![]() |
رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثالث والثلاثون بقلم نورهان ال عشري
بعض الحقائق قد تُنجينا و بعضها قد يودي بنا إلى
الهاوية، و نحن حائرون لا نعرف أي درب علينا المُضي به، و كيف نمضي حاملين تلك الأثقال بقلوبنا ؟ الأفواه مُكممة و الكلمات أغواها الصمت فتوارت خلف بهتانٍ مزعوم بأن غض البصر عن الظُلم نجاة منه، و العقول وِجله أمام طُرُقات تبدو مُوحشة، مجهولة الأمد، و مغبة الخطأ خسائرها فادحة، فكيف ننجو بـ أرواحنا و قاطنيها من دوائر الغدر المغموسة بـ سموم لا ترياق لها ؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
تجمدت البسمة على شفاهها، وهي تنظر إلى أبغض وجه رأته في حياتها، فهبت واقفة كرد فعل تلقائي لرؤيتها عنايات التي كان الشر يتدافع كالأسهم من بين عينيها على هيئة نظرات تتنافى مع كلماتها الساخرة حين قالت
ـ اقعدي والله ما أنتِ تاعبة نفسك. هو أنا غريبة.
انتفضت أوداجها غضبًا من حديثها، فهتفت بحدة
ـ أنتِ ايه اللي جابك هنا يا ست أنتِ؟
عنايات بتهكم
ـ ست أنتِ! مش كان اسمي ماما قبل كدا! اخس عليكِ يا ناكرة العشرة و الجميل.
غنى بحدة يشوبها القهر و الاستنكار
ـ عشرة ايه و جميل أيه؟ هي دي كانت عشرة! دول كانوا سنتين مرار و سواد، و بعدين هو أنتِ تعرفي تعملي جميل في حد! أنتِ بتعملي اللي في مصلحتك أنتِ و المحروس ابنك و اي حد تاني يولع.
ابتسامة كريهة لونت ملامح عنايات التي أجابتها بنبرة جافة
ـ كويس أنك فاكرة. مش هتتعبيني، فتخلي بالك بقى كلمة تتنطور كدا ولا تتنطور كدا عن المحروس هقطعلك لسانك، و هنفذ اللي قولتهولك قبل كدا.
احتلت الصدمة ملامح غنى لتُتابع عنايات بنبرة لازعة
ـ متفكريش أنك خلاص مبقتيش تحت إيدي، و أن الريس بتاعك دا هيقدر يلحقك من بين إيديا!
اقتربت منها خطوتين وهي تُتابع بنبرة يفوح منها رائحة الشر
ـ لاااا. دانا اقدر افضحك و البسك مُصيبة تخليكِ متخرجيش من بيتك العمر كله.
لم تكُن لتخضع أبدًا أمام هذه الشيطانة بالرغم من هذا الخوف الذي تخر عظامها ولكنها هتفت بشراسة
ـ متقدريش لا أنتِ ولا مليون زيك تعمليلي حاجة! عارفة ليه ؟ عشان أنا مرات الريس ياسر الوتيدي، و لو مكنتيش عارفة مين الريس ياسر مكنتيش جيتي لحد هنا. خوفك جابك تهدديني، ودا تمامك و أخرك.
صمتت لثوان تُراقب تبدُل ملامح عنايات و التي تتماوج مع بين الغضب و الحقد لتُتابع قائلة بنبرة حادة كالسيف
ـ طول عمرك خايفة مني، و عملالي ألف حساب. عشان كدا طول الوقت بتهدديني بالرغم من أن اهلي رموني ليكِ و اتخلوا عني بس أنتِ كنتِ واثقة إني يوم ما هيفيض بيا هحرق الكل، و حصل. انا ولعت في بيتك و أنتِ فيه، و كنت هخلص ننوس عين ماما، ومهمنيش حد على الرغم أني كنت بطولي و لوحدي و الكون كله ضدي.
ابتسامة ظفر تلكأت على شفتيها قبل أن تُتابع بنبرة مُغترة
ـ جاية دلوقتي بعد ما بقيت في حما راجل الكل بيعمله ألف حساب تهدديني! حسيتها غلط يا عنايات، و غلطك دا معناه أنك خايفة. بس أنا هطلع جدعة و اعمل فيكِ جِميلة عشان العشرة السودا اللي عشتها معاكِ و اعدي اللي عملتيه و اللي قولتيه دلوقتي مقابل أني مشوفش خلقتك تاني.
لأول مرة تشعر بالعجز أمام أحدهم، و الذي لم يكُن سوى فتاة بائسة ظنت أنها ستستطِع أن تقمع كل تمردها و تطويه تحت راية الظُلم الذي مارسته عليها بكل فُحش ولكنها لم تستطِع أبدًا السيطرة على جموحها بالرغم من كل ما فعلته لكسرها، فقد لملمت حُطامها و أعادت تشييد هيكلها بصورة أشد وأقوى، ولكنها لن تتوانى في استخدام جميع الطُرق الملتوية لردعها لذا هتفت بحدة
ـ حلو البوقين دول. عجبوني بس مدخلوش دماغي، و لو فكرتي انك شوفتي الوش الوحش مني، فاللي شوفتيه دا أحسن ما عندي، و اللي جاي هيبقى سواد لو فكرتي تجيبي سيرة ابني تاني أنتِ ولا المدعوقة أمك! عرفيها الكلمتين دول.
زاغت انظارها و تهدجت أنفاسها من حديث عنايات، فهي لن تتجرأ و تأتي إليها لتنفُس سمومها سوى بحدوث أمر جلل و الآن علمت السبب ولكنها لم تتوانى عن رد الهجوم بآخر مُضاد حين قالت بجفاء
ـ ابنك ميهمنيش لانا ولا أمي ولا حد هيفكر يجيب سيرته. روحي دوريله على ضحية تانية، و شوفي هتسكتيها ازاي!
اهتاجت عنايات بشدة، فبدت كوحش قادر على القتل في هذه اللحظة لتقوم بدفع حاوية الأقلام التي كانت فوق مكتبها الخشبي وهي تصيح بصوت جهوري ارتعد له جسد غنى
ـ أنا حذرتك، و أنتِ مسمعتيش مني. خليكِ فاكرة كلامك دا كويس. عشان من النهارده أنتِ اللي فتحتي النار على نفسك، وأول اللي هيتحرق بيها حبيب القلب، و هعرفك مين هو رأفت عبد الحفيظ عشان بعد كدا تفكري ألف مرة قبل ما تجيبي اسمه بينك و بين نفسك.
أنهت جملتها و التفتت تُغادر تاركة جمرة مشتعلة من القلق بصدر غنى التي هتفت بقهر
ـ الله يسامحك ياماما. الله يسامحك.
قامت بجذب هاتفها و حاولت الاتصال بهاتف ياسر الذي كان خارج نطاق التغطية ليتملك القلق منها أكثر، فكررت محاولاتها مرارًا و تكرارًا وهي تناظر مكتبه من شرفة الغرفة التي تقف بها، فلم يكُن هُناك مما جعلها تهرول إلى هناك لتستفهم من العاملين عن مكان تواجده
ـ عم محسن . متعرفش ياسر فين؟
العامل باختصار
ـ الريس ياسر في المحجر و قدامه ساعتين على ما بيجي.
زفرت بغضب وهي تُعنف نفسها، فقد أخبرها بتواجده في المحجر اليوم، فزفرت بتعب وهي تعود مرة أخرى إلى مقر عملها تحاول هذه المرة الإتصال بوالدتها التي ما أن اجابتها حتى هتفت بحدة
ـ نفسي اعرف يا ماما هو أنتِ حد مسلطك عليا! حد قالك بنتك معندهاش مشاكل روحي ابليها بالقرب و المصايب!
صابرين بصدمة
ـ في ايه يا بت؟ بتقولي كدا ليه حصل ايه؟
غنى بانفعال
ـ كمان مش عارفة عملتي ايه؟ أنتِ جبتي سيرة الزفت رأفت دا مع مين؟
مرت ثوان قبل أن تقول بنبرة مهزوزة
ـ محصلش، وانا هجيب سيرة اللي ما يتسمى دا ليه؟
غنى بقهر
ـ ياماما أبوس ايدك مرة خليكي صريحة معايا، و بلاش كدا. حرام عليكِ عنايات جتلي الحضانة و هددتني. قوليلي قولتي ايه ولا عملتي ايه جننها كدا!
صابرين بارتباك
ـ ربنا ينتقم منها البعيدة، والله انا ما قولت حاجات كتير يعمي.
ـ اللي هي ايه؟
صابرين بتلعثُم
ـ بصراحة يعني الولية مفيدة اللي جنبنا المخفي متقدم لبنت أخوها و دي يتيمة، و الست جت سألتني اطلقتوا ليه، فلمحتلها يعني أنه مش ولا بد. صعب عليا البت اليتيمة تلبس اللبسة السودا دي.
غنى بنبرة يشوبها القهر
ـ وأنا مبصعبش عليكِ؟ يا ماما اتقي الله فيا و كفاية بهدلة بقى. خليني ألملم اللي باقي مني و اعرف اعيش.
صابرين بحزن
ـ حقك عليا يا بنتي. والله أنا….
قاطعتها غنى بجفاء
ـ روحي يا ماما دلوقتي و ابوس رجلك متجبيش سيرته تاني لحد عشان أنا لو موت نفسي محدش هيشيل ذنبي غيرك.
قامت بإغلاق الهاتف تزامنًا مع قدوم أحد المعلمات التي تعمل معها لتُطلعها على بعض الأمور لتُجيبها بآلية قبل أن تقول بنبرة متعبة
ـ روفيدا هتعبك لو قولتلك خدي الحصة دي مكاني! تعبانه و مش قادرة اعمل اي حاجة خالص.
روفيدا بلهفة
ـ لا طبعًا يا حبيبتي مفيش تعب ولا حاجة.
غنى بخفوت
ـ تسلميلي.
ضيقت روفيدا عينيها بمكر قبل أن تقول
ـ هو حصل ولا ايه؟ اعترفي.
غنى بعدم فهم
ـ هو أيه اللي حصل؟
ـ أيوا اعملي فيها مش فاهمة! هيكون ايه يعني ؟ الحمل. شكلك حامل. صح ؟
هكذا تحدثت روفيدا بحماس قابلته غنى بالخيبة التي لونت ملامحها و نبرتها حين قالت بخفوت
ـ حمل! ياااه دا احتمال بعيد اوي.
روفيدا باستفهام
ـ بتقولي ايه؟
غنى بجمود يتنافى مع الهشاشة بداخلها
ـ لا أبدًا بقولك لا مش حمل انا تعبانه بقالي فترة.
شعرت روفيدا بأنها لا تُريد الحديث لذا تراجعت عنها لتضع غنى يدها بين كفوفها وهي تستعرض كل ما حدث معها، و تتخيل أن هناك فتاة أخرى قد تُعاني من هذا العذاب الذي تذوقته مع شبه الرجل هذا و والدته، و إن كان الإلم الذي تحياه الآن هو البديل عن هذا الظلم في حق بريئة أخرى، فهي راضية لذا رفعت رأسها إلى الأعلى وهي تقول بنبرة مُتهدجة
ـ أنا راضية يارب. راضية وانا عارفة انك رحيم اوي و هترأف بوجعي.
هبطت دمعة من طرف عينيها وهي تُضيف
ـ الحمد لله على كل شيء.
★★★★★★★★★
كانت تنوي الدلوف إلى غرفة ميرهان لتجد رنا تنادي على أحد الخادمات بإلحاح، فانتابها الفضول لمعرفة ماذا يجري لتجد الغرفة مقلوبة رأسًا على عقب و الصغيرة تتحدث مع الخادمة بحماس
ـ عيزاكي تطلعيلي كل ألعابي من وانا لسه صغيرة و تجيبيهملي..
ـ رنوشة بتعملي ايه يا قمر؟
هكذا استفهمت هايدي لتُجيبها رنا بحماس
ـ بطلع كل ألعابي وانا صغيرة عشان اديهم لمريم أختي.
هايدي باستفهام
ـ مين مريم أختك دي ؟
ـ مريم بنت أشجان صاحبتي و هتبقى مرات بابي.
هكذا تحدثت رنا وهي مشغولة بتغليف أحد الفساتين لتُهادي به مريم فبرقت عيني هايدي من حديثها لتقوم بجذبها لتجلس على السرير خلفها وهي تقول باستفهام
ـ لا أنتِ تقعدي هنا و تفهميني. يعني ايه هتبقى مرات بابي! هو بابي هيتجوز ولا أيه ؟
رنا بحماس
ـ أيوا هيتجوز أشجان اللي هي أخت آسيا مرات أنكل كمال.
هايدي باستفهام
ـ أنتِ متأكدة من الكلام دا يا رنا؟
ـ أيوا متأكدة بقولك مريومة خلاص هتبقى أختي، و هتيجي مع أشجان و أمجد يعيشوا معانا هنا. أنتِ مش شيفاني بطلعلهم ألعابي و جيبالهم هدايا كتير ازاي!
هرولت هايدي إلى نبيلة التي كانت تحاول انتقاء ملابسها تحضيرًا لهذه المناسبة التي ستعزز أهدافها كثيرًا، فتفاجئت من اقتحام هايدي لغرفتها وهي تقول بلهفة
ـ الحقي يا مامي في حاجة حصلت.
التفتت نبيلة بفزع تجلى في نبرتها حين قالت
ـ حصل ايه؟
قصت عليها هايدي ما حدث لتختتم حديثها قائلة
ـ البنت بتأكد أنه هيتجوز اللي اسمها أشجان دي.
توسعت حدقتي نبيلة وهي تتذكر معاملة هذه المرأة مع رنا التي كانت تجلس بجانبها طوال الفرح، وذلك الموقف الذي جمعها بها.
عودة لوقت سابق
ـ شوشو . أخيرًا لقيتك.
هكذا تحدثت رنا بسعادة وهي تعانق أشجان التي هتفت بحبور
ـ حبيبتي يا رنا. وحشتيني أوي.
تبادلت العناق مع هذه الفتاة التي تحبها قبل أن تقول بحنو
ـ طمنيني عليكِ. عاملة ايه ؟
رنا بأدب
ـ الحمد لله تمام. أنتِ وحشتيني أوي، و كنت طول الفرح عايزة اسلم عليكِ.
أشجان بنبرة حانية
ـ يا روحي طب و مجتيش تسلمي عليا ليه؟ أنا كنت قاعدة جنب ماما و بنات خالتي.
ـ كنت مكسوفة، و قولت لبابي أني عايزة اسلم عليكِ قالي حاضر بعد الفرح بس أنا لما لقيتك جايه التويليت جيت جري وراكي.
أشجان بحُب
ـ يا روحي. أنتِ بس كنتِ شاوريلي. أنتِ وحشاني اوي و كان نفسي أشوفك.
رنا بخفوت
ـ و أنتِ كمان وحشتيني اوي.
عانقتها أشجان مرة أخرى قبل أن تقول
ـ يالا تعالي ندخل جوا و اعرفك على ولادي و أصحابي.
عودة للوقت الحالي
ـ انا كنت حاسة من يوم الفرح بحاجة مش مظبوطة.
هكذا تمتمت نبيلة حانقة، فهتفت هايدي بسخط
ـ بتقولي ايه يا مامي؟
نبيلة بنبرة صارخة
ـ بقول إن في كارثة هتحل على دماغنا كلنا لو ملحقنهاش.
هايدي بقلق
ـ عندك حق. مش كفاية البلوتين دول. بيتنا كدا هيتملي خدامين. هقول ايه لصحابي لما ييجوا حفلة عيد ميلادي و يسألوني عنهم!
نبيلة بحنق
ـ صحابك ايه و زفت ايه؟ احنا في اصحابك دلوقتي! ولا في البلوة السودا دي. كله مقدور عليه إلا خالد. دا بالذات مش هينفع يرتبط ببنت الخدامة دي.
هايدي باستفهام
ـ اشمعنى خالو خالد! طب ما خالو كمال اتجوز أختها.
نبيلة بسخط
ـ خالد في ايده كل حاجة. فلوس و أملاك العيلة كلها تحت أيده، و بعدين عشان فجأة يتخطى ذكرى نادية و يفكر يتجوز تاني يبقى احنا كدا في خطر رسمي.
هايدي بعدم فهم
ـ طيب ماهو قال من زمان أنه هيدي كل واحد حقه. فين المشكلة بقى؟
نبيلة بحدة
ـ المشكلة لو خلف ولد. كدا هيقش كل حاجة، و احنا هنطلع بملاليم في الآخر.
رنا هاتفها ليقاطع استرسالها في الحديث لتقوم بالإجابة على الفور لتستمع إلى حديث المتصل وهي تدور في الغرفة بغير هدى و من ثم هتفت بحدة
ـ ابعتلي كل حاجة عالواتس، و أنا هتصرف.
أنهت المكالمة وهي تُفكِر كيف ستوقف هذا الزفاف حتى لو استدعى الأمر العودة إلى أساليبها الملتوية كما في السابق!
اللهم ارزقني رزقًا واسعًا حلالًا طيبًا، واستجب دعائي من غير رد، وأعوذ بك من الفضيحتين؛ الفقر والدين♥️
★★★★★★★★★★
كان يقف أمام الزُجاج الذي يفصله عنها بأعيُن يتماوج بهم العشق و الكره معًا، فهو الذي فعل المُستحيل و المُمكن لكي يحصل عليها و هاهي كعادته تُعانده في يقظتها و نومها، فقد حرمته لذة قربها و حتى أبسط الأشياء كالنظر إلى عينيها لم يعُد مُتاحًا وهي تُغمض عينيها لأشهر و كأنها تخبره بأنه باستطاعتها الابتعاد عنه متى شاءت
ـ رماح بيه.
هكذا تحدث الطبيب ليُجيبه رماح بقسوة
ـ لو مش هتجولي أنها هتفوج يبقى تجفل خشمك أحسنلك.
الطبيب بخوف تجلى في عينيه و نبرته حين قال
ـ قولت لحضرتك دا شيء مش بإيدينا. الغيبوبة اللي هي فيها دي بإرادتها. العقل رافض الواقع و…
قاطعه رماح بجفاء
ـ معيزش اسمع الحديت الماسخ ده تاني، و چهز حالك عشان هنرچع الوكر.
الطبيب بتلعثُم
ـ طب و الحالة؟
رماح بصُراخ افزعه
ـ ملكش صالح بحاچة. نفذ اللي جولتلك عليه.
اومأ الطبيب بصمت وهو يهرول من أمامه ليهتف رماح بشراسة
ـ بت الوتايدة بتعاندني و بتچف جدامي حتى في نومتها. ماشي يا صافية. خلينا نشوف مين نفسه أطول من التاني.
زفر بقوة قبل أن يتوجه إلى الجحيم الذي يستوطنه و الذي كانت بوابته ظاهريًا و كأنها باب من أبواب الجنة، وحين شاهده قاطنيها كُلًا التزم قوقعته إلى أن وصل إلى عقر داره ليتربع على كرسيه الضخم و خلفه إمرأة صاخبة في كل شيء ملابسها و ردائها و زينتها و حُليها التي ترتديها وعلى الرغم من صخبها إلا أنها تُجيد امتصاص كل ما هو سيء به لتقترب منه و تقوم بتمسيد رقبته و عضلاته المُتشنجة وهي تقول بنعومة
ـ وشك ولا وش القمر.
زفر رماح بقوة لتعلم بأن الغضب على أشده مما جعلها تُغير لحن الحديث إلى آخر يروق له حين قالت
ـ دفعة البنات الجديدة جهزوا و مستنيين الإشارة.
رماح بحدة
ـ كلات ده و لسه متسرحوش!
سحر بنعومة
ـ مردتش اسرحهم قبل ما تشوفهم الأول. يمكن تعجبك واحدة منهم، و تحب تخليها.
ابتسامة اعجاب ارتسمت على ملامحه قبل أن يقول
ـ تعِرفي يا سحر انك من بين كِل الستات اللي عرفتهم في حياتي أنتِ بس اللي بتفهميني و بتعرِفي اللي رايده من جبل ما اتحدت.
التفت تناظره بأعيُن صافية كالسماء شديدة الزُرقة قبل أن تقول بليونة تعجبه كثيرًا
ـ سحر دايمًا رهن إشارتك يا سيد قلبي و سيد الناس كلهم.
سرح رماح إلى البعيد وهو يقول بنبرة تقطُر ألماً و حقد
ـ الكلمة دي اتجالتلي من كل الحريم اللي عرفتهم ماعدا الحُرمة الوحيدة اللي اتمنيت اسمعها منيها.
تعلم جيدًا كيف تراوغ ألمه و تُفلت من بين براثن غضبه حين قالت
ـ يمكن عشان شافت منك اللي مفيش ولا واحدة مننا شافته.
رماح باستفهام
ـ تجصدي اي؟
سحر بتخابث
ـ دللتها زيادة عن اللزوم.
رماح بجفاء
ـ الغصب مهيچيش معاها. دي معچونة بالعِند.
سحر بمكر
ـ يبقى عرفتها مكانتها عندك عشان كدا اتمردت عليك.
رماح بتهكم
ـ مكانتها عرفاها زين من زمن الزمن.
سحر بنعومة
ـ من أول ما عرفتك و أنت بتحكيلي على الحكاية دي كلام مُبهم و على المتغطي. ما تجرب تحكيلي اللي في قلبك يمكن أقولك الغلط فين و تصلحه ازاي!
ضيق رماح عينيه بريبة قبل أن يقول باستفهام
ـ ناوية تجربيني من صافية اومال! معتخافيش على مكانتك عِندي يا سحر ولا اي؟
سحر بدلال
ـ مكانتي عندك محفوظه، و مهما كنت بتحبها بس عمرها ما هتعملك اللي انا بعمله. بنت الوتايدة على كلامك راسها في سابع سما.
كز على شفتيه وهو يقول بحنق
ـ و دي مشكلتها معاي. بالرغم من كل اللي عملته عشانها. بردك حطاني في خانة العدو، و صدجت الخرفان أبوها.
سحر باستفهام
ـ أنت قولت قبل كدا أنها بتحبك. ايه اللي حصل و فرقكوا.
ارجع رأسه للخلف لتشرع هي بممارسة عملها في تمسيد أكتافه و عضلاته حتى يسترخي أكثر ليبدأ حديثه بمرارة لم تُخطيء في فهمها
ـ كانت بت ستاشر سنة. زينة البنات، و الكفر كله يتمنى بس لو يلمح طيفها، و كان أبوها عاملها كيف الملكة على الكل. ما هي اللي بجياله من ريحة مرته. على عكس الناس كلاتها كان نفسه يچيب بنت عشان تبجى شبهها و كيفها. مرته كانت اسكندرانية، و كان بيحبها جوي، و لما ربنا نوله مراده و چابتله بنتين تؤم ماتت واحدة منيهم أو أنخطفت! و اتبجت له صافية.
سحر باستفهام
ـ لا. ماهو يا ماتت يا أتخطفت! انهي فيهم.
رماح بتهكم
ـ التنين! البت أتخطفت و جالوله ماتت.
ـ و مين اللي خطفها!
رماح بقسوة
ـ الحية أم نچيبة. مرت أخوه.
ـ و ليه عملت كدا!
رماح بسخرية
ـ كيد حريم، و طمع. كانت بتغار من سلفتها و خطفت البت الصغيرة و كانت هتخطف التنين لولا البت الداية خافت.
سحر باستفهام
ـ طب و عملت ايه في البنت اللي خطفتها؟
ـ رمتها في ملجيء، و خلت الوتيدي يتحسر على بته، و عشان أكده كان بيخاف على صافية من الهوا الطاير، و لما روحت اتجدمتلها رفضني. جال مش هيچوزها لتاجر مخدرات. مع أنه كان له في تچارة السلاح. بس بته حبيبته لما يحب يچوزها لازمن تتچوز راچل مالوش في العك. ده حديته ليها اللي ملا راسها بيه و خلاها تكرهني، و عشان أكده كان لازمن انتجم منيه.
قال جملته الأخيرة بنبرة تقطُر حقدًا لتستفهم سحر بفضول
ـ طب و أنت انتقمت منه ازاي؟
رماح بسخرية
ـ نچيبة كانت عيني چوا داره. جدرت اشتريها، وهي الحجيجة كانت سهلة زي بتها. چوزها كان كبر و مبجاش فيه حيل وهي كانت مسعورة عالدنيا، و لما جربت منيها أكتر وأكتر جالتلي على سر أمها أخت صافية اللي خطفتها، و من اهنه بدأت افكِر ازاي استغل كل حاچة لصالحي. لغاية ما چه اليوم و عرفت أنها چايلها عريس.
اغمض عينيه وهو يتذكر تلك الذكرى المؤلمة
عودة لوقتٍ سابق
ـ نچيبة. أنتِ فين يا ولية أنتِ؟ و فرسة ايه اللي عيانه دي!
هكذا تحدثت صافية بحنق وهي تفرق أنظارها على الجياد التي كانت تعشقهم، و قد أخبرتها زوجه أخيها بأن إحداهما مريضة، ولكنها تفاجئت بذلك الذي خرج من بينهم وهو يقول بعتاب اخترق جدران قلبها
ـ اني اللي عيان و جربت أموت على يدك يا صافية!
ارتجفت دقات قلبها حين رأته، وعلى الرغم من فارق العمر بينهم ولكنه كان وسيمًا ذو بنية قوية و طول فارع وقد وقعت في هواه منذ أن رأت أول مرة أمام مدرستهم، ولكنها أدركت حقيقته المُرة بعد ذلك لتحجب أنين قلبها العاشق وهي تقول بجفاء
ـ اطمن الموت مبيخدش العفشين، وأنت أولهم. أية اللي چابك اهنه؟ مش جولتلك معيزاش اشوف خلجتك تاني!
رماح بقهر
ـ چبتي القسوة دي منين يا صافية؟ لحجتي تنسي رماح حبيبك! صدجتي عليا الحديت العِفش اللي جالوا أبوكي و دوستي عاللي بيننا!
صافية بنبرة جريحة
ـ إيوا دوست. لما توعدني مرة و اتنين و تلاته انك هترچع عن سكة الحرام و ترچع في وعدك يوبجى لازمن أدوس عليك و أتبرى من حبك.
رماح بنبرة يشوبها التوسل
ـ والله العظيم ما حوصول. ده كذب. اني مرچعتش للسكة دي من تاني.
صافية باحتقار
ـ بتحلف بالله كذب! حتى اسم ربنا مبيخوفكش!
قامت بلكزه في كتفه ليتراجع من شدة الألم لتهتف هي بقهر
ـ مش دي رصاصة الحكومة اللي خدتها في العملية الأخيرة. ياريتها كانت موتتك و ريحتني.
رماح بحدة وهو يقترب منها قائلًا
ـ بتتمنيلي الموت يا صافية. كل الحب اللي شايلهولك في جلبي ده مهيشفعليش عِندك؟
ـ لاه. مفيش حاچة في الدنيا تشفعلك عِندي. إلا الحرام، و تچارة الزفت ده. اللي كل يوم بتضيع شباب زي الورد. عايزني اتغاضى عن عفاشتك، و أتچوزك عشان اتحسر على ولدي لما يدوج السم اللي بيتاچر بيه أبوه! ولا استنى لما الاچي عيالي تُچار مُخدرات زيك! لاه و مليون لاه يا رماح.
هكذا تحدثت بجفاء يتنافى مع ألم عينيها ليهتف بقسوة
ـ طب يمين بالله يا صافية و حياة حبي ليكِ ما هيكونلك ولاد من حد غيري، ولا هيكونلي ولاد من حد غيرك، و يا تاچي بالذوج و افرشلك الطريج ورد وحب يا هچيبك بالعافية و في طريج مفروش بالدم.
شعرت بالخوف من حديثه و نظراته ولكنها أرادت محو أي أمل يخالج صدره تجاهها حين قالت بجفاء
ـ لا ده ولا ده. مفيش طريق من أساسه هيجدر يچمعنا يا رماح. أني وافجت أتچوز من ولد العتامنة، و حبك رميته من جلبي خلاص.
اهتاج كالوحوش وهو يصيح بزأير
ـ مش هيحصل يا صافية، و رب العزة ما هيحصل، و حتى لو حكمت و اضطريت اخلص على الوتايدة نفر نفر، و لا أنك توبجي لغيري.
عودة للوقت الحالي
ـ كنت ناوي انفذ تهديدي و اخلص عليهم و اخدها و اهروب. لولا بنت الشياطين نچيبة. شارت عليا اني اوهمهم أنها اتجتلت، و عشان محدش يدور ورا الموضوع كان لازمن يبجى في فاعل.
هكذا تحدث رماح وهو يتجرع هذا المشروب الكحولي لتهتف سحر بلهفة
ـ و عملت ايه ؟
رماح بجفاء
ـ خدتني على الميتم، وورتني البت أختها، و من حسن حظي أنها كانت في بحري، و بعيد عنينا و كانت فولة و اتجسمت نصين من صافية. خدتها و كني لجيت هدية من السما، و فكرت ازاي ممكن اخد صافية و ارچعها مكانها. لكن لچيت أنها فكرة شينة. البت كانت بتلعب بالبيضا و الحچر، و مكنتش هتستُر و من اهنه چتلي فكرة بمليون چنية.
سحر بفضول
ـ اللي هي أيه؟
رماح ببساطة تتنافى مع حقارة فعلته
ـ لچيت نچيبة چاية تچري و تجولي أن ربيع واد عم صافية شافها لما كانت چاية تجابلني آخر مرة و هيفضحنا، مكنش جدامي وجت. ربيع ده كان خمورچي و له في الكيف من بعد موت مرته، هددته اني هجتل ولاده لو فتح خشمه بحرف، و خدت غرضي من البت أختها، و رميتها في الزريبة و الكلب ربيع چارها بعد ما كان مش داري بالدنيا، و في نفس الوجت ده نچيبة دست المنوم في العصير اللي شربته صافية و الكل اتچمع اهناك يشوفوا المُصيبة واني خدت حبيبتي و هربت من غير ما حد يحس، و شربوها الوتايدة، و دفنوا البت دي على أساس أنها صافية، و لبسها ربيع.
شهقت سحر بصدمة قبل أن تقول بذهول
ـ يالهوي. ايه الدماغ دي! دا أنت ولا ابليس زي ما قالت صافية عنك!
رماح بحدة
ـ هي السبب في كل اللي حوصول ده. لولا عنادها و نشفان راسها مكنش حاچة من دي حصلت، و لساتها بتعاند وياي، و مش بس هي ! دول الوتايدة كمان. بنت المركوب اللي اسمها بدرية سلمت لحمي ليهم، و رحيم الكلب عايز يلاعبني، و ياخد تاره.
سحر بحنق
ـ ياما قولتلك بدرية دي مينفعش تتساب كدا. دي ملهاش أمان. مسمعتش كلامي!
رماح بحنق
ـ اللي بتعرِف بدرية تعملوا محدش تاني يعرِفه، و بعدين اني لسه متوكدتش هي جالتلهم على صافية ولا لاه؟
ـ و دي محتاجة أكيد قالتلهم!
رماح بجفاء
ـ مش من مصلحتها تجولهم. هي متورطة معانا في كل حاچة.
سحر بتفكير
ـ هو ممكن تكون مقالتش على كل حاجة زي ما بتقول. بس هنعرف دا ازاي!
رماح بنبرة يتخللها الشر
ـ هنعرِف. أصل اللعبة كبرت على الآخر.
ـ ازاي؟
رماح بقسوة
ـ الوتايدة اتلموا من چديد، و بجيوا يتچمعوا مع بعضيهم، و اللي عِمله رحيم الكلب ده ليلة الفرح معناه أنه كل حاچة بجيت عالمكشوف.
سحر بتهكم
ـ و ليه متقولش أنه رد على اللي حصل قبل كدا. مش سهلة بردو أن يشوف مراته في حضن راضي أخوك.
دفع رماح يدها من على كتفه وهو يهتف بشراسة
ـ يده اللي جتلت أخوي دي هجطعها بس الصبر، و بعدين ماهو لو كان راچل و مالي عينك مُرته مكنش خانته.
سحر بسخرية
ـ قصدك مراته طالعة خاينة لأمها.
رماح بحدة
ـ هما سلسالهم من أساسه نچ.س. جصره. انا عايزك ترچعي الملچأ تاني و تعملي الحفلة الخيرية بتاعت كل سنة، و تبعتي دعوة لخالد الوتيدي.
تراجعت للخلف و الخوف باد على ملامحها و نبرته حين قالت
ـ هتفتح على نفسك ميت جبهة يا رماح، و خالد دا مبيهزرش.
رماح بجفاء
ـ فكرك أنه مدخلش الحرب! خالد ده تعبان، و رحيم بيمشي بأمره، و لو جدرت أجيب رجبته يوبجى الباجي سهل.
طرق على باب الغرفة ثم أطل زناتي برأسه وهو يستأذن بالدخول، فسمح له رماح ليتوسط الغرفة وهو يقول
ـ نفذنا كل اللي جولت عليه، و فاضل نوزع البنات.
هتف رماح موجهًا حديثه إلى سحر
ـ اختاري بت على كيفك تروح شُجة المعادي الزبون اللي هناك تجيل، و يهمنا نضمن ولائه لجدام. الشغل كله متوجف عليه.
سحر بنعومة
ـ عيني.
تحمحم زناتي قبل أن يقول
ـ بدرية حالتها صعبة، و لازمن يشوفها دكتور.
قست عينيه و نظراته حين قال
ـ خلص عليها.
رفع زناتي رأسه و عينيه لها لمحة من الغضب أمام عيني رماح التي طالعته بترقُب قبل أن يهتف بوعيد
ـ الغضب اللي شفته في عيونك ده هيخليك تحصِل أختك. جولت اي يا زناني؟
ابتلع غضبه و انفعاله و كل شيء وهو يقول باحترام
ـ أني راچلك يا كبير، و تحت أمرك في اي حاچة.
اشتدت يد سحر فوق كتفه ليقول بجفاء
ـ استناني بره.
خرج زناتي لتهتف سحر بمكر
ـ اوعى تسيبه يموتها. الموت راحة للي زيها. دي لازم تتعلم الأدب، و تدوق الأمرين قبل ما تخلص عليها.
لم يُجيبها رماح إنما أخذ ينظر إلى البعيد، و هو يُفكر فيمن سيعاقبه أولًا؟
اللهم اكشف عني وعن المسلمين كل شدة وضيق وكرب، اللهم أسألك فرجًا قريبًا، وكف عني ما أطيق وما لا أطيق، اللهم إني أسألك سلامًا ما بعده كدر، ورضًا ما بعده سخط، وفرحًا ما بعده حزن♥️
★★★★★★★★★
ـ آسيا. يادي النور. يادي النور.
هكذا صاحت رضا وهي تُهلل مرحبة بآسيا التي عانقتها بقوة وهي تقول باشتياق
ـ وحشتيني اوي يا ماما. وحشتيني.
رضا بحبور
ـ و أنتِ وحشتيني يا قلب امك. تعالي ادخلي.
دلفت آسيا إلى الداخل وهي تضع من يدها أكياس الهدايا التي جلبتها لهم، و تقدمت لتعانق والدها بحُب تجلى في نبرته
ـ وحشتينا اوي يا بنتي. مصدقناش انك جاية النهاردة تزورينا.
آسيا بحنو
ـ و أنتوا كمان يا بابا وحشتوني أوي. طمني عليك و على صحتك.
عزام بهدوء
ـ نحمد الله يا بنتي على كل حال. جوزك عامل ايه؟
ـ الحمد لله بيسلم عليكوا.
رضا بلهفة
ـ هتتغدي معانا النهاردة صح؟
آسيا بارتباك
ـ في الحقيقة مش هقدر. انا كنت جاية اتكلم معاكوا في حاجة مهمة. بس تسمعوني للآخر.
تبادل كُلًا من رضا و عزام النظرات قبل أن يقول الأخير
ـ اتفضلي يا بنتي.
بللت حلقها قبل أن تقول بنبرة حاولت جعلها ثابتة
ـ بصراحة يعني أنا فكرت . أن. يعني الحارة هنا. مبقتش مناسبة. يعني انكوا تعيشوا فيها.
انكمشت ملامح عزام بغضب لم يُفصِح عنه انما قال بجفاء
ـ كلام إيه دا يا بنتي! مالها الحارة ؟
استفهمت رضا هي الأخرى قائلة
ـ طول عمرنا عايشين في الحارة يا آسيا. ليه مبقاش ينفع نعيش فيها؟
عزمت على المُضي قدمًا بما انتوته، فلم تلتفت إلى الغضب و الرفض على ملامح والدها لتقول بثبات
ـ بصراحة الحارة مبقتش تليق بيكوا. مكان شعبي و كمان البيت يعني. مش مناسب للمستوى اللي بقينا فيه، فأنا بدأت ادور على شقة تكون مناسبة و في مكان راقي عشان تنقلوا فيها.
هز عزام رأسه و ملامحه ترتسم عليها الخيبة و الأسى ليهتف بنبرة ساخرة يشوبها المرارة
ـ قصدك الحارة مبقتش تناسب مستواكي أنتِ. أحنا مستوانا زي ماهو. لكن أنتِ اللي بقيتي هانم و جوزك بيه، و عشان كدا مش هينفع بيجي يتغدى معانا. الحارة متليقش بمستواه ولا بمستواكي يا آسيا هانم!
تلعثمت الحروف فوق شفاهها، ولكنه لم يُمهلها الوقت للحديث بل التفت ناظرًا إلى رضا وهو يقول بتهكم مرير
ـ بنتك استعرت من أصلها يا رضا، و جايز شاكة أن أكلك مش نضيف ولا حاجة. ابقي خليها تشوف المطبخ عشان تتأكد من نضافته!
ترقرقت العبرات في عينيه، فنصب عوده الواهن وهو يتوجه إلى الداخل وهو يغض السمع عن ندائاتها لتلتفت ناظره إلى والدتها التي شيعتها بنظرات الأسى وهي تقول بجمود
ـ قومي روحي بيتك يا آسيا. أحنا دا بيتنا اللي عشنا و هنموت فيه.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.♥️
★★★★★★★★★★
ـ و أخيرًا خلصت.
هكذا هتفت أشجان بسعادة وهي تنظر إلى هذه الكعكة الجميلة التي جهزتها للمساء، فحبيبها سيأتي اليوم للعشاء معهم ببيت سوزان هو و طفلته الجميلة لتعزيز العلاقات بينها و بين طفليه، و قد أخبرتها سوزان بأن هناك مفاجأة بإنتظارها لتُقرر هي فعل شيء بسيط من أجل إسعاد أطفالها و على رأسهم رنا، وهي بخضم تفكيرها رن هاتفها، فالتقطته بلهفة لتُجيب و دقاتها تقرع كالطبول داخل صدرها
ـ آلو .
خالد بنبرة خشنة
ـ الحلو بيعمل أيه؟
أشجان بخجل
ـ بيعمل حلو.
لونت ابتسامة جميلة ثغره قبل أن يقول بنبرة عابثة
ـ اعملي حسابك بعد ما نتجوز الحلو بتاعي هيأكلني الحلو اللي بيعمله في بقي.
تفشى الخجل بوجنتيها و جعل الورود تنبت فوقهم، فلم تستطِع إجابته ليتفهم هو خجلها، فتابع بنبرة خشنة
ـ أنا راجل بحب ادلع معلش.
أشجان بخفوت
ـ خالد هقفل والله.
شاكسها قائلًا
ـ طيب دلوقتي هتقفلي. بعد كدا هتعملي ايه و هتهربي ازاي؟
أشجان بتوتر
ـ خلاص بقى.
قهقه على خجلها ليقول بخشونة
ـ متشغليش الدماغ الحلوة دي بالتفكير. عشان كدا كدا أنا مفيش مهرب مني.
لأول تسمح لقلبها بتولي دفة الحديث حين قالت بخفوت
ـ طب دي حاجة حلوة على فكرة.
تضخم قلبه من فرط السعادة بجملتها البسيطة ليهتف بصوته الخشن
ـ وحياتك عندي الحلو كله هتشوفيه معايا و في حضني اللي مش هخرجك منه أبدًا.
عبأت صدرها بالهواء النقي قبل أن تُغمض عينيها بحالمية وكلماته يتردد صداها بقلبها و كأنها لحن جميل لا تمل الآذان من سماعه لتهتف بنبرة خافتة
ـ متتأخرش عليا.
خالد بصوتًا أجش
ـ مقدرش. أنا أصلًا قلبي بيقولي سيب كل حاجة و روح أخطفها دلوقتي.
ضحكة خافتة أفلتت منها قبل أن تقول بمُزاح
ـ لا لا بلاش عايزينها بالعقل مش بالخطف.
خالد بنبرة عابثة
ـ لا يا حلو هتبقى بالحب مش بالعقل، و بكرة تشوفي.
لا تعلم لما اشعرتها كلماتها بالخجل لتحاول الفرار من بين براثنه قائلة بلهفة
ـ هسيبك عشان سوزان بتنادي عليا.
خالد بامتعاض
ـ أول حاجة هعملها بعد ما نتجوز هقطع علاقتي بيها عشان متناديش عليكِ تاني.
قهقهت على كلماته قبل أن تغلق الهاتف وهي تهتف بصوت عالي
ـ سوزي هروح البيت اشوف الولاد و هرجعلك تاني.
هكذا هتفت أشجان قبل أن تهرول إلى شقتها تنوي اختيار ملابسها بدقة و عناية، ولكنها تفاجئت حين رأت هذه المرأة التي كانت تقف على باب بيتها!
لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم♥️
★★★★★★★★★★★
كانت تضع رأسها بين كفيها و هي تفكر بهذه الكارثة التي وقعت فوق رأسها و كيف ستتخلص من هذا الحِمل خاصةً وهي بصدد خسارة كبرى قد تقلب حياتها رأسًا على عقب.
تدحرجت العبرات من مقلتيها وهي تتذكر ما حدث منذ أيام
عودة لوقت سابق
ـ اللي انا سمعته تحت دا حقيقي يا هيام!
هكذا تحدث جابر الذي استمع إلى حديثها مع عماد الذي ما أن غادر حتى تفاجئت به يجذبها من يدها يجرها إلى غرفتهم لكي يفهم حقيقة هذا الأمر
زاغت أنظارها و هربت جميع الحروف من على لسانها، فلم أجد ما تقوله ليُتابع بحدة
ـ ردي عليا. ايه بلعتي لسانك! أنتِ اللي فرقتي بين أخوكي و بين حبيبته! أنتِ اللي هدمتي حياته يا هيام!
هيام بلهفة من بين عبراتها الغزيرة
ـ والله لاء. الموضوع مش زي ما أنت فاكر. انا…
ـ أنتِ أيه؟ انا سامعك بوداني، و أنتِ بتقوليله اخويا هيزعل شويه وهيسامحني! مش دا اخوكي اللي كنتِ بتقوليلي أنه زي ابنك! قلبك طاوعك تأذي ابنك؟ تضربيه في ضهره!
هتفت هيام من بين شهقاتها
ـ لاء . والله مكنش قصدي. أهلها هما اللي رفضوه و هانوه، و مكنوش راضيين بيه. صابرين دي جت عايرتني بأبويا، و قالتلي لو آخر واحد في الدنيا مش هوافق اجوزه بتي. قالتلي هسمهولك زي الكلاب في الشوارع. دي كانت بتدعي عليه يجيلي متقطع. خوفت عليه منهم.
تأثر بانهيارها و أسبابها، ولكنه لم يوافق على ما حدث ليهتف مُعنفًا
ـ تقومي تطلعيه واطي! غوى البت و ضحك عليها!
هيام بلهفة
ـ والله العظيم ما حصل. دي هي اللي قالت كدا من نفسها. انا مقولتلهاش تقول كدا.
جابر بجفاء
ـ انتِ اللي وزتيها و فتحتيلها الطريق و دي الكارثة. انا مش هقدر اسكت، ولازم ياسر يعرف الحقيقة.
صرخت بتوسل وهي تندفع إلى كفه تقبله
ـ لا يا جابر. أبوس أيدك لا. دا ممكن يقاطعني العمر كله. دانا أموت فيها.
حاول عدم التأثر بمظهرها المُزري وهو يقول بجفاء
ـ و مفكرتيش كدا وأنتِ بتضيعي منه البنت الوحيدة اللي حبها ليه؟ دا اللي عندي يا هيام. يا هقول لياسر لا تروحي تقوليله أنتِ، فكري يا بت الناس، و من هنا لحد ما تفكري. أنتِ متحرمة عليا.
عودة للوقت الحالي
محت عبراتها التي حفرت وديان الألم حول عينيها، و قد اتخذت قرارها أخيرًا لتتوجه بخطوات ثقيلة إلى غرفة ياسر و غنى و تقوم بدق باب الغرفة ففتحته غنى لتقول هيام بجمود
ـ عايزة اتكلم معاكِ.
بعض الحقائق قد تُنجينا و بعضها قد يودي بنا إلى
الهاوية، و نحن حائرون لا نعرف أي درب علينا المُضي به، و كيف نمضي حاملين تلك الأثقال بقلوبنا ؟ الأفواه مُكممة و الكلمات أغواها الصمت فتوارت خلف بهتانٍ مزعوم بأن غض البصر عن الظُلم نجاة منه، و العقول وِجله أمام طُرُقات تبدو مُوحشة، مجهولة الأمد، و مغبة الخطأ خسائرها فادحة، فكيف ننجو بـ أرواحنا و قاطنيها من دوائر الغدر المغموسة بـ سموم لا ترياق لها ؟
نورهان العشري
كانت قدميه تريد أن تسابق الريح حتى يصل إليها، فوجودها بجانبه يشعره بأن كل شيء على ما يُرام حتى لو لم يكُن كذلك، فقربها سبب أكثر من كاف ليحيا.
فتح باب الغرفة ليبتهج قلبه حين رآها تجلس على الأريكة بهدوء و يبدو أنها كانت في عالم آخر، فلم تلحظ وجوده إلا عند سماع صوته وهو يُلقي التحية، فهبت من مكانها وهي تقول بنبرة مُتحشرجة
ـ عليكم السلام ورحمه الله وبركاته. جيت امتى؟
طافت عيني ياسر على ملامحها بقلق قبل أن يقول بجمود
ـ لسه جاي. كنتِ سرحانة في اي؟
زاغت نظراتها و هي تحاول جعل لهجتها عادية حين قالت
ـ ولا حاجة.
شاكسها قائلًا
ـ طب بصيلي بتزوغي مني ليه؟
غنى بجفاء
ـ ولا زوغت ولا روحت في حتة مانا هنا اهو.
ياسر بمُزاح
ـ طب ما بالراحة يا غالي. أنا بطمن بس.
رغمًا عنها ابتسمت ليُتابع بنبرة حانية
ـ قاعدة لوحدك ليه ؟
غنى بخفوت
ـ كنت مستنياك ننزل سوى.
ياسر بنبرة عابثة
ـ ممكن مننزلش عادي، و استفرد بيكِ هنا.
رفعت رأسها بصدمة سرعان ما بددها التوتر الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ دا اللي هو ازاي يعني!
ياسر بتهكم
ـ زي السكر في الشاي.
أنهى جملته وهو يتوجه إلى الطاولة ليضع ساعته و مسبحته، فوصل الى سمعه تمتمتها الساخرة حين قالت
ـ بيستظرف حضرته.
عضو على شفتيه بمكر قبل أن يلتفت تجاهها و هو يخلع جلبابه و يُلقيه بلامُبالاه ليقترب منها قائلًا بوعيد
ـ حضرتي بيتكلم جد على فكرة، و ناوي يستفرد بيكِ فعلًا.
تفشى التوتر في جسدها كالحمى مما جعلها تتراجع إلى الخلف وهي تقول بتلعثّم
ـ أن. أنت هتعمل ايه؟
ياسر بمّزاح
ـ بصي هو أنا مستفردتش بحد قبل كدا. بس أوعدك أني هحاول.
لا إراديًا ارتسمت ابتسامة عريضة فوق شفاهها جعلت دقات قلبه تقرع كالطبول ليواصل تقدمه منها و بالمقابل تراجعت هي إلى الخلف لتصطدم بالخزانه خلفها، فخرجت منها شهقة خافتة وهي ترى نظراته الداكنة التي جعلت رجفة قوية تض*رب جسدها لتمتد يديه تُدلك أكتافها و هو يقول بنبرة مبحوحة
ـ خايفة كدا ليه؟
أخذت تبحث عن الحروف في داخلها، فلم تجد ما يُسعفها لشرح ما تشعر به لذا أدارت عينيها إلى الجهة الأخرى، فامتدت يديه تُديرها لتغرق بين أمواج عينيه، وهو يُضيف بخفوت
ـ الغُريبة بتاعتي مالها؟
أطلقت زفرة حارة من جوفها قبل أن تقول بنبرة حزينة
ـ جوايا كلام كتير عايزة اقوله و مش لاقيه حروف تعبر عنه..
ياسر بقلق
ـ في حاجة حصلت؟ او حد ضايقك!
هزت رأسها يمينًا و يسارًا قبل أن تقول بخفوت
ـ عايزة اطلب منك طلب و ياريت توافق من غير نقاش.
تفشى القلق بأوردته ولكن هذا الشرط بالقبول المبدأي اثار حفيظته ليقول بجمود
ـ لو في أيدي انفذلك طلبك مش هتأخر….
ضاقت ذرعًا من كل شيء لذا دفعته وهي تقول بحدة
ـ هتقدر يا ياسر. أنا مش هطلب منك ترمي نفسك في البحر. كل اللي بطلبه بلاش جدال كتير، و تنفذه و بس.
شعر بأنها على شفير الانهيار ليقترب منها يحاوطها بذراعيه ليجلسها على الأريكة وهو بجانبها قائلًا بلهجة حانية
ـ طيب اهدي، و اطلبي اللي أنتِ عايزاه و انا عنيا ليكِ. حتى لو طلبتي مني ارمي نفسي في البحر.
ناظرته بامتنان و اهدته ابتسامة جميلة قبل أن تقرر التطرق إلى الأمر مُباشرةً
ـ عايزاك تبطل تسأل ورا موضوع مها!
برقت عينيه، و كاد أن يندفع تحت طائلة غضبه، ولكن يدها التي شددت على كفيه جعلته يتراجع وهو يُذكرها بوعده لها ليزفر بقوة، وكأنه يطرد هذا اللهب المُشتعل داخل صدره ثم قال بنبرة جافة
ـ دا طلب يا غنى مش عايزاني أجادلك فيه؟ أنتِ شايفة ان دا عدل!
شعرت بالشفقة عليه كثيرًا ولكنها عادت بالذاكرة لما حدث عصر اليوم
عودة إلى وقت سابق
ـ هيام ! تعالي ادخلي.
أغلقت هيام الباب خلفها وهي تدلف إلى داخل الغرفة لتتربع على الأريكة ثم نظرت بتمعُن إلى غنى وهي تقول بجمود
ـ عايزة اتكلم معاكِ في موضوع مهم، و ياريت تفهميني.
جلست غنى بجانبها وهي تقول بقلق
ـ في ايه يا هيام قلقتيني؟
تحمحمت هيام وهي تبحث عن الكلمات المُلائمة لتُصيغ حديثها لتشرع في الحديث بطريقة مُباشرة حين قالت
ـ بصي يا غنى. أنا مبعرفش ألف و أدور في بوقين لازم تسمعيهم عشان ننفض من الفيلم دا.
غنى باستفهام
ـ بوقين ايه؟
هيام بنبرة متوترة
ـ موضوع مها.
تبدلت ملامح غنى لتهتف هيام بنبرة حادة
ـ عايزين نفضه.
غنى بجفاء
ـ ادخلي في الموضوع يا هيام.
هيام بانفعال طفيف
ـ ياسر اتخانق مع عماد و ض*ربه. هنستنى ايه لما يم*وتوا! طيب البت غلطت بس دي عيلة و يتيمة، و كانت عايزة اي قشة تتعلق بيها، و عقلها الغبي صورلها أن ممكن ياسر يشيل مصيبتها. هنعمل فيها ايه؟
ناظرتها غنى بصدمة سرعان ما تحولت لحنق حين قالت
ـ و حرقة قلبي انا و أخوكي نعمل فيها ايه يا هيام!
أخذ الذنب يقرضها من الداخل جراء حديث غنى لتحاول تجاهله وهي تقول بجمود
ـ و هو فتح الموضوع دا هيعود عليكوا بأيه يا غنى؟ اقولك انا ولا حاجة! و لاحتى هيبرد نار ياسر. مها كلمتني و حكتلي و مرعوبة لياسر يقول لحماها و يفضحها. هنستفاد أيه من فضحها قوليلي!
أخفضت رأسها بتعب لتُتابع هيام قائلة بنبرة أهدأ
ـ اسمعيني يا غنى. اللي حصل مقدر و مكتوب، و اللي فات مات احنا ولاد النهاردة، و أنتِ و ياسر اهو اتجوزتوا، و هي كمان اتجوزت و خلفت. فضحها لا هيقدم ولا هيأخر. انسوها و رب العباد كفيل بيها. انما حرام نفضح ولية ملهاش حد، و ابنها حتة العيل الصغير دا هيشيل ذنب مش ذنبه.
تعلم بأنها مُصيبة في حديثها ولكن ماذا عن الألم والوجع الذي عاشته! و ندباته التي شوهت قلبها ولا تعرف كيف ستداويها ؟
ـ أنتِ عايزة أيه دلوقتي يا هيام؟
هيام بلهفة
ـ عيزاكي تقولي لياسر يفضها سيرة، و يكفي عالخبر مجور، و الظالم عليه ربنا وعيشوا حياتكوا بقى، و انسوا..
عودة إلى الوقت الحالي
ـ أنا عارفة أنه مش عدل. بس مش هيعود علينا بحاجة..
هكذا تحدثت غنى بخفوت قابله ياسر بالجفاء حين قال
ـ حتى لو مش هيعود. أنا لازم اعرف مين وزها تعمل كدا!
غنى بحدة
ـ هي مش محتاجة حد يوزها. لو لسه رافض تصدق، فهي أصلًا شيطانة و كانت طمعانة فيك، و مش محتاجة اللي يوزها.
أنهت جملتها و هبت من جانبه تنوي المغادرة لتوقفها قبضته التي احكمت الطوق حول معصمها يجذبها إليه وهو يهتف غاضبًا
ـ لما نكون بنتكلم متسبنيش و…
بتر جملته حين سقطت بين ذراعيه متوسطة أحضانه بجوار قلبه الذي اهتاجت دقاته جراء هذا القرب المُهلك فأشتبكت أعينهم بحديث صامت عن مدى الشوق الذي يجيش بصدروهم، و
أنفاسهم التي كانت مُحترقة من فرط اللوعة التي تعج بها القلوب مما جعل جميع حواسه تتحفز و خاصةً حين توقفت أنظاره على شفاهها التوتية التي كانت ترتجف من فرط تأثرها بقربه لتمتد أنامله و يُمررها فوقها بتمهُل قاتل قبل أن يقول بصوته الأجش
ـ هو أنتِ بتجيبي الحلاوة دي منين ؟
ارتج جسدها بفعل كلماته الرائعة و أنفاسه الدافئة التي لفحت وجهها، فعززت من احمرار خديها، فاغمضت عينيها وهي تقول بخفوت
ـ ياسر.
اقتطف باقي حروف اسمه من فوق شفاهها بنهم قاتل يعج به صدره، و لم يعُد قادر على التحكُم به، و لكنه لم يحسب حساب لندوبها و مخاوفها التي جعلتها تنتفض بين يديه ليتراجع بأنفاس لاهثه وهو يقول بنبرة مُتحشرجة
ـ ضايقتك!
رفع رأسه ليرى آثار عُنفه الغير مقصود و خجلها الواضح منه لترتسم ابتسامة هادئة فوق ثغره قبل أن يقول بنبرة خشنة
ـ قربك مني غير عقلي محستش بنفسي.
استنشق أنفاسها العطرة قبل أن يُضيف بنبرة مُحترقة
ـ جوايا ليكِ بركان شوق يا غنى، و نار جوايا قايده مبتطفيش.
أفصحت شفتيها عن بعضًا من مكنوناتها حين قالت
ـ أحنا جرحنا بعض كتير و يمكن من حسن حظنا أن الحب جوانا لسه موجود، و عشان نقدر نحافظ و نخرج من الدايره دي لازم نقفل باب الماضي. انا تعبت منه، و بجد مبقتش قادرة اتحمل ولا كلمة فيه.
جذب رأسها ليضع قبلة دافئة فوق جبهتها و أخرى على راحة كفها ثم التفت يناظرها بأعيُن يلتمع بهم العشق الذي تخلل نبرته أيضًا حين قال
ـ حاضر. اللي عايزاه هعمله. المهم تكوني مرتاحة.
اومأت برأسها و ابتسامة جميلة تلون ثغرها لتجذب أنظاره مرة أخرى، ولكنه شعر بها تتململ بين ذراعيه تريد أن تنهض ليُشدد من اعتقال خصرها و هو يقول باستفهام
ـ عايزة تخرجي من حضني ! أفهم من كدا أن دا اللي هيخليكِ مرتاحة!
نظفت حلقها قبل أن تقول بخفوت
ـ لا. مقصدش. بس…
زاغت أنظارها عنه، فتفهم ما يجول بخاطرها ليقول بنبرة مُشجبة
ـ لسه مش قادرة تنسي بردو! كان كلام لحظة غضب و ندمت عليه اوي.
ـ عارفة. بس خلي كل حاجة تاخد وقتها.
هكذا تحدثت وهي تشيح ببصرها في الاتجاه الآخر، فشعر بأنها تحتاج منه الكثير حتى تلتحم جراحها و هو أكثر من مُرحِب بذلك.
ـ حاضر يا غُريبة قلبي.
لا إراديًا اتسعت ابتسامتها ليهتف بعبث
ـ بقى عايزة تداري الضحكة الحلوة دي مني! ماشي وحياة امك لهعملك قفلة بس الصبر.
اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، أنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر ♥️
★★★★★★★★★★★
ـ عاملة أيه يا أشجان؟
هكذا تحدثت نبيلة بنبرة مُترفعة وهي تجلس في منتصف الصالة بشقة أشجان التي تحدثت بنبرة ودودة
ـ الحمد لله يا نبيلة هانم حضرتك عاملة ايه؟
نبيلة بتهكم
ـ كويس أنك مرفعتيش الألقاب، و دا يدُل أن المقامات لسه محفوظة بينا.
شعرت أشجان بالحرج من حديثها، و لكنها كعادتها تعاملت بذوق حين قالت
ـ أكيد طبعًا.
نبيلة بجفاء
ـ كويس. كدا سهلتي عليا الموضوع اللي جيت عشانه
ـ اللي هو أيه ؟
نبيلة بنبرة حادة و ملامح انمحى منها كل اللُطف الذي كانت تتصنعه منذ أن جاءت إليها
ـ خالد. عايزة منه أيه؟
لا إراديًا امتقعت ملامحها من حديث نبيلة و ارتبكت الحروف فوق شفاهها حين قالت
ـ مفهمتش. يعني وضحي تقصدي أيه من كلامك!
نبيلة بحدة
ـ لا أنتِ فاهمة و عارفة انا اقصد أيه كويس اوي، و لا أنتِ فكرتي لما كمال اتجوز أختك و محدش فينا وقف قصاده انكوا كدا خلاص بقيتوا مننا، الموضوع بقى سهل فاتجرأتي أنتِ كمان و رسمتي على خالد.
ـ نبيلة هانم ..
قاطعتها واحتدت نبرتها اكثر و لون الحقد معالمها فبدت كالمسخ وهي تُضيف بصوت شع منه الكُره
ـ أنا سكت لما كمال اتجوز أختك عشان عارفة اخويا و أنها مجرد بنت هيلعب معاها شوية حتى لو في إطار الجواز و في الآخر هيرميها! زيه زي عمر لم اتجوز الجربوعة دي بردو آخره هيرميها. ولادنا عارفين قيمتهم كويس، و مبيعصاش عليهم حاجة. الوتايدة يا حبيبتي بياخدوا اللي هما عايزينه بأي طريقة و بأي تمن، و الجواز بالنسبالهم مجرد طريقة مش أكتر، و دا لإن الطلاق ميعبهمش في حاجة. أنما انتوا….
صمتت وتولت عينيها المهمة حين طافت عليها باحتقار تجلى في نبرتها وهي تقول
ـ بيفرق اوي في البيئة اللي أنتوا منها.
تراشقت الإهانات بصدرها و اكتظت عينيها بالعبرات من هذا الاحتقار الذي كانت تُمطرها به هذه المرأة، ولكنها أبت الخضوع أمامها لتُجيبها بثبات لا تعلم من أين عثر على نبرتها
ـ طب و أنتِ شايفة أن اللي حضرتك بتقوليه عن رجالة الوتايدة دا حاجة كويسة! بالعكس دي حاجة تدل أنهم ناس معندهمش مبدأ ولا اي احترام، و في الحالة دي احنا اللي هنرفض الارتباط بيهم. عشان حتى بيئتنا اللي بتتكلمي عنها باحتقار دي علمتنا أن الجواز دا شيء مقدس مش مجرد طريقة للوصول لأهدافنا وبس، و بالمناسبة ديننا بيأكد على أن الجواز دا رباط مقدس مش مجرد وسيلة.
اغتاظت من إجابتها و حديثها الذي أصابها بالصمت للحظات، وهي تبحث عن كلمات تحفظ ماء وجهها، و لكنها لم تجد لذا آثرت الهرب حين قالت بجفاء
ـ خلينا نجنب الدين من كلامنا، و أنا مبتكلمش في خلال و حرام…
قاطعتها أشجان بهدوء
ـ معلش هقاطع كلامك بس يعني ايه هجنب الدين من كلامنا! اومال احنا أيه اللي بيحكمنا، و ايه اللي بيردنا للطريق الصحيح مش الدين و لا أنا غلطانه!
نبيلة بحدة
ـ أنتِ هتديني دروس في الدين ولا ايه؟ فوقي لنفسك، و عيشي و ربي عيالك و ابعدي عن أخويا. خالد دا كبير العيلة و وجهتها و لما يتجوز لازم يرتبط بإنسانة تناسبه و تناسب عيلته. انما أنتِ مين! أنتِ بنت الخدامة اللي كانت بتشيل زبالته…
ـ لحد هنا و كفاية!
هكذا هبت أشجان من مكانها وهي تصيح بنبرة يتخللها الألم و القهر الذي تساقط من بين عينيها و هي تُتابع
ـ أنتِ ازاي بتجرحي الناس و تهينيهم بالشكل دا! امي اللي بتعايريني بيها دي اشتغلت عندكوا عمرها كله، و محدش شاف منها حاجة وحشة. شغلانتها دي متعيبهاش في شيء، و على فكرة ربنا اللي أنتِ عايزة تجنبيه من كلامنا دا هو اللي خلقك هانم و خلقها خدامة، و قادر يبدل من حال لحال في غمضة عين.
شعرت بغصة في صدرها من حديث أشجان، ولكنها تجاهلتها وهي تنهض من جلستها لتقول بقسوة
ـ كل الكلام دا ميخصنيش. أنا جاية عشان اقولك كلمتين. لو فكرتي تمشي للآخر في الطريق دا و تبقي مرات خالد الوتيدي. اعرفي انك مش هتشوفي يوم حلو في حياتك. هخلي كل أيامك جحيم و للأسف وقتها مش هتقدري تهربي منه، و هتفتكري كلامي دا كويس و هتقولي وقتها ياريتني سمعت كلامها. أحسنلك من دلوقتي ابعدي عنه، و عن حياته و اقعدي ربي عيالك في هدوء. بدل ما اخليكي تندمي ندم عمرك. زي ما هعمل مع البت أختك و صاحبتكوا دي.
صمتت لثوان وهي تتقدم منها بخطوات وئيدة و عينيها ترسلان الشرر على هيئة نظرات اخترقت صدر أشجان التي لجأت للصمت، فهي لا تملك القدرة على مواجهة كل هذا الشر د الذي فاح من نبرة نبيلة حين تابعت قائلة
ـ ولو متعرفيش مين هي نبيلة الوتيدي. ابقي أسألي أمك. أنتِ مش أحسن ولا اقوى من اللي كانت قبلك، و زي ما خلصت منها هخلص منك. أنا مفيش شيء بيقف قدامي لما اكون عايزة اعمل حاجة. سلام.
أنهت ما جاءت لأجله و غادرت تاركة أشجان التي كان جسدها يرتجف من فرط ما شعرت به في النصف ساعة الماضية، فهي قد واجهت مديحة بشرها و أمين بشره، ولكن هذا الشر الذي رأته من تلك المرأة فاق حدود الوصف، فكلماتها لازال صداها يتردد في عقلها و سمعها مما جعل وخزات الخوف تنغز بجسدها الذي خارت قواه لتسقط جالسة على المقعد بتعب وهي تغمض عينيها تحاول تخطي ما حدث، ولكنها تفاجئت بيد صغيرها وهي تربت على يدها برفق جعلها تفتح عينيها لترى أمجد يناظرها بقلق تجلى في نبرته الطفولية حين قال
ـ أنتِ كويسة يا ماما؟
أمسكت بكفه تقبله وهي تقول بحنو
ـ كويسة يا حبيبي متقلقش.
أمجد بنبرة خافتة
ـ هي مين الست اللي كانت بتزعقلك دي و ليه أنتِ عيطتي ؟
حاولت التحكم في كل هذا السيل من الدموع الذي تهدد عينيها بإفراغة دفعة واحدة لتحتضن صغيرها وهي تقول بنبرة مُتحشرجة
ـ مفيش حاجة يا حبيبي دي واحدة صاحبتي و كما بنتناقش في موضوع هي مكنتش بتزعق ولا حاجة.
رن هاتفها، فدق قلبها بقوة لدى علمها من المتصل، فالتفت ناظره إلى طفلها وهي تقول بنبرة مُهتزة
ـ أنت راجل ماما يا أمجد عيزاك تبقى شجاع و متخافش و من أي حاجة تعيط كدا. مفيش حاجة حصلت، و مفيش حاجة هتحصل. احنا كويسين و ملناش غير بعض انا و أنت و مريم اتفقنا؟
اومأ أمجد برأسه لتقول بوضع قبلة قوية فوق جبهته وهي تحاول ردع عبراتها الغزيرة و الم قلبها الذي لم يتوقف ثم قامت بإغلاق هاتفها و توجهت إلى المرحاض لتقوم بغسل وجهها و اللجوأ إلى بارئها لتشكو له تجبر البشر، فأخذت تبكي على سجادة الصلاة وهي راكعة و لسانها يُردد بنبرة مُشجبة
ـ ربي إني مسني الضُر و أنت ارحم الراحمين.
مرت ساعة وهي جالسة على سجادة الصلاة و شفاهها لم تتوقف على ذكر الله إلى أن هدأت قليلًا لتسمع صوت سوزان في الخارج تتحدث مع أمجد، فنصبت عودها و خلعت رداء الصلاة لتتوجه إليها و على وجهها ابتسامة هادئة لتهتف سوزان ساخطة
ـ والله عيب لما على آخر الزمن اتمرمط معاكوا كدا وانا إمرأة ستينية مفيش صحة للمهاتية بتاعت عصافير الغرام دي!
علمت المغزى وراء حديثها و لكنها تجاهلته حين قالت بهدوء
ـ مالك بس يا سوزي؟
شعرت بوجود خطب ما إذا استفهمت قائلة
ـ خالد بيرن عليكِ تليفونك مقفول ليه؟
لمحة من الألم غزت عينيها قبل أن تلتفت إلى أطفالها قائلة
ـ يالا يا ولاد ادخلوا جوا عايزة اتكلم أنا وتيتا شوية.
أطاعها الأطفال لتقول سوزي بتهكم
ـ يالا. اتحفيني.
تجاهلت أشجان تهكمها و حاولت استجداء ثباتها حين قالت
ـ سوزي. أنا عيزاكي تقولي لخالد أن كل شيء قسمة و نصيب.
لم تتفاجيء سوزان من حديثها إنما قالت بجفاء
ـ مين الست اللي كانت عندك من شوية ؟ نبيلة صح!
توسعت حدقتيها وهي تنظر إلى سوزان التي كانت أنظارها ثاقبة، فلم تجد بُدًا من الإفصاح عن بعض من مخاوفها حين قالت
ـ أنا مش قدهم يا سوزان. أنا مش قد جبروت الست دي و لا غيرها. أنا شبعت مشاكل و صراعات. شبعت من الوجع مش هقدر اقف قدامها. الحرب دي غير متكافئة. أنا لسه مفوقتش من الحرب اللي كنت فيها. معنديش طاقة لأي حرب تانيه.
سوزان بنبرة لائمة
ـ طب و خالد! ميستحقش تحاربي عشانه!
زاغت أنظارها وهي تتخيل هذا الرجُل الرائع الذي كانت تعلم بأنه حلم و ستستيقظ منه في وقتًا ما على كاب*وس الواقع
ـ خالد يستحق اللي يحارب عشانه بس أنا ضعيفة، و مفوقتش لسه من تجربتي. دي هددتني بمنتهى البجاحة، ولا حتى همها أخوها. دي لمحتلي أنها اتخلصت من مراته الأولى. هتعمل معايا أنا أيه ؟
سوزان باستهجان
ـ أنتِ للدرجادي ضعيفة!
أشجان بنبرة يشوبها القهر
ـ أيوا ضعيفة. قوليلي حاجة واحدة بس في حياتي تخليني قوية. أنا لسه مصلبتش طولي من تجربة أمين. لسه مش قادرة اتوازن. أنا بخاف من كل حاجة. أنا عارفة انك شيفاني جبانة و اتخليت عنه بس والله انا مفياش حيل لأي مواجهة مع أي حد. أنا محتاجة اشم نفسي و اجمع اللي باقي منها و أقف على رجلي من جديد.
رفعت رأسها للأعلى و عبراتها تتساقط كحبات اللؤلؤ لتهتف قائلة بنبرة مُلتاعة
ـ أنا كل اللي حصل ا فوق مستوى قدرتي على التحمل. انا مش عارفة احدد جوانب شخصيتي ولا اعرف اي حاجة عن نفسي. انااتجوزت بدري اوي. مكنتش فاهمة ولا عارفة اي حاجة في الدنيا لقيت نفسي في مواقف اكبر من قدرتي على الاستيعاب. كنت عايشة مع ناس ظالمة. مبتعملش حاجة غير أنها تهد فيا، و تمحي اي ذرة ثقة في نفسي. بقيت مجرد صورة باهته لست أنا معرفهاش.
محت عبراتها بكفها المُرتعش وهي تُتابع بنبرة ترتجف ألمًا
ـ عايزة اعرف نفسي. عايزة اعمل حاجة واحدة تتنسب ليا. مش عايزة اكون تابع لحد. عايزة اقوي نفسي بنفسي. في جوايا جروح لسه بتنزف عايز. اعالجها معرفش ازاي بس هحاول.
التفتت ناظرة اليها بألم تجلى في نبرتها حين قالت
ـ وجود خالد في حياتي في المرحلة دي هيسهل كل حاجة عليا انا عارفة. حتى أنه هيختصر نص المسافة عليا. بس انا مش هقدر أواجه نبيلة و شرها دا دلوقتي. دا غير أن في ولادي اللي مش هتحمل أنها تفكر تأذيهم.
تأثرت سوزان كثيرًا بحالة هذه الفتاة البائسة، ولكنها قالت بتعقُل
ـ نبيلة سهل اوي ان خالد يوقفها عند حدها.
أشجان بتعب
ـ هيوقفها مرة و اتنين و بعدين؟ هيفضل قاعد يحجز بينا طول الوقت؟ هيسيب اللي وراه و يقعد يحميني أنا و ولادي!
أطلقت ثاني أكسيد الوجع الكامن بداخلها قبل أن تقول بأسى
ـ نفسي محسش اني عبأ على حد، و اني دعم للناس اللي حواليا. بس مش عارفة اعمل دا. أنا كنت مرعوبة حرفيًا من نبيلة وهي عندي معرفش ليه؟ بس دا اللي كان جوايا.
اقتربت سوزان تحتضنها برفق، وهي تقول بنبرة مُلتاعة
ـ والله يا بنتي ما عارفة اقولك ايه؟
شددت من احتضان سوزان وهي تقول بنبرة متقطعة بسبب بكائها
ـ قولي لخالد ميجيش. قوليله مبقاش ينفع.
اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيداً فقربه، وإن كان قريباً فيسره، وإن كان قليلاً فكثره، وإن كان كثيراً فبارك لي فيه” ♥️
★★★★★★★★★★
كان يتابع بعض الأعمال أمام شاشة حاسبه المحمول ليتفاجيء من آسيا التي دلفت إلى داخل المكتب وهي تبكي لينتفض قلبه خوفًا عليها ليهتف قائلًا
ـ آسيا.
اندفعت إلى أحضانه التي احتوتهت بقوة وهي تقول من بين عبراتها
ـ كمال.
كمال بلهفة
ـ مالك يا حبيبتي في ايه؟ حد ضايقك؟
شددت من احتضانها له. هي تبكي بحرقة، فجن جنونه من فرط الخوف الذي تجلى في نبرته حين قال
ـ آسيا في ايه ؟ متخلنيش أتجنن !
تراجعت عنه وهي تقول بنبرة مُتقطعة
ـ بابا، و ماما. زعلوا مني.
زفر بقوة وهو يقول بعتب
ـ وقعتي قلبي حرام عليكِ.
رمقته بعتاب ، فتوجه الى هاتفه الداخلي ليعاتف مديرة مكتبه وهو يقول بنبرة آمرة
ـ متدخليش اي حد عندي ولا تحوليلي اي مكالمات لحد ما اقولك.
توجه إلى آسيا فقام بجذبها ليجلس على الأريكة و تجلس هي بين ذراعيه يهدهدها كطفل صغير وهو يقول بحنو
ـ حبيبي كفاية عياط بقى عشان نعرف نتكلم بهدوء.
كفكفت عبراتها وهي تقول بنبرة مُتحشرجة
ـ حاضر.
كمال بنبرة مُتزنة
ـ اولًا كدا اللي حصل دا رد فعل طبيعي منهم، ومن اول ما قولتيلي على اقتراحك وانا عارف ان دا هيكون رد فعلهم، بس مردتش اتكلم خوفت تزعلي.
رفعت رأسها تناظره بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
ـ ازاي اللي بتقوله دا يا كمال؟
كمال بحنو
ـ يا حبيبة قلب كمال اهلك ناس عندهم كرامة و عزة نفس. ازاي هيتقبلوا كلامك دا بسهولة؟ بالنسبالهم أنتِ عايشة في قصر طويل عريض، وجاية تقوليلهم تعالوا عيشوا في مكان يليق بيا!
آسيا بلهفة
ـ بس أنا مقولتش كدا!
ـ كلامك معناه كدا، و دا بالنسبالهم إهانة. حطي نفسك مكانهم.
أخفضت رأسها بإذعان، فهو مُحق، ولكنها تتوق للتخلص من هذا المكان الذي تمقته كثيرًا لذا قالت بنبرة خافتة
ـ بس أنا كان نفسي اني أن حياتهم تتحسن مش أكتر.
كمال بهدوء
ـ عارف نيتك كويس بس بردو مش كل حاجة تتاخد قفش كدا، و في الأول و في للآخر لازم تحترمي رغبتهم في التغيير دا، و سواء قبلوه أو رفضوه دا شيء يرجعلهم. هما مش مجرد توابع ليكِ.
هتفت باستهجان
ـ يا كمال افهمني. أنا مش حابة أنهم يفضلوا في المكان دا.
كمال بنبرة جادة
ـ الموضوع مش في ايدك لوحدك، و مش قايم على رغباتك يا آسيا. حطي رغباتهم في المقام الأول، و بعدين أنتِ فارق معاكِ المكان في أيه؟ مش المهم عندك راحتهم!
صمتت لثوان قبل أن تقول بحنق
ـ أيوا.
لاحظ ترددها فأدار وجهها إليه وهو يقول بتعقُل
ـ الإنسان مبيتقيمش بالمكان اللي عايش فيه يا حبيبتي. الإنسان بيتقيم بأخلاقه، و بإنجازاته في حياته العملية. المظاهر خداعة، و صدقيني في ناس كتير عايشة في كومباوندات و أحقر مما تتخيلي. بلاش سطحية، و سيبي اهلك على راحتهم.
لم يُعجبها حديثه، ولكنها لم تُطيل في الأمر ليمد يده إلى وجنتها الحمراء جراء بُكائها، و يقوم بقرصها بخفة وهو يقول بنبرة عابثة
ـ و بعدين تعالي هنا. أنتِ اتفرض عليكِ عقوبة جديدة واجبه التنفيذ.
رفعت أحد حاجبيها، وهي تقول بدلال
ـ والله. عقوبة ايه دي بقى؟
كمال بنبرة وقحة و هو ينثر عشقه بطول عنقها
ـ ترويع المواطنين، و دي عقوبتها مُشددة.
آسيا بسخرية
ـ مين المواطنين دول حضرتك!
كمال بنبرة عابثة
_ أنا، و يا تصلحي غلطتك و تنفيذ العقوبة يا اما هحبسك في مكان محدش يشوفك فيه غيري، و هناك هتسددي كل الضرايب دفعة واحدة.
أطلقت ضحكة رنانة على حديثه أذابت قلبه، و خاصةً حين قالت بدلال
ـ كمال بطل بقى.
كمال وهو يكبل كل اعتراض لديها
ـ أنا ليه مبدأتش أصلًا.
أنهى جملته و اقترب يرتشف عشقه من بين ضفاف الجنة التي تقوده معها إلى أقصى درجات المتعة، و السعادة ليُعمق قربه منها أكثر ، وقلبه يتغنى بعشقها، و بالمقابل كانت تغوص معه بقلبهل في عالم وردي يتنافى مع ضبابية العالم الذي يقوده عقلها و شياطينه.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ♥️
★★★★★★★★★★
مر يومين وهي تعتمد منهج المراوغة معه قاصدة أن تضعه وجهًا لوجه مع شوقه، و عشقه الذي لا يُفصِح عنه. تتعمد الأنشغال عنه بالقراءة أو الجلوس مع جدتها أو لقاء أصدقائها، فلا تُعطيه الفرصة للإنفراد بها حتى يطلب هو ذلك، قد كان الأمر يُغضبه كثيرًا، ولكنه يحاول تعلُم هذا الدرس القاسي في الصبر معها عله يصل إلى منطقة محايدة بينها و بين كبرياءه الذي يقوده كالمُختل، وهي لا تحاول ترويضه بل على العكس تُثير إستفزازه بشتى الطرُق، وهو لا يعلم ما الذي عليه فعله، ولكن يبدو أنها ترفقت به اليوم، فهاهي تخرج من غرفة جدتها متوجهة إلى غرفتهم ليقرر اللحاق بها ولكنه تجمد في مكانه حين سمع سوت شقيقته الغاضب
ـ عُمر.
التف عمر ناظرًا إليها لتقول بلهجة تحمل اللوم بين طياتها
ـ معلش هعطلك. بس ماما تعبانه بقالها يومين، وانت مفكرتش تبص عليها، فقولت اقولك يمكن تتعطف و تديها شوية من وقتك..
عمر بنفاذ صبر
ـ مالوش لازمه الموشح دا. جيبي من الآخر، وقولي أن ماما تعبانه.
اقتربت منه هايدي وهي تكظم غيظها قائلة بحزن
ـ معلش يا عمر. مضطر تسمعني للآخر. مانا بردو أختك وليا حق عليك، و حقي دا يخليني اقولك كفاية يا عمر.
عمر باستهجان
ـ نعم!
هايدي بنبرة أتقنت تزييف الحزن بها
ـ عارفة انك ممكن متدنيش الأهمية بس بجد أنا مخنوقة، و اعصابي تعبانه، و ماما كمان تعبت لنفس السبب.
عمر باختصار
ـ اللي هو !
تساقطت دموع التماسيح من بين مآقيها وهي تقول
ـ انك بتتجاهلنا ياعمر. في حين أننا محتاجينك. مش شايف غير مراتك، و شغلك واحنا و لا أكننا موجودين، و اللي يزعل اكتر، واكتر أننا نبقى مكسوفين مراتك دي، و مش قادرين نواجه الناس اللي كل لما يدخلوا بيتنا و يسألونا مين دي متبقاش عارفين نقولهم دي مين!
ـ هايدي. التزمي حدودك،و اياكِ تمسي شروق بحرف واحد.
هكذا تحدث عمر بنبرة حاسمة ارتج لها قلبها الذي لاحت بوادر الأمل في سمائه حين سمعت كلماته وهي تقف مختبئة خلف باب غرفتها تتمنى لو تحدُث مُعجزة و تجعله يراها بالطريقة التي هي عليها، ولكن هناك شيطاين لا تكتفي بالوسوسة فقط بل تحرق الأرواح من أجل خططها
ـ ماشي هي مراتك، و انت كراجل مش هتتحمل عليها حرف. بس انت مش معايا في أنها متليقش بيك! شوف أنت أيه وهي ايه؟ حتى لو هي بنت عمتنا، و بغض النظر عن ظروف جوازة عمتي و هروبها من البيت! ابوها كان أيه! حاجة متشرفش، و عشان كدا انت مأعلنتش جوازك منها.
ماشي هي مراتك، و انت كراجل مش هتتحمل عليها حرف. بس انت مش معايا في أنها متليقش بيك! شوف أنت أيه وهي ايه؟ حتى لو هي بنت عمتنا، و بغض النظر عن ظروف جوازة عمتي و هروبها من البيت! ابوها كان أيه! حاجة متشرفش، و عشان كدا انت مأعلنتش جوازك منها.
على أرض الواقع الذي وضعته والدته هي مُحقه، ولهذا لم يُجادلها انما بتر الحديث دون رتق هذا الشق الذي نحر صدرها وهي تستمع إلى كلماته الجافة
ـ ميخصكيش، و متتكلميش في الموضوع دا تاني، و اعلان جوازي منها دا شيء متأجل في الوقت الحالي عشان الظروف مش اكتر، و دا بردو شيء ميخصكيش.
كان خذلانه لها أمرًا مريرًا كمرارة علقة يتوق الإنسان بشدة لبصقها، فعلى الرغم من وقوفه بالمرصاد في وجه شقيقته، ولكنه لم يُدافع عنها عن انتمائه لها، و لم يُعلن ولو بطريقة مُبهمة عن عشقه لها، و قد كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعيد، فمحت أناملها بقسوة وهي تتراجع إلى المرحاض تمحي آثار خذلانها، و مرارة الإهانة التي لحقت بقلبها. ثم توجهت إلى الخارج رأسًا إلى غرفة جدتها، فهي لا تُريد البقاء في هذا المنزل للحظة واحدة تريد الهرب حتى تستجمع قواها التي خارت بفعل هذا العشق المسموم لتجدها تُمسِك القرآن و تتلو ما تيسر من آيات الذكر الحكيم لتتوقف شروق عند هذه الأية التي مست قلبها بقوة
أغلقت الباب خلفها وهي تقترب لتسقط على ركبتيها بجانب مقعد جدتها التي أغلقت المصحف تنظر إليها لتهتف شروق بنبرة ترتجف ألمًا
ـ قوليلي أنتِ قوية يا شروق. قوليلي أن ربنا حطك في اختبارات اقوى من دي و اتغلبتي عليها يا شروق.
رفعت رأسها وهي تناظر سعاد بنظرات أهلكها الألم و أضناها الوجع الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ أنا والله مش معترضة. أنا بس موجوعة، و مش قادرة أصرخ. قلبي محروق و مش عارفة اتكلم.
امتدت يد سعاد تحتوي وجهها وهي تقول بلهفة
ـ في ايه يا شروق؟ حصل ايه يا بنتي؟
لم تكد تُجيبها حتى سمعوا صوت صُراخ قادم من الخارج لتنتفض شروق مهرولة إلى خارج الغرفة لمعرفة ما الأمر لتتوقف عند جملة عز الدين الذي كان مسافرًا في رحلة عمل
ـ مبسوط. لما انك ترقد في السرير بسبب عمايلك انت كدا مبسوط!
عمر بجفاء
ـ مفهمتش ايه اللي عملته خلاها تتعب انا شايفها النهاردة الصبح كانت زي الفل.
عز الدين بانفعال
ـ هو انت بتشوف غير اللي عايز تشوفه.
لمحت عينيه شروق التي كانت تقف أمام غرفة سعاد ليستطرد عز الدين قائلًا باحتقار
ـ ولا اللي روحت جبتها و اتجوزتها دي من غير ما نعرفلها أصل من فصل
اهتاج عمر و هتف غاضبًا
ـ شروق و جميلة ولاد عمتي نسمة، و بلاش تغالط نفسك.
ـ أنا مبغالطش نفسي أنت اللي بتعك، و فكرت اننا مش قادرين عليك لما سبناك تجيبهم يعيشوا هنا معانا، واتجوزت الهانم، و مفكر انك ممكن تاخد قرش من فلوسي و شقايا و تعبي تديهولهم.
عمر بشراسة
ـ دا حقهم، و شروق أول ما تتم ٢١ سنة هتستلم فلوس أمها اللي هي أختك.
قاطعه عز الدين بصُراخ
ـ أختي ماتت يوم ما وطت راسنا في الطين و هربت مع الكلب دا.
لم تعُد تحتمل إهانة أخرى، و خاصةً أن الأمر موجه مُباشرةً إلى والدتها الراحلة لتصرُخ شروق بعُنف
ـ اخرس متقولش كدا على أمي. امي اشرف من الشرف.
تفاجيء عمر من وجودها، و كذلك عز الدين الذي تملك منه شيطانه، وهو يرفع يده ليصفعها قائلًا بصُراخ
ـ اخرسي يا قليلة الأدب.
تجمدت الكلمات على شفاهه حين وجد ولده يقف أمامه مانعًا يده من الوصول إليها قائلًا بشراسة
ـ اوعى تفكر تمد ايدك عليها.
برقت الأعيُن و فغر الجميع فاهها من هول الموقف ليلتفت عمر صارخًا في شروق
ـ ادخلي أوضتك.
نزعت يدها من بين يديه و هي تتراجع للخلف بجسد مُرتجف لتتدخل نبيلة صارخة
ـ بتقف قدام ابوك عشانها يا عمر.
ـ اسكتي….
هكذا صرخ عمر بصوت اهتزت له جدران المكان لتتدخل سعاد صارخة
ـ من حسن حظك أن ابنك لحقك يا عز الدين، و إلا القلم اللي كان هيلمس حد شروق كان هيقابله عشرين قلم مني.
شوش الغضب الرؤية لديه و جعل عينيه تبرقان كما لو أن الجحيم يموج بينهم ليزأر بوحشية
ـ ولا حرف. كل واحد على أوضته.
تعالت الأنفاس، فكان صداها هو المسموع، و من بين كل النظرات كان هناك خبيثة تنظر إلى ما حدث بعين الانتصار، لينصرف الجميع و يتبقى عمر و عز الدين الذي هتف بغضب
ـ دش مش أول مرة تقف قدامي. بس المرة دي لو ندمت زي اللي قبلها مش هتلاقيني
عمر بنبرة جريحة
ـ أنا عمري ما لقيتك عشان كدا مش هدور عليك، و لو هدور بعد كدا يبقى على راحتي و خلي بالك لو مشيت المرة دي مش هتعرف ترجعني.
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”. كما يمكن ترديد: “رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم”. ♥️
★★★★★★★★★★★★
ـ ماما. اصحي يالا. هتتأخري.
هكذا تحدثت مريم إلى أشجان التي كانت نائمة بعمق بفضل هذا المنوم الذي كان مُنقذها من هذا الواقع الخالي كُليًا منه، فها هو قد مر أسبوعًا مريرًا دون أن تراه أو تسمع صوته، و قد كان هذا قاسيًا على قلبها الذي دُهِس أسفل شاحنة قرارها، و هاهي تُعاني الأمرين من بعده حتى لجأت للنوم كمهرب من وجع ينخر عظامها.
رفرفت برموشها وهي تناظر طفلتها التي كانت ترتدي ثوب عروس، فظنت أنها تتوهم لتحاول الاعتدال وهي تفرك عينيها لتتأكد من أن ما تراه صحيح، فإذا بها ترى أمجد الذي يرتدي بدلة عريس هو أيضًا، فهتفت بعدم فهم
ـ في أيه؟ أنتوا لابسين كدا ليه؟
أمجد بمرح
ـ عندنا فرح يا ماما.
أشجان بعدم فهم
ـ فرح مين؟
ـ جدو هيقولك.
هكذا قالت مريم وهي تأخذ شقيقها و يهرولان للخارج فتبعتهم أشجان التي خيم الذهول على ملامحها، و هي ترى هذه الزينة التي يتزين بها منزلهم، فقد عادت إلى منزل أبويها لتقطع كل اتصال لها به، ولعلمها أنها لن تراه هُناك، توجهت إلى والدتها التي ما أن رأتها حتى أطلقت زغرودة. قوية لتقول أشجان بأنفاس مقطوعة
ـ هو في أيه يا ماما و بتزغرطي ليه؟
رضا بمُزاح
ـ عندنا فرح يا شوشو.
التفتت الى صابرين شقيقتها و هتفت
ـ خلصتي الحمام يا صابرين! مفيش وقت انجزي.
أشجان بصدمة احتلت معالمها و نبرتها حين قالت
ـ هو أنتوا بتعملوا ايه؟
رضا بنبرة سعيدة
ـ بنعمل العشاء بتاعك يا قلب أمك. يارب يجعله بألف هنا و شفا على بدنكوا.
أشجان بذهول
ـ عشا مين انا مش فاهمة حاجة..
رضا بنفاذ صبر
ـ بقولك ايه اطلعي لابوكي بره انا مش فضيالك.
كان الأمر برمته جنونيًا مما جعلها تهرول إلى الخارج ليتجمد جسدها وهي ترى كُلًا من آسيا و شروق، و جميلة و غنى يقومون بتزيين الصالة الواسعة و والدها يجلس بجانب سوزان يتجاذبون أطراف الحديث لتهتف بنفاذ صبر
ـ هو في ايه حد يفهمني؟
التفت الجميع يناظرها و كأنها لا شيء ليقوم والدها بإجابتها بنبرة سعيدة
ـ صح النوم يا عروسة.
أشجان باستهجان
ـ هي مين دي اللي عروسة؟
سوزان بتهكم
ـ خيالك.
أشجان بسخط
ـ مش ممكن نتكلم جد شويه ؟
عزام بنبرة حادة
ـ هو فين الهزار! و بعدين هو أنتِ متعرفيش أن خالد طلب ايدك مني وانا وافقت!
ارتج قلبها فرحًاو تراقصت دقاته بقوة عندما سمعت حديث والدها، ولكن كيف هكذا استفهمت
ـ لا معرفش. حصل امتى دا!
نهض عزام وهو يتوجه إليها قائلًا بنبرة حانية
ـ تعالي يا بنتي نتكلم شوية.
اطاعته حين أخذها الى غرفتها للحديث الذي شرع فيه مُباشرةً حين قال
ـ خالد طلب ايدك للجواز وانا وافقت.
أشجان بنبرة مُلتاعة
ـ بس يابابا.
ـ مبسش. زمان لما أمين طلب ايدك قولتلك يا بنتي بلاش دا مش ليكِ، و لأول مرة كنتِ تقفي قدامي وقولتي انك عايزاه و أن هو اللي هيسعدك. وقتها مقدرتش اكسر خاطرك. لكن دلوقتي انا اللي بقولك. خالد دا لو لفيتي العالم مش هتلاقي ضفره، و هو اللي هيسعدك و هيحافظ عليكِ و هيكون هو عوض ربنا ليكِ.
كان لحديث والدها صدى قوي على قلبها العاشق، ولكنها شعرت بوجود خطب ما لتقول باستفهام
ـ هو في حاجة انا معرفهاش يا بابا.
تذكر عزام ما حدث في ذلك اليوم الذي تلا خطبه كمال و آسيا
عودة إلى وقت سابق
ـ كلمتني و قولتلي عايزك يا عم عزام في موضوع مهم على الرغم انك كنت امبارح بتطلب ايد آسيا بنتي لأخوك، قولت يبقى الموضوع كبير يا عزام. قولي بقى في ايه؟
هكذا تحدث عزام بابتسامة بشوشة ليبتسم خالد هو الآخر وهو يُجيبه قائلًا
ـ حصل. انت عندك حق. الموضوع كبير، و للأسف مينفعش الكلام فيه في البيت.
عزام بقلق
ـ سامعك يا ابني اتفضل.
تحمحم خالد قبل أن يقول بخشونة
ـ أنا عرفت اللي قاله اللي اسمه أمين عني و عن أشجان، و مكذبش عليك. أنا لولا أني بحترمك و بحترمها و مش عايز اي شوشرة عليها. أنا كنت ولعت فيه في بيته، ولا كان هيهمني حد.
عزام يترقب
ـ و ايه اللي وقفك! يعني دي سمعتك.
خالد بنبرة قوية
ـ سمعتها اهم بالنسبالي.
ـ ليه؟
خالد بخشونة
ـ عشان بحبها، و دي مش جريمة هتبرأ منها. أنا راجل صريح، و مابحبش ألف و أدور، و متفهم شعورك دلوقتي. بس قبل ما تصدر أي حكم اسمعني.
عزام بنبرة حادة
ـ سامعك.
خالد بنبرة رخيمة
ـ أنا حبيت أشجان الست المحترمة. اللي محافظة على نفسها. الظروف جمعتنا في مواقف شوفت فيها نوع الحياة اللي هي عيشاها، و اللي كانت ممكن تبقى حجة قوية لأي ست أنها تغلط. بس هي معملتش دا، و و كانت محافظة على نفسها وعلى الإنسان اللي شايله اسمه، و مقبلتش مني اي نوع من المساعدة.
عزام باستفهام
ـ أيه نوع المساعدة اللي تقصده؟
خالد بجمود
ـ حاولت اساعدها ماديًا من غير ما تعرف عشان مسببش ليها اي احراج و رفضت رفض قاطع، تفكيرك ميروحش لبعيد. أنا راجل عارف ربنا قبل اي حاجة.
اومأ عزام بصمت ليُتابع خالد بنبرة خشنة
ـ أشجان كانت قدامي نموذج للست اللي اي راجل يتمناها. الست اللي ممكن اسيبها في بيتي و اغيب مليون سنة عارفة أنها هتحافظ عليا و هتراعي ربنا فيا، و عشان كدا خفت من اي حرف يقال عنها.
اومأ عزام برأسه قبل أن يقول بنبرة هادئة
ـ طلبت تقابلني عشان تقولي كدا بس!
خالد بخشونة
ـ لا. طلبت اقابلك عشان اقولك اني يشرفني اتقدم و اتجوز أشجان. طبعًا بعد ما عدتها تخلص.
توسعت حدقتي عزام من حديثه ليُتابع خالد قائلًا
ـ أنا عارف أنت بتفكر في اي؟ و انك بتقول اني في مجتمع مفتوح و اكيد في ستات كتير تناسبني. بس تقدر تقول إن في حاجات كنت بدور عليها و ملقتهاش غير في أشجان.
عزام بارتباك
ـ أنت فاجئتني يا ابني. طبعًا كلامك عن بنتي اسعدني بس بردو يعني انت محددتش ليه هي؟ اقصد زي ما بتقول في ستات كتير حواليك و من توبك و أكيد بردو محترمين اشمعنى هي؟
خالد بنبرة هادئة
ـدس إرادة ربنا، و ربنا حطها في طريقي، و خلاني اشوف حياتي الجاية معاها. يعني نصيبي الحلو اني حبيتها هي.
عودة إلى الوقت الحالي
ـ دي اللي حصل، و بصراحة أنا عمري ما هلاقي زيه، و لا في شهامته، و بعدين لو أنتِ خايفة من الفرق الاجتماعي الراجل محترم و مبيبصش للموضوع دا، و الأهم من دا كله أنه هيقدر يحميكِ من اي حد..
تأججت نيران العشق بقلبها الذي لا تسعه الدنيا من فرحته بما قصه لها والدها لتقول بنبرة خافتة
ـ أنا عارفة أنه مفيش منه بس…
قاطعها عزام بنبرة حاسمة
ـ مبسش. خلي بالك مش خالد بس اللي جنبك و هيحميكِ. أنا كمان. مش هغلط معاكي زي ما غلطت قبل كدا. أنا هكون في ضهرك يا بنتي، وبعدين ليه متقوليش أن ربنا عوضك.
ابتسمت بسعادة وسرعان ما صُدِمت حين رأت هذا الصندوق الكبير الذي كانت تحمله كُلًا من آسيا و شروق و تضعانه أمامها لتقول بلهفة
ـ ايه دا؟
آسيا بتخابُث
ـ افتحيه و البسي بسرعة مفيش وقت للدلع.
خرج الجميع و تركوها لتتقدم من الصندوق و تقوم بفتحه لتشهق بصدمة حين رأت هذا الفستان الرائع الذي يتميز باللون الأبيض و المرصع بالألماظ على صدره و أكمامه و يضيق قليلًا عند الصدر ثم يتسم باعتدال حتى يلامس الأرض، وقد كان مصحوباً بحجاب من نفس نوع و قماش الفستان، و معه تاج من الألماظ الذي يخطف الأنفاس، و هذا ما حدث عندما أنهت فتاة الزينة الباسها، فقد بدت كحورية خطفت أنفاس الجميع بجمالها و بساطتها، فتعالت هتافات الفتيات لدى رؤيتهم لها لتهتف بتوتر
ـ سوزان انا مرعوبة.
سوزان بمرح
ـ تستاهلي اللي هيجرالك. مش أنتِ اللي جننتي الوحش. اشربي بقى.
أشجان بسخط
ـ أنتِ كدا بتطمنيني، و بعدين انا زعلانه منك أصلًا. أنتِ بتتفقي معاهم عليا.
لم تكد سوزان تُجيبها حتى سمعت صوت والدها الذي قال بحبور
ـ يالا يا شوشو عشان كتب الكتاب.
أشجان بتوتر
ـ هو انتوا خلصتوا!
أجابها والدها وهو يُمسِك بيدها ليساعدها في النهوض
ـ لا يا حبيبتي لسه مبدأناش بس أنتِ اللي هتبقي وكيلة نفسك.
أشجان بصدمة
ـ ليه يا بابا؟
تفاجئت حين سمعت هذا الصوت الخشن خلفها
ـ عشان أنا عايز كدا.
شهقة خافتة أفلتت من جوفها حين رأته خلفها، بوسامته الفذة التي ابهرتها، ولكن عينيه كانت قاسية و ملامحه مُتجهمة لذا قالت بتلعثُم
ـ بس أنا….
قاطعها حين اقترب منها وهو يوجه حديثه إلى والدها قائلًا
ـ تسمحلي….
اةمأ عزام برأسه ليأخذ يدها بكفه الخشن وهو يتوجه إلى طاولة عقد القران دون أن يُعطيها نظرة واحدة لتجلس بجانب الشيخ و هو على الجانب الآخر أمامها، فمد يده إليها دون حديث، فالعيون تولت الأمر لتجد نفسها تمد يدها إليه وهي واقعه بين براثن نظراته التي كانت خالية من كل شئ سوى العشق الذي كان يشع من بين حروفه وهو يقول خلف الشيخ و كذلك هي، فقد كان العهد بين قلوبهم أمام الله في لحظات لن تكفي الحروف لوصفها، فما أن اعلنهم الشيخ زوجًا و زوجة حتى جذب كفها ليقبله وسط هتافات من الجميع، وحدها كانت صامتة، و عينيها تزف عبرات السعادة التي كانت تتساقط بغزارة من مقلتيها، فقلبها كان يدُق بعُنف تأثرًا بهذه اللحظات التي دارت بينهم، وهذه النظرات التي انحفرت بقلبها، وهذا الحدث العظيم الذي فلم تكن تتخيل مدى روعة أن تُصبِخ زوجته، فلا تعلم كيف مر الوقت لينتهي كل ذلك و تجد نفسها بجانبه في السيارة التي كان يقودها بصمت قطعته هي لتقول بنبرة مُتحشرجة و أنفاس مقطوعة
ـ خالد.
أشعلت نبرتها و حروف اسمه من بين شفاهها نارًا هوجاء داخله، ولكنه حجبها عنها و أخفى تأثره بوجودها خلف قناع من الجمود الذي تجلى في نبرته حين قال
ـ نعم.
شعرت بأنه غاضب أو ربما يشعر بالخُذلان الذي تعلم كيف يكون وقعه لذا هتفت بنبرة خافتة
ـ أنت زعلان مني؟
لم يفلح في تجاوزها، و إن كان ينوي معاقبتها على تخليها عنه، ولكن قلبه من يطاوعه لذا صف السيارة على جانب الطريق ليوقفها وهو يلتفت ناظرًا إليها وهو يقول بنبرة خشنة مُعاتبة
ـ أنتِ ايه رأيك؟
أخفضت رأسها وهي تقول بنبرة يتخللها الندم
ـ ليك ألف حق تزعل بس…
قاطعها بلهجة مُتحشرجة و أتفاس مُلتهبة تأثرًا بحُسنها
ـ الأسبوع اللي قضتيه من غيري عدى عليكِ ازاي؟
رفعت رأسها تطالعه بألم تجلى في ملامحها و نبرتها حين قالت
ـ معداش يا خالد. كان صعب فوق الوصف. كل اللي مر عليا في حياتي كوم و الأسبوع دا كوم تاني. مكنتش اتخيل أن غيابك هيوجع كدا.
لم تكد تُنهي جملتها حتى جذبها من خصرها لتتعانق أضلعهم، و تمتزج أنفاسهم ليقول بنبرة موقدة بلهيب العشق
ـ هششش. متوصفيش عشان أنا عشت أضعاف اللي بتقوليه دا وأنتِ بعيد عني. لأول و آخر مرة هقولهالك. اوعي تبعدي عني، ولا تختاري فراقنا أبدًا.
سحب أنفاسها داخله وهو يُتابع بهسيس خشن
ـ أنا اتجاوزت اللي حصل عشان عارف و مقدر الضغط اللي كنتِ فيه. بس لو اتخليتي عني مرة تانية.
قاطعته بلهفة
ـ مش هيحصل. مش هيحصل أبدًا يا خالد.
انتفضت دقات قلبه لدى تفوهها باسمه، و اجتاحته رغبة قوية نهمة لقربها الذي شاب الفؤاد من فرط انتظاره ليهتف بنبرة موقدة بلهيب الحب
ـ احلى خالد سمعتها في حياتي..
أنهى جملته و هوى فوق ثغرها يرتشف العشق من بين ضفتيه ينهل من قربها الذي أضناه بنهم، فقد طال انتظاره لهذه اللحظة التي لم يكُن يتخيل مدى روعتها سوى الآن وهي بين يديه غائبة عن الوعي، فقد خدرها عشقه حد الهلاك الذي نال من رئتيها ليتراجع عنها على مضض، فهو أن ظل يغترف من حُسنها عمرًا بأكمله لم يكُن ليشبع أبدًا
ـ لو تعرفي اتمنيت اللحظة دي قد ايه؟
شعرت بالحرج يغمرها و تفشى الخجل في أوردتها لتنبت ثمار التفاح الشهي فوق خديها، فهمست باسمه بنبرة خافتة
ـ خالد.
خالد بوقاحة
ـ خالد لسه معملش حاجة يا عيون خالد. احمدي ربنا أننا على الطريق، و إلا كان هيبقى ليا كلام تاني.
أشجان بخفوت
ـ احنا رايحين فين؟
خالد بنبرة رخيمة
ـ رايحين عالجنة.
أخفضت رأسها ليتراجع خالد إلى مقعده وهو يقول بنبرة وقحة
ـ الكسوف دا مش حلو عشانك يا حلو.
أشجان بتوتر
ـ ليه بقى؟
خالد بنبرة عاشقة وهو ينظر إلى الطريق أمامه
ـ بيخليكِ تحلوي أكتر و أكتر و لو كلتك انا مش مسئول.
أشجان بارتباك
ـ كفاية بقى. انت اللي بتكسفني بكلامك دا..
امتدت يده ليمسك كفها و يقربه من فمه يقبله بحنو قبل أن يقول بنبرة عاشقة
ـ أنا راجل بفهم و بقدر الجمال كويس، و أنتِ اجمل ست شافتها عنيا.
شعرت بقلبها يتضخم من فرط السعادة لكلماته التي أعادت بعضًا من ثقتها المفقودة لتخرج منها تنهيدة راحة و سعادة لم تزورها سابقًا
اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ♥️
★★★★★★★★★★
ـ اسمعيني كويس يا مها. الموضوع انا قفلته، و اياكِ تتكلمي فيه تاني سامعة ولا لا؟
هكذا تحدثت هيام بغضب لتهتف مها بأسى
ـ بقولك عماد مقاطعني، و حياتي بتتخرب دا غير احساسي بالذنب اللي هيم*وتني.
هيام بحدة
ـ يم*وتك احسن ما تقعي في أيدي، و امو*تك انا يا زفتة. أنا اخواتي عندي خط أحمر، و استحالة هخسر ياسر بسببك فاهمة؟
ـ بتكلمي مين يا هيام؟
تجمدت هيام بأرضها حين سمعت صوت ياسر خلفها لتغلق الهاتف وهي تناظره بصدمة ليقول ياسر بنبرة حادة
ـ ساكتة ليه يا هيام؟ بتكلمي مين؟ و مين اللي مش هتخسريه بسببي!
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين” .
“اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله أوله وآخره علانيته وسره” .
“اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني ♥️
★★★★★★★★★★
كان في طريقه الى غرفته ليتقدم إلى الداخل، فإذا به يُصدم حين سمع نجاة وهي تقول بنبرة مُلتاعة
ـ هجوله ازاي حاچة زي دي. دي اكتر حاچة صعبة على اي راچل في الدنيا. ده ممكن يجتلني..
تيقظت حواسه من حديثها ليهتف بنبرة حادة
ـ بتكلمي مين يا نچاة!!
