رواية أنا لها شمس الجزء الثانى ( اذناب الماضي ) الفصل الثالث والثلاثون
«لو كُنت أعلمُ وأنا أهرول لاهثًا خلف بريق الذهب أن امتلاكهُ سيكون لعنة حياتي وسببًا لضياع سكينتي،ما كنت فتحت للشيطان بابًا وكنتُ اكتفيتُ بنعم الله التي لا تُعد ولا تُحصى،أكادُ أن أفقد صوابي وأنا أسأل حالي بكل لحظةٍ، إين كان عقلي وضميري وأنا انساق خلف الشيطان مسيرًا بلا وعيٍ،بئس ما فعلتُ بحالي حين انجرفتُ خلف وساوس شر البليةِ واتبعت سرابًا خادعًا للبصرِ والبصيرةِ لا يروي ظمآن،مالاً حرامًا لا يسمن ولا يغني من جوعٍ،كشجرة ملعونةٍ ثمارها مُرًا كالحنظل وظلالها ظلامًا دامسًا،وها أنا الآن أقف مكتوفي الأيدي أمام كارثةً حياتي الكبرى ولسان حالي هو،"ياليت".»
بقلمي «روز أمين»
_____________________
توجه فؤاد صوب تلك الغرفة المظلمة ليتحرى ويكشف عن هوية ذاك الشبح الذي رأه نجله وأُصيب بالذعر، بينما أغمضت عزة عينيها خجلاً وهي تتذكر ولوچ يوسف وبيسان من باب القصر الداخلي لتسألهُ مُستفسرةً عن سبب تركه لحفل شقيقته بالخارج فأبلغها بإصابته بوجعٍ في الرأس وطلب منها أن تعد له قدحًا من القهوة وجلب قرصًا من الدواء المسكن،تحركت لتختفي داخل حجرة تحضير الطعام لاعداد القهوة وبعد مدة خرجت فلم تجد احدًا فعادت للداخل من جديد
خطى فؤاد بساقيه إلى الغرفة وضغط زِر الإنارة لينفح الضوء، إتسعت عينيه وهو يرى يوسف يقف واضعًا كفيه داخل جيباي بنطاله منكسًا رأسهُ للأسفل ومشاعر الخزي تسيطر عليه،لا يقوى على رفع عينيه في خاصة فؤاد الذي قام بتنبيههُ بألا ينفرد بالفتاة لحالهما كي لا يقعا في الخطأ وألا يقترب عليها من جديد، ومازاد من إحراجه هو ذاك الوعد الذي قطعه على حاله، أما تلك الخائبة فكانت تبتعدُ عن يوسف عدة مترات وكأنها بهذا الابتعاد تتنصلُ من فعلتها، تواليه ظهرها وتحتضن وجهها بكفيها تتمنى لو انشقت الأرض وابتلعتها من شدة شعورها بالخجل
بينما شعر ذاك المتطلع عليهما بخيبة أملٍ وشعورًا بالحُزن اعتراهُ، استمع إلى صوت صغيره يأتي من بعيد يسألهُ كي يطمئن قلبه:
-شوفت الشبح يا بابي، خليك بعيد عنه علشان مش يأذيك؟!
ابتسم بسخرية فماذا سيجيب الصغير، تنهد بأسى قبل أن ينطق بإحباطٍ وانكسار :
-مفيش لا شبح ولا حاجة يا حبيبي، ده الهوى بيحرك الستارة
أعاد غلق الزِر كما فتحه ليوالي كلاهما ظهره ويعود منصرفًا ليمسك بكف الصغير ويقول بألمٍ يشطر قلبه لنصفين:
-تعالى نطلع للضيوف مع بعض علشان ميصحش نسيب زينة لوحدها بره
أومى له بابتسامه فنظر فؤاد لتلك التي تتطلع عليه بأسى وحزنٍ لأجل خزلانه البادي عليه، وتحدث بهدوءٍ:
-إدخلي على المطبخ واعملي قهوة للضيوف يا عزة
-حاضر يا باشا...نطقتها باحترامٍ وتحركت لتختفي داخل المطبخ وانصرف فؤاد بالصغير، تنهد يوسف بحزنٍ وهو يقول بصوتٍ يقطرُ ألمًا:
-إطلعي عند زينة
أخرجت صوتها بصعوبةٍ تعود لحرجها الشديد:
-وإنتَ مش هتطلع معايا؟!
-هخرج بعدك،ميصحش نخرج من هنا مع بعض...خرجت دون أن تنبسُ ببنت شفة وتوجه هو إلى أقرب مقعدًا ليرتمي بجسده عليه، مال للأمام واستند بمرفقيه على حافتي المقعد وبدأ يمرر كفه بحزنٍ على وجههُ ، أغمض عينيه بقوة وتمنى لو أن ما حدث منذ القليل كان كابوسًا ينتهى بفتح أهدابه من جديد، تذكر ما حدث منذ أكثر من عشرة دقائق من دخول مالك إلى الغرفة، كان يقف بصحبة والدته جانبًا يتحدثا بخصوص ما حدث داخل منزل عمرو وأخبرها عن استقبال رولا وتغييرها الكبير تحت لامبالاة الأخرى مما يحدث بمنزل ذاك البغيض،أقبلت عليهما بيسان وشاركتهما الحديث ثم انسحبت إيثار للاهتمام بالضيوف وتركت العاشقان،ظلا يتبادلان نظرات الوله والغرام مما حرك مشاعر كلاهما نحو الآخر،تحمحم يجلي حنجرته قبل أن ينطق بهروبٍ من تلك المشاعر الجياشة التي اقتحمت صدره وهو يرى أعين تلك الهائمة وسطو سحرهما على قلبه،لطالما كان لعينيها السحر الأكبر والكلمة الأخيرة عليه:
-أنا هدخل جوه أخلي عزة تعملي فنجان قهوة،مشربتش غير فنجان من أول اليوم وحاسس ببداية صداع
نطقت بصوتٍ طغى عليه غرامها:
-أنا جاية معاك
لطالما كان هذا هو حالها معه منذ الصِغر،فقد تعودت على ألا يفترقا أبدًا،وأن تتبعهُ كظله، وما حدث مؤخرًا من ابتعادٍ سافر جعلها تخشى تكرار تلك الفترة الملعونة من حياتها، لذا فهي الأن تعوض حالها وتعوضهُ بالاقتراب، ولچا للداخل وجد عزة تنزل من فوق الدرج،على الفور سألت من تربى على يدها واتخذت منه حفيدًا لم ينعم الله عليها به على أرض الواقع فأتى بذاك الخلوق كعوضًا لها:
-إيه يا حبيبي،سايب الناس ليه، عاوز حاجة اعملها لك؟!
نطق بوجهٍ بشوش كعادته معها:
-آه يا حبيبتي عاوز شوية قهوة من إيدك، وياريت لو قرص مُسكن علشان الصداع
-بس كده، عيني...قالتها وهي تشير بين عينيها ثم سألت الفتاة باهتمام:
-وإنتِ يا ست البنات، مش عاوزة النسكافية بتاعك؟
حركت رأسها بنفيٍ:
-ميرسي يا عزة، لسه شاربة عصير حالاً
ثم اقتربت من يوسف ونطقت بدلالٍ وهي تحرك أناملها على حلة بدلته:
-هبقى أخد حبة قهوة من فنجان يوسف
طار قلبهُ وعلى من دلالها الانثوي تحت تلك التي لوت فاهها تبرمًا وهي تقول:
- محن البنات مين قده
وانسحبت لداخل المطبخ،وقفت بجوارة ينتظرا القهوة، سقط على سهوة سلسالها لتشهق بعدما رأته يستقر على الأرض ومالت سريعًا تلتقطه وهي تقول بحزنٍ كَسىَ ملامحها:
-السلسلة اللي إنتَ جايبها لي بعد ما رجعنا لبعض انكسرت يا چو
امتلئت عيونها بلمعات الدموع وذلك لمكانة السلسال لديها، هدأها بقولها وهو يتناولها منها:
-متزعليش يا حبيبي هصلحها له
تمعن بالنظر عليها فوجد خللاً بسيطًا بالقفل الخاص بها، ضغط عليه بأسنانه وعاد لمكانه،اشتدت سعادتها وبلحظة كانت تواليه ظهرها وترفع الحجاب مما أظهر جزءًا كبيرًا من مؤخرة العنق، استشاط غضبًا وأمسك كفها ينزلهُ بعنفٍ وهو يعنفها بسخطٍ:
-إنتِ اتجننتي يا بيسان، معرية رقبتك والبت مليان رجالة غريبة؟!
ارتبكت وتحدث بنبرة متلبكة:
-ماخدتش بالي، نسيت
رمقها بنظراتٍ حارقة أرعبتها فتابعت متأسفة:
-خلاص بقى، حقك عليا
تابعت وهي تشير إلى تلك الغرفة:
-تعالى لبسها لي جوة هنا
طالعها بهدوءٍ قبل أن يجيبها متهربًا:
-حبيبي الخطوبة خلصت خلاص، شيليها في شنطتك لحد ما أخدها لك للجواهرجي يأكد على القفل
مطت شفتيها بحزنٍ ثم نطقت بوجهٍ عابس:
-الشنطة ادتها لمامي وبعتتها البيت عندنا مع ماجدة، وبعدين السلسة دي مش بتفارق رقبتي من يوم ما جبتها لي، دي عليها إسمك يا چو
تبسم لبرائتها وانسحب بجوارها إلى الغرفة وتوقف بالمنتصف، رفعت الحجاب وكشفت عن عنقها المرمري ليبتلع الشاب ريقه، لفها حول العنق وبدأ بغلق القفل جيدًا بأيادي مرتبكة وصدرٍ يعلو ويهبط من شدة اشتياقه لتلك الحبيبة،اعتدلت وباتت تتطلعُ داخل عيناها وبجرأة لفت ذراعيها حول عنقه تتعلقُ به وقامت بوضع قُبلةٍ حنون فوق وجنته وهي تقول:
-ميرسي يا حبيبي
لم يشعر بحاله سوى وهو ينساق لنداء قلبه ويميلُ يلتقطُ شفتيها ويذوبُ معها داخل قُبلةُ فاق منها سريعًا حين وجد الباب مفتوحًا،لا يعلم ما حدث لعقله حين رأى عينيها وهي تطالبهُ بالمزيد من القبلات لتروي عطش روحها،بدون إرادة منه وكأن شيئًا خفيًا يقودهُ رغمًا عنه،انسحب إلى زر الإنارة وقام بغلقه ليعود سريعًا إلى تلك الجميلة وبات يزيد من قبلاته النهمة لها مع ضمتها للقرب من قلبه،توقف سريعًا ثم همس بأذنها بنبرة زلزلت كيان الفتاة:
-يلا يا حبيبي نخرج علشان محدش ياخد باله من غيابنا،كمان علشان زينة
وافقته الرأي ولن يخفي عن حاله شعوره بالخجل الذي تملك منه، لكنه قدم الأعذار لحاله، فمنذ أن أعطى وعدًا إلى فؤاد لم يقترب عليها، والآن هو معها ولحالهما وثالثهما الشيطان، كاد أن يتحرك فباغتهما الصغير بالوقوف عند الباب وشاهد خيالهما من خلال اسقاط ضوءٍ بسيط من الخارج عليهما.
زفر بقوة وهو يتذكر ما حدث ، خرج من الغرفة بأيادٍ مهدولة ليجد عزة تنتظرهُ بأعين لائمة، اقبلت عليه وتحدثت بخوف الأم على نجلها:
-أنا عارفة إنك بتحبها، والبت حلوة وتستاهل، ومراتك مقولناش حاجة
وتابعت بلومٍ وعتاب:
-بس ابوها مأمنك عليها،وإنتَ طول عمرك قد كلمتك من وإنتَ عيل صغير، تقوم تخيب على كَبر؟!
نطق متأثرًا بصوتٍ حزين:
-أنا مكسوف من نفسي قوي يا عزة، مش عارف هحط عيني في عين بابا ازاي بعد ما خليت بوعدي ليه وكسرت كلمته
مررت كفها على رسغ الشاب وهي تقول بنبرة تقطرُ حنانًا للتخفيف عنه:
- الباشا بيحبك وروحه متعلقة فيك، غلاوتك عنده من غلاوة أمك، اطلع اتكلم معاه وقول له مش هعمل كده تاني
امسك كفها وقام بتقبيله ثم طالعها بنظرات حنون:
-ربنا يخليكِ ليا يا عزة
-ابعد عن البت بيسان وخليك في مذاكرتك، انا بقول لك أهو... قالتها بتحذير جعله يدخل بنوبة من الضحك المهموم، خرج يتلفت بعينيه عن فؤاد فوجده يقف بجوار السور يتحدث إلى أحدهم عبر الهاتف، اقبل عليه وتوقف بعيدًا حتى انتهي من مكالمته واقترب ينطق بخزيٍ:
-انا عارف إنك زعلان مني وليك حق حتى متبصش في وشي، وبرغم كده انا جاي أتأسف لك وهتحمل أي كلام تقوله لأن معاك كل الحق
-على اساس إن عندك دم وهيأثر فيك الكلام؟!... قالها ساخرًا تعجب له يوسف فقد توقع ثورة غاضبة تنفجر بوجهه لينطق الآخر بحدة:
-عارف إنها زفت مراتك وعارف إن غصب عنك بتتشد لها، بس ده غلط وعيب يا يوسف
وتابع بحذر مُحب:
-خاف على أختك ليترد لك فيها يا حمار،وبعدين مستعجل على إيه كتك خيبة؟!
وتابع وهو يرمقه بازدراء:
-ده أنا أول مرة أخدت أمك في حضني كان بعد جوازنا بشهرين
أجابهُ ساخرًا كي يلطف الاجواء بينهما:
-طب ده إخفاق من جنابك، أنا ذنب أمي فيه إيه؟!
-ما تتلم يَلا وتفهم الكلام
اقترب عليه ثم مال يقبل كتفه وهو يقول بإحترام:
-حقك عليا، واوعدك مش هتتكرر تاني
تحدث مستسلمًا:
-وحياة أمك إيثار لو قعدت تحلف لي من هنا للسنة الجاية مهصدقك، ما أنتَ وعدتني يا حبيبي ولسه قافشك من قفاك، ولولا ستر ربنا عليك كان زمان مالك مطلعك مسرح قدام الضيوف وفاضحك فضيحة السياسي لما يخرج من منصبه
ارتفعت قهقهاته بسعادة لمرور الموقف على خير، اقبلت عليهما إيثار وتحدثت بابتسامة:
-ما تضحكوني معاكم
احتوى فؤاد كتفها وبات يغمرها بكلماته المعبرة عن غرامه لينسحب يوسف وسأل فريال عن بيسان أبلغته أنها شعرت بدوارٍ فعادت للمنزل، حزن لإجلها وعلم انها فضلت الهروب من امام فؤاد، انتهت السهرة وانصرف الضيوف وتحرك يوسف وزينة عائدين إلى منزلهما.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل منزل ذاك الصيدلي معدوم الضمير دكتور "فريد"، يجلس بجوار صغيرهُ الوحيد صاحب السبعة أعوام المسطح فوق الفراش بجسدٍ هزيل مريض من غير حول منه ولا قوة ، فبعد ما فعلهُ"فريد" بتلك المسكينة أزهار وخلط المرض بدواء الفيتامين وحقنها به وحياتهُ انقلبت رأسًا على عقب،حيث بدأ نجلهُ يشعر بهزلانٍ وفقدان الوزن وارتفاع حرارة دائمة، فبدأ بعرضه على طبيب الوحدة المحلية وعندما فشل في التشخيص ذهب لأكثر من طبيبًا حتى وصل لاستشاري كبير في القاهرة، وهنا أكتشف الكارثة الكُبرى، الصغير مصابًا بسرطان الدم والصدمة الكبرى أن المرض بالمرحلة الرابعة، أي الأخيرة ولا أمل من الشفاء،هكذا أخبره الطبيب، كان ينظر لجسد نجله الذي أصبح نحيلاً هزيلاً بفترة قصيرة،نزلت دموعهُ تسري على وجنتيه وحال قلبه الحسرة والألم والندم،رفع رأسهُ وتحدث هامسًا إلى الله باعتراضٍ وعدم أدب مع الله:
-ليه يارب تختار لي العقاب الصعب ده، طب أنا اللي غلطت، كنت عقابني أنا وسيب إبني
حضرت والدته من منزلها للإطمئنان على الصغير فوجدت نجلها يبكي، وضعت كفها تحتوي كتفه وهي تقول بأسى وحزنٍ يشق قلبها على حفيدها الوحيد:
-اجمد امال يا فريد واذكر الله، متعملش كده قدام الواد، صدقني هيصحى ويبقى كويس
حرك رأسه بيأسٍ لتيقنه من عدم صحة حديثها، فقد وصل الصغير لأواخر المرحلة وهو الأن في مرحلة الاحتضار وفي انتظار عودة الأمانة إلى بارئها،
خرجت والدة الزوج واتجهت للأم المتواجدة بغرفة صنع الطعام حيث تصنع حساءًا ساخنًا للصغير بدموعها المنهمرة التي تحاكي حال قلبها المتمزق، هتفت المرأة لائمة زوجة الإبن بنحيبٍ وتبكيت:
-ياما قولت لك تشوفي نفسك وتجري على الخلفة علشان تخاوي الواد مسمعتيش كلامي، اهو حتة الواد اللي حيلتكم بيروح منكم واحنا واقفين متكتفين
شهقت الأم وتحدثت بدموعها الأليمة:
-الله يخليكِ يا خالتي أنا مش متحملة، كفاية عليا اللي انا فيه الله لا يسيئك
وتابعت تذكرها:
-وبعدين انتِ بتكلميني كأن أنا اللي فيا عيب الخلفة وهجري عليه، انتِ ناسية إن فريد هو اللي عنده المشكلة علشان كده الدكتور قالنا إن مستحيل يحصل حمل طبيعي
نطقت المرأة وهي تشيح بكفها بحدةٍ وآمر:
-خلاص، يبقى تحجزوا كشف عند للدكتور بكرة وتروحي علشان يشوف لكم موضوع الحقن المجهري زي ما حصل مع "علي"
اتسعت عينيها ذهولاً من قسوة تلك المرأة والألية التي تتحدثُ بها دون الالتفات للمشاعر الإنسانية وما تشعر به تلك المكلومة، من حسرةٍ على صغيرها:
-انتِ بتقولي إيه يا خالتي،دكاترة إيه وحقن مجهري إيه اللي عوزاني أعمله وابني في الظروف دي؟!
وتابعت بإبانة تذكرها بما حدث بالماضي:
-إنتِ ناسية لما عملت الحقن في علي قعدت شهور الحمل كلها راقدة على ظهري علشان الحمل يثبت
ثم صمتت وتذكرت قبل عامًا حين ذهبت لزيارة الطبيب بصحبة زوجها فريد لتكرار تجربة الحمل مرةً آخرى وحديث الطبيب بعدما أجرى لهما جميع الفحوصات اللازمة، فقد أخبرهما بأسفٍ أن فريد لم يعد باستطاعته الإنجاب مرةً آخرى بسبب تشوه الأجنة والاصابة ببعض الالتهابات والمشاكل الآخرى التي فرضت من استحالة الانجاب لديه مرةً آخرى.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل شركة الزين
تم ضبط مخالفات خطيرة من قِبل محاسبين ومحامين الشركة مما يضر بالشركة ويعرضها لخسارة مالية فادحة واثبات تورط سميحة بالتعمد لجلب الضرر، وعندما وصل الأمر إلى إيثار على الفور أبلغت فؤاد واودعت بين يديه التصرف بذاك الملف الحساس، اتصل فؤاد بعمه "أحمد"وطلب عقد اجتماع عاجل ومُصغر يختصر على افراد العائلة فقط لحساسية الآمر وخصوصيته، اجتمع فؤاد وأحمد وإيثار وبسام وايضًا سميحة التي صرخت بعدما عرض فؤاد التهم الموجهة إليها من قِبل المحاسبين والمحامين المعينين بالشركة والمعنيين بدراسة ومراجعة أي اوراقٍ أو اتفاقات مبرمة خاصة بالشركة، هتفت بصياحٍ وجنونٍ رافض:
: انا لا يمكن أقبل اسلوب التشكيك اللي بتكلمني بيه ده يا فؤاد
وتابعت محذرة وهي تُشير بسبابتها:
-إنتَ كده بتوجه لي إتهام صريح بالتواطأ والرشوة، وده اتهام لا يمكن اقبله منك أو من غيرك
نطقت إيثار في دفاعٍ عن زوجها الغالي:
-سيادة المستشار ما وجهلكيش أي اتهام يا دكتورة، إحنا مجتمعين النهارده علشان نسمع تفسيرك على بنود الصفقة اللي تمت عن طريقك وبموافقتك وإمضائك.
هتفت بتهديدٍ ووعيد تحت استغراب الجميع وهم يرون اشتعال عينيها:
-إنتِ متتكلميش خالص ولا صوتك يطلع
وتابعت بإهانة:
-المفروض إن ده اجتماع عائلي يعني سيادتك ملكيش مكان بينا
-عندك يا سميحة... قالها ذاك الأسد بإشارة من كفه وهو يدافع عن أنثاه ليتابع بشراسة وحدة ظهرة بنبرات صوته الخشن:
-يا ريت تلتزمي بالهدوء وأداب الحوار بينا ده أولاً، أما بقى بالنسبة لتفسير أستاذة إيثار فهو نابع من حرصها على عدم تفكك اعضاء مجلس الإدارة والوصول لحل عن طريق المناقشة بهدوء وايضاح كل النقاط أمام الجميع
واسترسل بصرامة وحدة ظهرت بعينيه المحتدمة:
-أما بقى بالنسبة لعيلة الزين وخصوصية الاجتماع فاحب أفكرك لك إن اللي بتوجهي لها الكلام دي تبقى مراتي، وأم أحفاد عيلة الزين، يعني عضو مُؤصل وليه جذور ثابتة في العيلة
كانت تستمع إليه وعروق جسدها بالكامل تتنافر غضبًا، بينما والدها وشقيقها لا يجدان ما يدافعان به عن تلك المندفعة التي تحركها كراهيتها وحقدها الظاهر للأعمى على تلك الـ إيثار، لقد عانى أحمد كثيرًا من رؤيته عشق ابنته لابن عمها الذي يعتبرها شقيقه ثانية له، بينما هي مازال عشقهُ يجري بشريانها كالدماء إلى الآن ، أمسك بسام الملف وقلب بأوراقه بين يديه، بات يتمعنُ بالإمضاء وسألها وهو يعرض أمام ناظريها أحد الأوراق:
-دي امضتك يا سميحة؟
نطقت متلعثمة:
-أيوة فعلاً امضتي، وأنا فعلاً اللي مررت الصفقة وخلصت كل الأوراق بتاعتها، بس ده كان تحت إشراف المحامي
قطع حديثها فؤاد الذي نطق بجدية:
-المحامي نفسه هو اللي اتصل بيا وبلغني بعد ما وصل الملف لأستاذة إيثار وشاف فيه مخالفات تخسر الشركة فلوس كتير جداً، وممكن تعرضها للإفلاس لو ملحقناش الوضع قبل ما يتفاقم يا دكتورة
سألتهُ بتلعثمٍ:
-قصدك إيه يا فؤاد، إن أنا بلعب لحسابي وباخد رشاوي من العملا علشان أمرر الصفقات؟!
-أنا مقولتش كده...نطقها نافيًا لتقاطعه سريعًا بمهاجمة:
-كلامك ملهوش معني تاني؟
أجابها بجدية:
-وليه ما افترضتيش خيار الإهمال وعدم تحملك للمسؤلية؟!
ازدردت لعابها لأن هذا ما حدث بالفعل، هي لم تعطي للعمل حقه ولم تقرأ بتمعنٍ وجدية بنود العقد وتدرسها كما يجب أن يحدث،بينما قامت بوضع توقيعها استنادًا لرأي المحامي،في حين أبدل أيهم نسخة العقد المخالف الذي أعطاه له فؤاد في وقتٍ سابق وهو بطريقه إلى مكتب سميحة لوضع التوقيع الأخير عليه عن طريق السكرتيرة التي أخذت أوامرها من فؤاد علام مباشرةً، بعد المناقشات والمداولات التي كشفت عن تقصير سميحة بالعمل ووضعها في خانة الشك للجميع قرر أحمد إبعادها عن الشركة نهائيًا وأن عليها تقديم استقالتها الغير مسببة الآن، مما جعلها تدخل في حالة من الهياج المعترض:
-حضرتك كده بتظلمني يا بابا، وبتديهم الفرصة يتكلموا عني ويشكوا فيا وفي ذمتي وضميري؟!
-سميحة... قالها الرجل بحزمٍ ليتابع بشراسة وحسمٍ لقراره حرصًا على انقاذ حياة ابنته الزوجية:
-إنتِ هتنفذي الاوامر ومن غير نقاش، ويكون في علمك، إنتِ مش بس هتسيبي الشركة، إنتِ هتسيبي مصر كلها وترجعي على دبي مع جوزك واولادك
اتسعت عينيها لتنطق بذهولٍ:
-ده حضرتك عاوز تخلص مني بقى؟!
نطق بصرامة ليحثها على الصمت والعودة إلى العقل:
-اعقلي وسيبك من شغل المراهقين والعند بتاعك ده،حياتك ومستقبلك هناك في دبي، إرجعي استأنفي شغلك هناك وخلي جوزك يرجع لشغله، عيالك نفسهم مش مرتاحين هنا، يبقى إيه اللي يجبرك على القاعدة في مصر؟!
تطلعت إلى فؤاد بنظراتٍ متألمةٍ متأملة ولو لنظرة من عينيه يخبرها من خلالها أنها خطرت ولو لمرةٍ على باله ولام حاله على خسارتها،استشاط داخل تلك الانثى الشرسة وهي تشاهد نظرات الولهِ والغرام تقفزان من مقلتاي تلك الوقحة عديمة التربية إلى زوجها، بينما فؤاد منشغلاً بقراءة أوراق العقد وبنوده ولا يبالي لنظراتها ولا لوجودها من الأساس، لاحظ أحمد تعدي نجلتهِ حدود الأدب فهتف بقوة وغضبٍ ظهر بعينيه المستشاطة:
-الاجتماع انتهى، قومي لمي حاجتك وروحي
صمتٍ مريب من الثلاثة تحت احتدام قلبها، فقررت الصراخ وهي تتشبث بفرصةٍ أخيرة:
-بس قرارك ده فيه ظُلم ليا وتعنت يا بابا
وتابعت تشير على شقيقها المستمع الصامت منذ بداية الاجتماع:
-حضرتك ليه مأخدتش موقف زي ده ضد بسام لما غلط بدل المرة اتنين وكان هيضيع الشركة خالص؟!
-أولاً لأن بسام معملش كارثة خسرت الشركة ملايين زي ما إنتِ عملتي، وثانيًا وده الأهم هو إن ده شغل بسام الأساسي وشركة عيلته واولاده من بعده، ولازم يدير نصيبه لنفسه ويتعلم ويكبر فيه، لكن إنتِ من أول يوم مسكتي فيه هنا وإنتِ دخيلة على الشركة لأن ببساطة ده مش مجالك ولا بتفهمي فيه
وتابع الرجل مستشهدًا:
-والدليل على كلامي هي النتيجة الكارثية اللي وصلنا لها
وقف فؤاد وتحدث وهو يميل على رأس عمه ليضع فوقه قبلة إحترام:
-بعد إذن حضرتك يا عمي، أنا هروح مكتب إيثار انا وبسام علشان نقابل المحامي ونشوف هنقدر نحجم خسارتنا ازاي،ونشوف الاجراءات والتدابير اللي ممكن نتخذها علشان نحمي بيها الشركة بعد الثغرات الكارثية اللي اتذكرت في العقد
وقف أحمد وتحدث بحسمٍ وقوة وهو يطالع ابنته:
-خليك هنا انت وبسام وايثار وشوفوا شغلكم
وتابع:
-سميحة هتروح على مكتبها لأخر مرة علشان تلم حاجاتها الشخصية وتكتب استقالتها علشان تقدمها لإيثار وتمضي عليها
نزلت دموعها وتطلعت على الجميع قبل أن تلقي بنظراتٍ ساخطة وتنطلق بحدة بطريقها إلى الخارج.
لملمت اشيائها وقامت بتقديم استقالتها اتباعًا لاوامر والدها، وانتهى الاجتماع على خير وخسارة الشركة بعض الخسائر المالية، أصر فؤاد بتحملها جميعًا تحت اعتراض أحمد لكنه بالنهاية رضخ بعد اصرار فؤاد العجيب الذي يعود لتحمله نتيجة ما حدث بتخطيطًا منه،
بعد قليل خرج فؤاد وتوقف داخل الممر مع أيهم ليقول له باستحسانٍ وثناءٍ على ما قام به من خطة محكمة الدهاء:
-برافوا عليك يا أيهم، الخطة اتعملت بذكاء لدرجة ان مفيش مخلوق شك ولا سميحة نفسها
تحدث أيهم بعملية:
-هتشك ازاي يا باشا وهي مقصرة وعاملة كارثة فعلاً، ده لولا إهمالها واعتماديتها على المحامي وغيره من الموظفين في مراجعة البنود كانت كشفتنا ومكنتش الخطة تمت بالسلاسة دي، صدقني لو ده محصلش بتدبير منك كانت فعلاً الشركة اتعرضت لكارثة على ايد الدكتورة، لأن للأسف كل الشركة عارفة عدم مهنينها في الشغل
نطق فؤد بإيضاح:
-متنساش إني عامل حساب للنقطة دي كويس وعلشان كده مسلمتهاش منصب إداري إلا اخر شهرين لما قررنا نرخي لها الحبل اللي هتلفه حوالين نفسها، خصوصًا إن من غبائها هي اللي طلبت ده وألحت علينا نسلمها بعض المهام الادارية علشان تتساوى بإيثار
واسترسل ضاحكًا:
-بعد ما انتَ تعمدت تدايقها وترمي لها في وسط الكلام أهمية دور إيثار القيادي
ضحك وتذكر تنفيذه للخطة ثم تحدث بثناءٍ:
-الله اكبر عليك يا سيادة المستشار، دماغك توزن بلد، رسمت لها خطة ورخيت لها الحبل لحد ما شنقت نفسها بيه
همس فؤاد بحرصٍ عندما وجد إقبال زوجته عليهما:
-اسكت علشان إيثار جايه بدل ما تشك فينا ودي حنبلية، يعني ممكن تقلب لنا الدنيا
نطقت بابتسامة لغالياها:
-واقفين برة ليه؟!
-مفيش، كنت بسأل أيهم عن احوال عزيز و وجدي
أومأت بتفهمٍ وتحدثت إليه:
-طب يلا يا حبيبي علشان نروح للاولاد
وتابعت لشقيقها:
-عاوز حاجة يا أيهم؟
-سلامتك يا حبيبتي... قالها وانصرفت بجانب حبيبها الذي أصبح مطمئنًا على امانها بعدما أبعد تلك الغبية عن الشركة بل البلد بأكملها وذلك عقابًا لها على التواطئ في أذيتها مع تلك الـ رولا.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
عودة من جديد إلى محافظة كفر الشيخ
تحديدًا داخل منزل أزهار، فتح نجلها الباب ليجدها متسطحة باستسلامٍ فوق السرير، تطلع على صنية الطعام ليجد الصحون كما هي لم تُمس، زفر بضيقٍ واستسلام وهو يقول:
-بردوا مش عاوزة تاكلي
لم يرى منها سوى عينين مفتوحتين ويدٍ تُحركُ حباة سبحةٍ بين اناملها بتسلسُلٍ مع حركة خفيفة لشفاهٍ زرقاويتان من شدة المرض الذي بدى عليها بشدة مع تزامن انقطاعها عن الطعام،زفر بحدة ليتابع والدموع تحجرت بمقلتيه لأجلها:
-إنتِ بتعملي في نفسك وفينا كده ليه،كلي وخدي علاجك علشان تقدري تصلبي حتى طولك،ولا عاجبك رميتك دي على السرير زي الجثة؟!
خرج منها صوتًا ضعيفًا مستسلمًا لم يعد يريد ان يحيا بين هؤلاء من يدعون أنهم بشرٍ وما هم أكثر من مجموعة من الذئاب لا تملك من الرحمة ولا الإنسانية مثقال ذرة:
-المفروض تفرح إني بعجل بموتي علشان أدفن وتدفن معايا فضيحتي، وتقدر ساعتها تعيش حياتك إنتِ واخواتك براحتكم
صرخ بانهيارٍ وقد شعر بعدم قدرته على التحمل أكثر:
-كفاية بقى، كفاية حرام عليكِ، إنتِ ليه مش حاسة بيا ولا بالنار اللي جوايا، أنا اتنفيت وانكتب عليا الحبسة زيي زيك بالظبط، الفرق بينا إنك محبوسة في اوضتك وبارادتك،لكن أنا محبوس جوة نفسي وبالغصب كمان
وضعت كفيها تغلق بهما اذنيها مما زاد من غضبه وانشقاق قلبه عليها، خرج مندفعًا لتقابله زوجته وهي تسأله:
-مكلتش بردوا؟
هز رأسه بنفيٍ وظهر الأسى فوق محياه فسأله شقيقه الصغير:
-طب والعمل، هتسيبها كده كتير، دي كده بتنتحر
تنفس قبل أن ينطق بعدما عزم الأمر:
-انا رايح الصيدلية أجيب البنت اللي شغالة مع الدكتور فريد تعلق لها محلول يغذي جسمها، وبالمرة اجيب منه حقنة الفيتامين اللي بتاخدها عنده كل شهر.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بعد قليل كان يقف داخل الصيدلية لتستقبله الفتاة وهي تقول:
-اؤمر يا أستاذ
دار بعينيه ونظر على ذاك الصيدلي يتطلع عليه وهو يضع رأسه بين كفيه والهم والحزن يقفزان من منظر تنكيس رأسه،نطق قاصدًا إياه كي ينتبه:
-السلام عليكم يا دكتور فريد
رفع رأسه بإرهاقٍ يتطلع على صاحب الصوت وما أن رأه حتى انتفض جسده وأصابته الرعشة، تمالك من حالة جلد الذات وتحدث:
-وعليكم السلام
نطق الرجل:
-كنت عاوز استأذنك تديني كلكوز للحاجة أمي لأنها مانعة الأكل
وتابع وهو يشير إلى الفتاة:
-والانسة مهجة تيجي معايا تركبه لها
ارتعب جسد الفتاة ونظرت للطبيب تحرك رأسها بإشارة رافضة ونظراتٍ زائغة مرتعبة،شعر الرجل بطعنة خجرٍ مدبب في وسط قلبه وأصابته خيبة الأمل من رد فعل الفتاة،ولما سيلوم عليها وجميع أهل البلدة أصبحوا يتعاملون معهم على أنهم وباء يجب الابتعاد عنه،تنهد الطبيب وتحدث ببقايا ضميره الذي استيقظ بعدما اُبتلي نجله الوحيد بذاك المرض القاتل:
-انا هاجي اركب لها المحلول بنفسي
وكأنهُ أحيا روحه فهتف بلهفة وحماسٍ ظهر بصوته:
-ربنا يسترك دنيا وأخرة يا دكتور، ومعلش ليا طلب كمان،ياريت تجهز حقنة الفيتامين اللي أمي كانت بتاخدها عندك كل شهر
بمجرد الاستماع إلى حديث الشاب ذكره بقذارة ما قام بفعله في تلك المسكينة،شعورًا يلح عليه بأن يصرخ معترضًا ويقوم بتكسير كل شيءٍ من حوله، ليت الزمان يعود به ما كان سمح لنفسه باتباع "شر البلية" "عمرو"و"إجلال"والانجراف وراء حطتهما الحقيرة،ربما لو تخلى عن المال الحرام وكف عن أذية المرأة لكان نجله الأن بصحةٍ تامة كما كان
بعد قليل توجه فريد وخطى بساقيه إلى حجرة أزهار،شعورًا بالمرارة أصابه وبات ضميره يصرخ وهو يرى حالة المرأة،حمل نفسه كامل الذنب فيما وصلت إليه تلك المسكينة من حالة صحية بجانب فضيحة لم يسبق وتعرضت لها حتى من هُن يسلكن طريق الشيطان كـ سمية وغيرها من الزانيات الخاسرات لـ دينهُن ودنياهُن وآخرتهن إن لم يتوبن لله توبةً نصوحة قبل ان توافيهن المنية، اقترب عليها وارتدى قفازات اليد لحمايته ثم تحدث وهو يجهز المحلول:
-ازيك يا ست أزهار
لم تجيبه لحالتها المزرية وزهدها لجميع مظاهر الحياة فتابع بقلبٍ يصرخ لأجلها:
-ناوليني إيدك علشان أعلق لك الكانيولا
نطقت بصوتٍ خفيض:
-سيبني في حالي واطلع برة يا ابن الناس،مهعلقش حاجة أنا
ازدرد لعابه ونطق كي يحثها على التراجع عما تفعل:
-حرام عليكِ اللي بتعمليه في نفسك ده، إنتِ كده بتنتحري وده حسابه كبير عند ربنا
بابتسامة ساخرة نطقت:
-بعد كل اللي حصل لي من ظلم وافترى هروح أتحاسب تاني،ده أنا بعجل بمرواحي لحبيبي ربنا علشان أشتكي له من اللي ظلموني
وتابعت بنفسٍ لاهث بسبب اعيائها الشديد:
-لو اني عندي أمل إنه يوريني حقي وهو بيجي لي وينتقم لي من كل اللي ظلموني على حياة عيني
كلماتها كانت تنزل كسوط جالد على قلبه لتزيد من نزيفه،تابعت بصوتٍ يصرخ ألمًا من شدة ما تعرضت له من أهوال:
-داعية بحُرقة من كل قلبي على كل اللي ظلمني وشارك في أذيتي،وعلى كل اللي شافوا ظُلمي ووقفوا يتفرجوا على فضيحتي وهم ساكتين
كاد أن يصرخ ويطلب منها أن تعفو وأن تكف عن دعواتها التي نزلت عليه كلعنةٍ أصابت هدفها الصحيح،فكر في أن يميل على قدميها يصرخ متألمًا وهو يقبل قدماها ويطلب السماح والعفو لعل الله يتقبل وينجي صغيره من طوفان اللعنة "لعنة أزهار"التي اقتحمت حياته لتحولها من هادئة سعيدة لمبتلية غابت شمسها
بالكاد اقنعها هو ونجلها وعلق لها المحلول وانصرف بعدما حقنها بدواء الفيتامين لترتجف يده عدة مرات وهو يتذكر ما فعل بها بالماضي،بئس ما فعل وبئس المصير.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بعد مرور إسبوعين، داخل منزل إجلال كانت تجلس بوسط البهو تتطلع على النساء وهُن يعملن على قدمٍ وساق في تنظيف المنزل تحت صياحها الساخط:
-متخفي ايدك يا بت منك ليها،قطم رقابيكم،مش فالحين غير في الأكل وبس
تطلعن النسوة لبعضهن يلعن رِق الحال الذي أوقعهم تحت يد تلك المرأة الجبروت التي لا تضع الله صوب عينيها في تصرفاتها
خرجت زوجة طلعت وتحدثت بارتباكٍ وهي تفرك كفيه ببعضيهما:
-أنا رايحة عند أمي يا ستهم
رمقتها بازدراءٍ وهي تتفحصها من قمة رأسها إلى أخمص القدم وتابعت متهكمة:
-ومين اللي هيسمح لك بكده يا بت؟!
ازدردت لعابها مرةً آخرى يعود لشدة هلعها من تلك الشمطاء المتجبرة:
-انا استأذنت سي طلعت الصبح قبل ما يطلع ويروح على المطعم، وهو سمح لي، بس قالي متتأخريش
صرخت لترتجف اجساد جميع النسوة على إثر صراخها المنفر:
-غوري يا بت انجري على فوق واقلعي الزفت اللي إنتِ لابساه ده، والبسي جلبية قديمة وتعالي اكنسي الجنينة ورشيها ماية
تراجعت بوقفتها ونطقت بصوتٍ خفيض خشيةً بطشها:
-ما النسوان كتير اهي، وهما اللي بينضفوا الجنينة كل يوم
-وانا قولت هتطلعي تكنسي الجنينة وترشيها يعني هتطلعي... قالتها بعنادٍ وتعنت وتابعت بتجبرٍ:
-مش بس كده يا بنت بارم ديله، ده انتِ هتطلعي فوق السطح تكنسيه هو كمان وترشيه
اتسعت عينيها لتسألها بذهولٍ:
-عوزاني أطلع السطوح في الحر ده؟!
نطقت إحدى النسوة:
-السطح كنسناه الصبح في الطراوة يا ستهم، ونضيف وزي الفل
ابتسمت الصغيرة ليجن جنون إجلال وهي ترمق المرأة بسخطٍ:
-حد قالك انطقي يا بت، طب عشان طولة لسانك دي مخصوم منك نص يوميتك، ولو نطقتي حرف تاني هخصمها كلها
وأشارت بكفها للخارج:
-إطلعي بقى زي الشاطرة كده وهاتي جردل تراب وزبالة من الجنينة ورشيه على السطوح
وتابعت وهي تتطلعُ على زوجة طلعت:
-وإنت،يلا غيري هدومك وانزلي على الجنينة على ما السطح يجهز
انسحبت للأعلى منكسة الرأس بخزيٍ من العاملات اللواتي تطلعن عليها بشفقة من جبروت تلك المرأة الحقيرة وهي تعامل زوجة نجلها كا الخادمات بل أشد، امسكت هاتفها وتحدثت إلى ذاك الجالس خلف المكتب الخشبي داخل المطعم بظهرٍ مفرود وقامةٍ مرتفعة يتطلع على الناس من حوله بكبرياء، رد عليها بنبرة خشنة:
-خير
كانت تبكي وتشتكي له من أفعال والدته أملاً في انصاف زوجها لها لكنه صدمها بقوله الجاحد:
-بقول لك إيه يا نوجا، أنا لسه واخد الاصطباحة بتاعتي ومش عاوز لت حريم كتير و وجع دماغي
سألته بدموعها:
-يعني إنتَ راضي على اللي امك بتعمله فيا ده يا سي طلعت؟!
احتدم غيظًا منها فهتف بسخطٍ يعود لتناوله أحد انواع الحبوب المخدرة:
-متخرسي بقى يا بت وتحمدي ربنا على عيشتك، إنتِ كنتي تطولي تتجوزي إبن الحاج نصر وتعاشري ستهم
ظل يؤنبها بسخطٍ ويكيل السباب لها ولعائلتها تحت دموعها المنهمرة وهي تشعر بالإهانة والإحتقار من قِبل زوجها وعائلته،وتابع يهددها إن لم تكن مطيعة له ولوالدته سيقوم بتأديبها بالضرب المبرح كي تعود إلى وعيها، فهمت وتيقنت أن لا أمان لها وسط هذا المستنقع، فقررت النأي بحالها والفرار من الموت المؤكد إذا ما استمرت في تلك الزيجة، فعلت كل ما أمرت به من إجلال، انتهى اليوم وصعدت للأعلى، تظاهرت بالنوم قبل عودة طلعت الذي أتى ليجدها تغط بسباتٍ عميق مزيف ليغفو بجوارها،بعدما تأكدت من دخوله في النوم تسحبت على أصابع قدميها،ارتدت ثوبًا كانت قد اعدته مسبقًا ووضعته بحجرة المعيشة،نزلت الدرج وهي تتسحب إلى أن خرجت من المنزل بأكمله من البوابة الخلفية بعيدًا عن الحرس الجالسون أمام البوابة الأمامية،هرولت مسرعة وهي تتلفتُ حول حالها هلعًا وخشيةً من ظلام الليل الدامس وعدم وجود بشرٍ، أخذت تجري وتجري حتى وصلت إلى بوابة ذاك المنزل الوحيد الذي لن تطولها أيادي هؤلاء المتجبرين وهي داخله.
أخذت تدق الباب بأقصى ما لديها من قوة وهي تتلفتُ من حولها والخوف والرعب يتملكاها.