويغنون محتفلين بالخطيبين
وكانت ديدة عيشة واجمة تجلس على الدرجة الاخيرة في فناء دار السيد احمد
فذهبت اليها منيفة مبتسمة وقالت لها
- يديدة لما لا تشاركينا الاحتفال
قالت ديدة عيشة
- يا أبنتي انا سيدة كبيرة ولا استطيع الحركة مثلكم
اذهبي وافرحي بنيتي
لكن......
وصمتت قليلا واطرقت براسها وتحسرت
فجلست منيفة عند قدميها وامسكت يدها وقبلتها وقالت
-لكن ماذا يا ديدة
نظرت ديدة عيشة لمنيفة نظرة حزينة وقالت
-منيفة يأبنتي ليكن فرحك خفيا كي لايتكدر
وتصبح دموعك بحار تغرقك انتيي ومن تحبين
فليس كل من ها هنا سعيد والكثير من التعساء
يكرهون ان يروا احد يكاد يطير من الفرح
منيفة يا غالية اصبري عالفرح مثلما ستصبري عالحزن
منيفة ياغالية..........
وصمتت ونزلت دمعة ساخنة من عين العجوز
فجفل قلب منيفة
وقالت بخوف
-ديدة لاتخوفيني 
قالت العجوز 
-امس رأيت في المنام ظلام يلفك وياخذك بعيدا بعيد لمابعد النهر
نهضت منيفة وقد اعتصر قلبها وتوارت ابتسامتها خلف جبال من الخوف
ورجعت للاحتفال لكن قلبها كان قد اختنق،

وبعد انتهاء الحفل وذهاب الناس الى مراقدهم اشار حاتم اشارة لمنيفة تعني 
انه سيذهب الى جنة منيفة وينتظرها هناك
وما ان نام الناس حتى خرجت منيفة متدثرة بشال من الصوف كانت ديدة عيشة قد حاكته لها ذات يوم مضى
ونزلت من بيت اهلها بعد ان رقدوا الى شاطيء النهر من الجهة الشرقية عند اشجار الطرفة شرق مورد القرية لتلتقي بحاتم كأغلب ايامها
حين نزلت تلقاها حاتم مرحبا قائلا
-هلا بروحي هلا بعمري هلا بدنيتي كلها تعالي تعالي
نزلت منيفة وجلست على تلك الصخرة المسطحة التي اخرجها حاتم من النهر ذات يوم لتكون مقعد لمنيفة 
وكانت واجمة فسالها حاتم
-مابك؟ يالغالية
لقد شعرتُ في فترة من فترات الحفل وقد تلبدت سمائك بالغيوم من الذي سرق فرحة عينيك الجميلتين؟

قالت له بصوت حنين يشوبه الكثير من الحذر
-ديدة عيشة حدثني عن حلم راته وقالت
لي كأن سواد يلفني وياخذني لما خلف النخر
لا اعرف لما شعرت ان كلماتها خنقت فرحتي
حاتم لاتتركني لاي سبب انت حلم عمري واريد ان اصبح عجوز وانا معك

رد حاتم وهو جالس على الارض عند قدميها وقال لها

-لاتخافي هو مجرد حلم وانا......
لن اتخلى عنك حتى تخرج هذه الروح من بين جوانبي
انتي لاتعرفين كم احبك....
ليس حبا واحدا بل الف حب....
وليس لأنك أمراة....
بل لانك صديقتي الاولى اتذكرين يامنيفة
كيف عشنا طفولتنا معا
منذ ان توفي والدي وتزوجت امي وانا اعيش معكم انتي وذنون 
يوم ان جئت مع عمتي الى بيتكم كنتي يومها في السادسة من عمرك وكنت انا اكبر منك بثلاث سنوات
ومن أول لحظة احببتك
كنت صديقتي وابنتي وأختي
اتذكرين ذلك اليوم الذي لسعتك فيه النحلة 
وتورم ضهر كفك؟
اجابته منيفة بقولها 
-نعم اذكر لقد قبلت يدي كي يخف الالم والغريب كان الالم يخف كلما لامست شفتيك ضهر كفي فالتصقت بك كي انجو من الألم 
ومن يومها لليوم وانا اشعر اني اذا ابتعدت عنك ساتألم
اياك ان تترك حياتي للألم يا حاتم
اجابها حاتم قائلا بحب وهيام

            

              
                    

(اشلون اعوفچ وانتي روحي
انتي دنيتي كلها 
اني والله لما اشوفچ احس روحي تروح مني وتصير ترفرف حوالچ لاتفكرين ابد ولا لحظة اني اعوفچ بيوم وقسما بالله قسما بالله لو انتي يامنيفة لو ماكو مرا بعدچ للموت)
_____________________________

بعد مرور فترة وجيزة من خطوبة منيفة
تزوج ذنون......
لكن تزوج مِن مَن؟

كان ذنون اكبر من منيفة بخمس سنوات
فقد كان في الخامسة والعشرون

وقد تزوج من فتاة احبها
رغم ارادة ابوه الذي قال له
-ان هذه الفتاة لاتناسبنا فلايوجد شاب في القرية الا وقد

(تعلل عندها) وتعلل 
تعني انه تسامر معها بمعنى ان الفتاة كانت لعوب
وعاش ذنون مع تلك الفتاة التي كان اسمها مزنة
وهو يشعر كل يوم ان هناك حركة حول بيته،
وكان قد قبض عدة مرات على بعض شباب القرية واشبعهم ضربا واخبرهم جميعا انه سيقتل كل شخص يحوم حول بيته
دون تنبيه،
واقسم لهم جميعا وبصوت مرتفع انه اذا شعر باي حركة حول بيته انه سيطلق النار بدون تنبيه
وقد اعذر من انذر
ولكن....ليس كل من انذر قد يعذر

لقد كان ذنون يهيم بزوجته مزنة حد العمى
ورغم رفض ابو ذنون لهذا الزواج لكنه حين رائ ابنه مصر على الزواج من مزنة
سانده واحتفل به رغم تلك الغصة التي تخنق الفرح
في اعماق الروح
لأن ذنون ابنه الوحيد وقد شعر السيد احمد ان ابنه غارق بحب تلك الفتاة لأبعد حد

(بعض الرجال يمر في حالة غريبة من الهيام بفتاة معينة بذاتها لانها هي الوحيدة التي تستطيع اثارته اثارة كاملة
فيتمسك بها معتقداً انه لن يستطيع ان يصل لتلك الحالة من الاثارة الا معها
وقد يطلق بعض الناس على هذه الحالة اسم حب
لكنه ليس حبا بقدر ما هو رغبة مجردة )

وفي الشتاء التالي لزواجه من مزنة في شتاء 1940
وذات ليلة باردة جدا
خرج ذنون للخلاء 
سمع ذنون صوت حفيف ثوب 
ياتي من ناحية اكوام الحطب الذي جمعته منيفة طوال الصيف عند سياج بيت ابوها الغربي
وصفته فوق بعضه على طول السياج
البالغ عشر امتار

فظن ذنون ان ذلك الصوت هو لاحد عشاق زوجته 
فرجع فورا واخرج قرمته(2)
وكمن خلف كومة احجار قرب باب بيتهم
منتظرا وصول ذلك المتسلل ليرديه قتيلا
وما ان وصل الصوت قريبا من ذنون حتى اطلق عليه النار
دون اي تنبيه كما قال لشباب القرية سابقا

كان الصوت مرعبا افزع كل من في الدار

خرج جميع اهله ليعرفوا مالذي مزق سكون ليلتهم الشتوية الباردة
وكان أبو ذنون يركض وهو يحمل بيده فانوساً مرتجفا يتلجلج ضوئه على الجدران الطينية
اما بردا أو خوفا او الاثنان معا
حين وصل الأب مصدر الصوت كانت رائحة البارود الرطبة والمشبعة بزناخة الدم تعم المكان
حينها راى ابنه
ذنون يقف فوق جسد ممد في حالة نزع
وقد بدا على ذنون الرعب 

            

              
                    

كانت يدا ذنون تهتز وهو يمسك القرمة... حين رأى في عيني غزالة المُتّسعتين انعكاس فانوس أبيه، فشعر أن 
نار الرعب والندم تُلهب جوفه.
وصار يردد

- والله لم اكن اقصد

كان الجسد المحتضر لفتاة في السابعة عشر من عمرها حامل في أواخر شهرها السادس
لفظت انفاسها الاخيرة وهي تردد اسم زوجها

(نادو برهو نادو برهو)

-نادوا برهو اي قولوا لبرهو ان يأتي

تجمدت عيناها المتسعة وهي تزفر النفس الاخير
والدم يتطاير من انفها وفمها

عرف أبو ذنون هذه البنت على الفور
فدخل في حالة من الضياع والتشتت للحظات

ولم يعرف ماذا يمكن ان يفعل غير ان يضع يده على راسه كمن يريد ان يضرب راسه
لهول المنظر كانت الاطلاقة قد فتحت فجوة كبيرة في صدر الفتاة الصغيرة غزالة 
وكان الدم يفور من تلك الفجوة
لكن الغريب في الامر هو وضع غزالة نفسها

كان شعرها منكوش ووجهها مدمي مغطى بالكدمات
وانفها ينزف وشفتها ممزقة

هذه البنت التي تزوجها ابراهيم الحمد قبل ثمان اشهر
وهي ابنة خالته من قرية تل النمل
الواقعة على الضفة المواجهة لقريتهم جرادة
يفصل بينهما نهر دجلة.

بتلك اللحظات العصيبة مرت بعض الصور السريعة في ذهن أبو ذنون
ربما بسبب رائحة البارود التي امتزجت برائحة الدم
وربما لانه كان وكيل هذه الفتاة يوم زفافها
وهناك بون شاسع بين رائحة بارود العرس الذي يبهج النفس ورائحة بارود القتل الذي يخنق الانفاس

تذكر يوم زفاف غزالة
وكيف عبر الناس في قواربهم البسيطة للضفة الثانية حاملين العروس المزينة من بيت عناد أبو دحام
الى بيت عديله أبو ابراهيم حمد الخليف من اقارب أبو ذنون
تضللهم ايات الفرح والسرور بين تصفيق النساء وزغاريدهن ورقص الرجال 
ورائحة الحناء التي خضبت بها النساء اكفهن وهي تختلط برائحة البارود التي تعم اجواء الفرح
حتى اوصلوا العروس لبيت المختار السيد احمد أبو ذنون

فمن عادات العرب والى سنوات قريبة وربما الى الان
لايزفون العروس لبيت العريس مباشرةً
وانما يودعونها عند بيت الشيخ او المختار ويطلقون على هذا الخطوة كلمة (التخديرة) بمعنى انها في خدر بيت المختار او الشيخ
وفكرة التخديرة 
فكرة جميلة جدا 
حيث يتم الاتفاق عليها مسبقا مع اهل العروس
في يوم الخطبة
حين ينظر أبو العروس الى الرجال الذين ساروا مع اهل العريس لخطبة العروس ،
فيختار اعلاهم شأناً واكبرهم مقاما ،
فيطلب أبو العروس ان يكون هذا الشخص هو وكيل العروس وان يتم تخدير ابنته عند هذا الشخص 
والهدف من هذه الخطوة هو
ان يمنح أبو العروس لابنته من بين اهل العريس سندا يدافع عنها اذا ما تعرضت للأذى الى أن تصل اهلها او يصلها احد من اهلها

            

              
                    

وعند المساء تأتي النساء وهن يصفقن ويزغردن ليقوموا باخذ العروس لبيت العريس ويسمون هذه الزفة اليليلة
الجلوة قصص وروايات عراقية كرار صلاح أو التحويلة
حيث يجلون العروس من خدرها لبيت عريسها 
حيث تستقر العروس غزالة في بيت خالتها زوجة لابراهيم ابن خالتها

لكن خالتها اذاقتها الويل والثبور، في هذه الاشهر الثمانية
كانت الفتاة كلما ضايقتها خالتها تهرب من البيت لبيوت الجيران القريبين من بيت خالتها في اطراف القرية الشمالية

و في تلك الليلة حرضت الخالة ابنها ابراهيم على غزالة فضربها 
لقد استطاعت الخالة ان تستفز غيرة ابنها حين قالت له
(حرمتك گضت النهار كلو ابيت ابو فليح
وانت اتعرف فليح زين شنو من شي
لااااا وصارت كلما احچي معاها كلمة اتچط لبيت ابو فليح ليييييش يابرهو انت اتعرف ليش؟)

-زوجتك قضت النهار كله في بيت ابو فليح
وانت تعرف من هو فليح
لااااااا بل انها تمادت بحيث اني لم اعد استطيع ان اكلمها
كلمتين فتهرب فورا لبيت ابو فليح
لماذاااااا يابرهو هل تعرف لماذا؟

قالت كلماتها بطريقة تحمل معنى خطير جدا
فلم يستطع برهو تحمل فكرة ان نهارا شتوياً باردا قضته
زوجته في بيت يحوي افسد شاب في تلك القرية
فليح الذي قالت عنه احدى نساء القرية

(اذا صادفت فليح بالطريج اول ما اصل البيت اسبح عبن نظرتو توگع الجنابة)

-اذا صادفت فليح في الطريق فأني اشعر ان نظرته توقع علي الجنابة لهذا ما ان اصل البيت حتى اغتسل

فلم يشعر برهو بنفسه الا وهو يضرب زوجته غزالة تلك
الفتاة الصغيرة الحامل والتي ليس لها في تلك القرية احد غير بيت خالتها
ضربها لكمات متتالية
وهي تصرخ وتحاول ان تحمي بطنها ونسيت وجهها وراسها الذي غطته الدماء
واثناء ضربه لها وقد ثارت ثائرته قرر ان يذهب لجلب عصا غليضة من غرفة الضيوف ليشبعها ضربا
فركضت الفتاة غزالة
وهربت من بيته قاصدة بيت أبو ذنون لان أبو ذنون هو مختار القرية وشيخها ورجل محترم والأهم ،
لان بيت أبو ذنون كان خدرها الذي زُفت منه لزوجها وايضا كان أبو ذنون وكيلها الذي وضع يده في يد العريس وعقد قرانها يوم زفافها(3)
ذهبت اليه لتستجير به كي يأخذها لبيت اهلها في اليوم الثاني
ذهبت منكوشة الشعر مضروبة مدمية الوجه باكية العينين تطلب اللجوء إلى سيد احمد أبو ذنون
فقتلها ابنه ذنون خطأً
( خطلة)
وقف أبو ذنون لحظات لايعرف ماذا يفعل ولا ماذا يقول
وهو يسمع ابنه يردد باسف وقهر
(والله ماعبالي مرا والله عبالي حرامي او حواف يحوف بيتنا والله ما عرفت)
-والله لم يخطر على بالي انها أمراة
وكل ماخطر ببالي انها حرامي او حواف=متلصص.

لكن ماحصل حصل ويجب على سيد احمد ان يجد حل لهذه المصيبة
فالقتيلة امراة حامل 
هذا يعني ان ديتها ديتين ولم يخطر بباله الا ان يذهب الى بيت برهو الحمد ليخبرهم بما حصل
وينتظروا انبلاج الصبح كي ينقلوها الى اهلها في الضفة الثانية
ذهب أبو ذنون سيد احمد الى بيت أبو ابراهيم حمد الخليف
وحين وصلهم وجدهم جميعا خارج البيت قال لهم
_(ادورون غزالة؟)
-أتبحثون عن غزالة
قالها بحزن بالغ

            

              
                    

فجاء اليه ابراهيم محتدا يحمل بيده عصا غليضة
وهو يهزها ويقسم انه سيكسر العصا على غزالة ويردد
_(وينها وينها جت عليكم مو؟)

- اين هي اين هي هل ذهبت اليكم

وكان برهو سيركض ذاهبا الى بيت أبو ذنون قبل حتى ان يسمع جواب ابو ذنون
لكن ابو ذنون استوقفه وقال له 

(البگية بحياتك غزالة توفت)

-البقية بحياتك غزالة توفت

خاف برهو وانكمش على ذاته متصورا انها ماتت من ضربه وقال بوقاحة غريبة
(عجيب اشلون ماتت من چم جمع وچم كفخة

-عجيب امرها كيف ماتت من كم لكمة وكم صفعة

فقال له أبو ذنون باسف وحزن
(ذنون ذبحها بالخطأ عبالو حايف جاي يحوف البيت
وضربها بالقرمة وجت بصدرها وتوفت)

-ذنون قتلها خطأً كان يعتقد انها لص او متلصص وضربها بالقرمة فجائت الاطلاقة بصدرها

هنا انقلب برهو انقلاب تااااام كبعض القرويين الأجلاف الذين يحاولون التكسب من اي مصيبة تصبهم
ويمتصوا جهد غيرهم

بلحظة واحدة فقط تحول من رجل يريد قتلها الى رجل متفاجيء من موتها الى رجل فقد حبيبة قلبه وفقد ابنه في بطنها وبدأ يهدد وهو يردد
-ذنون ذبحها؟ والله اني قاتل ذنون 

فامسكه سيد احمد من ثيابه ورفعه للأعلى وكان سيد احمد رجل طويل القامة جدا وذو ضخامة تفوق رجلين وقال له وهو يصر على اسنانه غضبا
(اثبت يا الخسيس گبل شوية چنت تريد تروح تذبحها وانت أتعرف انها مثگلة بابنك وجتنا كفشها منكوش وشبعانة ضرب وجهها كلو مدمي وشفتها مشگوكة
هسع صارت عزيزة وغالية 
گتلگ انذبحت خطلة خطلة
ومالكم علينا غير دية الي أبطنها وتنچب والله لو ما انك من گرايبي ولخاطر ابوية مات وهو يوصيني عليكم الا چان اتدبچ ابطنك يالچلب
عود باچر دشوف اشراح تگول لأهلها اذا شافوها مضروبة كل ذاك الضرب ليش عبالك راح تفوت ابچيسك بلاش والله اخوها الا يگطعك ليش هي داشرة ما وراها احد بس اصبر وشوف اش راح يسوون بيك وبأبوك
هل تعتقد انهم سيسكتون على كل هذا الاجرام)

-اهدأ ايها الخسيس قبل قليل كنت تريد الذهاب لبيتي لتقتلها وانت تعرف انها حامل بابنك وقد جائت الينا شعرها مبعثر مضروبة حد الشبع وجهها مدمي وشفتها ممزقة
الان اصبحت عزيزة وغالية
قلت لك خطأ خطأ والله لولا انك من اقاربي ولأجل والدي الذي توفي وهو يوصيني عليكم كنت سادوس في بطنك عدة مرات
غدا سنرى ماذا ستقول لأهلها حين يرونها وقد ضربت كل ذاك الضرب هل تظن انهم سيغفرون لك مافعلته بها
والله ان اخاها سيمزقك شر ممزق 
هل كنت تعتقد انها شريدة ليس لها اهل
اصبر ليوم غد وسترى ماذا سيفعلون بك وبابوك الذي سكت على كل هذا الاجرام،

والقى سيد احمد برهو ارضا وصرخ به قائلا

(فوت فوت عند امك يا ابن أمك
وباچر تصير گعدة الزلم وتاخذ حگگ على گلاشي)

            

              
                    

-ادخل عند امك يا أبن امك غدا سيجلس الرجال لتقدير الدية التي ستاخذها على نعالي
نهض برهو وهو يرتجف مرعوبا من غضب ابو ذنون
ودخل بيته

نعم برهو من اقارب السيد احمد قرابه بعيدة لكن جدة السيد احمد ام ابيه هي عمة حمد الخليف ابو برهو
ورجع أبو ذنون للبيت وهو في قمة غضبه

اما برهو فنهض وهو ينفض ثيابه وامه واقفة تصفق بيديها وتضربها في الهواء
حركة تعني الاستخفاف بابنها
وقالت له 
- تعسا لك يا احمق هذه فرصتك لتحصل على مبلغ جيد
يبدو ان تلك الاطلاقة التي سمعناها قبل قليل كانت هي التي انقذتنا من هذه العاه......

كان هناك اكثر من سبب واضح لكره أم ابراهيم لغزالة
فغزالة كانت صغيرة في السابعة عشر من عمرها
تحتاج عناية واهتمام
وان العجوز كانت تحتاج من يعتني بها ايضا ويقوم باعمال البيت المضنية عنها
تصورت انها اذا اخذت ابنة اختها ستصبح هذه البنت مارد المصباح الذي يعمل كل شيء ولايطلب اي شيء
لقد كانت حياة الريف صعبة كثيرا ورزقهم قليل 
فلادعم يحصل عليه الفلاح من الدولة ليحيا حياة كريمة
ولا المحصول الذي ينتجه تدعمه الدولة ليستفاد الفلاح 
كان الناس يعملوا ليعيشوا فقط بادنى مستويات المعيشة،

كل تلك المحاورة التي حصلت بين أبو ذنون وبرهو
كانت تحصل امام امه الواقفة امام باب بيتها وامام ديدة عيشة جارة أم برهو الملاصقة لهم
لهذا
حين رجع ابو ذنون للبيت
ركضت ديدة عيشة خلفه هي وابنتها ارديسة

ركضت وهي تبكي وتضرب صدرها
فديدة عيشة كانت الداية لهذه القرية وكانت كثيرا ما تتهجم على ام برهو لحماية غزالة منها
حين وصلوا سيد احمد ابو ذنون وديدة عيشة وابنتها ارديسة
كان ذنون وحاتم والنساء قد حملوا جثة القتيلة وادخلوها لغرفة العيال او غرفة المعيشة 
والتف النساء حول الجثة من اسرة أبو ذنون وبعض الجيران
يبكون ويتحسفون شباب الفتاة الصغيرة
اما منيفة فكان كل مايشغل بالها والدها الذي ذهب فلم تدخل البيت وبقيت واقفة امام الباب تنتظره
حتى راته عائدا
فدخلت معه لغرفة العيال
حين دخلت ديدة عيشة مدت يدها لبطن القتيلة
ووضعت اذنها ايضا على بطنها وقالت لابو ذنون
-لو كنت قريبة منكم كنت طلبت منك فتح بطنها وانقاذ ابنها
فقال ابو ذنون 
-وهل كان من الممكن ان يعيش
قالت العجوز
-نعم قد يعيش فهي حامل في اخر ايام الشهر السادس
من الحمل ونعم ممكن ان يعيش الطفل
لكن الان فات الاوان فرحمها الله وغفر لها
والله لقد استراحت من خالتها الملعونة التي اذاقتها الويلات
سالت أم ذنون العجوز قائلة
-ديدة عيشة لماذا كانت أم ابراهيم تكره غزالة
هكذا ونحن نعرف انها ابنة اختها
اجابت العجوز بقولها
(يبنتي مو كل الناس اتحفظ الود ولا كل الناس عدها رحمة بعض البشر مثل الخنازير
وام ابراهيم چانت مستضرطة رجلها وابنها وشاخت هي بهل عيلة زوجت بناتها لرعيان واخذت بنت اختها
ويگولون عبن اختها من ابوها يعني جدة غزالة چانت ضرة أم أعميشة ام ابراهيم
فتكرهها عبنها من عروگ الضرة
وصدگ من گال الضرة تموت وعروگها ماتموت)

-يا ابنتي ليس كل الناس تحفظ الود بعض البشر مثل الخنازير 
أم ابراهيم استهانت بزوجها وابنها وهذه نتيجة الاستهانة
اصبحت شيخة البيت زوجت بناتها للرعاة
واخذت ابنة اختها لأبنها لتنتقم من أم غزالة
لان أم غزالة ابنة ضرة أم خجاوة جدة ابراهيم
وصدق من قال تموت الضرة وجذورها لاتموت
وأم ابراهيم من جذور الضرة
يتبع......

(1)الكيش قد سبق وصفه في الفصل الاول وهو الشي للذي تلبسه سيدة الغلاف
(2) القرمة نوع من السلاح لم يكن يملكه في ذلك الزمن الا الاثرياء
(3) اغلب القرويين لايعقدون القران الا لحظة دخول العريس على العروسة
لهذا يعطي والدها وكالته لاحد افراد اهل العريس ليكون وكيل العروس فيعقد قران العروس كوكيل عن ابوها وقد كان السيد احمد أبو ذنون هو وكيل العروس غزالة


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1