![]() |
رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الرابع والثلاثون بقلم نورهان ال عشري
سابقًا كنت أظن أنني امرأة قوية، لكنني اليوم أتبرأ من هذه الصفة، أنا يا عزيزي امرأة حمقاء، ظلّت لسنوات تصُمّ أُذنيها عن عبارات الغزل، وتغُضّ بصرها عن ومضات العشق، ففي ضلوعي قلبٌ كان الغرور طابعًا متأصلًا فيه ، يبغي المثالية ولا يقبل دونها شيئًا.
إلى أن اصطدمت برَجُلٍ اقتحم عالمي عنوة، عنيدٌ كالصخر، مراوغٌ كالذئب، مسيطرٌ كالسيف في أوج معركة هو فقط من يحق له الفوز بها، يحيط بي كالهواء. بدا وكأنه أقسم على هدم جميع الجسور التي بيننا، واختراق كل الحصون التي شيدتها حول قلبي، مُمَّهدًا كل الطرُق لغزوه الضاري، الذي رغم ضراوته كنت أرحّب به. رحّبت به إلى الحد الذي جعلني أغزل له الأحلام بخيوط الحب، لأصنع له ثوبًا من الطمأنينة مُرصّعًا بلآلئ العشق الذي يعجّ به صدري.
لكنني تفاجأت به مُلقى كجائزة رمزية في خزانة انتصاراته، إلى جانب جوائزه العديدة التي لا يملّ من الافتخار بها. كان الأمر ساخرًا بقدر مرارته؛ فحين كنت أراه حياة، كان يراني مجرّد جولة من جولاته التي لا تُعدّ ولا تُحصى، و كأن من ينازع أسفل حذاء غروره ليس قلبي! الذي رأى فيه الأمان، بينما هو الوجه الآخر للهلاك.
لم يكن الصياد الذي كنت أخشاه، بل الراعي الذي احتميتُ به… فقتلني في النهاية.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
توقفت ضربات قلبها للحظة وهي ترى ياسر يناظرها بأعيُن يلتمع بهم الفضول للإجابة على استفهامه الذي من شأنه أن يضعها في طوق المشنقة، ليسعفها عقلها بالإجابة حين قالت بنبرة يشوبها التوتر
ـ دي مها.
ياسر بجفاء
ـ و دي بتتصل عليكِ ليه ؟
تلبسها شيطان الكذب مرة أخرى لتقول بخفوت وهي تقترب منه
ـ البت واقعه في عرضي اتوسطلها عندك يا ياسر. أنا حتى قولت لغنى…
قاطعها ياسر بتهكم
ـ تتوسطيلها في ايه ؟ هي الجريمة اللي عملتها دي ينفع فيها أي حاجة.
هيام بنبرة يشوبها التوسل، و يتخللها الخداع و الزيف
ـ عارفة أنها غلطت. بس هي عيلة غبية و يتيمة و كانت عايزة حد يشيل شيلتها، و أنت راجل و يُعتمد عليك و عمرك ما اتخليت عن حد في ضيقة، و أي واحدة في مكانها هتطمع فيك.
ياسر بأنفعال
ـ أنا مش فاهمك يا هيام! أنتِ بتبرري أيه؟ دي هدمت حياتي، و غلطت في حق نفسها، و لوثت شرف اخوها الله يرحمه، و بعد دا كله بتقوليلي طمعت فيك، ولا في شهامتك! أنا مذهول من موقفك. أنتِ اكتر واحدة شوفتي انا اتعذبت ازاي!
قال جملته الأخيرة بنبرة مُلتاعه لتهتف بنبرة يشوبها الندم
ـ عارفة. بس مش في أيدينا نرجع الزمن لورا يا ياسر.
ياسر بقسوة
ـ بس في أيدينا نعاقب الفاعل، و بلاش تقوليلي أن دا تفكيرها هي. عشان أنا قلبي بيقولي لا. أنتِ طيبة يا هيام، و للأسف الناس بتطمع في طيبتك دي.
زحف الارتباك إلى نبرتها و تناحرت دقاتها من حديثه، ولكن كان لزامًا عليها بتر الشك من جذوره داخل قلبه لتقول بنبرة جادة
ـ بس هي اعترفتلي و حلفتلي أن محدش قالها تعمل كدا، و أنها عملت كدا من نفسها.
ياسر بحدة
ـ هيام ..
قاطعته وهي تهتف بانفعال
ـ و غلاوة هيام عندك تبعد عنها و تشيل الموضوع دا من دماغك. ايه ماليش علاوة عندك يا ياسر!
هاهما أغلى إمرأتان في حياته يتوسلن من أجل هذا الأمر لذا اذعن في الآخر إلى طلبها ليقول بجمود
ـ أنتِ و غنى بتطلبوا مني نفس الطلب، و للأسف مُضطر اني انفذه عشان معنديش أغلى منكوا.
اقتربت تعانقه وضميرها لازال بجلدها بسوط غضبه الذي تجاهلته وهي تقول بخفوت
ـ ربنا ما يحرمنا منك أبدًا.
شددت ياسر من عناقها وهو يقول بنبرة صادقة تجيش بها المشاعر
ـ أنتوا أغلى حاجة في حياتي يا هيام. أنتِ و غنى و يزيد. عيلتي اللي عندي استعداد افديهم بروحي.
وكأنه حديثه كالشوك ينغز في قلبها دون رحمة، ولكن من اختار طريق الكذب عليه أن يعلم بأنه لن يكون مُمهدًا كما ظن بل مليء بالأشواك و العقبات التي لن تنتهي إلى أن يصل لنهاية الطريق الذي كُتِب على لافتته الصدق يُنجي مهما كان الألم، و الكذب يُهلِك ولو طال الأمد.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال" ♥️
★★★★★★★★★★★
تجمدت العبرات على شفتيها حين سمعت صوته
القوي خلفها لتلتفت ناظره إليه و كأنه جلادها، وها هو سرها العظيم يوشك أن ينكشف أمامه، و يُهدد أمانها الذي لم تشعر به سوى بقربه
ـ سكتِ ليه؟ بجولك بتكلمي مين؟
هكذا هتف رحيم بنبرة قاسية و عينين تحترق تحت وطأة الترقُب و القلق لحديثها الذي لم يكتمل ليقترب وينتزع الهاتف من بين يديها ليضعه بجانب أذنه ليأتيه صوت آسيا التي هتفت بقلق
ـ ضي. سمعاني! روحتي فين؟
اغلق المكالمة وألقى بالهاتف بعيدًا، وهو يقول بنبرة جافة
ـ كنتِ بتجوليلها أيه ؟ و أيه اللي هيخليني اجتلك لو عرفته ؟
ارتعش جسدها من مظهره المُرعب، و تناثرت العبرات من بين حدقتيها تتوسله ألا يغتال حلمها الوردي بجانبه، و حروفها ترتجف فوق شفاهها وهي تُجيبه
ـ أني. مش. ذنبي. والله العظيم ما ذنبي.
احترق فؤاده من فرط اللوعة، وهو يتخيل أن تكن من ضمن قائمة الخونة بحياته ليمد يده إلى مرفقها يجذبها إليه بغضب تجلى في صوته حين قال
ـ انطوجي ذنب ايه اللي بتتحدتي عنيه!
بلغ الخوف ذروته حتى كاد قلبها يتوقف عن الخفقان لتسلك طريق الصدق معه عله يُنجيها، فهتفت بحروف ترتجف خوفًا
ـ دية حاچة حصلت اديلها كام سنة، وأني والله زي ماني.. بس…
لم تفلح شفاهها في نطق الكلمات وهو يناظرها بهذه الطريقة التي أضرمت الرجفة بسائر جسدها الذي انتفض بين يديه حتى كاد أن يقع، و لكنه سرعان ما احتواها بين يديه وهو يهتف بلوعة
ـ نچاة..
على صوت شهقاتها، و بالمقابل رجفة جسدها لتحيد عينيه عن عينيها بضع درجات ليصطدم بمظهره المُخيف في المرآة التي كانت على يمينه، و إذا به يشفق عليها لوهلة من هذا المظهر المُرعب الذي يبدو عليه مما جعله يحيطها أكثر بين ذراعيه وهو يجذبها بحنو ليضعها على الأريكة وهو يهدهدها كالطفل الصغير
ـ خدي نفسك، و اهدي.
حين لامست اللين في نبرته تضاعفت عبراتها و خرجت الكلمات مُتلهفة من بين شفتيها حين قالت بتوسل
ـ اني مش ذنبي حاچة. وحياة حبيبك النبي(عليه الصلاة والسلام) ما تحملني ذنب مش ذنبي.
رحيم بنبرة هادئة
ـ اهدي يا بت الناس و جولي لا إلا الا الله، و متحلفيش بغير ربنا، و جولي واني سامعك.
كان يقول جملته الأخيرة بترقُب، و هو يتوق لسماع ما يعلم حقيقته، ولكن هناك جانب آخر لازال يجهل تفاصيله
ـ لا إله إلا الله.
تنبهت إلى رائحة الوقود التي تعبأ ثيابه، فتناست ما حدث وهتفت باستفهام
ـ وه. ايه الريحة دي؟؟
قاطعها رحيم بجفاء
ـ ملكيش صالح. خلينا في موضوعنا.
ـ حاضر.
هكذا تمتمت قبل أن تأخذ نفسًا قويًا لتبدأ الحديث أمام عينيه اللتان يحملان الهدوء و السكينة التي تحتاج إليها
ـ أمي كانت بتشيعني اروح كان يوم عِند الفچر أجمعلها اعشاب كانت بتحتاچها في خلطات بتعملها عشان تعالچ الناس و في ليلة خرچت و روحت حتة واعرة في الچبل، و أني راچعة حسيت بنفس حد جريب مني، جومت چريت بعزم ما فيا، وهو يچري ورايا.
انتفض جسدها بجانبه ليحتضنها بين ذراعيه و عبراته تنهمر من عينيه رغمًا عنه مما جعله يحتويها بقوة حتى يخفي عنها ضعفه لتُتابع و هي تحت وطأه أمانه
ـ جعد يچري ورايا لحد ما وجعت عالأرض و هو فوجي، و كان بيحاول….
عند هذه اللحظة لم تستطِع إجمال جملتها بل استبدلتها بعبرات غزيرة و شهقات قوية تحكي مرارة الألم الذي عاشته في هذه اللحظة ليحتويها بين ذراعيه وهو يقول بنبرة مُتحشرجة
ـ بزيداكي حديت لحد أكده.
ارتعبت من أن يفهم ما حدث خطأ لتهتف بلهفة
ـ لاه. أني زي ماني. معرِفش أيه حوصول؟ بس أمي ودتني للحكيمة، و جالتلها اني..
قاطع استرسالها في الحديث يده التي احكمت الطوق حول عنقها لتقربها منه حد اختلاط أنفاسهم و جبينه يُلاحم جبينها و شفاهه تهمس بلوعة
ـ أنتِ ست البنتة كلاتهم. اوعاكِ تبكي تاني، ولا تخافي يا نچاة.
نچاة بصدمة
ـ معجول مش هتلومني، ولا هتجول اني انكشفت..
تفاجئت حين بتر جملتها بشفاهه التي التهمت حروف كلماتها، و كأنه يرفض سماعها أو ربما يرفض الرجوع بالذكرى لذلك اليوم المروع، و الذي يتوق لمحوه من ذاكرته، ولكنه الآن كان غارقًا في نعيم قربها و ارتشاف نبيذ شفاهها المُسكِر، والذي خدر جميع أوجاعه حين جرفه العشق معها إلى عالم آخر لا ينتمي إليه سواهم، فقام بحملها بين يديه كعصفور صغير في مواجهة صقرًا جسور، وهو يضعها فوق مخدعهم دون أن يفصل اقترابهم، و كأن تعويذة سحرية أُلقيت على عقله ليخضع أمام طوفان العشق المتبادل بينهم، و الذي قطعه لينظر إلى داخل عينيها وهو يقول بنبرة مُتحشرجة
ـ انسي اي حاچة حصلت جبل اللحظة دي، و جوليلي انك ريداني زي مانا هموت عليكِ يا نچاة.
كانت لحظة انمحى منها كل شيء إلا هذا الرجل الرائع وعشقه الذي تغلغل إلى سائر كيانها لتهتف بنبرة خافتة
ـ ريداك يا رحيم.
ارتج قلبه من جملتها و حروف اسمه من بين شفاهها المغوية، فاندحرت كل ذرة ألم، وندم من داخله ليهتف بنبرة مُتحشرجة
ـ أنتِ نچاة رحيم من الچحيم اللي اديله عمر عايش فيه. بحبك يا نچاة.
لم يُتيح لها الفرصة لاستيعاب اعترافه بالحب، فقد اندفع يُغدق عليها منه، و لسانه يتغنى بهواها و جمالها حتى التحمت الأرواح والأجساد معًا لتعزف معًا أروع معزوفة موسيقية عن عشقًا لا يُنتسى و ذنب لا يُغتفر.
اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء".
دعاء يريح القلب عند الضيق:
"اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا ارحم الراحمين ♥️
★★★★★★★★★★★
وصلت معه إلى الفيلا بعد العُرس الجميل لخالد و أشجان، و هاهي منذ أن استقلت السيارة إلى جانبه، وهي تود الحديث معه بصدد ما حدث في الصباح، ولكنها لم تستطِع تجميع حروفها لبدأ الحديث معه لتقرر تأجيله إلى أن يصلا لغرفتهم و لكن اتت الخادمة لتخبرها بالتوجه إلى غرفة جدتها التي تُريد رؤيتها، فأطاعتها دون النظر إليه
ليتوجه هو بدوره إلى الحديقة يقوم بإجراء مكالمة هاتفية هامة و بعد نصف ساعة أنتهى من مهامه الغامضة ليدلف إلى الغرفة أخيرًا ليجدها تقف أمام النافذة ثم التفتت إليه لتجده يستند على الباب خلفه و يديه في جيوب بنطاله يناظرها بشوق لم تفلح في تجاهله، فبالرغم من كل شيء هي اشتاقته أيضًا، ولكنه الكبرياء الذي يقف حائل بينهم
ـ ساكتة لية؟
هكذا تحدث بخفوت، فنظفت حلقها قبل أن تقول بنبرة جافة
ـ ليه عملت كدا النهاردة ؟
عمر باستفهام
ـ عملت ايه؟
شروق بجمود
ـ وقفت قدام باباك عشاني!
ارتفع أحد حاجبيه باندهاش قبل أن يقول باستهجان
ـ عيزاني اسيبه يضربك قدامي!
شروق بجفاء وهي تردع أنين قلبها المُلتاع
ـ أنا مكنتش هسمحله. مكنش في لزوم تعاديه عشاني.
قالت جملتها و التفت تنوي الهرب، فما حدث صباحًا لازال يؤثر على قلبها الذي يتألم بقوة لتتفاجيء به يقبض على معصمها يجذبها إليه لتواجهه، فإذا بها تصطدم بأعيُن تحترق من فرط الشوق و أنفاس لاهثة من جانب كليهمَ ليقربها أكثر منه وهو يقول بنبرة مُلتاعة
ـ كفاية بقى تعذيب لحد كدا.
شروق بنبرة مُتحشرجة وهي تجذب نفسها بعيدًا عنها
ـ سيبني لو سمحت.
امتدت يديه تعانق خصرها ليُقربها منه أكثر حتى لم يعُد مجال للهواء أن يمر من بينهم، و شفتيه تنطقان ما يجيش به صدره
ـ مش هسيبك. وحشتيني و لازم نتكلم.
شروق معاندة وهي تُدير رأسها للجهة الأخرى
ـ مفيش بينا كلام.
أدار رأسها إليه وهو يقول بتعب
ـ متخبيش عيونك عني أنا عارف اني وحشتهم، وأنهم مش راضيين عن الا بيحصل دا.
حاولت جذبت نفسها من بين ذراعيه التي تمسك بها كالكماشة وهي تهتف بانفعال
ـ لا عيوني ولا قلبي راضيين عن وجودك في حياتي. طول ما انت بتستعر مني، و مش شايفني زوجة تليق بيك.
حاول تحجيم ثورتها بقوته البدنية وهو يقول بنبرة يائسة
ـ طيب خلينا نتكلم، وانا هعملك كل اللي أنتِ عايزاه.
شروق وهي لازالت تقاومه
ـ مش هتقدر يا عمر، وانا مبقتش قادرة اكمل معاك. طلقني….
ابتلع باقي حروفها في جوفه، فلم يحتمل أن تنطق بهذه الجملة التي من شأنها أن تقتله، فهو قد يحتمل كل شيء في هذه الحياة ولكن فراقها لا، لذا عمق اقترابه منها وهو يبتر كل مقاومة لها باستخدام قوته البدنية، فقد أضناه شوقه الضاري لها، ولكن للقدر دائمًا رأيًا آخر، فقد تعالى رنين هاتفه، مُعلنًا عن اتصال هاتفي ليتراجع عمر عنها بشق الأنفُس، و يتوجه إلى الهاتف لرؤية المُتصِل، فزفر بقوة قبل أن يعود إليها يجذبها إلى أحضانه وهو يقول بأنفاس مقطوعة
ـ بيستعجلوني في المستشفى. هنزل دلوقتي و لما ارجع بكرة نتكلم، و هعملك كل اللي أنتِ عايزاه.
شعرت بقبضة قوية تحكم الطوق حول قلبها قبل أن تتراجع عنه، و هي توميء برأسها بصمت ليتراجع عنها على مضض وهو يتوجه إلى المرحاض لأخذ حمامًا مُنعشًا، فما أن توجه للداخل حتى سمعت صوت هاتفه يعلن عن وصول رسالة نصية، فانتفض قلبها ألمًا وهي تتوجه إلى الهاتف تقدم خطوة و تتراجع الأخرى لتقوم أخيرًا بإمساكه، لتُضيء شاشته و إذا بها ترى عيانًا إثبات خيانته و الذي تجلى في رسالة نصية على تطبيق واتساب من المدعوة شاهي فحواها
ـ عموري رنيت عليك، و مردتش يا بيبي. انا مستنياك زي ما قولتلي. متتأخرش عليا، و اياك تدي فرصة للجربوعة دي تقرب منك او حتى تكلمك.
تراشقت السهام بصدرها، فهاهي ترى دليل خيانته التي رفضت تصديقه حين استمعت لهه من فم شقيقته قبل دقائق
عودة لما قبل نصف ساعة
توجهت إلى غرفة جدتها تلبية لندائها لتتفاجأ بهايدي التي كانت في الداخل، فهتفت بصدمة
ـ تيتا فين ؟
هايدي بجمود
ـ تيتا في أوضة عمتو نسمة عرفت أن جميلة هتبات بره، فقالت فرصة تستعيد الذكريات.
شروق بجفاء
ـ و مين اللي بعتلي اجي على هنا ؟
هايدي باختصار.
ـ أنا، و قبل ما تسألي هقولك.
غزى الفضول صدرها لتناظر هايدي بترقُب، و التي بدأت الحديث بنبرة مُشجبة
ـ أنا عارفة أننا مبنتفقش مع بعض ولا عمرنا هنتفق. بس في كلمتين انا كبنت لازم اقولهملك. أنا معرفش طبيعة العلاقة بينك وبين عمر. بس عارفة أخويا، و على قد ما بحبه على قد مانا بتضايق من تصرفاته. عمر مابيحبكيش ولا عمره هيحبك. أنتِ مجرد وسيلة للضغط على بابا وماما و…
قاطعتها شروق قائلة بتهكم
ـ لا والله!
هايدي بنبرة جادة بعد أن ارتدت ثوب الفضيلة
ـ كلامي هثبتهولك كدا كدا. بس قبل ما أثبتهولك لازم افهمك عشان أنتِ بنت زيي، و عشان صاحبتي شاهي. اللي مفروض أن هي وعمر مخطوبين لبعض من وهما صغيرين، وهي كانت مسافرة في رحلة مع باباها و مامتها، و دلوقتي رجعت، و عمر بيأجل اعلان خطوبتهم بسببك.
ارتجف قلبها رغمًا عنها لتتابع هايدي بث سُم حقدها في صدر شروق
ـ عمر ذكي اوي و بيعرف يستغل الفُرص كويس دا غير انه بارع مع البنات و مفيش بنت بتاخد في ايده اكتر من شهرين و دي تبقى كدا خدت الأوسكار، و أنتِ متختلفيش عن اي بنت عرفها. أنتِ بس مزاياكي كتيرة شوية. هيتسلى براحته في نطاق الجواز اللي بيبيح كل شيء بينكم، و هيضايق ماما وبابا و هيكسب صف تيتا عشان ياخد نص نصيبها في التركة زي ما وعدته النص ليه و النص ليكِ.
لم تستطِع احتمال حديثها لتهتف بحدة
ـ حد قالك اني عبيطة عشان اصدقك!
هايدي بثبات مُثير للإعجاب
ـ لا مش عبيطة. بس تقدري تقوليلي ليه لسه بيقابل هايدي لحد دلوقتي ؟ طيب بلاش خدي شوفي دي صورتهم في عيد ميلادها من أسبوعين.
وضعت الصورة أمامها لينقبض قلبها بقسوة حين شاهدته وهذه الفتاة تعانق رقبته وهو يبتسم مما يدل على رضاه، فلاحت بوادر الهزيمة على ملامحها لتستغل هايدي الأمر قائلة
ـ مش كدا و بس. دا هيسهر معاها النهاردة، و شوفي رسايلها على تليفونه هتعرفي اني مبكذبش. خافي على نفسك يا شروق، و انفدي بجلدك عمر عمره ما حبك، ولا هيحبك. أنتِ لا تليقي بيه ولا بينا.
عودة للوقت الحالي
تركت الهاتف من يدها وهي تتوجه إلى خارج الغرفة حامله جراحها و عذابها حتى لا تواجه ذلك الحقير الذي يستحق الاحتراق في الجحيم السابعة وهي في هذه الحالة من الضياع
اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. ♥️
★★★★★★★★★★★
أعتقد أنه لا يوجد لغة في هذا العالم باستطاعتها أن تصف شعور شخص أبصر النور لتوه. بعد أن عاش ضريرًا طوال حياته
هكذا كان شعور قلبي حين وقع بعشقك.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
توقفت السيارة أمام كوخ كبير مكون من طابقين مُحاط بواحة خضراء أظهرتها أعمدة الإضاءة التي تُحيط به، و أيضاً وصل إلى مسامعها صوت أمواج البحر المتلاطمة، و الأجمل كانت يديه التي امتدت لتساعدها في الخروج من السيارة لتمُد يدها إليه بخجل راق له كثيرًا ككل شيء يخصها، فقام بالإنحناء لوضع قبله دافئة فوق باطن كفها قبل أن يرفع رأسه لتبتهج عينيه برؤية جمالها المُشِع بفستان الزفاف الأنيق وهذا الحجاب الحجاب الذي يُحيط بوجهها الذي أضفت عليه السعادة جمالًا من نوع آخر لتتفاجيء حين وجدته يلتف خلفها، ويقوم بفك حجابها وسط ذهولها الذي لم يدوم، فحين حرر خصلات شعرها اقترب من أذنها قائلًا بهسيس خشن
ـ غمضي عيونك الحلوين .
اطاعته و دقات قلبها تضرب بعُنف من فرط السعادة و الحماس الذي تضاعف حين وضع هذه العُصبة فوق عينيها ثم اتخذت يده اليسرى طريقها لتُحيط خصرها بينما اليمنى أمسكت بكفها ليقودها بخطوات بطيئة إلى حيث لا تدري، و قد أسلمت له نفسها يقودها حيثما يشاء ليتوقف أخيرًا و هو يهمس بجانب أذنها بصوته الخشن الذي يجعل عظامها تذوب
ـ جاهزة عشان ندخل جنتنا سوى!
ابتسمت لا إراديًا وهي تهمس بخفوت
ـ جاهزة.
قام برفع العُصبة من فوق عينيها ليُلقيها بعيدًا ثم انحنى يُلثم جدار عنقها البض دافنًا رأسه بين طياته بينما هي كانت غارقة في نوبة ذهول من كل هذا الجمال الذي يُحيط بها، فقد كان هناك ممرًا خشبيًا مُحاط بالورود من كلا الجانبين، و ينتهي في منتصف حديقة رائعة الجمال زينت بالشموع التي كانت على شكل دائرة كبيرة يتوسطها ورود على هيئة دائرة أصغر و كأنها حلبة صغيرة للرقص، و قد تأكدت ظنونها حين وجدته يغلق بوابة الكوخ و يتوجه إلى أحد الأركان لتنبعث منه موسيقى رائعة ثم التفت ليفتح ذراعيه على وسعهم لاستقبالها، فتناثر الفرح من بين عينيها وهي تندفع تجاهه بقوة لترتمي بين ذراعيه التي حملتها ليدور بها وهو يهتف بصوت جهوري بدد ظلام الليل حولهم
ـ بحبك….
كانت لحظة رائعة انتشى لها قلبها الذي ظن أنه السعادة سلعة غالية وهو لا يملك ثمنها ليُهديها إياها هذا الرجل بكل بزخ و إسراف، فقد كانت عينيه تناظرها و كأنها أعظم شيء خلق في الوجود و قد أكدته كلماته الرائعة وهي تتمايل بين يديه على أنغام الموسيقى
ـ أنتِ أجمل حاجة هدتني بيها الحياة.
امتدت يديها التي تحيط عنقه لتكوب وجهة بين يديها وهي تهمس بخفوت
ـ أنت حقيقة مش حلم صح؟
التفت يُلثم باطن كفها الذي يحيط بوجهه قبل أن يقول بهسيس خشن
ـ أنا الحلم اللي اتحول لحقيقة بين ايديكِ.
أشجان بنبرة مُتحشرجة
ـ مش مصدقة أن كل حاجة خلصت و أني أخيرًا بين إيديك.
جذبها إليه أكثر لتتلاحم أضلعهم و تتعانق أنفاسهم المُحترقة قبل أن يقول بنبرة خشنة
ـ صدقي. أنتِ معايا و في حضني و حضني بقى هو بيتك و مكانك.
تبددت أنظاره لتتحول إلى المكر وهو يُضيف بوقاحة
ـ و لا اقولك. انا راجل عملي و أحب الإثبات العملي تعالي بقى أما اثبتلك.
اقتطف هذه البسمة الخجلة من فوق شفاهها بنهم قاتل و كأنه يؤكد ملكيته لها و انتمائها له، و ذراعيه تشدد من احتواء جسدها الذي انصهر بين يديه في قبلة غرام لطالما اشتهاها منذ ذلك اليوم الذي علم فيه أنه وقع لهذه المرأة الرائعة.
فصل قربهم على مضض، ولكن كان هُناك الكثير مما يجب أن يُقال، فرفع رأسه يطالع ملامحها بشغف تجلى في نبرته حين قال
ـ بصيلي. عايز اشوف نفسي في عيونك.
تملصت من خجلها حتى لا يُفسد عليهم هذه اللحظة الرائعة، لترفع رأسها إليه، فارتسمت ابتسامة عاشقة فوق ثغره قبل أن يقول بنبرة خشنة
ـ قربك دا الدوا الوحيد لروحي. اوعي تفكري تحرميني من دوايا تاني.
تعلم إلى ما يُشير، ولكنها لم تُريد التطرُق لما قد يُفسد عليها جنتها لتقول بنبرة خافتة
ـ عمري ما هفكر ابعد عنك أبدًا. أنا معرفتش يعني ايه حياة غير معاك.
عند هذه النقطة انطلقت كلمات الأغنية التي عبرت عنها يجول بقلب كليهما
" انا وانت حالة خاصة جداً حالة مش موجوده فعلاً ومفيش في حياتنا اصلاً يا حبيبي عذاب، وانت جنبي حاسة اني طفلة، وحياتي يا حبيبي حفلة، وفي وش الحزن قافلة كل الأبواب.
جنني حبك. طيرلي عقلي، أنا متهيألي انا جيت الدنيا بحبك، علمني حبك اسرق من الدنيا
ثانية ورا ثانية وادوب قلبي في قلبك
أخذتهم الخطوات إلى شاطيء البحر الذي كانت أمواجه و كأنها تتمايل معهم، فأخذت يداه تدور بها على كلمات أنغام وهي تهتف بصوتها العذب
" انا وانت حالة استثنائية ودماغنا هي هي، وحياتنا دي مش عادية اتنين مجانين، ومفيش بينا حاجة تقليدية، انت الفرحة اللي فيا عارف العيد والعيدية انت الاتنين
جنني حبك طيرلي عقلي علمني حبك اسرق من الدنيا، ثانية ورا ثانية وادوب قلبي في قلبك
انتهت الأغنية وهي ترتمي على صدره الذي يخفق بجنون بعد أن ظلا يتمايلان على هذه الأنغام الرائعة في رقصة مفعمة بالمشاعر التي كانت يبثها إياها على حين غرة وهي بين يديه كالطفلة التي ترقص و كأنها تدربت لأعوام على هذا اللحظات الذي شهدت عليها نجوم السماء التي زينت ليلهم، و أمواج البحر الهائج تأثرًا بهذان العاشقان اللذان تمددت أجسادهم المتعانقة فوق شاطئه ليلتفت ناظرًا إليها بعشق تجلى في حروفه حين قال
ـ أنا النهاردة رجعت معاكي شاب لسه عنده عشرين سنة، وهو بيرقص مع حبيبته على ضوء القمر، و البحر شاهد عليهم.
اتسعت ابتسامتها الرائعة وهي تُجيبه بنبرة عاشقة
ـ وانا رقصت معاك النهاردة و كأني عشت عمري كله بتدرب عاللحظة دي. كان قلبي بيحركني من غير ما اكون حاسة.
اعتدل لتعتليها نظراته وهو ينظر إلى أعماق الزمرد المُتلئلئ بين حدقتيها ليقول بنبرة خشنة
ـ قلبك سلملي و توجني ملك على عرشه زي ما قلبي سلملك و حط حياتي كلها بين ايديكِ. يا شجنِ.
أشجان بتأثُر
ـ الله. شجنِ. حلو اوي الاسم دا يا خالد.
ارتشف قطرات العسل المُذاب بين شفاهها بتمهُل قبل أن يقول بتمذُذ
ـ هو اسمي طعمه حلو كدا ليه؟
ابتسمت بخجل قبل أن تقول بخفوت
ـ حلو زي صاحبه.
خالد بعبث
ـ مسمعتش.
هتفت بخجل
ـ خالد.
خالد بهسيس خشن
ـ عايز اسمع اللي جواكِ يا عيون خالد.
رفعت رأسها تطالعه بعشق لم تبخل عينيها به بينما عبرت عنه شفاهها بطريقة خاطفة للأنفاس حين قالت
ـ أنت أول حياة أعيشها.
تناثرت السعادة من بين جفونها حين تابعت
ـ النهاردة يوم ميلادي الحقيقي، و لو هتمنى حاجة في الدنيا دي. أتمنى أني افضل جنبك العمر كله.
صمتت لثوان قبل أن تهتف بنبرة مُتحشرجة
ـ بحبك يا خالد. بحبك أوي.
لمحت هذه العبرات التي ترقرقت في مقلتيه، ولكنه لم يُمهلها الوقت لاستيعاب ما حدث بل هب من نومته وهو يحملها كالعروس و يدور بها بسعادة حتى جرفتهم المياة ليسقطا سوياً بين الأمواج وسط قهقهاتهم الصاخبة، و كأن البحر أراد أن يشاركهم هذه اللحظة السعيدة، و خاصةً حين عانقها بقوة وهو يقول بخشونة
ـ خالد ملك الدنيا كلها في ايده النهاردة.
مرت لحظات لم تشعُر به وهو يحملها برفق و كأنها أثمن أشياءه مثلما أخبرها ويدلف إلى داخل الكوخ و المياة تتساقط منهما ليضعها أمام المدفئة التي كانت شاعله بمنتصف الصالة الواسعة، وهو يجذب أحد المناشف ليجفف خصلات شعرها وهو يقول بمُزاح
ـ الحاجة رضا عاملة معانا الصح في العشا، وموصياني أأكلك بإيدي، وانا بصراحة مقدرش ازعل حماتي.
ابتسمت أشجان على حديثه و أجابته قائلة
ـ حاسة انكوا اتفقتوا عليا!
تحدث خالد بتهكم وهو يخلع عنه قميصه المُبتل ليظهر أمامها صدره المُعضل
ـ حاسة مش متأكد؟
أدارت عينيها للجهة الأخرى بخجل ليقترب منها جاذبًا منشفة أكثر يُحيط بها جسدها، فهتفت باستفهام
ـ ليه كل دا؟ الجو حلو.
امتدت يديه لتقرص وجنتيها النابضة بالحياة وهو يقول بعبث
ـ مش هسمح للبرد يقرب من الحلو بتاعي، و بعدين هوا البحر غدار.
ارفق حديقه بغمزة، فراق لها اهتمامه كثيرًا، و خاصةً وهو يعاملها و كأنها طفلته الصغيرة، فقد كان هذا الشعور رائع للحد الذي لا يُمكنها وصف روعته، فهاهو يجذب كفوفها و يقربهما من فمه لينفث بهم أنفاسه الدافئة حتى يوقف رجفة البرد بهم، فقد وقع قلبها أسيرًا لهذه اللحظة الحانية التي ستظل محفورة في روحها عمرًا بأكمله ليرى هو تأثرها و يقترب أكثر منها قائلًا بنبرة رخيمة
ـ يالا عشان تغيري هدومك.
تعلقت عينيها بخاصته وهي توميء برأسها دون أن تقطع تواصلهم ليقترب هو أكثر منصاعًا خلف هذا السحر الذي يتلئلئ بإغواء في حدقتيها هامسًا بنبرة خشنة
ـ خليني أساعدك.
ـ لا….
أوشكت على الاعتراض، فمد إصبعه ليضعه فوق شفتيها يوقفها عن الحديث، وهو يقول بأنفاس مُتهدجة
ـ هشش. مش عايز اعتراض. من النهاردة اتعودي انك و أنتِ جنبي مفيش بينا لا، و لا في بينا حواجز.
غمرتها موجة خجل عاتية لتوميء برأسها بالموافقة، و ياليتها لم تفعل، فما أن مد سحاب فستانها و لامست انامله دفء جسدها حتى تنحى العقل عن منصبه ليقوده قلبه إليها والذي لم يعُد يسعه الصبر على قربها أكثر، فجذبها إليه ليغترف من حُسنها و ينهل من فتنتها وهو يتغنى بجمالها و قلبه يرمم بعبارته الرائعة شقوق النقص في روحها التي أحياها عشق هذا الرجل الذي لم يترُك شيء إلا فعله حتى يجعلها سعيدة، و هاهي تهيم من فرط السعادة بين ذراعيه الحانيتين، و التي نحت أي ذرة خجل بداخلها بأفعالهم العابثة لتقضي بين يديه ليلة من ليالي الغرام الرائعة انتهت وهي غافية على ضفاف صدره الخافق باسمها ليهب من مكانه وهو يناظرها بحُب و يدثر جسدها جيدًا أسفل الغطاء ليتوجه إلى المرحاض و يأخذ حمامًا مُنعشًا، فهاهو الفجر على وشك البزوغ، وقد اقترب الميعاد المنتظر ليتوجه إلى الخارج و منه إلى الاسطبل الخلفي للكوخ ليأخذ الفرس الأسود الذي أخذ يصهل بقوة حين رآه و كأنه يرحب بصديقه، ليمطتيه و يتوجه إلى داخل الغابة ليصل إلى نقطة ما فوجد رجاله بانتظاره هناك و معهم أحد رجل آخر، فهبط من على ظهر الفرس و توجه إليهم موجهًا حديثه إلى قائد الحرس الخاص به
ـ عملت اللي قولتلك عليه؟
ـ عملت يا فندم، و دي و الصور موجوده عالتليفون دا.
تناول الهاتف منه وهو يتوجه إلى الرجل الذي يتصبب عرقًا، فتحدث خالد قائلًا بجمود
ـ ايه يا دكتور منتصر طمني!
تحدث منتصر الطبيب المعالج لحالة صافية
ـ عملت اللي قولتلي عليه، و أوهمته أن في خطر على الحالة لو نقلناها، و هو مستني مني دلوقتي ابلغه أول ما الحالة تستقر.
ناوله خالد الهاتف لتبتهج عينيه وهو يرى صور ابنته و زوجته في مطار أثينا، و صوت خالد الذي يؤكد على ما رآه قائلًا
ـ بنتك و مراتك في أمان زي ما اتفقنا. جه الدور عليك عشان تنفذ دورك من الاتفاق.
الطبيب بقلق
ـ حاضر. بس رماح لو عرف هيقتلني…
خالد بجفاء
ـ أنا هربت مراتك و بنتك عشان ملهمش ذنب في اعمالك القذرة. رماح يقتلك أو لا دي حاجة برا اتفاقنا.
كان راضيًا بإنقاذ طفلته المصابة بالسرطان و زوجته من بين براثن هذا الشيطان، و أن قدر له الموت على يديه، فهذا أقل ما يستحق لما فعله من قذارات، ولكن هناك شيء لازال يرهق تفكيره، فهتف بتساؤل
ـ انت عرفت توصلي ازاي؟
خالد بجفاء
ـ مش شغلك. نفذ وبس.
اومأ الطبيب منتصر برأسه ليقول باذعان
ـ حاضر. هتنفذوا امتى!
ـ اول ما ترجع هديك الاشارة و رجالتنا هيتحركوا.
منتصر بذهول
ـ مش هتستنوا بالليل ؟
خالد باختصار
ـ لا.
منتصر باعتراض
ـ بس.
خالد بجفاء
ـ مبسش. قولتلي عايز رماح يتشغل ساعة واحدة. عشان تقدر تخرجها بره العناية المُركزة. قولتلك حاضر. يفرق معاك ضهر من عصر في أيه ؟ بمجرد ما تخرجها من العناية دا بتاعي بره عنك خالص.
ـ تمام يا خالد بيه. أنا مجهز كل حاجة، هستنى منك إشارة.
خالد بجمود
ـ الرجالة هيرجعوك بالهليكوبتر.
منتصر بصدمة
ـ بس ازاي؟ انا جيت بالمركب.
خالد باختصار
ـ متسألش.
توجه عابد قائد الحرس الخاص بخالد، و الذي تحدث باحترام
ـ المركب بتاعت السياح في طريقها للشط مرة تانية، و هتقف خمس دقايق قبل ما تلف و ترجع.
خالد باختصار
ـ الطيارة هتستناكوا في البر التاني. لازم يكون هناك في وقت قياسي. الحريق هيبتدي بعد عشرين دقيقة من دلوقتي.
أومأ عابد باحترام ليعود أدارجه إلى الفرس، ومنها إلى حبيبته، فقد كان يُجهز كل شيء حتى يُغافل ذلك المُجرم، و يستطيع إنقاذ عمته من بين براثنه، و قد أثمرت جهوده في الضغط على زناتي، وقد ساعده في ذلك هذا القذر حين أمر بقتل شقيقته بدرية ليقرر زناتي اخبارهم عن وجود عمته بمشفى خاص في الاسكندريه، و بعد البحث المُكثف علم مكانه، و استطاع معرفة كل شيء عن الطبيب المعالج لها منتصر و أمر مرض طفلته، و حينها علم بأن رماح يهدده بقتلها ليتولى هو تهريبهم على أن يساعدهم منتصر في استعادة صافية، بعد ذلك خطط حتى يسير كل شيء عاديًا لكي لا يشك بهم هذا المُحتال، وقد اتخذ جميع الاحتياطات ليتم الأمر على أكمل وجه.
احكم رباط الخيل في مكانه ثم قام بإجراء مكالمة هاتفية إلى ياسر الذي أجابه على الفور
ـ معاك يا كبير
خالد باستفهام
ـ الرجالة خدت أماكنها؟
ياسر بجمود
ـ كله تمام، و احنا في الشقة مستنيين الإشارة، و عمر جهز العربية و المكان. بس رنيت على رحيم مردش.
خالد بتفكير
ـ اخر مرة كلمني كان روح البيت و أكد عليا أنه جهز كل حاجة، و الرجالة مستنيه الإشارة. عمومًا انا هرن عليه لو مردش هتواصل معاهم أنا.
اجابه ياسر و عينيه على مبنى المشفى من هذه الشرفة الجانبية لأحد البنايات التي تبعد ثلاث صفوف عن المشفى لكي لا يثيروا الشك حولهم، ولكن رجاله كانت بكل مكان حول المشفى كُلًا بتنكره، فمنهم من قام بارتداء ثياب بائع يجر عربة تحمل خضروات و فواكه، و منهم من يرتدي ثياب عامل نظافة، و آخر يلف ذراعه و رأسه، و كأنه خارجًا من حادث
ـ الرجالة واخدين مواقعهم كويس، و كل واحد عارف هيعمل ايه. رحيم بس يدينا الإشارة، و أحنا هنتعامل.
خالد باختصار
ـ هكلمه و اعرفك..
أنهى المكالمة مع ياسر ليقوم بمهاتفة رحيم الذي أرسل له رسالة صوتية قصيرة مفادها أن الحريق بدأ في الاشتعال.
لينتظر خالد عشر دقائق حتى يُرسِل الإشارة للطبيب ببدأ العمل، و إلى ياسر حتى يتأهب، و ها هي الشمس بدأت بتوسط السماء التي شهدت على حريق كبير في المزرعة الكبيرة التي تحمل اسم الهلالية ليهب رماح من نومته إثر صرخات قوية آتيه من الخارج و رائحة دخان كثيف يُعكر الهواء حولهم، فاندفع إلى الخارج ليرى ماذا يحدُث ليتفاجيء بالهرج و المرج السائد في الأسفل، فهتف صارخًا
ـ في ايه ياد منك له؟
اجابه أحد الخفر
ـ الأرض اللي حوالين المزرعة كلاتها بتتحرج يا رماح بيه.
في مكان آخر توقفت سيارة إسعاف أمام المشفى ليهبط منها ياسر و بجانبه رجل من رجاله يحملان السرير النقال الذي ينام فوقه يزيد و كأنهم طاقم إسعاف يحضر حالة طارئة توجهت إلى غرفة العمليات فورًا و التي كان لها باب مُباشر إلى غرفة الإسعاف، و التي كان عليها حراسة مُشددة من الخارج و تحديدًا أمام غرفة صافية التي فجأة أعلن قلبها توقفه عن العمل. ليهرول منتصر إلى الداخل مُغلقًا الباب خلفه في وجه الحراسة وهو يحاول تضليلهم بأنه سينعش قلبها، ولكن الحقيقة أن يزيد هو من قام بأطلاق هذا الانذار الكاذب ليقوم بجذب سرير صافية بمساعدة ياسر من الباب الآخر لغرفة العمليات بعد أن تم تخدير الرجل المُكلف بحراسته، و هرولا إلى الباب الخلفي للمشفى لنقل صافية في عربة أسعاف أخرى كان ينتظر عمر بداخلها و بجانبه كمال لينطلقوا في طريقهم بعد أن تمت المهمة بنجاح..
دلف إلى داخل الكوخ وهو يتوجه إلى الخزانة التي تتوسط الحائط ليقوم بجذب هاتف صغير قام بتشغيله وهو يتصل على رقم الشرطة، و ما أن أتاه الرد حتى قال باختصار
ـ عايز ابلغ عن مكان واحدة مخطوفة اسمها بدرية سليمان. موجودة في العنوان دا(..)
أنهى جملته بعد أن أخبرهم عن عنوانها بالتفصيل ثم اغلق الهاتف قبل أن يصل وقت المكالمة ٦٠ ثانية، لترتسم ابتسامة انتصار فوق شفتيه ويتوجه بشوق كبير إلى حبيبته، فقد مر على تركه لها بضعة ساعات كانت كافية لتتأجج نيران الشوق بقلبه، وها هو يندس بجانبها أسفل فراشهم الذي شهد على جولات عشقهم الصاخبة ليقوم بإيقاظها من جديد بأنامل حانية تتحرك بخفة فوق ملامحها التي أضفت عليها السعادة سحرًا خاص لتُشرق بشمسها فوق عالمه و ابتسامة عذبة تلون محياها وهي تهمس بنبرة مُتحشرجة من أثر البُكاء
ـ صباح النور.
هكذا تحدثت على استحياء أمام نظراته العاشقة التي تُحيط بها بطريقة أضرمت نيران الخجل في سائر جسدها لينبت محصول التفاح الشهي فوق ساحة خديها مما جعله يقترب ليقتطف ثماره الشهية وهو يقول بصوتًا أجش
ـ صباح التفاح اللي هتجنن واقطفه. في حد يصحى من النوم حلو كدا!
تدللت بخجل تجلى في نبرتها حين قالت
ـ مش انا صحيت حلوة كدا يبقى فيه!
قهقه على حديثها قبل أن يداعب خدها بأناملة وهو يقول بنبرة خشنة
ـ أنتِ اللي اقريتي أنك حلوة، يعني أنا معذور لو أفترستك دلوقتي!
دفنت رأسها بين ضلوعه وهي تقول بخجل
ـ لا لا انا مأقرتش بحاجة انت اللي بتتلكك.
احتواها بكفوف صُنِعت من حب، و أحضان يتخلل سياجها الأمان مما يجعل طوقها حانيًا حتى لو اشتد على جسدها الضئيل، فقربها أكثر منه وأنامله الخشنة ترفع رأسها لتكون عينيها على اتصال مُباشر بخاصته حتى يمنحها أكبر قدر من الثقة الذي تحتاجها، و يبثُها من العشق ما يفوق سنين الألم و الخذلان، و نبرته الخشنة تهمس ضد شفتيها
ـ أنا فعلًا بتلكك. أنا من يوم ما عرفتك وانا بتلكك. مرة عشان أشوفك و عشرة عشان اقرب منك و مليون عشان ابقى جنبك و تبقي ليا، ومن هنا و رايح مش هبطل اتلكك عشان تبقي جنبي و في حضني.
صمت لثوان و عينيه تتابعان وقع حديثه الرائع على ملامحها التي تضاعف حسنها جراء هذه السعادة التي لأول مرة تتذوقها بين يديه ليُتابع بنبرة رخيمة
ـ مانا معذور بردو، قلبي بقاله سنين صايم عن الحب، و قربك دا العيد بالنسباله. بحبك يا شجنِ.
همست بنبرة عذبة
ـ حبتني امتى!
خالد بنبرة خشنة
ـ من اليوم اللي عرفت فيه أن كل اللي بملكه ولا حاجة جنبك.
أنهى جملته و اندفع يرتشف العشق من فوق شفتيها بنهم و كأنه جائع، وهي وجبته الشهية التي لا يشبع منها أبدًا.
اللهم يا مُقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك. اللهم اجعل السعادة دائمة في حياتنا، وابعد عنا الحزن والضيق، وفرج همومنا ويسر أمورنا، واشرح صدورنا. ♥️
★★★★★★★★★★
كانت تستقل مقعد السيارة الخلفي للتوجه إلى الشركة، وهي تقوم باللعب في هاتفها لتتجمد عينيها حين رأت …
الإثم الرابع والثلاثون ج٢ ❤️🩹 بعنوان " رجل و ثلاث نساء"
سابقًا كنت أظن أنني امرأة قوية، لكنني اليوم أتبرأ من هذه الصفة، أنا يا عزيزي امرأة حمقاء، ظلّت لسنوات تصُمّ أُذنيها عن عبارات الغزل، وتغُضّ بصرها عن ومضات العشق، ففي ضلوعي قلبٌ كان الغرور طابعًا متأصلًا فيه ، يبغي المثالية ولا يقبل دونها شيئًا.
إلى أن اصطدمت برَجُلٍ اقتحم عالمي عنوة، عنيدٌ كالصخر، مراوغٌ كالذئب، مسيطرٌ كالسيف في أوج معركة هو فقط من يحق له الفوز بها، يحيط بي كالهواء. بدا وكأنه أقسم على هدم جميع الجسور التي بيننا، واختراق كل الحصون التي شيدتها حول قلبي، مُمَّهدًا كل الطرُق لغزوه الضاري، الذي رغم ضراوته كنت أرحّب به. رحّبت به إلى الحد الذي جعلني أغزل له الأحلام بخيوط الحب، لأصنع له ثوبًا من الطمأنينة مُرصّعًا بلآلئ العشق الذي يعجّ به صدري.
لكنني تفاجأت به مُلقى كجائزة رمزية في خزانة انتصاراته، إلى جانب جوائزه العديدة التي لا يملّ من الافتخار بها. كان الأمر ساخرًا بقدر مرارته؛ فحين كنت أراه حياة، كان يراني مجرّد جولة من جولاته التي لا تُعدّ ولا تُحصى، و كأن من ينازع أسفل حذاء غروره ليس قلبي! الذي رأى فيه الأمان، بينما هو الوجه الآخر للهلاك.
لم يكن الصياد الذي كنت أخشاه، بل الراعي الذي احتميتُ به… فقتلني في النهاية.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كانت تستقل مقعد السيارة الخلفي للتوجه إلى الشركة، وهي تقوم باللعب في هاتفها لتتجمد عينيها حين رأت هذا الصورة التي تجمع بين رؤوف و ميرهان التي قامت الأخيرة بوضعها على أحد وسائل التواصل الاجتماعي و دونت أسفلها عبارة "My dear partner" و معناها شريكي العزيز.
اجتاحتها الصدمة حتى بهتت معالمها و عقلها يعمل في جميع الاتجاهات كيف؟ و متى؟ لتقوم بالعبث بهاتفها و استطاعت معرفة المكان عن طريق الموقع الذي ارفقته ميرهان بجانب الصورة ثم قامت بإجراء مكالمة هاتفية لأحد الخدم في القصر
ـ الو يا سعيدة. قوليلي مين في البيت عندك؟
ـ محدش غير ميرهان هانم.
آسيا بلهفة
ـ طيب. ميرسي أوي.
أغلقت الهاتف و التفتت إلى السائق لتجعله يغير العنوان وهي تنوي معرفة ماهذا الهُراء الذي يحدُث؟
كان ينظر إلى المكان حوله بفخر، فهاهو مشروعه الذي لطالما حلِم به يتحول إلى واقع ملموس، و حقيقة مرأية أمام عينيه، و قد كانت مساعدة ميرهان له ذو نفع كبير، فقد كان المكان في منطقة راقية للغاية، و على الرغم من أنها أصبحت شريكته، ولكنه وضع الكثير من الشروط لموافقته، وتعامل بطريقة مباشرة مع ذلك الرجُل الذي تحدثت عنه مالك العقار و قد تم كل شيء وفقًا لإرادته، وقد أراحه هذا الشيء كثيرًا، فهاهي خطوة البداية لمستقبل مشرق لن يكُن للعاطفة مكانًا فيه
أخرجه من شروده صوت طرقات حذاء قوية فالتفت إلى الخلف ليُصدم حين رأى آسيا التي كان الغضب يُطل من عينيها ولكنه حجمته خلف قناع السخرية حين قالت
ـ مبروك يا رؤوف بيه.
تجاهل أنين قلبه، و جمر الشوق بداخله و تحدث بنبرة جافة
ـ ايه اللي جابك هنا؟
تقدمت آسيا منه بخطوات وئيدة وهي تقول بنبرة لائمة
ـ أيه مكنتش عايزني آجي أباركلك! دا حتى المكتب دا أخت جوزي شريكة فيه! يعني واجب عليا أني أباركلكوا.
ألمه حديثها، فقرر رد الصاع صاعين حين قالت بتهكم
ـ و على كدا جوزك عارف انك جاية تعملي الواجب!
كان استفهامه كهدف قاتل في الدقيقة تسعون أصابها بالجمود الذي ألجم الحروف فوق شفاهها ليُتابع رؤوف ساخرًا
ـ أيه سكتي يعني! ولا و أنتِ جاية هنا هو مخطرش أصلًا على بالك!
تبدلت صدمتها إلى توتر و ارتباك جعلها تقول بتلعثُم
ـ لا . مش . كدا. أنا…
قاطعها رؤوف بتهكم
ـ غريبة. أول مرة أشوفك متلخبطة كدا! و دا اكبر دليل على أنه فعلًا مجاش على بالك وأنتِ جاية. نرجع للسؤال الأساسي جيتي ليه ؟
خلعت جميع أقنعتها و اندفعت تلومه بنبرة حادة
ـ ليه ميرهان يا رؤوف! ليه تحط ايدك في أيدها و أنت عارف قد ايه هي أذتني! بتردهالي!
رؤوف بنبرة حادة كالسيف
ـ وانا مالي ومالك!
صدمها حديثه للحد الذي جعلها تهتف بألم
ـ رؤوف. أنت بتقول كدا ازاي؟ للدرجادي مفرقتش معاك! ولا فرق معاك اللي شفته منهم. رايح تشاركها !
رؤوف بنبرة غاضبة جريحة
_ للمرة التانية هي أذيتك أنتِ لكن مأذتنيش أنا، وأنا وأنتِ مش واحد عشان عدوك يبقى عدوي.
قست نبرته على قدر الوجع الذي يحمله بين طياته قلبه حين قال
ـ فوقي يا آسيا هانم. الكون مش بيدرو حواليكِ، ميرهان الوحيدة اللي وقفت جنبي، و دعمتني في اكتر وقت كنت ضايع فيه، و دلوقتي أنا وهي في صف واحد.
رغمًا عنها تساقطت عبراتها تأثرًا بحديثه، و بما آل إليه حالهم، فقد كان رفيق طفولتها و ملجأها الآمن في الماضي حتى لو حادت مشاعرها و أتخذت طريق آخر، ولكن أن يصبحوا أعداء أمرً صادم والأكثر من ذلك سخريته حين قال
ـ و بعدين أنتِ زعلانه ليه اني روحت شاركتها ما أنتِ اتجوزتي أخوها عادي! مفكرتيش وقتها ليه في أنه اخو اللي أذتك و ياما بهدلتك!
كلماته أشعرتها بالإهانة و شعرت بأن ندم العالم أجمع صب في قلبها على مجيئها إليه ليُتابع هو إحراقها في وحل الذنب أكثر حين قال
ـ ارجعي بيت جوزك و حافظي عليه، و انسيني عشان هو ميستحقش منك انك تعملي فيه كدا. كفاياكي قرف بقى.
وضعها أمام مرآة الحقيقة التي أظهرت أنانيتها، و غبائها اللذان وضعوها في هذا الموقف المُحرج لتخرج من المكان بأكمله وهي تبكي على غبائها مرة و على أنانيتها ألف مرة إضافة إلى شعورها بالذنب تجاه كمال الذي عشقها بكل جوارحها و فعل كل شيء لإسعادها، و هي ماذا فعلت له؟
برقت عيني ميرهان حين رأت آسيا التي استقلت السيارة و انطلقت باقصى سرعة لتترجل من سيارتها على الفور و تتوجه إلى الداخل لتتفاجيء من رؤوف الذي يجلس على المكتب واضعًا رأسه بين يديه و هذا الصوت يصدح من هاتفه ( مشهد رؤوف و آسيا يوم الفرح من الإثم الثلاثون)
رؤوف!
هكذا همست بضعف بينما عينيها ترسل آلاف من الاعتذارات الغير منطوقة، و الأسف الغير مُعلن عنه تقابلها عينيه التي ترمقانها باحتقار يتوارى خلفه وجع كبير و ألم عظيم تجلى في نبرته حين قال
ـ فرحانه!
هربت الكلمات من فوق شفتيها و تعالى أنين قلبها الذي اجتاحته حفنة من وخزات الذنب الذي جعل العبرات تتجمع بمقلتيها ليستنكر رؤوف مظهرها وهو يهتف بقسوة
ـ ردي عليا. فرحانة! حققتي اللي بتتمنيه؟
حاولت أن تنحى ضعفها جانبًا لتقول بنبرة مُتحشرجة
ـ رؤوف مش وقت كلامك دا….
قاطعها بنبرة حادة
ـ أجاوبك أنا. أنتِ فعلًا حققتي اللي كنتِ بتتمنيه، بخطوة واحدة وصلتي لكل اللي كنتِ عيزاه! الفلوس و المستوى الاجتماعي العظيم و النفوذ. براڤو.
صفق بيديه بطريقة مسرحية، و عينيه تُشيعانها بنظرات الخسة قبل أن يهتف باحتقار
ـ مش هعاتبك، ولا هلومك، ولا هقولك معملتيش حساب للي كان بينا ليه حتى لو محصلش بينا ارتباط فعلي. بس انا شوفت نظرة الحب في عنيكِ. لكن هقولك حاجة واحدة بس.
اكتظت عينيها بالعبرات وانكمشت ملامحها بألم حين أردف باحتقار
ـ حبك دا أكبر ابتلاء ربنا بلاني بيه، وأنا راضي عشان عارف ان ربنا هيراضيني، و حقيقي مُشفق على عريسك عشان لو في يوم من الأيام خسر كل اللي عنده مش هيلاقي منك غير الخذلان لأنك عمرك ما عرفتي يعني ايه حب.
تفكر بارود إهانته بصدرها و احتقن الغضب بأوردتها، فما أن رأته يوشك على المغادرة حتى تحلت بفضيلة الشجاعة و قالت بصوت حاد
ـ رؤوف.
إلتفت يناظرها بأعيُن حزينة مُتألمة كحال قلبه ليتفاجأ من حديثها حين قالت بنبرة جافة
ـ لو اتبدلت الأماكن و بقيت مكان كمال وهو مكانك. كنت هختاره بردو، و لو في يوم من الأيام كمال خسر كل شيء بيملكه هكونله الضهر اللي يتسند عليه. انا مش مضطرة اقولهالك، ولا متأكدة أنت هتصدقني ولا لا. بس أنا فعلًا بحبه، ولو كانت الدنيا هدتني كل حاجه بتمناها و اتجمعت في شخص واحد، فدا كرم من ربنا مش أكتر.
امتقعت ملامحه من حديثها الذي أصاب أعماق قلبه ليتفاقم الألم و يتحول لغضب هائل تجلى في نبرته حين قال
ـ يبقى ربنا يسعدك، وانا كمان ربنا يسعدني. مانا اتعلمت الدرس منك، وناوي اطبقه و استفيد من كرم ربنا عليا أقصى استفادة.
انكمشت ملامحها بحيرة وهي تناظره قبل أن يقول بجفاء
ـ هسيبك انا بقى احسن عريسك يفهم غلط لو جه ولقانا سوى.
أغلق رؤوف التسجيل الصوتي وهو يصرخ بألم
ـ هنساكِ يا آسيا. والله هنساكِ.
عند هذه النقطة دلفت ميرهان إلى الداخل وهي تهمس باسمه
ـ رؤوف.
اعتدل رؤوف و محى عبراته بظهر يديه وهو يقول بتلعثُم
ـ ميرهان. أنتِ هنا من امتى!
أدعت ميرهان البراءة وهي تقول
ـ لسه جاية حالًا في حاجة ولا اي؟ عينك مالها؟
قالت استفهامها الأخير حين رأت عينيه حمراء جراء بكاءه ليهتف هو بلهفة
ـ لا. مفيش. أنا بس عنيا وجعاني تقريبًا دخل فيها تراب. هدخل اغسل وشي على ما تعمليلنا قهوة.
اومأت برأسها، وما أن دلف إلى داخل المرحاض حتى اندفعت لتُمسك هاتفه و تقوم بإرسال التسجيل الصوتي إليها وهي تهتف بابتسامة ظفر
ـ أخيرًا عرفت هطردك من حياتنا ازاي يا بنت الخدامة.
اللهم اجعلني من الذين إذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا ♥️
★★★★★★★★★★★★
قادتها خطواتها الواهنة إلى عملها، فعلى الرغم من تعبها الواضح و لكنها أرادت الهرب من كل شيء، ففي قلبها جُرحًا لازال ينزف، و كيف يلتئم و أقرب الناس إلى قلبها هم من تسببوا به ؟
جلست في غرفة الإدارة بعيدًا عن مرح الأطفال و أصواتهم في الخارج، فقد أرادت البقاء بمفردها لتلعق قلبها الجريح و الذي لازال يتذكر ماحدث البارحة بينها و بين والدتها
عودة لوقت سابق
دلفت صابرين إلى الغرفة لتنفرد بغنى التي خاصمتها بسبب ما فعلته لتغلق الباب خلفها وهي تقول
ـ غنى.
التفتت غنى تناظرها على مضض لتقول صابرين بنبرة آسفة
ـ لسه زعلانه مني بردو يا غنى!
غنى بنبرة جافة
ـ مش زعلانه بس مش عايزة اتكلم.
اندفعت صابرين تبرر ما حدث
ـ والله يا بنتي ما كنت اقصد. أنا صعبت عليا البت
تتظلم مع الناس اللي متعرفش ربنا دي. اصلها يتيمة و غلبانة قولت أحذرهم
التفتت غنى تناظرها بأعين يسكنها الوجع الذي فاح من نبرتها حين قالت
ـ وحذرتيهم يا ماما! كتر خيرك. بس وأنتِ بتحذريهم من الناس اللي متعرفش ربنا دي مفتكرتنيش. مفكرتيش أن الناس دي ممكن تأذيني؟ مجاش في بالك ولو للحظة اني ممكن أقع تحت ضرسهم تاني. مفكرتيش أن دا ممكن يخليهم يفكروا ينتقموا مني.
؟
قلبك الحنين دا شغال مع الناس كلها إلا معايا أنا!
تساقطت عبراتها من فرط الألم لتستطرد بنبرة مُحترقة من فرط الوجع
ـ مصعبتش عليكِ ليه لما رمتيني ليهم زمان؟ كان نفسي في ربع حنيتك دي وانا مرمية تحت رجليهم يدهوسوا عليا. ملقتش حد يقولهم مرة حرام عليكوا.
بهتت ملامحها وهي ترى بؤس طفلتها و ألمها الجلي بوضوح فوق معالمها لتهتف صابرين بلوعة
ـ قد كدا وجعوكي يا ضنايا؟
غنى بنبرة تحترق قهرًا
ـ أكتر من كدا بمراحل. عارفة انا قعدت قد ايه على ما عرفت مشكلته! عارفة كام مرة أنبت نفسي على ذنب معملتوش؟
سقطت جالسة على السرير خلفها من فرط الوجع وهي تهتف بحرقة
ـ أنا كنت عيلة مش فاهمة حاجه. تايهة مش عارفة أسأل مين! ولا عارفة في ايه؟ ولا انا بغلط في ايه؟ بعمل كل اللي هي بتقولي عليه و بردو بتضرب و اتهان و اتبهدل. عارفة كانوا بيعملوا فيا كدا ليه؟
لم تشفع عبرات صابرين أمام كل هذا الوجع الذي تحمله غنى داخلها والذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ عشان مكنتيش موجودة. عشان عارفين اني معنديش أم هتفهمني ولا هتعرفني، ولا هتقفلي. صعبان عليكِ أنها يتيمة طب ما أنتِ عايشة أنتِ و بابا و مع ذلك داسوا عليا بجزمتهم. مصعبتش عليكِ ليه! قلبك متحركش عشاني ليه؟
كانت تبكي في صمت وهي ترى انهيار ابنتها التي هتفت بنبرة جريحة
ـ عارفة! أنا لو ربنا أراد اني ابقى أم، و خلفت بنت. أنا هكون كل حاجة ليها. هبقى صاحبتها، و اختها و أمها عشان محدش يفكر يقرب منها. عشان عارف ان عندها أم هتاكلوا بسنانها.
سبحت نظراتها إلى البعيد وهي تهتف بنبرة تقطُر وجعًا
ـ هعمل معاها كل اللي كان نفسي يتعمل معايا. هتكلم معاها في كل حاجة، و هوعيها و افهمها، و مش هعمل حدود بيني و بينها. هخليها متطمنش لحد غير ليا.
بترت شهقاتها حديثها الذي كان يحمل الأمل، و الوجع معًا في طياته حين قالت
ـ أنا نفسي اكون أم أوي. بس عارفة اني عمري ما هحقق الأمنية دي.
خربشت جملتها فضول صابرين التي هتفت من بين عبراتها و حزنها و شعورها بالذنب
ـ ليه بتقولي كدا يا غنى؟ ليه مش هتبقي أم؟
غنى بنبرة مُتحشرجة
ـ عشان انتِ زيك زي هيام. فاكرين أن الموضوع بسيط. زرار هنضغط عليه هننسى الماضي، و نعيش المستقبل. لا يا ماما. الموضوع صعب و بيوجع. عشان الماضي لسه جرحه بينزف هنا.
قالت جملتها وهي تُشير إلى قلبها قبل أن تتابع بحرقة
ـ جوايا و جواه الوجع صاحي مبينمش.
عودة إلى الوقت الحالي
أخرجها من شرودها صوت رنين هاتفها، فكان المتصل ياسر الذي كان غضبه في قمته حين علم أنها ذهبت إلى العمل دون أن تنتظره، و ما أن اجابته حتى هتف بانفعال
ـ الهانم اللي كسرت كلمتي و خرجت من غير ما تستناني.
لم تكن بحاجة إلى مصاعب أخرى أو ضغوطات من شأنها أن تجعلها تنهار لذا إجابته بنبرة متحشرجة
ـ حسيت اني عايزة أشم شوية هوا. قولت اتمشى لحد الحضانة. حقك عليا
شعر بأن هناك خطب ما في لهجتها، و بالأساس كانت حالتها لا تُبشر بالخير البارحة، و والدتها أيضًا، وقد ظن أنه نشب شجار بينهم، ولم يُريد الضغط عليها لذلك هدأت نبرته وهو يشاكسها قائلًا
ـ على أساس انك كدا بتهديني و لا بتشعللي غيرتي أكتر! قوليلي بقى كام واحد شاف الغُريبة بتاعتي عشان اعملهم حلقة إعدام جماعي.
شقت ابتسامة جميلة جدار الوجع المُرتسِم فوق ملامحها، فكانت أشبه بوردة حمراء نبتت وسط صخور قاسية. لانت نبرتها وهي تهتف ساخرة
ـ على أساس أنهم شافوا الأميرة ديانا يعني !
ياسر بنبرة عاشقة
ـ شافوا حبيبة القلب و نور العين، و بعدين تعالي هنا أنتِ بتستهوني بالغربية بتاعتي كدا ازاي أصلًا؟ طب انا بقى لما أجيلك هعرفك قيمة نفسك اللي مستهونة بيها دي!
غنى بمُزاح
ـ قلبك أبيض يا ريس.
هتف ياسر بنبرة عاشقة
ـ والله ما جايبني على جدور رقبتي غير ريس الحلوة بتاعتك دي.
ابتسمت لغزله الرائع، ولكن جذب انتباهها صوت طفلة في أحد الصفوف، والتي قالت من بين عبراتها
ـ مس غنى. تعالي بسرعة. دنيا صاحبتي وقعت ورا الحمام و أيدها اتعورت.
شهقت غنى بلهفة
ـ تعالي بسرعة وديني ليها..
على الهاتف صرخ ياسر مُستفسرًا
ـ في أيه يا غنى؟
إجابته بلهفة
ـ في وقعت بنت وقعت ورا الحمام و اتعورت. هروح اشوفها.
ـ و انا جايلك في السكة.
أغلقت الهاتف و هرعت خلف الفتاة لمعرفة ما الأمر و إذا بها تجد دنيا الطفلة الصغيرة وهي تفترش الأرض باكيه لتخر بجانبها وهي تقول بلهفة
ـ مالك يا دنيا يا حبيبتي ؟ في ايه؟
الطفلة ببراءة
ـ مفيش حاجة يا مس. أنا كويسة؟
غنى بعدم فهم
ـ اومال ليه هند جت قالتلي أنك متعورة ؟
كانت تتحدث وهي تبحث في الطفلة على اي خدش لتفاجأها حين قالت
ـ دي طنط هي اللي قالتلنا نعمل كدا.
لم تكد الطفلة تُنهي جملتها حتى شعرت غنى بظل يُخيم فوق جسدها لتتراجع للخلف إثر صراخ الطفلة حين رأت المرأة الضخمة تحاول وضع السيطرة على غنى و تكميم فمها وهي تتخبط كالشاة بين ذراعيها لتصيح امرأة أخرى بصوت غليظ
ـ بسرعة جرجريها لحد هنا. التوك توك بره.
كان رعبها ابلغ من أن تستطِع الحروف وصفه، و قد أصابها الجنون حين استمعت إلى حديث المرأة لتظل تتخبط بين يدي الأخرى تحاول التمسك بأي شيء يُنجيها من بين يدي هؤلاء الطُغاة، فلم يُسعفها شيء لتحاول غرس أسنانها في كف المرأة الضخم، و الخشن فصرخت بألم لتستغل غنى الفرصة و تدفعها قبل أن تلحق بها المرأة التي تقف عند البوابة الخلفية لتتعثر بحجر و تسقط أرضًا، وهي تصرُخ بقوة، و لكن سرعان ما تداركت المرأة السليمة الأمر و هرولت إليها لتُكمم صُراخها حتى لا يُفضح أمرهم و تتم المهمة بنجاح، وفي هذه الأثناء كان ياسر يدلف من البوابة الأمامية للمبنى وهو يبحث بعينيه عنها لتترهف أذنيه السمع، فإذا بأنين خافت يخترق صدره، فقادته قدماه عدوًا إلى هُناك ليتفاجيء بغنى التي تتخبط بين يدي إمرأتين مُتشحات بالسواد، إحداهما تُمسِك حقنه ما تحاول غرسها في رقبتها ليصرُخ بملء فمه
ـ غنى….
فزِعت المرأتان حين استمعن إلى صوته لتهتف إحداهما صارخة
ـ ارمي بسرعة. هنروح في داهية.
اطاعتها المرأة الأخرى ليهرولن إلى الخارج و يستقلان " التوك توك " الذي كان يقف بانتظارهم ليصرُخ ياسر المنبطح أرضًا بجانب غنى.
ـ عبد الغني .
هرول البواب إلى ياسر الذي صرخ به
ـ بسرعة خد المكنة واطلع ورا التوك توك اللي جري دا.
أطاعه الرجل بينما هو كان يحاول الإطمئنان على حبيبته التي تنزف بين يديه ليهتف باسمها بنبرة مُلتاعة
ـ غنى. حبيبتي ردي عليا.
غنى بألم
ـ كانوا هيموتوني يا ياسر.
ياسر بلهفة وهو يبحث عن أي كسور بجسدها
ـ بعد الشر عنك يا روح قلبي. والله لهاكلهم بسناني بس اطمن عليكِ.
هكذا تحدث وهو يحملها إلى السيارة بعد أن تأكد من أنه لا يوجد كسور في جسدها لينطلق إلى المشفى وداخله يغلي كالبركان من الخوف عليها و الغضب من هؤلاء المُجرمين ليصل أخيرًا إلى هناك، و منها إلى الطواريء، فقام بحملها ليضعها على السرير النقال وهو بجانبها لتهتف بذُعر
ـ متسبنيش يا ياسر.
أجابها بلهف يطمأنها بعباراته الحانية
ـ متخافيش يا حبيبتي أنا جنبك، و عمري ما هسيبك أبدًا.
كان وجهها ينزف و ذراعيها و حتى رقبتها مليئة بالعلامات و الجروح السطحية، ولكن بقلبها كان الجُرح الكبير و الخوف العظيم الذي جعلها تتمسك بيده حين حاول الطبيب إخراجه ليهتف ياسر بشراسة
ـ مش هسيبها أبدًا. محدش يقولي سيبها. اعمل كل حاجة وانا موجود.
اذعن الطبيب في نهاية الأمر، و خاصةً حين شاهد خوفها و تعلقها به ليقوم بتضميد جراحها و التي كان أصعبهم جرح عميق بكفها الأيمن جراء سقوطها وهي تقاومهم على زجاجة اخترقت الكف إلى الناحية الآخرى ليتعالى أنينها حين حقنها الطبيب بمخدر موضعي فدفنت رأسهت بين ضلوعه تبغي الراحة و الهرب من الألم، فأخذ يشدد من عناقها، و شفاهه تقطب جرحها بعبارات حانية إلى أن انتهى الطبيب من عمله بعد أن تفحص جميع الجروح التي كانت من حسن حظها سطحية ليُعطيها مُهديء حتى ترتاح قليلًا، فما أن غادر حتى اراح ياسر جسدها على السرير الطبي و أخذ مكانه على المقعد المُلاصق لها ليعود و يُمسِك بيدها الجريحة وهو ينثر بلسم عشقه فوق جراحها ثم انتقل بشفاهه إلى جبينها و خدها الأيمن، و غمرت قبلاته ذقنها المجروح، وعبراتها تسبق قبلاته في المرور على جميع جراحها ليتوقف أمام شفاهها المُتورمة، ليقترب منها قائلًا بنبرة مُتحشرجة
ـ سلامتك يا روح روحي.
لثم شفاهها المجروحة برفق ليعود إلى الخلف ناظرًا إلى عينيها التي كانت تشكوه وجعًا لا يبرأ و ألم لا يندثر
ـ كنت هموت و أنت مش جنبي يا ياسر.
ياسر بلهفة و يديه تحتضن خصرها و الآخرى تمُر فوق خصلات شعرها
ـ بعد الشر عنك يا روح ياسر. وحياتك عندي لهقلبها عاليها واطيها و اجيب الكلاب دول تحت رجليكِ. أنتِ بس قومي بالسلامة.
غنى بألم
ـ انا معملتش حاجة وحشة في حد . ليه بيعملوا فيا كدا؟
مد يده يمحو عبراتها وهو يقول بنبرة عنيفة
ـ عشان كلاب. هعرفهم، و هعرف مين اللي مسلطهم و عزة جلالة الله يا غنى ما هيكفيني موتهم قصاد اللي عملوه فيكِ.
ارتجف جسدها من شدة الألم و الخوف الذي لازال يُسيطر عليها ليقربها أكثر من حضنه، فهتفت بنبرة مُلتاعة
ـ دلوقتي بس حضنتني يا ياسر من غير ما نفسك تجزع، ولا تحط الماضي بيني و بينك.
شقت جملتها صدره إلى نصفين، فهل ترى عزوفه عنها بسبب أنه يشمئز منها! أو أن الماضي الماضي لا يزال بينهم! نعم هو يهاب الماضي بسطوته، ولا زال جرحه يقف حائلًا بينهم، ولكن هو بالمقابل يعشق كل إنش بها.
ـ غنى! أنتِ بتقولي ايه؟ انا.
صمت لا يعرف كيف يصيغ كلماته ليجد قلبه ينتفض داخله و عشق يتدفق كالسيل من بين شفاهها
ـ أنا بحبك. بحبك اكتر من اي حاجة في الدنيا. أنتِ بنتي اللي ربتها على أيدي، و حبيبتي اللي كبرت قدام عيني، و اللي كنت بعد الثواني عشان تبقى مراتي و في حضني.أنا مش بجزع منك او.
صمت لثوان يسترد أنفاسه قبل أن يقول بنبرة جريحة
ـ مش هنكر اني لسه موجوع. بس انا كنت بخاف اقرب وانا لسه جرحي حي. عشان ماجرحكيش.
كانت تنظر إلى الجهة الأخرى تبكي بحسرة ليقوم بجذب رأسها لتناظره و تشتبك الأعيُن في لحظة توقف بها الزمن حين وجدته يهوى على ثغرها بضراوة جمدت كل شيء حتى جسدها، فهذه هي المرة الأولى التي يقبلها بهذه الطريقة، فلم تكُن قبلة انتقامية، ولا سطحية كما في السابق بل على العكس كانت قبلة رجل عاشق يهوى إمرأة و يشتهي قربها، فقد سلب منها أنفاسها وكأنه يعبر بطريقته كيف يُريدها، وحتى عندما فصل اقترابهم ظلت عينيه موصولة بخاصتها، فهالها كم المشاعر التي أفصحت عنها عينيه لتهمس باسمه دون حديث، فقام بإسناد جبهته فوق خاصتها قبل أن يقول بانفاس مُتهدجة
ـ أنا متمنتش حاجة من الدنيا غيرك، و خلاص مبقتش في حاجة هتمنعني عنك.
أطلقت العنان لأنفاسها المكبوتة و هي تتراجع عنه لتستلقي على الوسادة، فجاء طرق على الباب ليُشتت إنتباه ياسر الذي هب من مكانه حين دلف يزيد إلى الداخل ليستفهم الأخير بلهفة
ـ طمني عليها عاملة اي؟
جذبه إلى الخارج حتى يُفسح لها المجال لترتاح ليتحدث براحته، فما أن أصبحوا خارج الغرفة حتى هتف ياسر بنبرة عنيفة
ـ ولاد ال… كانوا هيخطفوها لولا أني وصلت في الوقت المناسب.
يزيد بجمود
ـ عرفت عبد الغني قالي، و عملنا محضر في القسم، و شويه غنى ترتاح، و هييجوا ياخدوا أقوالها.
كان يدور حول نفسه كمن مسه الجنون، وهو يتخيل أنه كاد أن يفقدها اليوم ليهتف بغضب وهو يضرب الحائط خلفه
ـ ااااه لو كنت طولتهم.
اقترب يزيد يهدأ من روعه قائلًا
ـ بقولك ايه أهدى زمان البت اتفزعت من الخضة.
ياسر بحنق
ـ هتجنن يا يزيد. دول كانوا بيجروها عشان يخطفوها. مين دول؟
يزيد بتفكير
ـ طب ما يمكن اللي بالي بالك؟
ياسر بنفي
ـ لا معتقدش. دا احتمال كبير يكون الخبر لسه موصلوش أصلًا.
زفر بحنق وهو يصيح
ـ اووف. أنا هتجنن. جوايا طاقة غضب رهيبة.
تراجع يزيد عنه وهو يقول باندفاع
ـ فضيها الناحية التانية الله يباركلك. أنا منمتش من امبارح و فاصل.
ياسر بجفاء
ـ أجمد شويه، و بعدين أنت متأكد من الدكتورة دي أنها تتابع حالتها!
يزيد بلهفة
ـ طبعًا متأكد دانا بكراش عليها بقالي ست سنين!
ياسر باستنكار
ـ بتكراش على ست قد أمك.
يزيد بتهكم
ـ بس خبرة، و دي تفرق.
ياسر بحنق
ـ غور من وشي بدل ما الخبطلك معالم وشك.
يزيد بلهفة
ـ لا الله يسترك. أنا محلتيش غيره. على ما اخد الشهادة المنيلة دي.
اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب. ♥️
★★★★★★★★★★★
كان يأكل الطريق حتى يعود إليها، فقد أضناه الخصام و الشوق، و لا يعرف كيف سيحُل هذا الأمر معها. كل ما يُريده أن يُرمم شوقه الضاري لها و بعد ذلك يأتي كل شيء، ولكن لترتيبات القدر رأيًا آخر، فحين دلف إلى داخل الغرفة لم يجدها، و كعادتها فهي لم تبيت الليل بها ليتوجه إلى غرفة جدته، فلم يجد أحد، فأخذته أقدامه إلى غرفة عمته الراحلة، والذي وجد باباها مواربًا وحين أوشك على الدلوف تجمدت يديه على مقبض الباب حين سمع حديث شروق الساخر
ـ أنتِ ليه مُصرة تثبتي أن وجهة نظرك هي اللي صح. عمر بالنسبالي وسيلة مش غاية، وسيلة اني انتقم من نبيلة على اللي عملته في ماما الله يرحمها، و وسيلة عشان اخد حقها. ايه اللي دخل الحب في علاقتنا ؟
سعاد بانفعال
ـ أنتِ اللي بتناقدي نفسك لما بتقولي كدا، وقبلها بيوم كنتِ بتعيطيلي من وجعك.
شروق بنبرة لامُبالية
ـ أيوا بعيط من وجعي. مش من حبه. ايه دخل الحب في كلامنا! كنت مضغوطة و مخنوقة، و بصراحة أكتر عايزة اخلص.
سعاد بصدمة
ـ شروق انا مش مصدقاكي معقول اللي بتقوليه دا؟
شروق بملل
ـ ايه اللي مش معقول في كلامي؟ أنتِ ايه مُصرة تشوفي الموضوع من منطق الحب و الغرام!
سعاد بحدة
ـ لو مكنش كدا احلفي دلوقتي أن محصلش بينكوا حاجة ؟
شعرت بأن كل شيء سينقلب ضدها أن ضعُفت الآن لذا استمدت قوتها من هذا الجُرح النازف في أعماق قلبها حين قالت بنبرة ثابتة
ـ وليه احلف أنه محصلش؟ عشان هو فعلًا حصل. بس حصل عشان سبب معين انا محدداه.
سعاد بصدمة
ـ سبب معين!
ـ أيوا. دي الطريقة الوحيدة اللي كنت هضمن بيها أن عمر يفضل يساعدني، و يقف قدام ممته عشاني. دي الطريقة اللي بتجيب معاه!
قالت جملتها الأخيرة بطريقة ساخرة، و كأنها تقصدت أن توصل رسالة قوية بأنه حقير، ولكن الوجع من شدته اعمى بصيرتها عن هذه البؤرة التي لا تليق بها أبدًا ليقوم عمر بفتح باب الغرفة بملامح مُتجهمة و أعيُن جامدة ليتوجه إلى جدته التي تفرقت أنظارها بينهم لتتوجه شروق بخطوات ثابتة إلى الشرفة هرباً من مشاعر تتجلى بوضوح في عينيها، و بالمقابل تجاهلها هو وهو يتحدث إلى سعاد قائلاً
ـ عاملة ايه النهاردة ؟
سعاد بنبرة واجمة و نظراتها تتفرق فيما بينهم
ـ الحمد لله.
ـ خدتي أدويتك؟
ـ خدتها.
اقترب واضعًا قبلة فوق جبينها قبل أن يتراجع إلى الخلف وهو يقول بنبرة جافة
ـ هاجي اطمن عليكِ بالليل.
اومأت سعاد برأسها ليُغادر مُغلقًا الباب خلفه غافلًا عن قلب يحترق غضبًا و عشقًا و ألمًا لتهتف سعاد بريبة
ـ بصيلي هنا. أنتِ كنتِ قاصدة أن يسمع كلامك دا؟
التفتت شروق ناظره إليها بملامح زابلة من فرط البكاء الذي جعل قنايا الدمع تتفجر في مقلتيها، فبدت كالجحيم الذي ألقاها به عشق هذا الرجل
ـ أيوا كنت قاصدة.
سعاد بصدمة
ـ ليه يا شروق؟
شروق بنبرة تفوح منها رائحة القهر
ـ عشان عمر دا أحقر إنسان قابلته في حياتي.
لم يكُن بحاجة لأكثر من ذلك حتى يُعيد النظر في كل شيء بينهم، و لكن دائمًا هناك من يقف بالمرصاد حتى يُفتح أبواب الجحيم على مصرعيها أمامهم.
وجد نفسه وجهًا لوجه مع والدته التي كانت تقف أمامه بملامح واجمة تشبه نبرتها حين قالت
ـ عايزة اتكلم معاك شوية.
زفر عمر بقوة. قبل أن يقول بجفاء
ـ مش عايز اتكلم مع حد.
نبيلة بجمود
ـ يبقى تسمع.
اغتاظ من إصرارها ولكنه في النهاية رضخ أمام إصرارها ليتوجه معها إلى غرفة الجلوس و يتربع على أحد المقاعد في انتظار أن تبدأ في حديثها المزعوم، و الذي شرعت به حين قالت بنبرة حزينة
ـ اللي حصل مع ابوك امبارح دا مكنش ينفع.
عمر بجفاء
ـ متبدأيش بالموضوع دا عشان أنا على اخري.
ـ و احنا كمان على آخرنا. أنا وابوك كبرنا لو مش شايف. ابوك كل شعره أبيض، وصحته مبقتش زي الأول. بس انت مش واخد بالك.
هكذا قاطعته نبيلة مُستغلة هذه النقطة الحرجة لصالحها ليهتف عمر باندفاع
ـ ماله بابا ؟
نبيلة بتخابُث
ـ امبارح ضغطه علي، و روحت بيه المستشفى. تقدر تسأل مصطفى صاحبك.
عمر بجفاء
ـ ازاي مقاليش؟
نبيلة بتقريع
ـ باباك اللي قاله ميقولكش. بدل ما يستند عليك، و أنت اللي تكشف عليه. بيبي وجعه منك،. رايح للغريب عشان ابنه واقف قصاده بيناطحه راس براس، و بينصر الغريب عليه.
حين أشارت بحديثها إليها شعر بوخزة ألم قوية داخل صدره، ولكنه قرر تجاهل كل شيء و قال بجمود
ـ هطلع اطمن عليه.
نبيلة بحدة
ـ استنى. بلاش تشوفه.
عمر باستفهام
ـ ليه؟
نبيلة بحزن زائف
ـ عشان مضمنكش، و عارفة أنه لما بشوفك هيتعصب وهيضايق مرة تانية و ممكن ضغطه يعلى تاني، وانا بصراحة مش هتحمل يجراله حاجة.
تهادت عبرة لئيمة فوق خدها وهي تُتابع بضعف لا يمُت إلى الحقيقة بصلة
ـ أنا لو ابوك جراله حاجة هموت نفسي. مش هتحمل بهدلتك فيا بعد العمر دا يا دكتور عمر. ابوك لو جراله حاجة ضهري هيتكسر. عشان كدا مش هسمحلك تشوفه، ولا تدخل عليه طول ما انت بتعصانا بالشكل دا!
ضاق ذرعًا بكل ما يحدُث، فهتف بغضب
ـ أنا عايزة افهم فين الجريمة اللي عملتها في حقكوا ؟
وصلت إلى مبتغاها لتصُب الوقود فوق النيران حين ثارت قائلة
ـ كل دا و مش فاهم! انت متعرفش ابوك أتأذى ازاي بسبب اللي عمتك عملته زمان. دا فضل ياما مش قادر يرفع عينه في عين الناس و أولهم خالد و أهلي. دي كسرت ضهره و خلت راسه في الأرض. ضربته بسكينه لسه بتنزف، و جاي بعد العمر دا كله تجيب بناتها و تحطهم قدام عنيه، لا و كمان تتجوز واحدة منهم، و كأنك بتغرز السكينة اكتر و اكتر. ليه كدا حرام عليك!
إنهيارها و حديثها عن والده بهذه الطريقة ألجموا السرج حول الكلمات فوق شفتيه ليدور حول نفسه وهو يشد خصلات شعره بعُنف تجلى في نبرته حين قال
ـ ماهو لازم يعرف أن مش معنى أن عمتي غلطت أن بناتها يترموا في الشارع!
نبيلة بحدة
ـ مقولتش كدا. بس كان ممكن تساعدهم أنت و جدتك بأي طريقة الا انك تعمل معاه كدا.
اقتربت منه تمسك بذراعه، وهي تبكي بحرقة زيفتها في نبرتها حين قالت
ـ أبوك محسور يا عمر . ابنه اللي كان بيحلم يجوزه لبنت أحسن عيلة في البلد، و يشوف ولاده خرج عن طوعه، و راح اتجوز بنت اخته اللي قهرته زمان، و بيحاول أنه ينسى غدرها بيه. عارف المشكلة في ايه يا عمر! المشكلة أنك بالنسباله العكاز اللي كان شايله للزمن عشان يتسند عليه. بس العكاز دا هو اللي قطم ضهره.
تراشقت الكلمات بصدره و أخذ عقله يرددها على مسامعه حتى كاد رأسه أن ينفجر لتستغل هي ذلك لصالحها قائلة بتوسل
ـ بلاش تعمل في أبوك كدا يا عمر. انسى الماضي و أشفق عليه. بلاش انا. أنا وحشة بس هو طول عمره بيحبك. فاكر فرح ازاي لما جيت مجموع يدخلك كلية الطب؟ أنت فرحته يا عمر.
كان وقع كلماتها قاسيًا على قلبه الذي ضاق ذرعًا من كل شيء ليهتف بتعب
ـ أنتِ عايزة أيه دلوقتي ؟
نبيلة بخفوت
ـ فكر في موضوع البنت دي مرة كمان، و لو على ورثهم هنديهم اللي هما عايزينه دا أصلًا كل اللي هما جايين عشانه.
عندما تفوهت بهذه الكلمات عادت كلمات شروق إلى جدته تطن بعقله كالذُباب، فأصبح الألم ضاريًا خاصةً حين تابعت نبيلة قائلة
ـ بقى انت الدكتور عمر. زينة الشباب تتجوز دي! فوق يا ابني. أنت عايز واحدة تليق بيك. عيالك يتشرفوا بجدهم مش تتكسف حتى انك تقول اسمه قدامهم.
لم يعُد باستطاعة عقله استيعاب كل هذه الأمور ليضيق صدره بقسوة جعلته يهتف بشراسة
ـ خلاص بقى. اسكتي شوية. أنتِ ايه مبتزهقيش؟
أنهى جملته و توجه إلى الغرفة حتى يضع رأسه الذي يكاد ينشطر إلى نصفين أسفل المياة لقد كان قاب قوسين أو أدنى من الإصابة بسكتة دماغية. كل شيء يأتي دفعة واحدة. حديثها الذي حتى و إن كان يعلم أنه من اعماق جرحها ولكنه آلمة و بشدة، و ما حدث بينه و بين والده، و حديث والدته و هذه الحقيقة المروعة بأن عمته اختارت رجلاً بلا نسب ولا عائلة لتهرب معه، و هل سيحتمل أن يقترن اسم أطفاله بنسب هذا الرجل! كلها أشياء إصابته بالتعب ليقف أسفل المياة بملابسه لمدة ليست بالقصيرة، و من ثم قام بخلعها ليُحيط خصره بالمنشفة قبل أن يخرج إلى غرفته وهو يشعر بأن المياة هدأت من سخونة جسده و رأسه ليقف بمنتصف الغرفة يُفكر ما الذي يجب عليه فعله، و في هذه الأثناء رن هاتفه ليتوجه إليه مُجيبًا
ـ أهلًا يا مصطفى.
ـ ايه يا عمور عامل ايه يا ابني و ازي باباك أخباره ايه دلوقتي ؟
عمر بجفاء
ـ الحمد لله. قولي يا مصطفى حالته كانت أيه؟
خدعه مصطفى الذي نظر بمكر إلى الفتاة بجانبه وهو يقول
ـ ضغطه كان عالي اوي يا عمر، وبصراحة دا موضوع ميبشرش بالخير.
عمر بجفاء
ـ ما تخلص يا مصطفى أنت هتنقطني. قول حالته ايه؟
ـ والدك كان داخل على جلطة لولا ستر ربنا. معرفش ماله! بس الصراحة انتوا لازم تجنبوه الزعل أو الضغط الفترة الجاية دي. مش انا اللي هقولك يا عمر.
زفر عمر بقوة، فهتف مصطفى بتخابث
ـ و أنت كمان يا عمر شكلك مش مظبوط! فين عمر بتاع زمان! دا انت بقالك ياما مجتش تسهر معانا، وحتى بوسي سألت عليك!
عمر بتعب
ـ مش رايق لحاجة يا مصطفى.
ـ ياعم انت فوق كدا دا اللي يشوف بوسي وهي بترقص ينسى نفسه.
عمر بملل
ـ اطلع من دماغي يا مصطفى مش رايقلك.
ـ بردو! انت مالك شايل الهم ولا اكنك دخلت قفص الجواز كدا ليه؟ والله انا قولتها لصاحبك بس مسمعنيش اهو بيلطم دلوقتي عشان مسمعش كلامنا
عمر باستفهام
ـ تقصد مين!
ـ اقصد محمود. ركب دماغه و اتجوز البت اللي كان متشعلق فيها، و دلوقتي بيندم ندم عمره.
عمر بترقب
ـ ليه؟
تهكم مصطفى قائلًا
ـ ياعم أهلها فضحوه بنسبهم اللي يعر دا، و البت بيئة و أسلوبها فلاحي، و دلوقتي لبس في عيل منها، و أبوه قاطعه بسببها. دا غير كل أصحابنا اللي مبقاش عارف يشوفهم، عامل زي الغريق بيضرب نفسه بالجزمة. قولتله قولنالك خد بنت ناس تليقلك بلاش توحل نفسك وأهلك في جوازة غبرة زي دي قولت بحبها. خليه يشرب بقى.
أتقن اللعب على وتره النازف، و عقله المريض تولى البقية ليقول بجمود
ـ ما علينا المهم. أنا هخلي بابا يروح المستشفى يعمل فحوصات عشان اطمن عليه، و عايزك تكون معاه و تبلغني.
مصطفى بتخابث
ـ عيني. بس على شرط تسهر معانا النهاردة. والله القاعدة نقصاك، و الشباب بيسألوا عليك، و كمان الشقة بقالك شهور مروحتهاش. فك بقى الحصار دا و ارجع عمر الوتيدي صاحب المزاج العالي، ورجع أيام الشقاوة بتاعت زمان.
كان اختبارًا قاسيًا إما أن يتجاوزه، و ينجو أو يسقط في فخه و يهلك، ولأن هذه غاية الشيطان منذ بدأ الخليقة، فقد سقط في الفخ حين قال بنبرة فاحت منها رائحة الكبر
ـ عيب عليك يا ابني أنت. عمر الوتيدي هيفضل هو عمر الوتيدي. جهزلنا سهرة حلوة من بتاعت زمان، و قول لبوسي أن عمر جاي النهاردة.
لم تحسب حساب بأن السهم الذي أطلقته سيرتد إلى صدرها بهذه السرعة، فقد أرادت أن تجرحه ثأرًا لكرامتها، فأعدت له كأس الإهانة المسموم بقيح الاحتقار، وهاهي الحياة تُخبيء لها نصيبها منه على نفس طريقتها، وها هي تستمع إلى حديثها المسموم الذي انفطر له قلبها، فمن ظن يومًا أن الحياة عادلة مُخطيء، و من تمسك بحبال الانتقام هلّك، ولو كان يحمل راية الحق، فصدق من قال أن الحماقة أعيت من داواها.
على الجانب الآخر التفت مصطفى إلى الفتاة العارية بجانبه وهو يقول بفخر
ـ ايه رايك يا حياتي! نفذت اتفاقي ولا لا؟
تمطت هايدي بكسل قبل أن تقول بسعادة
ـ نفذت يا حبيبي.
اقترب مصطفى منها بعينين تلتمع بهم الرغبة التي تجلت في نبرته حين قال
ـ نفوق بقى من قصة عمر دي و نشوف نفسنا!
لم يُعطيها الفرصة للحديث، فقد اقترب ينهل من جسدها البخس، وهو يُبيح لنفسه هذا العشق المُحرم الذي اغوته بها ساقطة مثلها.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ♥️
★★★★★★★★★★★
توقفت السيارة أمام باب القصر، والتفت خالد ناظرًا إليها وهو يقول بنبرة حانية
ـ طبعًا دا ميعتبرش أي حاجة. احنا لسه شهر العسل بتاعنا زي ماهو. بس هنضطر نأجله لحد ما اظبط الدنيا.
أشجان بنبرة مُتفهمة
ـ أنا عارفة كويس التزاماتك تجاه عيلتك، و كمان مش زعلانه أننا رجعنا.
خالد بتبرُم
ـ اومال أنا هطق ليه؟
ابتسمت رغمًا عنها، فتابع بنبرة وقحة
ـ متفكريش أننا عشان رجعنا خلاص فلتي مني! أنا هعرف استفرد بيكِ بطريقتي.
أشجان بخفوت و الخجل يغمرها من وقاحته
ـ على فكرة عيب جدًا كدا.
خالد بنبرة عابثة
ـ هو أنا مش اعترفتلك قبل كدا اني قليل الأدب!
أشجان بلهفة
ـ لا طبعًا انا مش فاكرة.
خالد بوقاحة
ـ حلو أول ما ندخل الفيلا هشيلك هيلا بيلا ونروح على أوضتنا عشان افكرك.
أشجان بصدمة
ـ أنت أكيد مش هتعمل كدا!
خالد بمرح
ـ كدا اللي هو ازاي ؟ اني اشيلا هيلا بيلا و لا افكرك اني قليل الأدب!
ـ خالد بطل بقى.
خالد بنبرة عابثة
ـ أنت تؤمر يا حلو.
قهقه بصخب على خجلها قبل أن يقوم بدق ناقوس السيارة ليقوم الحارس بفتح بوابة القصر على الفور
.
في الناحية الأخرى كانت نبيلة تتوجه إلى القصر المجاور للتحدث مع ميرهان شقيقتها، ولكنها تفاجئت بأن الباب الداخلي للقصر مغلق لتقوم بجذب مفتاحها لتحاول وضعه بقفل الباب، ولكن فشلت محاولتها، فانكمشت ملامحها بعدم فهم، و فجأة وجدت الباب يُفتح من الداخل لتُطِل عليها آسيا التي تحدثت بتهكم
ـ أهلًا يا بلبلة. تعالي اتفضلي.
دفعتها نبيلة لتدلف إلى الداخل وهي تقول بحدة
ـ هو الباب مبيفتحش ليه من بره؟
آسيا بشماتة
ـ أيه دا هو أنتِ متعرفيش! مش خالد غير كل كوالين ابواب القصر. حتى الأوض كمان!
نبيلة باندهاش
ـ ايه !
و لكن سرعان ما تضاعفت دهشتها حين أخذت عينها تطوف في المكان بأكمله، فقد تغير الكثير من الأثاث دون أن تعرف، فالتفت ناظره إلى آسيا وهي تهتف بحدة
ـ مين اللي سمح لنفسه يغير الفرش دا من غير اذني؟
ـ أنا..
انتفض جسدها لدى سماعها صوت خالد القادم من الخلف، و لكن الصدمة حين رأت أشجان التي تُمسِك بيده، فهربت الحروف من بين شفاهها وهي تناظر آسيا التي اقتربت تعانق شقيقتها بحب وهي تقول بمرح
ـ أهلًا بالعرسان.
كانت كالتمثال الذي قُد من حجر من فرط الصدمة وحدها عينيها هي التي تتفرق بينهم و التي توسعت على آخرها حين وجدت رنا تهرول من الأعلى و بجانبها طفلي أشجان ليعانقوها هي و خالد مُرددين
ـ بابا خالد. ماما أشجان.
كان مظهرها مُضحكًا بفمها المفتوح و كذلك عينيها الجاحظتين لتتضاعف نظرات الشماتة من قِبل آسيا، و يُقرر خالد إنهاء هذا المشهد الهزلي حين قال بحنو
ـ حبيبتي خدي الولاد واطلعي ريحي شويه وانا هحصلك.
ابتسمت أشجان التي كانت قلقة من الموقف كله، فلم يفوته ذلك فاقترب واضعًا قبلة دافئة فوق خدها ويده المُحيطة بخصرها تضغط عليه قليلًا تزامناً من كلماته المُطمأنة بجانب أذتها
ـ متقلقيش من حاجة وانا موجود.
اتسعت ابتسامتها و قد أراحتها كلماته لتأخذ الأطفال و معهم آسيا إلى الأعلى، و يتوجه هو إلى داخل مكتبه لتتبعه نبيلة التي هرولت خلفه وهي تهتف بأنفاس مقطوعة
ـ خالد. هو أيه اللي حصل من شوية دا! أنت اتجوزت دي فعلًا…
لم تكد تُنهي جملتها حتى افزعها صُراخه حين قال
ـ مسمهاش دي! اسمها أشجان خالد الوتيدي. سامعة يا نبيلة ولا لا؟
هربت الدماء من أوردتها من صراخه و مظهره المُرعب لتتلعثم حين قالت
ـ أنا. أنا. مقصدتش. أنا . بس . بسأل.
خالد بحدة
ـ و انا جاوبتك.
نبيلة بارتباك من مظهره الغاضب
ـ ربنا. يسعدك. بس . يعني. أنا أصلي. كنت. متضايقة. بسبب اني لقيتكوا غيرتكوا مفاتيح أبواب البيت من غير ما اعرف..
خالد بقسوة
ـ ميخصكيش. البيت له أصحابه، وأصحابه معاهم مفاتيحه.
نبيلة بصدمة
ـ بس يا خالد. دا بيتي و بيت ابويا وامي .
قاطعها بفظاظة
ـ كان... دلوقتي بيتك عند جوزك، والبيت هنا بقى له ست. هي الكل في الكل فيه.
ضيق عينيه وهو يقول بنبرة مُرعبة تشبة ملامحه في هذه اللحظة كثيرًا
ـ طبعًا عرفاها.
من فرط الرعب لم تخرج الكلمات من فمها ليُتابع هو بهسيس مُرعِب
ـ أشجان. مراتي، و مراتي خط أحمر.
تجهمت ملامحه أكثر وهو يقول
ـ سمعاني؟
ازدردت ريقها قبل أن تقول بأنفاس مُتلاحقة
ـ سامعة.
أضاف خالد بنبرة متوعدة
ـ أنتِ اكتر واحدة عارفة اني مبعيدش كلامي مرتين، فاوعي تخليني ألجأ للفعل معاكِ، و افتكري كلامي دا كويس.
أومأت برأسها دون حديث ليُطلق سراحها حين قال بجفاء
ـ ارجعي بيتك، و قبل ما تدخلي البيت دا تاني. استأذني من صحابه.
اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي. ♥️
★★★★★★★★★★
ـ البطل بتاعي سرحان في ايه؟
هكذا تحدث كمال وهو يعانق آسيا من الخلف لتشهق بخوف حين فاجأها ولكنه باغتها حين ادارها إليه وهو يغمرها بشوقه الضاري الذي جرفها معه في دوامه ساحرة كان هو المُتحكم بها ليفصل قربهم وهو يقول بأنفاس مقطوعة
ـ يخربيت الحلاوة هو في كدا!
آسيا بنبرة مُتحشرجة
ـ يعني مش كفاية خضتني! كمان بتقل أدبك!
داعب أنفها بأرنبة أنفه قبل أن يقول مُشاكسًا
ـ دي مش قلة أدب دا اعتذار رسمي. بس أنت اللي عامل عبيط. وحشتيني.
كان رائعًا للحد الذي أيقظ نيران الذنب في صدرها تجاهه، فلأول مرة تُبادر هي و تحتضنه بهذه القوة وهي تقول بنبرة خافتة
ـ أنت اللي وحشتني اوي. كنت فين كل دا؟
شعر بشيء في حديثها، ولكنه احتواها بقوة وهو يُجيبها بنبرة عاشقة
ـ كنت في مشوار مهم. هحكيلك عليه بعدين. المهم قوليلي مالك ؟ حاسس ان فيكِ حاجة!
تمرغت بين ضلوعه الحانية رغم صلابتها لتؤكد لنفسها انه معها، وهي تقول بدلال
ـ وحشتني بس، و كنت مفتقداك جدًا طول النهار.
رفع رأسها لينظر إلى داخل عينيها قبل أن يقول باهتمام
ـ عليكِ حمرا. آسيا أنتِ عيطتي النهاردة ؟
بللت حلقها قبل أن تقول بارتباك
ـ لا هعيط ليه؟
أدارت وجهها الناحية الأخرى حتى لا يستشعر كذبها ليُدير رأسها مرة أخرى بأنامله فوق ذقنها وهو يقول بإلحاح
ـ أنا عارف بقولك ايه؟ قوليلي مين ضايقك ؟ نبيلة ولا ميرهان؟ قوليلي والمرة دي هطربق الدنيا على دماغهم.
آسيا بلهفة
ـ والله أبدًا انت بس وحشتني. مش متعودة تغيب عني كل دا، فغصب عني عيطت.
تضخم قلبه من فرط السعادة لحديثها ليقترب منها ويديه يشتد طوقهم حول خصرها لتتعانق أضلعهم و تشتبك أنفاسهم لتحترق بلوعة الهوى الذي تجلى في نبرته حين قال
ـ بقى انا السبب في دموع حبيبي ! لا دانا عليا غرامة واجبة التنفيذ
آسيا بخفوت
ـ كمال.
كمال بنبرة تقطُر عشقًا
ـ روح قلب كمال. بقى انا وحشتك للدرجادي! طب وحياتك عندي لهعملك حتة مفاجئة بالليل تخلي عيون حبيبي الزعلانين دول يرضوا عني. بس قبلها لازم اخد التمام.
قهقهت على حديثه الذي تعلم مغزاه ليقوم هو بوضع يده خلف ركبتها و الأخرى خلف ظهرها ليحملها وعينيه لازالت تشتبك مع عينيها في حديث خاص أذاب أوصالها كما فعل هو حين اقترب يرتشف هذا العسل المُذاب بين شفتيها لتبادله بنهم أفقده صوابه، فلأول مرة تُغدق عليه من حنانها و عشقها بهذه الطريقة التي أججت نيرانًا هوجاء داخل صدره تردد صداها في أرجاء الغرفة التي شهدت على ملحمة عشق من نوعًا خاص، فقد كانت تحاول تعويضه عن الذنب الذي ارتكبته بحقه، ولكن هل يفلح؟!
اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. ♥️
★★★★★★★★★★★
بعد أن انتهى من الإدلاء بأقواله أمام الشرطة توجه إلى غرفتها بأقدام متلهفة ليفتح الباب و يتفاجيء من خلو الغرفة منها، فهوى قلبه بين قدميه ذُعرًا ليندفع إلى الخارج بحثًا عنها، و لكن دون جدوى، لتقوده أقدامه إلى الخارج فلم يجد شيء، فتوجه الى الأعلى لرؤية يزيد حتى يساعده في البحث عنها و فجأة وهو بالطابق الثالت تجمدت خطواته حين شاهد…
