رواية جريمة بالحى الشعبى الفصل الثانى بقلم حمدى المغازى
تاني يوم كنت قاعد في المكتب لما لقيت الباب بيخبط وبعدها دخل هيثم.. قعد قدامي وقالي…
- صباح الخير يا فؤاد باشا.
- صباح الخير يا هيثم.. عملت ايه؟.
- عدلي اترحل امبارح وواقف برة مستني الإذن من سعادتك.
- طب كويس.
رتبت الاوراق اللي على المكتب.. بعدها طلبت من العسكري اللي برة يدخله.. أول ما دخل لقيت قدامي راجل في الخمسينات.. باين عليه اهتمامه بنفسه.. وكإنه شاب في العشرينات.. طلبت منه يقعد وبعدين بدأت الكلام...
- قولي بقى وديت يسري فين؟.
ظهرت عليه المفاجأة وقال بتلقائية...
- يسري!.. يسري مين؟.
- يسري اللي انت اتخانقت معاه.. وهددته بالقتل.
- هو يسري أتقتل؟.
- مش بالظبط كده.. بس هو مختفي بقاله أربع أيام تقريبًا.. من يوم ما بعتله المرسال وهو اختفى.. وأنت كمان أختفيت.. تقدر تفسرلي الكلام ده؟.
- ياباشا دي كانت ساعة شيطان وراحت لحالها.. اكيد يعني أنا مش هقتل ابن حتتي عشان مشكلة صغيرة وسوء تفاهم.. ثم إن أنا راجل صاحب مزاج عدم اللا مؤاخذة.. ومعايا فلوس مالهاش أول من اخر.. فبحب من وقت للتاني كدة أخرج اتفسح.. واعيش اللي ماعيشتوش وأنا صغير.. وبعدين سعادتك مش انا لوحدي اللي هددت يسري بالقتل؟.
اتعدلت في قعدتي وسألته باهتمام...
- قصدك ايه؟.. هو في حد غيرك هدده بالقتل؟.
- اه طبعًا يا باشا.. هو سعادتك ماتعرفش إن محمود هو كمان هدده بالقتل.
- محمود مين؟.
- محمود عبدالدايم ياباشا.. جارنا في الحتة.
- وانتَ عرفت الكلام ده منين؟.
- صبي من صبياني كان قاعد على القهوة.. وشاف الاتنين قاعدين مع بعض.. كانوا بيتكلموا في حاجة الله أعلم ايه هي.. بس قاموا مسكوا في خناق بعض وكل واحد هدد التاني بالقتل.. الله أعلم بقى ايه اللي حصل.
- يعني أنتَ عايز تقول إن محمود ممكن يكون نفذ تهديده وقتل يسري؟.
- دي حاجة في علم الغيب يا باشا.. انا بس قولت انور سعادتك.. إن في حد غيري هده بالقتل.. وبعدين انا ماكنتش هنا من أربع أيام.
- اومال كنت فين وقتها؟.
- كنت في اسكندرية ياباشا.. وفي شهود على الكلام كده.. وعندهم استعداد ييجوا ويشهدوا.. ويأكدوا على كلامي.. واه يافندم المكان مليان كاميرات تقدر حضرتك تراجعها وتتأكد بنفسك.
- تمام يا عدلي.. كل حاجة هتبان. بس انت هتشرفنا كام لحد ما نراجع الكاميرات ونتأكد.
طلبت من العسكري ياخده على الحجز.. وبعدها سندت بضهري على المكتب وانا بفكر مع هيثم بصوت عالي وبقوله...
- طب لو عدلي كلامه صح ومش هو اللي خطفه أو قتله.. تفتكر محمود هو اللي عمل كدة فعلًا؟.
- الله اعلم يا افندم.. بس أكيد لازم ندور ورا كلامه.
- بالظبط يا هيثم.. عشان كدة عايزك تروح بنفسك وتجيب اللي اسمه محمود ده.. لما نشوف حكايته ايه هو كمان.
- اوامرك يا باشا.
خرج هيثم وبعد ساعة كان راجع ومعاه محمود.. وده راجل أربعينات.. شكله مريب.. مارتحتلوش أول ما شوفته.. قعد قدامي وساعتها قالي...
- ممكن اعرف أنا هنا ليه ياباشا؟.
- أهدى بس كده وروق عشان شكل قعدتنا هتطول.
- هو انا متهم بحاجة ياباشا؟.
ولعت سيجارة قبل ما اقوله...
- هو انت صحيح اتخانقت مع يسري وهددته بالقتل قبل ما يختفي؟.
بانت على وشه المفاجأة.. وسالني بتردد...
- هو.. هو سعادتك عرفت الكلام ده منين ياباشا؟.
ضحكت بسخرية وأنا بقوله...
- بقى ده إسمه كلام يا محمود!.. انت مش واخد بالك انت فين ولا ايه؟!.
بلع ريقة وقال...
- دي كانت مشكلة صغيرة وراحت لحالها يا باشا.. مش حكاية يعني.
رزعت بأيدي على المكتب وأنا بقول...
- مشكلة صغيرة هتوصل إنكم تهددوا بعض بالقتل؟.
وشه أحمر وقال بلسان تقيل...
- ككــ.. كل الموضوع ياباشا إن يسري كان لي عندي فلوس.. وهو طلبهم يومها وانا ماكنش معايا المبلغ ده.
- عشان كده قتلته؟.
- لا ياباشا.. إحنا قعدنا نتكلم سوا.. ولما ماوصلناش لحل مسكنا في خناق بعض.. هددني فقومت هددته انا كمان.. عشان أخوفه وأبينله إني مش خايف منّه.
- بقى ده كلام يدخل العقل يا راجل؟.
- اقسم بالله هي دي الحقيقة يا باشا.. انا ماخيبتش عن سعادتك حاجة.. وممكن تسأل اللي كانوا قاعدين جنبنا في القهوة يومها.. وبعدين ياباشا ما عدلي هو كمان هدده اشمعنى أنا يعني.
- عدلي مرمي في الحجز من كام ساعة.. وأنتَ كمان هتشرف هنا كام يوم لحد ما نشوف اللي قولته ده صح ولا غلط.. وأهو يمكن لما تقعد مع نفسك شوية تفتكر حاجة كدة ولا كدة.
- يا باشا انا ماعملتش حاجة.. وماعرفش يسري راح فين.
- هيبان يا محمود.
طلبت من العسكري ياخده الحجز.. ويفصله عن عدلي.. مش عايز الاتنين يشوفوا بعض.. بعدها بدأت أسجل ملاحظات واحاول اربط كلامهم ببعض.. عشان أستبعد حد.. واشتبه في حد.. لكن لحد دلوقتي الاتنين مشتبه فيهم.. والاتنين عندهم دوافع للقتل.. بس ياترى مين فيهم القاتل الحقيقي؟.. فوقت على صوت خبط على الباب.. وبعدين دخل هيثم وهو بيقول...
- ده تفريغ الكاميرات اللي سيادتك طلبته.
خدت منه الفلاشة وشغلتها على اللاب توب بتاعي.. كان عليها فيديو.. فتحته وبدأت اجري لحد الوقت اللي مرات يسري قالت إنه خرج فيه مع واحد.. وساعتها شوفت يسري ماشي فعلًا ومعاه شخص.. بطأت الفيديو شوية وعملت زوم على وش الشخص ده.. وقتها رفعت وشي وسألت هيثم...
- مين الشخص اللي ماشي مع يسري ده؟.
- لسه مش عارفين هو مين.
- انا عايز معلومات عنه في أسرع وقت.. ده اخر واحد شاف يسري.. وأكيد هو اللي هيوصلنا لمكانه.
- أمرك يا باشا.
خرج هيثم من المكتب وانا بصيت في ساعتي لقيت الوقت اتأخر.. فقومت روحت.. وتاني يوم لما وصلت المكتب لقيت معلومات عن الشخص اللي كان مع يسري.. اتضح إن اسمه مرزوق عبدالله الشهير بسماكة.. عنده ٣٠ سنة.. صبي من صبيان حاتم السماك.. والمعلومات اللي في التقرير بتأكد إن الشخص ده دراع السماك اليمين.. ومش بيروح حتة غير وسماكة.. وتقريبًا السماك مابيثقش في حد غيره.. بعد ما قريت المعلومات دي طلبت من هيثم يجيب سماكة أو مرزوق ده في أسرع وقت.. فضلت قاعد في مكتبي مستني سماكة يوصل.. كنت قاعد وماسك السيجارة بين صوابعي ومع كل نفس باخده بيغذّي حاجة جوايا.. الإحساس اللي بيجيلي قبل ما كل حاجة تتكشف.. قبل ما الكلام يتقال.. قبل ما الوشوش تبوح باللي وراها.. كنت مستني.. آه.. بس مش انتظار عادي.. كنت حاسس بدقات قلبي بتعلى.. وبالدم بيجري بين عروقي.. أنا بحب اللحظة دي... اللحظة اللي قبل الحقيقة.. قبل المواجهة.. قبل ما الورق يتقلب على وشه.. كل سحبة من السيجارة بتحرق ثانية.. وكل ثانية بتقربني أكتر من اللي مستنيه.
وبعد ساعة تقريبًا أو أقل.. دخل هيثم المكتب ومعاه مرزوق.. مرزوق اللي كان وشه شاحب وجسمه بيتنفض. أبتسمت في وشه عشان أقلل عنّه التوتر والخوف بعدها قولت...
- أقعد يا مرزوق ماتخافش.. أجيبلك حاجة تشربها؟.. ليمون عشان يهدي اعصابك؟.
- تُشكر يابيه.
بصيتله لثواني قبل ما أقوله...
- أنتَ اكيد عارف انتَ هنا ليه.. مش كده؟.
- أيوه يابيه.
- وبما إنك عارف.. تقدر تقولي وديت يُسري فين؟.
بلع ريقه بصعوبة وقال بصوت هزوز...
- والله العظيم ما قتلته يابيه.
- ومين قال إنك قتلته؟!.. انا بقول وديته فين؟.
- أنا هحكيلك كل حاجة ياباشا من طقطق لسلاموا عليكوا.. اكيد حضرتك عارف إن الفترة الأخيرة حصلت خناقة كبيرة بين يسري والمعلم عدلي.. اللي كان سبب في الخناقة دي هو السماك.
- ازاي؟.
- عدلي بينه وبين السماك شغل كتير اوي.. وفلوس راحة جاية.. بس اخر بضاعة عدلي أخدها ومادفعش فلوسها.. وعمل مشاكل كتير مع السماك.. وكَل عليه الفلوس.. ومن هنا بدأت الحكاية.. لإن السماك شحن يسري من ناحية عدلي وطلب منّه يروحله ويطالبه بالفلوس.
- أستنى بس.. واحدة واحدة كده عليا.. وليه السماك مابعتكش انتَ.. مش المفروض إنك دراعه اليمين وبيثق فيك؟.
- والله يابيه ماعرفش.. انا نفسي استغربت وقتها.. بس مادققتش معاه.. المهم.. لما يُسري راح يطالب عدلي بالفلوس.. قامت بينهم خناقة لرب السما.. ووصلت لمد الأيدين.. ده قبل ما صبيان عدلي يتدخلوا ويضربوا يسري علقة موت.. بعدها سمعنا إن عدلي بعت ليسري يهدده بالقتل.. أول ما السماك عرف الخبر بعتني بالليل أجيب يسري عشان يحميه.. خاف عدلي يقتله.. فروحت ليسري جيبته زي ما السماك قالي بالظبط.. وده كل اللي حصل يا باشا.
- يعني السماك هو اللي بعتك تجيب يسري من بيته الفجر؟.
- أيوة يابيه.
- طب وبعد ما وصلت يسري للسماك.. يسري حصله ايه؟.
- ماعرفش يا باشا.. انا سلمتهوله وروحت بيتنا.. ايه اللي حصل بعد كدة ماعرفش.
- تمام يا مرزوق.
- اقدر اروح كده يا باشا صح؟.
- مش بالبساطة دي.. لسه في إجراءات كتير.. ولسه هنجيب معلمك هنا عشان نشوف كلامك ده حقيقي ولا كدب.
- أبوس أيدك يابيه السماك لو عرف إني قولت أي حاجة هيموتني.
- للدرجة دي!.. عامة ماتقلقش هو مش هيقدر يعملك حاجة.
خليت العسكري يدخله الحجز.. وبعت جيبت السماك.. وأول ما قعد قدامي.. بصيتله شوية قبل ما أقوله...