رواية بيت البنات الفصل الواحد والثلاثون بقلم أمل صالح
تسمرت بسملة في مكانها فوق تلك البقعة التي تقف فوقها، تصلب جسدها و اتسعت حدقتيها بصدمة، ازدادت ضربات قلبها حتى كانت تشعر بخروجه عن جسدها، وبرودة مفاجئة غطت المكان حولها نتجت عن جسدها الذي أخذ يتصبب عرقا.
كل هذا حدث بلمح البصر وفي ثوان معدودة بمجرد أن وقعت عيناها على وجهه الجامد. تعبيرات وجهه لا تشير إلى أي شيء، ثبات غريب يحسد عليها.
تبدل حالها أمام هذا الصمت، عادت خطوة للخلف وازداد الأمر سوءا مع قلبها، أخذت تنظر لكل شيء أمامها عداه هو حاولت ترطيب حلقها الذي جف نتيجة ارتباعها وخوفها وفتحت فمها على وشك أن تنادي باسمه ولكنه التفت وغادر.
نظرت حولها بسرعة وحاولت جاهدة التفكير في أي حل لهذا المأزق، لكن لا شيء! لا تفسير لفعلتها تلك.
لم تشعر هي حتى بذاتها إلا وهي داخل الغرفة، لا تدرك كيف جزتها أقدامها لهنا.
ضغطت على الأكياس بين يديها بقوة وسارعت بالخروج لتلحق به وتخبره بصدق عما حدث لن يفيدها الإنكار بأي شيء.
سارت بخطوات شبه راكضة في ممر المشفى نادته ما إن أصبحت قريبة منه: فجدا
لم يتلفت أو يولها أي اهتمام تابع سيره حتى وصل إلى السيارة ثم صعدها وصفع الباب خلفه بقوة، فما كان منها سوى أن فتحت باب المقعد المجاور بسرعة وجلست بجانيه متحدثة بسرعة ونيرة بها شيء من الرجاء مجد لو سمحت اسمعني قبل ما تح....
قاطعها بصراحه وصوته الغاضب بعينين حادثين تلقيها بنظرات حارقة: تعرفي تخرسي
انتفضت يقزع وعادت يجسدها للخلف منكملة على ذاتها يتوجس اقشعر جسدها وشعرت برغبة عارمة في القرار توا وقبل أن تعاود الحديث استأنف مجد مش طايق أسمع صوتك ولا طابق أشوفك أنت إزاي كدا ١١٢ إزاي قادرة تخوني ثقة أهلك بالشكل المقرف دها
وتوسعت عيناه بدهشة بينما يتابع: في العيلة كلها بينك وبينهم كام أوضة، وأنت بكل بجاحة الدنيا دخلتي وقعدتي ولا كان في حاجة !
كانت دموعها قد بدأت بالانهمار بالفعل تنصت لما يلقيه بوجهها بصمت و رأس منکس بخزی رفعت وجهها تنظر إليه وحاولت الحديث مرة أخرى لتزيح تلك التهم التي يلصقها بها عنها، والله العظيم دخلت بصيت عليه بس والله غصب عني لما شوفته وه.....
والمرة الثانية على التوالي بترت حديثها بسبب صوته الصاحب وهو يهدر به بعينيه الحادة وصوته الغليظ اسكني يا بسملة اسكتي، أنا قرفان منك حقيقي، قرفان
خدمت بسملة بكلمته الأخيرة التي جعلتها تعود لتكورها على نفسها، وظل الوضع هكذا لدقائق. هي تنظر للطريق من النافذة جانيها وعينيها تفيض دمعا وهو يتمسك بالمقود أمامها وصدره يعلو ويهبط بنيران الغضب المتأججة بينما ينظر هو الآخر بجانبه.
شهفت عدة شهقات متتالية مصاحبة التنهيدة قوية أنهت بها بكاءها ورفعت ذراعها تمسح وجهها وعينيها بطرف كمها انخفضت ملتقطة الأكياس التي كانت بجودتها ووضعت يدها فوق مقبض الباب عازمة على الخروج من السيارة
لم ينتبه مجد لحركتها إلا وهي تفتح الباب بسرعة جذبها من ذراعها ومن ذراعه الآخر ليغلق الباب بقوة وهو لازال يعنفها بكلماته القاسية اتنيلي خليك عشان نفور.
رمقته بطرف عينها ينظرة طويلة معاتبة تخبره بكل صراحة ووضوح أن ناتج ما يقول ويفعل ليس بالبسيط، ليس بالهينا
ولم تنطق ببنت شفة أو تعترض انطلق هو بالسيارة وهي بجواره تتطلع للطريق بشرود وعقل. بعيد عن أرض الواقع، بدت له غير مكترثة ولا تبالي ولو رأى ما بداخلها وداخل عقلها الفزعته أفكارها وترتيباتها.
وصلا أخيرا أمام بناية منزلهم، فتحت الباب ما إن صف السيارة، تركت الاكياس التي جاءت بها من المشفى داخل السيارة، فرت منها وكأنها تهرب من شيخ يطاردها.
تابعها بعينيه وهي تلج من بوابة البيت وتصعد السلالم للأعلى، نظر للأكياس التي تركتها ثم نقل بصره ناحيتها من جديد وهو يصر على أسنانه بغيظ، تلك المتبجحة أخطأت ولازالت تتصرف وكأنها المظلومة !
مسح وجهه يعنف وضيق وظل يستغفر الله في محاولة ليتمالك أعصابه وألا يلحق بها ويلقنها الدرس جيدا، وحمل الأكياس هو وصعد خلفها ولا يسمع بالمكان سوى صوت خطواتهم.
فتحت بسملة باب شقتهم ودلفت ثم التفت لتغلق الباب فأوقفها وهو يلقي بالأكياس أرضا أمامها، نظر لها بقوة داخل عينها وتحدث بصوت في نيرة منخفضة ولكنها محتفظة بقوتها وشدتها من هيعدي بالساهل اللي عملتيه ده يا بسملة، صبرك تفوق من اللي احنا فيه ده بس.
انخفضت بجزعها بهدوء وحملت الأكياس ببرود وتربت آثار غيظه ثم اعتدلت من جديد تطالعه بوجه خال من أي تعبير فرماها بنظرة أخيرة حانقة قبل أن يوليها ظهره ويعود ليهبط السلالم الشقيه.
أغلقت الباب والتفت كادت تسمح لتلك الدموع التي كبحتها بالتحرر والخروج عن مقلتيها. كادت تبكي باعلى صوت لديها لتخفف من حدة الألم المنتشر بقلبها.
ولكن صوت والدها وعمها حامد الذي جاءها من الداخل جعلها توقف كل هذا، تحركت للداخل فوصلها صوت والدها الهادئ وهو يقول: زي ما قولتلك يا حامد البنت مكنتش في وعيها ودلوقتي تعتبرها واحدة عيانة مش دريانة باللي بتعمله، مينفعش تروح نحاسبها على حاجة هي اصلا مش فكراها.....
وقبل أن يعترض حامد على هذا الحديث استطرد توفيق عارف والله انها غلطانة، وستين ألف غلطانة كمان والغلط راكبها من ساسها لراسها بس اننا نحاسبها على اللي حصل وهي مش في
وعيها دي مش هتنفع نفعي...
ولجت في هذه اللحظة وألقت التحية سألها توفيق عن حال ترمين فأجابته باختصار تم دخلت غرفتها بعد أن أمرها والدها بذلك كي يتابع حديثه مع حامد بحرية، ولم تكثرت بشأن هذا الحوار الدائر كثيرا أو بتعيير أصح لم تنتبه.
كان عقلها مشتت تراخى جسدها بشدة فصارت تتحرك بصعوبة، لذا ما إن رأت فراشها القت بجسدها فوقه، لم تبكي كما كانت تنوي، لم تنفجر وتلقي بالعبد، فوق صدره بعيدا عن قلبها. اغلقت عينيها فقط وتناست العالم من حولها النفط في نوم عميق.
استغرقها الأمر فقط دقائق معدودة حتى قامت
على غير المعتاد وعلى غير طبيعتها.
بالخارج، عقد حامد حاجبيه فاختفت المسافة بينهما وانكسنت قسمانه فتحدث بالفعال وامتعاض ووجه مكفهر يعني عايزني أعدي الموضوع كدا عادي ؟؟ رمتها بقولك يا توفيق!
اغمض توفيق عينيه بيأس من أخيه الذي لا يقبل فهم الأمر بعد كل هذا التكرار، تنهد وعاد ليكرر ما يقول منذ بداية المجلس والله عارف وفاهم، ومش عايزك تعدي وإن كان عليا عايز أكلها بستاني، نرمين ينتي يا حامد مش بنت أخويا وخلاص ويعلم ربنا أنا زعلانة عليها إزاي، ومنة منتحساسب سواء على القرف اللي كانت بتعمله أو رميها لبنتها زي ما يحيى قال .....
والتقط أنفاسه مستر سلا بس هي اصلا الست دلوقتي ربنا أعلم بحالها، مهما كانت وحشة فهي ام برضو يا حامد و زمان قلبها بيتقطع على بنتها دلوقتي تعدي بس الفترة دي لحد ما نرمين
تبقى كويسة وكله يتحاسب هي أو سلطان.
رفع حامد شفته العلوية باشمئزار ونفور وهو يصيح بس ما تجبليش سيرته الكلب ده مش
طابق ولا سيرته ولا سيرتها، ربنا يجحمهم الاثنين....
تنهد توفيق وعاد للخلف يريح ظهره هامشا بتعب الله المستعان
الحادية عشر والنصف قبل منتصف الليل، سار في ممر المشفى بعد أن نال قسطا طويلا من الراحة في البيت ليعود من جديد ليكون بجانب أفراد عائلته.
مر مجد بغرفة ذلك البغيض - في نظره - عمر فأدار وجهه ونظر الغرفة التي كانت مفتوحة بعد أن توقف عن السير وهو يتذكر ما حدث منذ ساعات وكيف راها وهي تبكي بجانبه متناسية كل شيء حدث.
كانت الغرفة فارغة إلا من ذلك العمر والذي كان متسطحا فوق فراش المشفى ولازال غائبا عن الوعي، تحرك ليصبح داخل الغرفة وأخذ ينظر إليه بشيء من التفكير، ثرى من فعل هذا به؟؟ و اين هي عائلته ؟؟ ولماذا يبدو برينا هكذا كما الطفل الصغيرا
"تعرفه يا أستاذ؟؟"
انتقض مجد انتفاضة خفيفة بفزع لذلك الصوت المتلهف الذي جاء من خلفه فالتفت ليجد في وجهه أحد الأطباء الذي ترقب إجابته.
صمت مجد الواني طالع بها وجه غمر الغافي ثم تنهد يحلق وهو ينظر للطبيب يجيبه أبوة ...
فعلق الطبيب بسرعة : تقرب ليه ايه ؟؟ أخوه؟
حمن بسبب من مجد المقارب لذلك المستلقي فنفى مجد يجيبه: لا أعرفه كدا يعني.
كدا ازاي ؟؟"
وما كاد مجد يتحدث حتى وجده يسترسل محتاجين امضاء حضرتك على ورقة وكمان المريض محتاج أدوية ومراهم معينة، دا غير إنه محتاج رعاية وعناية كبيرة لأنه فقد ده كثير...
نظر له مجد بإستغراب وهو يفكر أن الأمر أكبر مما هو ظاهرا
وكان أول ما نطق به مجد بعد حديث الطبيب هو حصل إيه بالظبط ؟؟
طعنة في جنبه الشمال أدت لإستئصال الطحال وللأسف وصل المستشفى متأخر فاضطرينا لعاقله دمر"
ترك مجد الطبيب بعد أن قام بتوقيع تلك الأوراق بعد تردد كبير من أن يكون ذلك القرار خاطلا ولكن ما سمعه وهيئة ذلك الشاب جعلته مشفقا عليه.
وصل أمام غرفة نرمين فوجد طارق يجلس بالخارج يتحدث بهاتفه بتعابير مرهقة ويبدو من حديثه أنه يحاول مراضاة خطيبته.
بجانبه تجلس منة زوجة عمه سلطان ووالدة ترمين بعد أن نامت وهي تبكي تتمنى رؤية ابنتها التي ترفض ذلك.
تخطاهما وطرق باب الغرفة وبعد عدة طرقات وعندما لم يأته الرد ولج وعينيه بالأرض علهن يجلسن براحة وحدهن، ولكن يالا العجب
ابتسم بسخرية على ذلك المشهد الذي رآه، السيدة وجهية أم البنات وشهيرة والدته كانتا لائمتين على تلك الأريكة الوحيدة بالغربة كل واحدة منهما تسند رأسها فوق يدها وتغفو بسلام.
وعلى السرير تنام نرمين وشاركتها بسنت ذلك السرير الصغير، وكأنه يتسع لفرد واحد حتى
وأخبراء ابنة عمه الكبيرة لدى التي أنهت للتوصلاتها فوقفت تحمل تلك القماشة التي كانت تصلي عليها مبتسمة له: إزيك يا مجد.
نظر للوجوه النائمة من حوله بتعجب تم لها : الله يسلمك دول مين اللي قتلهم كدا؟!
ضحكت بخفة على تعليقه وأجابت وهي تشير على الاريكة التي كانت تنام فوقها هي الأخرى بجانب والدتها وزوجة عمها : كنت مقتولة معاهم من شوية ولسة قائمة عايزة اصحيهم عشان يصلوا لأنهم كدا من المغرب والعشاء فاتتهم بس مش عارفة اعملها إزاي دي بصراحة.
نفى مجد بحزم وهو يتحرك ناحية والدته لا هم لازم يصحوا كلهم ويروحوا عشان بابا وعمي میز عقوش أنا المفروض كنت أبقى هذا من العشا أصلا عشان أروحكم بس كنت نايم....
وحرك والدته يناديها بهدوء كي لا يخيفها : ماما .... ماما ...
شهقت بفزع وهي تنظر حولها تردد بسم الله الرحمن الرحيم
قطب جبينه وحرك اهدا به بسرعة متعجبا لذلك الخوف الغير مبرر ابتسم لها: مساء الخير الساعة 12.
اعقبت ندى على حديثه السابق مستنكرة مينفعش نروح كلنا، لازم حد يفضل هنا عشان ترمين
ابتعد عن والدته التي بدأت تستفيق ورد بإصرار لا طبعا هتروحوا كلكم وهنفضل أنا وأخواتي هناء
ضحكت ندى يا حبيبي والله ما ينفع، لازم حد مننا يبقى جنب البنت!
كانت تحاول أن تبعث له برسالة أنها فتاة وربما تحتاج ليلا لمساعدة وبالطبع لن يساعدها هو أو أحد أخويه ! ولكنه لم يفهم ذلك ولم يخطر بباله.
"أنا مطلع أبن على أبويا واخليه يتصرف معاكم بقى صحوا الباقي ...
واقترب من الباب ينوي الخروج ولكنه التفت فجأة متسائلا: هي جنى فين ؟!!
كانت تجلس أمام محل البقالة المقابل للمشفى، تحرك قدميها المرتفعة عن الأرض وتنظر لهما وهما يحلقان بخفة بشرود، ساكنة على المستوى المرئي ولكن عقلها ممتلئ بضجيج يجعلها ترغب في الإمساك به وضربه في الحائط حتى يهدأ.
تفكر في حديث عثمان عن أمر تقل لسانها، هل يمكن فعلا أن الأمر قد يلازمها ؟؟ هل الأمر خطير لهذه الدرجة ؟!
تتذكر الأيام السابقة والتي كانت جميعها محملة بما لا يسر ولا يسعد، أخبار مفجعة وأحداث صادمة، تشعر داخلها بشيء غير قادرة على تفسيره أو ترجمته شيء يضغط عليها ويجعل قلبها تقيلا بشكل تشعر برغبة ملحة في البكاء ولكن كلما أرادت ذلك لم تستطع ! أهذا هو الكتمان الذي يتحدث عنه ؟؟؟
تنهدت ونظرت حولها، بدأ الطريق بهذا ويفرغ من السيارات وضوضائها، بعض أعمدة النور البعيدة أغلقت كم الساعة يا ترى ؟!
التقطت هاتفها الذي وضعته بإهمال بجانبها ونظرت الوقت فوجدته منتصف الليل بالضبط وقبل أن تعيد القاءه وجدته يهتز بمكالمة من شقيقتها بسملة.
وضعت الهاتف فوق أذنها فأناها صوتها الذي اختلط بأثار النوم ايه يا جنى محدش چه البيت ليه؟ أنا هنا من الصبح ولسة صاحبة ومفيش منكم رجع
فتحت فمها لتجيب ولكن قاطعها استرسال بسملة التي اعتدات في الفراش متسائلة بتوجس ترمین حصلها حاجة ؟؟
"لا، نرم ... مين كو .. كوب .. يسة"
أجابت وهي تجبر لسانها على الحديث شعرت بغصة في قلبها أمام انعقاد لسانها بهذا الشكل. جملة من كلمتين فقط جعلتها منهكة!
عقدت جنى حاجبيها وهي تشعر بضيق في صدرها وقد أرهقها ذلك فأغلقت المكالمة وأرسلت لبسملة رسالة تطمئنها فيها أنهم سيعودون خلال وقت، وأنها ربما تبقى هنا مع من سيبقى رفقة نرمین...
تنهدت للمرة التي تعرف عددها والتقطت زجاجة المياه ووفقت متحركة صوب المستشفى أمامها بالضبط.
"جني!"
رفعت رأسها بعدما كانت تسير وعينها للأرض فوجدته مجد الذي اقترب منها متحدثا: دي ندى قالتلي إنك روحتي
نفت براسها وأشارت المحل البقالة : كنت ... هنا..
أخذ شهيقا طويلا ثم أخرجه قائلا في نصح لازم تشوفي دكتور يا جنی، لازم
وتابعت دا أي شيء يستدعي القلق وما يتسكتش عليه زي ما انت هادية كدا خالص.
اومات له بصمت فتحدث مجد من جديد طارق بيقول إن بابا اخد سامر وعمي من ساعة العشاء وميعرفش راحوا فين، قاله إنهم رايحين مشوار مهم وغالبا الموضوع فيه عما سلطان
أشار بإبهامه للخلف واستكمل: فأنا وهو متفضل هنا وأنت وأخواتك وأمي ومراة عمي روحوا وانا وهو هنفضل هنا ...
نظرت له بغباء وظلت ساكنة ترمقه بعدم فهم فبادلها تلك النظرات باستنكار وهو لا يفهم سببها. وظل الأمر هكذا، ينظران لبعضهما البعض بغياء حتى وجدها تخرج هاتفها لتعبث به ثواني قبل
أن تعرضه امام وجهه.
نظر لما كتبته وردد بصوت عال: أنت عبيط يا مجد ؟؟
قطب جبينه يجهل لما ترمي إليه فعادت لتكتب لتواني أخرى قبل أن توجه الهاتف إليه " وهي نرمین هدیقی تعمل بيك أنت وأخوك إيه لو فاقت بليل وحيث تدخل الحمام مثلا يا حبيبي ؟؟"
قرأ ما كتبت وصمت لبرهة وهو يفكر كيف لم يذر هذا بخاطره ولم يفكر به؟
ابتسم بحرج وأخذ يمسح على مؤخرة عنقه مردفا: ماشي تاهت مني دي الصراحة!
حرکت رأسها بيأس وهي تبتسم عليه في حين تابع هو خلاص ادخلي واتفقوا سوا وشوفي مين هيفضل عشان مينفعش كلكم تفضلوا اثنين بس والباقي يروح
حركت رأسها بالموافقة ثم تحركت للداخل وظل هو في مكانه بعد أن أخرج هاتفه ليتواصل مع أبيه.
على الناحية الأخرى، في بيت "توفيق الهلالي " وبعد أن استيقظت بسملة للتفاجئ بالساعة على مشارف الثانية عشر وأن لا أحد من أفراد العائلة قد عاد بعد التقطت الهاتف بسرعة للتحدث إلى جلی
بعد أن انتهت وضعت الهاتف جالبها ونظرت لسقف الغرفة بخواد تسأل ذاتها بتعنيف "لماذا ذهبت إليه يا بسملة ؟ لماذا لم تتابعي سيرك ؟ لماذا لا تنسينه ؟ لما البكاء عند رؤيته ؟ "
أما يكفيكي حرام سابق؟ أما يكفيكي ذنب واحد ؟ هل أنت بهذا النقاء والتقوى لترتكبي كل هذا في وقت قصير هذا؟؟
انت مقصرة في حق الله عز وجل دون أمر "عمر" ذاك بالفعل، لما لا تستقيمي ؟ لما لا تلجمين نفسك الأمارة بالسوء تلك ؟
و هبطت دموعها وتقصيرها ذاك يعرض أمام مرأى عينيها، صلاة قائلة وأخرى مؤجلة وأخرى مؤخرة كتاب الله الكريم الذي لم يفتح منذ شهر رمضان، ملابسها التي تعلم كل العلم أنها لا ترضي الله رغم كل تلك المحاولات الفاشلة التي حاولت فيها إقناع ذاتها أنها لا بأس بها ما دامت تستر لحمها، حديثها نشاب اجنبي عنها وذلك الكلام المعسول الذي كان يغرقها به مقابلاتهم التي لم تنتهي إلا بغزل وكلمات عاشقة وأخيرا ذلك التلامس الذي حدث بينهما عندما أمسك بهما مجد.
اغمضت عينيها لتشق الدموع طريقها فوق وجنتيها، بكت بقوة وهي تتذكر أنها هي من دخلت الغرفته بإرادتها، وهي من اتخذت القرار بالابتعاد عن كل ما يخصه!
صفعت نفسها مرة ومرة ومرة
أخذت تصفع وجهها وهي تبكي يعنف مرددة "ليه ؟".
لماذا السقب خلف خطوات الشيطان؟ لماذا ؟ لماذا ؟
تركت مضجعها لتقف أمام المرأة وهي لازالت منهارة، نظرت لوجهها الذي صار قائما جراء صفعاتها وتعينيها التي لم تختلف عنه كثيرا وقالت بصوت متحشرج : تستحقى أكثر من كدا....
وعادت النصفة نفسها وهي تكرر تلك الجملة حتى سقطت على الأرض، تبكي كما لم تفعل من قبل بصوت عالي كالطفل الصغير.
لا تعلم كم من الوقت مر عليها وهي في تلك الحالة، ورغم ذلك لم تشعر بالسكينة أو الراحة في قلبها، اعتدلت بسملة وخرجت من الغرفة ثم عادت بعد دقائق لترتدي زي الصلاة تم وضعت
السجادة أرضًا تستقبل القبلة قبل أن تقف فوقها.
امتلئت عيناها بالدموع مرة أخرى، رفعت ذراعيها عاليا وبدأت صلاتها بتكبيرة الإحرام وبصوت مرتعش وخزي قالت "الله أكبر"...
بدأت في قراءة الفاتحة وهي تبكي بحرقة وكل ثانية والأخرى تقاطعها شهقاتها بسبب بكانها المكبوت، انتهت وجاءت لتقرأ ما تيسر من القرآن بعدها فلم تجد في عقلها سوى السور الصغيرة التي تقرأ بها كل يوم وفي كل صلاة فازداد بكانها ...
ركعت وسبحت العظيم ثلاث مرات قبل أن تستقيم لتسجد الغمضت عينيها لتفيض ولسانها يردد سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى " وصمت...
ظلت على وضعها هكذا، ساجدة وتبكي دون أن تفتح فمها ببنت شفة، تبكي وهي تستشعر مدى عصياتها، تبكي وكل ذنوبها تمر بذاكرتها.
كم تود الدعاء لربها أن يغفر لها ويرحمها ويعفو عنها ولكنها تستحي، تستحي أن تقول يارب ... يارب قد عصيتك وأنا أعلم فاغفر لي تخجل من طلب الغفران من الغفور الرحيم.
وما قالت سوى "يارب"، وظلت ترددها يارب يارب يارب يداخلها تعلم أنه مطلع على قلبها ويعلم ما تريد قوله، تعلم أنه يرى كم هي نادمة.
أطالت في سجدتها الأولى وكأنها لن تسجد بعدها، تبكي وتناجي الكريم بقلبها أن يعفو عنها وأن يسامحها ويكفر عنها سيئاتها وأن يهديها للصواب حتى أنهت صلاتها وبعد التحيات والسلام وجدت نفسها تستلقي أرضا مكان صلاتها لتغمض عينيها ويدها فوق موضع قلبها، وما هي إلا ثواني حتى غفت بسبب صداع رأسها الذي نتج عن بكائها.
في الخارج، وبعد دقائق مرت، ولجت بسنت من باب شفتهم و توجهت على الفور الغرفتها وهي تتثائب وكل ما تتمناه أن ترى فراشها وأن تريح جسدها المنهك فوقه
بينما وقفت ندى امام الباب تستمتع إلى مجد الذي تابع حديثا سبق وبدأ في طريقهم:
والمفروض إنهم في الطريق دلوقتي فشوية وحد منهم هيجي البيت والباقي هيفضل بقى في المستشفى..
تنهدت ندى وهي تضيف شاردة ربنا يستر یا مجد و میکنش حصل مشاكل مع عمك سلطان..... ونظرت إليه وهي توسع فتحة الباب لكي يدخل تعالى ادخل على ما اجيبلك الحاجات اللي جنى عايزاها هناك....
عقد حاجبيه نافيا باستغراب: لا لا أنا واقف أهو هدخل أعمل ايه دا هما دقيقتين !
"ياعم ادخل تعالى هتفضل واقف على الباب يعني ؟!"
"آه باستي، يلا بقى !"
قال بحدة مصطنعة فحركت رأسها بيأس وهي تتحرك صوب المطبخ فاستوقفها وهي على أعتابه صراح بسنت وهي تنادي: بسملة، بسملة !
هرولت الغرفة التوأم بذعر والقلق ينهش في قلبها حتى وصلت لتجد المنظر أمامها كالتالي، بسملة مستلقية على الأرض لا تستجيب لبسنت التي تحاول رفعها ولكنها تقيلة وجسدها منساب ويهبط الأسفل كجثة هامدة.
اقتربت منهما سريعا لتجلس على ركبتيها بجانب بسنت وهي تسألها بارتياع في إيه يا بسنت. مالها ؟!
رفعت بسنت الباكية رأسها ونظرت لشقيقتها الكبرى لتجيب بانتخاب: معرفش، جيت لقيتها نايمة فوق المصلية، فكرتها نايمة فقعدت جنبها اصحيها بس لقيتها مقيش خالص !!!
أخذت ندى تضرب على حد بسملة وهي تنادي بهدوء ظاهري وحدة بسملة، بسملة قومي يا بسملة.
كانت بسملة تحرك أهداب عينيها المغلقة وبدت واعية ومستمعة ولكنها ليست قادرة على الإفاقة من تلك الحالة التي وقعت بها.
وقفت بسنت بسرعة وتحركت صوب التسريحة التي ترتص فوقها متعلقاتهم الخاصة لتلتقط زجاجة العطر عائدة لهما من جديد تنثر الكثير منه فوق وجه تلك المغشي عليها ولكن دون فائدة.
وقفت ندى بسرعة تركض للخارج حيث يقف مجد الذي وصله صراخهم منذ البداية لكنه لم يستطع أن يخطو خطوة واحدة للداخل حفظا لخصوصيتهن.
الحقنا يا مجد بسملة واقعة في الأرض وما بتنطقش "
وكان بانتظار هذه الدعوة لكي يركض للداخل خلف ندى التي تحاول التماسك قدر المستطاع. تذكر نفسها أنها الكبيرة هنا، أنها المسؤولة الآن.
ولج فجد الغرفة لتسقط عينه عليها أرضا وبسنت تحاول باستمائة أن تجعلها تفيق بعد أن فشل
العطر والصفع على الوجه
النقط فجد راحة يدها بين يده وأخذ يضغط بإبهامه تحت ظاهر إبهامها بقوة فرأى كرسنة وجهها دلالة على احساسها بما يحدث من حولها النقط زجاجة المياه التي أحضرتها ندى ووضع القليل في يده قبل أن يستره على وجهها فوجدها ترمش ولكن وهي مغمضة أيضا!!!
نقى بسرعة وهو ينظر إليها بتعجب لأ لأ الموضوع مش طبيعي دي حاسة بكل حاجة
رفع جفن عينيها وصفعها بخفة وهو ينادي: بسملة، بسملة قومي يا بسملة.
یلهوی با ندى هي مالها ؟؟"
قالتها بسنت بيكاء شديد وقلبها يرتجف يخوف على نصفها التي تأبى الخروج من تلك الحالة. وكأنها تهرب من هذا العالم لتلقى راحتها هناك، حيث لا أحد يعلم أين هي..
وقف مجد وهو يتحدث موجها حديثه للفتيات لازم تاخدها المس....
بتر حديثه مع انتفاضة بسملة وهي تشهق بقوة فاعتدل بسرعة ينظر إليها وكذلك الخفضت ندى التي أخذت تعاونها على الاعتدال لتجلس وهي تسعل بعنف كفريق كان لتوه يصارع أمواج البحر.
ريتت على ظهرها بحنو بالغ وهي تمنع دموعها من الهطول بصعوبة، ناولتها قنينة المياد وساعدتها في الشرب وهي تمسح على ظهرها باليد الأخرى بينما مجد تنفس الصعداء وآخر زفيزا مرتاحا وهو ينظر إليها وبديه تتوسطان خصره بعد أن عادت انفاسه التي سلبت منذ دقائق.
نظرت بسملة حولها بوهن وهي لا تعي حقا ما حدث أو ما يحدث الآن، نظرت لمجد ثم لندى وأخيرا استقرت عيلها فوق وجه تلك المسكينة صاحبة الوجه البريء بسنت .... التي كانت تيكي بعنف وهي تحتجز صوت بكائها بيديها فاتسعت عيون بسملة وهي ترمقها بتعجب قبل أن تنطق
أخيرا وهي تجفف حلقها تنظر للجميع بعدم فهم وبسمة غبية ترتسم على ثغرها ...
"هو في إيه ؟؟"
منزل السيد سعيد الزهراني - رحمة الله عليه - والد عادل وعصام وزوج السيدة دعاء، تجلس "دعاء" في صالون المنزل فوق تلك الاريكة وهي تريح ظهرها للخلف تشاهد باستمتاع ذلك المسلسل الهندي الذي بدأ منذ سنتين ولازالت منذ ذلك تتابعه وتنتظر حلقاته وأحداثه . المتوقعة - بحماس وشوق وكانها سترى جديد.
تطفى جميع أنوار البيت حولها وتترك التلفاز السبيل الوحيد لرؤية ما يحيط بها، خرج ولدها الكبير عادل من غرفته ووقف أمامها مناديا بصوت هادئ ماما.
انتفضت بهلع فوقع جهاز التحكم من يدها فانخفضت تحاول أن تمسك به قبل أن تحتضنه الأرض ولكن فات الأوان، رفعت رأسها ونظرت لهذا الشبح الذي لا يظهر منه سوى وجهه والذي كان لامها فقط دون أي ملامح واضحة يحدق بها دون أي تعابير على وجهه بشكل يدعي الخوف يحق.
وصرخت: إيه يابني قطعتلي الخلف، ما تقيد الزفت النور قبل ما تنده على اللي جابوني...
رفع يده ببساطة وأشعل الأضواء فوجدها تصرخ ساببة إياه بغضب وهي تغمض عينها: اقفل الزفت ده یا متخلف هتعمینی
رفع حاجبه وهو ينظر إليها عاقدا ذراعيه أمام صدره بنظرة وكأنه يخبرها بها "حقا.ا" لوت فمها وهي تتمتم ببعض الكلمات التي لم تصل المسامعه بينما تلتقط الجهاز من فوق الأرض تضعه جانبها.
وجدته يجلس لجوارها فوجهت بصرها ناحية التلفاز حيث يقف شابان أمام بعضهما البعض وتتوسطهما فتاة ويبدو أن هذين الشابين يخوضان حرنا صامتة بالعيون إلى أن فتحت تلك الفتاة التي تتوسطهما فمها فترقيت دعاء بحماس فها هي ستعلم بعد أن انتظرت منتي وثمانين حلقة من ستختار البطلة، حبيب الطفولة أم مديرها المتكبر المغرور ال......
قطع حبل أفكارها وحماسها انفلاق شاشة التلفاز بشكل مفاجئ جعل عينها تتوسع بصدمة وهي تنظر للشاشة بعدم فهم: إيه في إيه ؟؟
بكلمك ياما بقالي ساعتين !"
قال عادل بضيق وهو يلقي بريموت التلفاز بجواره بعد أن أطفأه لتوليه السيدة دعاء أمه اهتمامها، ولكن عوضا عن ذلك وجدها تبحلق به باعين واسعة وهي تصرخ تحاول الوصول للريموت نهار أمك ملون افتحلي الزفت ده قبل ما أفتح دماغك دي....
زفر بضيق وهو يبعده عن يدها بقولك موضوع مهم!!
اتسعت عينها أكثر وهي ترد من أهم من التمثيلية ياللي منك لله، دا كانت خلاص هتنطق.
تخلص كلامنا ياست الكل وأجيبلك اللاب بتاعي تتفرجي على المسلسل كله لو عايزة، مرضية كدا؟؟"
جعلتها تلك الكلمات ترمقه لثواني بشك قبل أن تصيح وهي تضع كفا فوق الآخر: أديني بسمع. موضوع إيه ده اللي مهم؟
تحمحم وهو يسألها: خطوبة عصام وروفيدة بنت خالتي امتى ؟؟
اجابته وهي تحك رأسها بضيق لازال يسيطر عليها بعد فعلته الخميس الجاي اللي مثل بكرة... "عايز اخطب معاه.."
قالها بعد تردد كبير وبصوت قوي عال بعض الشيء، يسمع نفسه قبلها ويسمع ذلك الأحمق الذي يدق في يساره بسرعة وكأنه يرفض ما نطق به لسانه.
انتبهت اليه دعاء وتركت ما تفعله يرأسها لتنظر إليه باهتمام وهو يعيد على مسامعها بصوت أسد وهو يصمت ذلك العاق الرافض لما قال ولما سيكرر الآن عايز أخطب مع عصام في نفس
اليوم....
ها هو قد أصاب فؤاده في مقتل، وأطفأ جمره بكلمات لا روح فيها، فمضى يطلب يدا أخرى لعل النسيان يرحمه، غير أنه كان يعلم في قرارة نفسه أنه يسير فوق قلبه لا في طريق الصواب.
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم