![]() |
رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الواحد والثلاثون بقلم نورهان ال عشري
حبيبتي. لو تعلمين كم أتمنى أن اختبئ معك بقلبي و أُغلِق جميع النوافذ و الأبواب حتى لا يتسرب إلينا شيئًا من وحشة هذا العالم الخارجي لأستطيع أن ارتوي من ذلك العشق الذي جفت لأجله مياه عيناي، و أرمم بشهده تلك الحفر و الندبات التي خلفها انتظاري لكِ، و أن هذا القليل الذي أراه منكِ كثير للحد الذي يجعلني أحيا حاملًا بصدري شيئًا رائعًا يُسمى الأمل الذي كان يفر هاربًا من كل طريق أسلكه، واليوم أصبح رفيقي في انتظارك، أعلم بأن عشقي مُخيف، و قلبك الرهيف يخشى جموحهُ، ولكني رجُل كانت حياته عبارة عن ساحة حرب صامتة، وبكِ انتصر، فلا تلومي صبري على غيضهُ، ولا تستهينِ بسلطان الهوى الذي على رجُل مثلي تجبر و اقتدر.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
ـ رحيم أنت متأكد من كلامك دا؟
هكذا هتف خالد ما أن وصل إلى القصر ليجد رحيم في انتظاره في غرفة المكتب ليُجيبه بحدة
ـ إيوا. زناتي حكالي، و كان بيجولي أن بدرية من ليلة الفرح مختفية، و بعدين حوالي على عمتك و أنها في المستشفى أديلها سبوعين من وجت الفرح.
اكتظت ملامح خالد بالغضب الذي تجلى في نبرته حين قال
ـ ليكون الكلب دا أذاها؟
رحيم بغضب لا يقل عن غضب خالد
ـ الله في سماه لو كان جرب منيها لهخليه مداس في رچلين الوتايدة نفر نفر.
زفر خالد الغضب مع ثاني أكسيد الكربون وهو يدور حول نفسه في الغرفة قبل أن يقول بحدة
ـ مليون في المية حصل. هي مش بدرية دي قالتلك أن الوكر دا في كل حاجة حتى المستشفى.
رحيم بانفعال
" ماهو دا اللي مخليني هتچن، و ولد المركوب ده مجاليش إذا كانت بره الزفت ده ولا چوه.
خالد بتفكير
ـ بنسبة كبيرة هتكون بره. عشان لو ركزت هو طول الفترة اللي فاتت دي كان موجود في السرايا بتاعته على غير عادته.
اهتاج رحيم غاضبًا
ـ يا خالد المراجبة اللي من بعيد لبعيد دي مهتوصلناش لحاچة واصل.
قاطعه خالد بحدة
ـ مقدمناش حل تاني. أي غلطة فينا خطر على حياتها، و أنا كنت معترض على الحركة اللي عملتها يوم الفرح من الأساس. عشان معناها أننا عارفين انها معاه.
اهتاج رحيم كالثور الجريح ليهتف بانفعال
ـ جولتلك لاه، و انت عارف تفكيره هيروح بيه لفين يا خالد.
هدأت نبرة خالد قليلًا قبل أن يقول بجمود
ـ احنا في حرب و لازم نحط كل الاحتمالات مش لازم نسيب حاجة للظروف، و مع ذلك هعتبر انك ماشي صح.
زفر رحيم بتعب
ـ اني خابر اللي بتجوله زين. بس دلوك احنا لازمن نتصرف و نعرفو مكان عمتك. اعذرني يا واد عمي في ضيقي و انفعالي. بس ده لحمنا، و اديلها سنين مع المريض ده. معرِفش عِمِل فيها اي؟ و لا حالتها عاملة ازاي؟
حاوطته نظرات خالد الثاقبة قبل أن يقول بفظاظة
ـ مش لوحدك اللي خايف عليها. كلنا كدا. بس الفرق اللي ما بينا انك الوحيد اللي تقدر تساعدها.
فطن إلى ما يرمي إليه خالد ليهتف بانفعال
ـ خالد..
قاطعه خالد بجهامة
ـ محدش بيضغط عليك يا رحيم. انا بحطك قدام اقصر طريق، و أنت حُر.
أنهى جملته والتفت يغادر الغرفة تاركاً خلفه رحيم يُعاني من كلا الابتلائين القهر والعجز.
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ♥️
★★★★★★★★★
أشرق الصباح بنسائمه العليلة لتُداعب عيني جميلته التي كان يُناظرها بأعيُن يلتمع بهم العشق و الإعجاب معًا، فقد كانت جميلة كلوحة بديعة لا يمل المرء من النظر إليها، فهاهو منذ أن استيقظ وهو يستند على مرفقيه يطالعها و كأن عينيه وقعت أسيرة لجمالها الآخاذ و الذي اكتمل حين أفصحت حدقتيها عن قطعتين الزمُرد المتلئلئ بين جفونها ليتأجج قلبه بلهيب العشق الذي جعله يقترب منها على غفلة ليقطف ثمار التوت المنثور بدلال فوق شفاهها ليجرفها سيل من المشاعر العاتية التي غرسها الليلة الماضية بداخلها لتذوب معه في لحظة خاطفة قطعها وهو يتراجع عنها بتمهُل قبل أن يقول بصوتًا أجش
ـ اهي دي بقى الاصطباحة اللي تاخد تمام التمام و عشرة من عشرة و نجمة.
أخجلتها كلماته كثيرًا، فنضج محصول التفاح الشهي فوق ملامحها لتُشرق أكثر، فرفرفت برموشها وهي تقول بخفوت
ـ صباح الخير.
امتدت أنامله تداعب خصلات شعرها و جبينها الوضاح قبل أن يقول بنبرة مُتحشرجة
ـ صباح الورد. نمتي كويس؟
كان لسحره تأثيرًا من نوع خاص جعلها تغفل عن نواياه الخبيثة التي تتخلل استفهامه وتهتف بمرح
ـ بعد المجهود اللي بذلناه امبارح في الفرح، فأنا محتاجة أنام اسبوع قبل ما أجاوبك عن السؤال دا.
لون الخُبث نظراته و ملامحه و نبرته حين قال
ـ طب و المجهود اللي كان بعد الفرح محتاجة راحة بعده قد إيه ؟
توسعت حدقتيها حين وصل إليها مغزى حديثه لتتأرجح الكلمات فوق شفاهها وهي تقول
ـ اااا. أصل. انا. اه يعني نمت كويس، و بعدين بقى صاحية وانا عندي حماس فظيع عشان السفر.
قالت جملتها الأخيرة بحماس و سعادة جعلته يحتضنها بحُب تجلى في نبرته حين قال
ـ فرحتك دي عندي تسوى الدنيا واللي فيها.
لا إراديًا امتدت ذراعيها تعانقه هي الأخرى وهي تقول بحبور
ـ أنت مش متخيل انا حلمت قد ايه ازور المالديف دي. تقريبًا كان من ضمن أحلامي المستحيلة.
اعتدل جالساً وهو يناظرها بأعيُن تُحاكي هيام قلبه بها ليقول بنبرة صادقة
ـ من النهارده مفيش مستحيل. احلمي وانا هنفذ. اعتبريني مصباح علاء الدين. اللي هيحققلك الممكن و المستحيل. أهم حاجة تكوني مبسوطة.
ابتهج قلبها، وتأججت نبضاته من كلماته العاشقة التي تعدها بمُستقبل لطالما حلمت به، و ها هي تخطو إليه بذراعين مفتوحين و أعيُن يغشاها الإنبهار للحد الذي جعلها تندفع إلى أحضانه وهي تهتف بسعادة
ـ بحبك يا كمال بحبك اوي.
منحته هذه الكلمات شعورًا رائعًا لم يعهده من قبل ليُشدد من عناقها وهو يهتف بنبرة عاشقة
ـ حبيبة قلب كمال.
جذبت نفسها من بين أحضانه وهي تهتف بنبرة حماسية
ـ يالا بقى عشان نجهز مش عايزة اتأخر على معاد الطيارة
ضيق عينيه وهو يقول بجدية زائفة
ـ لا يا قطتي احنا لسه مخلصناش كلامنا.
ـ كلام ايه؟
كمال بتخابُث
ـ معلش أصل انا مأجر المُصباح، و صاحبه راجل غتيت يعني و مُستغل، وبياخد ضرايب قد كدا، و مُصر أن الدفع يبقى مُقدمًا.
أدارت وجهها إلى الناحية الأخرى تحاول قمع ضحكاتها قبل أن تقول بسخرية
ـ لا والله. بقى هتحققلي المستحيل والممكن و سيادتك مأجر المُصباح.
داعبها قائلًا
ـ حكمة ربنا اعترضي بقى.
حاولت الإفلات منه وهي تقول بمُزاح
ـ طب نجهز الأول و نشوف الموضوع دا.
جذبتها يديه بغتة لتستقر بثقلها بين جنبات صدره، وهو يقول بنبرة استفحل بها العشق و الرغبة
ـ بنقول الدفع مُقدمًا، و الراجل غتيت قدر موقفي يا عم
ـ كمال بقى.
طافت عينيه على ملامحها بعشق تجلى في نبرته حين قال
ـ و أنت حلو. حلو أوي.
أنهى جملته و اندفع يعانق ضفتي التوت خاصتها بشفاهه ليأخذها معه إلى عالم من الخيال الذي ضمهمَ وحدهمَ ليجعلها تتذوق معنى الحب الذي يُكنه لها، وقد كان عاشقًا مُراعيًا بطريقة لم تتخيلها جعلها تشاركه هيامه لتُسلم نفسها الى لُجة العشق التي جرفتهم و التي امتدت لوقت طويل حتى كاد أن يفوتهم ميعاد الطائرة مما جعل العبوس يلون محياها، و لم تستطِع توديع أهلها في الصباح على عكس كمال الذي بدا كأسد كسول يجلس براحة بعد انتهى من تناول وجبة دسمة لتُجعد ما بين حاجبيها وهي تناظره بسخط جعل ضحكة رائعة ترتسم على شفتيه وهو يقول بسخرية
ـ افردي وشك عشان البوز دا غلط عالطيارة تقع بينا يا ماما.
نجح في زعزعة ثباتها ليلوح القلق في أفُق عينيها و يشوب نبرتها حين قالت
ـ دا كلام يتقال يعني واحنا طايرين في الجو؟
كمال بوقاحة
ـ قولي لنفسك يا هانم. عايزة تجري تطيري من غير ما تقومي بمهامك الزوجية.
برقت عينيها من وقاحة كلماته لتهتف بصدمة
ـ كمال. بطل استهبال.
كمال بجدية زائفة
ـ عاجبك كدا اسافر بالقميص مكرمش. الناس تقول عليا اي؟ دا بدل ما تقومي تكويلي القميص بتاعي عمالة تتخانقي معايا عالصبح.
انكمشت ملامحها بحنق تجلى في نبرتها حين قالت
ـ على فكرة بقى بطل نصب، و أنا أساسًا مبعرفش أكوي، و كمان القميص لسه جديد فين اللي مكرمش دا!
احتدت ملامحه و نبرته حين قال
ـ اهو شايفة الكُم مكرمش ازاي؟!
اقتربت أكثر لترى المكان الذي يُشير إليه في الناحية الأخرى لتتفاجيء به يطبع قُبلة دافئة فوق خدها لتشهق بصدمة وهي تلتفت إليه لتنعدم المسافة بينهما لتجده يقول بنبرة عاشقة
ـ متقلقيش يا حبيبتي انا عامل حساب كل حاجة، و عمر ما في حاجه هتفوتك و أنتِ معايا.
زحف الخجل إلى وجنتيها من فعلته، و لكن تدليله لها كان أكثر شيء يترك صدى بقلبها لذا تراجعت إلى الخلف لتقول بدلال
ـ على فكرة بقى انا مش هصدقك تاني.
امتدت يده تحتوي كفها الذي طبع على باطنه قبلة دافئة قبل أن يقول وهو يستند برأسه على المقعد خلفه يناظرها بحُب
ـ وأنا مش هبطل اضحك عليكِ عشان أشوف ضحكتك الحلوة دي.
توسعت ابتسامتها وهي تناظره و سرعان ما أخذ يُحدثها في أمور كثيرة عن عائلته و مواقف طريفة حدثت معه إلى أن وصلوا إلى المكان المنشود والذي كان غاية في الجمال و منه إلى ذلك الكوخ العائم في المياة، والذي كان مُبهرًا من الخارج لدرجة أن دقات قلبها كانت تضرب بعُنف داخلها من فرط الحماس الذي تضاعف حين دلفت إلى الداخل و رأت مدى جماله الداخلي، فلابد أن هذا المكان كلف زوجها ثروة، ولكن الجمال الحقيقي كان في هذا التزيين الرائع الذي زُين به المكان من أجل استقبالهم، وهذه المشاعر العميقة التي ظهرت في تنسيق هذه الورود الباهظة الثمن، و التي دون بها اسمها على أحد الحوائط و فوقه أُحِبُك باللغة الإيطالية
ـ Ti amo, signora ـ أُحِبُك سيدتي.
اقترب يحتضنها من الخلف وهو يُردد هذه الجملة بنبرته الرخيمة التي زعزعت ثباتها بقوة و حفرت بقلبها شعورًا رائعًا لم تستطٌع نسيانه طيلة حياتها و خاصةً حين دفن رأسه في عنقها لتُشدد هي من احتضان ذراعيه المُحيطان بها وهي تقول باستفهام
ـ اشمعنى اللغة الإيطالية ؟
نقش حروف إجابته فوق جدار عنقها حين قال
ـ في مقولة إيطالية مشهورة بتقول
Il vero amore non si può comprare né vendere, ma viene donato ed è la cosa più bella che la vita possa darti
معناها أن الحب الحقيقي لا يُباع ولا يُشترى بل يُمنح، وهو أعظم ما قد تمنحك الحياة، و فعلًا أنتِ أجمل منحة من الحياة ليا.
امتدن يديه لتُعيد أحد خصلاتها الهاربة خلف أذنها وهو يُتابع
ـ إيطاليا أكتر مكان بحبه بعد مصر، و كمان الإيطاليين بالنسبالهم الحب دا رقم اتنين عندهم بعد الجواز، يعني لما بيحبوا اوى بيتجوزوا
اتسعت ابتسامته قبل أن يُضيف
ـ وانا كمان مكنش سهل عليا اني اخد خطوة الجواز دي غير لما قابلتك.
كلماته جعلت حوافر الذنب تبدأ بالنبش في جدران قلبها، وهي تُذكرها بنواياها تجاهه، و بأي عيناً كانت تراه، وبالرغم من إدراكها من أنها وقعت في عشقه، ولكن يبقى الذنب زائرًا غير مرغوب به داخل قلبها، و أيضًا هُناك صوت الضمير الذي أطلق استفهامًا مؤلماً على عقلها
" ماذا لو علِم بأمر الماضي؟ "
زحف الحزن إلى ملامحها و اكتظت عينيها بالعبرات لتمتد يديه وتكوب وجهها بين راحتيه وهو يهتف بلهفة
ـ مالك يا حبيبتي ؟ تعبتي من السفر ولا اي؟
كانت حُجة أنقذتها من الانهيار بين ذراعيه طالبة الصفح لتُجيبه بأنفاس مُتهدجة
ـ فعلًا السفر تعبني، وحاسة اني محتاجة ارتاح.
نثر عشقه فوق جبهتها قبل أن يقول بوضع يد خلف ظهرها و الأخرى أسفل ركبتيها ليحملها برفق وهو يقول بحنو
ـ تعالي كلي و نامي شويه عشان ترتاحي و بعدين نبدأ البروجرام بتاعنا.
وضعت رأسها فوق صدره وهي تُشدد من احتضانها له، وكأنها تخشى أن يكُن مُجرد حلم رائع قد تستيقظ منه يومًا و لكنه كان دائمًا يصد عنها هواجسها، فقد قام بوضعها على الأريكة وهو يُقرب الطاولة الموضوع فوقها صينية الطعام الفضية والتي كان عليها أصناف كثيرة لم تكُن تعرف معظمها ليمد يديه إلى أحد الأطباق ليطعمها بترو وهو يقول بتوضيح
ـ دي تونة الأكلة الوحيدة اللي ممكن تاكليها و متتعبكيش. لحد ما معدتك تهدى و بعد كدا نجرب كل الاكلات اللي هنا أيه رأيك ؟
ما بال هذا الرجُل الذي يتفنن في تدليلها و غمرها بالعشق و الحنان الذي لم تستشعره يومًا في حياتها؟
تساقطت بعض قطرات الدمع من بين مآقيها تأثرًا لما يفعله لتلامس إحداهما كفه، فإذا به يهتف بلهفة
ـ مالك يا حبيبتي ؟ في حاجة حصلت ضايقتك ؟ المكان هنا مش عاجبك! نروح مكان تاني فوراً.
امتدت يديها تحتضن يديه وهي تُطمأنه قائلة بنبرة مُتحشرجة
ـ كمال. المكان هنا حلو، وكل حاجة حلوة لدرجة اني مش قادرة أصدقها.
لوهلة احتلت الشفقة قلبه تجاهها، فهو وحده يعلم كيف عانت في طفولتها مع هذا الفقر المُدقع الذي كانت تحيا به ليقوم برفع كفها المُمسك بكفه وهو يُلثمه برقة قائلًا
ـ صدقي يا حبيبتي. عشان دا الواقع بتاعك من هنا ورايح.
رغمًا عنها أفصحت عينيها عن عبرات غزيرة جعلته يهتف باسمها مُندهشًا من مدى تأثُرها
ـ للدرجادي يا آسيا؟
اقتحمت ومضات من الذاكرة عقلها وهي تتذكر بعض المواقف الصعبة التي مرت بها لتقول بنبرة مُتحشرجة
ـ مش فكرة كدا. بس انا لحد قريب أوي الحلم بالنسبالي كان رفاهية. أهلي ناس طيبين بس الحياة مكنتش سهلة. مكنتش سهلة أبدًا، و مكنش في أي اختيار غير انك ترضى بالموجود حتى لو كان شبة معدوم.
كانت تحاول عدم الخوض في هذا الأمر وبالرغم من أنها كانت شخص يُجيد التحكُم في انفعالاته، ولكنها لم تستطِع حجبها هذه المرة، و لا تقمُص شخصيتها التي منذ البداية تحاول فرضها عليه، فهي لم تستطِع الاعتياد بسهولة على كل هذا البذخ و الرفاهية و الحب الذين يقدمهما كمال بإسراف ليحاول تدارك الموقف قائلًا
ـ اللي فات عدى، و أنتِ بالرغم من كل حاجة أنتِ اتغلبتي على كل دا و تفوقتي وعملتِ لنفسك كرير، و وصلتي لمكان ناس كتير ظروفها كانت أحسن منك بمراحل مقدروش يوصلوله.
كلماته غزت و بقوة وحش الذنب الذي كان ينهش في قلبها لتجده يصمت لثوان وهو يناظرها بأعيُن يلتمع بهم الفخر الذي تجلى في نبرته حين قال
ـ أنتِ بطلة يا آسيا. عافرتي و نجحتي لازم تكوني فخورة بنفسك. انا محبتكيش عشان جمالك بس. لا. أن حبيت قوتك و ثقتك بنفسك، واعتزازك بيها، وعشان كدا ربنا كافئك بأنه حققلك أكتر من اللي كنتِ بتحلمي بيه.
تمسك عقلها بهذه الكلمات التي من شأنها أن تُخدر ضميرها ولو قليلًا لتمتد يديها و تتعلق برقبته وهي تحشر نفسها بين أحضانه قائلة بلهفة
ـ صح. أنت عندك حق. ربنا كافئني عشان عارف انا تعبت قد ايه.
اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره♥️
★★★★★★★★★★
مر الليل عليه كحبل من الشوك الذي ينغز بقلبه في كل دقيقة تمر عليه وهو ينظر إلى نافذة غرفته التي تمكُث بها إمرأة فتحت نوافذ قلبه على مصرعيها ليحتل النور جميع انحاءه ثم عادت و اغلقتها بكُل عُنف في وجهة ليعُم الظلام ثنايا قلبه من جديد.
زفر بقوة و هو يلوم نفسه كونه أوقعها في مصيدة العشق الذي لم يكُن يحسب له حساب ولم يكُن مُستعدّا لخوض الغمار من أجله. لتتغلب عليه أنانيته و يُقحمها هي الأخرى معه، و ها هو يقف الآن مُمزق بين قلبه الذي يشتهيها وعقله الذي يتبرأ منها كونها تتنافى مع معتقداته البالية التي كان يرتديها كجلد ثان له، فها هو كالمجذوب يتقدم في طريقة إليها للإعتذار، و سرعان ما يتراجع مؤة أخرى لمعرفته بأنه لن يستطِع تقديم الترضية المُناسبة لها. بالإضافة إلى كبرياء أهوج يئن عليه وهو يُذكره برفضها له، فيجز على أسنانه غاضبًا من نفسه وقلبه ومنها، و هكذا قضى الليلة فريسة لمثلث الرعب هذا قلب عاشق، و عقل مريض، و كبرياء أهوج، وقد تجلت معاناته بوضوح على ملامحه، وهو يتوجه إلى الداخل و منه إلى غرفتهم لا يعرف ما الذي سيقوله و ما الذي سيفعله ولكنه لا ينوي البقاء صامتاً أبدًا و خاصةً على إهانتها المُتعمدة له أو هكذا كان يقنع عقله بأنه لم يشتاقها أو يشعُر بالقلق عليها من شجارهم البارحة.
قام بفتح باب الغرفة ليتفاجأ بها خالية منها بل من الواضح أنها لم تبيت بها الليلة الفائتة فالفراش كما هو لم يُمس، وهُنا غاب عنه كل شيء إلا من شعور مقيت بالذعر يجتاحه وهو يظُن بأن أحدهم قد مسها بسوء ليندفع إلى الخارج وهو يهتف بصوت جهوري تنتابه اللوعة
ـ شروق.
لم ينتظر الإجابة من أحد، فقام بالتوجه إلى غرفة جدته وقلبه يتوسل للخالق بأن تكون هُناك ليقوم بفتح الباب دون طرق ليجدها نائمة بجانب جدته التي كانت مُستيقظة لتهتف بلهفة
ـ في ايه يا عمر ؟
لم يُجيبها فقد كانت أنظاره مُنصبة على هذه التي تنام بعُمق وهي تتوسط أحضان جدتها ليُغمض عينيه براحة قبل أن يتقدم ليقف أمام جانبها من السرير وهو يمد يده ليلامس خصلاتها بأنفاس مقطوعة بسبب هذا الشعور المروع بفقدانها ليقول أخيرًا بجمود
ـ نايمة جنبك من امتى؟
تفهمت سعاد الوضع لتقول بنبرة جافة
ـ من بالليل. جت قالتلي خديني في حضنك. الظاهر كدا كانت خايفة أو زعلانة.
لأول مرة منذ أن دلف إلى الغرفة يرفع أنظاره عنها ليطالع جدته باستفهام قائلًا
ـ ليه بتقولي كدا؟
سعاد بعتب
ـ عشان كانت بتعيط وهي نايمة. شروق مالها يا عمر؟
آلمه قلبه كثيرًا ليزفر بقوة قبل أن يقول بجفاء
ـ مفيش. شدينا مع بعض شوية.
سعاد بحدة
ـ و ياترى بقى ايه السبب؟ أصلي بصراحة حاسة انكوا شادين من قبل الفرح بالدليل انك ولا قربت منها حتى واقف بعيد عينك هتطلع عليها و مش قادر تقرب. قولت يا بت أكيد شروق مزعلاه اوي. لكن لما شفتها امبارح وهي جاية تترمي في حضني زي العيلة الصغيرة قولت يبقى الغلط من عندك، ودا انا مش هسمح بيه يا دكتور.
انكمشت ملامحه بغضب تجلى في نبرته حين هتف
ـ دا اسمه ايه دا ان شاء الله ؟
سعاد بصرامة
ـ اسمه اني مش هسمح لحد يقرب من بنات بنتي حتى لو كان الحد دا انت، ولو لاقيتك مش جدير بشروق انا بنفسي هخليك تطلقها.
برقت عينيه من حديثها قبل أن يغزوها الغضب و الشراسة التي تجلت في نبرته حين قال
ـ خلي بالك من كلامك يا سعاد هانم انا مفيش بنت في الدنيا كتيرة عليا، و لا أنتِ ولا اي حد هيجبرني أطلق شروق ولا حتى هيبعدني عنها إلا لو انا عايز دا.
حين انتهى من كلماته تفاجيء بزوج من العيون السمراء التي كانت تُشبه ليل طويل حالك خاصمته نجومه. ليتقدم نحوها بغضب ليقوم بحملها بعُنف من فوق السرير و كأنه يؤكد على صحة حديثه إلى سعاد التي طالعتهم بصدمة كان لشروق نصيب كبير منها، والتي لم تفطِن إلى ما يحدُث إلا عندما سمعت باب الغرفة يُغلق بقوة وبنفس القوة وضعها على مخدعهما ثم رفع يديه إلى أعلى رأسها يُكبلهمَ بقبضته الحديدية وهو يقول بحدة
ـ و أنتِ بقى اسمعيني كويس. الهبل اللي حصل دا مش هيحصل، و اللي اقوله هيتسمع، و محدش فيكوا هيجبرني على حاجة، و الكلام الأهبل اللي قولتيه امبارح دا تنسيه فاهمة؟
هُناك لحظات فاصلة تمُر على الإنسان إما أن يتجاوزها فيحيا حتى لو مات قلبه، أو تهزمه فتموت كرامته و بالمقابل هو.
بالرغم من قسوة الوجع و شدة وطأته في هذه اللحظة ولكنها اختارت أن تحيا بكرامة حتى لو قُتِل قلبها آلاف المرات
ـ فاهمة. أوعى لو سمحت.
تفاجيء بإجابتها و بعينيها التي بدت جامدة إلى حد كبير ليتراجع إلى الخلف وهو يحاول سبر أغوارها، لكنها لم تُعطيه الفرصة بل نصبت عودها و رتبت شعرها أمام أنظاره المصبوبه عليها ثم نظفت حلقها لتبدو نبرتها جامدة ثابتة حين قالت
ـ أنت عندك حق. اللي حصل الفترة اللي فاتت كله كان غلط، و أنا فعلًا ندمانه عليه.
و كأنها هوت بقلبه ٱلى قعر الجحيم ليقاطعها قائلًا بلهفة
ـ لا أنتِ فهمتي غلط انا أقصد..
قاطعته بنبرة صارمة
ـ عمر لو سمحت سبني أكمل كلامي. أنا فعلًا ندمانه على اللي حصل. بغض النظر عن اللي حصل امبارح. بس انا فعلًا مش مرتاحة و يمكن اللي حصل كان دافع اني أتراجع عن الغلط دا.
تخلى عنه كلا شياطينه مُفسحين الطريق لهذا الألم الضاري ليجتاح صدره، فقد كانت كلماتها كالمطارق تدق بأوتار قلبه ليحاول تدارك الأمر قائلًا بأنفاس مقطوعة
ـ أنتِ بتقولي كدا عشان متضايقة مني . ماشي انا عارف اني خبطت في الكلام. بس…
نالت منه مثلما نال منها، ولكنها انتوت الثأر بقسوة تجلت في نبرتها حين قاطعته قائلة
ـ مبسش يا عمر أدي لنفسك فرصة تسمع عشان تفهم. انا مش زعلانه منك ولا من كلامك. انا زعلانه من نفسي.
ـ شروق.
خرج اسمها بنبرة مُلتاعة لم تؤثر بها بل تابعت بجمود
ـ انت صح و بتفكر بالعقل، والعقل بيقول أننا مننفعش لبعض. احنا أصلاً مش شبه بعض و أنا قولتلك الكلام دا قبل كدا. قولتلك انت مش الشخصية اللي في دماغي، ولا الشخصية اللي ممكن تجذبني أو تناسبني. انا بس..
تجاوز الأمر حدود المعقول بالنسبة إليه ليصرُخ بانفعال
ـ شروق انا عبيطة ولا حاجة ؟ هو أنتِ سامعه نفسك . شخصية أيه اللي متناسبكيش ؟
دار حول نفسه كالمجنون وهو يحك مؤخرة عنقه بغضب تحول إلى لوعة تجلت في نبرته وهي يقول
ـ أنتِ ناسية انتِ كنتِ ازاي في حضني؟!
نفضت هذا الذكرى المريرة قبل أن تّطيح بثباتها لتهتف بحدة
ـ أرجوك يا عمر بلاش تفكرني بغلطة انا ندمانه ندم عمري عليها.
عمر بصدمة
ـ غلطة!
ـ ايوا غلطة، وانت عارف كدا زيي واكتر. انا غصب عني شفت كل اصحابي عايشين قصص حب و اتجوزوا حبيت أخوض التجربة مش اكتر، وعشان كدا مش هرمي اللوم عليك لوحدك.
تساقطت القسوة من بين كلماتها التي ينفيها قلبها بضراوة، ولكنه سابقاً أغرقها في وحل الإهانة، واليوم لن تسمح له بتكرارها، وقد أصابت هدفها في مقتل، فقد أخذ يُردد كلماتها كالمصعوق
ـ صح ايوا أنتِ صح. هي كانت غلطة فعلًا. تجربة فاشلة. ياريتنا ما عشناها.
قال جملته الأخيرة بلوعة كادت أن تُزيل هذه الطبقة الهشة عن ضعفها ولكنها استطاعت التماسك لتقول بجمود
ـ ياريت نحاول نتدارك الموضوع وننسى اللي فات عشان منخلقش أزمة جديدة تقف قدام اللي اتفقنا عليه.
كانت لحظة ضعف نادرة لم يستطِع التغلب عليها ليهتف بمرارة
_ أزمة. انا فعلًا في أزمة بسببك.
التفتت الى الجهة الأخرى هربًا من مظهره المُذري الذي يُفتت قلبها لتقول بنبرة يشوبها الأرتجاف
ـ معلش. مضطر تتحمل ماهو مش انا اللي جيت لحد باب بيتك وقولتلك يالا نتجوز عشان كذا كذا، وبعدين سهلة احنا تعتبر أننا مش موجودين في حياة بعض. الموضوع بسيط.
استمد بعض الثبات من قسوتها المُفرطة ليقول بنبرة حادة كالسيف
ـ بسيط! تصدقي صح. حلو اوي دا. اثبتي بقى على كدا.
أنهى جملته والتفت متوجهًا إلى باب الغرفة ليفتحه و يخرج صافقًا إياه بقوة جعلت جسدها ينتفض و ينهار ثباتها الواهي لتسقط فوق الأرضية الصلبة وهي تبكي بطريقة هستيرية، فمقابل أن تحيا كرامتها قامت بنحر قلبها و ساكنه.
انقضى شهرًا كان سعيدًا على البعض ثقيلًا على الآخر، و خاصةً حين علمت من جدتها بذلك الحادث الذي حصل له، فقد نهرها قلبها الذي استفحل الألم به حين رأته من الشرفة بعدها وهو يضع بعض اللاصقات الطبية فوق جبهته، فبالرغم من قلقها عليه ولكنها لم تحاول حتى السؤال عنه، و تابعت المُضي قدمًا في طريقها وهي تأمل أن يأتي اليوم و تستطِع تجاوزه، وقد ساعدها في ذلك هجره للمنزل طيلة الأسبوع المُنصرم إلا من مرة أو اثنتان مر سريعًا و ذهب سريعًا.
أطلقت العنان للهواء الحبيس داخل صدرها، فاليوم هو موعد عودة آسيا من شهر العسل الذي امتد إلى شهراً كانت تتحدث الى صديقاتها يوميًا لتخبرها بأنهم عائدين اليوم، فلأول مرة منذ هذه الحادثة تشعُر بأن هُناك شيء مُبهِج وهو قدوم صديقتها. التي ما أن رأت سيارة زوجها حتى انشرح صدرها و توجهت إلى خارج غرفتها لملاقاتها، و إذا بها تشعر بسهم مُشتعِل يُغرس في قلبها حين رأته يحتوي فتاة بين ذراعيه، و بجانبه كُلًا من نبيلة و هايدي و نظرات الشماتة تتجلى بوضوح في نظراتهم، فتحاملت على آلامها و هبطت الدرج تنوي تجاهلهم ليوقفها صوت نبيلة الخبيث حين قالت
ـ أيه يا شروق مفيش لا سلام ولا كلام مشوفتيناش ولا ايه؟
حاولت جمع أكبر قدر من البرود و اللامُبالاة لتلتفت ناظره إليهم بابتسامة مُنمقة لتتجاهل ذلك الغليظ الذي يُعطيها ظهره و تُجيب نبيلة بجمود
ـ سوري مخدش بالي أصلي مستعجلة شوية.
ما أن استمع الى كلماتها حتى التفت يناظرها بحنق قابلته بالتجاهُل الذي اتقنته لتقول هايدي بسخرية
ـ هو أحنا شفافين اوي كدا !
تصنعت المُزاح قائلة
ـ تقريبًا كدا.
نبيلة بنبرة مسمومة
ـ طب مش تسلمي على الضيوف؟
تجاهلت غضبها من هذه الحية و التفتت إلى الفتاة تقول بنبرة تفوح منها رائحة الكبر
ـ أهلًا.
رمقتها الفتاة بنظرات مُحتقرة قبل أن تقول بنبرة زينت ودها
ـ أهلًا بيكِ انا شاهي أنتِ مين ؟ أنا مشوفتكيش قبل كدا في القصر!
رغمًا عنها تمردت عينيها و رمقته للحظة قبل أن تعود نظراتها للفتاة مرة أخرى وهي تقول بملل
ـ معلش يا شاهي أصلي مستعجله شوية معنديش وقت للتعارف. عن اذنكوا.
اغتاظ من إصرارها عن الخروج بهذه الطريقة، و لهفتها للمغادرة ليخرج صوته جامدًا حين قال
ـ رايحة فين؟
توقفت بمكانها تحاول مجابهة قلبها الغبي الذي اشتاقه حد الجحيم، و كبريائها المهووس الذي يأمرها بامطاره بوابل من السُباب لتقرر إحراقه على طريقتها حين التفتت تناظره قائلة بابتسامة صفراء
ـ معلش يا دكتور مش لازم تعرف. أصله مشوار خاص.
أنهت جملتها و فرت من أمامهم ليلون الجنون معالمه وهو يردد جملتها بغضب مقيت
ـ مشوار خاص!
انتزع يده من يد شاهي وهو يحاول اللحاق بها لتهتف الأخيرة بدلال زائف
ـ عمر رايح فين ؟ و مين دي؟
غافلته الكلمة من فرط غضبه و شوقه أيضًا ليهتف بحدة
ـ مراتي.
انتزع نفسه من جانبها وهو يتوجه بخطٍ سريعة ينوي صب جام غضبه فوقها ليتفاجيء حين شاهد هذا العناق القوي بينها و بين آسيا ليهدأ صدره قليلًا. ليتوجه هو الآخر و يُعانق كمال قائلًا بسخرية
ـ لسه فاكر ترجع دانا قولت أن انت خدتها و طفشت.
شاركه كمال المُزاح قائلًا
ـ والله كان نفسي اطفش من أشكالكوا بس هنقول أي مفيش مفر من العودة للواقع الأليم.
قهقه عمر على مزاحه ليقول بنبرة ودودة
ـ وحشتني يا دبابة والله.
كمال بمرح
ـ و أنت كمان يا دكتور الغبرة. قولي أمك فين؟
ـ في البيت.
كمال بتحذير
ـ اوعى تقولها أن انا جيت.
تشاركا الضحكات سوياً قبل أن يتقدمون تجاه كُلًا من شروق و آسيا التي وجه إليها عمر الحديث قائلًا
ـ مبروك يا آسيا، و حمدلله على سلامتكوا.
آسيا بتحفُظ وهي تصافحه
ـ ميرسي يا عمر.
اقترب كمال يجذب آسيا من خصرها وهو يُمازح شروق قائلاً
ـ معلش بقى يا شروق أصل الحضن دا حصري ليا، وكدا أنتِ بتخرقي اتفاقيات.
زجرته آسيا قائلة بخجل
ـ كمال عيب.
كمال بوقاحة
ـ عيب ايه؟ أنتِ ناسية انك وراكي ضرايب بتسدديها؟
شروق بحرج
ـ خلاص يا آسيا خليكِ مع جوزك انا مسامحة.
كمال بمُزاح
ـ معلش يا شروق جوزك اهو روحي احضنيه و سبيلي مراتي كل واحد أولى بمراته.
تهكم عمر حين رآى الخجل يسيطر على ملامحها
ـ مراته آه..
ـ ايه يا ابني انت وهو واقفين تحضنوا في الجنينة عادي كدا مفيش دم؟
كان هذا صوت خالد القادم من الداخل يمازحهم بطريقته الخشنة ليقترب منه كمال وهو يعانقه تزامنًا مع حديث عمر الساخر الذي كان يتقن تجاهلها و كأنها ليست موجودة
ـ اوبا الوحش بنفسه قفشك. عشان تلم نفسك بس. بقولك ايه يا خال الراجل دا جاي ينشر الفسق و الفجور وسطنا انا لو منك أطرده بره العيلة..
ابتسم الجميع على مزحته ليعانق خالد كمال وهو يقول
ـ حمد لله عالسلامة يا عريس.
ثم التفت يصافح آسيا قائلًا
ـ نورتي بيتك يا آسيا.
آسيا باحترام
ـ الله يسلمك يا خالد بيه.
خالد مُشددًا على حروف كلماته
ـ خالد بس. احنا بقينا أهل.
انشرح قلب كمال من جملة خالد ليقول بحبور
ـ ليك وحشة يا خالد. عارف اني تقلت عليك الفترة اللي فاتت دي في الشغل.
خالد بفظاظة
ـ لا متقلقش مانا هردهالك اعمل حسابك هترجع الشركة من بكرة، وانا هاخد أجازة
كمال بصدمة
ـ طب ليه المعاملة دي طيب؟
قهقه عمر بصخب وهو يقول بصياح
ـ شوف والله احسن حاجة في الوحش بتاعنا انضباطه وأنه راجل مالوش في الهلس.
كمال بحنق
ـ لا وأنت الشهادة لله بتكره الهلس قد عنيك.
عمر قاصدًا مضايقتها
ـ لا طبعًا مين قالك كدا؟ الهلس دا لعبتي. دانا حريف فيه.
كمال بتقريع
ـ طب مش قدام مراتك خلي عندك نظر
لم تغفل آسيا عن نظرات شروق الضائعة لتُكشر عن أنيابها وهي تقترب منها لتحتويها بين ذراعيها وهي تقول بتقريع
ـ والله المفروض لما تبقى معاك واحدة قمر كدا مفروض تعتزل كدا ولا ايه يا مستر خالد؟
خالد بجفاء
ـ مفروض.
حاولت احراجه مثلما فعل لذا قالت بلامُبالاة
ـ لحظة بس مين قال إن انا معترضة على موضوع الهلس دا؟ لا خد راحتك خالص أنا فير اوي على فكرة.
آسيا بسخرية
ـ لا خد راحتك بقى أنت أصلًا مش فارق لها.
عض على شفتيه غاضبًا ليُفاجئه كمال الذي هتف ساخرًا وهو ينظر خلفهم
ـ اوبا اهو الهلس جه لحد عندك برجليه.
التفت الجميع إلى الخلف حين استمعوا الى حديث نبيلة التي اقتربت بخطٍ مُتمهلة و بجانبها كُلًا من هايدي و شاهيندا صديقتها لتقترب الأولى من كمال تعانقه قائلة
ـ حمد لله عالسلامة يا كمال. كدا روحت و قولت عدوللي؟
كمال بمرح
ـ معلش بقى يا بلبلة شهر عسل. احمدوا ربنا اني رجعت أصلًا
كانت هايدي تناظر آسيا بسخط قبل أن تقول بتهكم هي تحتضن كمال
ـ قد كدا الهوني مون كان حلو يا خالو؟
كان الغرور يلون ملامح آسيا التي أتقنت رسم ابتسامة صفراء على ثغرها ليشدد كمال من احتوائها وهو يقول بغزل
ـ طبعًا لازم يكون حلو مش مع حبيبتي!
أن أخفت الملامح الغضب و الحقد لن تستطِع الأعيُن فعلها، ولكنها تجاهلت نظراتهم، و عانقت نبيلة التي اقتربت منها قائلة بخُبث بجانب أذنيها
ـ بانت عليكِ النعمة يا بنت الخدامة.
ـ بانت عليكِ النعمة يا بنت الخدامة.
أصابت الكلمة منتصف قلبها و قلبت جميع ملامحها لتبدو مذعورة، فلم تستطِع حجب الأذى الذي طالها عن ملامحها ليرى كمال ما حدث ويقترب منها وهو يحتويها بين يديه قائلًا
ـ ايه يا حبيبي كويسة؟
رفعت رأسها تُطالعه بصمت دام لثوان قبل أن تحاول تجاوز الأمر قائلة بخفوت
ـ كويسة.
لاحظ خالد ما حدث، و علم بأنه لابد و لشقيقته من تعكير صفو الأجواء لذا هتف بنبرة خشنة
ـ أيه رأيك يا آسيا أنتِ و كمال لو نعزم أهلك على العشاء النهاردة، و نتجمع كلنا سوى؟
التفتت آسيا تناظره بعدم تصديق لتنمحي ابتسامة هايدي الشامتة و تشتد ظلمة ملامح نبيلة التي قالت
ـ كلام ايه دا يا خالد؟
خالد بجفاء
ـ هو انا قولت ألغاز ولا حاجة؟ ما أنتِ سمعتي كلامي.
تحمحمت نبيلة بحرج وحاولت أن تبدو الأمور طبيعية لتقول بتوتر
ـ لا مقصدش. اصل احنا بقينا الضهر وهما جايين تعبانين، و مش عاملين حسابنا يعني!
خالد بفظاظة اربكتها
ـ و أنتِ تعملي حسابك ليه؟ لو عندك ظروف خليكِ في بيتك. الجماعة هييجوا يتعشوا و يسهروا عندنا احنا.
خيم الصمت و التوتر على الأجواء، فقد شعرت نبيلة بالإهانة، و خاصةً حين لمحت نظرات آسيا الشامتة، فقد رُدت كرامتها بأكثر الطرق احترافية لذا هتفت بحبور
ـ حقيقي مش عارفة اشكرك ازاي يا خالد. انا ماما وبابا و أشجان وحشوني اوي، وكنت ناوية اخلي كمال يوديني عندهم النهاردة.
لم يفت عليه ما حدث ليشدد على خصرها وهو يقول بحنو
ـ نامي يا حبيبتي و ريحي وانا بنفسي هروح اجيبهم عشان نسهر سوى كلنا.
التفتت ترمقه بحُب تجلى في نبرتها حين قالت
ـ ميرسي يا حبيبي.
ـ يالا يا ماما عشان نروح.
هكذا تحدث عمر الذي غضب من والدته و من هذا الموقف المُحرج لتهتف آسيا قاصدة إذلاذ نبيلة أكثر
ـ كمال هو احنا ممكن نكلم ياسر ييجي هو و غنى كمان يسهروا معانا. اصل غنى وحشتني اوي.
كمال بلهفة
ـ طبعًا ممكن، وبعدين دا بيتك اعزمي فيه اللي أنتِ عايزاه.
تدخل خالد الذي بالنسبة إليه سارت جميع الأمور في مسارها الصحيح
ـ سيبوا الموضوع دا عليا. كمال خد عروستك و تطلع ارتاح شويه، وانا هروح اجيب الجماعة، و هكلم ياسر.
اندفع خالد في طريقه و كذلك كمال و آسيا اللذان قابلتهمَ ميرهان على الدرج لتحتوي آسيا بنظرات حانقة أخفتها جيدًا وهي ترتمي بين أحضان كمال قائلة بحبور
ـ أبية كمال وحشتني اوي.
عاتقها كمال بحُب وهو يُجيبها
ـ وأنتِ كمان وحشتيني يا حبيبتي.
لون الغضب محياها، ولكنه أتقنت تزييف ابتسامة صفراء على ملامحها حين التفتت ميرهان تصافحها قائلة
ـ مبروك، وحمد لله عالسلامة.
اومأت آسيا برأسها وهي تقول باختصار
ـ ميرسي.
ميرهان بنبرة خبيثة
ـ كان نفسي اقعد معاك أوي يا أبيه بس أنت أكيد جاي تعبان، وأنا ورايا معاد مهم.
لا تعلم لما شعرت بأن هناك خطب ما خلف نبرتها و كلماتها، ولكنها لم تُعلق على الرغم من أنها عزمت على معرفة ماذا خلف هذه النظرات الخبيثة لهذه الحية؟
يارب سخر لي جنود الأرض وملائكة السماء وكل من وليته أمري وارزقني حظ الدنيا ونعيم الأخرة ويسر لي كل أمر عسير وقل لما أريد كن ليكون بحولك وقوتك ورحمتك يا قادر على كل شيء♥️
★★★★★★★★★★
ـ الحلو سرحان في ايه؟
هكذا تحدثت سوزان بمرح لتلتفت إليها أشجان وهي تقول بخفوت
ـ ولا حاجة.
تعلم علم اليقين بأنها تكذب، فقد توطدت علاقتهم جيدًا خلال الشهر المُنصرِم بعد أن أصرت أشجان على العيش في هذه الشقة التي أستأجرتها، ونظرًا لما مرت به فلم يضغط عليها والدها، ولأول مرة تحيا بسلام و هدوء في بيت دافيء يجمعها مع أطفالها، و عمل مُريح مع سيدة تعتبرها مثل ابنتها.
ـ متكذبيش. قولنا عنيكِ بتفضحك.
هكذا تحدثت سوزان بتقريع لتخفض أشجان رأسها قبل أن تقول بهدوء
ـ والله مش حاجة معينة. بس اختفاء أمين قالقني.
سوزان باستفهام
ـ مش هو بعتلك تنازل عن حضانة الولاد، و المحامي قالك أنه سافر مع والدته؟
ـ حصل. بس كل قالقني.
هكذا تحدثت أشجان بقلق لتُصارحها سوزان قائلة
ـ أنتِ مشكلتك لو كان خالد له يد في الموضوع صح؟
لم تستطِع الكذب لتمُد سوزان يدها إليها وهي تقول
ـ تعالي نقعد شوية.
أطاعتها أشجان بصمت لتبادرها سوزان الحديث قائلة
ـ خلينا نتكلم بصراحة في موضوع خالد. أنتِ باين في عنيكِ حبك ليه. حتى لو كان الظرف مش ملائم انك تعترفي بدا. بس على الأقل متنكريش. ايه مشكلتك معاه بقى؟
أشجان بمراوغة
ـ مشكلة ايه…
قاطعتها سوزان بصرامة
_ أشجان. من غير لف و دوران. خالد عندي زيك بالظبط. بالإضافة لأن هروبك منه بالشكل دا مضايقني انا شخصيًا. شهر كل يوم بييجي عشان بس يشوفك من بعيد وأنتِ تهربي و تستخبي. ليه العذاب دا ؟ خالد شخص فوق الممتاز. ميتعملش معاه كدا.
لأول مرة تُفصِح عن عذابها الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ خالد مش شخص فوق الممتاز و بس. خالد دا تقريبًا الحاجة الحلوة الوحيدة اللي شفتها من الدنيا دي. راجل بكل ما للكلمة من معنى. مفيش ست في الدنيا يكون قدامها راجل زيه و تسيبه.
سوزان باستفهام
ـ طيب فين المشكلة ؟
أشجان بنبرة مُلتاعة
ـ المشكلة فيا أنا. بصيلي و بصيله. انا فين وهو فين ؟ انا أيه وهو أيه؟ حطيني جنبه، و هتلاحظي فرق كبير في كل حاجة. خليني أكون صريحة معاكي. بس انا طلعت ولا نزلت بنت الخدامة اللي كانت بتخدم في بيتهم حتى لو اخوه اتجوز أختي بس آسيا أحسن مني بكتير. أنا و لا عندي شهادة افتخر بيها، ولا حتى ملكة جمال الناس حتى ممكن تديله عذره لو افتتن بيا.
محت عبراتها بأنامل مُرتجفة قبل أن تقول بنبرة محشوه بالوجع
ـ أنا ولا حاجة وهو كل حاجة. حرام اظلمه معايا. خالد من البداية وهو مُشفِق عليا و على ظروفي، و وارد جدًا يكون اختلط عليه الأمر. لو فكر بعقله دقيقة واحدة هيعرف أنه غلط، وأنه بيظلم نفسه معايا.
لون الألم معالم سوزان من حديثها الذي يقطر وجعًا مما جعلها تقول بحنو
ـ ليه يا أشجان شايفة نفسك قليلة كدا؟ انتِ جميلة و محترمة ووو
أشجان باستفهام
ـ و أيه؟ مفيش حاجة تانية تقوليها، معنديش حاجة تليق بيه. انا حتى من جوايا مفيش روح. مفيش قلب عنده استعداد يعيش. كل حاجة فيا ماتت. مينفعش أبقى أنانية و اظلمه معايا.
ـ و أنتِ كدا شايفة نفسك بتنصفيني!
شهقت بذُعر حين تفاجئت بصوته القاسي من الخلف، فقد كانت تجلس على نفس الطاولة التي رآها تجلس بها أول مرة في المطعم، فقد أتى ككل يوم يتلهف لرؤيتها، و ابتهج قلبه حين رآها ولكن سرعان ما تكدرت فرحته و تبدلت إلى حزن كبير و غضب عظيم حين استمع الى كلماتها ليتوجه ناظرًا إلى سوزان التي تفاجأت به هي الأخرى وهو يقول بجفاء
ـ سوزان سبينا لوحدنا لو سمحتي.
أطاعته سوزان بصمت، فقد رأت أنه من الجيد تركهم ليخوضوا هذا النزال وحدهم، ولكن لأشجان رأي آخر فقد توقفت تنوي المغادرة لتوقفها كلماته الحادة حين قال
ـ استني عندك. مشبعتيش هروب لحد كدا؟
حاولت نفي هذه التهمة عنها لتقول بتوتر
ـ أنا مبهربش.
شملها بنظرة عميقة اهتز لها قلبها و خاصةً حين قال بنبرة خشنة
ـ يبقى تواجهيني ولا خايفة اقنعك؟
لم يعُد أمامها مفر من المواجهة لتقول بنبرة مُتعبة
ـ أنا مش خايفة من حاجة. أنت سمعت كل حاجة. مالوش لزوم نعيد الكلام تاني.
خالد بجفاء
ـ عندك حق. هو فعلًا كلام مالوش لزوم يتعاد.
رفعت رأسها تطالعه بلوعة تجلت في نبرتها حين قالت
ـ أنت فهمتني غلط على فكرة.
خالد حدة
ـ أنتِ اللي مش عايزة تفهميني.
خرج صوتها عن طور الهدوء لتهتف بانفعال
ـ أفهم ايه؟
ـ اني بحبك.
شهقت قوية شقت جوفها لدى سماعها تصريحه القوي بالحب الذي أصابها بالصمم خاصةً وهو يُزمجر كالوحش الجريح الذي يحاول من أجل آخر فرصة له في النجاة
ـ أنتِ ليه مش قادرة تفهمي أن أنا فعلًا بحبك؟
لأول مرة يكُن قريب منها للحد الذي جعلها ترى لوعة عينيه بوضوح، و عروق رقبته البارزة كناية عن غضبه. على الرغم من أنه كان يفصلهم خطوتين ولكنها توترت للحد الذي جعل حروفها تتقطع وهي تهمس بهذه الجملة البسيطة
ـ لـ. يـ. ـه أ نـ ـا؟
ـ القلب مينفعش يتقاله ليه؟ ليه دي تتقال للعقل اللي بيفكر. إنما القلب بيحب وبس.
هكذا تحدث خالد بنبرة صادقة تحمل من الحسم ما جعلها تقف عاجزة عن الرد ليُتابع هو قائلًا بنبرة تحمل بعض اللين
ـ على فكرة انا قاومت. بس مش عشان الكلام اللي قولتيه دا خالص. لا. دا عشان مكنش من حقي أحس ناحيتك بالإحساس دا.
صمت لثوان قبل أن تتضامن عينيه مع نبرته العاشقة وهو يقول
ـ أنا مكنتش بحس بدقات قلبي دي غير لما بشوفك.
تناحرت دقات قلبها تأثرًا بحديثه للحد الذي جعلها ترتجف وكأنها ورقة في مهب الريح ليُتابع بأنفاس مُتهدجة
ـ كل لحظة ألم شفتك عيشاها كانت بتوجعني يمكن اكتر منك. أول مرة ضربت الحيوان دا قدام الشركة. كنت حاسس اني عملت إنجاز عظيم عايز احكي لكل الناس عنه. عارفة ليه! عشان كسرت الإيد اللي اتمدت عليكِ.
ـ خالد.
خرجت حروف اسمه همسًا من بين شفتيها رغمًا عنها ليُتابع بنبرة موقدة بلهيب العشق
ـ كل مرة كنتِ بتقوليلي لا. كانت وكأنك بتحفري اسمك جوايا أكتر. بتضاعفي حبي ليكِ أكتر. بتملي قلبي وعيني أكتر.
ضحكة ساخرة انفلتت من بين شفاهه وهو يقول
ـ تعرفي ان انا حسدته، وكنت بتمناله الموت في اللحظة مليون مرة، ولو كان طلب كل شيء بملكه في الدنيا دي، و في المقابل هتكوني أنتِ ليا مكنتش هقول لا.
أطلق زفرة حارة من جوفه المُحترق قبل أن يقول بنبرة خشنة
ـ نفسك اللي بتستقلي بيها دي. بالنسبالي في كفة و الدنيا دي كلها في كفة.
كان الأمر يفوق قدرتها على الحديث ليتفشى الألم بملامحها و تكشف عينيها عن مكامن الخوف داخلها لتهتف بنبرة مُهترئة من فرط الأسى
ـ أنا معنديش حاجة واحدة أديهالك يا خالد.
احتوتها عينيه بضمة غير ملموسة ليُجيبها بهسيس خشن
ـ كفاية عليا أنتِ.
أصابت كلماته أوتار قلبها المُلتاع لتُفصِح أكثر عن مقدار التلف الذي أصاب روحها
ـ إزاي ؟ مش لازم الجواز يكون في تكافؤ؟ أنت هتديني حاجات كتير أوي. اسم و فلوس و مكانة إجتماعية. بس في المقابل أنا هديك أيه؟
اهتزاز جفونها من فرط ما تحمله من عبرات، و رجفة شفتيها وهي تتحدث بالإضافة إلى ملامحها التي يسطو على جمالها ألم كبير كل هذه أشياء نالت من قلبه بضراوة، ولكنه عزم و بقوة على رتق جروحها و ترميم هذا الصدع في منتصف قلبها لذا تحدث بنبرة جادة
ـ دا شيء طبيعي بيديه أي راجل لمراته. مش مِنة ولا فضل منه.
عبأ صدره بالهواء النقي قبل أن يقول باستفهام
ـ أشجان قوليلي هو الراجل بيكون محتاج أيه من الست؟
استغرقت ثوان تحاول استيعاب سؤاله الذي لم يُسعفها عقلها في الإجابة عليه لتهتف بخفوت
ـ يعني. معرفش بالظبط..
تآزرت ملامحه وعينيه ونبرته و كلماته في وصف ما يحمله بقلبه لها حين قال بتمهُل
ـ سكن، بيت، حياة. دي الحاجات اللي الراجل بيحتاجها من الست، و مش أي ست تقدر تدي دا.
أصابتها إجابته بحمى الإرتباك لتهتف بتلعثُم
ـ خالد. اسمعني.
اقترب منها وهو ينحني قليلًا لوصل خيط النظرات بين عينيه و عينيها لكي تستشعر إلى أي مدى هو يهواها ثم قال بنبرة خشنة
ـ مش أي ست تقدر تكون السكن لجوزها، ولا يبقى حضنها هو بيته، و مش كل الأيام اللي بتمر علينا نقدر نعتبرها حياة. الحياة هي اللحظات اللي بيكون الإنسان فيها مرتاح، وانا ماليش حياة ولا راحة من غيرك.
التف ضماد كلماته و بلسم مشاعره حول جراحها لتُخفف كثيرًا من هذا الألم الذي يعصف بها منذ سنوات، فلأول مرة يرى عينيها صافية بهذه الطريقة، فقد انمحت غيوم الحزن من سمائها ليرى بوضوح وهج الزمُرد الذي يتلئلئ بين جفونها بالإضافة إلى ابتسامة هادئة ظللت ثغرها ليهمس بهسيس خشن
ـ أفهم من كدا اني خلاص نولت الرضا؟
اتسعت ابتسامتها و هبطت بقايا العبرات العالقة في مقلتيها قبل أن تقول بخفوت
ـ أنا مش عارفة اقولك أيه؟
يكفيه هذا الشعور بالراحة الذي تسلل إلى قلبه في الوقت الحالي ليقول بنبرة خشنة
ـ هقولك أنا تقولي أيه بس مش دلوقتي. أسبوعين من النهارده و هنقول احلى كلام بس الصبر.
تبدل حالها من السعادة إلى الخجل لتنمحي بسمتها و يحل محلها العبوس لتهتف بتلعثُم
ـ عن اذنك. أنا ورايا شغل كتير.
لونت ابتسامة عذبة ملامحه قبل أن يهتف بحبور
ـ طب استني. هقولك.
ناظرته بريبة ليقول بنبرة خشنة
ـ كمال و آسيا رجعوا النهاردة من شهر العسل. عقبالنا.
شهقت بخجل تجلى في نبرتها وهي تقول
ـ أية؟
خالد بتهكم
ـ لا متخديش في بالك. المهم. احنا اتفقنا انكوا هتيجوا تسهروا معانا النهاردة و هنتعشى سوى كلنا .
أشجان بلهفة
ـ لا طبعًا انا مش هاجي.
اقترب منها عدة خطوات وهو يناظرها بوعيد تجلى في نبرته حين قال
ـ أولًا مطلبتش رأيك. ثانيًا هتيجي، وانا هاجي أخدك ونروح نجيب الجماعة. ثالثًا بقى و دا الأهم لازم تجيبي الولاد معاكِ عشان اعرفهم على رنا، و بالمناسبة أنتِ وحشتيها أوي و من يوم الفرح وهي بتسأل عنك، و هتزعل لو مجتيش.
تولى القلب دفة القيادة التي غادرها منذ زمن لتجد نفسها تقول بنبرة رقيقة
ـ و أنا مقدرش على زعلها.
فطنت لما تفوهت به لتسارع بالهروب من أمامه غافلة عن عينيه التي غلفها العشق الضاري الذي يجتاح قلبه لأجلها.
اللهم يا مسهل الشديد، ويا ملين الحديد، ويا منجز الوعيد، ويا من هو كل يومٍ في أمرٍ جديد، أخرجني من حلق الضيق إلى أوسع الطريق، بك أدفع ما لا أطيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم♥️
★★★★★★★★★★
ـ غنى هو انا ينفع اتكلم معاكِ ؟
هكذا هتفت روضة التي لحقت بغنى إلى الأعلى ما أن رأتها وحدها لتلتفت إليها وهي تقول باندهاش
ـ تتكلمي معايا انا؟
ـ أيوا، و اوعدك اني مش هاخد من وقتك كتير.
اومأت غنى بصمت لتتوجه كليهما إلى غرفة النوم و منها إلى الأريكة لتناظرها غنى بهدوء في انتظار أن تبدأ بالحديث فاخفضت رأسها تحاول أن تُمسِك طرف خيط يُمكنها البدأ منه، وفي النهاية اختصرت الطرق قائلة
_ انا أسفة يا غنى.
رفعت غنى أحد حاجبيها باندهاش تجلى في نبرتها حين قالت
ـ نعم!
روضة بأسف حقيقي
ـ أنا من وقت اللي حصل يوم صباحيتكوا وانا ضميري مأنبني عشان حسيت اني السبب في اللي حصل معاكوا.
احتارت كثيرًا من حديثها وعن مدى صدقها، فأمعنت النظر في عينيها و ملامحها حتى ترى اي لمحة كذب أو زيف ولكن على عكس المتوقع لم تجد ، فشعرت بأنها صادقة، وبالرغم من ذلك فهي لن تأمن لأي شخص مرة أخرى لذا قالت بجمود
ـ اللي حصل بيني وبين ياسر محدش له دخل بيه، و لو كنتِ بتعتذري عن الكلام اللي قولتيهولي يوم الفرح، فخلاص انا نسيته، و ياريت أنتِ كمان تنسيه.
كانت تُشير إلى مشاعرها تجاه زوجها لترى الألم في عيني روضة التي اهتزت جفونها من ثقل ما تحمله من عبرات و تحشرجت نبرتها حين قالت
ـ متقلقيش من ناحيتي. انا فوقت خلاص. المهم انك متكونيش زعلانه مني.
شعرت ببعض الشفقة عليها، وما ان أوشكت على الحديث حتى تفاجئت من ياسر الذي دلف إلى داخل الغرفة ليتجمد بمكانه وهو يطالع روضة بريبة لتهب الأخيرة من مقعدها وهي تقول بحرج
ـ طيب يا غنى نكمل كلامنا بعدين.
تفهمت غنى شعورها بالحرج خاصةً حين رأت نظرات ياسر المُرعبة لتقول بنبرة لينة
ـ ماشي يا حبيبتي.
كانت جملة بسيطة ولكنها جعلتها تُدرك بأن الأمور تسير على ما يرام بينهم لتتوجه روضة إلى الخارج مروراً بياسر الذي ما أن أغلقت الباب خلفها حتى استفهم بنبرة حادة
ـ كانت عايزة اية المرة دي؟
غنى باختصار
ـ بتعتذر عن اللي حصل منها.
ياسر باستفهام
ـ و بعدين؟
غنى بلامُبالاة
ـ عادي. مشيت الدنيا يعني. اعتذرت وانا قبلت.
اغتاظ من تعاملها مع الأمر بهذه البساطة، فهو يغار عليها من نسمة الهواء وهي تصافح من صرحت بحبها له لذا تجاهلها وهو يمُر إلى الخزانه ليجلب ملابس نظيفة، فإذا بها تجد بعض قطرات من الدماء فوق جلبابه الذي نزعه و الذي ألقاه أرضًا ليهوى قلبها بين قدميها و تهرول إليه قائلة بلهفة
ـ ياسر. ايه الدم دا؟
تجاهل قلقها وهو يقول بجفاء
ـ مفيش دا حد من الولاد في الشونة اتعور، و الدم طرطش على أيدي.
أوقفته غنى عن الحركة وعينيها ترى الكذب بوضوح في عينيه لتقول بذُعر
ـ متكذبش عليا يا ياسر. حصل ايه ؟
تجمدت نظراته وهو يتذكر ما حدث صباحاً
عودة للوقت الحالي
ـ أهلاً يا ريس. عامل ايه يا غالي؟
هكذا تحدث عماد الذي دلف إلى مكتبه يُحييه و على وجهه ابتسامة عريضة جعلت الدماء تفور في عروق ياسر الذي نظر إلى أحد العمال الذي يقف بقربه وأمره قائلاً
ـ اخرج بره، وخد العمال اللي بره كلهم، واطلعوا اشربوا شاي على ما ابعتلكوا.
أطاعه العامل وتوجه إلى الخارج ليتوقف ياسر و هو يتبعه ليقوم بإغلاق باب مكتبه بالمفتاح وسط نظرات عماد المدهوشة فهتف باستفهام
ـ ايه يا ابني في ايه؟
شمر ياسر عن أكمامه وهو يقترب منه قائلًا بوعيد
ـ هتعرف مستعجل ليه؟
لم يكد يّنهي جملته و إذا به ينقض على عنق عماد ليمسكه من تلابيبه وهو يقول بانفعال
ـ بقى يا واطي يا حقير. تدخل بيت صاحبي اللي مات و ساب أخته وأمه أمانه في رقبتي، و تضحك عالبت و تقرطسني.
أنهى جملته وقام بتوجيه عدة لكمات لوجه عماد الذي سالت الدماء حارة من انفه، فهو لم يتوقع أن يعرف ياسر بهذا السر الكبير الذي ظن بأنه أخفاه جيدًا، و أنه لن ينكشف أبدًا، ولكن خاب ظنه وها هو ياسر يناظره باحتقار و غضب تجلى في نبرته وهو يقول
ـ رد عليا يا جبان ساكت ليه؟
عماد بتلعثُم
ـ الشيطان غوانا يا ياسر. بس والله العظيم انا اول ما ظروفي سمحت اتجوزتها ماهو كل حاجة كانت على يدك.
وجه لكمة قوية إلى عينيه اليسرى وهو يقول بصُراخ
ـ اه يا واطي. بقى الموضوع بالبساطة دي؟
عماد بصياح بعد أن آلمته لكمات ياسر
ـ خلاص بقى يا ياسر سبني. أنت بتتكلم في ماضي فات انا دلوقتي متجوزها و معايا منها عيل والتاني جاي في الطريق.
ياسر بنبرة مقهورة
ـ يا كلب. انا اللي شيلت شيلتك، ودفعت تمنها قهرة و عذاب لسنين.
عماد بعدم فهم
ـ تقصد ايه؟ انا مش فاهم حاجة؟
قام بدفعه إلى المقعد بقوة مما أدى إلى سقوطه أرضاً وهو يهتف بنبرة جريحة
ـ الهانم مراتك راحت لغنى و قالتلها أن أنا أبو اللي في بطنها، و وقعت بيني وبينها.
برقت عيني عماد من حديث ياسر الذي جمد الحروف فوق شفاهه لثوان قبل أن يقول بخواء
ـ إزاي الكلام دا؟ أنت متأكد!
ياسر بحدة
ـ أنت هتستعبط عليا! و تعمل فيها مش عارف! اومال مين اللي خلاها تعمل كدا لو مش انت!
هب عماد من مكانه وهو يصرُخ بانفعال
ـ والله العظيم ما اعرف حاجة. وحياة ابني ياسر أول مرة اسمع الكلام دا منك.
زمجر ياسر بشراسة
ـ ولا اعملك قفلة، و اعرف ان الموضوع دا مش هيعدي بالساهل، ولو كانت الهانم فاكرة أنها فلتت بعملتها، و أني مش هعرف اوصلكوا لما تسافروا، فأنا معنديش مانع اروح لأبوك و احكيله وهو يعرف منها ليه عملت كدا ومين اللي وزها؟
عودة للوقت الحالي
ياسر بجفاء
ـ قولتلك مفيش حاجة اعمليلك قفلة أنتِ كمان و متسأليش عن اللي ملكيش فيه.
صدمتها حدته، فتراجعت إلى الخلف وهي تقول بألم
ـ لا انا مش هسأل عن أي حاجة حتى لو ليا فيها يا ياسر.
أنهت جملتها و التفتت تنوي الخروج من باب الغرفة و ما أن فتحت الباب حتى تفاجئت به يُغلقه بقوة وهو يحاصرها بين ذراعيه قائلًا بألم
ـ استني متمشيش و تسبيني.
هالها كم الوجع الذي يحتل نظراته، ولكنه لم يسمح لها بتخفيفه لذا قالت بتعب
ـ سيبني امشي أحسن.
ياسر بنبرة تحترق كمدًا
ـ متمشيش. اوعي تمشي. حتى لو زعقت و كسرت متمشيش.
أسند رأسه على كتفها وهو يقول بنبرة مُمزقة جريحة
ـ أنا جوايا طاقة غضب كبيرة اوي. حاسس اني كاره الناس كلها. معنديش ثقة في حد، و مش قادر اتغلب على كل اللي جوايا.
حاولت رفع يدها لتمسد عضلاته المتشنجة، ولكنها كانت تخشى رد فعله فانزلت كفها مرة أخرى وهي تقول بخفوت
ـ استغفر ربنا. مفيش حاجة هتهديك غير كدا.
همس بنبرة مُتحشرجة
ـ استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم و اتوب اليه.
غنى بحنو
ـ أنا معرفش أنت فيك ايه بس أنت كدا بتحمل نفسك فوق طاقتها.
رفع رأسه عنها ناظرًا إلى عينيها بلوعة تجلت في نبرته حين قال
ـ غصب عني. نفسي اتخلص من كل اللي جوايا. مش قادر. مش هقدر اعمل دا غير لما اعرف الحقيقة.
غنى باستفهام
ـ حقيقة أيه ؟
استرد أنفاسه الهاربة قبل أن يقول بجفاء
ـ مها كانت فعلاً حامل زي ما قولتلك بس من عماد اللي هو جوزها دلوقتي، و لما شفتينا يومها في المستشفى. كانت فعلاً رايحه تنزل الجنين لكن أنا مكنتش اعرف كنت فاكرها راحة تعمل عملية الزايدة.
غنى بصدمة
ـ بتقول ايه؟
ياسر بقسوة
ـ كنت فاكر أن الحقير دا هو اللي قالها تقولك كدا عشان يلبسني شيلته. بس النهاردة اتأكدت أنه مكنش يعرف باللي هي عملته.
وضعت يدها فوق قلبها الذي يئن حين تُعاد أمامه الذكريات المريرة مرة أخرى لتقول بألم
ـ طب وهي ليه عملت كدا؟
ياسر بنبرة قاسية
ـ دا اللي انا لازم أعرفه. عشان أنا واثق انها معملتش كدا من دماغها. اكيد في حد حقير خلاها تعمل دا. بس وحياة ربي لهعرفه و هدوقه من كل القهر و الوجع اللي انا دوقته السنين اللي فاتت دي، و العذاب اللي بعيشه دلوقتي وانا شايفك قدامي و مش قادر أقرب منك.
برقت عيني ذلك الشخص الذي اخترقت كلمات ياسر المتوعدة أذنه ليعلم بأن نهايته اقتربت لا محالة.
اللهم آنس وحشتي وارحم وحدتي يا رب العالمين». - «اللهم ارزقني أصحاب خير وأصدقاء صالحين، أسعد بهم وآنسُ برفقتهم». - «اللهم أزل عنّي ما أهمّني وأغمّني يا رحمن يا رحيم ♥️
★★★★★★★★★★
ـ اشهلي يا حمدية ويالا عشان نچهزو الوكل العمدة چاي بدري النهاردة.
هكذا هتفت نجاة إلى أحد الخادمات، فقد تولت مهام زوجة الكبير في هذا البيت، ولدهشتها لم تجد اعتراض من هذه المرأة الغريبة زوجة عمه بل على العكس تجاهلتها وكأنها لم تكُن موجودة لتتفاجأ بها تدلف إلى داخل المطبخ وهي تناظرها بأعيُن بثت الذُعر إلى داخل قلبها، ولكنها تظاهرت بالإنشغال في عملها ولم تُعطيها أي اهتمام لتقترب منها بخطوات مُتمهلة لتقف بجوارها قائلة
ـ شيفاكي خدتي راحتك في الدوار ولا أكنك عايشة عمرك كلاته اهنه. مش غريبة دي!
نجاة بنبرة جافة
ـ و أية الغريب في أكده يا مرت عمي! الواحدة لو مكنتش تاخد راحتها في دارها هتاخد راحتها فين اومال؟
حميدة بتخابُث
ـ صوح. ده بيتك و كل حاچة. اني بس شفجانه عليكِ. لا تتعودي و بعد أكده تاچي تزعلي لما تمشي من اهنه.
التفتت نجاة تناظرها بخوف حاولت استبداله بالقسوة حين قالت
ـ و ليه الفال الوحش ده يا خاله؟ مين چالك اني ماشية؟ اني جاعدة في داري، و دار چوزي اللي جعدتي تجيلة على جلبه يمشي هو.
حميدة بنبرة يفوح منها الخُبث
ـ وه يا بتي أنتِ فهمتيني غلط ولا ايه؟ أني مجصديش حاجة، ولا دوستلك على طرف من يوم ما دخلتي الدار ولو على الكلمتين إياهم اللي سمعتيهم مني، فاعذريني اني بردو أم و راح مني ضنايا و كبيرة على جلبي أشوف حد واخد مكانه.
التفتت نجاة تناظرها بريبة تجلت في نبرتها حين قالت
ـ تجصدي اي بحديتك ده؟
حميدة بحقد غلفه الحزن
ـ لا هو أنتِ متعرفيش أن رحيم كان متچوز بتي حنان جبل ما يتچوزك؟
دارت الدنيا بها حين سمعت حديثها ولكنها حاولت التظاهر بعكس ذلك حين قالت بجمود
ـ اني ماحبش أسأل في اللي فات، ولا اعرف حاچة عنيه.
استغلت حميدة الفرصة لتقترب منها وهي تتصنع الصدمة قائلة
ـ يا مخبلة أنتِ ماضي اي اللي معوزاش تعرفي حاچة عنيه؟ دا اللي فات ميخصش حد كدك.
خربشت كلماتها فصول نجاة التي قالت مُدعية اللامُبالاة
ـ رحيم مهيخبيش عني حاچة ولو عوزت اعرف جاچة في الماضي ولا حتى المستجبل هسأله ؟ الا لو أنتِ عايزة تحكي في أي حاچة اني سمعاكي.
اغتاظت حميدة من حديثها لتهتف بجفاء
ـ لاه اللي عندي العمدة بتاعك معمروش هيجول عليه.
ـ ما تجولي و تفضينا بجى يا اما مشي وسبيني اشوف حالي.
حميدة بتخابُث
ـ بالرغم من طولة لسانك بس أنتِ زي بتي الله يرحمها، و معيزاش اشوفك مجهورة زيها
نجاة بتهكم
ـ و ايه اللي جهرها المرحومة؟
حميدة بترقُب
ـ اتجهرت لما عرفت أن چوزها حبيبها العمدة رحيم الوتيدي مهيخلفش!
