رواية هالة الفصل الواحد و الثلاثون بقلم جميلة القحطاني
ولا بيتهيألي؟
صوت داخله بيقوله إن اللي حصل له مش صدفة… وإن في حد وراه…
في حي شعبي بسيط، يعيش تامر ذو التسعة أعوام يتيم الأب والأم، في كنف جدته العجوز التي ترعاه بما استطاعت من حب وحنان، رغم ضيق الحال وكثرة المرض. ورغم كل البراءة التي تملأ عينيه، يحمل قلبه ألماً أكبر من عمره، فكل صباح يذهب للمدرسة وعلى وجهه ابتسامة هشة، وفي قلبه فراغ لا يُملأ.
في أحد الأيام، جلس تامر بجانب سور المدرسة بعد انتهاء الدوام، يراقب التلاميذ وهم يهرولون إلى أحضان آبائهم وأمهاتهم. لفت نظره أحد زملائه يُستقبل بحضن دافئ وقُبلة على الجبين، فهطلت دموعه دون أن يشعر، وهمس لنفسه: ليه أنا مليش حد يحبني كده؟.
يبدأ المدرّس الجديد أستاذ علاء بملاحظة العزلة والحزن في عيون تامر، فيحاول التقرب منه بلطف، ويسأله عن حلمه، فيرد تامر بصوت خافت: "نفسي أكون دكتور علشان أساعد الأطفال اللي زيي… من غير أهل".
لكن الحياة لا ترحم… يتعرض تامر للتنمر من بعض زملائه بسبب ملابسه القديمة وعدم قدرته على دفع مصاريف النشاطات المدرسية، فيتضاعف الألم في داخله، ويبدأ في الهروب من المدرسة والجلوس عند المقابر حيث كان والده مدفونًا، يحدثه ويبكي وحده.
وفي اليوم التالي كانت الشمس تميل نحو الغروب، ودقات أجراس المدرسة تعلن انتهاء اليوم الدراسي. خرج التلاميذ يركضون بحماس، تتعالى ضحكاتهم وتمتلئ أيديهم بالواجبات وحلوى المقصف. أما هو، تامر، فكان جالسًا وحده بجانب سور المدرسة، يضم حقيبته البالية إلى صدره كأنها الشيء الوحيد الذي يملكه.
نظر إلى الأطفال وهم يتقافزون في أحضان آبائهم وأمهاتهم، يسمع كلمات مثل وحشتني يا بطل، عامل إيه في المدرسة؟، يلا نروح ناكل سوا… ارتسمت على وجهه ابتسامة باهتة، لكنها لم تلبث أن انطفأت حين رأى أحد زملائه يُقبّله والده على جبينه بحرارة. شعر تامر بشيء ينكسر بداخله، وغلبته الدموع، فسحب طرف كم قميصه ومسح عينيه خفية.
هو لا يملك أمًا تحتضنه، ولا أبًا يبتسم له. فقط جدته العجوز تنتظره كل يوم، تسنده بما بقي لها من قوة، وتحشو له رغيفًا صغيرًا بالجبن كل صباح. تعبت من الحياة، لكنها ظلت تقاوم لأجله.
عاد تامر إلى بيته في صمت. البيت كان غرفة واحدة في السطح، لا نوافذ فيها سوى فتحة صغيرة، تدخل منها الشمس على استحياء. كانت جدته ممددة على السرير، تتنفس بصعوبة، لكن الابتسامة لم تفارق وجهها حين رأت ؟
