رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثلاثون 30 بقلم دودو محمد


 رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثلاثون 

في لحظة من تجميد الزمن، أخرجت هذه الفتاة سكينًا لامعًا من شنطة يدها، وبدأت تقترب ببطء من ترنيم، مبتسمة بابتسامة شريرة على ثغرها، كانت خطواتها المدروسة كسهام تصيب قلب ترنيم، وكل لحظة كانت كالسكاكين التي تغرس في أحشائها، ترنيم، في حالة من الفزع، تراجعت إلى الخلف حتى اصطدم ظهرها بالحائط، لتجد نفسها محاصرة بلا ملاذ. كانت نظرات الرعب في عينيها تعكس قلقاً عميقاً، بينما كانت الدموع تتسابق على خديها، تشكل بحيرات من الألم والذعر، في خفاء، كان صوت الصراخ من الحيرة والخوف يتردد في داخلها، يشبه صدى بندقية تنذر بقدوم العاصفة.
في تلك اللحظة، أدركت ترنيم أنها ليست فقط في مواجهة عدوتها، بل كانت تواجه كل مخاوفها المظلمة وظلمات حياتها. خيل إليها أن الجدران التي تحاصرها تتقلص وتتقارب، مشكلة سجنًا محكمًا بين أحضانها، مما جعل قلبها ينبض بسرعة جنونية، اقتربت الفتاة منها، وكأن الوقت قد توقف تمامًا، قبل أن تلمسها السكين؛ فقد شعرت ترنيم بشعاع الأمل يتلاشى شيئًا فشيئًا، لكن في لحظة غير متوقعة، أمسك بها شخص آخر من الخلف بقوة، ودفعها بعيدًا، مال بجسده، وأمسك بشعرها بقسوة، وضغط على أسنانه وهو يقول:
"إنتي مين وعايزة تأذي ترنيم؟"
حركت رأسها بذعر وأجابت، وجهها شاحب وجسدها يرتعش من الخوف:
"أنا مش تبع حد، أنا مليش دعوة بيها، أنا كنت بدافع على نفسي بعد ما كانت عايزة تضربني."
رفع حاجبيه في عدم تصديق، عينيه تكادان تخرجان من محجريهما من شدة المفاجأة، وقال بنبرة مشوبة بالتحذير:
"بقى ترنيم هي اللي كانت عايزة تضربك؟ تمام، أنا هعرف أخليكي تنطقي أزاي."
في لحظة من الغضب المفاجئ، ضربها برأسه بقوة، مما جعلها تسقط فاقدة الوعي على الأرض، كأنها دمية بلا طاقة، نظر إليها نظرة غاضبة، ثم نظر نحو ترنيم المذعورة مما حدث، وكأنما أراد أن يفرض سلطته على الموقف، اقترب منها، وعيناه تعكسان كميتين من الغضب والخيبة، وأمسك بوجهها برفق لكن بحزم، ثم قال بنبرة هادئة لكن مشحونة بالتوتر:
"اهدي يا ترنيم، متخافيش، أنا جنبك."
ارتمت داخل أحضانه، وكأنها تعثر على ملاذها الوحيد وسط العاصفة، وتمسكت به بقوة، بينما كانت تتمتم من بين شهقاتها، وجسدها يرتجف من الخوف:
"أنا خايفة أوي يا غريب، أنا معرفهاش ولا كلمتها، هي اللي هجمت عليا وكانت عايزة تقتلني."
ربت على ظهرها بكلمات مطمئنة، محاولاً تخفيف وطأة الذعر الذي يعتصر قلبها، متحدثًا بابتسامة وهمية لتحفيز الأمل في داخلها:
"شش، اهدي يا حبيبتي، خلاص، أنا هعرف مين دي ومين وراها، وطول ما أنا في ضهرك، مش عايزك تخافي."
تمسكت به بقوة، وكأنما كانت تسعى لتثبيت نفسها في واقع يبدو مهزوزًا وملئ بالخوف. وفي صوت مختنق، وكأن كل حرف يخرج منها يتطلب جهدًا شاقًا، قالت:
"أنا عايزة أمشي من هنا، روحني يا غريب، ارجوك."
عكست كلماتها كمن يطلب النجاة من عاصفة، ورغم حالة الذعر التي كانت تحيط بهما، أومأ برأسه بالموافقة، وأمسك بيدها بنعومة لكنه بحزم، كما لو أنه لن يسمح لأي شيء آخر أن يفرق بينهما، ومع دقات قلبه المتسارعة، بدأوا في السير معًا، خارجيين من المكان الذي كان يحبس أنفاسهما في ظل الاضطراب الذي وقع، نظر إلى رجاله، ووجه إليهم أوامره بحزم: بأخذ الفتاة الساقطه على الأرض إلى أحد الأماكن الخاصة به.
لكن صوت سلطان، الذي اقترب منهم مع توتر متزايد، أوقف حركتهم. تجمدت لعنتهم للحظة، وسأل باستغراب:
"رايحة فين يا ترنيم، الخطوبة لسه في أولها."
أمسك غريب يدها بقوة، وكأنها كانت نقطة ضعفه الوحيدة، وصرخ بغضب يعكس القلق الذي يجتاح قلبه:
"ترنيم تعبانه شويه، وعايزة تروح."
عبر عينيه، يمكن رؤية القلق المتزايد، فقد نظر إليها بقلق عميق ورأى آثار الدموع على وجهها الحزين، الذي كان يعبر عن مشاعر مختلطة من الخوف والفقد، فهم أنها حزينة بسبب خبر حمل فريدة، وقد أثر ذلك بشكل كبير عليها، أغلق عينيه بضيق وكأنما يحاول طرد تلك الأفكار المزعجة، وتحدث بصوت مختنق، مليء بالأسى:
"ماشي، أنا بس كنت بطمن عليها."
لم يكن يعبر فقط عن قلقه، بل كان يحاول أيضًا طمأنتها، عبر كلمات محملة بالشجن. وعندما تركهم وعاد إلى الداخل، استشعر ضغوط الوضع المكثفة التي تعصف بالمكان. نظر غريب إلى أثر سلطانه بغضب مضطرب، ثم انتزع ترنيم بلطف إلى السيارة، حيث ساعدها في الجلوس على المقعد، وأنهى تلك اللحظة الصعبة بإغلاق الباب خلفها كأنما يحميها من تلك اللحظة، صعد هو إلى المقود، وأدار السيارة بسرعة جنونية، وكأنما ينطلق إلى بر الأمان، عائدين إلى المنزل حيث يأمل أن يجدوا بعضًا من الراحة وسط الفوضى.
       ***************************
جلست سميه بجوار حسام، عينيها تتبع خطوات ترنيم التي تتجه نحو الخارج برفقة غريب، وكأنها تتابع مشهدًا مأساويًا يحدث أمام عينيها، كانت مشاعرها مختلطة، بين خوف من فقدان علاقة وثيقة وأمل في أن تعود الأمور إلى طبيعتها. زفرت بضيق، مما لم لفت ملاحظته، فربت على يدها بلطف وسألها بتساؤل: 
"مالك يا سميه؟" 
نظرت إليه بضيق، وعبرت عن مشاعرها بصوت مختنق: 
"ترنيم مشيت والخطوبه لسه في أولها، أنا حاسه أن كل حاجه اتغيرت، يعني هي أكتر من أختي وسابتني في يوم زي ده؟" 
كانت عينيها تلمعان بالدموع، وكأن كل كلمة تخرج منها تترك أثرًا عميقًا في قلبها. 
"من يوم ما فريدة دخلت حياتنا، وكل حاجه اتغيرت يا حسام." 
شعرت وكأن كل شيء حولها يتلاشى، وأن ما كانت تعتبره دعمًا واستقرارًا قد بدأ ينقلب إلى عدم يقين وقلق.
ابتسم حسام لها، وتحدث بنبرة هادئة تحمل الطمأنينة: 
"معلش يا حبيبتي، اديها عذرها، اللي هي مرت بيه مش قليل. ممكن لما شافت فريدة مع سلطان، مقدرتش تستحمل، وعلشان كده مشيت بدري ومكملتش الخطوبه." 
كانت كلماته بمثابة بلسم على جروحها، ولكن الألم في قلبها كان أكبر من أن يداوى. "هي كمان بتحبك وبتعتبرك زي أختها، وأكيد أنها تمشي في وقت زي ده صعب عليها برضه." 
أومأت برأسها بضيق، وأجابت بصوت رقيق:
"ماشي." 
تحدث حسام بحب، محاولًا تعديل الأجواء:
"سيبك من كل ده، انتي طالعة قمر أوي كده، ازاي؟" 
كانت عينيها تتلألأ، ولكن هذا الشعور لم يستمر طويلًا.
أجابت بصوت مختنق: 
"ليه هو أنا الأول كنت وحشه ولا ايه؟ آه، ما انتوا كده الرجاله تحبوا المظاهر علشان شوية الحاجات اللي على وشي عجبتك، وشايفني جميله." 
فتح حسام فمه بصدمه، وحدثها باندهاش:
"احلفي!" 
كانت تعابير وجهه تعبر عن الاستغراب، وكأنه لم يتوقع أبدًا أن تفكر بتلك الطريقة.
نظرت إلى الاتجاه الآخر، حتى يختفي شعور الضيق، وقالت بصوت مختنق: 
"أنا عايزة أمشي، انهي الفرح على كده، مش خلاص لبستني الشبكة؟" 
كان الفرح بالنسبة لها قد فقد معناه، حيث لم يكن الحدث كما كانت تأمل فيه، بل أصبح مصدرًا للضغط والقلق.
وضع حسام يده على وجهه وزفر بضيق، ثم نظر إليها وتحدث بهدوء حذر: 
"سمية يا حبيبتي، بكلمك بهدوء أهو، علشان لما بتعصب، ببقى وحش وشخص عصبي ومش بيعرف يتفاهم بهدوء، فرح إيه اللي عايزه تنهي ها؟ وليه كل ده؟" 
كان صوته يحمل تأثير المحبة والألفة، وهو يحاول الانتشال من بحار الحزن. 
"علشان بقولك إنك قمر يا ستي، أنا آسف، كنتي قمر وبقيتي قمرين، بلاش تنكدي علينا في يوم زي ده، علشان عصبيتك دلوقتي أوفر ومالهاش سبب." 
كانت كلماته تتدفق كالماء، تحاول تخفيف ضغط الحياة، لكن سميه كانت لا تزال في دوامة من المشاعر المتناقضة.
نظرت له بدموع تتجمع في عينيها، وكانت عواطفها تتصارع بين الغضب والحسرة. سألت بصوت يمزقه الألم: 
"أنت بتتعصب عليا حتى في يوم زي ده؟"
ضغط على أسنانه بغضب، وصوته يحمل نفاذ صبر واضح كالشمس التي تخترق الغلاف السحابي، مملوءاً بالإحباط: 
"الصبر من عندك يا رب، أتكلم بهدوء، مش نافع، اتعصب مش نافع، انتي عايزه ايه بالظبط؟"
عقدت ذراعيها على صدرها، وتحركت عواطفها في دوامة مختنقة وكأن الهواء بات ثقيلاً عليها، وتحدثت بصوت خافت متقطع: 
"مش عايزه حاجة يا حسام، خلاص." 
نظر إليها بغضب، مفعم بالعواطف المتضاربة، ثم التفت إلى الاتجاه الآخر، وكأن غضبه كان حاجزاً يحجب بينهما، استمروا على هذا الوضع المتوتر، حيث كل واحد منهم غارق في أفكاره المتأججة، حتى انتهاء الخطوبة، وكأن سحابة ثقيلة تغطي سماء أحلامهما التي بدت شاحبة وتفتقر للبهجة.
      ****************************
وصل سلطان إلى المنزل، يسيطر عليه الغضب، كانت ابنته نائمة بعمق، فتوجه نحو غرفتها بلطف، وضعها برفق على فراشها، ودسها جيداً تحت الغطاء، قبل أن يقبل رأسها بحب، ثم تحرك خارج الغرفة، مغلقاً الباب خلفه، واتجه نحو غرفة فريدة. 
عندما دخل الغرفة، وجدها تخلع ملابسها، فانزلق إلى الداخل ودفع الباب خلفه ببطء، مشدداً على كل خطوة، اقترب منها بحذر وتحدث بهدوء محذر، متسائلاً: 
"أنا عايز افهم دلوقتي الحمل ده حصل ازاي؟"
زاغت ببصرها عنه، وبدأت تتحدث بتلعثم، كأن الكلمات تكاد تخونها: 
"ه هو أيه اللي الحمل حصل ازاي يا سلطان؟ قدرة ربنا هنعترض."
حرك رأسه بالرفض، فرافقه تهكم ساخر في صوته: 
"لا طبعا اعترض أيه اعوذ بالله، بس يعني محصلش حاجه غير مره واحده من شهر وشويه ومعرفش الصراحه حصلت أزاي، أنا كنت شاكك في الموضوع ده من الاول، وكنت حاسس ان وراه أن، يعني نتخانق الصبح بليل تعملي عصير وتتصعبني شويه علشان اشربه وبعدها بدقايق بقدرة قادر النار تقيد في جسمي وفي الوقت ده هتكوني انتي الخلاص حصل اللي حصل ومن وقتها مقربتش منك نهائي والنهاردة تيجي تقولي أنا حامل، يبقى انتي كنتي مظبطه ده كله من اولها بقى."
ابتلعت ريقها بصعوبة، وحركت رأسها بالرفض، قائلة بتوتر: 
"ل لا طبعا م محصلش ك كل ده ه هو صادف أن اليوم ده ك كان يوم تبويض و وانا نسيت اخد الحباية و وانت فجأتني ل لما عملت كده و واكتشفت الصبح ا أني حمل و ومكنتش انت فاضي طول النهار ع علشان اقولك الخبر ده."
أغلق سلطان عينيه بغضب، واقترب منها، ممسكاً بشعرها بقوة، كأنه يستمد قوته من شعورها بالضعف: 
"شغل النسوان ده أنا فاهمه وعارفه انتي عملتي كده علشان تضمني وجودك معايا ما هما هيكونوا اتنين بقى، بس اللي انتي متعرفهوش لو كانوا عشره يا فريدة هخدهم برضه منك وهرميكي رمية الكلاب، والقرار اللي انتي اخديه من نفسك ده هدفعك تمنه غالي اوي."
أنهى كلامه بدفعها بقوة على السرير، قبل أن يخرج من الغرفة بغضب، وكأن الهموم تلاحقه في كل خطوة.
اعتدلت على السرير، وارتسمت ابتسامة انتصار على شفتيها، وكأن الفرح قد سرقها للحظات. 
"وريني بقى هتقدر ترجعها تاني ليك ازاي يا سيد المعلمين لما هي اتأكدت أننا عايشين حياتنا طبيعي، زي اي اتنين."
ثم نهضت وبدأت تبدل ملابسها، وهي تشعر بنشوة الانتصار تتقافز في عروقها وكأنها قد انتزعت نصراً من بين أنياب الخسارة.
         **************************
جلست مريم على الأريكة، وقد اجتاحت مشاعر الغضب وجهها، حيث كانت تدرك تمامًا أن الأمور تسير في اتجاه غير محبب. كان لديها شعور بأن تنسيقها مع رجب وتامر بدأ يتشوه بفعل خيبات الأمل المتكررة، كانت عيناها تركزان بحدة على رجب وتامر، وعبارات القلق ترتسم على شفتيها، تخفي تحتها طبقات من التوتر والقلق. تحدثت بضيق قائلة: 
"البت دي أتاخرت كده ليه؟ أنا بعتها من بدري تخلص مهمتها وتيجي بسرعه!"
رد رجب بتوضيح، محاولاً تهدئة الموقف وسط تلك العواصف من المشاعر: 
"يمكن اتقفشت وهي بتعمل كده؟"
هزت مريم رأسها بالرفض، وفي نبرة حادة أجابت، بما يحاكي إيمانها القوي بقدرات من توكلت عليها: 
"لا طبعا! وأنا هبعت أي حد يدخل بسهولة كده في فيلا سلطان، البنت عندها خبرة في المجال ده من زمان، وايديها خفيفه هتخلص اللي عليها وهتهرب على طول من غير ما حد يحس بيها، دي مش أول مرة تشتغل معايا."
ابتسم تامر بتهكم، مستعرضًا سخرية غير مفهومة، وكأنه يختبر مدى ثقتها: 
"أهو، أنا بيعجبني فيكي ثقتك في قدراتك اللي مش في محلها أبدًا، أنا متأكد إنها مش هتعدي من تحت إيد ضرغام بسهولة كده."
ضغطت مريم على أسنانها بغضب، عازمة على مواجهة تامر بخطاب يفيض بالعزيمة:
"أنت معانا ولا علينا؟"
استقام تامر بجسده، مظهرًا عدم اهتمامه وكأنه يرفض الوقوع في أي حوار عقيم، ثم رد بشيء من اللامبالاة: 
"أنا لا معاكم ولا عليكم، أنا مع نفسي، واللي بخططه في دماغي لسه مش وقته." 
ثم اقترب منها، مال بجسده حتى أصبح وجهه مقابل وجهها، وأضاف بشكل غير متوقع، وكأنه قد ادرك شيئًا لا يراه الجميع:
"وانتي من ضمن اللي بخططلهم يا مريومة." 
أنهى كلامه وانسحب نحو غرفته، تاركًا مريم غارقة في دوامة من المشاعر المتضاربة، ما بين الشك والتصميم.
نظرت مريم إلى رجب، الغضب يتأجج بداخلها، وكانت كلماتها مليئة بالثقة القوية ناجمة عن إيمانها بنفسها: 
"شايف ابنك وسامع كلامه يا رجب؟ أنا مش عايزه أحطه في دماغي، علشان لو حطيته، همحيه من على وش الأرض!"
نظر رجب إليها بعدم اهتمام، معبرًا عن استنكاره وكأن كلماتها ليست أكثر من همسات في الهواء: 
"والله دي أخرة اللي يشتغل مع شوية عيال زيكم، أنا مش في حضانة هنا، خلينا نفكر في الخطوة الجايه بهدوء، لأن اللي جاي مش هيكون سهل خالص علينا." 
كان صوته هادئًا، لكنه يحمل في طياته ثقلاً ينذرهم بالمشاكل الكثيرة التي ستواجههم. 
استقامت مريم بجسدها، وثبات العزيمة يضيء عينيها، وقالت بثقة: 
"أنا خططت، وبنفذ كلها أسبوع، وهكون مرات غريب ضرغام، وساعتها بقى، هيكون الشغل الحقيقي بدأ." 
        **************************
تمتدت ترنيم على السرير، بجسدها المرتعش، فيما كانت أصداء ذلك الموقف المرعب تتردد في خيالها، ما زالت ترى نظرة تلك الفتاة لها، وكأنها تلاحقها في كل زاوية من زوايا تفكيرها، ومع اقتراب السكين من بطنها، انتشر شعور مفزع في قلبها بأنها على وشك فقد حياتها، كأنها تسحب نحو أعماق بحرٍ عميق من الخوف والذعر، كانت الدموع تنهمر بغزارة من عينيها، تاركة آثارها على وجنتيها، كأنها كانت تعبر عن كل ما اعتصرتها من مشاعر قاسية وألم لا يحتمل، في تلك اللحظة، جلس غريب بجوارها، محتضنًا إياها في أحضانه كأنما يحاول درء كل المخاوف عنها، ربت على ظهرها بحنو، قائلاً: 
"اهدي يا ترنيم، انتي خلاص في بيتك، متخافيش." 
تمسكت به بقوة، وكأن ذراعيه هما الحبل الوحيد الذي يربطها بالحياة، وتحدثت بصوت مرتعش: 
"مش قادرة أنسى نظرة عيونها ليا، دي رسالة من حد بيكرهني، يا غريب، عايز يخلص مني، بس معرفش مين، أنا خايفة أوي." 
قبل رأسها بحب، مستشعرًا معاناتها، وتحدث بنبرة هادئة كأنه يزرع الأمان في قلبها: 
"مش عايزك تخافي؛ طول ما أنا جنبك، مش هسمح لحد يقرب منك ولا يأذيكي." 
كانت كلمات غريب بمثابة بلسم لجراح روحها المتقلصه، كما لو كان يسلط الضوء على مرحلة مظلمة من حياتها ويعيد لها الأمل في الأمان والراحة. 
أغلقت عينيها، غارقة في الدموع، وتكلمت بصوت مختنق: 
"أنا عايزة أنام." 
نزل بجسمه إلى الأسفل، ووضع رأسها على صدره، حيث شعرت بدفء أنفاسه التي كانت تعطيها شعورًا بالأمان، وظل يحرك يده برفق على شعرها، قائلاً: 
"نامي ومتخافيش، أنا هفضل جنبك." 
كانت تلك اللحظات كفيلة بنقلها إلى هدوء بعيد عن الفوضى التي تعيشها، كأنها تفصل بين عالمين. 
أومأت برأسها وأغمضت عينيها، وكلما تذكرت كلمات فريدة بحملها من سلطان، ازداد سيل دموعها، حيث كانت تتخيل السيناريوهات المحتملة وتغرق في خيالاته، حتى شعرت أن كل شيء اليوم قد تحول إلى كابوس، ظلت على هذا الوضع حتى ذهبت في النوم، إلى عالم الأحلام، حيث آمنت أن الحكايات التي تتغنى بها هي الطريق للخلاص من شبح الواقع المؤلم.
        *************************
بعد عدة أيام، وصلت ترنيم إلى منزل خالتها صباح، حيث بادرتها صباح باحتضان دافئ، وأحاطتها بحنان الأم، ظلت ترنيم في أحضانها تشعر بالأمان والراحة، بينما ربتت صباح على ظهرها بحنو، تحدثت بصوت هادئ ومفعم بالمودة:
"مالك يا ضنايا؟ بقيتي دبلانه ومكسورة كده ليه؟ فين ترنيم الشقيه اللي كانت الضحكه مرسومه على شفايفها على طول؟"
تنهدت ترنيم بوجع وصرحت بصوت مكسور، وكأنها تعبر عن آلام لا تنتهي:
"اللي حصلي يهد جبل يا خالتوا، كل حاجه جات عليا من اللحظه اللي اكتشفت فيها جواز سلطان، ومن يومها، وأنا مشوفتش يوم واحد حلو، وكأن الفرحه تاهت مني، ومبقتش لاقيها."
ردت عليها صباح بنبرة حكيمه، محملة بالحكمة وتجارب الحياة، وكأنها تحاول تسليط الضوء على طريق الخروج من ظلمة الحزن:
"يا حبيبتي، مش معنى أن محصلش ما بينكم نصيب تبقى نهاية العالم، كتير أوى عاشوا قصة حب، وفي الآخر مكانش فيه ما بينهم نصيب، وعاشوا حياتهم عادي جداً، ورضوا باللي ربنا كاتبه ليهم، وعاشوا سعداء، أنتي كمان ارضي واتقبلي فكرة النصيب، وحبي جوزك وفكري فيه علشان تقدري تكملي حياتك يا ترنيم."
اعتدلت ترنيم في جلستها وتكلمت بوجع، ودموعها تكاد تنهمر:
"أنا بحب سلطان يا خالتوا، بحبه لدرجة الجنون، مهما حاولت، قلبي رافض غيره، ربنا يشهد، أنا حاولت قد إيه، ومازالت بحاول أتقبل غريب وأديله فرصه، بس والله العظيم قلبي رافض أي حد غير سلطان."
ربتت صباح بحنو على يدها، مبتسمة في وجهها كمن يحاول أن يرسم أملاً في عتمة الألم:
"مصدقاكي يا ضنايا، بس معلش، كل ما تلاقي نفسك بتحني لسلطان، افتكري اللي عمله معاكي، وأنه راح اتجوز غيرك، وخلف منها، افتكري أمك وأمنيتها أن يجي يوم تحبي غريب وتكملي حياتك معاه وتجيبي منه طفل، خلي عندك دافع وإراده في نسيان سلطان، واتقبلي غريب في حياتك، وده هيفرق معاكي كتير أوى."
أغلقت عينيها بحزن وأومأت برأسها:
"حاضر يا خالتوا، هحاول."
وفي تلك الأثناء، جاءت رنيم، حيث ابتسمت لها ترنيم وفتحت ذراعيها تجاهها، لكن رنيم نظرت إليها بغضب طفولي، وجلست على المقعد دون أن تقترب منها، نظرت ترنيم إليها باستغراب:
"رنيم، انتي مخصماني ولا إيه؟"
ردت عليها رنيم بغضب طفولي:
"متكلمنيش علشان انتي وحشه وعايزة تخدي بابي مننا أنا ومامي، أنا بكرهك ومش بحبك."
اتسعت عيني ترنيم بصدمه، ونهضت من على مقعدها، حيث رقدت على ركبتيها أمام الطفلة، متحدثة بصوت مختنق، يكاد يكون متوسلًا:
"مين قالك الكلام ده يا حبيبتي؟ أنا أبلة ترنيم، اللي بتحبك، واللي انتي نسخه صغيرة منها، وكل حاجة ما بينا مشتركه أصلاً."
نظرت رنيم إليها بضيق، وكانت عيناها تتلألأان بالبراءة والقلق، مما جعل موقفها يبدو أكثر وضوحاً:
"مامي قالتلي انك عايزه تخدي بابي مننا، وبسببك على طول مزعل مامي وبيخليها تعيط."
أغلقت ترنيم عينيها بغضب وهزت يدها على شعرها بحنو، كما لو كانت تحاول تنظيم أفكارها المحشوة بالمشاعر المتضاربة:
"لا طبعاً، مامي فاهمه غلط، أنا بحب رنيم ومستحيل أخد منها حاجة هي بتحبها ومتعلقه بيها، وبابي من ممتلكاتك الخاصة، هو أه كان الأول ده مكاني، بس جات بنوته زي القمر أخدته مني، وأنا مش زعلانه، بالعكس، لأن أبلة ترنيم بتحب رنيم أوي."
نظرت الطفلة لها بعدم فهم، وكانت تعبيرات وجهها تسلط الضوء على براءتها:
"يعني انتي مش عايزه تخدي بابي مننا؟"
استمرت ترنيم في النظر إلى عيني رنيم، محاولة أن تجعلها تدرك صدق مشاعرها، 
حركت ترنيم رأسها بالرفض، ابتسامتها كانت مزيفة، مخفية إحباطًا عميقًا يتوارى وراء جدران قلوب الأطفال:
"لا طبعاً، أنا عندي عمو غريب زي بابي كده، وبيحبني أوى زي ما أنا بحبك، علشان كده أنا عمري ما أخد حاجة من رنيم بتحبها أصلاً."
الأطفال في مثل سنهم يحاولون جاهداً فهم العلاقات المعقدة بين البالغين، كانت ترنيم تدرك أن الحب الذي يشعر به الآخرون يمكن أن يكون معقدًا كرموز سرية، لذا تظاهرت بالثقة لتمرير الرسالة.
ابتسمت لها رنيم ببراءة الطفولة، عينيها تتلألأان بالبساطة:
"أصلاً."
كلما ذكرت الكلمة، كانت تكز مجهرتها بشكل مضحك، داعبت أنفها بأصابعها:
"أصلاً، أصلاً."
قفزت الطفلة بسعادة، وركضت بعيداً عنها، تضفي على المكان طاقة إيجابية تنسي الجميع ما يجري حولهم، كانت تلهو وكأنها في عالم خاص بها، غير عابئة بالخلافات التي تدور بين البالغين، نظرت ترنيم إلى صباح وتحدثت بصوت مختنق، عاطفتها متأججة وقلقها الحال:
"شوفتي الحيه قايله إيه للبنت؟ أنا هعرفها مقامها، ماشي."
مع كل كلمة، كان الغضب يشتعل في صدرها، فنهضت بغضب، واتجهت إلى الباب، زفرت من الحماسة والتوتر اجتاح جسدها بينما هي صاعدة إلى الأعلى، حيث طرقت على الباب بقوة، فتحت لها فريدة، وعقدت ساعديها على صدرها، مستهزئة:
"أفندم بدوري على جوزي علشان وحشك حضنه ولا حاجة؟"
تفجرت المشاعر الغاضبة في صدر ترنيم، فامسكت فريدة من ذراعها بغضب، قائلة:
"إنتي عارفه لو مبطلتيش تقولي الكلام ده للبنت هعمل فيكي إيه؟ هقطعلك شعرك اللي فرحانه بيه ده، وهقول لسلطان على كل حاجة قلتيها لرنيم، فااهمه؟"
ثم تركتها، وتحركت نحو الدرج، مسندة رأسها المفكر إلى جرباء الهجوم النفسي الذي تعرضت له، لكن فريدة كانت أكثر عدوانية بكثير مما توقعت، أمسك بها من شعرها، غاضبة:
"إنتي بتهدديني يا روح أمك؟ طيب، أنا هوريكي بقى هعمل فيكي إيه."
تحولت الأمور بسرعة إلى جنون، وبدأت تبعثر شعرها بيدها، ثم ظلت تصرخ بصوت مرتفع:
"الحقوني! المجنونه دي عماله تضرب فيا وعايزه تنزل الطفل اللي في بطني، الحقودة الغلاويه، علشان جوزي بيحبني وبقى عندنا طفلين، متغاظه مني، هتموتني، الحقوني يا لهوي!”
كانت ترنيم تتابعها بصدمة، أعين الناس المحيطة تتجمع حولهم كما لو كانوا يشاهدون عرضاً مسرحياً مأساوياً، وبدأوا يوجهون الاتهامات والكلمات اللاذعة لترنيم، وكأنهم لم يلاحظوا قسوة وهدامة موقف فريدة، نظرت حولها بغضب شديد:
"متفتكريش الشويتين دول هينفعوا معايا، وحياة الغاليين، ما  هحلك ويا أنا يا انتي."
شدت على قبضتها، والشعور بالغضب يتراكم بداخلها كساعة رمل، كانت لا تشعر فقط بالتهديد، بل كان في داخلها شعور بالاستفزاز والكرامة؛ فهي لن تسمح لأحد بأن يضعها في موقف الضعف.
دفعت الناس بغضب من أمامها، وهبطت إلى الأسفل، صعدت السيارة، وتابعتها رجال غريب، وتحركوا بالسيارات إلى الفيلا.
       ***************************
وصلت ترنيم الفيلا وهي تشتعل من الغضب، لكن ما إن خطت بضع خطوات داخل المكان، حتى وقفت مكانها بفاجعة، وعيناها تجوبان المكان بعدم فهم وكأنها تعيش كابوساً، كان هناك سلطان، وجهه محمل بالتوتر، وغريب، الذي لم يكن يملك الجرأة ليتمالك نفسه، ومعهما فتاة تتذكر أنها رأت وجهها من قبل، ومأذون يرتدي زيه الرسمي، شعرت لوهلة أنها تتوهم، كأنها أمام مشهد درامي مبالغ فيه، حركت قدميها ببطء شديد، كما لو كانت تطوف حول منطقة مجهولة، وتكلمت بصوت مختنق بالتوتر والألم: 
"سلطان، أنت بتعمل إيه هنا؟ ومين دي، والمأذون بيعمل إيه هنا؟ وبعدين، من إمتى أنت وغريب بتتقابلوا مع بعض؟ أنا حاسة نفسي تايها ومش فاهمة حاجة."
نظر سلطان إلى غريب بتوترٍ واضح، ثم نهض من على مقعده، كأن ثقل العالم بأسره يجثم على صدره، قائلاً: 
"ترنيم، اهدي، وأنا هفهمك كل حاجة." 
لكن تلك الكلمات لم تكن كافية لترسيخ شعور الطمأنينة في قلبها، بل كانت كالرمال المتحركة التي تزداد عمقاً كلما حاولت الوصول إلى بر الأمان.
حركت رأسها بالرفض، وعواطفها تتلاطم داخلها كأمواج البحر العاتية، وأجابت بصوت مختنق تعكس فيه انكسارات روحها: 
"مش معقول تكون هتتجوز تاني يا سلطان، ولو هتعمل كده ليه هنا بالذات؟ وإيه دخل غريب في الموضوع؟ والبنت دي، أنا فاكرة أني شوفتها قبل كده."
أغلق غريب عينيه بتوتر، محاولًا تجميع أفكاره المشتتة، واستقام بجسده، مقترباً منها بشكل يشي بشعور طاغٍ من الندم، وقال بصوت مختنق: 
"ترنيم، أنا هتجوز." 
كانت الكلمات كالسيف الذي يجتاز الجسد، مزقت ما تبقى من خيوط الأمل في قلبها.
ظل نظرها مثبت عليه بعدم فهم، كأنها تتحدى المنطق، ثم ابتسمت بهستيريا تعبر عن شعور الفقد، معلنة: 
"انتوا بتهزروا صح؟ أصل مستحيل يكون الكلام ده بجد!؟"
نظر غريب إلى سلطان بتوتر، ثم تكلم بصوت واهن: 
"ترنيم، اهدي علشان نقدر نفهمك." 
لكنها لم تنجح في استيعاب كلماته أو الاستفادة منها.
صرخت بهم بغضب يتحرك في شرايينها، ولعل كلماتها كانت بمثابة صرخة تحذير للجميع، وقالت: 
"تفهموني إيه؟ تفهموني أني لتاني مرة هعيش نفس شعور الخذلان، تفهموني أني مجرد بديل لكل واحد فيكم، ليه مصممين تكسروا فيا؟ أنتوا بتعملوا فيا كده ليه، ده حتى الضرب في الميت حرام!"
اقترب سلطان منها، كأنه يحاول الاقتراب من إنسانية مشوشة، وقبل أن يتكلم، حركت أصابعها أمامه بتحذير وكأنها تتلافى سيطرة طوفان مشاعرها، قائلة: 
"أنت تخرس خالص، أنت سبب كل وجع عايشة فيه لحد دلوقتي، أنت أساس قهرتي، أنت عذابي وكسرت نفسي."
اقترب غريب منها، عابساً في محاولته لتقصي مشاعرها المتأججة، وقال بحذر: "ترنيم، أرجوكي، اهدي، أنا مقدر حالة الانفعال اللي انتي فيها بس ادينا فرصه نفهمك." 
كانت نبراته مليئة بالقلق، فقد أدرك أن هناك جروحاً عميقة لا يمكن تجاهلها وأن كل كلمة قد تؤدي إلى المزيد من الألم، حاول أن يضع نفسه في مكانها، لكنه كان يعلم أن ذلك لن يكون كافياً لفهم عمق معاناتها.
حركت رأسها بالرفض، وكان وجهها مشحوناً بالعاطفة التي تجمع بين الخوف والغضب، وتكلمت بصوت موجوع، وكأن الكلمات تخرج بصعوبة من جرح مفتوح: 
"مبقاش فيه كلام تاني يتقال، طلقني يا غريب." 
كانت هذه الكلمات كالسهم الخالص، تحمل معها كل ما عانته من مشاعر مهانة ووجع، تخيلت نفسها وهي تعيش بدون أي قيد يربطها به، ورغم أن الفكرة كانت مخيفة، إلا أن الخوف من البقاء في هذا الوضع فقط كان ينزع منها الراحة. كانت كلمتها صرخات جريحة تتمنى أن تجد من يسمعها؛ بل حتى من يفهم ما تعانيه من كابوس مستمر.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1