![]() |
رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثاني والثلاثون بقلم نورهان ال عشري
" إمرأة بعثرها العشق "
كيف تُريد من أمرأة مثلي لا تعترف بالوسطية أن تعشق رجل مثلك يقضي حياته مُتأرجحًا بين الشيء و نقيضه؟ رجل يتقن اللعب في منطقة الوسط بكل احترافية، لا يقترب ولا يبتعد، يعشق ولا يقول، يغضب و لا يصرُخ، يشتاق ولا يتحدث. يغتر بنفسه كثيرًا على الرغم من أن جزءً منها يمقُت الآخر، فلا يهتدي أيًا منهمَ إلى دربًا واحدًا، فهُناك حربًا صامتة تدور بينهم ما بين البقاء و التلاشي، وهو لا ينصر خصمً على الآخر، فهو يُفضل الرمادي على جميع الألوان لأنه من صنع يداه. يتبارى بالحديث في كافة الأصعدة كونه يحمل كل هذه الأضداد في داخله. بينما أنا لا اعترف سوى بالترادُف، ولا أهوى دمج الألوان، فإما أبيض أو أسود لا يُعجبني نتاج مزجهم، كيف لي أن أعشق كل هذه التناقدات معًا و أن أتعايش مع كل هذه الأضداد؟ و أنت حتى لا تترأف بي و تُهديني الطمأنينة حتى ولو كانت على سبيل العطف، فكلما احترت و تشتت عقلي أخبره بأن بر نجاتنا يلوح بالأفاق، فعندما تحنو عيناك و تخبرني أي عشق يخالج صدرك تجاهي تقسو شفاهك وهي تُنكره، و تُذكرني بأنه إلى جانبك لا يُمكنني أن احتضن سوى السراب. أتمنى أن تجد حلاً لكل هذه التضاربات التي تحجب عني السلام بقربك، فربما قد يجعلنا ذلك نقف سويًا على أرضٍ صلبة لا تشبة موج البحر الذي يتقاذفنا إلى كل جانب حتى لا نستيقظ يومًا و نجد ان كل ما تبقى منا هو الحُطام.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
أخذت تدور حول نفسها في الغرفة التي شهدت على مُعاناتها و حيرتها منذ أن وصل إلى مسامعها هذا الحديث المسموم من تلك المرأة التي لم ترتح لها أبدًا، ولكن هناك شعور قوي بأعماقها يُخبرها بأن هذا الحديث لا يقع تحت طائلة البلاغ الكاذب، انما هو الحقيقة المُرة التي آلمتها بقوة، و هُنا عنفها قلبها بقسوة كونها تغافلت عن كل هذه الأشياء التي منحها إياها هذا الرجُل، فقد أشعرها لأول مرة بأن لها قيمة، و أن كرامتها شيء لا يُمكِن المساس به، و الأكثر من ذلك هذا الأمان الذي غمرها به، فحتى كوابيسها المُريعة تفر منها حين يكُن بجانبها. ماذا تُريد أكثر من ذلك؟
تربعت على المقعد بتعب و غريزتها تصرُخ داخلها بأنها عاشت وحيدة منبوذة طوال ليتبدد الآن هذا الأمل الذي كانت تتمسك بخيوطه أنه في يوم من الأيام ستؤسس عائلة و تُنجِب أطفال يكونون هم العائلة و الونس.
خرجت تنهيدة حارقة من جوفها وهي تتذكر اهتمامه بها طوال الأيام الماضية، و معاملته الحسنة لها و التي أحيانًا تخطو إلى مرحلة الدلال، فهي لن تنسى تلك الليلة التي استيقظت تصرُخ كعادتها لتجد ذراعيه تُحيطانها بحنو تجلى في نبرته وهو يهمس بجانب أذنيها
ـ اهدي و نامي اني چنبك. مفيش حاچة تجدر تجرب منك طول ماني اهنه.
وضعت رأسها بين كفوفها وعينيها تُفصح عن لوعتها بعد أن أقر قلبها بأنه وقع في غرام هذا الرجُل الذي كان في نظرها سيد الرجال، و هُنا تدخل العقل يلومها بقوة، وهو يُلقي الضوء على أحتمالًا قويّا لا تعلم كيف غفلت عنه؟ وهو أنه من الممكن أن تكُن هي أيضًا إمرأة عقيمة! لما قد تُضحي برجل مثله من أجل أقدار وضعها الخالق بحكمته، فإن كان قدرها أن تسعد بجانبه دون أن تُضبِح أم، فهي راضية.
ـ دا الموضوع باينه واعر جوي، و واخدك لدنيا تانية.
هبت من مقعدها حين سمعت صوته الرخيم يأتي من خلفها لترتبك الحروف فوق شفتيها وهي تُجيبه قائلة
ـ أنت چييت يا عمدة؟
ـ شايفة اي؟
نجاة بارتباك
ـ حمد لله على سلامتك. أجهزلك الوكل؟
ضيق عينيه وهو يُطالعها بترقب، فهي شفافة كثيرًا و ملامحها كالمرآة التي تعكس ما يجول بداخلها، و قد كانت تحاول الهرب بنظراتها منه ليقول باختصار
ـ حد ضايقك؟
لوهلة التزمت الصمت قبل أن تبدده قائلة بتوتر
ـ لاه. اني زينة. متقلقش.
غافلته الكلمات و اندفعت من بين شفاهه حين قال
ـ أنتِ دايمًا زينة.
اهتاجت دقاتها بداخلها من غزله الذي ندم عليه على الفور ليتبدد الحنو في نبرته إلى جفاء حين قال
ـ چهزيلي الحمام. چاي تعبان و عايز أنام.
نجاة بلهفة
ـ مش هتاكل ولا اي؟ دا أنت على فطورك من الصبح.
لمس اللهفة و الاهتمام في نبرتها وعينيها ليسود صمت مُطبق من جانب كليهمَ، فالأيام الماضية لم تكُن سهلة عليه أبدًا خاصةً و أنه رويدًا رويدًا بدأ يُدرك مشاعره تجاهها، و التي كانت مرفوضة بل مُـحرمة عليه ليس لأنه يمقت النساء، و يرى جميعهن زوجته الخائنة، ولكنه بدأ يُدرك أنها ليست مثلهن. هدوئها و برائتها، وعينيها اللتان كانتَ نافذته إلى قلبها كل هذه الأشياء كانت براهين مُثبتة على معدنها الذي يتنافى مع دماءها العكِرة التي تربطها بنسل هذا الرجُل.
ـ لو هتاكلي معاي هاكل!
ابتهجت ملامحها و خرجت الحروف مُتلفهة من بين شفاهها حين قالت
ـ أني مكلتش مستنياك ناكل سوى.
ابتسامة عذبة لونت محياة وهو يقول بنبرته الرخيمة
ـ يوبجى جومي جهزيلنا الوكل.
اومأت برأسها وهي تهرول إلى الأسفل بلهفة و خدين متوردين من فرط الخجل الذي جعل دمائها تتدفق بقوة في أوردتها في حضرة وجوده وكأن هذا الصراع الذي خاضته مع نفسها منذ قليل لم يكُن له وجود.
أنهت تحضير الطعام و توجهت إلى الأعلى ليُقابلها رحيم عند منتصف الدرج وهو يقول مُعاتبًا
ـ بردك مبتسمعيش الحديت! جولتلك ألف مرة ناديلي أطلع الصينية و متشيليش أنتِ. افرض وجعتي ولا اكعبلتي في چلابيتك!
تلعثمت أمام عينيه و حديثه الذي يقطر إهتمام حتى لو كان يلومها لتتراقص الحروف فوق شفاهها بخجل حين قالت
ـ معيزا. معيزاش اتعبك.
رحيم بنبرة رخيمة
ـ من هنا و رايح اتعبيني. تعالي وراي.
أطاعته لتدلف معه إلى الغرفة ويبدأوا في تناول الطعام و كليهمَ يختلس النظر للآخر في جو مشحون بمشاعر قوية تنتظر الإفراج عنها حتى يتردد صداها بالأجواء، ولكنه كعادته محافظًا على هدوءه وثباته أمامها لتبدأ هي بالحديث حين قالت
ـ مفيش أخبار عن أمي!
ندمت على الفور على ذكرها الأمر، فقد تبدلت نظراته إلى أخرى مُخيفة جعلتها تعُض على شفتيها ليصل إلى عقله ندمها على التفوه بهذه الكلمات، فتحدث بجفاء
ـ لاه، و حتى لو في. الموضوع ده عايزك تنسيه، و تشيليه من راسك. فهماني ولا لا؟
تألمت من قسوته لتهتف باعتراض
ـ لاه. مفهماش! دي بردك أمي.
رحيم بجفاء
ـ أعتبريها ماتت.
ـ بس هي مامتتش، و لازمن افهم في اي؟ دي هي اللي بجيالي من الدنيا.
ضيق عينيه يناظرها بترقُب قبل أن يقول بغموض
ـ مين جالك أكده ؟ و ابوكي راح فين؟
نجاة باندهاش
ـ أبوي! ابوي مات اديله زمن. حتى من جبل ما اوعى عالدنيا.
لا يعلم لما فعل ذلك، ولكنه أراد أن يضع بينهم كل الحواجز و العراقيل التي يتمنى أن تتخطاها لأجله لذا تحدث بجفاء قائلًا
ـ أبوكي لساته عايش، و بيدور عليكِ.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال♥️
★★★★★★★★★★★★
ـ يالا يا أمجد يالا يا مريم. مش عايزين نتأخر.
هكذا تحدثت أشجان وهي تحُث أطفالها على الاستعجال حتى لا تجعله ينتظرهم، فهي لأول مرة منذ زمن بعيد يحمل قلبها كل هذه اللهفة، و خاصةً أنها اهتمت بمظهرها الذي كان رقيقاً و مُلفتًا بهذا الفستان الأسود اللون و الذي يتميز بورود حمراء اللون على الأكمام و الصدر يحيط بقوامها بنعومة إلى الخصر قبل أن يأخذ اتساعًا بسيطًا يصل حتى كاحلها، و ارتدت حجاب من نفس لون النقوش التي تُزين ردائها، وحاوطت بئري الزمرد المدفون بين حدقتيها بكحل أسود اللون ليُعزز من لونهم الجميل و لم تضع شيء سوى حمرة خفيفة أعطت لمعة بسيطة فوق ضفتي فمها الشهي لتبدو كالفاتنات بهذه الهيئة التي جعلت جميع حواسه تتحفز بقوة وهو يراها أمامه كالحورية التي دار رأسه حين رآها. ليتزعزع ثباته و تنقطع أنفاسه وهو يتمعن في النظر إليها مما جعلها تشعر بحاجة مُلحة في الهرب من أمام بنيتين يتساقط منهما الإعجاب الذي جعلها تتجمد في مكانها لتقع فريسة بين براثن هذا الوحش الذي اقترب منها بخطوات سُلحفية إلى أن وصل إلى حيث تقف أمام باب منزلها تُمسِك بيد طفليها و كأنها تحتمي بهم من شدة العواصف التي تضرب بها في هذه اللحظة.
ـ تقريبًا باب الشقة دي فاتح من هنا عالجنة ولا أنا غلطان ؟
تناحرت ضربات قلبها تأثرًا لغزله المُبطن، و الذي جعل أنفاسها تتسارع و حلقها يجف لتهمس بخفوت
ـ خالد.
خالد بنبرة خشنة و عينين تضمها بشوق كبير
ـ خالد أية بقى و أنتِ حلوة كدا! دا أنتِ لو حالفة تجنني أمي مش هتطلعي قدامي بالفستان دا!
أشجان بلهفة
ـ أغيره!
خالد بنبرة عابثة
ـ لا هاتيه معاكِ لما نتجوز.
برقت عينيها خجلًا قبل أن تنهره قائلة
ـ بتقول ايه؟ الولاد واقفين.
ابتسم على مظهرها قبل أن ينزل إلى مستوى ذلك الصغير الذي يتمسك بيد والدته بقوة و كأنه يؤكد حقه بها ليمد يديه إليه وهو يقول بنبرة حانية
ـ أهلًا بالكابتن أمجد. أنا خالد الوتيدي.
ابتسامته و طريقته حفزت الطفل على الرد عليه ليمُد يده الصغيرة التي غرقت في كف خالد الخشن وهو يقول بخفوت
ـ أهلًا بحضرتك.
ربت خالد فوق كتفه قبل أن يقول بنبرة ودودة وهو ينظر إلى الطفلة الآخرى
ـ و أنتِ بقى الأميرة مريم صح ولا انا غلطان؟
ابتهجت الطفلة لحديثه و لوصفها بالأميرة فأومأت برأسها وهي تُتمتم بخفوت
ـ صح.
ربت على خصلاتها المُسترسلة قبل أن ينصب عوده الفارع وعينيه تشملانها بحُب تجلى في نبرته حين قال
ـ و أنتِ بقى الأميرة الكبيرة صح؟
أخفضت رأسها هربًا من عينيه و غزله الذي يفعل الأفاعيل بقلبها ليبتسم قبل أن يهسهس بنبرة خشنة
ـ اهربي براحتك بس هييجي اليوم اللي هتلاقي كل الطرق بتجيبك لحد عندي.
رفعت رأسها و على وجهها أجمل ابتسامة رآها في حياته لتقول بنبرة خافتة
ـ بطل تخوفني منك.
خالد بنبرة تجيش بها المشاعر
ـ لو فضلتي بالرقة دي فعلًا يبقى حقك تخافي مني.
تجمدت البسمة على شفتيها ليبتسم بالمقابل وهو يُشتت انتباهها قائلًا
ـ يالا عشان الجماعة مستنيين في العربية. جبتهم الأول عشان متخلقيش مشكلة من مفيش.
تقدمت إلى جانبه وهي تقول بلهفة
ـ طب ازاي بابا سابك تيجي تاخدني؟
خالد بنبرة خشنة
ـ قولتله مديرة المطعم معرفة، و هسلم عليها و بعدين اجيبك مع الولاد.
اومأت برأسها في صمت إلى أن وصلوا إلى سيارته التي كانت بانتظارهم ووالديها في الداخل لتستقل المقعد الخلفي بجانب والدتها التي كانت العلاقة بينهم مُختصرة كثيرًا، و ذلك ما أرادته أشجان التي لازالت تشعر بالألم مما حدث لينطلق خالد الذي استقل مقعد السائق و بجانبه عزام الذي اندهش من بساطة خالد في التعامُل، وانخرط معه في حديث عام إلى أن وصلوا إلى القصر. لتلتمع عيني رضا التي لأول مرة ستخطو إلى داخله بصفة الضيفة المُرحب بها لا كخادمة
ما أن رأتهم آسيا حتى هرولت إليهم تحتضن والدتها بحبور و كذلك والدها ثم أشجان التي حادثتها بسعادة
ـ حمد لله عالسلامة يا سيسو. ايه القمر دا ؟
عانقتها آسيا بقوة وهي تقول
ـ الله يسلمك يا روحي وحشتيني اوي. أيه الجمال دا بس؟
أنهت جملتها بغمزة من طرف عينيها تبدلت ملامح أشجان لأجلها و تلون خديها بلون الدماء قبل أن تقول بخفوت
ـ قولت البس الفستان دا بقاله كتير عندي و مركون.
آسيا بمرح
ـ ياروحي البسي كل اللي أنتِ عيزاه أنتِ حلوة في كل حاجة و كل حاجة بتليق عليكِ أصلًا.
ابتسمت أشجان و دلفوا سويًا إلى الداخل ليجدوا كمال و بجانبه عمر و ياسر الذي وصل لتوه و يزيد ثم غنى التي كانت تجلس بجانبها كُلًا من جميلة و شروق يتجاذبون أطراف الحديث ليتشارك الجميع السلامات تحت أعُين ساخطة ناقمة على هذا الجمع لتقترب هايدي من نبيلة التي كانت تقف في الشرفة و الشرر يتطاير من عينيها
ـ هتفضلي واقفة بعيد تتفرجي يا ماما؟ فوقي احنا في كارثة.
كانت أعيُن نبيلة منصبة على شيء واحد فقط وهو نظرات خالد إلى هذه الفتاة التي تذكرها جيدًا، فقد رأت رنا تجلس بجانبها في العُرس و عيني شقيقها لم تنزاح من عليها، والآن لقد جاء بها و بأهلها بسيارته الخاصة و لا تفارقها نظراته لتهمس بحقد
ـ احنا فعلًا في كارثة. كله إلا خالد. كدا يبقى كل حاجة اتهدت فوق دماغي.
هايدي بعدم فهم
ـ تقصدي ايه؟ مش فاهمة.
نبيلة بنبرة تفوح منها رائحة الكُره
ـ البت دي اللي جنب شروق تبقى أخت الملعونة مرات كمال أنتِ تعرفيها صح؟
هايدي بملل
ـ أعرفها ازاي ؟ هطلعلها بطاقة مثلًا ! ما انتِ قولتي أختها.
نبيلة بحدة
ـ ركزي يا غبية. اعرف تعرفي ظروفها ايه؟ متجوزة، مطلقة، تعرفي اي حاجة عنها؟
هايدي بسخط
ـ لا. بتسألي ليه؟
ـ ملكيش فيه. تعالي ورايا.
توجهن إلى هذا الجمع المُبهج ليصل إليهن صوت آسيا المازح حين قالت
ـ بصراحة يا دكتور عمر لما قولت انك هتشوي النهاردة قولت بس هننام من غير ما نتعشى.
يزيد بتهكم
ـ والله اكرملك تنامي من غير عشا بدل ما تنامي في المستشفى بعد ما تاكلي العك اللي هو عامله.
عمر بسخرية
ـ بقى مش عاجبك اللحمة المشوية بتاعتي! أنت تعرف تعمل ربعها حتى!
يزيد بملل
ـ لا طبعًا معرفش، والحمد لله على دي نعمة. أنا أصلي شايف ان الكلاب خفت من المنطقة، و بصراحة مش مرتحالك.
قهقه الجميع على مزحته لتنهره غنى قائلة
ـ هو انت لا منك ولا كفاية شرك! ناكل ازاي دلوقتي ؟
يزيد بسخرية
ـ زي ما بتاكلي و قربتي تاكلينا.
تدخلت آسيا بنبرة مُحذرة
ـ لا خلي بالك اللي يزعل غنى أكنه زعلني. انا بحذرك.
يزيد بتهكم
ـ طبعًاما أنتِ متحامية في الدبابة بتاعك دا. بقى بزمتك في واحدة ترتبط بواحد النيك نيم بتاعه دبابة!
قهقه الجميع على حديثه ليتحدث كمال بتحذير
ـ خلي بالك أن النيك نيم دا مش متعارف عليه غير هنا في العيلة. يوصل لحد كدا ولا كدا هتلاقي نفسك عالسيخ مكان اللحمة اللي مش عجباك دي.
ـ ايه الجمع الجميل دا؟ صوت ضحككوا واصل لحد الفيلا التانية. طب ما تضحكونا معاكوا!
كان هذه الحديث المسموم لنبيلة التي ودت لو تُشعِل هذه النار بهم جميعًا ليقترب يزيد من عمر قائلًا باستفهام
ـ هي أمك بتقر علينا يا دكترة ولا أنا غلطان!
عمر بملل
ـ اطلع من دماغي. انا مش ناقص.
يزيد بتهكم
ـ باين انك متنفضلك و واخد استمارة ستة.
ـ تعالي يا بلبلة القاعدة نقصاكي.
هكذا تحدث كمال في محاولة منه لتلطيف الأجواء لتقول نبيلة بترفع
ـ لا معلش أصل معاد دوايا يدوب. انا بس جيت أشرف على الخدم، و انبه عليهم يظبطوا الدنيا بعد ما تخلصوا قعدتكوا.
خيم الصمت على الجميع لتتوجه نبيلة بأنظارها إلى رضا التي امتقع وجهها لتهتف نبيلة بنبرة أتقنت تزييف الود بها
ـ ازيك يا رضا. عاش مين شافك. شوفتي من وقت ما مشيتي، و أحنا متبهدلين ازاي ! مش لاقيين حد يحل محلك. كل الخدامين اللي جم بعدك أغبية زي ما أنتِ شايفة. لازم أشرف على كل حاجة بيعملوها.
تصنم الجميع من فرط الذهول ما عدا كمال الذي احتدت نبرته وكاد أن يزأر كالوحوش ليسبقه خالد الذي تحدث بنبرة حادة تنافيها ابتسامة شامتة ارتسمت على ملامحه حين قال
ـ طيب ما أية رأيك تاخدي الحاجة رضا و تشرفوا على الخدم سوى ما انتوا حموات زي بعض. معلش لو هنكبرك بس أنتِ تعتبري مكان الحاجة الله يرحمها.
برقت عيني نبيلة من كلمات خالد الذي قست عينيه وهي ترسلان سهام الوعيد لتقول باستهجان
ـ حموات زي بعض!
خالد بجفاء
ـ أه، و اللي معملتيهوش مع عمر اعمليه مع كمال، و اهو بالمرة تتعلمي من الحاجة رضا و تشوفي بتعمل أيه مع بناتها عشان تبقي تعملي لبنتك.
نبيلة بصدمة
ـ أنا اتعلم منها!
واصل هجومه الشرس حين قال بجمود
ـ كلنا اتعلمنا منها بصراحة. هي اللي مربيانا و ليها فضل كبير علينا.
تدخلت هايدي قائلة بسخط
ـ هي مين دي يا خالو اللي بتقول عليها مربياكواااا؟
قاطعها خالد بنبرة حاسمة أجفلتهم جميعًا
ـ خدي ماما عشان تديها الدوا يا هايدي، و البيت هنا له أصحاب، و هما هيتولوا شؤونه. شاكرين أفضالكوا.
كان الصمت هو سيد المكان، فلم يتوقع أحد أن يوجه أحدهم هذا الحديث الحاد إلى نبيلة التي اكتظ قلبها بالحقد حين رأت لمعة الشماتة في عيني رضا التي لطالما احتملت إهاناتها و احتقارها، والآن جاءت لحظة انتصارها التي كللها كمال بحديثه حين قال بنبرة حادة كالسيف
ـ و من هنا و رايح متتعبيش نفسك. البيت بقى في ست هي المسئولة عنه، و اللي هي شيفاه صح هتعمله.
في هذه اللحظة تمنت لو أن الأرض تنشق و تبتلعها، فبعمرها لم تتعرض لمثل هذه الإهانة التي جعلتها تهرول إلى بيتها وخلفها ابنتها دون التفوه بحرف، و قد شعر عمر هو الآخر بالغضب المقيت من كل ما يحدُث و بداخله كان ناقمًا على والدته و على أشقائها وعلى كل شيء لذا نصب عوده وهو ينظر إلى الجميع قائلًا بجفاء
ـ طيب يا جماعة. هستأذن أنا بقى عشان ورايا نبطشية.
لم يُعارضه أحد فقط هي شعرت بالشفقة عليه لتقوم من مكانها و تتبعه لتتجمد بمكانها حين سمعته يُجيب على هاتفه قائلًا
ـ أهلًا يا شيري.
جملته كانت كالسهم نفذ إلى أعماق قلبها الذي لم يعد به ركنًا خالياً من الجراح التي آنت عليها دفعة واحدة لتتراجع إلى الخلف بهدوء مثلما أتت و ملامح وجهها كانت كالساحة التي اجتمعت بها جميع خيبات العالم.
ـ حاجة رضا. أنا بعتذرلك بالنيابة عن أختي. أنتِ طول عمرك عايشة معانا و عارفة طباعها كويس، و للأسف محدش فينا هيقدر يغيرها.
رضا بهدوء
ـ عارفة يا خالد يا ابني، و كتر خيرك عشان اللي قولتهولها.
خالد بنبرة صادقة
ـ أنا مكذبتش. أنتِ فعلًا ربتينا كلنا، و ليكِ فضل علينا محدش يقدر ينكره، و مرة تانية بجدد اعتذاري ليكِ و للحاج عزام.
على الرغم من محاولته لتصليح الأمر إلا أن الإهانة لن تُمحى أبدًا، و قد تجلى ذلك في ملامح كُلًا من أشجان و آسيا التي استأذنت لدخول الحمام، فلحق بها كمال الذي كما توقع وجدها تغلي من الغضب ليحاول احتضانها وهو يقول
ـ حقك عليا. والله ما هعدي اللي حصل دا على خير.
جذبت نفسها من بين ذراعيه وهي تهتف بانفعال
ـ هتعمل ايه؟ هتمحي الأهانة اللي اتعرضولها أمي و أبويا؟ ولا هترجع الزمن لورا؟
كمال بنبرة هادئة
ـ آسيا.
ـ بلا آسيا بلا زفت. خالد رد عليها و وقفها عند حدها. لكن انت فين؟ ساكت وكأن اللي بتتهان دي مش ام مراتك!
هكذا هتفت بحنق قابله كمال بالجمود الذي كان يحاول أن لا يخرج عن طوره حتى لا يتشاجران
ـ و عشان خالد اتكلم أنا سكت. احتراماً ليه كان لازم أسكت، و أنتِ شوفتي هو رد عليها ازاي؟
اومأت برأسها بتهكم تجلى في نبرتها حين قالت
ـ احترامًا ليه؟ أه ! قولتلي! طيب المرة الجاية لما تطرد أهلي هبقى اطلع اجري على خالد ماهو انت راجل محترم…
قاطعها بحدة أفزعتها
ـ آسيا. خلي بالك من كلامك. أنا مش عيل صغير، و مكنش ينفع اعمل مشكلة قدام الناس. مش كل الأمور بتتحل بالخناق، ولا انا لما ازعق و اشتم كدا بجيبلك حقك.
صمت لثوان يتابع ملامحها التي خيم عليها الغضب المُريع ليُتابع بجفاء
ـ دي اول و آخر مرة هسمحلك تتكلمي معايا بالطريقة دي، و خليكِ عارفة أن الإهانة اللي بتتوجهلك أنتِ أو أهلك بتعدي عليا قبلك، وأنك مش محتاجة تجري على حد وأنا موجود.
أنهى جملته و التفت يغادر المكان دون أن يستمع إلى ندائاتها لتقوم بضرب أحد العبوات الموضوعة على الطاولة الرُخامية وهي تسُب نبيلة بشتى أنواع السُباب.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، و العجز و الكسل و البخل و الجبن، و غلبة الدين وقهر الرجال".♥️
★★★★★★★★★★★★
كانت تجلس أمام التلفاز بعقل شارد في البعيد لا تعلم كيف تُبرم أكثر هذه العُقدة التي أن انحل وثاقها سوف تسقط في بئر عميق لا مخرج منه سوى بموتها، فهل تبقى لحياتها معنى أن فقد القلب أحد بُطينانه؟
زفرت بتعب وهي تضع رأسها بين كفوفها بأسى ولوعة، وقلب يقتات عليه وحش الندم الذي لا يرحم. ليأتيها صوت جلادها الذي جعل الدماء تتجمد في عروقها وهي ترى عماد الذي دلف إلى المنزل بعد أن فتحت له الخادمة ليُشيعها بنظرات الخسة و هو يقول باحتقار
ـ ازيك يا ام حمادة! يارب تكوني بخير دلوقتي بعد اللي عملتيه!
تشكلت غصة صدئة بحلقها حين استمعت إلى كلماته التي سرعان ما تبرأت منها، وهي تقول بارتباك
ـ أنت بتقول اي؟ أنا مش فاهمة حاجة!
عماد باحتقار
ـ مالوش لزوم الإنكار. مها حكتلي على كل حاجة، و قالتلي أنك ساومتيها يا تكذب على غنى و توقع بينها و بين ياسر يا اما مش هتساعديها تنزل الحمل !
كيف تُريد من أمرأة مثلي لا تعترف بالوسطية أن تعشق رجل مثلك يقضي حياته مُتأرجحًا بين الشيء و نقيضه؟ رجل يتقن اللعب في منطقة الوسط بكل احترافية، لا يقترب ولا يبتعد، يعشق ولا يقول، يغضب و لا يصرُخ، يشتاق ولا يتحدث. يغتر بنفسه كثيرًا على الرغم من أن جزءً منها يمقُت الآخر، فلا يهتدي أيًا منهمَ إلى دربًا واحدًا، فهُناك حربًا صامتة تدور بينهم ما بين البقاء و التلاشي، وهو لا ينصر خصمً على الآخر، فهو يُفضل الرمادي على جميع الألوان لأنه من صنع يداه. يتبارى بالحديث في كافة الأصعدة كونه يحمل كل هذه الأضداد في داخله. بينما أنا لا اعترف سوى بالترادُف، ولا أهوى دمج الألوان، فإما أبيض أو أسود لا يُعجبني نتاج مزجهم، كيف لي أن أعشق كل هذه التناقدات معًا و أن أتعايش مع كل هذه الأضداد؟ و أنت حتى لا تترأف بي و تُهديني الطمأنينة حتى ولو كانت على سبيل العطف، فكلما احترت و تشتت عقلي أخبره بأن بر نجاتنا يلوح بالأفاق، فعندما تحنو عيناك و تخبرني أي عشق يخالج صدرك تجاهي تقسو شفاهك وهي تُنكره، و تُذكرني بأنه إلى جانبك لا يُمكنني أن احتضن سوى السراب. أتمنى أن تجد حلاً لكل هذه التضاربات التي تحجب عني السلام بقربك، فربما قد يجعلنا ذلك نقف سويًا على أرضٍ صلبة لا تشبة موج البحر الذي يتقاذفنا إلى كل جانب حتى لا نستيقظ يومًا و نجد ان كل ما تبقى منا هو الحُطام.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
ـ اقصر الشر يا عماد و امشي من هنا. الغلط من عند مراتك، ولو فتحنا فيه أنتوا أول اللي هتضروا!
هكذا تحدثت هيام بنبرة ثابتة يشوبها الوعيد الذي جعله يهتف بحدة
ـ أنتِ بتهدديني بقى!
ـ أنا مبهددش انا بنفذ، و قبل ما تتحمق اوي كدا. اعرف من الست هانم مراتك الحقيقة كاملة. أحسن وحياة ابني لهخلي أبوك نفسه هو اللي يعرف منها كل حاجة.
كانت تتحدث بنبرة جريحة و ملامح يأكلهمَ الغضب الذي يجعلها استطرد قائلة
ـ كل حاجة حصلت قدامها، و طلبي منها كان واضح. أما اللي هي عملته دا كان من دماغها.
عماد باندفاع
ـ مها كانت عيلة صغيرة و مش فاهمة هي بتعمل ايه؟
قاطعته هيام بحدة
ـ أومال فاهمة بس تحمل في الحرام من راجل غريب! الحرف اللي هتنتطقه هيدينك و يدينها قبل مني، و دا اخويا و مهما حصل هيسامحني في الآخر بس أنت و هي هتعملوا ايه؟
وضعته وجهًا لوجه مع خطيأته التي لا يُمكنه التملُص منها بعد أن ظن بأنها انتهت بزواجه من مها ليهتف بنبرة مُتحسرة
ـ بس أنا كدا ابقى خسرت صاحبي.
هيام بتقريع
ـ أنت خسرته من زمان لما عملت عملتك معاها و هو مآمنك عليها، و أنا اللي داريت عليك و عليها.
عماد بغضب
ـ يعني ايه؟
هيام بجفاء
ـ يعني ترجع مطرح ما كنت انت و السنيورة، و إياك اسمع الكلام دا تاني منك أو منها.
عماد بانفعال
ـ بقولك حالف لا يقول لأبويا!
هيام بصرامة
ـ أنا هحل الموضوع دا. ملكش صالح بيه.
كان يطحن ضروسه من فرط الغضبو العجز أمام جبروت هذه المرأة التي لطالما رأها مثالية مما جعله يقول بوعيد
ـ هييجي يوم و ياسر هيعرف كل حاجة، ووقتها هرجع و هعرفه انك ابتذتيني عشان مقولوش حاجة.
اقتربت منه هيام بأعيُن يتساقط منها الغضب كالحمم لتهتف بشراسة
ـ ياسر دا ابني و مهما عملت عمره ما هيخرج عن طوعي، ولا أنت ولا بلدك يقدروا يغيروه عليا، و قبل ما تفتح صدرك أوي ابقى خلي الهانم تحكيلك أنا عملت كدا ليه!
قالت جملتها الأخيرة بنبرة صارخة دون أن تسمح له بالرد بل عاجلته قائلة
ـ امشي من وشي و مش عايزة أشوفك تاني قدامي.
غادر عماد ليتشقق قناع القوة الذي كانت ترتديه بفعل هذه العبرات التي عرفت الطريق إلى عينيها لترفع رأسها إلى السماء وهي تقول بتوسل
ـ يارب. حلها من عندك يارب.
كانت غافلة عن أعيُن تبرقان من شدة الصدمة.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً"♥️
★★★★★★★★★★
بهتت ملامحها وهي تناظره بصدمة من هذا الحديث الذي تفوه به لتخرُج الكلمات مُبعثرة من بين شفاهها حين قالت
ـ أيه اللي عتجوله ده! أني مفهماش حاجة! مين اللي هيدور عليَ!
رق قلبه لحالها، و لأول مرة تقف الكلمات على أعتاب شفتيه لا تجروء على الخروج ليطول الصمت بينهم. لكن للعيون رأيًا آخر، فقد كانت تتوسله بالإفصاح عن ما يخبئه بينما هو يتوسلها بالتغافل عن ذلته ليُقرر تغيير دفة الأمور حين قال بجمود
ـ لو افترضنا أن أبوكي عايش و بيدور عليكِ هتجولي ايه؟
نجاة بضياع
ـ أنت اللي عتجول ايه يا عمدة! أني مفهماش حاچة! يعني أبوي عايش و اني معرفش، ولا أنت بتجول أكده و خلاص!
لم تحيد عينيه عنها و كأنه يحفظ جميع انفعالاتها و انعكاس حديثه على ملامحها ليُقرر قطع هذا الصمت قائلًا
ـ مالك جفلتي وشك أكده ليه؟ دي مچرد تخمينات، و لسه متوكدتش منها، و في الغالب هتطلع غلط.
كانت تناظره بأعيُن مغمومة و ملامح يُخيم عليها الحيرة مما جعل الذنب يزحف على قلبه، فإذا به يهتف بنبرة جادة
ـ أضحكي وشك اومال. عايز أكل و نفسي مفتوحة.
ابتسامة جميلة لونت معالمها لتتهلل أساريره و هو يقول مُغازلًا
ـ حد يوبجى ضحكته حلوة أكده و يزعل!
أخفضت رأسها بخجل ليشرعان في تناول الطعام بصمت وسط اختلاس مُتبادل للنظرات بينهم ليحمل هو صينية الطعام و يتوجه للأسفل، و هو يُفكر في هذه الفتاة التي يؤلمه قلبه إن لامس الحزن عينيها لتجعله يقف في مواجهة مؤلمه بينه و بين قلبه الذي أقسم ألا يفتح أبوابه لإمرأة مرة أخرى ولكنها غافلته و انسلت لتتربع بأعماقه دون أن يدري متى و كيف صار هذا؟
ـ عشنا و شفنا العمدة بيخدم على مرته! دا جانون چديد يا عمدة ولا اي؟
التفت رحيم يناظرها بكره شع من بين كلماته حين قال
ـ احمدي ربنا انك لسه بتشوفي لحد دلوك يا نچيبة.
نجيبة بحدة
ـ هتجتلني اني كمان زي ما جتلت بتي !
رحيم بشراسة أطلت من عينيه أولًا قبل نبرته
ـ أنتِ عارفة زين مين اللي جتل بتك، و لو أني لو رچع بيا الزمن كنت هجطع من لحمها نساير. جبل ما اجتلها.
اقترب رحيم منها وهو يقول باحتقار
ـ بتك الخاطية. الرخيصة. بس للإسف هي مچابتوش من بره.
زاغت أنظارها و تقطعت أنفاسها وهي تقول بخفوت
ـ تجصد أيه؟
رحيم بوعيد
ـ جصدي أنتِ عرفاه زين! بتك طلعالك.
تراجعت للخلف بذُعر و جسد يرتجف من فرط خوفها الجلي من هذا الوحش الذي حاولت ردعه من أذيتها حين قالت
ـ ايه الحديت اللي عتجوله ده؟ انت عتتهمني في شرفي عيني عينك يا رحيم!
رحيم بسخرية
ـ يعني بتعترفي أن بتك خاطيه!
تلعثمت الحروف بين شفاهها حين قالت
ـ اني مجصديش..
رحيم بحدة
ـ بس أنا اجصد، و لو من اهنه و رايح معيزش أشوفك جدامي. تجعدي في مطرحك متتحركيش منه طول ماني في الدوار، و إلا أني عارف ايه اللي هيكسرك المرة دي، و مش هيجوملك جومة تاني!
تراجعت للخلف كالمذعورة، فقد نفذت كلماته إلى أعماق عقلها الذي استعرض الماضي بذكرياته المريرة و أسراره التي من شأنها أن تقلب الواقع رأسًا على عقب لتقوم بجذب الهاتف من خزانتها و تقوم بإجراء اتصال هاتفي، و ما أن أتاها الرد حتى هتفت بلهفة
ـ لازمن نتجابل في أجرب وجت. باين المستور اتكشف و رحيم عرف كل حاچة. لو مكنتش هتتدخل عشاني يوبجى تدخل علشان ولدك.
اللهم يا مسهل الشديد، ويا ملين الحديد، ويا منجز الوعيد، ويا من هو كل يومٍ في أمرٍ جديد، أخرجني من حلق الضيق إلى أوسع الطريق، بك أدفع ما لا أطيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم♥️
*★★★★★★★٭★★
ـ قربنا ولا ايه؟ أكيد مش همشي مغمض كدا كتير!
هكذا تحدث رؤوف بحنق من هذه العُصبة التي وضعتها ميرهان فوق عينيه، و هي لا تنفك تُخبره أنها حضرت له مفاجأة ستعجبه لتُجيبه الأخيرة بحماس
ـ خلاص فاضل حاجات بسيطة. اطلع بس معايا كدا.
أطاعها على مضض لتتوقف به أخيرًا وهي تقول بحماس
ـ وصلنا.
هكذا تحدثت وهي تُزيح العُصبه من فوق عينيه ليجد نفسه يقف بمنتصف شقة واسعة مما جعله يلتفت ناظرًا إليها وهو يقول باستفهام
ـ احنا فين هنا؟ انا مش فاهم حاجة!
ميرهان بحبور
ـ مش أنت قولتلي أن كل مشكلتك عشان تفتح المكتب بتاعك كانت الشقة! و اهي مشكلة الشقة اتحلت.
عاد رؤوف بذاكرته إلى ما قبل أسبوعين من الآن
عودة إلى وقت سابق
ـ ممكن اعرف أنت مكشر ليه طول الخروجة؟
هكذا استفهمت ميرهان مُحدثة رؤوف الذي كان التجهُم يُسيطر على ملامحه ليُجيبها بجفاء
ـ أنا مكنتش عايز أخرج من الأول أنتِ اللي أصريتي.
ميرهان بحزن
ـ كدا يا رؤوف. تقصد إني بفرض نفسي عليك!
رؤوف بحرج
ـ مش كدا أنا بس متضايق شويه.
ميرهان بلهفة
ـ احكيلي ايه اللي مضايقك مش يمكن يكون عندي حل!
نظر إليها بريبة لتستطرد قائلة
ـ قول بقى متبقاش رخم. احنا اتفقنا أننا أصحاب و الأصحاب مبيخبوش عن بعض حاجة.
زفر بقوة قبل أن يقول بجفاء
ـ الفترة اللي فاتت أخدت كورسات اوتوكات و شغل جرافيك، و الحمدلله بدأ يجيلي شغل على كبير، فكنت بدور على شقة اعملها استوديو أو مقر يعني اقابل فيه العملا، و للأسف الميزانية اللي كنت عاملها مش هتغطي نص التكلفة على أرض الواقع.
صمتت لثوان قبل أن تقول بتفكير
ـ طيب قولي البنود اللي في دماغك و نشوف يمكن نقدر نظبطها.
رؤوف بنفاذ صبر
ـ فكك يا ميرهان أنا مقفول من الموضوع و مش عايز اتكلم.
ميرهان بإلحاح
ـ طيب اديني فرصة افكر معاك. ليه تحبطني كدا! ادينا لنفكر بصوت عالي سوى.
رؤوف بملل
ـ كنت عامل حسابي إني اخد شقة في مكان كويس، و الأماكن اللي سألت فيها الإيجارات غالية أوي، و لازم تدفع تأمين تلت شهور على الأقل. الشقة لوحدها هتاخد اكتر من نص الفلوس اللي معايا. دا غير اني لازم هظبطها دا غير الدعايا، و التراخيص و غيره. الموضوع للأسف مش ظابط في الوقت الحالي.
ميرهان باستفهام
ـ طيب انت في دماغك مكان معين؟
ـ مش فكرة مكان معين. عايز مكان كويس. في منطقة راقية. دا هيفرق جدًا في نوع الكلاينت اللي هييجي. فهماني!
ميرهان بتفكير
ـ خلاص سيبني افكر في الموضوع دا و هلاقيله حل.
رؤوف بملل
ـ انسي. انا أساساً بفكر في حاجة تانية.
عودة للوقت الحالي
أخذ يتجول في الشقة التي كانت في منطقة من أكثر الأماكن رُقي في البلد ليلتفت ناظرًا إليها وهو يقول بجفاء
ـ ممكن ترسيني على الحوار معلش !
اقتربت منه ميرهان قائلة بحماس
ـ بص يا سيدي. رونا صاحبتي دي شقة خالها وهو مُقيم في أمريكا، و بينزل كل عشر سنين مرة، و ممكن ييجي هنا و ممكن ميجيش، فالشقة هنا مقفولة. كل فترة بيجيبوا حد ينضفها و يقفلوها تاني، فجتلي الفكرة من هنا ليه منأجرهاش منه؟
رؤوف بحدة
ـ نعم! مين اللي هيأجرها منه ؟ أنتِ مجنونة ولا حاجة! أنا هجيب إيجار الشقة دي منين؟ هتلاقي ايجارها أضعاف الشقق اللي سألت عنها..
اقتربت منه وهي تقول بلهفة
ـ أهدى بس و اديني فرصة أفهمك. هي البنت لما كلمت خالها، و حكتله أننا شباب و لسه في الأول و مشتغلناش، فالراجل حب يدعمنا و قال إنه مش هيبتدي ياخد مننا إيجار غير بعد ست شهور لحد ما تشتغل ونعمل اسم و بعدين مش هنختلف في موضوع الإيجار دا.
رؤوف باندهاش
ـ لا معلش هو أنتِ بتتكلمي عن مين؟ يعني نشتغل و نعمل اسم؟ مين اللي هيعمل دا!
التمعت نجوم الحب بسماء عينيها وهي تقول
ـ احنا يا رؤوف. أنا و أنت. أنا حابة اشتغل معاك. يمكن انا مكنتش ناجحة اوي في الدراسة. بس انا عندي طموح ووو
قاطعها رؤوف بحدة
ـ لحظة واحدة بس. أنتِ فكرتي و قررتي و نفذتي وأنا فين من كل دا!
ميرهان بخفوت
ـ أنا منفذتش حاجة لسه. أنا بس اتكلمت مع صاحبتي و هي كلمت خالها عشان الشقة. لكن حتى العقد متمضاش لسه.
رؤوف بجفاء
ـ كويس. عشان أنا مش موافق على كل اللي بتقوليه دا.
ـ ليه بس ؟
رؤوف بنبرة حاسمة
ـ من غير ليه؟ مشروعي هبدأه على قد ايدي، و ياريت اللي حصل دا ميتكررش تاني.
رغمًا عنها تساقطت العبرات من مقلتيها ليشعر بالذنب حيال حزنها، فرقت نبرته قليلًا حين قال
ـ أنا مقصدش اجرحك. بس لازم تفهمي اني مقبلش حد يكونله جميلة عليا.
قاطعته وهي تتحدث من بين عبراتها
ـ مفيش جميلة ولا حاجة. هو راجل كبير واحنا في سن أولاده و حب يساعدنا، وانت ممكن لما يبقى معاك فلوس تديله فلوس الست شهور دول. أنا على فكرة مش زعلانه على أسلوبك ولا طريقتك الجافة معايا قد ما زعلانه انك تجازف بخسارة فرصة زي دي، ولو متخيل اني بكذب و هدفعلك جنية من معايا انا ممكن اديلك رقم عمو جمال تكلمه و تتفق أنت معاه.
لمس الصدق في حديثها ليمد يده يحك مؤخرة رأسه بحيرة قبل أن يقول
ـ افرض الدنيا زنقت معايا و المكتب خد وقت طويل على ما اشتغل هجيب فلوس الراجل منين و هو عامل معايا موقف نبيل زي دا!
ميرهان بعتب
ـ ما أنت مادتنيش فرصة أكمل. هو مش انا قولتلك اني هشتغل معاك؟
رؤوف باختصار
ـ قولتي.
ـ عندك اعتراض؟
صمت لثوان قبل أن يقول بحرج
ـ هو أنا أكيد هحتاج حد معايا بس…
ميرهان بلهفة
ـ مبسش. انا موجوده و مستعدة نتشارك شوف أنت معاك كام و نحط قدهم، و كدا مشكلة الشقة خلاص اتحلت. احنا بس محتاجين نعمل فيها شوية تظبيطات بسيطة، و هنجيب الفرش، و معتقدش دا هيصرف كتير، و نوفر الفلوس للدعايا و للبنود التانية.
صمتت لثوان قبل أن تقول بعتب
ـ كل حاجة محلولة إلا إذا أنت مش حابب اني اكون معاك.
كان الحزن يلون ملامحها و عينيها تتوسلان إليه بألا يردها خائبة، و لكنه لا يستطيع أن يأخد هذا القرار الآن يلزم عليه التفكير قبل كل شيء لذا تحدث بنبرة لينة حين قال
ـ أنا اكيد مش معترض على شخصك، ولا على شغلك معايا. لكن أنا محتاج افكر قبل ما اخد قرار.
شعرت ببصيص الأمل لتهتف بسعادة
ـ وانا موافقة، و واثقة انك اكيد هتوافق.
رؤوف باندهاش
ـ جبتي الثقة دي منين!
ميرهان بخفوت
ـ لما توافق هقولك.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ♥️
★★★★★★★★★★
ـ كمال.
كان يقف في شرفة الغرفة يُعطيها ظهره أو بالأحرى يحميها من غضبه، فهي قد تمادت بالحديث معه، و لم تتفهم احترامه لشقيقه و لم تُعطيه الفرصة للتصرُف في الأمر بروية، و لذلك تجاهلها إلى أن يهدأ قليلًا لكنها لم تعطه الفرصة بل اقتربت منه و هي تمد ذراعيها لتعانقه من الخلف مستنده برأسها على ظهره العريض وهي تقول بخفوت
ـ لسه زعلان مني!
كان تأثيرها ضاريًا عليه، فقد اهتاجت دقات قلبه و كأن همسها كان بارودًا تفجر بين جنبات صدره، و ملامستها كانت كالصاعقة التي جعلت أنفاسه تتلاحق وهو يقول بنبرة جافة
ـ محصلش حاجة.
تغنجت أكثر وهي تقول
ـ كمال بقى. بليز متزعلش.
رغمًا عنه و عن كل شيء سامحها قلبه ليلتفت إلى الجهة الأخرى يُحاصرها بذراعيه القويتين و عينيه تحتويانها بنظرة عاشقة و نبرة رخيمة عين قال
ـ من سوء حظي ان قلبي ميقدرش يزعل منك.
تدللت أكثر و اتسعت ابتسامتها وهي تقول
ـ قصدك من حسن حظي.
كمال بنبرة عاشقة
ـ هنمشيها كدا. المهم اشوف ضحكتك الحلوة دي على طول.
تغنجت وهي تدعي الحزن حين قالت
ـ أنا مقصدتش ازعلك أبدًا بس اللي حصل النهاردة دا وجعني اوي، و زعلني فوق ما تتخيل.
امتدت أنامله تمسك بذقنها وهو يقربها منه قائلًا بنبرة رغم رقتها إلا أنها كانت صارمة
ـ مش هيعدي بالساهل، و لا هيتكرر تاني. كرامتك أنتِ و اهلك من كرامتي. لازم تفهمي دا كويس أوي.
اومأت برأسها قبل أن تقول بخفوت
ـ ربنا يخليك ليا.
كمال بنبرة عابثة
ـ مرضي يا بطل!
آسيا بخجل
ـ مرضي.
ـ نتصالح بقى؟
هكذا تحدث بتخابُث قابلته بالسخرية حين قالت
ـ احنا اتصالحنا على فكرة.
باغتها حين حملها بين يديه وهو يقول بوقاحة
ـ اتصالحنا شفهي دا تمام. كدا يبقى فاضل ايه؟
قهقهت بصخب وهي تشاكسه قائلة
ـ تمام التمام.
شاركها ضحكها هو الآخر قبل أن يقول بعبث
ـ اهو تمام التمام دا العملي بقى.
أنهى جملته و اخذها معه إلى عالم العشق الذي يقتصر عليهمَ فقط. حيث يحيا كليهما السعادة التي خلقت لأجلهم فقط.
اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً ♥️
★★★★★★★★★★★
مرت الأيام رتيبة على البعض سريعة على الآخر ما عداها لم تمُر أبدًا كانت الدقائق تشبه بعضها و اللحظات تجردت من الشغف، فلم يعُد شيء يُثير انتباهها، و كان هذا الأمر شاقًا على قلبها الذي حاولت دفن ألمه بين طيات الكُتب علها تضيع بين سطورها و تنسى معاناتها بين حكايات أبطالها، فالغياب أمرًا مؤلم على العاشق، فماذا لو كان هو من أختار ذلك بإرادته، فقد تجنبته بشتى الطرق و فعل هو مثلها، ولكن في النهاية أتى به الشوق جرًا ليتوجه رأسًا إلى غرفتهم التي شهدت على أروع اللحظات التي عاشوها معًا ليفتح الباب دون أن يطرقه، ومن حسن حظه وجدها تجلس على الأريكة و تُمسِك بيدها أحد الكُتُب، و يبدو أنها وجدت مؤنسًا لوحدتها طوال الأسبوعين المنصرمين على عكسه، فلم يجد ما يحل محلها في حياته.
ـ عاملة أيه ؟
لم تتنازل و ترفع رأسها عن الكتاب أمامها بل استجمعت جميع جأشها و ثباتها لتضمنه في لهجتها حين قالت
ـ الحمد لله.
لم يروق له برودها و لا تجاهلها له، و لكن الغلبة كانت لشوقه لذا اقترب يجلس بجانبها و هو يُحاول سلك أي طريق قد يقوده لقلبها مرة أخرى
ـ ميثاق الحب و الياقوت ( روايتي الورقية 🙈). حلو الاسم. أول مرة اعرف انك بتحبي تقري رومانسي!
لم تُزيح انظارها عن الكتاب في يدها وهي تُجيبه ساخرة
ـ على أساس انك تعرف اني بحب القراية من الأساس!
إجابتها جعلت ابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه قبل أن يمد يداه لتحتوي كفوفها التي تحتضن الكتاب و يقربها منه وهو يقول بنبرة خافتة
ـ طب خلينا نقرا سوى يمكن الرواية تعجبني. انا كمان بحب الروايات الرومانسية على فكرة.
سحبت يدها من بين يديه دون أن تمّن عليه بنظرة واحدة من عينيها بل تحدثت بنبرة جافة صارمة حين قالت
ـ القراءة دي زي التوب مينفعش اتنين يلبسوه في نفس الوقت، و بعدين بما أنك بتحب الرومانسي زي ما بتقول يبقى الرواية دي مش هتعجبك.
لم يكُن خصمًا سهل، فهو مثلها لا يستسلم بسهولة لذا استفهم قائلًا
ـ ليه مش هتعجبني؟
رفعت رأسها لأول مرة تُطالعه بعينين لا تُخفيان الألم، ولا اللوم الذي شاب لهجتها حين قالت
ـ عشان البطل و البطلة مكنوش عايشين حياة طبيعية، و البطل يمكن مقالش بحبك للبطلة غير في الفصل الأخير. بس عارف؟ هو طول الوقت بيثبتلها أنه بيحبها. بالرغم من كل العقبات اللي كانت بينهم، و بالرغم من أنها كانت عدوته. بس ولا حاجة من دي قدرت تمنعه عن حبها.
اهتاج قلبه و أعلن راية العصيان أمامه جراء كل هذا الحزن و اللوم الذي يندفع كالأعيرة النارية من بين كلماتها ليُقرر أن يُسايرها عله يصل إلى نقطة إلتقاء معها
ـ طيب و البطلة عملت أيه؟
شروق بنبرة تئن من فرط الوجع
ـ طلعت ذكية أوي. قاومته لأقصى درجة ممكنة. قاومته و قاومت قلبها و قاومت الواقع اللي جمع بينهم. كل حاجة كانت ضدها بس هي فضلت على موقفها.
لا إراديًا ربط بين الواقع و الخيال لتخرج الإجابة مندفعة من بين شفاهه حين قال
ـ طبعًا بما أنها قصة خيالية، فأكيد هيفضل على موقفه. لكن لو جينا للواقع سيكولوچية الراجل بيمل من الرفض، و دا الشيء الست مبتقدرش تفهمه.
كانت تتوقع إجابته، فهي نهجه في الحياة و شريعته للدفاع عن ما يُريد لذا تحدث بسخرية حين قالت
ـ تقصد سيكولوچية الراجل الأناني. أو بلاش أناني. نقدر نقول سيكولوچية الراجل قبل ما يعرف يعني أيه عطاء، وهو استخدم أكتر سلاح ممكن يهدم بي كل الحواجز اللي بنتها بينهم.
عمر باستفهام
ـ اللي هو أيه؟
ـ طمنها.
صمتت لثوان تحارب عبراتها، وهي عازمة كُليًا على هدم كل ذرة ثقة بقلبها داخله
ـ و مش بس كدا. دا مسبهاش تقف ولو لحظة قدام نفسها و لا سابها فريسة لللوم و الندم.
ارتفعت إحدى زوايا فمها بابتسامة ساخرة قبل أن تقول بنبرة تهكمية
ـ عشان كدا قولتلك الرومانسية اللي فيها مش هتعجبك. مش التايب بتاعك، و لا تشبه دماغك و لا تفكيرك.
صدمته كلماتها كثيرًا خاصةً أنها برعت في حجب ألمها الداخلي عنه. كل ما بدر منها كان سخرية و حط من قدره. ألهذه الدرجة تراه حقيرًا ؟
بكل ما تملك من الثبات نصبت عودها و قامت بوضع الكتاب من يدها وهي تتوجه إلى الخارج ثائلة
ـ هروح أدي تيتا الدوا.
لم يلتفت و لم يُجيبها، فقد كان هناك غضب عظيم يجيش بصدره في هذه اللحظة لو أطلق له العِنان لحرق الأخضر و اليابس، و لكن فجأة لفت انتباهه شيء ما داخل الكتاب فقام بجذبه ليجد وردا ذابله كان قد وضعها ذلك الصباح بعد أن أتم زواجه منها، فهي لازالت تحتفظ بها و أيضًا وجدها ظللت أحد الخاطرات المدونة في هذه الرواية باللون الفوسفوري و قد كان نصها
" ببالغ الهوى أُعلِنها أن هواك قدر، و قدر الله و ما شاء فعل.
رغمًا عنه تألم قلبه كثيرًا و هو يرى حقيقة صورته داخلها. ألهذه الدرجة لامت نفسها لأجل ما حدث بينهم؟ يعلم أنه جرحها، ولكن لم يكُن الأمر كما ظنت، فهو لم ينوي التخلي عنها، ولكن الأمر كان مُفاجأة لم يحسب حساب لها.
امتزج الغضب و الألم بصدره ليُقرر الحديث معها، و لكنه توقف لثوان وهو يعبث بأحد صفحات الكتاب لبجذب القلم الذي استخدمته و يقول بتظليل خاطرة أخرى تروي شعوره نحوها، و قد عزم على حل هذا الأمر الليلة..
إنّي أسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير العمل، وخير الثواب، وخير الحياة، وخير الممات، اللهم ثبِّتني، وثقِّل موازيني، وحقق إيماني، وارفع درجاتي، وتقبَّل صلاتي، واغفر خطيئتي، وأسألك الدرجات العُلى من الجنة♥️
★★★★★★★★★
ـ أيوا يا مدام سوزي. انا عماله ألف في المول اهو لحد ما الاقي المحل اللي قولتي عليه.
هكذا تحدثت أشجان في الهاتف ليأتيها صوت سوزان الحانق
ـ والله أنتِ اللي أصريتي تنزلي تشتري الحاجات و أنتِ أساسًا بتتوهي قدام بيتكوا.
أشجان بتبرير
ـ الحق عليا اني مردتش الشغل يتعطل!
سوزان بتهكم
ـ عليا انا بردو الكلام دا! ولا هو عشان بقاله كام يوم مبيجبش فالمطعم مبقالوش طعم من غيره. طب على فكرة بقى هو أصلًا بلغني أنه مسافر بره و مش هييجي غير بعد شهر
توقفت بمكانها وهي تحدث نفسها بحزن لون معالمها و انعكس على بريق نظراتها
ـ شهر. هيغيب شهر بحاله!
رفرفت برموشها وهي تحاول ألا تبكي لتحاول إنهاء المكالمة وهي تقول
ـ لما الاقي المحل هكلمك.
أغلقت الهاتف مع سوزان وهي تسير بغير هُدى في المول الكبير تتذكر كلماته الحانية و أفعاله التي كانت تُخيفها من فرط روعتها، و تتذكر الحياة التي كانت عينيه تعدها بها، و الآن تبدد كل شيء، فهو غادر دون أن يُخبرها. بالتأكيد مل منها و من كل هذا التعقيد و الحزن الذي يُحيط بها لترفع رأسها عاليًا وتحاول ردع هذه العبرات في رفض تام منها لتصديق هذه التُرهات، فهو لن ينكث وعوده معها أبدًا، فقد انقضت عدتها منذ ثلاث أيام، و أصبحت حرة، وستتنعم بهذا الشعور ولن تدع أي شيء يُفسد عليها صفوها
ـ كنتِ مفكرة انك هتعرفي تهربي مني؟
انتفضت أشجان حين سمعت صوته الأجش من خلفها لتلتفت إلى الوراء فوجدته يقف بطلته المهيبة، طوله الفارع و لكنه بدا وسيمًا أكثر خاصةً حين تخلى عن رابطة عنقه و ترك أول أزرار قميصه مفتوحة و أيضًا خصلات شعره الفوضوي التي أضفت نوعًا من الجاذبية على ملامحه التي لونها العبث إضافة إلى نظراته التي تِشعرها و كأنها المرأة الوحيدة على هذه الأرض كل هذه الأشياء كان لها وقعًا ساحرًا عليها لتهتف بنبرة خافتة
ـ خالد بيه!
تقدم منها بخطوات وئيدة و عينيه التي طافت عليها بنظرة شملتها من كُليًا و كأنها تغازلها على طريقته ليقول بنبرة عابثة
ـ والله انت اللي بيه.
غمرها الخجل حتى لونت الورود وجنتيها لتقول محاولة لأن تنأى عن منطقة الخطر
ـ حضرتك جيت هنا امتى وعرفت انا فين ازاي؟
توقف أمام عينيها مُباشرةً ليقول بنبرة خشنة
ـ قلب العاشق دليله.
كلماته أذابت أوصالها حتى شعرت بأنها على وشك الإغماء ليُتابع بصوته الأجش
ـ لو روحتي لآخر الدنيا قلبي هيقولي أنتِ فين؟
حاولت الفكاك من أسره فأخذت تتلفت حولها وهي تقول بارتباك
ـ انت بتعذب نفسك على الفاضي.
خالد بفظاظة مُرددًا جملتها السابقة التي كانت تُثير جنونه
ـ نفسي وانا حر فيها.
اغتاظت من هيمنته الواضحة لتقول بانزعاج
ـ طيب اذا كان كدا عن اذنك.
لم يتزحزح ذلك الجبل الشامخ من أمامها انما لون العبث نظراته و هوويقول بثقة
ـ مهما بعدتي مش هتقدري تخرجي برا حدودي.
أشجان بخفوت
ـ و دا اسمه ايه ؟
خالد بنبرة تحمل من الحزم ما يوازيها من العشق
ـ أسمه اني محاوطك في كل مكان.
أشجان بتصحيح
ـ قصدك محاصرني.
خالد بخشونة
ـ صح. أنتِ صح. بس اقولك على حاجه أنتِ لسه مشوفتيش حصار خالد الوتيدي عامل ازاي؟
أشجان باستهجان
ـ لا والله كل دا و مشوفتش!
كانت عينيه العاشقة تناظرها بشوق و كأنه يحاول أن يتشرب ملامحها لتنطبع بين جفنيه، و قد عبرت كلماته عن جزء مما يجيش بصدره حين قال
ـ استني لما تبقي في حضني، و أنتِ هتشوفي الحصار على حق.
كلماته أصابت وترًا حساسًا داخل قلبها، ولكنها لازالت تحافظ على المتبقي من ثباتها حين قاله تنهره
ـ على فكرة حضرتك عيب اللي بتقوله دا، و مينفعش كدا.
اقترب خطوة منها تراجعت هي اثنين إلى الخلف حين شاهدت الوعيد الذي أطل من عينيه و نبرته حين قال
ـ و دا اعتراف من حضرتي اني قليل الأدب، و إن كان عاجب حضرتك.
لم تعرف ماذا تقول؟ ولا تدري كيف يمكنها ردع قلبها العاصي الذي يُحب كل شيء منه بل و يشتهيه لذا لم تجد بد من الهرب حتى لا تُلقي بنفسها بين ذراعيه فقالت بتلعثُم
ـ أنا مش هرد عليك، و اصلًا همشي.
ارتفع أحد حاجبيه بطريقة اربكتها، و خاصةً حين احتدت ملامحه فظنت أن حديثها أغضبه ولكنها تفاجئت حين قال بجفاء
ـ تعاليلي هنا يا هانم. أنتِ ازاي تخرجي من غيري وانتِ حلوة كدا؟
أشجان بنبرة على وشك البكاء
ـ على فكرة خضتني.
خالد بوقاحة
ـ لا اجمدي كدا. انا لسه معملتش حاجه.
خرجت الحروف مندفعة من بين شفاهها
ـ اقسم بالله انا خايفة منك موت.
كان يحاول قمع ضحكته بصعوبة على مظهرها الخائف، ولكنه بدلًا عن ذلك صيق عينيه و هو يقول بوعيد
ـ وحياة امي. كل اللي عملتيه فيا هطلعه عليكِ بس الصبر.
خرجت الكلمات منها مندفعة مُعاتبة حين قالت
ـ هتعمل أيه اكتر من كدا ما أنت بقالك تلت أيام مبتجيش المطعم، ولا بشوفك ومسافر لمدة شهر كمان.
توسعت حدقتيه لا يُصدق أنها اشتاقته، فقد قرر البقاء بعيدًا لفترة من الزمن يعلم الله كم جاهد نفسه حتى يظل على ثباته ليرى هل ستشتاق إليه أم لا و لكن الأمر تخطى حدود الشوق، فهي على وشك البُكاء الآن لأنه غاب عنها لثلاث أيام علمًا بأنه لم يكُن يُحادثها فقط نظرات متبادلة ليبتهج قلبه و ينشرح صدره الآن، فهاهو وصل إلى مبتغاها ليُقرر مشاكستها قليلًا حين قال بنبرة خشنة
ـ أخس عليا بقى انا عملت كل دا! طب هرجع من السفر امتى متعرفيش ؟
أشجان باندفاع
ـ بعد شهر.
اتسعت ابتسامته لتقطب هي جبينها قبل أن تقول بتبرُم
ـ بتتريق عليا!
خالد بنبرة خشنة
ـ لا مش بتريق. انا فعلًا هسافر، و هغيب تلت شهور. بس مش لوحدي. هاخد مراتي حبيبتي معايا.
برقت عينيها حين استمعت إلى كلماته لتهتف باستفهام
ـ تقصد مين؟
خالد بتهكم
ـ واحدة لسه قيلالي خالد بيه من شوية.
تحمحمت بخفوت قبل أن تقول
ـ ماهو أنا قولت انك رجعت في كلامك يعني، و كدا يعنى.
خالد بوعيد
ـ وكدا يعني! حصلت لكدا يعني! ماشي اتكي عالصبر بس.
لا إراديًا ابتسمت ثغرها على حديثه ليقول بخشونة
ـ استنيني النهاردة بالليل. انا جايلك زي ما وعدتك.
لأول مرة منذ زمن تتوهج عينيها بسعادة هكذا ليقترب منها قبل أن يقول بصوتًا أجش
ـ مبقاش في حاجة في الدنيا تمنعني عنك، و مبقاش في دنيا خلاص من غيرك.
ترقرقت العبرات في مقلتيها من فرط السعادة لتهمس بخفوت
ـ هستناك.
خالد بنبرة خشنة
ـ بحبك.
لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"♥️
★★★★★★★★★★
كان اليوم الثاني لها في الحضانة بعد أن استطاعت إقناعه بالعمل، وبعد وابل من التعليمات أخيرًا وافق على شرط أن تذهب معه صباحًا ولا تُغادر إلا برفقته. ابتسامة رائعة لونت ثغرها وهي تتذكر حين استيقظت لتجده كالعادة ينام على الأرض واضعًا رأسه بجانب رأسها على الأريكة لتكُن ملامحه الوسيمة هي أروع إطلالة تقع عينيها عليها في الصباح و خاصةً هذا الصباح حين امتدت يديه تداعب خصلاتها وهو يقول بنبرة مُتحشرجة من أثر النوم
ـ عليا النعمة أسيادنا راضيين عني. بتصبح كل يوم بالغُريبة الحلوة دي.
اتسعت ابتسامتها الحالمة والتي سُرعان ما تبددت حين سمعت هذا الصوت التي تعرفه جيدًا
ـ الله . الله. ما احنا بنعرف نضحك أهو يا ست البنات.